الدرس الخامس – خروج أربعة
خروج
الدرس الخامس – الإصحاح الرابع
دعونا نواصل دراستنا لسفر الخروج ونحن ننتقل اليوم إلى الإصحاح الرابع. في المرة السابقة التي إلتقينا فيها كنا في خضم تجلّي العلّيقة المشتعلة. أقول تجلّي لأن هذا النوع من التفاعل المباشر بين الله والإنسان الذي يتجلى فيه الله بطريقة مرئية أو مسموعة نادر في الكتاب المقدس. في الواقع، حدث تجلّي آخر مسجل في الكتاب المقدس مع يعقوب، قبل حوالي خمسمئة سنة قبل هذا الوقت مع موسى.
على الرغم من أن كتبنا المقدسة الحديثة منظمة بطريقة تجعلنا ننهي للتو أحدى الأصحاحات (خروج ثلاثة) ونبدأ بالإصحاح التالي، إلا أن هذه ليست في الواقع الطريقة التي كُتبت بها الكتب المقدسة. الآية الأولى من الإصحاح الرابع هي مجرد تكملة للآية الأخيرة من الإصحاح الثالث. بالتالي، نحن لا نزال في خضم المحادثة بين الله وموسى، في أرض مديان، في موقع العلّيقة المشتعلة.
اقرأ كل الفصل الرابع
وفي الآية الأولى نرى تردّد موسى…..الوضع المعتاد لنبي الله المحتمل….. أو ربما يبدأ الخوف غير المحدود في الظهور إلى الواجهة. إذا نظرنا عن كثب، سنرى أن موسى لم يصدق الله بشكل قاطع، لأن في الإصحاح الثالث الآية الثامنة عشرة، قال الله لموسى، بشكل لا لبس فيه، أن الشيوخ والشعب سوف يستمعون وينتبهون لموسى. والآن، يستدير موسى ويقول لله، في الخلاصة، "لا لن يفعلوا". لذا، برحمته العظيمة، يبدأ الله في إعطاء لموسى سلسلة من البراهين……. وعادةً ما يسمّيها الكتاب المقدّس علامات……على قدرة الله على تنفيذ كل ما يأمر به.
الآن، ما نحن على وشك أن نَشهده في الإصحاح الرابع هو شيء لم يحدث من قبل: يمنح الله موسى القدرة على صنع المعجزات. هذه القدرة على ممارسة مثل هذه القوة السماوية الخارقة لم تُعطى لأي إنسان قبل أن تُعطى لموسى في هذه اللحظة من التاريخ. ومع ذلك، يجب أن نفهم أن هذه القوة ليست لموسى بل هو الله الذي يعمل من خلال موسى. لم يصبح موسى ساحراً إلهياً، بل هذه هي نفس الأمور الغامضة التي نكافح لفهمها عن المؤمن الأمين اليوم: مهما كانت القوة التي لدينا فهي ليست قوتنا، وليست من أنفسنا أو من عقولنا أو جسدنا، إنها الله فينا. وعليه، فإن كل ما نفعله بهذه القوة يجب أن يتم بمشيئته أولاً، وثانياً بقوة روحه….. ذلك الشيء الذي نسميه الروح القدس.
العلامة الأولى التي وضعَها الله لموسى كانت تتعلق بعصا موسى؛ لم تكن سِوى عصا، عصا راعٍ كان يستخدمها في مهنته كراعٍ للقطعان. ولكن، كان الله على وشك أن يُحوّل هدف كل من موسى وعصاه: فبدلاً من أن يرعى موسى الغنم، كان على وشك أن يَقود بني إسرائيل.
ماذا سنصنع من تحويل الله لعصا موسى من قطعة خشب مَيتة وجافة إلى ثعبان ثم يعيدها الى وَضعها مرّة أخرى؟ حسناً، لقد وُضع العديد من التشبيهات والرموز لشرح هذا المعنى، ومن الصعب أن نَعرف على وجه اليقين أيَّهما صحيح…… إن وُجدت. ولكن، ما يمكننا أن نعرف بكل تأكيد هو أنه ليس من قبيل المصادفة أن الثعبان الذي تحوّلت إليه العصا كان الرمز المصري الرَّسمي للسلطة الملكية والسّلطتين الدينية والمدنية على حدّ سواء. غالباً ما كان الفراعنة يَرتدون رمز الثعبان الذهبي على رؤوسهم؛ وكان الثعبان يُمثل إلهة الكوبرا الراعية لمصر السفلى. لذا، في مكان ما في خِضمّ إظهار الله لموسى القدرة الهائلة الخارقة للطبيعة على تحويل قطعة خشب ميتة وجافة من النباتات الخشبية إلى حيوان حَيّ، وإعادته مرة أخرى الى حالِه بأمر منه. لا بد أن موسى بِصفته أمير سابق لمصر، قد أدرك على الفور رمزية الثعبان لأن موسى كان ذاهباً بالفعل، بقوة الله، للتغلّب على مصر، التي كان رمزُها الثعبان……. وذلك الثعبان القديم، الشَيطان نفسه، الذي كان يقود مصر، كان الراعي البسيط الذي سيُمسِك الثعبان، مصر، من ذيلها ويهزّها.
أما العلامة الثانية فهي أكثر وضوحاً في رأيي. أدخِلت اليد الطاهرة في ثوب موسى فأصبحت مريضة…..تدنّست. ثم أُدخلت اليد النجسة مرة أخرى في الثوب وأصبحت طاهرة. كانت هذه العلامة مُرتبطة مُباشرةَ بإسرائيل، كما كانت العلامة الأولى مع العصا مُرتبطة مباشرة بمصر. بدأ شعب الله المختار طاهراً، ثم سمح الله له بأن يُصبح نَجِساً. ولكن، الله قادر على الخلاص. يُمكنه أن يأخذ أكثر الناس أو الأمة دنساً ويطهّرهم.
عندما أزال موسى يده في المرة الأولى، لم يكن المرض الجلدي الذي تلهّم يده في الحال هو البرص. الكلمة العبرية لهذا المرض هي "تزارات": وهي ليست خطيرة مثل البرص. لسنا متأكدين بالضبط ما هو المرض من الناحية الطبية، ولكن بني إسرائيل لم يَعتبروه قبيحاً ومُعدياً فحسب، بل اعتبروه علامة خارجية لحالة الشخص المصاب الروحية الداخلية. بعبارة أخرى، كان يُنظر إلى الشخص المُصاب بالتزارات على أنه بحالة تأديب أو لعنة من الله. بالتالي، كان أي شخص يتدنّس بالتزارات، يُطرد من بين الناس الآخرين. كانت يد موسى المريضة تُمثّل حالة إسرائيل الروحية الداخلية في نظر الله. وعلى نفس القدر من الأهمية، أزال الله بعد ذلك التزارات من يد موسى؛ أي أنه كان قادراً على تطهير بني إسرائيل من كل دنسهم وسيقوم بذلك.
العلامة الثالثة والأخيرة، كما رأينا في الآية التاسعة، كانت إظهار الله قدرته التي تفوق قدرة الآلهة المصرية التي لا قيمة لها. كان النيل هو الحياة بالنسبة لمصر، بطريقة حقيقية جداً؛ في الواقع، كان النيل نفسه إلهاً في الديانة المصرية. وعندما كان موسى فيما بعد يأخذ الماء من النيل ويَسكبه على رمال الصحراء، كان يتحوّل إلى دم. منذ آدم وحواء، كان الله قد أوضح أن الدم كان مهمّاً للغاية في خطته الإلهية…. هذا هو السبب في أن الدم هو أساس نظام الذبائح الإلهية. لقد فهم بنو إسرائيل هذا الأمر جيداّ. بتحويله مياه النيل إلى دم، كان الله يُظهر سيادته الكاملة على نظام الديانة المُبهمة في مصر.
هذه المعركة القادمة لإله إسرائيل ضدّ غير آلهة لمصر مثيرة للإهتمام ومثيرة للتفكير. الآن، لدينا ميزة معرفة أنه لا يوجد سوى إله واحد، وهو إله كل شيء. ولكن، في تلك العصور القديمة، كان من المعروف أنه لم تكن هناك آلهة كثيرة فحسب، بل كانت آلهة إقليمية ووطنية، وكانت تعمل داخل مناطق معيّنة. عندما كانوا يذهبون إلى الحرب، كانوا يأخذون معهم أصنام الآلهة وكهنتهم على أمل أن يكون لآلهتهم بهذه الطريقة نفوذ في أرض أجنبية. إذن، كان لمصر آلهتها؛ وكان مجال آلهتها ومجال سلطتها محدوداً عادةً في مصر والشعب المصري والأمور التي تتعلق بأرض مصر وشؤونها. كان هذا مبدأ كل الديانات البابلية الغامضة التي كانت موجودة آنذاك، وكل مجتمع على الإطلاق تم اكتشافه ودراسته كان يؤمن عموماً بنفس الطريقة. لذا، على سبيل المثال، في كنعان، كان لكل من المدن والأمم الكنعانية المختلفة مجموعة من الآلهة الخاصة بها التي كانت تتعامل عموماً مع شعب تلك المدن والأمم المعيّنة وأرضها وشؤونها فقط؛ ومن وقتٍ لآخر، عندما كانت أمّة أو شعب ما يواجه شعباً أو أمة أخرى، كانت الآلهة التي تمثل تلك الأمم تتصارع فيما بينها أيضاً؛ وكان يُعتقد أنه حسب الأمة التي انتصرت في المعركة، فإن آلهة تلك الأمة كانت بالتالي أكثر قوة وذكاءً من آلهة الأمة المهزومة. في بعض الأحيان، كانت الأمة المهزومة بطبيعة الحال تتبنى آلهة الأمة المنتصرة لأنه كان يُعتقد أن تلك الآلهة يجب أن تكون أقوى من آلهتهم، فلماذا لا يكون لها آلهة أفضل؟
الآن، لم يتم تطهير فكرة تعدّد الآلهة هذه من تفكير بني إسرائيل على الفور. سنتحدث أكثر عن هذا الأمر من وقت لآخر عندما تطرأ الحالة؛ ولكن الآن، من المهمّ أن نفهم أنه عندما نرى إشارات في الأجزاء الأولى من التوراة تشير إلى الرب على أنه "إله فوق كل الآلهة" ……هذا بالضبط ما كان يعنيه ذلك بالنسبة لشعب ذلك الوقت. بالنسبة لنا، نحن نأخذ هذه العبارة التوراتية، "إله فوق كل الآلهة"، ونرى أنها بيان للعظمة أو نستعيرها قليلاً، ونقول إنها تعني أن الله سبحانه وتعالى هو أكثر أهمية من أي شيء آخر في حياتنا.……. أموالنا وعائلتنا ووظيفتنا……. وأن أي شيء قد نجعله ضرورياً في حياتنا بنفس القدر من الأهمية التي نعطيها لله، يصبح في حدّ ذاته إلهاً؛ وفيما هذا كلّه صحيح، لم يكن هذا ما كان يعنيه بنو اسرائيل الأوائل. كان هذا كله بالنسبة لهم فعلياً تماماً.
بعد بضعة إصحاحات، في سفر الخروج عشرين، سنتطرق إلى الوصايا العشر. وبالطبع، أول ما أوصى به الله في تلك الوصايا هو أنه "لا يكن لك آلهة أخرى أمامي". لم تكن هذه عبارة غريبة ذات معنى رمزي. كان بنو اسرائيل، الإسرائيليون، يؤمنون تماماً بوجود آلهة أخرى. كان للعالم كله آلهة أخرى…… مئات الآلهة. اللعنة، الجميع كانوا يعرفون ذلك منذ أن كانوا أطفالاً! بالنسبة لبني إسرائيل، كان من السيئ بما فيه الكفاية أن إلههم الرئيسي، إيل (ومنه حصلنا على إل شداي، إل إليون، بيت إيل، دانيال، إمانويل وعشرات وعشرات الأسماء التوراتية التي تتضمن لقب "إيل") لم يُسمح لبني إسرائيل بأي آلهة أخرى، لأن كثرة الآلهة التي تمتلكها الأمة تدلّ على الغنى والقوة. لذا، فإن بني إسرائيل، مع وجود إله واحد فقط هو "يهوه"، كانوا يُعتبَرون في نظر الأمم الأخرى، وفي بداية تطوّرهم حسب تقديرهم الخاص، فقراء الآلهة لأنهم لم يكن لديهم سوى إله واحد. بصراحة، كانت فكرة أن يكون لشعب ما إله واحد فقط فكرة غير معقولة؛ لذلك لا تظن أن بني إسرائيل كانوا مبتهجين بهذه الفكرة.
أقول لكم هذا حتى تضعوا أنفسكم في أذهان بني إسرائيل القدماء، وكذلك المصريين، في المعركة القادمة بين موسى وفرعون. وهذا حتى تتمكنوا من فهم سياق سِفر الخروج والتوراة فيما يتعلق بمسألة تحديد الله وصفاته وأيضاً حتى لا نعبّر بمجاز بل نفهم أنه عندما تتحدث الكلمة الخطية، بأي شكل من الأشكال، عن أن الله تعالى فوق "الآلهة الأخرى"، فهذا بالضبط ما كان يعتقده الكاتب ويعنيه. ليس لأنه كانت هناك آلهة أخرى حقاً، ولكن لأن الشياطين التي كانت تتظاهر بالألوهية للبشر، والفكر البشري الملوث والفاسد الذي كان يعتقد بوجود آلهة كثيرة، كان يجب أن يظهر على حقيقته…… كاذب، محتال، مُخادع.
ولكن، قبل أن نَضحك نوعاً ما على هذه الفكرة، أو نضحك ونُفكر كم كان من الجهل والبدائية أن يُفكر العالم وإسرائيل القديمة بمثل هذه الأفكار السخيفة……. نفهم أيضاً أن مسيرتنا الشخصية مع الله هي مسيرة بدأت حيث كنا عندما وجدَنا ……. ذهنياً وجسدياً وعاطفياً وروحياً وكنا في حالة فوضى ولم ننظف أنفسنا ومن ثم نقبل المسيح. لم نؤمن بيسوع ونصبح كاملين على الفور. نحن الأمريكيون محظوظين جداً لأن الله الذي يعمل مع البشرية على مدى آلاف السنين سمح لنا أن نعيش في مجتمع لا يمارس على الأقل عبادة آلهة متعدّدة، حتى يتسنى لنا التغلب على ذلك. لقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً والعديد من الدروس القاسية حتى يستوعب بنو إسرائيل تماماً حتى المفهوم الأساسي، وهو أنه لا يوجد سوى إله واحد. ليس فقط إله واحد لبني إسرائيل وآلهة أخرى للشعوب الأخرى. إله واحد شامل للجميع ولكل شيء. هذا يتعارض مع كل طبيعتهم البشرية. كانوا ينظرون إلى الله، أي إله، على أساس قومي وثقافي بَحت، وموسى أيضاً كان يرى الأمر كله بهذه الطريقة، ولقاؤه الأول مع الله، عند العليقة المشتعلة، لم يغيّر تفكيره في الأمر على الفور. لقد غيّره فقط بما فيه الكفاية ليكون موسى أداة الله في تأمين خروج بني إسرائيل من مصر.
في الآية العاشرة، عندما يبدو أن كل حِجج موسى إلى الله قد استُجيب لها، فإنه يقوم بمحاولة أخيرة لتجنّب هذا النداء: يقول إنه "ليس رجل كلام"، و، نعم، شيء آخر، "كلماتي تصدر ببطاءة ولساني يتحرك ببطء" أو، بالمعنى الحرفي للكلمة، "أنا ثقيل الفم وثقيل اللسان". ليس من الواضح ما هي بالضبط طبيعة الصعوبة التي واجهها موسى في الكلام، فالتقليد يقول إنه نسي كيف يتكلم العبرية جيداّ، ويعتقد آخرون أنه ربما كان قلقاً من أنه لم يعد يتكلم المصرية بشكل جيّد بما فيه الكفاية ليتواصل مع ملك مصر.
مهما كان الأمر، نرى أن الله يُظهر غضبه على موسى وعلينا أن نفهم من ذلك أن موسى لم يكن لديه فكرة كبيرة عن من هو الله، وعلى ما كان ينوي وما هي اهدافه، وكيف أن الله كُلّي القدرة. وهكذا، يبدأ الله من البداية ويقول لموسى: "من الذي أعطى للإنسان فَماً؟" يعرِف الله عن فم موسى أكثر بكثير مما يعرفه موسى، بل أكثر من ذلك، يقول الله إنه سيكون هناك مع موسى ويخبره بما يقوله وهذا مثير للإهتمام. في هذا الوقت من التاريخ لم يكن الروح القدس قد حلَّ في الإنسان بعد؛ كان هذا السرّ الروحي لا يزال بعد ألف وأربعمئة سنة في المستقبل. إذن، ماذا كان يَقصد عندما قال الله: "سأكون هناك معك؟" كيف كان الله سيكون هناك مع موسى؟ بأي شكل؟ ومثلما كنت أنا وأنت نتساءل عن الكيفية التي سيكون بها الله معنا، كذلك كان موسى يتساءل. حسناً، هل تتذكرون في سفر الخروجأربعة عشرة على ثلاثة، أجاب الله على سؤال موسى عن إسمه بقوله ”إيهيه أشير إيهيه“، والتي تُترجم عادةً بـ "أنا هو أنا“؟ ولكن، وبنفس القدر من الصحّة، ستكون "أنا أكون هناك كيفما شئت أن أكون هناك". في الواقع، هذه الترجمة أكثر حرفية بكثير من ترجمة "أنا هو أنا".
سنواجه عدة مرات الآن في سفر الخروج ”إيهيه“ و"أشر" عندما يقول الله لموسى أنه سيكون هناك معه في موقف أو آخر. وهنا في إثني عشر على أربعة، نواجه نفس هذه الكلمات العبرية. سوف يكون الله في ”إيهيه“ مع موسى ويكون هناك مع موسى بطريقة ما لم يتم شرحها. ولكن أياً كانت الطريقة التي يكون بها هناك، يمكننا أن نكون متأكدين من أنها خارجة عن موسى……. ليس مثل حضور الله معنا، في عصر الكنيسة، في شكل الروح القدس الذي يعيش في الواقع في داخلنا. سنرى في كثير من الأحيان في العهد القديم أنه عندما يتم الحديث عن الروح القدس في علاقته بالإنسان، فإن الروح القدس يكون "على" ذلك الإنسان ….. وليس "في" ذلك الإنسان، كما هو الحال الآن. "على" هي حالة خارجية و "في" هي حالة داخلية. إذاً، دعونا لا نثق كثيراً في أننا نستطيع أن نلخّص تماماً من خلال وجهات نظرنا العقائدية المبسّطة نوعاً ما أن مجموعة تجليات الله الكاملة تقتصر على الآب والإبن والروح القدس؛ على الأقل، نحن نعلم أن هناك تجلياً آخر يسمى "ملاك الرب"، وهو الذي يتحدث الآن إلى موسى. وبعد بضعة إصحاحات سنتعرف على "سكينة الله"، والتي لا تتناسب تماماً مع أي من الفئات الأخرى التي ابتكرناها أيضاً. كما قال الله لموسى، "سأكون هناك كَيفما شئت أن أكون". بعبارة أخرى، لا يمكننا أن نفهمه حتى لو شرحَه لنا.
فيردّ موسى، "أرسِل شخصا آخر" وهذه إجابة خاطئة. يختصر الله هذه المحادثة بأن يخبر موسى أن أخاه الأكبر هارون سيتكلم عنه…. أن هارون سيكون فم موسى. وفي الواقع، لقد زار الله هارون، وهو في طريقه لمقابلة موسى، في الوقت الذي يتحدثان فيه. لا ينبغي أن يمر مرور الكرام أن الله أشار إلى هارون بإسم ”اللاوي“. أعني، بعد كل شيء، بما أنه كان أخ موسى، فإن موسى كان يعرف جيداّ أن هارون كان من عشيرة لاوي. أعتقد أن الشيء الذي يجب أن نفهمه من ذلك، هو أننا هنا نرى نيّة الله بأن قبيلة لاوي سيتُخصَّص كقبيلة خاصة. وفي الآية الخامسة عشرة، تم تحديد ترتيب التسلسل الهرمي: الله يكلّم موسى وموسى يكلّم هارون وهارون يكلّم فرعون والشعب.
والآن دعونا لا نهمل أيضاً تلك الكلمات القليلة في الآية السادسة عشرة التي يقول فيها الله لموسى: "وتكون له (أي لهارون) إلهاً (أو: كإله)". لقد قرّر الله، لأغراضه الإلهية الخاصة، أن كل ما يتكلم به موسى يجب أن يَحمل معه نفس السلطة كما لو أن الله تكلّمه بنفسه. هل يبدو ذلك قليلاً مثل يسوع المسيح؟ لقد ذكرت في وقت سابق أنه في حين أن اليهود يجلّون موسى فوق الجميع ما عدا الله، فإن الكنيسة تراه إلى حدّ كبير مجرّد شخصية أخرى من شخصيات الكتاب المقدس. من المؤكد أن الله يبدو أنه كان يرى موسى مميزاً جداً، حيث أُعطي القدرة على صنع المعجزات ومنصب التكلم بإسم الله. يا لها من مسؤولية لا تُصدّق. لا عجب أنه لم يرغب في هذه الوظيفة.
حسناً، هذه هي نهاية الحوار……الآن….. بين الله وموسى، وعلى ما يبدو، لقد أصبح الأمر محسوماً مع موسى؛ فقد قرّر أن يطيع الله. لذا، يتوجّه إلى وطنه، ويحصل على موافقة والد زوجته على مغادرة مديان والذهاب إلى مصر لتحقيق أمر الله بمواجهة فرعون. هذا الإجراء الذي اتبعه موسى في طلب الإذن من يثرون كان مجرد مجاملة شرق أوسطية، لأن يثرون كان رب البيت الذي كان موسى يعيش فيه.
ثم يتحدث الرب مرة أخرى إلى موسى، بعد أيام أو أسابيع من ظهور العليقة المشتعلة، ويخبر موسى أن جميع الرجال الذين سعوا لقتله، كقصاص لقتل موسى لأحد المصريين منذ سنوات عديدة، قد توفّوا الآن. وبعبارة أخرى، كان من الآمن لموسى أن يعود دون خوف من الاعتقال، وذلك يُخبرنا بأمرين: أولاً، على الرغم من أننا نقرأ في إفصاح سابق أن فرعون الذي كان في السلطة عندما ارتكب موسى جريمة القتل، قد مات، إلا أن مصر كانت لا تزال في ذهن موسى تشكل خطراً عليه. الله، الذي يعرف أفكارنا، قرّر أنه بحاجة إلى مؤاساة موسى في هذا الصدد. ثانياً، لم تكن هذه التجربة مع الله في العليقة المشتعلة نهاية تواصل الله أو حضوره مع موسى. إن الله يُظهر لموسى هذه الحقيقة خُطوة بخطوة، وفي هذه العملية سيزداد إيمان موسى بالله.
يحمل موسى أسرته، زوجته وابنيه، ويغادرون إلى مصر. مرة أخرى يتحدث الله إلى موسى، في وقت مبكر من الرحلة على الأرجح. إنه يهيئ موسى ويخبره بما يجب أن يتوقعه. كيف يجب أن يستجيب. وهنا في الآية الواحدة والعشرين، نتلقى كلمة من الله أزعجت المؤمن إلى ما لا نهاية: أن الله سيقسّي قلب فرعون حتى لا يترك بني إسرائيل يرحلون.
في وقت من الأوقات، تساءل الكثيرون منّا إن كان هذا الأمر عادلاً. إذا كان الله سيقسّي قلب فرعون، فما هي الفرصة التي كانت متاحة لفرعون لكي يفعل الصواب؟ أعني، هل قرّر الله بالفعل مسبقاً أنه كان سيتدخل ويجعل فرعون غير قادر على طاعة الله؟ هل هذا يعني أن الله يقسّي قلوب بعض الناس، حَسب اختياره، حتى يفعلوا الشر…… وحتى لا يُسمح لهم أبداً بمعرفة الله وبإتمام خلاصهم؟
الآن، من المستحيل أن نحلّ هذا اللغز هنا، اليوم، لأن هناك طرقاً لدى الله تفوق قدرتنا على التأمل فيها لدرجة أن السعي وراءها هو مسعى ميؤوس منه، إن لم يَكُن عاق. ومع ذلك، فإن الكتاب المقدس نفسه يعطينا بعض الأدلة. المرة الأولى التي نسمع فيها عن إعلان الله عن قوته الخاصة في تقسية قلب فرعون، هي هنا في الآية واحد وعشرين؛ والمرة التالية التي نسمعها في خروج سبعة على ثلاثة (قبل الأوبئة العشر مباشرة). في كلتا المرتين هو أمر نبوي. أي أنه شيء مُستقبلي، ولأي سبب من الأسباب، يعتقد الله أن موسى يحتاج إلى معرفته. على ما يبدو، أراد الله لموسى ألا يصاب بالحيرة أو الإحباط عندما فشلت المعجزات باستخدام عصاه في التأثير على فرعون، وفي وقت لاحق خلال الأوبئة التسع الأولى، لم يستسلم فرعون تماماً. كان الله سيستخدم هذا الفرعون المتمرّد لأغراضه، والتي كان معظمها ينطوي على إظهار عدم قيمة آلهتهم وقدرة الرب التي لا حدود لها لكل من بني إسرائيل ومصر.
والآن، إذا حللنا رواية النجاة سنجد أن كلمة ”تقسو“ استُخدمت عشرين مرة لوصف حالة قلب فرعون. وليس من قبيل المصادفة أنها تشير في عشر مرات إلى أن الله هو صاحب التقسية، والعشر الأخرى تشير إلى أن فرعون نفسه هو الذي قسّى قلبه.
فيما كنت أُصلي وأدرس هذا الأمر، خطر لي أنه لا يمكنني أن أفسّر السبب الإلهي الذي جعل هذا التفاعل مع فرعون يسير على هذا النحو، لسبب واحد هو أنني لا أملك الكلمات، والسبب الآخر هو أنني لا أعرف السبب. لكن يمكننا استخلاص بعض الدروس العملية من ذلك لنطبّقها على حياتنا. أولاً، لن يجاهد الله دائماً مع الإنسان. هناك وقت نكون فيه قد قست قلوبنا بما فيه الكفاية، بحيث يكون طريقنا مقفلاً، ويكون هلاكنا في وقت الدينونة مؤكداً. كان هذا هو حال فرعون. ثانياً، يبدو أنه بالنسبة للإنسان المتمرّد بالفعل (وهو ما كان عليه فرعون)، يتدخّل الله أحياناً ويقوم بتقسية هذا القلب مرة أخرى. في بعض الأحيان يكون ذلك لاستخدام ذاك الإنسان المتمرّد، الذي يعلم الله مسبقاً أنه قد صمّم على الموت من خلال مُقاومة إرادة الله ورحمته، لغرض يُظهر مجد الله ويحقق هدفاً يعزّز ملكوت الله. وفي أوقات أخرى، قد يحدث في بعض الأحيان تقسية مؤقتة على يد الله لتوصل ذلك الشخص إلى نقطة التوبة. كما تعلّم معظمنا بصعوبة، لا يحدث التغيير عادةً في داخلنا إلا عندما يكون ألم حالتنا كبيراً جدأ في النهاية بحيث نصبح منفتحين حقاً للاستماع إلى الله. لذا، قد يكون من الممكن أن يقسّي الله قلب الإنسان بالفعل، لبعض الوقت، من أجل صلاح ذلك الإنسان في نهاية المطاف……. هل يعرفنا الله جيداّ ليعرف بالضبط في أي نقطة من الألم والانزعاج، إذا كانت هناك نقطة كهذه لدينا، لدرجة أننا سنخضع أخيراً لله ونُنقذ من الهلاك الأبدي.
ثالثاً، إن استمرارنا في التمرّد هو الذي يساهم في تقسية قلوبنا. ليست مشيئة الله أن يهلك أحد، لكن هذا لا يعني أن الغالبية العظمى من البشر لن يهلكوا. نحن نعلم من الكتاب المقدس أن ما يوصف بأنه "البقية" فقط هم الذين سيبقون ثابتين في الإيمان، وبالتالي تُحفظ حياتنا الأبدية. لذا، خطوة بخطوة صغيرة، في كل مرة نرفض فيها إنذار الله لنا، وفي كل مرة نقول "ليس بعد" لربوبيته، فإن عقولنا تزداد مقاومة لروح الله إلى أن يصبح رفضنا لروح الله كاملاً شيئاً فشيئاً، دون أن نلاحظه تقريباً، إلى أن يصبح رفضنا لروح الله كاملاً؛ ولهذا لا يوجد علاج ولا رجاء ولا خلاص. كما جاء في الأمثال تسعة وعشرين: "…. مَنْ قَسَّى نَفْسَهُ يَهْلِكُ بَغْتَةً، وَلَيْسَ لِذَلِكَ دَوَاء".
لقد أُعطي موسى الآن تعليمات أخرى حول ما يجب أن يقوله بالضبط لفرعون. من الواضح أن موسى يجب أن يفهم تماماً أنه يقف أمام فرعون ليس كقائد متمرّد لبني إسرائيل، ولكن كنبي لله. ويقول الله لموسى أن ينصح فرعون بأن بني إسرائيل مُهمّون جداً بالنسبة لله، وأن الله يرى بني إسرائيل كبِكر له وأنه يريد أن يتم إطلاق أبكاره ليخدموه.
الآن، اختلفت عادة "البكر" هذه قليلاً من مجتمع إلى آخر في العصور القديمة، ولكن بشكل عام، كان لها نفس المعنى. كان البِكر، ودائماً كان الكلام عن البِكر الذكر، يُعتبر طفلاً ذا أهمية خاصة. من المؤكد أن فرعون كان سيفهم بالتأكيد ما كان موسى يقوله له. لقد رأينا طوال سفر التكوين مكانة الشرف التي تذهب إلى البكر. ولكن، هناك شيء آخر يجب أن نلاحظه: أن يُطلق عليه إسم البِكر، يشير إلى أنه سيكون هناك مولود ثانٍ….. وربما ثالث ورابع وخامس وأكثر من ذلك. وبعبارة أخرى، فإن المعنى الضُمني هو أنه بعد البكر سيتبعه آخرون. تذكروا أنه عندما تنازل يعقوب عن ابنه البكر رأوبين الذي كان يجب أن ينال البركة مضاعفة وحق الحكم لإسرائيل بعد موت يعقوب، أن الذي يليه في الترتيب هو سمعان الذي تنازل عنه يعقوب أيضاً مع شرح، ثم لاوي، المولود الثالث، الذي تم التنازل عنه أيضاً مع شرح….. حتى جاء يعقوب إلى يهوذا المولود الرابع وأعطاه حقوق "البكر" في زعامة القبيلة. كان ترتيب الولادة، بدءاً من البكر أمراً بالغ الأهمية. إذن، من كان من المفترض أن يكون المولود الثاني؟ من الذي سيصبح، في وقت لاحق، الأعضاء الجُدد في عائلة الله؟ هذا ما نطلق عليه الآن إسم الكنيسة…… ولكن بمصطلحات أكثر تفصيلاً، فهي تشير في الحقيقة إلى الأمم.
لذا، في الآية الثالثة والعشرين حيث يمضي الرب ليقول لفرعون "ولكنك رفضت أن تحرّره (أي بكر الله الذي هو إسرائيل) فسأقتل إذاً بكرَك: افهم أن لدينا هنا أمرين يعملان معاً. أي أن على موسى أن يشرح أولاً أن إسرائيل هو بكر الله، وفقط بعد أن يرفض فرعون، في مرحلة ما، يجب على موسى أن يهدّده بقتل بكر فرعون…… وريث عرش مصر.
تبدأ الرحلة من مديان إلى مصر، ونواجه على الفور هذه القصة الغريبة الواردة في الآيات من أربعة وعشرين الى ستة وعشرين. هنا نرى مزاج زوجة موسى، تسيبورا، سيّئ إلى حدّ ما. ولكن، قبل ذلك مباشرة نجد أن الله غير راضٍ أيضاً. الآن، حتى وقت قريب، كنتُ أعتبر أن هذا المعنى هو أن الله كان يهدّد موسى. ولكن، لماذا يهدّد الله بقتل الرجل الذي عيّنه للتو ليكون وسيطه، قبل أن يصل موسى حتى إلى المرحلة الأولى في مهمّته؟ خلاصة القول: لا أعتقد أن التهديد كان يَستهدِف موسى، بل كان يَستهدف ابنه.
من الواضح أن ابن موسى (كان له ابنان في هذا الوقت ومعظم العلماء يشعرون أن هذا يتعلق بالإبن الثاني) لم يكن قد تم ختانه بعد وتقليد حكماء بني إسرائيل الأوائل هو أن موسى كان يَعلم تماماً أنه كان سَيَختن ابنه، لكن تسيبورا لم تسمح له بذلك. لقد كان من واجب الرجل، الأب، أن يجري الختان لإبنه.
بل أكثر من ذلك، كيف يمكن للوسيط العظيم، موسى، ألا يتبع تعليمات الله بالنسبة لختان إبنه؟ على أي حال، نرى أن موسى لم يكن رجلاً قوياً على الإطلاق. لم يكن قائداً بالفطرة! ولا حتى لعائلته. إذن، كيف كان الله سيستخدمه ليقود ثلاثة ملايين من بني إسرائيل المتصلّبين من العبودية؟ وهذا دليل آخر على أنه ليس بقدرتنا أبداً، بل بِقدرة الرب، أن تتم كل الأمور للخير.
مِمّن كانت تسيبورا غاضبة؟ موسى، لأنه "اختار" هذا الإله الذي طلب مثل هذا الأمر. أرأيت، كان هذا هو التفكير في تلك الأيام، لأن البشر لم يختاروا الآلهة، فالآلهة كانوا يُختارون وأحياناً يتركونها لصالح إله آخر، من قبل البشر. لا تعجبك الآلهة؟ …… احصل على مجموعة جديدة كاملة! هنا لدينا درس جيد أن الإنسان القديم، المُنحرف من خلال النظام الديني البابلي الغامض، كان يعتقد أنه هو المُسيطر عندما يتعلق الأمر باختيار من وماذا يعبد.
الآن، لن أسهب في هذه النقطة التالية، ولكنني لا أريد أن تفوتكم هذه النقطة أيضاً. هناك علاقة عضوية بين الختان وعيد الفصح وموت المسيح. في كل حالة، هناك شيء يجب أن يموت، هناك عُنصر الإنفصال عن الله، والدم هو محور الحدث بأكمله. لذا، مع أخذ ذلك في الاعتبار، اسمحوا لي أن أشير إلى استخدام غريب لكلمة عبرية في الآية الخامسة والعشرين التي لطالما أثارت حِيرة الحاخامات، إلا أنني أعتقد أن لها إيحاءات مسيحانية، وهي تحدث حيث تقول أن تسيبورا "…. قطَعت قلفة ابنها…"أولاً، لاحظ أن تسيبورا هي التي قامت بالختان، ولكن الأهم من ذلك أن الكلمة المُستخدمة في العبرية لكلمة "قطع" هي "كاريت". والآن، لقد ناقشنا هذه الكلمة العبرية المهمّة من قبل، لأن معناها هو أن الإنسان ينفصل عن شعب الله، ولكن أيضاً ينفصل (بشكل دائم) عن الله. عندما يتم الحديث في التوراة عن فِعل القطع البسيط …. مثل قطع الإصبع أو قَطع الحبل أو قَطع بعض اللحم، فهناك عدة كلمات عبرية مُتعارف عليها في التوراة مثل "نتاخ" أو "جازيث" أو "باتار" أو "ملة". في الواقع، يُطلق على فعل الختان اسم "بريت ميلا"، لأنه يعني حرفياً "قطع عهد"، والختان جزء من الدخول المطلوب في جماعة بني إسرائيل. إذاً، لماذا يُستخدم مصطلح كاريت هنا…..يبدو أنه سوء استخدام كامل للمصطلح ….. في حين أن هذا لا يشير إلا إلى الفعل المعتاد لقَطع شيء ما…. في هذه الحالة، قطع القلفة؟
هناك رمزية رائعة ونبوية مُستخدَمة هنا. ففكرة إزالة القلفة هي أن قطعة من اللحم، جزء من الجسد الفاسد، يجب أن تُزال وتُفصل وتموت. في الواقع، الإجراء العبري المعتاد هو أن القلفة يجب أن تُدفن فعلياً في الأرض لأنها ميتة.
عندما يتحدث العهد الجديد عن موت الجسد ….. وهي عبارة سَمعناها جميعاً ….. فذلك مع وضع رمزية الختان في الإعتبار. ما يموت بالجسد….. في حالة الختان قلفة الذكر، وفي حالة الفصح كل إنسان في مصر لم يخضع لمشيئة الله وعَرضَه للخلاص، وفي حالة المسيح جسده المادي…..كلهم أموات؛ مقطوعون عن الله. حتى المسيح صرخ من على الصليب: إلهي، إلهي، إلهي، لماذا تخلّيت عني (تركتني)؟ كانت هناك لحظة كان فيها يسوع الإنسان بجسده منقطعاً….. روحياً عن الآب.
مع مرور الوقت سنواصل مناقشة مبدأ الإنقطاع، لكننا سنترك ذلك الآن.
هناك أمر آخر: سنرى في إفصاح لاحق من سفر الخروج ثمانية عشرة، يثرون يصطحب ابنته تسيبورا وابنيها للقاء موسى في رحلة عودته من مصر. يمكن للمرء أن يتكهن، بسهولة إلى حدّ ما على ما أعتقد، أنه كما أن موسى لم يكن ذا شخصية عظيمة في هذه المرحلة من حياته، لم تكن تسيبورا رفيقة مُساعدة جداً أيضاً. ربما أرسلها موسى إلى بيتها….. إما كنتيجة مباشرة لحادثة الختان هذه أو لسبب آخر.
تعود بنا الآية السابعة والعشرين إلى الوراء، بضعة أيام أو أسابيع، إلى ما قبل أن يبدأ موسى رحلته إلى مصر. كما قيل لنا سابقاً، كان من المقرّر أن يلعب هارون، أخو موسى، دوراً رئيسياً في المواجهة القادمة مع فرعون. لذا، أرسَل الله هارون للذهاب إلى مديان لمقابلة موسى، ومن المثير للإهتمام، حيث التقيا كان جبل الله، جبل سيناء/ حوريب في مديان وهناك أطّلع هارون على لقاء موسى مع الله وعلى ماهية مُهمّتهما.
إذن، التسلسل هو أن موسى وعائلته يغادرون في رحلتهم إلى مصر. تأخذهم الرحلة إلى جبل الله. عند جبل الله، يلتقي موسى بهارون، ثم يرافق هارون موسى في ما تبقى من الرحلة من مديان إلى مصر…. حوالي مئة وخمسة وسبعين الى مئتي ميلاً. وعندما وصلا، جَمعا على الفور الشيوخ، ممثلي عامة الشعب العبراني وتكلّم هارون مع الشيوخ، وقدّم كل العلامات التي أعطاها الله لموسى، وكما أخبر الله موسى أن ذلك سَيحدث، سَمع الناس ورأوا وآمنوا وحَمدوا الله على ذلك.