سِفْر اللاويين
الدرس الثاني – تَكملة المقدمة
تَناولنا في الأسبوع الماضي بَعض الأساسيات حول سِفْر اللاويين لنُمهّد الطريق لدِراستنا.
في هذا الأسبوع، وقبل أن نَدخل في تفاصيل "الذبيحة المحروقة" التي هي أوّل موضوع في الإصحاح الأول من سِفْر اللاويين وعِبارة عن نوع مُحدد جدًا من أنواع الذَبائح المتعددة، هناك بعض المبادئ التي نَحتاج إلى نَتطرق إليها. بعض هذه المبادئ لا تأتي إلى أذهاننا مباشرةً، وفي الواقع، لا يتم ذِكرها حتى نَصل إلى سِفْر العدد ثم سِفْر التثنية.
ومع ذلك، من المُفيد أن نَعرِفها قبل أن نَقرأ سِفْر اللاويين، لأننا عندئذٍ نتوقف عن قول الافتراضات التي يَتبيّن أنها خاطئة.
إنّ إحدى أكثر العناصر اللاهوتية في نِظام الذبائح تنويرًا، وغير المفهومة بشكلٍ كامل، هي ما يلي: لم يَكن نظام الذبائح اللاوي الذي أعطاه الله لإسرائيل علاجًا لجميع الخطايا التي ارتُكبت. هذا يعني أنه في حين أنّ نظام الذبائح كان في المقام الأول، وإن لم يَكن بالكامل، من إعداد يَهوَه لغَرَض التكفير عن الخطايا، إلا أنه لم يكن بالإمكان التكفير عن كل خطيئة….. لم يَكن بالإمكان تغطية كل خطيئة بذبيحة حيوانية. فَكّروا في ذلك للحظة واحدة، وفكِّروا في التداعيات المترتبة على ذلك، حيث يُقال إنّ يسوع المسيح هو تَحقيق نفْس نظام الذبائح. هذا المفهوم هو من الأسباب التي تَجعلنا اليوم نَخوض هذه المناقشات اللاهوتية العظيمة التي تَدور بين رجال عقلاء ومُطلعين وأتقياء حول ما إذا كانت جميع خطايانا مُغطاة بآلام يسوع على الصليب أم لا، وفق كل الظروف الممكنة. هذه المناقشات تَجري عادةً تحت عنوان "الأمان الأبدي" أو، كسؤال سأل عنه الكثير من المؤمنين، "هل يمكن أن تخسر خلاصك"؟
بما أنّ نِظام الذبائح اللاوي لم يُقدّم تكفيرًا عن بعض الخطايا، ولكنه قَدّم تكفيرًا عن خطايا أخرى. ما هي الخطايا التي يمكن أن يَرتكبها شخص ما ولا يستطيع أن يلجأ إلى نظام الذبائح للتكفير عنها….. ليَمنحه غفران يَهوَه؟ التوراة واضحة جدًا في هذا الأمر: الخطايا المُتعمّدة "بشكل عام" لا يُمكن التكفير عنها. سنرى أحيانًا كلمات مُستخدمة في الكتاب المقدس لوَصف هذه الفئة من الخطايا بأنها "كبيرة" أو "عظيمة"، الفكرة هي أنّ هذه فئة من الخطايا لا عذر لها في نظر الله. كانت خطايا مُتعمّدة. تَضمنت هذه الخطايا إما إنكار حقائق الكتب المقدسة أو بِر يَهوَه في نطقه بالشرائع والفرائض التي أعطاها لموسى وتَطبيقها. كانت هذه خطايا تحديًا صريحًا وعلنيًا لملك الكون. لقد تمّ التخطيط لهذه الخطايا أو ارتُكبت بإهمال جسيم؛ أي ارتكب شخص خطية وهو يَعرف تمامًا أنها خطية خطيرة، ولكنه ارتكبها على أي حال (هل فعل أحد ذلك مؤخرًا؟). كل ما كَفّر عنه نظام الذبائح كان خطية غير مقصودة وغير متعمّدة. سنَدخل في مزيد من التفاصيل خلال الدرس، لكن في الوقت الحالي، أودّ أن أعطيكم بعض الأمثلة عن كيفية تَصنيف التوراة للخطايا، لكي تفهموا الصورة الأكبر.
القَتل هو خطيئة مقصودة ومُتعمّدة. بينما قد يَدور نقاش مستمر في أمريكا حول ما إذا كان أي قَتْل لإنسان هو جريمة قتْل… حُكم الإعدام على بعض الأفعال الإجرامية، أو حتى الموت الناتج عن القِتال العسكري…. جَعل الشريعة التوراتية الأمر واضحًا جدًا بالنسبة لبني إسرائيل: قتْل الإنسان يَنقسم إلى فئتين أساسيتين، القتل المبرر أو غير المبرر. القتل المبرر لم يكن قتلًا. القتل المُبرر يكون، على سبيل المثال، عبارة عن إمساك لص غير مسلح في منزلك ليلاً، وبغياب أي وسيلة لتقدير مستوى الخطر الذي يُشكله هذا اللص عليك وعلى عائلتك، قتلته.
في شريعة التوراة، كان لديك ما يُبرر القتل لأنك كنت تفترض أنك تحمي الحياة… حياتك وضيوفك وعائلتك. لكن قتْل ذلك اللص نفسه غير المسلح في ساعات النهار، عندما كان بإمكانك أن تُميز بشكل معقول ما إذا كان اللص مجرمًا خطيرًا معروفًا وما إذا كان مسلحًا أم لا، هو قتل غير مبرر فقتله، في هذه الحالة، لم يكن من أجل حماية الممتلكات فقط، والله لا يُسمح بهذه المقايضة……الحياة مقابل الممتلكات. أي يهودي يَعرف ذلك. لذلك، فإن القتل غير المبرر كان خطيئة متعمدة وغير قابلة للتغطية بتقديم الذبائح كقرابين: لكن القتل المبرر لم يكن مُتعمدًا، وبالتالي كان قابلًا للتغطية بتقديم الذبائح كقرابين.
إليكم مثالٌ آخر: الزنا. إذا مارس رجل متزوج الجنس مع امرأة متزوجة ليست زوجته، كانت هذه خطيئة مُتعمدة. كلاهما كان يَعرف الشريعة ذات الصلة، أو كان يجب أن يعرفاه لأن تحريم الزنا كان معروفًا. لم يكن الأمر عرضيًا ولم يكن خطأً، وبالتأكيد لم يكن مُبررًا. لذلك، لم يكن هذا الأمر مشمولاً بنظام الذبائح، ولم يكن بالإمكان التكفير عنه. كان هذا الشخص يُقطع عادةً… ويُعدم بسبب هذه الخطيئة. وبالمناسبة، كان الإعدام، عادةً عن طريق الرَجم، يُعتبر في حد ذاته قتلًا مُبررًا، وبالتالي قتلًا غير مُتعمد، وكان يتم التكفير عنه باستخدام نظام الذبائح.
إذًا، ماذا حَدث لأولئك الذين لم يَستطيعوا التكفير عن خطاياهم بالذبائح، لأن الخطايا التي ارتكبوها كانت تُصنف على أنها مُتعمدة؟ لقد تم تحويلها إلى الجزء الآخر من نظام عدالة الله، أي لعنات الناموس. كل الخطايا غير المقصودة كان يمكن أن تُكفّر عنها ذبيحة مناسبة…… كان نظام الذبائح يكفّر عنها…. وكانت هذه نعمة عظيمة لأنه بنعمة الله يمكن التكفير عن خطاياهم. ولكن لم يكن بالإمكان تغطية الخطايا المتعمدة بنظام الذبائح؛ أما الآن الأمر يَتعلق بلعنات الناموس. دعوني أكون واضحًا؛ أنا لا أتحدث عن الناموس بمعناه الغامض، أو عن نظام العدالة الجنائية المَحَلية.
أنا أتحدث عن الناموس الكتابي كما هو موجود في التوراة. لكي نكون منصفين، بعض الخطايا غير المقصودة كانت تَتطلب تعويضًا بالإضافة إلى ذبيحة إذا كان هناك طرف متضرر. على سبيل المثال، انكسرت ساق حمار رجل بسبب حفرة حفرتَها ولم تقم بتغطيتها. كان عليك أن تقدم ذبيحة حيوانية في خيمة الاجتماع، وأن تقدم تعويضًا للرجل عن فقدان حماره. لكنك بذلك تكون قد تصالحت مع الله وعوضت الطرف المتضرر عن خطئك تعويضًا عادلًا. أنت الآن بأفضل حال.
أرجو أن تَصبروا بينما نُعالج هذا الأمر. إنّه مَبدأ مهم يَجب أن نفهمه لأنه لن يُساعدنا فقط على فَهم العقلية العبرية في العهد القديم، بل سيُساعدنا أيضًا في فهم الكثير مما كان بولس يَتحدّث عنه في الكثير من إشاراته إلى الناموس في رسائله إلى الكنائس المختلفة.
افتحوا كتبكم المقدسة على سِفْر العدد خمسة عشرة الآية سبعة وعشرين إلى ثلاثين
"إِنْ أَخْطَأَ إِنْسَانٌ خَطِيَّةً يُقَدِّمُ تَيْسًا أُنْثَى مِنَ الْمَعْزِ فِي سَنَتِهِ الأُولَى ذَبِيحَةً.
يُكَفِّرُ الْكَاهِنُ أَمَامَ يَهوَه عَنِ الشَّخْصِ الَّذِي يُخْطِئُ بِخَطِيئَتِهِ سَهْوًا، فَيُكَفِّرُ عَنْهُ وَيُغْفَرُ لَهُ …سواء كان من مواطني إسرائيل أو من الأجانب المقيمين معهم. هناك قانون واحد لم يقوم بخطأ عن طريق الخطأ. ولكن، الشخص الذي يفعل شيئًا خاطئًا عن قصد، سواء كان مواطنًا أو أجنبيًا، فهو يُجدف على يَهوَه. هذا الشخص سيُفصل عن شعبه. ولأنه احتقر كَلِمة يَهوَه، وعصى أمره، فإن هذا الشخص سيُفصل تمامًا، ويبقى إثمه معه".
هذا مِثال عظيم لما يسمى بلعنة الناموس. الآن إن كنتم تتساءلون لماذا يُفضل الكثير من القساوسة والمُعلِمين وقادة الكنائس عدم تعليم، أو حتى قراءة العهد القديم، فإن هذا المقطع يَترأس قائمة الأسباب. إنّ هذه العبارة، والمبدأ الذي تنصّ عليه بوضوح خاليان من الالتباس والغموض، هذه العبارة هي مُشكلة لاهوتية شائكة عند محاولة ملاءمتها مع عقائد العصر الحديث. لأنه على الرغم من أن معظم القساوسة المعاصرين ليسوا على دراية عامة بسِفْر التوراة، إلا أنهم سيُوافقون بلا تردد على القول بأنّ يسوع قد استوفى جميع مُتطلبات نظام القرابين. لقد سمِعنا جميعًا ذلك من على المنبر، وربما يوافق كل من في هذه القاعة على الأرجح على هذا القول أيضًا. ولكن، إلى أي نظام ذبيحة يُشيرون بالضبط؟ إنّ كَون يسوع هو الذبيحة الكاملة، مرة واحدة وإلى الأبد، وبديلاً مصرحاً به عن كل تلك الذبائح الحيوانية المقررة التي كانت تُستخدم للتكفير عن الخطيئة في نظام القرابين في الكتاب المقدس، كما هو موجود في سِفْر اللاويين، هو أمْر دقيق تمامًا…هؤلاء القساوسة وأنا ليس لدينا مشكلة في ذلك. لكن، ماذا نَفعل حيال الحقيقة الصارخة التي قالها الله بوضوح "وقد عرفتم ما هو الصواب والخطأ في عيني، أن تفعلوا الخطأ عمدًا هو أن تُخطئوا إليّ…. لذا ستُفصلون ولا كفارة لتلك الخطايا… ستبقى معكم إلى الأبد". يا إلهي! تُعتبر هذه المسألة أصعب بكثير عندما نَتفحص نظام القربان بعيدًا عن التجاهل السعيد ونفترض فقط بعض الأشياء بخلاف حقيقتها؛ أي عندما نَنظر إلى كلمات الكتاب المقدس الفعلية، في سياقها، من دون قبول اجتزاء العقائد غير القابلة للتشكيك لتَتناسب مع أجَندة مُحدَدة مسبقًا.
تَحمّلوني. أعلم أن بعضكم لا يشعر بالراحة تجاه ما أقول، وربما تظنون أنكم تعرفون إلى أين أتجه. وأنتم على الأرجح مخطئون، لذا اصبروا.
كان العبريون يَعرفون أنّ لديهم مشكلة كبيرة هنا. إنّ التوراة ببساطة لا تُوفر طريقة للإسرائيلي للتصالح مع الله، بمجرد أن يرتكب هذا الإسرائيلي خطية "كبيرة "أو "عظيمة". لذا، في الوقت المناسب، تَولّى كُتّاب التقاليد اليهودية الأمر. يمكنكم أن تقرأوا في التلمود كل أنواع العلاجات لهذه المشكلة التي تبدو مُستعصية. ففي نهاية المطاف، من يريد أن يرتكب إحدى هذه الخطايا الكبيرة، ثم يمضي في حياته وهو يعلم أنّ مصيره لا مَفرّ منه؟ لقد أصدر الحكماء والحاخامات الكبار أحكامًا شاملة تراوحت بين القول بأن يوم التكفير، يوم الغفران، هو ما يُغطي الخطايا المُتعمدة، بل قالوا إنّ فعل الأعمال الصالحة و/أو إظهار التوبة القلبية يغطي الخطايا المتعمدة. قال البعض إنّ الندَم بما فيه الكفاية، أو دراسة الكتاب المقدس بما فيه الكفاية، أو القيام بعَمَل تَوبة عظيمة أو عَمل صالح عظيم يمكن أن يُحوِل تلك الخطيئة المُتعمدة إلى عمل له استحقاق في نظر يَهوَه بطريقة سحرية تقريبًا. بالطبع، لا يوجد دلائل عن هذه الأمور في الكتاب المقدس. ولكنه يُسلّط الضوء فقط على مدى خطورة الخطيئة المتعمدة، وكيف أنّ هذه السلطات الدينية العبرية ستَتخطى الحدود لاستحضار هذه الإجراءات المعذبة لتخليص نفسها من رفَض الله بسبب ارتكابها خطيئة متعمدة. اسمحوا لي أن أصيغ ما سبق بمصطلحات حديثة: ما نُسميه نحن الخطيئة التي لا تُغتفر، كانوا يُسمونها الخطيئة المُتعمدة، لأن هذه الخطايا بشكل عام لم يكن لها وسائل متاحة للتكفير… لذلك ظلت غير مغفورة إلى أجل غير مُسمّى.
بالعودة إلى سِفْر الخروج، بدأنا نقرأ عن السلسلة الأولى من سلسلة الشرائع المعطاة لإسرائيل، والتي بدأت بالوصايا العشر. في الفِكر العبري لا يوجد فرق بين الشريعة الدينية والشريعة المدنية….. فهما مماثلان. كان الناموس التوراتية الديني هو أيضًا القانون المدني. كان الناموس التوراتي هو القانون الذي عاش المجتمع العبراني في ظله (على الأقل عندما كانوا يحكمون أنفسهم). كانوا ليسخروا من مفهومنا الغربي المشكوك فيه حول الفَصْل بين الكنيسة والدولة. لقد عَلّمنا في سِفْر الخروج عن قوانين تَنصّ على الموت الفوري للزناة والقتلة وعبدة الأوثان، وعن قوانين أخرى تنص حتى على الموت بسبب الإهمال الجسيم. كان هناك بعض القوانين الخاصة بالممتلكات، وبالتالي، كانت تتضمن عادةً التعويضات عند ارتكاب الخطأ. لم يكن الشخص الذي يُكتشف أنه سارق يُسجن، بل كان عليه أن يقدم تعويضات للشخص الذي سرق منه. ودائمًا ما كانت هذه التعويضات تنطوي على رَد مبلغ أكبر بكثير من المبلغ الذي أخذه. كانت هناك قوانين تَتعلق بالإصابات العَرَضية للأشخاص أو الحيوانات، وكان الحلّ عادةً ما يكون أيضًا تعويضًا. إذا لم تَستطع أو لم تَردّ أيًا من التعويضات المطلوبة، كان ليتم تسليم حياتك إلى ذلك الشخص الذي تعرّض للأذى أو للخسارة، بشكل أو بآخر، كعبد، حتى تُسدد له ذلك الدين. هذه الأنواع من القضايا وعلاجها وعقوباتها، كلها مذكورة في شريعة الكتاب المقدس.
لذلك فإن الطريقة الأفضل بالنسبة لنا لفهم نظام العدالة الذي أقامه الله لإسرائيل هو أن نُفكِر فيه على أنه يَتألف من عنصرين أساسيين: الناموس، ونظام الذبائح. الآن، قد يرغب أحد العبريين في أن يخلق جدلاً بسبب ما قلته للتو عن بعض المزايا التِقنية، وسيكون محقًا؛ لأنه من الناحية التقنية، فإنّ نظام الذبائح موجود داخل الناموس كجزء من الناموس، على الأقل بالطريقة الشائعة في الحديث. لكن الطريقة الوظيفية التي كان يَعمل بها نظام العدالة الكتابي، جعلت الناموس ونظام الذبائح نظامين منفصلين إلى حدٍ ما، يُستخدمان لأغراض مختلفة… مُتعاكسة تقريبًا……أغراض مختلفة.
منذ بعض الوقت، بالعودة إلى سِفْر الخروج، تَناولنا بالتفصيل عدالة الله التي تُدعى بالعبرية "ميشبات". الناموس ليس عدالة الله، بل هو جزء من عدالة الله. كان للناموس دَور في نظام عدالة الله، تمامًا كما كان لنظام الذبائح دَور في نظام عدالة الله.
إنّ إحدى المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام عدالة الله يُشبه تمامًا نظامنا القانوني الأمريكي حيث نُعلن أنّ بعض الجرائم أقل خطورة من غيرها، ولذلك نُصنف الجرائم وفقًا لذلك ولدينا تقنيات مختلفة لكيفية التعامل مع الجرائم الأقل خطورة مقابل الجرائم الأكثر خطورة. فنحن نُصنف الجرائم الأقل خطورة كجِنَح، والأكثر خطورة كجِنايات. ولإجراء تشبيه، ناقص، ولكن قريب بما فيه الكفاية لتوضيح هذه النقطة، فإنّ نظام القربان يُكفّر عن الجِنح…… ولكن ليس عن الجنايات (من فضلكم لا تأخذوا ذلك الأمر حرفيًا). لقد عَرّف الله في نظام عدالته الجُنحة بأنها ارتكاب خطيئة غير مقصودة…….والجناية بأنها ارتكاب خطيئة مَقصودة. بينما نحن المؤمنين نريد أن نُصنّف الخطايا حسب الكبيرة والصغيرة، الصغيرة هي الغِش في ضرائبك، والكبيرة هي سَرقة بنك، والكبيرة هي القتل العَمد…..يبدو أن الله يَبدأ بتصنيف الخطايا على أنها غير مقصودة أو مُتعمدة.
علينا أن نتذكر أن كل الجرائم عند العبريين كانت خطيئة. كل ما فعله العبري خطأ كان أولاً وقبل كل شيء إساءة إلى الله…وكان العبريون في زمن التوراة يرون الأمر على هذا النحو.
من المؤكد أنّ فعل الخطأ كان يَتجلّى في كثير من الأحيان، بأن يقوم شخص ما بإلحاق الأذى بشخص آخر. لكن الأساس هو أنّ الله كان يُحدّد الحق والخطأ؛ لذلك في كل الحالات كان أي نوع من الخطأ في المجتمع الإسرائيلي عبارة عن انتهاك لناموس يَهوَه، لذلك كان كل خطأ خطيئة.
دعونا نكون واضحين للغاية قبل أن نبدأ في قراءة سِفْر اللاويين: لم يكن الغَرَض من نظام الذبائح إخضاع المُخطئ لعقوبة. لم يكن نظام الذبائح نظامًا تصاعديًا لرسوم أو غرامات جزائية في شكل حيوانات أكثر قيمة أو أقل قيمة، وكان اختيارها يَعتمد على خطورة الإثم. لم تكن الفكرة هي أنه كلما كانت الخطيئة أكبر، كلما كان الحيوان الذي كان عليكم أن تَتخلوا عنه أكبر وأغلى ثمنًا.
لم تَكن تُدفع حمامة مقابل خطيئة صغيرة، وثورًا مقابل خطيئة كبيرة. كان نظام الذبائح موجودًا للحفاظ على علاقتكم مع الله، ولإصلاحها إذا دُمّرت بسبب الخطيئة. كان موجودًا لإفادة الخاطئ أكثر بكثير من استرضاء الله. ومهما كان شَكل استرضاء الله، لم يكن الأمر يَتعلق بإرضاء الله….. بل كان يَتعلق بالطاعة والمصالحة في نظام عَدله حتى تَتمكنوا من استعادة علاقتكم به.
دعوني أصيغ الأمر بطريقة أخرى، وأرجو أن تنتبهوا جيدًا لأن الصياغة قد تغير الطريقة التي تنظرون بها إلى الناموس: كان نظام الذبائح يمثل جزء الناموس الخاص بالبَرَكات وكانت لَعنات الناموس تُمثل الجزء الخاص بالعقاب.
إذا أخطأ إسرائيلي عن غير قصد، كان بإمكانه دائمًا أن يلجأ إلى نظام الذبائح الذي وَرَد بالتفصيل في سِفْر اللاويين، ليَتصالح مع الله. أليس هذا بالضبط ما نعتمد عليه نحن المؤمنين بيسوع؟ عندما نُخطئ نلجأ إلى ذبيحة يسوع كمخرج لنا. إذا ألحق شخصٌ ما ضررًا بشخص آخر أثناء ارتكابه خطيئة ما، سواء كان ضررًا ماليًا أو جسديًا، فعادةً كان يُشرّع التعويض لذلك الشخص المتضرر، مع ذبيحة حيوانية مناسبة في خيمة الاجتماع كتعويض لله. وعلاوةً على ذلك، يتمّ الغفران…الغفران الحقيقي، وليس الرديء، ويُسترجع السلام بين الله ومرتكب الخطأ، الخاطئ، من خلال نظام الذبيحة الذي لا غِنى عنه والذي كان عامل التكفير. لقد تَمت المبارَكة بهذه العملية، بدلاً من العقاب.
ومع ذلك، إذا أخطأ شخص ما عمدًا، لا يعود بإمكانه استخدام نظام الذبائح والحصول على المصالحة مع الله. بدلاً من ذلك كان يجب التعامل معه بموجب لَعنات الناموس. وبدلاً من أن ينال بَرَكة ونعمة نظام الذبائح، يَنال عقاب (لعنة) الناموس. دعوني أذكر ذلك مرة أخرى: كان نظام الذبائح قائمًا بالكامل على النعمة. كان الحيوان هو الذي يَفقد حياته وليس الشخص الذي ارتكب الخطيئة. لكن لَعنات الناموس كانت مختلفة. وعندما كانت الخطيئة من النوع الذي يتطلب عقابًا بموجب الناموس، ومع أنّ العبريين لم يخسروا حياتهم الجسدية عادةً (في بعض الأحيان خسروا حياتهم)، إلا أنهم خسروا علاقتهم مع الله، ولم تكن هناك طريقة مُحددَة لاستعادتها. كان هذا احتمالاً مرعبًا يُواجهه كل عبري كل يوم من أيام حياته. أعني، هل كان الإسرائيلي يَعتقد حقًا أنّ بإمكانه أن يمضي حياته كلها من دون أن يخالف ولو لمرة واحدة عن قصد إحدى شرائع الله؟ ألا يَمرّ عليه يوم واحد سيء ويُخطئ عمدًا؟
الحقيقة المُحزنة هي أنه بقدر ما يستمتع الكثير منا داخليًا بالنظر إلى أولئك العبريين المُتصلّبين الذين كانوا يميلون إلى الانحراف إلى عبادة الأصنام من وقتٍ لآخر، ومُقارنتهم بأنفسنا نحن الذين لن نقوم بشيء أحمق مثل السجود لإله وثني، فإن خطايا هؤلاء العبريين كانت دائمًا غير مَقصودة. لقد عملوا جاهدين كي لا يخطئوا أبدًا.
ماذا عنّا نحن؟ نحن على العكس تمامًا. لقد أوصلتنا عقيدة الكنيسة وتقليدها إلى درجة أننا بالكاد نعتبر الخطيئة غير المقصودة خطيئة إن كانت غير مقصودة. وجهة نظرنا هي أننا إذا لم نقصدها، أو لم ندركها حتى، فلا مشكلة فيها. في واقع الأمر تكاد لا تكون خطيئةً إذا لم نكن نعرف أنّنا نعصي، وأنّ الجهل بالناموس هو عذر، ويمكن أن يكون في الواقع لصالحنا. ومع ذلك كان هذا النوع من الخطيئة بالتحديد، الخطيئة غير المقصودة، هو الذي صُمم نظام الذبائح لاستيعابها. لقد كانت الخطايا غير المقصودة التي من أجلها قُتلت الملايين، وربما المليارات من حيوانات الله للتكفير عن أشياء فعلها البشر…. أشياء لم يفكروا فيها كثيرًا.
تقريبًا كل الخطايا التي نُفكّر فيها نحن المؤمنون المُعاصرون حاليًا على أنها النوع اليومي من الخطايا تَندرج في الواقع في فئة الخطايا المُتعمدة والمقصودة. نحن نتعمد أن نفعلها، على الرغم من أننا قد نَندم عليها لاحقًا. نحن نعلم أنها خطأ، لكننا نفعلها على أي حال. نعلم أنها إساءة إلى الله، لكننا نَختار أن نُفكّر في العواقب لاحقًا. عندما يكون لدينا خطيئة ونعترف بها لله، عادةً ما تكون، حسب التعريف الكتابي، خطيئة مقصودة. ولم يكن نظام الذبائح اللاوي يغطي هذا النوع من الخطيئة.
بما أن نظام الذبائح في الكتاب المقدس يُغطّي فقط الخطايا غير المقصودة، وإذا كان يسوع قد أتمّ هذا النظام فقط، فأين يكون موقعنا عندما نُخطئ في معظم الأحيان عن عَمد؟ حسنًا، إليكم الخبر السار: للمساعدة في توضيح كيف أن بولس رأى أن المسيح قد أتمّ أكثر ممّا أتمّه نظام الذبائح اللاوي، بكل تَعريفاته لما يمكن أن يكفّر عنه وما لا يمكن أن يكفّر عنه، ما علينا إلا قراءة رومية الإصحاح ثلاثة الآية خمسة وعشرين
قراءة رومية الإصحاح ثلاثة الآية ثلاثة وعشرين إلى خمسة وعشرين
"…لأنّ الجميع قد أخطأوا وقَصّروا في كَسب مديح الله. بنعمة الله، من دون أن يكسبوها، مُنح الجميع منزلة البدء باعتبارهم أبرارًا أمامه، من خلال العمل الذي خلصّهم من عبودية الخطيئة الذي تمّ على يد المسيح يسوع. لقد قدّم الله يسوع ككفارة "كبارة" بالعبرية، عن الخطيئة من خلال ثقته فيما يَتعلق بموته الدموي كذبيحة".
والآن، ماذا قال بولس هنا؟ أولاً، افهموا أنه حيثما ورد في كتابي المقدس كَلِمة "كابارة"، قد يرد في كتابكم المقدس "كرسي الرحمة" أو "ذبيحة التكفير" أو شيء من هذا القبيل.
كابارة هي مجرد كَلِمة عبرية تعني التكفير. ولكن، في اليونانية، الكَلِمة المستخدمة هنا هي "هيلاستيريون"، وهي مُستخدمة في موضعين آخرين في العهد الجديد، وفي المرّتين تُشير إلى كرسي الرحمة…. غطاء تابوت العهد. لذلك يمكن أن نترجمها إلى كفارة. ولكن عندما نُدرك أنها تشير بشكل مباشر إلى أهم أثاث في أهم موقع في خيمة الاجتماع، والذي هو مِحور نظام الذبائح اللاوي، عندها نرى الارتباط بين نظام الذبائح اللاوي ويسوع المسيح. ومع ذلك فحتّى هذا لا يُمثّل تمامًا ما أتمّه يسوع.
كانت العبارة الرئيسية في الآيات التي قرأناها للتو وهي "عبودية الخطيئة" أو غيرها من العبارات المُشابهة لها تَحظى باهتمام كبير بين المؤمنين. ولكن إذا طبّقنا ما تعلمناه اليوم…أي أنه بمجرد أن يرتكب العبري خطيئة متعمدة، ولا أمل في التكفير عنها….. عندها نرى ذلك يُضفي معنى جديدًا على عبارة "عبودية الخطيئة". عند ارتكاب خطيئة متعمدة، تصبح عبدًا لها إلى الأبد. لا مَفرّ من الخطيئة المتعمدة وفق نظام الذبائح اللاوي. هذا أقرب إلى المعنى الذي كان يعنيه بولس، لأنه حسب التفكير العبري في تلك الحقبة، كانت الخطايا المتعمدة هي المشكلة لأنها ترافقكم إلى الأبد. لم تكن عبدًا للخطايا غير المقصودة، بل للخطايا المقصودة، لأن نظام الذبائح كما كان موجودًا منذ أيام موسى فصاعدًا كان قادرًا تمامًا على التعامل مع الخطايا غير المقصودة التي ارتكبها العبريون.
لاحظوا الجزء الأول من كتابات رومية ثلاثة الذي قرأناه للتو: إنه يقول إنه نظرًا لعدم إمكانية الإنسان أن يُمضي حياته من دون أن يُخطئ أبدًا، فإنه بنعمة الله هناك طريقة يمكن من خلالها التكفير عن كل تلك الخطايا. بالنسبة لبولس كان واضحًا أن المسيح فعل شيئًا أكثر مما كان نظام الذبائح اللاوي قادرًا على فعله؛ وما استطاع المسيح أن يَفعله هو التكفير عن الخطايا المقصودة في حياتنا وكذلك غير المقصودة.
كَوّنتم الآن فكرة جيدة عن المبادئ الأساسية لنظام العدالة (الميشبات) الذي عاش بنو إسرائيل وِفقَه. لا عَجب أن الكتبة والحكماء والحاخامات العبريين طَوروا على مرّ القرون الكثير من التقاليد للتعامل مع عدم مرونة وقسوة هذا النظام الذي لم يكن يَشمل علاجًا للخطايا المتعمدة. وتلك التقاليد التي طوروها في كثير من الحالات غيّرت ببساطة طرق الله التي استُبدلت بطرق البشر، لأنها تتناسب بشكل أفضل مع فلسفاتهم المتطورة عن الحياة والإنصاف والعدل وحاجتهم للتخلص من ذنبهم. لقد تجاهلوا أنّ الله كان له هدَف من هذا النظام من الشرائع والذبائح الذي لم يَشمل طريق للتكفير عن كل نوع من الخطايا؛ وأنّ الأنبياء أخبروهم أن علاج مشكلتهم آتٍ….. وسيُوفّره يَهوَه نفسه….. في شخص المسيح.
يُساعدنا ذلك على فهم لماذا كلما كان الإسرائيلي مُتعلّمًا أكثر (في العصور التوراتية كان التعليم العالي في الكتاب المقدس هو التعليم الديني فقط)، كلما كان أكثر تشدداً، بشكل عام، في مطالبة من حوله باتباع الناموس، وكذلك أكثر حرصًا على اتباع الناموس نفسه. لأنه كان يَفهم أكثر من غيره قدرة نظام الذبائح المحدودة على التكفير عن خطاياه……أي ما يمكن أن يُكفر عنه وما لا يمكن أن يُكفر عنه.
ولكن انظروا أيضًا إلى العبء الذي كان يَحمله كل إسرائيلي. لحظة واحدة طائشة أو متهورة تَحمل عقوبة أبدية. إن ارتكبتم خطيئة لم يكن نظام الذبائح مبنيًا للتكفير عنها، وبعيدًا عن العقاب الجنائي الذي قد تتلقونه من الناموس، فأنتم الآن في حرب مع الله إلى الأبد. بما أن الطريقة الوحيدة، في نظام عدالة الله، للتكفير والغفران كانت ذبيحة حيوانية في سياق بروتوكولات نظام الذبائح، وما فعلتموه لم يكن مشمولاً في هذا النظام…. يكون قد انتهى أمركم. هل فهمتم الصورة؟
كان هذا بالطبع هو العالم الذي عاش فيه بولس وجميع اليهود في أيام المسيح. كان هذا هو العالم الذي عاش فيه العبريون في العهد القديم، بدءًا من موسى. كان بولس، بِصفته فريسيًا ذا مكانة عالية، يَفهم حقائق نظام عدالة الله إلى درَجة لم يَفهمها عامة الناس. كانت مهنته هي التأمل في هذا الواقع الصعب، ليلاً ونهارًا.
تَخيّلوا الطاقة الذهنية اللازمة لمحاولة السيطرة على إرادتكم وعدم ارتكاب أي خطيئة مُتعمدة في حياتكم؛ لا بد أن الجهد كان مرهقًا. لكن الفشل في تجنّب مثل هذه الخطيئة كان فظيعًا جدًا لدرجة أنّ عدم بذل الجهد اللازم لتَجنبِّها كان أمرًا لا يمكن تَصوّره. لقد كان تَفهّم عامة الناس وضعَهم، ولكن كانت لديهم حياة ليعيشوها، وأفواه ليُطعموها، ومعظمهم لم يذهبوا إلى الفراش ليلاً، ليستيقظوا في الصباح، ويعيدوا النظر في مَوقفهم مع الله. أما بالنسبة لبولس، كما هو الحال مع جميع الفريسيين الآخرين، فقد كان هذا مِحور كل أفكارهم.
كما تَرون عندما كان بولس والفريسيون الآخرون يَتجوّلون في كل مكان ويهاجمون زملاءهم اليهود…لم يكن أتباع يسوع وحدهم الذين كانوا يَتهمونهم بالجرائم ويعتقلونهم. لقد كانوا اليهود التقليديين العاديين. لأن وظيفة بولس كانت في المقام الأول، أو ما جَلَب له البهجة، هو البحث عن اليهود الذين ارتكبوا خطيئة مُتعمدة…وكان سيكون التعامل مع ذلك الشخص الخاطئ قاسيًا. كانت لَعنات الناموس ستُلقى على هذا الشخص (كم مرة سمعتم هذا التعبير؟)، بدلاً من أن يكون تحت نظام الذبائح. أصبح هذا الشخص خارج الشِرْكة مع الله وخاضعًا لعقاب البشر. هذا هو النظام الذي كانت اليهودية تَعمل بموجبه في العصور التوراتية.
انطلاقًا من هذا المنظور، أليس من العجيب أن بولس المخلَّص استخدم مثل هذه الكلمات القاسية عندما وصف نظام الذبائح اللاوي والناموس بالمُقارنة مع المسيح؟ لأنه في الحقيقة ما جعَل دم المسيح ثمينًا جدًا بالنسبة لبولس هو أنه كان يُغطي الخطايا المُتعمدة. كما ترون، على الرغم من أنّ المسيح غالبًا ما يوصف بأنه رئيس كهنتنا، إلا أنه ليس من نوع رئيس الكهنة الذي كان يُمثّله هارون، بل هو من الكهنوت الأعلى الذي بدأه هارون، لأنه في الواقع أقرب في "النوع" إلى ما كان عليه موسى. يُخبرنا الكتاب المقدس أن المسيح سيكون حتى بعد رتبة "ملشيتسيدك"، الذي كان ملكًا ورئيس كهنة في آن واحد.
على الرغم من أنّ يشوع قُدِّم الذبيحة مرة واحدة وإلى الأبد، الذبيحة التي كانت في السابق هدف نظام الذبائح اللاوي، إلا أنه كان أعظم مما يمكن أن يُقدمه ذلك النظام. لقد قدم أيضًا ما قَدّمه الفصح اليهودي، وكان هذا الأساس.
اسمحوا لي أن أشرح لكم: في الواقع، لم تكن ذبيحة الفصح اليهودي بحدّ ذاتها جزءًا من الناموس أو نظام تقديم القرابين العام….. بل جاءت في الواقع قبل ذلك. الأعياد الكتابية (على الرغم من أنها كانت موجودة في مجموعة من الكتب المقدسة التي تُسمّى بشكل مبهم الناموس) كانت تعمل بشكل عام بشكل مُنفصل وكانت لها أهداف مختلفة عن قوانين "ما يجب وما لا يجب فعل". ذبيحة الفصح اليهودي هي مثالٌ على ذلك: لم يكن الهدف منها التكفير عن الخطايا، أليس كذلك؟ لقد وُضعت ذبيحة الفصح في الأصل كوسيلة للحماية من الموت. كان دم الحملان يُسفك على أعمدة الأبواب في مصر حتى لا يَنزِل غضب الله، وتضرب يد الموت، بيوت شعبه ويَقتل الأبكار من أبنائه. عندما كان بنو إسرائيل يحتفلون بعيد الفصح، كان بالنسبة لهم ذكرى وعيدًا تذكاريًا لتَذكّر تحرير الله لهم من مصر وحمايتهم من الموت… لم يكن الأمر يَتعلق بالتكفير عن الخطايا. بالطبع كان له مغزى أعمق بكثير لم يفهموه….. فهو كان إنذارًا بموت المسيح على الصليب، ولكنّ ذبيحة خروف الفصح لم يكن لها أي علاقة بنظام الذبائح الذي كانت وظيفته صنع السلام مع الله عن طريق الكفارة.
عندما مات يشوع على الصليب تَحَقّق على الأقل أمران يؤثران علينا بشكل مباشر: أولاً، دفَع بدمه ثمن خطايانا……كَفّر عن خطايانا….. المتعمدة وغير المتعمدة. ثانيًا: بصفته حمل الفصح، فإنّ دمَه قد مَيّزنا لنعبر إلى الموت الأبدي…الموت الروحي…الذي يَصفه الكتاب المقدس بأنه أولاً وقبل كل شيء الانفصال الأبدي عن الله.
علاوةً على ذلك، ما أغضب السلطات الدينية اليهودية من يسوع، حتى أكثر من ادعائه أنه المسيح، هو أنه خلال فترة خدمته كان يركض في الأرجاء ليَمنح الغفران الإلهي لأولئك الذين ارتكبوا خطايا مُتعمدة! كان يسوع يُعلن أنّ من يضع ثقته فيه، يمكنه أن يحقق المصالحة مع الله حتى بعد ارتكاب خطية مُتعمدة. يا إلهي، حتى نظام الذبائح، أقدس وأكرم وأقوى جزء من نظام العدالة العبري بأكمله، لم يستطع أن يفعل ذلك!
لذا بينما نَمضي قدمًا في سِفْر اللاويين تذكروا ما يلي: لا شيء في نِظام الذبائح الذي نحن على وشك دراسته يُكفّر عن الخطايا المقصودة. وعندما تَسنح لكم فرصة قراءة كتب بولس في العهد الجديد، حاولوا أن تدركوا كم بدا له الجزء الخاص بالذبائح من الناموس غير كافٍ بمجرد أن أدرك ما أنجزه موت يسوع. لا يقول بولس أبدًا أن الناموس مات أو عفا عنه الزمن؛ إنه يقول فقط أنه بالمُقارنة مع المسيح، فإن الناموس (الجزء المتعلق بالقرابين في المقام الأول) هو لا شيء. آمين يا أخي! أن تكون بالإيمان بالمسيح خاضعًا لنعمة المسيح عندما تُخطئ عمدًا، بدلاً من أن تكون خاضعًا للعنات الناموس، هو أمر لا يُمكن للكلمات أن تصفه. يمكنكم أن تتأكّدوا أنه بينما كان بولس مندهشًا من قدرة يسوع على توفير "غفران الخطايا"، فإن ما كان يُفكّر فيه، أو يساوره كثيرًا، هو الخطايا المُتعمدة… لأن بولس كان يعتبر أن الخطايا غير المُتعمدة يمكن أن تُغفر….. كما كان يحدث دائمًا، عن طريق ذبيحة حيوانية مناسبة، منذ أيام موسى. تذكروا أيضًا أنّ بولس لم يقارن أبدًا بين قدرة المسيح على الغفران وفشل الناموس في نفس المجال. الناموس لم يَفشل أبدًا في الغفران لأنه لم يكن مصممًا أبدًا للغفران… أو للتكفير…كل طفل يهودي يعرف ذلك. ولكن تذكروا أيضًا أنّ…نظام الذبائح كان يوفر بالفعل وسيلة للغفران، ولكنه كان يَقتصر على الخطيئة غير المقصودة. إليكم تشبيه للناموس: عند مقارنتها بقدرة النسور المذهلة على الطيران، هل الفيلة فاشلة؟ بالطبع لا. الفيلة لا تفشل في الطيران، لأنها لم تُخلق أبدًا لتَطير.
جزء الناموس من نظام عدالة الله لم يُصمم للتكفير أو الغفران، بل لرَسْم خطّ فاصل بين طاعة الله وعصيان الله. وضع الناموس خيارات أخلاقية للبشرية؛ وبذلك أظهر لنا ما هي الخطيئة. أما نظام الذبائح، من ناحية أخرى، فقد صُمم لتحقيق الغفران عن طريق التكفير. لكن نظام الذبائح كان له حدود؛ كان بإمكانه فقط التعامل مع فئة معينة من الخطيئة وعلى أساس كل حالة على حدى. كلا النظامين، كلا الجزأين من نظام عدالة الله، قاما بما صُمما للقيام به على أكمل وجه.
والآن، بإستخدام كل ما أخبرتُكم به للتو كعدَسة يُمكنكم من خلالها النَظر إلى سِفْر اللاويين، سنُلقي في الأسبوع القادم نظرة على النوع الأول من الذبائح التي تَناولها الإصحاح الأول، الذبيحة المَحروقة، ونَكتشف ما كان الهَدَف منها.