سِفر اللاويين
الدرس السابع – الإصْحاح الرابع (تكملة)
توقّفنا عن دِراسة سِفر اللاويين الإصْحاح الرابع. في الإصْحاح الرابع لَدَيْنا نوْعية جديدة، نوع جديد من الذّبائح يُسمّى ذبيحة الحتآت ……. ذبيحة التّطهير. يُسمّيها بعض المُترجمين ذبيحة الخطيئة. إلا أنني أعتقِد أن هذه التّسْمية المترجَمة تُخطِئ الغرَض، لأن هذه الذّبيحة لا تتعلَّق بمُكافأة على فِعل الخطيئة أو على السّلوك، بل تتعلَّق باسْتعادة اّلشخص الذي يُخطئ طهارَته. يتعلق الأمر بعِلاج لحالة التّدنيس التي يَجِد الشخص نفسَه فيها عندما يخطئ. يتعلق الأمر باسْتعادة الخاطئ والمُصالحة مع الله وليس دفْع ثمن الخطيئة. لقد استخدمْتُ تَشبيهًا لِشخص مَسْموم والحتآت هي التّرياق لذلك السّم الذي أصاب ذلك الشخص. إن كَيْفِيّة حدوث التسمّم وطبيعة السّم بالتحديد غير مُهِمَّة….. فقط حالة الشخص الذي تسمّم هي المشكلة.
أعلَم أنه يصعَب على أذْهاننا أحيانًا أن نرى الفَرْق بين الشخص الذي يرْتكِب الخطيئة والخطيئة نفْسها أو حتى كيف تغيّر هذه الخطيئة حالة الخاطئ. لذلك إسْمَحوا لي أن أُحاول إعطاء توْضيحًا آخر للغرَض من ذبيحة التّطهير. يَدخل رجل مترنحًا إلى غرفة الطوارئ في المُسْتشفى وهو مُصاب بِطلق ناري في صَدره وينهار، غير قادر على تزويد الأطباء والممرَّضات بأي معلومات، فيُسرع طاقم المُسْتشفى على الفور ويَبْدأون بالعمل لتحديد مدى الإصابة وكَيْفِيّة علاجها….. لمصلحة المريض الفُضلى. يَنْصبّ كل هَدَفهم وكل جُهْدهم على إنقاذ حياة هذا الشخص. كيف حَدَث الجرح الناجم عن الطّلق الناري….. أين حدث….. مَن الذي ضغَط على الزّناد…. هل كانت مُحاولة انتِحار أم حادثًا…. هل تمّ ذلك دفاعًا عن النّفس، أم أن هذا الشخص هو المُعتدي…..لا شيء من هذا يهمّ في الوقت الحالي. إن السُّلوك الذي أدّى إلى هذه الحالة التي تُهدّد الحياة هو أمرٌ ثانوي على الرغم من أن هذا السّلوك هو الذي أدّى إلى حالة هذا الرجل غير المُسْتقِرّة. لا يهمّ سوى حالة الشخص، هذا المريض، المُصاب بطلق ناري. لا يُعالج الطاقم الطّبي السّلوك الذي يعالج الشخص. حتى لو كان هذا الرجل مُجرمًا وأَطلقَت الشرطة النار عليه أثناء ارْتكابه جريمة، فهذا لا يهمّ. إن غرَض الأطباء هو إنقاذ حياة الشخص….. وليس تغيير سُلوكه أو تطبيق العدالة.
هكذا هو الحال في الحتآت. إن الله يهتمّ بالشخص، ويتأكّد من أن يتمّ إبطال آثار السّلوك الخاطئ لهذا الشخص. دائمًا ما تكون آثار الخطيئة واحدة؛ فالسّلام مع الله في خَطَر. مع ذلك، هناك تَنْبيه: لا يتعلق الأمر بالحطآت إلا عندما يكون السّلوك الآثم الذي جَعل الشخص نَجِسًا غير مَقصود…..وبِشَكْل أكثر تحديدًا، غير مُتعمّد. لقد كان خطأ، خطأ غير مقصود.
رأيْنا في درْسنا السابق أنه على عكس التقديمات الثلاثة الأولى ("أولاه"، المَحْرقة و"مِنخاه، ذبيحة التقْدِمة (أي الحبوب) و"زيفه"، ذبيحة السلأُمَّة) فإن ذبيحة التّطهير (حتآت) تُصنِّف الناس، وتُخصِّص أيضًا ذبائح مُعيّنة مُحدّدة لكل فئة من فئات الأشخاص والفئات هي: رئيس الكَهَنَة وأُمَّة إسرائيل ككلّ وزُعماء القبائل والمُواطن العادي (الفرد). لأن رئيس الكَهَنَة
هو الوسيط بين الله وشعب إسرائيل، يمكن لرئيس الكَهَنَة أن يُلْحق أكبر ضرَرْ بالعلاقة بين الله والشعب العبراني. عندما يُخطئ رئيس الكَهَنَة فإن ذلك يؤدّي إلى تلويثِه وتلويث شعب إسرائيل بأكمله. لذلك يجب أن تكون الذّبيحة أكبر الذّبائح: وهذه الذّبيحة هي ثَوْر ناضِج لا يقل عمره عن ثلاث سنوات.
رأيْنا أيضًا أنه في طقوس الحتآت هذه، بما أنها تتعلَّق بِخطايا رئيس الكَهَنَة، أنه لا يُحرَق من الثَوْر إلا بعض الشحوم على المَذْبَح النُّحاسي، ولا يجوز لِلْكَهَنَة أو الشعب أن يَستخدِموا أي جزء من الثَوْر، بل يجب أن يُنقل بالكامل من مُخيّم بني إسرائيل ويُؤخذ الى خارج المُخَيَّم ويُحرَق على نار حَطَب عادية هناك. الفِكرة هي التصرُّف بالثَوْر والتخلص منه، لأن الثَوْر هو البديل عن خطيئة رئيس الكَهَنَة.
مع أنني لن أتعمّق في هذا الأمر الآن، دَعوني أُذَكِّركم بأن ذبيحة العِجْلة الحمراء تتم أيضًا بطريقة مُماثِلة لذبيحة الحتآت الخاصة برئيس الكَهَنَة وأن العبرانيين يُخبروننا أن المسيح قُتِلَ خارج المُخَيَّم. يُمْكِنُك الرُّجوع إلى درس الأسبوع الماضي لمَزيد من التفاصيل عن ذلك.
لذا، دَعونا الآن نَنْظُر إلى الطبقة العليا التالية من الشعب والطقس الذي يَقْتضي إتباعه في ذبيحة الحتآت؛ الجَّماعة كلّها.
بعد رئيس الكَهَنَة، يُنظر إلى خطيئة الجَّماعة كلّها (أُمَّة إسرائيل ككلّ) على أنها الأكثر خُطورة. الآن، فقط لِنَكون واضِحين، ليس الأمْر أن كل فَرْد من بني إسرائيل قد أخْطأ نفس الخطيئة في نفس الوقت، بل أن سُلوك وحُكم وقرارات مُعظم أفراد المَجْموعة يُصْبح مُمثِّلاً للمجموعة كلّها. من المُثير للسُّخرية إلى حدّ ما أننا في المسيحية الغرْبية الحديثة نَميل إلى النظر إلى الخطيئة على أنها مسألة شخصيّة وفرديّة بَحْتة، أي أن الخطيئة الوحيدة التي لها تأثير سلبي عليك هي الخطيئة التي ترتَكِبْها أنت. هذا يعني أن الخطيئة الوحيدة التي تؤثر عليك سَلباً هي الخطيئة التي تَرْتكبها أنت. فإذا كنت اسْتثناءً للقاعدة في مجموعة ما، فإنك ستنجو بطريقة ما من عواقب سُلوك الآخرين.
لطالما كان لدى العبرانيين مَفْهوم كل من المسؤولية الجماعيّة…..المجموعة….. والمسؤولية الفردية، وقد حَصلوا على هذا المَفْهوم من الكتاب المُقَدَّس. ففي الكتاب المُقَدَّس نَجِد أن بني إسرائيل قد أُُبْعِدوا عن أرضِهم ونُفوا وتَشتَّتوا لأنهم جَلبوا غَضَب الله على أنفُسهم كمَجْموعة. لقد عانى الأبْرياء والمُذْنِبون على حدّ سواء ونَجِد في جميع أنحاء الكتاب المُقَدَّس أن الأُمَم والمُجتمعات وحتى العائلات سَتُعاني من عواقب وَخيمة بِسَبَبْ خطايا بعض أعضاء مَجموعَتهم… ولكن ليس كلّهم. في نهاية الزمان، قيل لنا أن الأُمَم بأكمَلِها ستُدان بناءً على مُعاملتها لبني إسرائيل، ومع ذلك، أسْتطيع أن أؤكّد لكم أن كل أُمَّة على الأرض في ذلك الوقت سيكون بَيْنَها العديد من المؤمنين الذين يحبّون بني إسرائيل ويُباركونهم. إلا أن هذه الأُمَم ستُدان بمُجْملها على أساس سياستها الوطنية وعمَلها الجماعي؛ وسوف يُحمَّلنا الله جميعًا المسؤولية، كمجموعة، عن تصرُّفات أُمَّتنا. إن هؤلاء المؤمنين (وإن كانوا يحبّون بني إسرائيل) الذين يعيشون بين تلك الأُمَم التي تُعادي بني إسرائيل، سوف يتأثّرون حسب حِكم الله على المجموعة بأكمَلِها التي يَنْتمون إليها.
الآن أنا لا أتحدّث هنا عن الخلاص. الخلاص الشخصي هو أمر بين فرد واحد والرب. يُمكن أن تكون عائلتك أو أمتك بأكملها غير مؤمنين…..ولكن إذا قَبِلْت أنت المسيح، فأنت تنفرِد وتُخلّص من الإنْفِصال الأبدي عن الله. دَعونا نتذكّر، مع ذلك، أن نطاق الخلاص الشخصي ضيِّق جدًا. للأسف، بِسَبَبْ ثقافتنا الغربية التي أصبحت فردية للغاية، وتخلّت عن العائلات الممتدّة (المُوسّعة) لصالح العائلة النّواتية (البيولوجية)….الوالدان وأولادهما ولا أحد غيرهما… نميل إلى توسيع هذا المَفْهوم أكثر من اللازم؛ ونَبْتَعِد عن المجموعة أو المجتمع الذي نحن جزء منه. نحن نعتقد أننا نستطيع نوعًا ما أن نتجمَّع في منزلنا ونَبْتَعِد عن العالم ونهرُب من كل الظُّلم والرّفض لِربّنا الذي يظهر على مستوى الشركات من قبل حكومتنا. حسنًا، إحْزَروا ماذا…… ليس هكذا يرانا يَهوَه. إنه يرانا كأفراد في ظِلّ الخلاص، لكنه يرانا كجزء من مجموعة عندما يتعلق الأمر بالسُلوك العام لتلك المجموعة والغضب الإلهي الذي سَتَتَعرَّض له تلك المجموعة.
نرى ترتيب الأهمِّية بين الجَّماعة والفرد هنا في الإصْحاح الرابع من سِفر اللاويين. بعد رئيس الكَهَنَة، يَضَع الله أهمّية ومسؤولية أكبر على المجموعة ككلّ، ثم قادة المجموعة، وأخيرًا الفرد الذي يتصرّف بمفرده.
لذلك، في الآية الثالثة عشرة، قيل لنا أنه إذا ارْتَكَبَت الجَّماعة كلّها، أُمَّة إسرائيل ككلّ، نوعًا من الخطيئة….. عن خطأ، فعل مُخالف لأوامر الله وشرائعه….. ثم أصْبَحوا فجأة على عِلْم بذلك، فعلَيْهم أن يَطلبوا التكفير عن طريق الحتآت.
دَعونا نعيد قراءة جزء من سِفر اللاويين الإصْحاح الرابع.
اقرأ سِفر اللاويين الإصْحاح أربعة على ثلاثة عشرة إلى النهاية
الآن، ليس معنى ذلك أن جماعة إسرائيل عمومًا كانوا يعلَمون أنهم كانوا يتعدّون على يَهوَه وأَخْفوا ذلك أو رَفَضوا الإعتراف به، بل إنهم بِبَساطة كانوا غير مُدْركين لما فعلوه، ولكن بعد ذلك حدث شيء ما جَعلَهم يُدركون ذلك. مع ذلك، حتى لو لم يَكُن لديهم أي نيّة للقيام بأي شيء خاطئ، فإن الله يُعلن أنهم يعيشون في حالة ذَنب. الآن أنا وأنت قد نَنْظر إلى ذلك ونقول، يا رَجُل، هذا قاسٍ جدًا… لا يبدو الأمر عادلًا. إنه مثل القيادة في منطقة السِّرعة المَسْموحة فيها خمسة وخمسين ميلًا في الساعة، ثم نواجه منطقة سرعتها خمسة وثلاثين ميلًا في الساعة، لكن علأُمَّة السرعة خمسة وثلاثين ميلًا في الساعة خلْف شُجَيْرة نمَت وغطَّتها، ثم يَقبض عليك شرطي يحمل جهاز رادار ويُحرِّر لك مخالفة، ويقول لك لا يهمّ….. القانون هو القانون. يبدو هذا غير عادل بالنسبة لنا؛ ولكن كما سنرى في نهاية الآية عشرين، باتباع إجراء الله المُحدّد للتّكفير سيُغفر للجماعة ويُعيدهم إلى الشراكة مع الرب. في الحقيقة، هذا ليس عَدْلاً أيضًا، لأن ثمن إعادة الجَّماعة إلى حالة النَّقاء يَدفعه حيوان بريء وليس الأشخاص الذين كانوا مَسؤولين. نظام عدالة الله ليس نظام عدالة الإنسان. الله يُعلن الذنب والغفران وفقًا لِمَعاييره. نحن، يُعلن أننا مُذْنبون وفقًا لقواعد الله وليس قواعِدنا ونحن نُعلن الغفران وفقًا لقواعد الله وليس قواعِدنا. هذا المبدأ هو أكبر حَجَر عَثْرة بالنسبة لمُعظم الناس عندما يتعلق الأمر بِقُبول يسوع مخلِّصًا؛ فنحن نُفضِّل أن نَحكم بأنفسنا على ما هو صواب وخطأ، بل وما هو الثمن الذي يجب أن يكون عليه الأمر لتَصْحيح الأمور.
عندما تُخطئ الجَّماعة كلّها فإن الذّبيحة الحيوانية المَطلوبة هي ثَوْر صغير. كان الثَوْر الصَّغير يُعرَّف عمومًا على أنه ثَوْر صغير السِّن. أما الثَوْر الناضِج، الذي كان مطلوبًا عندما يُخطئ رئيس الكَهَنَة، كان عمره ثلاث سنوات على الأقل. إذًا نفس نوع الحيوان يُستخدَم في كلتا الحالتين عندما يخطئ رئيس الكَهَنَة وعندما تُخطئ الجَّماعة كلّها….. الفَرْق الوحيد هو في عُمر الثَوْر، ولكن هذا الفَرْق في العُمر يُخلق أيضًا القيمة وهذا يشير أيضًا إلى مدى تشابُه خطايا رئيس الكَهَنَة في الخطيئة والمسؤولية مُقارَنة بخطايا الجَّماعة كلّها.
نرى أن الطقوس هي أنه يؤتى بالثَوْر الصَّغير إلى خَيْمَة الإجْتِماع، ويَضع شيوخ الجَّماعة أيْديهم على الحيوان. في العبرية يُسمّى فِعْل وضْع الأيْدي هذا سميخا. كان الشيوخ (بالعبرية زكينيم) هم مُمثِّلو الشعب. كَيْفِيّة اخْتيارهم ليست مؤكدة تماماً؛ لكن الأساس هو أن نفهم أن هؤلاء لم يكونوا زُعماء قبائل ورِثوا السّلطة، بل كانوا بالأحْرى من عأُمَّة الناس الذين مَيَّزوا أنفُسَهم بِطريقة ما على أنهم يتمتّعون بِحِكمة عظيمة وحِكم جيِّد ومهارات قِيادية وقلب تجاه الشعب. كان من المُمْكِن أن يكون هناك المئات، إن لم يَكُن أكثر، من هؤلاء الشيوخ لخِدمة الثلاثة ملايين من بني إسرائيل. كان لَديْهم تَسَلْسُل هَرَمي فيما بينهم، لذلك كان من المُمْكِن أن يكون رؤساء الشيوخ هم الذين تمَّت دَعْوتهم لوَضع أيديهم على الثَوْر. مَرَّة أخرى، فإن مَفْهوم وضع الأيدي يَرمز إلى نقْل ذنب الشعب إلى الحيوان البريء، الذي كان سيَفْقُد حياته كَفِدية لإزالة ذنب الشعب وإعادَته إلى الرب.
في نهاية الآية الخامسة عشرة، لَدَيْنا عبارة صغيرة من الأفضل لكم أن تَضعوها في ذاكرتكم، وهي تحدُث حيث تقول "وَيُذْبَحُ الثَوْر أَمَامَ الرَّبِّ". هذه العبارة "أمام الرَّبِ" مُهِمَّة من حيث أنها تُخبرنا أين يَحدث العمل المُرتبط بها. خلال أيام خَيْمَة الإجْتِماع في البرِّية، ولاحقاً في عصر الهيكل الأول، وحتى في عصر الهيكل الثاني من العَهْد الجديد، عندما تُستخدم عبارة "أَمَامَ الرَّبِّ" فإنها تُشير إلى أنه أياً كان العمَل فإنه يَحدث شرق باب الحَرَمْ…..المكان المُقَدَّس. الفكرة هي أنه إذا كان المرْء واقفًا عند باب الحَرَمْ يجب أن يكون قادرًا على رؤية العمَل الطقسي الذي يَحدث. لقد أوضَحْت لكم ذلك في تقْدِمة العِجْلة الحمراء…..كان يجب أن تكون التقْدِمة "أمام الرب" ومع ذلك كان يجب أيضًا أن تحدُث على بُعد ثلاثة آلاف قدماً على الأقل من باب الحَرَمْ لأنه كان مَطلوبًا أن تحدُث الذّبيحة خارج المُخَيَّم. لكي يتحقّق هذان الشّرطان معًا، كان لا بد من أن تتم الطقوس في مكان مُرتفع بما فيه الكفاية ليتمكّن الكاهن المسؤول من رؤية باب الحَرَمْ، وإن كان من مَسافة بعيدة. لذا، فإن البُقعة التي اختيرت لمَذبح ميفكاد، وهو المكان الذي أُحْرقت فيه العِجْلة الحمراء، كانت بالقرب من قمّة جبل الزيتون ……التي كانت خارج حدود المُخَيَّم ويبلغ ارتفاعها ثلاثة آلاف قدماً، وكانت مُرتفعة بما يكفي لرؤيتها من باب الحَرَمْ.
الفكرة وراء كل ذلك هو أنه في أذهان العبرانيين التوراتيين كان يَهوَه يَسْكن قُدْس الأقْداس في الحَرَمْ، وكان الحَرَمْ يُواجه الشرق مُباشرة. لذلك مع جلوس الرب فوق كرسيّ الرحمة، في قُدْس الأقْداس، كانت رؤيته إلى الشرق. إذا كان يجب أن يكون أي طقس "أمام الرب"، فكان يجب أن يؤدّى إلى الشرق وفي مواجهة باب الحَرَمْ. يمكنُنا الآن أن نسخر من هذا المَفْهوم قليلاً، ولكن ليس هذا هو بَْيت القصيد؛ النُقطة المُهِمَّة هي أنه عندما ترِد عبارة "أمام الرب" في الكتاب المُقَدَّس فإنها تشير عادةً إلى شيء يتم القيام به على مرأى من باب الحَرَمْ، شَرْقه، وهكذا تُساعدنا على تحديد مكان هذا العمل.
إذَن، يضع شيوخ الشعب أيديهم على الثَوْر الصَّغير، فيُذبح، ويوضع الدم في وعاء، ثم يَرُش رئيس الكَهَنَة بعض الدم على الباروخيت، وهو الحجاب الذي يفصل المكان المُقَدَّس عن قُدْس الأقْداس، ويلطّخ بعض الدم على قمّة مذبح البخور تماماً كما فعل في طقس التكفير عن خطيئته، ويُسكب الباقي على قاعدة المَذْبَح النُّحاسي. باستثناء عُمْر الثَوْر، فإن طقوس الحتآت بالنسبة لرئيس الكَهَنَة والجَّماعة كلّها متطابقة، مما يدلّ على شِبه المساواة في خطورة ومسؤولية خطاياهم.
لاحِظوا ما جاء في نهاية الآية عشرين: "….فَيُكَفِّرُ عَنْهُمُ الْكَاهِنُ فَيُغْفَرُ لَهُمْ". لقد تحدّثنا عن هذا الأمر من قبل، وسنتحدّث عنه مَرَّة أخرى لأن الكنيسة للأسف تكاد تكون مُجمِعة على سوء فهم هذا المبدأ. إن الكلمة العبرية المُستخدمة في هذه الجملة للتعبير عن ترجمة "يكفّر" أو "تكفير" (حسب نسخة الكتاب المُقَدَّس لديك) هي "كيبر" لطالما كان المعنى واضحًا جدًا في العبرية: فهي تعني المَسح أو التنظيف أو التّطهير؛ وقد ناقشنا أيضًا أن العبرية هي لغة مُتقاربة مع الأكادية، وفي الأكادية هي كلمة " كوبورو" …..المُتقاربة التي تعني أيضًا التنظيف أو المَسح؛ إلا أنه من البديهيات في المسيحية الغربية منذ عهد قسطنطين أن الخطايا في العَهْد القديم لم تُكفَّر، بل "غُطِّيت" بِدَم ذبيحة حيوانية، ومن المعتاد في القواميس العبرية – الإنجليزية التي حرّرها الوثنيون أن تُعرف كلمة "كيبّر" بمعنى "غطّى". كم مَرَّة سَمِعتم أن الفَرْق بين ما فعلته ذبائح الكَهَنَة الحيوانية وما فعله المسيح هو أن خطايا الإنسان في العَهْد القديم كانت "تُغطى" فقط ولكنها لم تكن "تُمحى"؟ أو أن الخطايا لم تكن مغفورة حقًا، بل كانت فقط "مغطّاة" وهو نوع من الغفران الأدنى؟ لا شيء يُمْكن أن يكون أبعد عن الحقيقة. نرى مِرارًا وتِكرارًا في التوراة أنه إذا كان الكاهن يُكفّر عن المُتَعَبِّد فإن خطاياه ستُغفر وتُعفى… وتسامح….. كعمل من أعمال الرّحمة من قبل يَهوَه.
إسْمَحوا لي أن أقولها مَرَّة أخرى حتى لا يكون هناك شكّ: خطايا بني إسرائيل الذين قدّموا الذّبيحة المناسبة وفعلوا ذلك بِقَلب نادم وصادق، غفر الآب خَطيئتهم. لقد ارتاحوا من ذنبهم ولم يَكُن عليهم أن يواجِهوها مَرَّة أخرى. لذلك لا تظنّوا أن هذه الذّبائح الحيوانية كانت غير فعّالة بطريقة أو بأخرى؛ لقد كانت فعّالة تمامًا فيما خُلقت من أجله. مع ذلك…..الشيء الذي لم يستطيعوا فعله هو التكفير وبالتالي الحصول على الغفران لجميع الخطايا. بعض الخطايا، التي تُصنَّف عمومًا على أنها "متعمَّدة" و"اعْتباطية"، لم يَكُن من المُمْكِن أن تُغفر؛ لم تكن هناك ذبيحة مُصمّمة للتكفير عن تلك الخطايا، وكان ذلك الشخص يموت مع خطيئته وبالتالي ينْفصل عن الله بِشَكْل دائم. أيضًا مع كل فعل جديد بسُلوك خاطئ كانت هناك حاجة إلى ذبيحة حيوانية أخرى والأكثر من ذلك، حتى وإن كانت خطايا بني إسرائيل قد غُفرت، إلا أن طبيعتهم كانت لا تزال غير قادِرة على الوقوف أمام الآب في سَمائه. عالَج المسيح كل هذه الشروط والأحكام الخاصة بنِظام الذّبائح. فمن يثق بيسوع يمكن أن يُكفّر عن خطاياه حتى الخطايا الإعتباطية؛ فذبيحته كانت مَرَّة واحدة وإلى الأبد ولا حاجة إلى أخرى (أو لم تكن مُتاحة)، وبِمَوته من أجل الإستعداد لحُلول الروح القدس أصبَحَت طبيعتنا طاهرة بحيث يُمكننا أن نقِف في حضرة الآب في سماواته.
لقد طُرِح عليَّ هذا السؤال عدّة مرات: "ماذا حدث إذن للعبرانيين في العَهْد القديم الذين حَفظوا التوراة وماتوا في أمان مع الرب"؟ أو كما يشير إليهم العَهْد الجديد أحيانًا "قِدّيسو العَهْد القديم". وفقًا للوقا ست عشرة، ذهب الأبرار إلى مكان يُدعى "حُضْن إبراهيم"، بينما ذهب أولئك الذين لم يَحفظوا التوراة إلى مكان آخر، غالبًا ما يُترجم ب "هاديس" (الجحيم). مع أنني لستُ جازمًا بهذا الأمر بأي حال من الأحوال لأن المعلومات المتوفِّرة قليلة جدًا بحيث لا يُمكنني أن أكون متأكدًا تمامًا، لكن يبدو أنه كان هناك مكان مؤقت يذهب إليه بعد الموت أولئك الذين كانوا مُطيعين؛ وهناك كانوا مَحْتجزين (آمنين وسليمين) حتى أعلَن المسيح الخبر السار بأنهم أصْبَحوا الآن أحْرارًا للذهاب إلى السماء. لاحِظوا أنه بعد صَلبه ولكن قبل صعودِه نَزِل "إلى الأرض" ليُواجه كلاً من الأموات في الخطيئة والأموات في التوراة. هناك فَجْوة مَوْصوفة؛ فاصِل بين الغُرفتين وأولئك الذين في مكان الظُلمة والعذاب، الذين يَنْتَظِرون فقط مَصيرهم الأبدي من الهلاك، يُمكنهم أن يروا أولئك الذين انْضموا إلى إبراهيم في غرفة الفرَح والنور والسَّلام. تلك الغرفة التي كانت في حُضن إبراهيم فارغة الآن لأنه لم يَعُد لها فائدة أخرى. أولئك الذين كانوا فيها قد تحرّروا بفِداء يسوع، وأولئك الذين وَثقوا بالمسيح يَذهبون مباشرة إلى حضرة الآب (غائبون بالجّسد، حاضرون مع الرب).
لماذا كانت هناك حاجة إلى مكان مؤقت (حُضرة إبراهيم)؟ مَرَّة أخرى: كان ذلك لأنه على الرغم من أن الخطايا يمكن أن تُغفر بالتأكيد عن طريق الذّبائح الحيوانية المُقْتَرِنة بالتوْبة، إلا أنه كان على الإنسان أن يقوم بـ "تبديل الطبيعة" لكي يكون نقيًا بما يكفي لِيَدْخل إلى جنّة الله. حدَث هذا التبادل الطبيعي في عيد الفصح، عيد العُنصرة، مع حلول الروح القدس في المؤمنين.
لنَمضي قدمًا.
يأتي بعد ذلك في التَسَلْسُل الهَرمي لأهمِّية المُجتمع الإسرائيلي (وبالتالي المسؤولية أمام الله) رؤساء القبائل، وهنا نرى تحوُّلًا واضحًا لأن الذّبيحة لم تَعُد ثَوْرا، بل تَيْسًا ذكرًا. ذكَر الماعز هو أقل قيمة من الثَوْر. تُتخذ نفس الخُطوات الأساسية: يؤتى بالتَيْس إلى خَيْمَة الإجْتِماع، ويَضع زعيم القبيلة المُذنب يَدَه على التَيْس فيَنْتَقِل ذَنْبه إلى التَيْس المُختار، ويُذبح التَيْس ويُحرق بعض شَحمه على المَذْبَح النُّحاسي.
بعد ذلك تظهر اختِلافات إضافية أخرى بين طقوس الحتآت بالنسبة لزعيم القبيلة مُقارَنة برئيس الكَهَنَة والجَّماعة كلّها. يتم إعطاء أجزاء مُعيّنة من التَيْس لِلْكَهَنَة كطعام (وهذا معروف لأنه في الآية السادسة والعشرين يوضح أن ذبيحة التَيْس تُستخدم كما في ذبيحة "زيفه شلاميم"، ذبيحة السلأُمَّة) …..بدلاً من إتلاف ما تبقى من التَيْس خارج المُخَيَّم كما كان يحدث مع الثيران. علاوة على ذلك، فإن طقس الدم، أي رشّ دم التَيْس يتمّ خارج الحَرَمْ……، فيقوم به كاهن عادي وليس رئيس الكَهَنَة. لا يُرشّ الدم أيضًا على قِمَم مذبح البخور، بل على قِمَم المَذْبَح النُّحاسي (خارج الحَرَمْ).
إذًا مع طقوس التكفير لزعيم القبيلة نرى تراجُعًا كبيرًا في أهمِّية كل من الذّبيحة والشّخص الذي يجب أن يقدِّم الذّبيحة، مُقارَنة بما يحدُث إذا أخطأ رئيس الكَهَنَة أو أخطأت الجَّماعة كلّها. من ثَوْر، نَنْزل إلى ذَكَر الماعز. من ذبْح الحيوان بأكمله خارج المُخَيَّم، الآن يُمكن استخدام أجزاء من التَيْس للطعام. من رئيس الكَهَنَة الذي يجب أن يقوم بالذّبيحة، الآن يمكن للكاهن العادي أن يقوم بالذّبيحة.
كل ما سنَجِده في سِفر اللاويين يَنْسف تمامًا المَفْهوم المسيحي الغربي المُتعارف عليه بأن الخطيئة هي خطيئة أمام الرب. أن الله لا يُسَلْسِل الخطايا أو يُصَنِّفها، وأن سَرِقة قطعة حلوى تجعلُك مذنبًا تمامًا مثل ارتكاب القتل العَمْد وأن الله يحاسِبنا جميعًا بالتساوي سواء كنتَ رئيسًا للولايات المتحدة أو راعيًا لجماعة أو عضوًا في كنيسة، فهو يُحاسبنا جميعًا بالتساوي. أما بالنسبة للخلاص فهذا صحيح؛ أما بالنسبة للمسؤولية في واجباتنا الدنيوية وخطورة تلك المُناسبات التي نُخطئ فيها، فهذا خطأ تمامًا. كل من طبيعة هذا السّلوك الخاطئ والمكانة التي يحتلُّها المرْء في المجتمع أمران مهمّان.
وأخيرًا، تتناول الآية سبعة وعشرين الأفراد، وهم الطَّبقة الدُنيا من الحتآت. إسْمَحوا لي أن أذكُر ذلك عندما أُشير إلى الطّبقة، فإن الأمر لا يتعلق بقيمة الفرْد مقابل الكاهن الأعظم، أو أن قيمة الشخص الفرديّة عند الله مقابل قيمة مجموعة من الناس أو قائد أقل أو أكثر، بل يتعلق الأمْر بحقيقة أن خطايا رئيس الكَهَنَة أخطَر بكثير على علاقة بني إسرائيل السِّلمية مع الله من خطايا الجَّماعة كلّها، وخطايا الجَّماعة كلّها متَّحِدة في خطيئة أخْطَر من خطايا زعيم القبيلة، وخطايا زعيم القبيلة أخْطَر (لأنه يستطيع التأثير على من هُمْ تحت سُلطته) من خطايا الفرد العادي.
هذه حقيقة مُهِمَّة لا خيار لنا إلا أن نَسْتَيْقظ ونَعترف بها. بمُصْطلحات اليوم، على سبيل المثال، خطايا جماعة عأُمَّة من المؤمنين….. سواء كانت جماعة التوراة أو جماعة الكنيسة المَعمدانية أو جماعة لوثريّة أو كنيس مسيحي….. تحمُل معها عواقب أكبر وأهمية أكبر مما يتحمّله حتى قائد تلك الجَّماعة؛ وخطايا قائد تلك الجَّماعة تحمُل في طيّاتها أهمّية وخَطرًا أكبر من خطايا فرد من أفراد الجَّماعة. بالمناسبة، لاحظوا أنني أتخطّى رئيس الكَهَنَة وأبدأ بالجَّماعة كلّها في مُقارنتي. لا تُساووا المُعلِّم أو القسّ أو الأسْقف أو أيًا كان برئيس الكَهَنَة. إن مَنْصب رئيس الكَهَنَة مأخوذ بِشَكْل دائم، ولا يوجد سوى رئيس واحد، يسوع، وقد اجتاز اخْتِباره بالفعل. إسْمَحوا لي أن أقول ذلك مَرَّة أخرى: الجَّماعة ككلّ هي أكثر عُرضة للمُساءلة وتَخلق خطرًا أكبر، عندما يتعلق الأمر بالخطيئة أمام الرب، من رئيس الجَّماعة. نحن نَميل إلى أن نرى الأمر بالعكس. لذا، عندما تنضمّ إلى جماعة، ولا سيما جَماعة من المؤمنين المُتَضلّعين، فإن هذا ليس قرارًا صغيرًا. إذا كانت تلك الجَّماعة تعمَل خارج إرشاد الرّوح القُدُس وأنت تنتمي إليها، فلا يُمْكِنُك أن تتخلّى عنها وتبقى في اتِّحاد معها في نفس الوقت. لا يُمْكِنُك أن تُقرِّر بنفسك أنك فوقَها جميعًا…… هكذا يقول الرب، هنا في سِفر اللاويين. لا تَفْهموني بِشَكْل خاطىء، ففِكرة أن كل فرد سيتَّفق بكل إخلاص مع كل فرد آخر في المجموعة ليست هي القضيّة ولا هي أمرٌ مُحتمل جدًا في أفضل الظروف.
إذًا على الفرد أن يأتي لذبيحة الحتآت، ذبيحة التّطهير، بأُنثى الماعِز أو، كما يظهر لنا في الآية إثنين وثلاثين، يُمكن أن تُقدِّم أُنْثى الغَنَم حسب اخْتيارك. تُعتبَر الأنثى من الحيوانات عُمومًا الأقل قيمة من الحيوان الذَّكَر من نفس النوع. لذلك نرى خُطوة أخرى إلى الأسفل في سِعر الفدية، بالنسبة للفرْد الذي يقدِّم فِدية، عن أي صُنف آخر. أصبحَت الطقوس الآن مألوفة لنا: يتم إحْضار أُنْثى الماعِز أو الخروف إلى خَيْمَة الإجْتِماع حيث يَضَع الفرد يدَيْه على الحيوان لنَقْل الذَّنب. بعد ذلك يُذبح الحيوان، ويُلطِّخ الكاهن العادي الدم على قِمَم المَذْبَح النُّحاسي، ويُزال شحْم الأعضاء ويُحرَق على المَذْبَح النُّحاسي. يتم تذْكيرنا مَرَّة أخرى بالغرَض من حَرْق أجزاء الحيوان في الآية واحد وثلاثين: إنه لِخَلق الدُّخان، الذي يحتوي على رائحة مُرْضية لله؛ وتُعَزِّز الآية خمسة وثلاثين المُمارسة التي بموجبها يُمكِن لِلْكَهَنَة أن يَحْتفظوا بأجزاء مُعيّنة من الخروف أو الماعِز لِطعامهم الشخصي، حيث يقول الله أن هذا الجانب من الطقوس هو أن يأخذ شكل "زيفه شلاميم"(ذبيحة السلأُمَّة).
لاحظ مَرَّة أخرى (وسوف أشير إلى هذا مِرارًا وتِكرارًا بَيْنما نتصفَّح سِفر اللاويين) أن الكتاب المُقَدَّس ينصّ….وهذه هي الكَلِمات الأخيرة من سِفر اللاويين، الإصْحاح الرابع….. أن الكاهن يُكفِّر عن الخاطئ ويَغفر له. إن الذّبيحة الطقسية "تمْسح" نجاسة من أخْطأ، وهكذا يعود الخاطئ إلى العِلاقة الكاملة مع الآب.
في الأسبوع القادم سنبدأ الإصْحاح الخامس من سِفر اللاويين.