الدرس واحد – مقدمة سفر الخروج
سفر الخروج
الدرس واحد – المقدمة
نبدأ اليوم بموضوع قد تجدونه مشوقًا، تثقيفيًا (آمل ذلك)، مليئًا بالروحانيات وبمثابة مغامرة في السفر الثاني من التوراة……سفر الخروج.
لتمهيد الطريق لما سنقوم بدراسته ونَنطلق في المُغامرة، أود أن أَقضي بعض الوقت في إعطائكم لمحة عامة عن سفر الخروج، وأتحدّث قليلاً عن الظروف التي عاشت فيها إسرائيل خلال فترة ما بين وفاة يوسف، وأول ذِكر لموسى.
الاسم العبري لقسم التوراة الذي نسميه "سفر الخروج" هو "شُموت". كلمة شُموت تعني "الأسماء"، وبالتأكيد تنبثق من الكلمات الأولى من الكتاب ألا وهي "هَذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ"….
للتذكير فقط، فإن الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس تسمى بالعبرية "التوراة". وتعني التعليم. ولا تعني الشريعة. تتألف التوراة من سفر التكوين، سفر الخروج، سفر اللاويين، سفر العدد، سفر التثنية، وتتكون من التقاليد المتوارثة شفويًا من جيل إلى جيل بالإضافة إلى ما أعطاه الله لموسى على الجبل المقدس الذي نسميه جبل سيناء. غالبًا ما يُطلق على سفر التكوين اسم سفر البدايات……. هذه "البدايات: التي تنتهي بحرف "ت" للدلالة على الجمع……بدايات متعددة.
في سفر التكوين، في رأيي، لم يتم إخبارنا كثيرًا عن بداية الكون (أي ذلك الوقت الذي أصبح فيه اللاشيء الذي لا يُحصى، شيئًا) ولكن بالأحرى يبدو لي أن بداية سفر التكوين تدور حول خلق الله لظروف الحياة. بعبارة أخرى، تبدأ رواية الخلق بذكر أن الله هو الذي خلق كل شيء ثم يشرح أن الأرض كانت عديمة الشكل وخالية (بمعنى أنها قد خُلقت وظلت هناك لفترة غير محددة من دون حياة كما هو الحال مع بقية الكون). ثم قيل لنا أن الظلمة كانت فوق سطح الأعماق (لذلك كان هناك بالفعل "عُمق")؛ وأخيرًا أن روح الله كانت تتحرك على سطح المياه. إذًا ما نراه هو أن قصة الخلق تدور حول بداية البيئة المادية التي يمكن أن تدعم الحياة، ولكنها كانت فقط أولى "البدايات" العديدة التي يخبرنا عنها سفر التكوين.
إنّ سفر الخروج، شموت، هو، في كثير من النواحي، سفر بدايات آخر. هو سفر بدايات أمة من الناس الذين اختارهم الله وفصلهم عن جميع الناس الآخرين على كوكب الأرض: بني إسرائيل. وقد أسس يهوه الأمة على المستويات السياسية والمدنية والدينية. وبعبارة أخرى، على الرغم من أن الأرض والنجوم والحيوانات والنباتات والبشر جميعًا خُلقوا في الجزء الأول من قصة الخلق، لم يكن الله قد انتهى بعد من تطوير عمله الإلهي مع مواليد الخلق؛ فهو لم يَخلقهم ثم ترك كل شيء يتطور من تلقاء نفسه من دون مزيد من التشكيل والقولبة.
يَتمحور سفر الخروج بالكامل حول الله؛ ويؤسّس سفر الخروج العديد من المفاهيم المهمة عن طبيعة الرب، والتي من المتوقع أن نكون قد استوعبنا معظمها بالفعل كمقدمة لدراسة العهد الجديد. في سفر الخروج نتعلم أنه لا يوجد إلا إله واحد، واسمه يهوه. هو نفسه الإله الذي ظهر للآباء باسم إيل شاداي. إنه خالق كل الأشياء، ولكنه أيضًا فوق كل شيء وليس جزءًا عضويًا من الأشياء التي خلقها. إنه حاضر وقريب، لكنه ليس مكوّن من نفس جوهر الأشياء التي خلقها...ويتشابه مع الإنسان بأشياء صغيرة.
إله إبراهيم هذا يختلف عن أيٍ من الآلهة الوثنية البابلية الغامضة. مجال سلطانه لا نهائي، فهو بلا حدود ولا قيود وقواه لا تنتهي، ومع ذلك، فهو يتفاعل باستمرار مع البشر. وبعبارة أخرى، فإن إله إسرائيل له علاقة وثيقة بالشؤون البشرية، يستخدمها لتحقيق غرض أكبر بكثير. وتتضمّن خطته الكبرى تأسيس أمة من الناس الذين سينقذهم ويخلصهم ويعلمهم ويرعاهم ويؤدبهم: إسرائيل.
لذا، على الرغم من أن إسرائيل (كما خُلقت في سفر التكوين) كانت عبارة عن شعب منفصل ومحدد، وكان في وقت الكلمات الأخيرة المكتوبة في سفر التكوين، لا يزال في شكل بدائي إلى حدٍ ما.
لم يقم الله بالكثير، لخلق ذلك النظام المجتمعي الذي من شأنه أن يجعل إسرائيل منفصلةً ومتميزةً عن الآخرين. كان الشيء الوحيد الذي جعل شعبها مختلف عن المصريين هو العرق والدعوة: كانوا في الأساس رعاة غنم ساميين، بينما كان المصريون رعاة ماشية وصانعي طوب من سلالة حام. سفر الخروج هو المكان الذي نرى فيه في الكتاب المقدس انقسامًا آخر واختيارًا وانفصالاً: تتقدم إسرائيل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة لتتأسس كأمة من الناس، وتنضج من مجرد مجموعة من الناس. إنها أمّة لها ثقافتها وقوانينها وأخلاقها المحددة جيدًا…… تاريخها الخاص وأرضها الخاصة بها وإلهها الذي يؤسس الأخلاق والأخلاقيات ونظام العدالة غير القابل للتغيير الذي يجب على بني إسرائيل أن يعيشوا حياتهم على أساسه.
سنتعرّف في بداية سفر الخروج على مبدأ عيد الفصح. والفصح الأول كان تلك الليلة العظيمة والمخيفة عندما أرسل الله الوباء الأخير على مصر الذي تسبب في جعل فرعون يخفف من قساوته على شعب الله؛ وكان ذلك الطاعون هو الذي أدّى إلى موت كل طفل بكر في جميع أنحاء مصر. ومع ذلك، بالنسبة لأولئك الذين اتّبعوا تعليمات الله وقاموا بطلاء أعمدة أبواب بيوتهم بدم الحمل، فقد تفادوا الموت. يعني ذلك أنّ كل مصر وُضعت تحت عقوبة الموت بسبب تمردها على الله. ولكن، صنع الله تدبيرًا لأولئك الذين وثقوا به وحدهم. وكان هذا التدبير عن طريق الدم الذي أريق من حمل بريء؛ وبهذا الدم وحده كان خلاصهم. هنا، في سفر الخروج، الصورة أكثر كمالاً في الكتاب المقدس لغرض المسيح المستقبلي، يشوع، يسوع المسيح.
في سفر الخروج، سنتعرف أيضًا على "بشرى سارّة لعهدٍ جديد". إذا كنت منتبهًا إلى ما قلته للتو، على الأرجح، تسأل "ماذا؟ ماذا قال للتو؟ الخروج، عهد جديد؟". كما ترون، المصطلحات لها تأثير هائل على طريقة استيعابنا للمعلومات الجديدة. لقد تم تعليمنا أن الكتاب المقدس يعتمد على قسمين رئيسيين يسميان العهد القديم والعهد الجديد. معظم الأمور في المسيحية مبنية على فرضية.
الفرضية هي أنه كانت هناك مجموعة أصلية من الأحكام والقوانين التي سلّمها الله للبشرية، والتي استبدلت في النهاية بمجموعة جديدة وأفضل تسمى العهد الجديد.
يشير المسيحيون الإنجيليون أنه لا فائدة كبيرة من معرفة المزيد عن الكتاب المقدس أكثر مما يمكن أن نجده في العهد الجديد، لذلك يُنظر إلى العهد القديم على أنه مجرد تاريخ قديم، أو أنه فضولي، يصلح فقط للباحثين والأكاديميين……. أو ربما قصص مثيرة للاهتمام في مدرسة الأحد للأطفال...وللأشخاص الذين لديهم الكثير من الوقت.
نأمل أن يكون أولئك الذين تخرجوا منكم من قسم تفسير سفر التكوين قد بدأوا فعلاً بالتمعّن في معظم المبادئ الروحية التي نميل إلى نسبها إلى سفر التكوين، والتي قد وجدناها بالفعل في أقدم كتاب من العهد القديم.
النقطة المهمة هي: نحن بحاجة حقًا إلى إبعاد مصطلحي العهد القديم والعهد الجديد عن مفرداتنا. ما لدينا هو الكتاب المقدس: كلمة الله الواحدة الموحدة. وكما أن الله واحد، كذلك هي كتبنا المقدسة. من دون العهد القديم، سيكون لدينا نصف كتاب مقدس فقط. ومن دون العهد الجديد، سيكون لدينا نصف الكتاب المقدس؛ نصف كلمة الله. وعندما نستبعد أيًا من النصفين، لا يعني ذلك أننا ننفهم بشكل نصفي، بل يعني أن معظم، إن لم يكن كل، ما نعتقد أننا نعرفه هو في الواقع غير مكتمل تمامًا. اسمحوا لي أيضًا أن أوضح نقطة أن البشرى السارة والعهد الجديد ليسا مماثلين. البشرى السارة معلنة في العهد القديم (في إرميا واحد وثلاثين).
البشرى السارّة هي نبوءة عن عهد آخر في سلسلة من العهود التي سيقطعها الله مع البشر; كل عهد ضروري ومهم……وكل عهد لا يزال صالحًا. العهد الجديد يسجل البشرى السارة ببساطة كما تنبأ بها إرميا، وأن يشوع بن يوسف، يسوع بن يوسف، هو المسيح الذي يأتي بالبشرى السارة بسفك دمه تكفيرًا عن ذنوبنا. وبالفعل، سنرى أن الله أعطى موسى أيضًا عهدًا جديدًا؛ غير ما نسميه نحن البشرى السارة؛ ولكنه كان بالنسبة لموسى آخر سلسلة من العهود التي أسسها الرب لتحقيق مشيئته. العهد الذي أُعطي على جبل سيناء هو العهد الذي عادة ما يسميه المسيحيون الوصايا العشر، أو الناموس؛ ومع ذلك فهو يتألف، كما سنرى في الأسابيع المقبلة، من أكثر من عشرة شرائع أساسية من الله.
ما سوف نتعرف عليه أيضًا في هذا "العهد الجديد" الذي أُعطي لموسى، هو نوع جديد من العهود؛ عهد مشروط؛ عهد ثنائي؛ عهد قائم على الإنسان، وكذلك الله، كل منهما يقوم بدوره. عهد متبادل بين الله والإنسان.
إنه يختلف تمامًا عن العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم قبل حوالى ستّمائة سنة لأن ذلك العهد، الذي أدى إلى إنشاء ما يسميه بالكتاب المقدس "خط توارث العهود"، كان غير مشروط. كان العهد مع إبراهيم وإسحق ويعقوب من جانب واحد. كان من طرف واحد……وليس متبادلاً. كان كل شيء يعتمد على الله. لا شيء يمكن أن يفعله الإنسان يجعل الله يتراجع عن هذا العهد، ولا يغيّره. بعبارة أخرى، لم تكن العهود السابقة سوى وعوداً من يهوه إلى إبراهيم.
هذا العهد الجديد الذي أُعطيت لموسى على جبل سيناء لم يحل بأي حال من الأحوال محل العهد المختلف والأقدم الذي أُعطي لإبراهيم. لم يكن نموذجًا جديدًا وأفضل، مصمم ليحل محل عهد قديم وعفا عليه الزمن. لقد كان ببساطة عهدًا آخر، مختلف تمامًا في الغرض والطبيعة عن العهد الذي أُعطي لإبراهيم. ومع ذلك، تمامًا كما كان النصف الأول من الكتاب المقدس هو أساس النصف الثاني، كذلك فإن عهد إبراهيم هو أساس العهد الجديد المعطى لموسى.
لذلك فإن عهدي إبراهيم وموسى مختلفان للغاية، ولكنهما مترابطان ارتباطًا وثيقًا، مثل فصول الكتاب.
سِفر الخروج هو ملحمة؛ إنها لوحة واسعة مرسومة بخطوط عريضة. ومع ذلك، يجب ألا نفكر فيها كدرس تاريخي علماني. سنسجّل الأحداث والصور الذهنية التي توضح وتدل على المبادئ والمقاصد الإلهية في دراستنا. لذلك، فإن سفر الخروج لا يعطينا الكثير من التفاصيل عن الأحداث، والأماكن، والأشخاص والثقافات. إنه لا يصف مجتمع مصر الرائع والمتقدم، ولا يروي لنا الكثير عن فترة وجود شعب إسرائيل هناك. ولا يعطينا معلومات دقيقة عن طريق الخروج. ولا يخبرنا بالكثير عن الفرعون خلال فترة الخروج. باستثناء التعليمات الواضحة عن بناء خيمة البرية والطقوس المصاحبة لها، فإن التفاصيل قليلة في سفر الخروج.
من وقت انتهاء الإصحاح الأخير من سفر التكوين إلى بداية سفر الخروج، مرت حوالى ثلاثمئة وخمسين سنة… بصمت، كما لو أن الله لم يكلّف نفسه عناء إخبارنا بالكثير عما حدث في مصر. أو كما لو كان الله قد نسي أمر إسرائيل المسكينة الراقدة تحت وطأة الحرّ والسُخرة التي أصبحت من نصيب شعبها. ولا شك أن غالبية هؤلاء العبرانيين شعروا أن الله قد تخلى عنهم بالفعل.
لكن أعتقد أننا سنستنتج أن ما فعله الله مع إسرائيل كان صنع كعكة بالمعنى المجازي. لقد اختار الله المقادير بعناية لصنع إسرائيل؛ ثم خلطها حتى تمتزج جيدًا، وبعد ذلك وضع الخليط في الفرن ليُخبز. لقد ضبط توقيتًا سماويًا لمقدار الوقت الذي كان يعلم أنه مطلوب لهذه الكعكة العبرية حتى تختمر وترتفع وتصبح قابلة للاستخدام….أربع مئة سنة….. وانتظر. على الرغم من أن لا شك أنه راقب عملية الخبز، بشكل عام، لم تكن هناك حاجة لتدخل كبير من جانبه.
بقيت الكعكة في الفرن إلى أن رنّ جهاز التوقيت وانتهى خبزها. حسنًا، عندما فتح الله الفرن، خرجت إسرائيل. وعلى ما يبدو، لم يكن هناك فائدة من إخبارنا بتفاصيل ما حدث خلال الوقت الذي كانت تُخبز فيه إسرائيل في فرن مصر. لذلك، لا يحتوي الكتاب المقدس على أي شيء تقريبًا عن تلك السنوات.
تقدم لنا التوراة، بشكل أساسي، زوجًا من نهايات الكتب (مع المجلدات الموجودة بين تلك المفقودة) فيما يتعلق بما كان أكثر الأمور أهمية التي تدفع الله لأن يقرر أن إسرائيل ستقضي بالفعل وقتًا طويلًا في مصر. ينتهي الكتاب الأول مع سفر التكوين ستة وأربعين الآية ثلاثة، حيث يقول الله ليعقوب: "لا تخافي من النزول إلى مصر لأَنِّي هُنَاكَ سأَجْعَلُ مِنْكَ أُمَّةً عَظِيمَةً". يقف هذا السفر وحده إلى أن تأتي الآية التالية بعد الآيات الافتتاحية من سفر الخروج بقليل: "وَأَثْمَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَكَثُرُوا وَكَثُرُوا جِدًّا وامتلأت الأرض بهم". لقد تنبأ الله عن كثرة عدد سكان إسرائيل وأعلن أنه سيكون كذلك، وقد حدث ذلك. قد تكون طريقة حدوث ذلك موضع اهتمام الإنسان، ولكن مهمة الله الوحيدة كانت ضمان تحقيق أغراضه الإلهية، وليس أن يكون للأجيال القادمة سردًا تفصيليًا لذلك.
لعل بعض بني إسرائيل تذكروا أن الله أخبر جدهم إبراهيم ومن بعده يعقوب، أن مصر كانت مصيرهم إلى أجل مسمى. وربما حسبوا أنه كما أن الله أخبرهم أن مصر هي مصيرهم إلى أجل مسمى، تحققت نبوءة إقامتهم في مصر وانفجارهم السكاني، فيحدث ذلك في الوقت المحدد من الله، كما وعدهم الله في سفر التكوين 46:4، "سأعيدكم إلى الأعلى مرة أخرى".
ومع ذلك، بعد ثلاثة قرون ونصف في مصر، مع القليل جدًا من التدخلات من الله، كم من هؤلاء العبرانيون كانوا ليتذكروا هذه الوعود الثمينة والمطمئنة بالنظر إلى حالتهم كعمال عبيد؟ والأهم من ذلك، كم كانوا سيظلون يثقون في وعده بتلك الوعود البعيدة الآن؛ هل يثقون به خلال فترة كانوا يعيشون خلالها وسط ثقافة تؤله وتعبد الوحوش والبشر، والشمس، والقمر والنجوم؟ ثقافة كانت مشغولة تمامًا بالحياة بعد الموت….. ولم تكن تعرف شيئًا من الله.
ربما كانت ثقافة الموت هذه في مصر إحدى الأسباب التي تجعلنا نرى تحفظ التوراة عن الحديث عن الموت والحياة الآخرة. لا يقدم العهد القديم أبدًا مفهوم الموت والذهاب إلى الجنة؛ في الواقع، بالكاد تم التطرق إلى ما يحدث بعد الموت في العهد القديم، ويعطينا صورًا غامضًا عن ذلك. كانت ديانة مصر هي ديانة النصب التذكارية الرائعة وصور الآلهة، وركزت على الموت. كانت الأهرامات مجرد مدافن متقنة وممالك قائمة بذاتها لعيش الحياة ما بعد الموت. لذلك، أصبحت ديانة إسرائيل خيال، والنُصب الوحيد المصرح به الذي سنجده في سفر الخروج هو هيكل خيمة متواضع بُني ليسكن الله فيه مع شعبه. وتم التعامل مع الموضوع ببساطة كحقيقة غامضة.
لسوء حظنا أن سفر الخروج يفتتح فورًا بصلب الموضوع، ويخبرنا بعبارات عامة عن حالة العبرانيين في مصر. باختصار، إن آيات الفصل الأول تمهد الطريق لمعركة الله القادمة مع فرعون، من خلال موسى. ولكن، هناك مصادر أخرى للمعلومات ذات أهمية تاريخية موجودة عن فترة وجود بني إسرائيل في مصر……، أي مصادر أخرى غير الكتاب المقدس؛ وسوف نستكشف العديد من العناصر المهمة، بما في ذلك طريق الخروج المراوغ، وموقع جبل سيناء، وموقع عبور البحر الأحمر، وغير ذلك.
لفهم سفر الخروج على أفضل وجه، وليس فقط ما يرويه، ونفهم علاقته بالصورة العامة للكتاب المقدس، علينا النظر من وجهة نظر هيكلية: لأن هناك مواضيع وأنماط وتقسيمات منطقية تعمل جميعها معًا، فإنها توفر لنا فهمًا جيدًا لتكوين إسرائيل كأمة وتطورها. فهم محتويات سفر الخروج هو مفتاح لفهم كل ما سيأتي بعد ذلك في الكتاب المقدس.
يرى عالم الكتاب المقدس الشهير، إيفريت فوكس، أنّ هناك ستة أقسام في سفر الخروج. والآن، اسمحوا لي أن أذكر منذ البداية، أنه كما هو الحال مع التقسيمات الكتابية للكتاب المقدس في العهد القديم والعهد الجديد، فإن الكتب الستة وستون والإصحاحات، والآيات المرقّمة هي من صنع البشر وليست ذات أهمية روحية، كذلك مفهوم التقسيمات الستة ضمن سفر الخروج. كلها إلى حدٍ ما اعتباطية. الغرض من كل هذه التقسيمات هو تزويد عقولنا الصغيرة المحدودة بطريقة للتعامل مع الحجم الهائل من نصوص الكتاب المقدس (خطوة خطوة)، وطريقة أكثر فعالية للتواصل فيما بيننا فيما يتعلق بمقاطع معينة من الكتاب المقدس، بينما ندرس ونناقش ونبحث في كلمة الله لنا.
لذا، ووفقًا لطريقة إيفريت فوكس، فإنه يرى أن التقسيم الافتتاحي لسفر الخروج، وهو الأول من ستة أقسام، ويسميه رواية النجاة. أي أن الله يفتدي شعبه المختار، بني إسرائيل.
ستستعرض هذه الإصحاحات القليلة الأولى الظروف والأساليب التي استخدمها الله من خلال موسى وفرعون، للسماح لأمة العبرانيين الهائلة الآن بالخروج من مصر….. في الوقت الذي كان هذا آخر شيءٍ أراد فرعون أن يشهد حدوثه، لأنه كان يعلم جيدًا أن خروج بني إسرائيل من مصر سيكون ضربة مدمرة لأمته.
القسم الثاني يُسميه تجربة البرية. يتطرق إلى تجارب بني إسرائيل ككتلة نازحة من اللاجئين، يسافرون عبر أرض قاحلة، مباشرةً بعد هروبهم من مصر. إنها فترة البداية التي سيُظهر فيها الله لإسرائيل من هو، وأنه جدير بالثقة، وأنه قدوس، وأنه عادل ولا يمكن العبث معه. وسوف ينتهي بإظهاره من هم بالنسبة إليه، وهم يبتعدون سيرًا عما اعتادوا عليه في مصر.
وهذا يقودنا إلى القسم الثالث، البشرى والناموس….. (ولكن الأصح أن نسميه التوراة) حيث يبدأ الله في التعامل مع هيكل إسرائيل نفسها؛ لا سيما البنية الاجتماعية والدينية.
كانت إسرائيل مجرد ملحق لمصر؛ أما الآن بدأ شعبها يختبر ديناميكية الله الحاكمة العظيمة الأولى التي ناقشناها منذ عام تقريبًا: الانقسام والانفصال والاختيار. كانت إسرائيل في طور التقسيم والانفصال والتشكيل إلى أمة مبنية على صورة الله ولخدمته. عن طريق إعطاء الله لموسى التوراة، أعطى إسرائيل أيضًا دليلًا للعيش؛ دليلًا للعيش من أجل شعب مُفتدى؛ دليل للعيش في انسجام مع الله. لم تكن هناك حاجة إلى التخمين.
متابعةً لموضوع "الهيكل/البنية" في الكتاب المقدس، ينتقل القسم الرابع إلى التعليمات، المخططات إذا أردتم، لبناء الهيكل وإقامة الكهنوت للخدمة في ذلك الهيكل، حتى يسكن الله في الخيمة بين شعبه المختار؛ وهذا الهيكل هو ما نسميه خيمة البرية. بما أن خيمة البرية ما هي إلا نموذج مادّي لمكان روحي وسماوي، سيتبعه بمئات السنين الهيكل الأول، سنقضي بعض الوقت في استكشاف تصميم خيمة الاجتماع، والرمزية الكامنة وراء الطقوس التي أمر الله بها الكهنة بتأديتها. لأن كلاً من التصميم والطقوس هي وسائل تعليمية نبوية ورمزية وأجهزة تعليمية، وسوف تساعدنا على فهم الكثير مما هو مخفي عنا في العهد الجديد إن لم نفهم أولاً معنى خيمة الاجتماع وخدمتها، ولا سيما أنها تنطبق على سفر الرؤيا.
بعد ذلك، بعد أن طرح الله هيكله المرتب إلهيًا، يُظهر القسم خمسة أنّ الإنسان يستجيب من خلال إقامة الهيكل الخاص به تمامًا من منظور مفهوم الجنس الساقط: بناء عجل ذهبي. وبذلك، يحاولون العودة إلى طرقهم القديمة والمألوفة في مصر. وما يتبع ذلك هو العواقب الوخيمة عندما يتمرد الإنسان على نظام الله، وينخرط في عبادة الأصنام، وكيف أن الله يوفر طريقًا ضروريًا للمصالحة عندما يخطئ الإنسان ويتمرد على هذا الإله العادل. يسمي السيد فوكس هذا القسم من سفر الخروج، الخيانة والمصالحة.
يتعلق التقسيم السادس والأخير من سفر الخروج بالبناء الفعلي لخيمة الاجتماع في البرية، ثم سكنى الله للهيكل الإلهي.
لا أعتقد أن إيفريت فوكس كان يقصد إجراء أي تشبيهات في الطريقة التي قام بها بتقسيم لسفر الخروج. لكنه يعطينا أداة مثيرة للاهتمام للنظر إلى كيفية عمل الله، ويساعدنا على تصور الأنماط التي يطورها الله ويستخدمها في جميع أنحاء الكتاب المقدس. ونرى نفس هذا النمط الإلهي يظهر في حياتنا كمؤمنين:
الخلاص، وخبرة البرية، وتلقي العهد والناموس (التوراة، الكلمة الحق)، إعداد خيمة الاجتماع (نحن) لكي يسكن الله (الروح القدس) فينا، وكفرنا المحتوم بالله بسبب خيانتنا الحتمية له بسبب الميول الشريرة التي لا تزال جزءًا من هويتنا، وتدبيره الكريم للمصالحة. وأخيرًا اكتمال وكمال المسكن مستقبلاً.
بالنسبة إلى تراكيب كلمات سفر الخروج، هناك أيضًا كلمات معينة يستخدمها الله توحّدها كلّها بشكل جميل. للأسف، معظم كتبنا المقدسة باللغة الإنجليزية الحديثة تخفي هذه الوحدة بدرجات مختلفة لأن هذه الكلمات من أصل عبري، والطريقة التي تُستخدم بها الكلمات العبرية مختلفة تمامًا عن الإنجليزية. سنجد، طوال سفر الخروج، تكرار لكلمات مثل النظر والمجد، والخدمة، والمعرفة. يمكن للغة الإنجليزية أن تصعّب ملاحظة ذلك. لذلك، علينا أن نكون مستعدين أثناء انتقالنا عبر سفر الخروج لاكتشاف أنماط الكلمات هذه، سأعطيكم مثالاً عمّا أتحدث عنه.
دعونا نأخذ الكلمة الجذرية المتكررة "خدمة" التي سوف يتغير شكلها وتركيزها بينما نتنقل عبر سفر الخروج. سنرى العبرانيين ينتقلون من "خدمة العبودية" لفرعون، إلى "خدمة" الله. عندما أُعطي العبرانيون التوراة، حُذِّروا أيضًا من "خدمة آلهة أخرى على شكل العبادة". تحدد التوراة أيضًا كيف يجب على بني إسرائيل، كأبناء الله، أن يعاملوا "الخدم" وكيف "يخدمون" في خيمة الاجتماع، وكيف يجب "خدمة الله".
هذا المثال ليس مستنبطًا ولا استعارة أو مجرد أسلوب أدبي بارع….. إنه نموذجي. أتوجه معكم إلى هذا الانعطاف العابر لأشرح أهمية بنية الكلمة الفريدة وحاملة المعاني باللغة العبرية في الكتاب المقدس التي تأخذ كلمة جذر، مثل "خدمة"، ثم تصوغها وتشكلها داخل الكتاب المقدس بطريقة مفيدة للاستماع إليها ككلمة منطوقة، واستيعابها من خلال السمع، ثم حفظها. هذه الكلمات العبرية هي أيضًا مفيدة جدًا في مساعدتنا على ربط الأمور……. أي يمكننا أن نتبع أنماط التفكير كما ينسج الله ويطور خليقته بطريقة عضوية ومعقدة، تتخطى قدرة الإنسان على التصور والتنفيذ. كل مفهوم مرتبط بالذي يليه، لتشكيل سلسلة؛ كل خطوة صغيرة ضرورية، مهما بدت طويلة ومؤلمة. يتم كل ذلك بالطريقة الوحيدة التي يمكن القيام بها، لينقل الله البشرية من الخلق إلى موقع إعادة الخلق والوحدة الكاملة معه، أي ما يريده وسيفعله. أساس هذه الخطة الإلهية وبنيتها التي لا تتغير، موجودة بالكامل في سفر الخروج.
حسنًا، لنمضي قدمًا. لا أتوقع منكم أن تتذكروا كل ذلك، قوموا فقط بتدوين ملاحظة ذهنية عنها، حتى تنعشوا ذاكرتكم من وقت لآخر بينما نقضي الأشهر الستة القادمة أو ما يقارب ذلك، في سفر الخروج.
بما أن الكتاب المقدس لا يعطينا الكثير من المعلومات عن الثلاث مئة وخمسين سنة التي مرت من وقت دخول بني إسرائيل إلى مصر، حتى يبدأ الله في إعداد موسى لإخراجهم من مصر، أريد أن أقضي بضع دقائق لأرسم بدقة أكبر المشاهد الافتتاحية لسفر الخروج. وتأتي هذه المعلومات من الاكتشافات الأثرية، بالإضافة إلى السجلات التاريخية المصرية واليونانية والرومانية.
لقد كان القرن أو القرنين الأولين اللذين قضاهما بنو إسرائيل في مصر مزدهرين بالنسبة لهم.
كل الدلائل تشير إلى أنهم عاشوا براحة وسلام. وقد خصص لهم فرعون، بفضل يوسف، ما كان من المفترض أن يكون أرضًا دائمة مناسبة تمامًا لنمط حياتهم الرعوية في لنمط حياتهم الرعوية في أرض جوشن. كانت جوشن تقع في منطقة من مصر تسمى مصر السفلى.
على الرغم من أنها كانت تقع في أقصى شمال مصر. كانت نوف عاصمة مصر السُفلى، ومن المحتمل أن تكون هي المكان الذي كان فيه يوسف عندما تعامل لأول مرة مع إخوته الذين جاءوا إلى مصر للحصول على الحبوب على الحساب بسبب المجاعة في جميع أنحاء العالم.
يشير دليلٌ جديد صُدم منه مكتشفوه أن يوسف أيضًا كان له قصر في المدينة التي كان يسكنها كثير من بني إسرائيل في مدينة أواريس.
يبدو هذا أمرًا طبيعيًا جدًا، لأن يوسف كان يريد أن يكون قريبًا من أبيه وإخوته وأفراد أسرته العبرانيين.
كما يمكن أن نتصور، لم يبق كل عبراني راعي غنم. فالكثيرون امتهنوا حرفة البناء، تعلموها (بلا شك) من المصريين الذين برَعوا في الهندسة المعمارية. وأصبح آخرون تجارًا وبعضهم أصبحوا مربي ماشية ومزارعين. ومرة أخرى، كانوا قد تعلموا هذه المهن من المواطنين المصريين والعديد من الأجانب الذين كانوا قد احتكوا بهم، لأنهم كانوا يعيشون في نفس المنطقة التي كان يعيش فيها العديد من الأجانب من المنطقة التي نسميها الآن الشرق الأوسط وكان عليهم أن يمروا بها في طريقهم إلى مصر.
إنّ نصوص الكتاب المقدس والآثار المصرية تعطي كل الدلائل على أن العبرانيين لم يكونوا متواجدين على أرض جوشن فقط، ولم يخجلوا من الانتقال إلى مناطق أخرى من مصر. بمرور الوقت، أصبح الكثيرون خبراء في زراعة المحاصيل، مستفيدين من الموارد الهائلة لنهر النيل.
وأكثر من ذلك، اندمجوا في الثقافة المصرية بدرجات متفاوتة. من خلال التعاملات اليومية مع المصريين الأصليين، ومن خلال التزاوج، أقامت إسرائيل ومصر ارتباطًا وثيقًا. وإلى جانب قبولهم للثقافة المصرية، بدأوا في تبني العديد من الآراء والطقوس الدينية المصرية.
في منتصف مدة إقامتهم في مصر، حدث تغيير جذري غيّر حياة بني إسرائيل إلى الأبد. قبل بضعة عقود فقط قبل وصول يوسف كعبد إلى مصر، كان ما يسمى بحكام الهكسوس قد فرضوا هيمنتهم على معظم مصر: مصر السفلى في المقام الأول. أتى الهكسوس من منطقة في الشرق الأوسط. كانوا ساميين، أبناء عمومة بني إسرائيل. بغض النظر عن المكان الذي أتوا منه، لم يكونوا مصريين….. كانوا أجانب، وكان المصريون يكرهون أن يحكمهم هؤلاء "الرعاة الملوك" كما كانوا معروفين.
كانت هيمنتهم تنحسر وتتدفق، وفي بعض الأحيان كانوا يحققون مكاسب في مصر العليا (إلى الجنوب)، والأراضي الواقعة بين مصر العليا والسفلى……وفقدوا أراضيهم أيضًا. في نهاية المطاف، جمع جنرال مصري في عاصمة مصر العليا، مدينة تدعى طيبة (المعروفة الآن باسم الأقصر) جيشًا من المواطنين المصريين وهزم حكام الهكسوس المكروهين مرة واحدة وإلى الأبد. أصبح بنو إسرائيل الآن النقطة المحورية لما يقرب من قرنين من المرارة التي تراكمت بسبب الشعب المصري والتي بدأت بلا شك مع قبول يوسف العبراني استعبادهم مقابل الطعام خلال تلك الفترة الشهيرة التي استمرت سبعة سنوات من المجاعة الشديدة.
كانت المهمة الأولى لملك مصر الجديد هي تفكيك أي نفوذ أجنبي يمكن أن يهدّد مصر. وكان ذلك يعني السيطرة على بني إسرائيل الذين شكلوا تهديدًا بسبب أعدادهم المتزايدة. لا شك في أن بني إسرائيل شكّلوا أغلبية الشعب في مناطق دلتا النيل، لكنهم انتشروا وأسسوا أنفسهم في مناطق أخرى من مصر أيضًا.
لذا، كان الحل واضحًا وبسيطًا: إخضاعهم؛ جعل بني إسرائيل عمال سخرة.
لكل الأغراض العملية، يمكننا الإشارة إلى حصول تغيير كامل بين ليلة وضحاها بما يخص الثروات. بنو إسرائيل الذين كانوا أغنياء وعددهم كبير، وذوي نفوذ سياسي في مصر، تم تجريدهم من ممتلكاتهم وأصبحوا من الطبقة الدنيا. أما المصريون الذين كانوا هبطوا إلى مكانة أدنى من مكانة بني إسرائيل لفترة طويلة، أصبحوا الآن في موقع القيادة.
في حين أن فكرة العبودية بغيضة بالنسبة لنا، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة (بخلاف فقدان الحرية الكاملة) أن العبيد كانوا يُعامَلون معاملة سيئة. في الواقع، معظم الأدلة على ذلك، باستثناء السنوات القليلة الماضية لهم في مصر، كان العبرانيون يعاملون معاملة لائقة. لا ينبغي لنا أن نفكر في المصريين على أنهم كانوا قساة بطبيعتهم وغير مهذبين. لقد كانوا شعبًا نبيلاً، يتمتعون بأخلاق وأخلاقيات راقية؛ متعلمين وأذكياء ومتطلعين إلى المستقبل.
إلى جانب ذلك، ما فائدة العبد المشوّه أو الميت؟
على الرغم مما قاله "سيسيل ب. ديميل" للعالم في فيلمه الشهير "الوصايا العشر"، فإن بني إسرائيل لم يبنوا الأهرامات. في الواقع، بحلول وقت وصول يعقوب إلى مصر، كان عصر بناء الأهرامات قد انتهى. لم يُستخدم العبرانيون كزيوت تشحيم بشرية تحت بكرات كتل البناء الحجرية التي تزن ثلاثين طنًا. كانوا يصنعون الطوب الطيني ويقومون بأعمال الحفر وترميم المجاري المائية والقنوات، وكبناة للمدن العظيمة. بنو إسرائيل هم بناة "المخزنين العظيمين" فيثوم ورعمسيس في منطقة جوشن. وهذا بالطبع هو المكان الذي كان فيه جيب أواريس العبراني العظيم موجودًا بعد زمن يوسف ببضع سنوات. كانت "مدن المخازن" تعني ببساطة أنها كانت مستودعًا إقليميًا للإمدادات ومركزًا للتوزيع. في هذه الحالة، خدمت هذه المدن كلاً من السكان المدنيين والجيش المصري على حدٍ سواء، وكانت تقع في موقع استراتيجي في جوشن لأنها كانت الأقرب إلى حدودهم الشرقية وكانت منطقة زراعة الغذاء.
بفضل عبقرية العلم والثقافة والفنون المصرية، والمهارة الهائلة وأخلاقيات العمل التي تمتع بها بني إسرائيل (على الرغم من أنه كان عملاً قسريًا)، أصبحت مصر مجتمعًا عالميًا.
يمكننا أن نتحدث لأيام طويلة، ونفحص الإنجازات الهندسية المدنية المذهلة التي حققتها مصر، ولكن هذا لا يتناسب حقًا مع الغرض من هذا الفصل. يكفي أن نقول إنه لم يتم تجاوز عظمة مصر في ذروتها حتى يومنا هذا، في تقديري. المجتمع المتخلف والفقير الذي هو "مصر اليوم" لا يشبه مصر في زمن موسى.
من الجيد أيضًا كأساس لدراستنا أن نفهم أن مصر كانت موزعة الخبز للعالم. ويا لها من مفارقة، بالنظر إلى أن هطول الأمطار السنوي لديهم يكاد يكون معدومًا.
وظيفة النيل هي التي جعلت من مصر آلة غذائية مذهلة. كان النيل يفيض سنويًا ويرسب طميًا خصبًا غنيًا على الحقول المحيطة بضفافه.
بُنيت أَنظمة الري منذ زمن سحيق لسقي هذه الحقول. وفي وقتٍ لاحق، وحتى قبل زمن بني إسرائيل، تمَّ بناء القنوات، بحيث تَفيض ضِفافها مع النيل. لقد كانت طريقة لتوسيع الحقول إلى ما بعد نهر النيل، والاستمرار في الاستفادة منه.
في وقتٍ متأخر من حياة يوسف كوزير لمصر، بُنيت عدة بحيرات صناعية لتخزين المياه….. لإستخدامها في الزراعة، وسَقي قطعان الماشية المتزايدة (التي كان المصريون يفضلونها على الأغنام)، وللاستخدام المنزلي لعدد السكان المتزايد. في الواقع، هناك ممرات مائية سميت على اسم يوسف، ولا تزال مُستخدمة حتى اليوم، ولا يزال اسم يوسف مرتبطًا بها.
اسمحوا لي أن أنهي هذه المقدمة لسفر الخروج بالقول إنّه في وقت وجود بني إسرائيل في مصر، كانت أرض الوفرة والجمال والفن. كانت أرضاً يُحسد عليها. عندما نقرأ في سفر الخروج، نجد بني إسرائيل يتذمرون من ضيقهم في برية سيناء، ونسمعهم أيضاً يعبّرون عن اشتياقهم إلى حياتهم في مصر. لا أتحدث عن الجزء المتعلق بالسخرة بالطبع، ولكن الجزء المتعلق بالطعام والمأوى وكونهم جزءًا من ثقافة رائعة ومألوفة.