سِفْر العدد
الدرس الرابع – الإصحاح الثالث
تَبدأ الآية الحادية عشرة تعليمًا إلهيًا رائعًا يكادُ يكونُ مَفقودًا في المسيحيَّة واليهودية على حدٍ سواء. هذه هي التعليمات التي ذكرتُها لكُم في الأسبوع الماضي، وقُلتُ لكم أننا سنتناولُها في وقتٍ لاحقٍ قليلاً….. وها نحن ذا. والتعليم الوارِد في الآيات إحدى عشرة إلى ثلاثة عشرة، وهو أنّ اللاويين حلّوا مَحلّ أبكار قبائل إسرائيل الآخرين. أي أنّ الله، بطريقة خاصة، اعْتَبَر جميع الذكور الأبكار من قبائل إسرائيل خاصيّن به…… في نَوع من المُلكية أو التَبنّي من قِبل الله….. الآن قد اتَّخذ اللاويين، كبديل عن جميع أبكار إسرائيل. هذه المكانة الخاصة لأبكار بني إسرائيل فوق أبكار الأمم الأخرى جاءت في سِفْر الخروج الإصحاح ثلاثة عشرة الآية واحد، عندما تمّ تذكار أبكار بني إسرائيل لله كتَذكار لخلاصِهم الفِصحي.
ناقَشْنا في الأسبوع الماضي أنّ مَبدأ الكتاب المقدس هو أنّ كل الأبكار (يَنطبِق الأمْر على البشر والحيوانات والنباتات)، أوّل كل شيء، هو مُلكٌ لله. هذا لا يَنْطَبِق على إسرائيل فقط بل على الجميع، على الأقل كل من يَعبُد إله إسرائيل. ورأينا هذا المبدأ مُطَبَّقًا في مصر عندما قَتَل يَهوَهْ كل أبكار البشر والحيوانات في الأُسَر التي لم تَحمي الأبكار عن طريق طلاء دم كِبش على أعمدة أبواب منازلِهم (الفِصح الأول).
ومع ذلك، فكما كانت إسرائيل ككلّ شعب الله المُخصَّص، كان لكل أبكار إسرائيل مكانة خاصة فوق أبكار الأمم. في الواقع، فإنّ المعنى الضُمني ثقيل للغاية….. شبه مؤكَّد…. أنه قَبل تأسيس الكهنوت، كان للأبكار مكانة خاصة مقدَّسة أمام كَلِمة.
قَبْل أن يكون هناك كهنوت (وتذكَّروا أنّ كهنوت إسرائيل لم يكُن موجودًا قَبل موسى وجبَل سيناء)، كان من واجب بِكر كل عائلة أن يُقدِّم الذبائح والطقوس الأخرى نيابة عن العائلة. كان البِكر ككاهن العائلة قَبل الكهنوت. وكما ناقشنا في عدد من المناسبات، لم تكُن هذه العادة (كما كانت عادات أخرى كثيرة) فريدة من نوعها ولا جديدة على إسرائيل. سنَجِد وثائق تعود إلى ألف سنة قَبل هذا الوقت (من ثقافات بلاد ما بين النهرين) تُحدِّد بعض الواجبات الدينية والروحية للابن البِكر في العائلة. وكان على رأس هذه الواجبات القيام بكلّ ما يتعلَّق بعبادة الأسلاف وطقوسهم.
بدأ هذا الواجب بمسؤولية الابن البِكر عن دفْن والديه بشكل لائق. وبعد ذلك كان على البِكر أن يَجْلِب الزيت والطعام وحتى الماء إلى المَقبرة لاستخدام أرواح والديه المتوَفّين. وخلال هذه الطقوس كانت تُتلى أسماء الوالدين لأنه بطريقة ما غير مُحدَّدة كان إحياء ذكرى الفرد يبقي روحه حيّة.
والآن إذا قام الابن البِكر بطقوس عبادة الأسلاف بشكل صحيح، فإنّ أرواح أسلافِه الموتى كانت تَتشفَّع له لدى الآلهة. أما إذا كانت العبادة قد تمَّت بشكل غير سليم، فلن تكون هناك شفاعة مُمكنة وقد تَنقلِب عليه أرواح أسلافه الموتى وتُسبِّب له المتاعب؛ مِثل التسبُّب في المرَض وفشَل المحاصيل الزراعية، وجَعْل زوجته عاقِرًا.
أُخبرُكُم عن كل عبادة الأسلاف هذه لأنها كانت سائدة في جميع أنحاء العالَم المَعروف في العصور القديمة، حتّى قَبْلَ إبراهيم بوقتٍ طويل. وكانت على قَدَم وساق في زمن موسى. لذلك نرى آثارًا لممارسات عبادة الأسلاف في المُفردات التي استخدَمَتها إسرائيل وكذلك في طقوس إسرائيل (مع أنها بالطبع تُستخدَم لغرَض مُماثل، ولكن مُختلِف، لأن يَهوَهْ لم يَتسامح بأي حال من الأحوال مع عبادة الأسلاف). في الواقع أظنُّ أنّ السبب الذي يَجعلنا نرى عبارة ”مات وذهَب ليكون مع آبائه“ في عِدّة أماكن في الكتاب المقدس (في الإشارة إلى الموت)، في الغالب في الأجزاء القديمة من العهد القديم، هو أنّها عبارة شائعة تُستخدَم في الجنازات التي تعكُس العُرف العام لعبادة الأسلاف. كما أنه ليس لدي شك في أنّ بني إسرائيل الخارجين من مصر كانوا يؤمنون بعبادة الأسلاف لأنها كانت شِبه عامة في تلك الحَقَبَة.
دعوني أذكّرُكم أنّ ما يحدُث بعد الموت غامض جدًا ولم يتمّ التَطرُّق إليه بشكل مباشر في أي مكان في العهد القديم. هذا يُخبرني أنّ الذين كتَبوا العهد القديم لم يكونوا مُتأكِّدين مما يحدُث بعد الموت، وكان للعصور المُختلفة تقاليد مُختلفة حول كل ذلك، والتي بلا شك أيضًا تَنوَّعت بين مختلف ثقافات الشرق الأوسط.
والآن بما أنّ عِبادة الأسلاف كان يُعتقد أنّ لها علاقة كبيرة بكيفية سَير حياة المرء (مليئة بالخير أو الشر) فقد كان ذلك أمرًا مِحواريًا في ممارسات العبادة العامة لكل ثقافة. ليس هناك شَكّ كبير في أذهان الحاخامات المُتعلِّمين (وأنا أتّفِق مع استنتاجاتِهم) أنّ أوّل المَعبودين من إسرائيل….حتى لحظة تأسيس الكهنوت اللاوي…. كانوا كهنة العائلة. ليس بطريقة مُنظَّمة ولكن ببساطة كعادة قديمة.
إذن مع وَضْع كل ذلك في الاعتبار، يمكننا أن نبدأ في رؤية أنّ الكثير سيَتغيَّر بالنسبة لإسرائيل (بشكل جَذري إلى حدٍ ما) عندما يُنشئ يَهوَهْ مجموعة من الكهنة المعينين إلهيًا بحيث كانت السُلطة تكمُن في قبيلة مُعيَّنة. لذا كان التغيير هو أنّ الواجبات الطقسية انتقَلت من كونِها مسؤولية كل عائلة مُنْفَصِلةً حسب ما تراه كل عائلة مناسبًا، إلى مجموعة مُحدَّدة من الكهنة تحت مجموعة مُشترَكة من القوانين والفرائض (الناموس)، وتحت سيطرة مَركزية (سُلطة رئيس الكهنة)، وتغيَّرت مكانة الابن البِكر الذي كان قد أُعفِيَ من الواجبات التي كان يؤديها سابقًا ككاهن للعائلة. هذا التغيير، بلا شك، كان يُنظَر إليه على أنه نوع من التَخفيض في الرُتبة ولم يكُن ليُستقبَل بشكل جيد.
لذلك نرى أنّ اللاويين قد توَلّوا المكانة والمسؤوليات والعديد من الواجبات التي كان يقوم بها الأبكار سابقاً. لذلك في الآية إحدى عشرة نَجِد كَلِمة تقول: ”ها أنا آخذ اللاويين من بين بني إسرائيل بدلاً من جميع الأبكار“….ما يَدلّ على انتقال الواجب من الأبكار إلى القبيلة الكهنوتية. آمل أن يكون هذا الانعِطاف الصغير قد ترَكَ أثرًا مناسبًا في نفوسِكم، لأنه يُمثِّل تغييرًا جذريًا بالغ الأهمية في كيفية عَمَل إسرائيل؛ وربما جَعَل إسرائيل تبدو مُختلفةً وغريبةً تمامًا عن جميع الثقافات الأخرى التي كانت تَتفاعل معها.
لم يكُن استبدال الأبكار الذي كان من المُقرَّر أن يكون صارمًا بأمرٍ من يَهوَه، ليكون عامًا أو رمزيًا فقط؛ بل كان سيتمّ على أساس واحد لواحد؛ كان كل لاوي ذَكَر سيكون بديلاً عن بِكر واحد من أبكار إسرائيل الأحياء حاليًا. سنرى هذا السيناريو الرائع يَتجلّى لنا بعد قليل جدًا. أقول لكم هذا قَبل أن نَصِل إليه في الكتاب المقدس مرّة أخرى لأنه كان إحدى الأغراض الأساسية لإحصاء اللاويين…… واللاويين فقط……… الذي أمَرَ به يَهوَه، ابتداءً من الآية الرابعة عشرة. أي أنه كان من الضروري تحديد عدد الذكور من اللاويين فقط، لأن ذلك يُحدِّد عدد الذكور من بني إسرائيل العاديين (غير اللاويين) من الذكور الذين سيَشمَلُهم الإحْصاء، وبالنسبة لأولئك الذين لم يَشمَلْهم الإحْصاء، فقد تَطَّلب الأمْر ترتيبات خاصة.
ناقشنا في الأسبوع الماضي إحصاء بني إسرائيل بمَعزل عن إحصاء قبيلة لاوي. كان هذا لأن يَهوَهْ خَصَّصَ اللاويين كخُدّام له. يمكن للمرء أن يقول بشكل معقول أنّ الله تَبنّى قبيلة لاوي من يعقوب وجَعَلها خاصَّته. من هنا فصاعدًا، إذًا، يُعتبَر اللاويون مُنفصلين عن إسرائيل.
والآن، كان الإحصاء الذي أُجري للاويين مُماثلاً للإحصاء الذي أُمِر به في الإصحاح الأول لكل إسرائيل. ومع ذلك، هناك اختلاف رَئيسي واحِد، هو أنه في إحصاء كل إسرائيل…. الذي كان بالمناسبة فقط للذكور من بَني إسرائيل الذين هم في العشرين من عُمرهم أو أكثر. السبب هو أنّ الهَدف من ذلك الإحصاء كان التجنيد العَسكري. دعوني أُوضِح أنّ مُصطلح ”البِكر“ ينطبِق على الذكور فقط. البنت البِكر هو تناقض لفظي….. لا يوجد شيء من هذا القبيل.
يَعود السبب لأنّ البِكر هو منصِب يُمنَح للمولود الذَكَر وليس مُجرّد ترتيب الولادة. أي أنّ الابن البِكر المولود لرَجُل لم يكُن بالضرورة يَشغَل المنصِب ويؤدي واجبات البِكر، وإن كان ذلك يحدُث بشكل عام. يمكِن إعطاء هذه الواجبات والحقوق والامتيازات لابن آخر……لأي عددٍ من الأسباب….. ولم يكُن ذلك غير مألوف. في الواقع حدَثَ هذا الشيء بالضبط في حياة الآباء الثلاثة الأوائل: أنجَبَ إبراهيم إسماعيل، الذي وُلِد أولاً، ثم جاء بَعدَه إسحاق. لكن إبراهيم أعطى منصِب البِكر لإسحاق. أنجَبَ إسحاق عيسو الذي وُلِد أولاً، ثم جاء أخو عيسو التوأم يعقوب. لكن إسحاق أعطى منصِب البِكر ليَعقوب (عن طريق الحيلة). أنجَب يعقوب عِدَّة أبناء، وكان روبين هو الابن البِكر، لكن يعقوب أعطى منصب البِكر ليهوذا، الابن الرابع الذي وُلِد له، على الأقل جزئيًا كعقاب لروبين لتدنيسه إحدى مَحظيات يعقوب.
في إحصاء اللاويين كان عُمر الذكور الذين سيُحسَبون يبدأ من عمر شهر واحد فقط، لذا فقد تم إدراج حتى أصغَر الأولاد الرُضَّع. لماذا شهر واحد؟ لسببَين: أولاً، لم يكُن الختان يتم حتّى يَبلغ الصبي عُمرُ ثماني أيام. كان الخِتان هو تلك اللحظة التي يُصبِح فيها الطفل الصبي رسميًا عضوًا في إسرائيل…… بموجَب عهد إبراهيم. لقد أصبَح إسرائيليًا عند خِتانه. حتّى موعد خِتانه لم يكُن عضوًا رسميًا في إسرائيل. السبب الثاني لشرط الشهر الواحد لكي يدخُل في الإحصاء هو أنّ الطِفل كان يجب أن يكون عمرُه شهرًا واحدًا لكي يُفتدى. لذلك لا يمكن استبدال شخص مُفتدى (لاوي) بشخص مُفتدى آخر (بِكر إسرائيلي).
في الشريعة اليهودية لا يُعتبَر الرضيع الذي يَقلّ عمرُه عن ثلاثين يومًا شخصًا. أنا لا أقول إنه لا يُعتبَر إنسانًا. كلّ ما في الأمر أنه في عُمر الثلاثين يومًا يحدُث تغيير ويَكتسِب الرضيع قيمة أكبر. وهذا بلا شك جاء بسبب ارتفاع مُعدَّل وفيّات الرُضَّع في ذلك العَصر، وهو أمْر مختلف الآن بالطبع، ولكن حسَب الشريعة اليهودية الصارمة فإنّ طقوس الحداد المُعتادة تُعلَّق إذا مات طفل عمرُه أقلّ من شهر واحد. كان لهذا القانون آثار أخرى أيضًا. إذا قَتَل أحدهم بالخطأ رَضيعًا عمرُه أقلّ من شهر واحد فإنّ التعويض المُستحَق للوالدَين يكون ضئيلًا جدًا. ولكن بمجرد أن يبلُغ هذا الطُفل شهرًا واحدًا من العمر، يَقفز التعويض بشكلٍ كبير لأن هذا الطفل قد وَصَل إلى مَرْتَبة ”الشخص“.
لقد أخبرتُكم في بداية الإصحاح الثالث أنّ أحداث هذا الإصحاح وقَعَت في موقعَينْ مختلفَين: كل شيء في الآيات الثلاثة عشر الأولى حَدَث في جَبَل سيناء؛ ولكن ما يَليه، بدءًا من الآية الرابعة عشرة، حدَث ”في صحراء سيناء“ بعد أن ابتَعَد الشعب عن جبَل سيناء.
والآن، دعوني أعطيكُم معلومة صغيرة مُثيرة للاهتمام. ما لم ينظُر المرء عن كثَب ويعرِف اللغة العبرية، فمن السهل أن نفترِض أنّ طريقة إحصاء اللاويين (بخلاف فارِق السِن لمَن كان يجب أن يُحصى) كانت تقريبًا نفْس طريقة الإحصاء العام لجميع بني إسرائيل؛ ولكن الأمْر ليس كذلك. في الواقع، لمْ يتمّ الإحصاء حتّى بواسطة البَشر.
دعونا نعيد قراءة بعضًا من الإصحاح الثالث.
إعادة قراءة سِفْر العدد الاصحاح الثالث الآية الرابعة عشرة – حتى النهاية
في الآيتين خمسة عشرة وستة عشرة حيث يتحدَّث عن تعامُل موسى مع إحصاء اللاويين تقول معظم تَرجمات الكتاب المقدس أنّ ”أحصاهُم موسى بأْمر أو كَلِمة الله“، ولكن هذا خطأ. إن الكَلِمة العِبرية لإحصاء هي ”بقاد“؛ ولها معنى واسع النِطاق. في هذا السياق ربما تكون كَلِمة "تسجيل" أفضل. كذلك في العبرية، ”أمَرَ“ الله في هذه الآية، هي ”الباء“ وبصورة أدقّ تَعني (من وجهة نظَر اللغة الإنجليزية الحديثة) ”أوحى“. وبعبارة أخرى فإن نتائج الإحصاء كانت مُرْتبِطة بشكل إلهي بموسى، مُباشرةً من الله، كانت وحيًا من الله، إعلانًا خاصًا جدًا تم إجراؤه لغَرَض تَذكاري. لم يُشارِك موسى ولا هارون، ولا رؤساء القبائل اللاوية، ولا أي إنسان في إحصاء اللاويين. لقد كان هذا أمْرًا مُهمًّا للغاية لأن الفداء كان في صميم الأمْر. وبدلاً من ذلك أجرى يَهوَهْ نفسَه الإحصاء وأُخَبَر موسى ببساطة بالنَتائج عن طريق ”وحي“ ثم كُتِبَ (سُجِّلَ) ما قاله الله.
يمكنني قَضاء ساعة كاملة في الحديث عن جميع مبادئ الفِداء التي تمّ التَطرُّق إليها في هذه الآيات، وهي نَفْس المبادئ التي تَجلَّت في حياة وموت وقيامة يسوع. لكنني سأكتفي بِذِكر واحد فقط، في الوَقت الراهن، وآمَل أن يَتغلغَل هذا في أعماق روحِكم. لن يُفيد قادة وشيوخ جميع الكنائس والمَجامع في العالم أن يُجروا إحصاءً من أجل تَحديد عدد الناس الذين افتُدوا بالفِعل (أو في المسيحية الإنجيليّة-المسيحية-المُخلَّصة). يوضِح الكتاب المقدس أنّ كَلِمة، وكَلِمة وحده، هو من يَقوم بهذا التحديد. إنّ إحصاء المُخلَّصين الذي سيُجرى في لحظة قَبل صعود المؤمنين لن يتمّ وِفْقًا لسِجلاّت الكنيسة أو المَجمع كما يُحدِّده حساب البَشر، بل سيُجريه الله نفسُه. شهادة المَعمودية تلك، أو اسمُك في دور عضوية الكنيسة أو الكنيسة، أو أنك انتُخِبْتَ أو عُينتَ شيخًا أو شماسًا؛ أو حتى إذا كنت قسًا أو حاخامًا بشهادة رَسامة؛ كل هذه أشياء جميلة وذات معنى في أنشطة الإنسان الدينية؛ لكنها لا تعني شيئًا عندما يَقوم الله بإحصائه النهائي. ولأنها مُهمَّة جدًا وأبديّة في عواقبِها فإنّ إحصاء أولئك الذين افتُدوا (ولم يُفتُدوا) لن يُترَك في يد البابا أو الأسقف أو القَسّ أو الحاخام أو مجلس الكنيسة أو لجنة الكنيسة، أو أي إنسان في هذا الشأن. سيَضْمَن رَبُّنا ألا يُغفَل مؤمن واحد عن طريق الخطأ ويُترَك في الخَلْف. ولكن بِقَدر ما يبعَث هذا الاحتمال على البَهجة والاطمئنان، أدرِكوا أيضًا أنه لن يُسمَح لأي شخص لا ينبغي أن يكون مشمولاً أن ينزلِق عن طريق الخطأ. سيَتَّخذ الله هذا القرار بناءً على مَعرفتِه الحميمة والكامِلة بقَلْب كلّ فَرد، وما إذا كان هذا الفَرد قد قَبِل بالكامل التدبير الخلاصي الذي قَدَّمه الله للبشرية، يسوع مُخلِّصنا. لن تَهُمّ كل المكانة الدينية الخاصة والأوسِمة والألقاب التي يَمنحُها البشر للبشر. لن يكون سِجلّ حضورنا، ومدى لطفِنا، وقولِنا كل الأشياء الصحيحة وإيماننا الصادق بالعقائد التي تبدو إلهية ولكنها ليست كذلك، والعديد من الأشياء التي تُثير إعجاب الناس، لن تكون جزءًا من التحديد. كما هو الحال هنا في سِفْر اللاويين حيث قام يَهوَهْ بإحصاء اللاويين بنفسه، فإنّ الله وحدَه هو الذي سيأخُذ إحصاء المؤمنين ويُسجِّلهم في سِفْر حياته السماوي لأن الله وحده يستطيع أن يرى القلب والنفس على حقيقتها.
حسنًا، في الآيات القليلة التالية نحصُل على عدد كبير من الأنساب لأنّ اللاويين كانوا سيُقسَمون بحسَب عشيرتهم، ومن ثم تُسنَد إليهم واجبات مُختلفة فيما يتعلَّق بالكاهن (الذي كان يمكن أن يأتي من عشيرة هارون فقط) والواجِبات فيما يتعلَّق بخيمة الاجتماع. إلا أنّ هذه الواجبات ستكون مؤقّتَة فقط، لأنه بمجرد وصولِهم إلى أرضِ الميعاد بَعْد أربعين سنة في البرّية، تَغيَّرت الواجبات قليلاً لأنّ الظروف تَغيَّرت بشكل كبير مع تحوّلِهم من كونِهم جوّالين إلى شعب مُستقِرّ. لذا فإنّ الكثير مما نقرأه هنا يَنطبق تقنيًا فقط على فترة الأربعين سنة من التيه.
لن نغرَق في هذه القائمة الطويلة من أسماء العائلات اليوم؛ ومع ذلك، هناك بعض الأشياء ذات الصِلة التي يجب أن نستخلِصَها منها. أولًا وقَبْل كل شيء لاحظوا أنّ الكهنة واللاويين كان عليهم أن يَتمركَزوا بين خيمة البرية وقَبائل إسرائيل الاثني عشر الذين كانوا يَعملون كسِياج أو حاجز وقائي بين الأرض المقدَّسة وشعب إسرائيل (أو أي شخص آخر في هذا الشأن). هذا يُحدِّد أيضًا دور الوسيط أو الشفيع أو حتى خادِم الله المُعيَّن. أي أنّ الأَمِر لا يتعلَّق فقط بحَمْل الرسائل من الناس إلى الله (كما في صلاة الشفاعة)، ومن الله إلى الناس (كما في كونِه مُعلِّمًا أو مُعلِنًا للكتاب المقدس)؛ بل يتعلَّق بحماية الله من أن تُهدَّد قداسته، ويتعلَّق أيضًا بحماية الناس من أن يُهلِكَهم الله بسبب التعدّي……. سواء عن قَصد أو عن غير قَصد….. على قداستِه. أضِف ذلك إلى المزيج عند محاولة فَهم دور يسوع، وإلى حدٍ ما مسؤولياتنا كتلاميذ له. ما يتم التفكير فيه أو مُناقشتَه دور نادر ، لكنّه على الأرجح أحد أهَمّ الأدوار التي يَحمِلُها كل مؤمِن في العَصر الحديث على عاتِقه.
نرى أنّ الأبناء المُباشَرين لمؤسس قبيلة لاوي…… لاوي ابن يعقوب……. هم الذين ذُكِروا أولاً، وهم جرشون وكوهات ومراري. هناك اسم واحد من هذه القائمة مهمّ جدًا، ولكنه غير مُسجَّل لأن الاسم يَنتمي إلى امرأة: يوخوبد. كانت يوكوبد أُخت جرشون وكوهات ومراري. ولكننا نعرِف يوكوبد أكثر على أنها أمّ موسى وهارون. الأمْر المثير للاهتمام هو أنّ عمرام (والِد موسى وهارون) كان ابن كوهات. وهذا يعني أنّ عمرام تزوَّج من أخت أبيه، خالته يوكوبد، وبالتالي فإنّ كوهات شكَّل السلالة البيولوجية لكلّ من والدي موسى وهارون. بالطبع، تَزوَّج عمرام ويوخابد بينما كان شعب إسرائيل لا يزال في مِصر. لا يمكن أن يكون هذا الوَضْع قد حَدَث بعد جَبَل سيناء لأن الشريعة التي أُعطيت لموسى في موضوع الزواج لم تكُن لتَسمحَ بهذا النوع من التزاوج العائلي القريب.
ابتداءً من الآية اثنان وعشرين نبدأ في رؤية تركيبة اللاويين بحَسَب إحصاء الله، ثم سَجَّله موسى. انقسَمت سلالة عائلة جرشون إلى سلالتين، تُمثِّلان ابنَيه لبني وشمعي، ثم انقَسمتْ سلالة لاوي إلى سلالتَين. بَلَغ العدد الإجمالي لنَسْل جرشون بن لاوي سبعة آلاف وخمس مئة ذَكَر من الذكور البالغين من العُمر شهرًا واحدًا وما فوق. تم تَعيينهم للتَخييم في الجزء الخَلْفي من خيمة الاجتماع، إلى الغَرب، وهو ثالث أرقى مكان للتخييم. كانت واجباتُهم في خيمة الاجتماع تَتمثّل في العناية بأجزاء مُعيَّنة من هيكل خيمة الاجتماع؛ على الرُغم من أننا عندما نقرأ هذا المَقطع يبدو وكأنه تكرار لأن معظم الترجمات تَستخدِم عبارات مِثل خيمة الاجتماع، الخيمة، وغطاءها، والستارة. ما هو الفرْق بين خيمة الاجتماع والخيمة؛ أليسَتا نفْس الشيء؟
في الواقع إنّ هذه الكَلِمات تُشير إلى طبقات مُختلفة من القماش والجلود التي تُشكِّل معًا خيمة الحَرَم. إذن بشكل أكثر دقة فإن كَلِمة خيمة الاجتماع تُشير إلى البطانة الداخلية من القماش، وكَلِمة خيمة تُشير إلى الطبقة الوسطى من شعْر الماعز، وكَلِمة ستارة تُشير إلى الغطاء الخارجي من جلود الكباش المدبوغة وربما أيضًا إلى الغطاء العلوي المقاوِم للماء المَصنوع على الأرجح من جلود خنازير البَحر. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ كَلِمة ساتر تُشير إلى المَدخل الخارجي للخيمة والحِجاب الذي كان يُعلَّق في المدخَل من الفناء إلى المكان المقدّس (وهذا ليس الحِجاب الداخلي، الباروخيت، الذي يَفصُل المكان المقدس عن قدس الأقداس). الجرشونيون مسؤولون أيضًا عن مذبح القرابين المحروقة والحِبال التي كانت تُعلَّق بها الستارة الخارجية.
انقسَمَت سلالة كوهات (وهو ابن آخر للاوي) إلى أربعة خطوط أو عشائر، كل منها يُمثِّل أبناء كوهات الأربعة، وأحدُها هو السُلالة التي جاء منها موسى وهارون (إبنا عمرام). كان العدد الإجمالي للذكور من هذه المجموعة العائلية ثمانية آلاف وثلاثمئة ذَكَر. كان من المُقرَّر أن يُخيِّموا في الجانب الجنوبي من خيمة الاجتماع، المكان الثاني الأكثر شهرة للتخييم.
كانت واجباتُهم هي العناية بتابوت العهد، ومائدة الخبز، والشَمعَدان، ومذبح البخور الذهبي، وجميع الأواني الطقسية المُختلفة مِثل وعاء النار، والأباريق الذهبية، والأوعية المُستخدَمة لحِفظ دم الذبائح، وما إلى ذلك. لاحظوا أنّ هذه الواجبات كانت من أعلى الواجبات لغَيْر الكهنة.… تلك المجموعة التي يُسمّيها الكتاب المقدس عادةً ”اللاويين“ فقط.
كان الكوهاثيون يهتمون بالأشياء الموجودة داخل الخيمة. المجموعة الأولى التي ناقشناها، مجموعة جرشون، كانت تَهتمّ بالأشياء التي كانت إما حواجز بين داخِل الخيمة وخارجِها أو الأشياء التي كانت تَقَعُ خارج الخيمة بالكامل (مِثل مذبح الذبائح المَحروقة).
كانت الأشياء الموجودة داخل الخيمة تُعتبَر بشكل عام أكثر قداسة وأعلى مستوى من الأشياء الموضوعة خارج الخيمة.
اسمحوا لي أن أذكِّرَكم لأنّ الأَمْر يمكن أن يكون مُربِكًا: بمجرد أن أقام الله الكهنوت (والحدَث الذي وَقعَ في جَبَل سيناء)، قسَّم قبيلة لاوي إلى قسمَين رئيسيَين: الكهنة وغير الكهنة. كان الكهنة يؤدّون الطقوس ويقومون بتعليم الشريعة، وكانوا يُسمَّوْن ”الكهنة“ أو بالعبرية ”الكوهانيم“. أما غير الكهنة (ما تبقى من قبيلة لاوي) فكان يُطلَق عليهم لقَب ”اللاويين“، وهم الذين كانوا يقومون بالأعمال المُتعلِّقة بخيمة الاجتماع ثم الهيكل. من الناحية البيولوجية والنِسبية، كان الكهنة واللاويون جميعًا جزءًا من قبيلة لاوي؛ لكن الله رَفَع نَسْلَ هارون، الكهنة، إلى مكانة أعلى من بقية قبيلة لاوي. لذلك من هذه النقطة فصاعدًا في الكتاب المقدس، في تسعة من عشرة مرّات يُشير فيها الكتاب المقدَّس إلى اللاويين، فإنه يُشير فقط إلى هؤلاء اللاويين ذوي الياقات الزرقاء وليس الكهنة. ودائمًا عندما يُشير الكتاب المقدس إلى الكهنة فإنه لا يَشمل بأي حال من الأحوال أولئك اللاويين العامِلين ذوي الياقات الزرقاء. سنَرى عبارة ”الكهنة اللاويين“ في كثير من الأحيان، لكن لا تَرتبكوا. الغرَض من ذلك هو تذكير القارئ بأنّ الكَهْنوت يأتي من قبيلة لاوي فقط؛ لا يُمكن لأي قبيلة أخرى أنْ تُشارِك في الكَهْنوت. وللأسف فإنّ معظم المُفسِّرين المَسيحيين يجعلون اللاويين والكهنة كلمتَين لشيء واحد فقط، وهكذا نحصل على صورة غير دقيقة لما كان يدور حول خيمة الاجتماع ولاحقاً الهيكل.
كان الابن الثالث للاوي هو مراري. انقسَمت سلالة مراري إلى عشيرتَين لأنه كان له ابنان. كان مجموع الذكور من سلالة مراري ست آلاف ومئتا ذَكَر. وأُمِروا أن يُخيِّموا في الجانب الأقل رِفعة من خيمة الاجتماع، أي الشمال. كان عليهم أن يَعتنوا ويَنقلوا الألواح الخشبية التي كانت تُشكِّل إطار الخيمة المقدَّسة، وجميع الأعمدة والمآخذ والحِبال المُستخدَمة لتشكيل السور القماشي الذي يُحيط بالساحة الخارجية.
كان أرقى مكان للتخييم من نَصيب موسى وهارون وأبناء هارون…. الكهنة.
كانوا يُخيِّمون إلى الشَرق، أو أمام خيمة الاجتماع. لم يقوموا بتجميع خيمة الاجتماع أو تَفكيكها، ولم يَنقُلوا أي جزء منها أو أثاثها، فقد كانت هذه وظيفة اللاويين. وكما هو واضح في الآية ثمانية وثلاثين، كان هدَف الكهنة هو ”القيام بواجبات الحَرَم“ …. أي أداء الطقوس. وهذا الواجِب لم يتم القيام به نيابةً عنهم، بل نيابةً عن جميع بني إسرائيل. لقد كان اللاويون والكهنة يَفعلون ما فَعَلوه من أجْل جميع قبائل بني إسرائيل.
تؤكِّد نهاية الآية ثمانية وثلاثون، مرَّة أخرى، على أنّ أي شخص غير مُصرَّح له بالاقتراب من خيمة الاجتماع أو حاول القيام بوظيفة كهنوتية كان يجب أن يُقتَل. يتساءل المرء لماذا ذُكِر هذا عدّة مرّات. هل ظَنّ الله أن هؤلاء الإسرائيليين أغبياء؟ حسنًا، بالإضافة إلى حقيقة أنّ يَهوَه يوضِح تمامًا أنّ القُرب منه يجلِب الخطَر والبَرَكة (وهو أمْر يبدو أنّ القليلين في الكنيسة الحديثة يدركونه ما عدا أكثر المبشرين جرأة)، ليس لدي شك في أن هذا كان تحذير في المقام الأول لأبكار بني إسرائيل. تذكَّروا أننا في مرحلة من الزَمن حيث المكانة الخاصة لجميع أبكار إسرائيل قد تُنزَع منهم ويتم تحويلُها إلى اللاويين. لقد كان هؤلاء الأبكار الإسرائيليون على مدى قرون هم أصحاب الشرف والواجب الفريد لأداء وظائف شبيهة بالكهنوت لعائلاتهم. يمكنكُم أن تراهِنوا أنه بينما كان بعض الأبكار يَشعرون بالارتياح لعدم اضطرارِهم للقيام بذلك بعد الآن، فإن آخرين قد وَخَزهم كبرياؤهم ولم يكونوا سُعداء على الإطلاق بهذا التَغيير. ومن المؤكَّد أنهم لم يكُن لديهم أي نيّة للتخلّي عن كل ذلك بسهولة، ولذلك أرادوا الاستمرار في المُشاركة في الطقوس والاحتفالات التي أمَرَ الله بها موسى. كان جواب الله: لا تُفكِّروا حتى في الأمر. اقتربوا وموتوا.
بالمناسبة، لاحِظوا أنه لمْ يَتِمّ توفير عدَد الذكور الذين شكَّلوا العائلات الكَهْنوتية. فقط العدد الكلي للعائلات الثلاث غير الكَهْنوتية هو المَذكور. بالنسبة لأولئك الذين لم تَتضمَّن أسفارُهم المقدَّسة تصحيحًا مُفترَضًا، فإنّ أقدَم المخطوطات العبرية التي لدينا تُشير إلى أنّ عدد كل من تلك العائلات الثلاث غير الكَهْنوتية عند جَمْعها معًا (اثنان وعشرون ألفًا وثلاثمئة) ليس هو نفْس العدَد الإجمالي الذي يتم توفيره عادةً (اثنان وعشرون ألفًا). يُقال أنّ السبب هو خطأ كتابي شائع إلى حدٍ ما في مكانٍ ما. المُشكلة هي أنّ العَدَد ثلاثة في العبرية يُشبِه إلى حدٍ كبير العدد ستّة. ثلاثة هو شين-لامد-شين، بينما ستّة هو مجرد شين-شين.
عند هذه النقطة يُطلَب نوع آخر من الإحصاء؛ الإحصاء الأول لقبائل بَني إسرائيل كان يَحصي الذكور فقط ابتداءً من سِنّ العشرين. سيُجرى إحصاء جديد يحسِب الذكور من بني إسرائيل ابتداءً من سِنّ الشهر الواحد؛ أي أنّ هذا الإحصاء الجديد يَستخدِم نَفْس المعايير التي استُخدِمت في إحصاء اللاويين. وما تم اكتشافُه هو أنّ عدد الذكور البِكر من بني إسرائيل يَفوق عدد الذكور اللاويين الذين حلّوا مَحلَّهم بـمئتين وثلاثة وسبعين ذَكرًا. ومن المُثير للاهتمام أنه حتى أبكار مواشي بني إسرائيل (بالعبرية” البهيمة“، والتي تَعني حيوانات الحَقْل الداجنة المُستخدمَة في الطعام؛ وهذا يَشمَل الماعز والغنمَ والبقَر) كان يجب أن يتم استبدالُها بحيوانات اللاويين. في حال لم يكُن الأمر واضحًا: كان اللاويون الذين كانوا يُستخدَمون للفداء يتألَّفون من جميع الذكور اللاويين، وليس فقط الأبكار اللاويين. لكن من بين بني إسرائيل العِلمانيين (القبائل الاثنا عشر) كان الأبكار فقط هم الذين كانوا يُفتدون، وليس كل ذكور بني إسرائيل. مفهوم؟ يفتدي ذكر لاوي واحد من أي رِتبة ميلاد ذَكَرًا إسرائيليًا بِكرًا واحدًا.
إذن ماذا نَفعل حيال مُشكلة عدم وجود عدد كافٍ من الذكور اللاويين لفداء كل بِكر إسرائيلي؟ تم تحديد سِعر الفداء وكان هذا السِعر خمسة شيكل. في هذه المَرحلة من التاريخ لم يكُن الشيكل عُملة مَعدنية كما هو الحال الآن (وكان كذلك في زَمن يسوع). بل كان الشيكل في ذلك الوقت مُجرَّد وِحدة وزْن…. مِثل الأوقية أو الجرام.
يتمّ اختيار مئتَين وثلاثة وسبعين بِكرًا من بني إسرائيل الذين كانوا سيُفْتَدون بالقُرعة. وكان على أولئك الذين تم اختيارهم أن يأتي كلٌّ واحد مُنهم بخمسة شيكل من الفضّة ويُقدِّمها لموسى، الذي أعطاها بعد ذلك إلى هارون. وهكذا تمّ فداء اثنان وعشرين ألف بِكر من بني إسرائيل في مبادَلة واحد لواحد مع اثنان وعشرين ألف ذَكر لاوي؛ والباقي من الذكور الإسرائيليين البالغ عددهم مئتين وثلاثة وسبعين ذكرًا فُدي كل واحد منهم بخمسة شيكل من الفضة، والتي أعطيت للكَهْنوت. وبهذه الطريقة تمّ فداء كل بِكر إسرائيلي، وبالتالي لم يَعُد مُكرَّسًا تلقائيًا لخدمة يَهوَه.
كان الانتقال كاملاً. أصبح اللاويون الآن مُلكًا للرَب بدلًا من أبكار بني إسرائيل، وفَقَد أبكار بني إسرائيل مكانتَهم الخاصة لصالِح اللاويين. اسمحوا لي أن أعلِّق على أنّ هذا كان، في مُعظمِه، وَضْعًا روحيًا فَقَده الأبكار واكتسبه اللاويون. التقاليد والعادات التقليدية الأخرى الخاصة بالأبكار حول سُلطة العائلة والثروة والزعامة وما إلى ذلك، لا تزال سارية تمامًا.
فكيف كان وَضْع جميع أبكار بني إسرائيل المُستقبليين منذ ذلك الوقت فصاعدًا؟ حسنًا، شَعر العبريون أنه كان لا يزال من الضروري فداء كل بِكر من أبكار العبريين. لم يكُن الأمر يتعلَّق بأنّ الله لا يَزال يَملِك جميع الأبكار تلقائيًا، بل كان الأمْر يتم إحياءً لذكرى الخروج عندما ضَرَب يَهوَه جميع أبكار مصر، ولكنه أنقَذَ جميع أبكار إسرائيل.
لذلك كانت الفِكْرة هي أنه عندما يولد ابن بِكر، كان الوالدان يُكرِّسان هذا الطفل للرَب امتنانًا. ثم، بعد ثلاثين يومًا، كانا يَفتديان ذلك الابن البِكر بالذهاب إلى الكهنوت ودَفْع ثمن الفداء. عندما كان يولد بِكر، بعد ثلاثين يومًا كان يُقام احتفال ويأخُذ الأب ابنه إلى خيمة الاجتماع ويدفَع للكهنوت مَبلغ خمسة شيكل من الفضّة لفداء ابنه. وبذلك لم يَعُد الابن البِكر مُكرَسًا في خدمة الله، بل افتدى من الله، وكان ثَمن الفداء خمسة شيكل. دعوني أؤكِّد: كان هذا يَخصّ البِكر فقط. إذا كان للرَجُل عدّة أبناء، كان الابن البِكر فقط هو الذي يَفتديه، وليس الآخرين، لأن الآخرين لم يكونوا مُكرَّسين لله، وبالتالي أصبحوا في الأساس مُلكًا مقدَّسًا لله.
من الناحية النَظرية إذا لم يَحدُث هذا الفداء، فإنّ الابن البِكر كان مُلزَمًا بخدمة الله مدى الحياة أو الكَهْنوت أو كلَيهما. في الواقع كان هناك القليل جدًا مما كان يُمكِن أن يَفعله ذلك البكر للكَهْنوت، لأن مهمَّة اللاويين كانت خِدمة الكهنة. وأي شخص لم يكُن لاويًا، ولكنه قام بمهمة اللاوي، كان يجب أن يُعدَم.
والآن، كان هناك بعض الآباء الذين قرَّروا أنهم كانوا يريدون أن يكون ابنهم البِكر في خدمة الله؛ ولذلك تَعمَّدوا ألا يَفتدوه. سنرى هذا بشكل خاص في النِذر الناذري حيث يُقدَّم الطفل لخدمة الله قبل أن يولد. نرى هذا في الكتاب المقدَّس مع شمشون على سبيل المثال.
بالمناسبة، يوحَنا المعمدان أيضًا لم يُفتَدَ رغم أنه كان بِكْرًا. لماذا؟ ربما للسبب الذي قد يتوقَّعه القليلون؛ لم يكُن يوحَنا يهوديًا بالمعنى الدقيق للكَلِمة، بل كان لاويًا! كان أبوه كاهنًا وأمه إليشفا (أليصابات) من سلالة هارون.
لم يكُن يوحَنا المَعمدان مؤهَّلاً للفداء. بل مِثْلُه مِثْل جميع الذكور من قبيلة لاوي، بدءًا من سِفْر العدد، كان في خِدمة الله بشكل دائم ولا يُمكِن افتداؤه من هذا المَنصِب.
في الواقع حتى يسوع افتُدي من الله بثمن دَفَعه أبوه الأرضي يوسف. سنَجِد هذه القصة في لوقا الإصحاح الثاني. تعالوا معي إلى هناك الآن، لنرى هذا المبدأ بأكملِه الذي نتعلَّمُه في سِفْر العدد، ونرى أنّ هذا المَبدأ بأكملِه يَحدُث مع يسوع كمِحْوَر اهتمام، بعد حوالى ألف وثلاث مئة سنة من بدء الممارسة لأول مرة.
قراءة لوقا الإصحاح الثاني من الآية واحد وعشرون إلى خمسة وثلاثين
إليكم قصة نعرِفُها جميعًا جيدًا ولكننا على الأرجح لم نَفهَمْها تمامًا. ما نَشهدُه هو مجرد فداء عادي كل يوم لطفل يهودي (بِكر). في هذه الحالة، هو يسوع.
العنوان العبري لهذه العملية برمتها هو بيديون-هابن. كجزء من شريعة بيديون – هابين لاحظوا أنه لم يُعطَ اسمه حتى ختان يسوع في اليوم الثامن. والسبب في هذا التأخير هو أنّ الأسماء كانت لها أهمية كبيرة وإلى أن بَلَغ يسوع ثمانية أيام من عُمْرِه، وأُجري له حَفْل الختان، لم يكُن قد وُضِع تحت أحكام العهد الإبراهيمي. في اليوم الثامن حَصَل على اسمه العبري لأنه أصبَح رسميًا من بني إسرائيل.
ثم تقول الآية بعد ذلك أنّ الفداء كان بعد وَقت التَطهير حسب الناموس (أي التوراة)، عندما أخَذ َيوسف ومريم يسوع إلى أورَشليم. التطهير الذي نتحدَّث عنه هنا لا يتعلَّق بيسوع، بل بمريم، وهذا أيضًا وارِد في شريعة بيديون- هابين. عندما كانت المرأة تلِد طفلاً، إذا كان وَلَدًا، كانت نجسة طَقسيًا لمدّة أربعين يومًا. لذلك نحن نعلَم أنّ هذا المشهَد في لوقا حَدَث بعد الأربعين يومًا لأنه لم يكُن بإمكانها أن تأتي إلى الهيكل.
علاوةً على ذلك، فإنّ الذبيحة التي يتمّ الحديث عنها (حمامتَين) تتعلَّق مرة أخرى بمريم، وليس بالطفل يسوع. هذه هي الذبيحة الضرورية لإكمال التطهير الطقسي بعد الولادة. كان الذهاب إلى الهيكل مِحنة إلى حدٍ ما، وعندما يُمْكِن إنجاز عدة أشياء في رحلة واحدة هذا ما كان يحدُث عادة. لا يَذكُر هذا المقطع المبلغ الذي أُعطيَ لفِداء يسوع، ولكن كان من الممكِن أن يكون المَبلغ القياسي خمسة شيكل لأنه لم يكُن يَهُمّ ما إذا كانت العائلة غنية أو فقيرة، فقد كانت تَكْلِفة الفداء واحدة لكل بِكر عبري.
والآن، يَعتقد البعض أن يسوع كان له أخ أكبر مِنه هو يعقوب الذي كان من الضروري أن يكون مولودًا من زوجة أخرى ليوسف. إنّ قُرْب يعقوب من يسوع هو أمْرٌ ثابِت إلى حدٍ ما؛ ولكن الاعتقاد بأنّ يعقوب كان بِكر يوسف خطأ وِفْق لوقا، لأننا هنا نرى يسوع يُفتدى بسبب مكانتِه كبِكر. التحفُّظ الوحيد على ذلك هو أنّ يوسف لم يكُن الأب البيولوجي ليسوع (وكان يعرِف ذلك جيدًا)، لذلك ربما كان يوسف مأمورًا من يَهوَه (أو أخَذَ على عاتقه أن يَفعل ذلك) أن يأخذ يسوع إلى الهيكل من أجْل طقوس فداء البِكر نيابةً عن الآب السماوي.
وهكذا وبِغضّ النظَر عن الظروف كان مُخلِّصنا قد افتدى نفسه من يَهوَه…. على الرغم من أنه بالطبع، كان في الواقع إلهًا مُتجسِدًا. وهذا يوضِح فقط المُفارقة الغامضة التي علينا أن نَتعامل معها من حيث إنّ يسوع كان إنسانًا بنسبة مئة بالمئة، وبالتالي كان خاضِعًا لأحكام التوراة كأي إنسان آخر؛ ومع ذلك كان إلهًا بنسبة مئة بالمئة، وبالتالي كان هو التوراة، وبالتالي كان كائنًا مُختلفًا عن أي كائن عَرَفه العالَم.
سنَبدأ الأسبوع القادم في الإصحاح الرابع من سِفْر العدد.