سِفِر الخروج
الدرس ثلاثون – الإصحاحان واحد وثلاثون واثنان وثلاثون
نَستمر في دِراستنا لسِفِر الخروج واحد وثلاثون هذا الأسبوع مع القُسم الذي يبدأ في الآية اثني عشرة المُتعلقة "بالسبث" (السبت بالعربية).. بالعبرية، تُلفظ "الشباط".
دعونا نعيد قِراءة هذا القِسم القَصير لإنعاش ذاكرتنا.
إعادة قراءة سِفِر الخروج واحد وثلاثون الآية اثنا عَشرة حتى النهاية
السبث هو شريعة الله حول مُراعاة الوقت المُقدس، تمامًا كما أنّ خَيمة الاجتماع هي شريعة الله حول مراعاة المكان المقدّس. والآن، قد يبدو هذا فلسفيًا بعض الشيء وليس روحيًا ولكنه في الحقيقة ليس كذلك. اسمحوا لي أن أشرح لكم، وتابعوا معي فقد يبدو الأمر معقدًا، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك.
قد يقول العِلم، أننا نعيش في كَوْن يَتكون فقط من المكان والزمان. يَتكون الفَضاء من ثلاثة أبعاد. والزمان هو بُعد آخر مما يعطينا مجموع أربعة أبعاد. من السَهل جدًا فهم الأبعاد الثلاثة الأولى (الفضاء) لأنه يمكّننا ببساطة أن نَنظر إلى الغرفة التي نَجتمع فيها (هذا الفضاء الذي اكتسبناه لنجتمع فيه) ونرى طوله وعرضه وارتفاعه. ما ليس من السهل إدراكه هو الوقت. لا يمكننا رؤية الزمن، أو لَمس الزمن، ولكن يمكننا مُلاحظة آثاره. يمكنني أن ألاحظه بشكل خاص كل صباح في مرآتي، لأنني أنظر إلى هذا الوَجه المُتجعد مع حلقة من الشَعر الرمادي حول تاج رأسي وأسأل: "من هذا"؟ هذه الصورة بالتأكيد لا تُشبه ما يَتوقعه عقلي ولا ما في بالي من انعكاس لشَكلي. الشيخوخة هي تأثير الزمن.
ولكن، ما هو الزمن؟ تمامًا كما أنّ البوصة أو المِتر هو قياس للأبعاد الثلاثة الأولى التي تحدثنا عنها (الطول والعرض والارتفاع)، فالزمن هو في الواقع قياس للتضاؤل كما يُعبّر عنه القانون الثاني للديناميكا الحرارية. تَتحلل جميع الأشياء المادية، لكنها تتحلل بمعدلات مختلفة. يُقيس الزمن مُعدل الاضمحلال. تَتحلل الصخور أبطأ بكثير من الإنسان، ولكن لا تَتحلل جميع الصخور بنفس المعدل ولا يَتحلّل جميع البشر بنفس المعدّل. في الواقع، إنّ أكثر أجهزة قياس الزمن دِقّة لدينا، الساعات الذرية، تَستند إلى معدّل التضاؤل الثابت لجسيمات ذرية معينة.
كلا، هذا ليس درسًا علميًا، بل هو درس يُساعدنا على فهم جزء من منطق الله الواضح وراء السبث. بما أن إلهنا خلق كونًا مكونًا من أربعة أبعاد مُكوّنة من المكان والزمان، لذلك فقد أمرنا الله بوسائل لتكريس قداسة الأبعاد الأربعة لخليقته؛ فالمَسكن يُمثل الأبعاد الثلاثة للمكان، والسبث يُمثل بعد الزمان. يُقدّس الله خيمة الاجتماع بتمييزها عن كل الفضاء البشري الآخر والسُكنى فيها، ويقدّس الله السبث بتمييزه عن جميع الكتل الزمنية الأخرى ويعلن أن هذه الكتلة الزمنية المحددة، السبث، مقدسة. لم يتم تمييز أي قطعة أخرى من المكان (في زمن موسى ثم لعدة مئات من السنين الأخرى) على أنها مقدّسة لتجسيد قداسة المكان، ولم يَتم تمييز أي كتلة أخرى من الزمان على أنها مقدسة لغرض تجسيد قداسة الزمان. من المؤكد أنّه قد تمّ تعيين كتل أخرى من الزمن (أيام أخرى) وتخصيصها لتكريم أشياء أخرى يريد الله تكريمها (أعياد الكتاب المقدس على سبيل المثال)؛ ولكن لم يَكُن لأي منها غرض مُحدّد وهو تكريم خلق الله للزمن.
لذا فالسبث هو اليوم الذي خَصصه الله لإعطاء مجد ملموس لخليقته في البُعد الرابع، أي الزمن. تُكرِّس كل من خيمة الاجتماع والسبث معًا قداسة خلق الله. مع وَضع هذا الأمر في الاعتبار، دعونا نرى ما يُمكن أن نَستخلصه من هذه الآيات القليلة الأخيرة من الإصحاح واحد وثلاثين حول السبث.
إنّ الكلمات الأخيرة من الآية ثلاثة عشرة هي عِبارة أخرى من تلك العبارات الصغيرة المثيرة للاهتمام، ولكن عادةً ما يتم تجاهلها، وهي تحمل معنى كبير…. ويتم شرح مغزاها في الآية ثلاثة عشرة. تقول نهاية الآية ثلاثة عشرة: "لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يُقَدِّسُكُمْ". قد تقول نُسختكم من الكتاب المقدس "يُبارككم" أو "يُكرّسكم" أو شيء من هذا القبيل، بدلاً من "مقدس" …تَحمل كلها نفس المعنى. كلمة "مقدس" أو "مكرس"، مُترجمة من كلمة ذات أصل العبري وهي "قادش"، والتي تعني بالفعل "مقدس" أو "كن مقدسًا"… أن تكون مميزًا (وهو ما تعنيه الكلمة العربية "مقدس"). لكن انتبهوا إلى ما يقوله الله هنا: يقول إنّ الغرض من حفظ إسرائيل للسبث هو…ماذا؟ أن يجعلهم، ويجعلكم أنتم، مقدسين! هذا ليس بالأمر الهيّن ويحمل آثاراً كبيرة.
في الآية الرابعة عَشرة، هناك عِبارة أخرى مُثيرة للاهتمام تَعمل جنبًا إلى جَنب مع تلك التي نظرنا إليها للتو في الآية ثلاثة عشرة؛ وهي ذات مغزى كبير إذا قبلنا ما تَعنيه بمعناها الحرفي…وهي عادةً أفضل طريقة لدراسة الكتاب المقدس. إنها تبدأ كما يلي: "احفظوا السبث لأنه مقدس لكم…". ما أريد أن أنظر إليه هو الكلمة التي تُترجم بكلمة "مقدس" في هذه الآية (أنا في الآية أربعة عشرة وليس ثلاثة عشرة). في العبرية، الكلمة المستخدمة هنا هي "كودش"؛ على الرغم من أنها مأخوذة من الكلمة الجذرية "قادش"، إلا أنّ لها معنى مختلفًا قليلاً. كودش لا تعني مقدسًا……هذا ضعف في المعرفة. في العبرية "قادش" تعني مقدس. إذًا إذا كانت كلمة "كودش"، وهي الكلمة المستخدمة هنا في الآية أربعة عشرة، لا تعني "مُقدّس"…فماذا تعني؟ إنها تعني "القداسة". هذه الآية تقول حرفياً "احفظوا السبث لأنه قداسة لكم".
إذًا ما الفَرق؟ الطريقة التي تُترجم بها عادةً الآية أربعة عشرة تعني في أذهاننا "أريدكم أن تحفظوا السبث لأني جعلته مقدسًا، ولذلك يجب أن تَعتبروه مقدسًا، وأن تَحفظوه لأنه يوم مقدس". أليس كذلك؟ آه. ولكن، ليس هذا المعنى.
هذا ما يعنيه: "أنا أريدُكم أن تَحفظوا السبث، لأنني لم أعلنه مقدسًا فحسب، بل إن السبث يُلبسكم حالة من القداسة في عيني عندما تطيعونني وتراعونه". هل ترون الفرق؟ الطريقة الأولى هي أنني أريدكم أن تفعلوا ذلك لأنني جعلت السبث مقدسًا، وأريدكم أن تَحترموا قداسة السبت. الطريقة الثانية هي أنكم بِحفظكم للسبث؛ أنتم تأخذون قداسة السبث. قداسة السبت التي تنتقل إليكم، تَجعلكم مقدّسين. إذًا، تقول الآية ثلاثة عشرة، سأجعلكم مقدسين…وتقول الآية أربعة عشرة، سأفعل ذلك بنقل القداسة الكامنة في سَبتِنا إليكم…إذا أطعتموني وحافظتم على السبث الخاص بي.
لا ينبغي أن يبدو هذا المَفهوم غريبًا بالنسبة لنا على الإطلاق. لأنه قيل لنا أنه لكي ندخل ملكوت السموات يجب أن نكون أبرارًا بحسب معيار الله. ولكن، من المستحيل تمامًا أن يَصل الإنسان إلى هذه الحالة من البِر الخلاصي بمفرده. لذا، بالإيمان بيسوع نلبس بره. برّ يشوع يُنسب إلينا. برّ يشوع ينتقل إلينا. يضع الله المبدأ هنا في سِفِر الخروج ليقول أنه، سيُضفي على إسرائيل بنِعمته، سيَمنح إسرائيل حالة قداسة لا يمكن تحقيقها بأي طريقة أخرى.
وهذا أيضًا يَقطع شوطًا طويلاً لمساعدتنا على فهم ما قصده المسيح حقًا عندما قال "خُلِقَ السَّبْت لِلْإِنْسَانِ لَا الْإِنْسَانُ لِلسَّبْتِ". كما ترون، كان يقول إنه لم يكن من الضروري أن يُخلق الإنسان من أجل الإنسان لكي تُجلب القداسة للسبث، ولكن كان من الضروري أن يُخلق السبث لكي تُجلب القداسة للإنسان.
يَتم التأكيد على جِدية فريضة السبث عندما تَستمر الآية أربعة عشرة بالقول إنّ كل من يُدنّس السبث يجب أن يُستبعد…يجب أن يَنفصل عن الله. الاستبعاد يمكن أن يعني أن مصيرهم الموت من دون أن يعيشوا حياة طبيعية، أو يمكن أن يعني، كما في هذه الحالة، أنهم سيُعدمون بسبب عدم مراعاة السبث. وفي وقتٍ لاحق في التوراة، سنحصل على مثال أو مثالين على تطبيق حكم الإعدام على شخص لم يحفظ السبث بشكل صحيح.
إلى متى سَتدوم فريضة السبث هذه؟ …… الآية سِتة عشرة تقول إنها تدوم إلى الأبد.
يقول الله أن السبث علامة بينه وبين إسرائيل. كلمة "علامة" في العبرية هي "أوث" (معنى الكلمة هو تأكيد، أو برهان، علامة تمييز. فالسبث هو علامة تُميِّز العلاقة بين الله وإسرائيل عن الجميع. ثم في الآية ستة عشرة، يَربط بين خلق الكون (كما تحدثنا عنه في بداية الدرس) وبين الاحتفال بيوم السبث.
والآن، دعوني أرى إن كان بإمكاني أن أوضح لكم شيئًا ما. لقد قلتُ إن السبث هو كتلة زمنية محددة جدًا (اليوم السابع) تم تمييزها عن كل الكتل الزمنية الأخرى لتجسيد قداسة الزمن كبعد رابع لخلق الله. لقد وُلِدت في ستة وعشرين نوفمبر. لذا فإن عيد ميلادي هو يوم ستة وعشرين نوفمبر من كلّ عام. ماذا لو قررتُ أن أفضِّل أن أتذكر عيد ميلادي في الخامس عشرة من مارِس؟ ماذا لو أعلنتُ في منزلي عندما يأتي الخامس عشر من مارِس أن عيد ميلادي هو في السادس والعشرين من نوفمبر؟ على الرغم من أنه لا يوجد قانون يَمنع ذلك بالتأكيد، إلا أن معنى لهذا الموضوع وهو يفسد نوعًا ما الغرض من عيد الميلاد. الخامس عشر من مارِس ليس السادس والعشرين من نوفمبر. كلاهما يومان محددان ومختلفان للغاية.
أيها الأصدقاء، الكِتاب المقدس….. ليس كلامي، بل حديث الكتاب المقدس…يُعرّف السبث بأنه اليوم السابع من كل أسبوع. إنّ الكتلة الزمنية المحددة والمقدسة التي أنشأها الرب كممثلة للبعد الرابع من خليقته هي اليوم السابع من الأسبوع الذي يَتكون من سبعة أيام. إنها ليست أي كتلة زمنية من اختيارنا. لا يمكننا اختيار تَعريفنا الخاص للسبث كما لا يمكننا اختيار تَعريفنا الخاص للمسيح.
لقد انتهى الله الآن، من إعطاء موسى وشعب إسرائيل فَرائضه ومبادئه. بهذه الطريقة نقش يَهوَه على لوحين من الحجر، بشكلٍ خارق للطبيعة بيده، المبادئ العشرة التي تَستند عليها كل النواميس والفرائض والأوقات والأعياد المعينة، والاحتفالات والطقوس، وحتى نِظام الذبائح.
لقد أكملنا الآن أربعة من الأقسام الـست لسِفِر الخروج، ونحن مُستعدون للبدء في القسم الخامس، الذي يُسميه إيفريت فوكس "الخيانة والمصالحة".
قراءة الإصحاح الثاني والثلاثين كُلّه
يَتحدّث الفَصل (الإصحاح) اثنان وثلاثون كُلّه عن حادثة العجل الذهبي المعروفة. المفتاح لفهم الكتاب المقدس عن العجل الذهبي هو أنه بينما كان إسرائيل يُخالف العهد الموسوي، كان في نفس اللحظة موسى على قِمة الجبل يَتلقاه. تذكروا أن هذا العهد مشروط……إسرائيل لديه التزامات يجب أن يَفي بها، لأن العهد يحتوي على شروط حول ما سيحدُث إذا لم يَفعل شعب إسرائيل كما طُلب. يرى الله أنّ ما فَعَله إسرائيل (شعب إسرائيل) بِبناء ذلك العجل هو زنى، وبالتالي هو خيانة. لماذا سُمي زنى؟ لأنه كان من المفترض أن يكون هذا الشعب في اتحاد معه، ثم أدخل "إلهًا" آخر في الصورة.
تُميّز هذه الإصحاحات الكتاب المقدس باعتباره قطعة أدبية رائعة (من الواضح أنه أكثر بكثير من مجرد أدب) في تاريخ البشرية كلها. لقد ميَّز الله شعبًا عن جميع الشعوب الأخرى في العالم ليكون مملكة كهنة وأمة مقدسة له. وبدلاً من محاولة تصوير إسرائيل، الآن، على أنه أفضل من سائر البشر، وأقلّ عرضة لفِعل الخطأ والشر، وفوق إغراءات الخطيئة والفجور، ومُكوّن من مجموعة من الناس الذين يُصفّرون بلحنٍ سعيد ويمضون في أعمال الله ويُسبحونه طوال اليوم، فهو يظهر لنا واقع الحالة البشرية. إنّ تقلبنا، وطبيعتنا الأنانية والمُتمردة معروضة بوضوح هنا في هذا الإصحاح، كتناقض صارخ مع شخصية الله وتوقعاته منا.
على مدى الأسابيع العديدة الماضية من دراستنا لسِفِر الخروج، يبدو الأمر كما لو كنا نَسترق السَمع إلى محادثة الله مع موسى. من أعلى قمة جبل سيناء، كل ما هو صالح وحقيقي وكامل…المثالية الروحية السماوية المثالية…. قد تمّ توضيحه وشرحه لموسى. ثم نعود إلى الواقع، واقع الحياة المادية اليومية التي تتعارض مع معايير الله يُواجهنا وجهاً لوجه.
يجب ألا نَتجاهل المُفارقة هنا: في نفس الوقت الذي يَتلقى فيه موسى الوحي المذهل من يَهوَه، واقفًا على القمة، قدس الأقداس…في الوقت الذي يَتنازل فيه الله ليبعث برسالة حُب إلى البشرية تدعو العبرانيين إلى المصالحة معه…في الوقت نفسه يتآمر شعب إسرائيل لفعل الأشياء التي حَرّمها الله.
الترجمة: نعم، نحن نعلم أنّ هناك إله، ونَعلم أنه مُحب وقوي، ونعلم أن لديه معايير للخَير والشر، والحقّ والباطل، ولكننا قلقون ومتوترون لذا سنأخذ الأمور على عاتقنا، شكرًا جزيلاً لكم. يا لصِفات الإنسان.
الآيات القليلة الأولى من الإصحاح ثلاثة وعشرين تَشرح سبب كَسْر الشعب للوصية الثانية. تلك التي تقول: "لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لَا تَصْنَعْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا……" يَستند هذا المَنطق على فكرة أنهم غير صبورين وخائفين بعض الشيء. إنهم يريدون إجابات ويريدونها الآن! بالطبع، أعتقد أنه في الأسبوع الماضي تَحدثنا كيف أنّ الزنى كان أيضًا في قلب إهانة بني إسرائيل العظيمة لله. سُمي الزنى، لأن ما أنشأه العهد الموسوي كان اتحادًا بين إسرائيل ويَهوَه. ومن خلال خَلط الاتحاد مع يَهوَه بعبادة العجل، بإدخال إله آخر إلى الصورة، أصبح الاتحاد فاسدًا ومدنسًا. في الواقع، أصبح الاتحاد منقطعًا.
ومَن الذي جنّده بنو إسرائيل ليقودهم في أسوأ الجرائم الممكنة ضد الله سوى الرجل الذي سيُصبح رئيس كهنتهم! الرجل الثاني بعد موسى، الذي حمل عصا موسى وتَكلّم بمعجزات الله أمام فرعون، أخو موسى نفسه…هارون. يمكن للمرء أن يَتدحرج على ظهره ضاحكًا، لو لم يكن الأمر كله مأساويًا ومتوقعًا.
لقد قيل لنا أن هارون وافَق على أن يبني لبني إسرائيل تمثالاً للإله، وأمر الشعب أن يُعطوه الذهب من أقراطهم. لستُ متأكدًا من المغزى من ذلك، إن كانت الأقراط التي جُمعت للذهب فقط……ولكن هناك شيء واحد مؤكد… لزم صُنع هذا العجل الذهبي عدد هائل من الأقراط اللازمة، لذلك وافق عدد كبير من الناس على ما كانوا على وشك القيام به.
بمُجرّد صنع العجل، ماذا كان العبرانيون يعتقدون أنهم فعلوا؟ ما هو الشيء الذي كانوا يعتقدون أنهم صنعوه؟ الجواب في الكلمات الأخيرة من الآية أربعة، ثم خمسة. "هذا هو إلهك يا إسرائيل الذي أخذك من أرض مصر". وأعلن هارون أنّهم سيَبنون غدًا مذبحًا ويذبحون حيوانًا للعجل الذهبيّ ويقيمون "مهرجانًا ليَهوَه". على الأرجح أنّ كتبكم المقدسة تستخدم عبارة مهرجان للرب. هذه ترجمة غير صحيحة. وقد دفع هذا الأمر العديد من المُعلقين إلى الإيحاء بأن بني إسرائيل كان لديهم "رب" مُختلف تمامًا في أذهانهم، أحد آلهتهم المصرية القديمة. لكن العبرية الأصلية لا تقول "الرب"، أدوناي، بل تقول…يَهوَه، اسم الله الشخصي. لقد ظنّ الشعب أنهم كانوا يصنعون صورة مناسبة لإله إسرائيل، يَهوَه، عندما صنعوا ذلك العجل!!! بالمناسبة: ربما من الأفضل لنا جميعًا أن نَتفحص الصور والأيقونات التي نستخدمها…..لأن هناك الكثير منها، ولست مرتاحًا على الإطلاق أنّ مُبرر استخدامنا لها يجعلها صحيحة في نظر الله.
هناك الكثير من الدروس الكامنة هنا، لدرجة أننا يمكن أن نَقضي وقتًا طويلاً في التعامل معها. لذا، اسمحوا لي أن أوجز لكم بعضًا منها.
أولاً، كان العِجل الذهبي نفسه صورة حيوان شائع الاستخدام في كل ثقافات الشرق الأوسط تقريبًا. في مصر كان يُسمى ثور أبيس، وهو إله كبير جدًا في الواقع. كان يمثل القوة والسلطة، ولا بد أن العبرانيين كانوا على دراية كبيرة به. الآن لا يمكننا أن نَعرف على وجه اليقين إن كان أبيس المصري هو ما استخدموه كنموذج للعِجل الذهبي….. كان يمكن أن يكون إله ثور آخر من الشرق الأوسط. لكن هذا لا يهم حقًا. النقطة المهمة هي أنه على الرغم من المعجزات المذهلة التي شهدوها شخصيًا، بعد أن سمعوا صوت يَهوَه نفسه يخبرهم بوصاياه العشر، عند أول علامة من علامات المتاعب دَفعتم غريزتهم ألا يؤمنوا بالله، وألا يَثقوا بالله، وألا يطيعوا الله، بل أن يتصرفوا كما كانوا يفعلون دائمًا. الأمر المضحك هو: هل كانت عبادة الآلهة الأخرى في مصر قد حَرّرتهم من مصر أو جَلبت لهم أي شيء جيد؟ على ما يبدو لا، لأنهم كانوا عبيدًا لقرنين على الأقل عندما أنقذهم الله. لكن ذلك لم يهم، فقد عادوا فقط إلى ما كان مألوفًا، وأداروا ظهورهم لما كان صحيحًا. لم يتغير الناس كثيرًا، أليس كذلك؟
عندما يحين وقت الحَسم، نَميل إلى العودة إلى ما هو تقليدي ومريح. نحن نُحب الأشياء المألوفة لدينا، الأشياء التي تبدو أنها تُثبت صحة أسلوب الحياة الذي اخترناه.
نَتنازَل عن مبادئ الله أو نبرر مبادئ الله بِسرعة إذا كانت تُرضي عواطفنا أو رغباتنا. لقد سمعت أنه قيل إنّ التعريف الحقيقي للجنون هو الاعتقاد بأنك إذا واصَلت فعل نفس الأشياء ستَحصل في النهاية على نتائج مختلفة. ما من أحد هنا لا يُضطر إلى أن يُحارب، يوميًا، الرغبة في التمسُك بأساليبنا القديمة والعودة إليها رغم معرفتنا بالحقيقة.
ثانيًا، لماذا شَعَر الناس أنهم بحاجة إلى صورة إله أصلاً؟ أعني ما هو عامل الجذب الكبير هنا؟ من المثير للاهتمام أنّ حاجة الإنسان إلى دليل مرئي ومَلموس على وجود الله هي التي دفعتهم إلى هذا العمل الرهيب. ومن أجل هذه الحاجة البشرية نفسها……الحاجة إلى رؤيته بأعيننا….. كان الله بصدد توفيرها عن طريق خيمة الاجتماع.
يَعرف الله ويَعلم أننا بحاجة إلى طمأنينة مرئية ودليل على عمله الإلهي في حياتنا. احتاج إسرائيل إلى ذلك أيضًا. لم يكن الله بحاجةٍ إلى خيمة دنيوية. وبالتأكيد لم يكن بحاجةٍ إلى أيدي البشر لبناء خيمة. كانت خيمة الاجتماع، مثل كل شيء آخر تقريبًا، من أجل إسرائيل، من أجلنا، وليس من أجله. كانت خيمة الاجتماع إظهارًا ماديًا لبعض المبادئ السماوية بالإضافة إلى تكريس مبدأ الله في المكان المقدس.
هناك تَشابه وارتباط بين العجل الذهبي وخيمة الاجتماع، إذًا كان القَصد من كليهما إشباع حاجة الإنسان إلى دليل مرئي على حضور الله. قد يكون من الأفضل لنا أن نُفكر في العجل الذهبي كنوع من خيمة الاجتماع. العجل الذهبي هو فكرة الإنسان المُنحرفة عن الألوهية. لقد صُنع من أفضل تصورات وجهود إسرائيل الدينية وأكثرها إخلاصًا.
على العكس من ذلك، كانت خيمة الاجتماع نموذجًا سماويًا….. كان الله قد أمَر بها. ولكن، سيأتي أيضًا في توقيت الله، وليس في توقيتهم.
أمَر الإنسان مقابل أمر الله. هذه هي المعركة التي تَخوضها البشرية عمليًا منذ لحظة توقف الخلق، وستستمر حتى نهاية عهد المسيح الألفي في المستقبل. ربما خلال أعمارنا سنرى هذه المعركة تندلع في أكثر الطرق دراماتيكية، في خاتمة تاريخ العالم، حيث نُشاهد البشرية تنصب المسيح الدَجّال كرئيس لحكومة العالم ليحكُمنا. ولماذا سيُنصِبه الإنسان؟ للأسباب نفسها التي صاغ بنو إسرائيل صورته: نفاد الصبر، والخوف والقلق، والحاجة إلى دليل مرئي على أن الله حاضر. إنّ العالم يصرخ بالفعل من أجل أن يبني أحدهم ذلك العجل الذهبي الجديد، ليفعل شيئًا لوقف العنف والرعب الذي اجتاح العالم، ولكن يبدو أن الحلّ غير موجود. وقريبًا، قريبًا جدًا، أعتقد أنّ الجزء المُرتد من الكنيسة سينضم إلى جهود العالم، إن لم يكن يقود الطريق، لتحديد وتنصيب العجل الذهبي في نهاية الزمان، المعادي للمسيح. وكما حدث في أيام موسى، سيحدث هذا في الوقت الذي يُهيئ فيه الله العالم لإظهار حضور الله الحقيقي في صورة المسيح يسوع. ولكن سيكون ذلك في توقيته؛ وللأسف نحن نَعلم بالفعل من الكتاب المقدس (خاصةً سِفِر الرؤيا) أنّ معظم العالم، وكل العالم باستثناء البقية الباقية من الكنيسة، لن يَنتظروا حل الله. سنأخذ الأمور على عاتقنا مع نتائج مدمرة. هذا ما فعله إسرائيل عندما بنوا ذلك العجل الذهبي.
ابتداءً من الآية سبعة، يخبر الله موسى بما يفعله "شعبك". أعتقد أنه من المضحك نوعًا ما أن يدعو الله إسرائيل "شعبك". بطريقة ما، يبدو أن الله تَبرّأ منهم لأنه كان يناديهم بشعبي. وخَمنوا ماذا: قانونيًا هذا ما فعله بالضبط، لقد تَبرّأ من إسرائيل. لقد نُقض العهد، وسيُثبت موسى ذلك عندما يعود إلى قاع الوادي. علاوةً على ذلك، سيكون من الضروري إعادة تأسيس العهد من جديد، وهو ما سنجِد موسى يفعله أيضًا عندما يحمل لوحين آخرين فارغين ليأخذهما معه إلى قمة جبل سيناء.
وبينما كان الرب يوصي موسى كان يَطلب من موسى أن يسرع بالعودة إلى أسفل الجبل ويضع حدًا لعبادة العجل. وبالمناسبة، يا موسى، بينما أنت ذاهب، سأجلس هنا وأفكر في كل الطرق التي يمكنني بها تدمير هؤلاء الناس المتذمرين. في الواقع، أعتقد أنني سأبدأ من جديد معكم كأب جديد لشعب مميز بالنسبة لي.
يَتوسل موسى، في بادرة نبيلة جدًا، طالبًا الرحمة لبني إسرائيل هؤلاء، فيَستجيب الله.
والآن، هناك أمران يَجِب التفكير فيهما: هل كان الله مترددًا هنا… بين إهلاكهم وعدم إهلاكهم؟ لا، بالطبع لا. إنّ يَهوَه، كما هو الحال دائمًا، في "وضعية التعليم" ….. فَرْض التوراة. إنه يُظهر لموسى مدى خطورة عصيان الله تعالى. إنه يُظهر لموسى أن هؤلاء الناس هم بالفعل مسؤوليته. إنه يوضح أنه ليس من الضروري أن يكون إسرائيل هو شعبه المختار؛ يمكن أن يكون أي شخص أو مجموعة. إنّ موسى، في موقع الوسيط، هو الذي يحمل على كتفيه خطايا ما يوصف الآن بأنه "شعبك" لأن العهد الذي يجعل إسرائيل شعب الله قد أصبح باطلاً.
في ما يُشبه حلقة من مسلسل سينفيلد، ها هم شعب إسرائيل عند سفح الجبل، يَحتفلون كالمجانين ويعبدون ويذبحون لهذا العجل الذهبي، وهم فخورون جدًا بأنفسهم وحل مشاكلهم……. بينما في تلك اللحظة بالذات يُخبر الله موسى أنه في الوقت الذي يعود فيه إلى هناك ربما يكون قد يصبح هؤلاء الناس أكوامًا صغيرة من الخبز المحمص البشري على أي حال. وهؤلاء العبرانيون المتمردون الحمقى لم يكن لديهم أي فكرة على الإطلاق أنّ مصيرهم يَتقرر على تلك القمة، بينما هم يمضون في جهلهم البهيج في الأسفل.
أعتقد أيضًا أن موسى لم يُدرك بعد أهميته في نظر يَهوَه، وكذلك في نظر الشعب. لطالما كان موسى مترددًا في قبول هذه الوظيفة في المقام الأول. لقد كان رجلاً متواضعًا وانطوائيًا، وواجه صعوبة في فهم السبب الذي يجعل الناس ينظرون إليه كقائد لهم. ولكن، كما رأينا عندما تَكلم الله بالوصايا العشر عن طريق صوت مدوٍّ ومخيف مباشرةً لشعب إسرائيل كانت استجابتهم بشكل عام: واو! كان ذلك رائعًا حقًا؛ والآن أرجوك لا تفعل ذلك مرة أخرى أبدًا! يا موسى، كَلّم الله من أجلنا، واجعله يُكلِّمك. لقد كانوا متأكدين من أنهم إذا كانوا في حضرة الله مرة أخرى، أو سمعوا صوته، فإنهم سيموتون. لقد رأوا أن موسى هو القناة الوحيدة بينهم وبين يَهوَه، وهذا بالطبع هو تعريف ما كان عليه بالفعل: وسيطهم.
إعتمد شعب إسرائيل على موسى باعتباره ذلك الوسيط. وبعد وقت طويل، عندما لم يَنزل من ذلك الجبل، فعلوا ما يفعله الناس عندما تختفي القيادة: لقد أصيبوا بالذعر. عندما لم يروا ما توقعوا أن يروه، فقدوا الإيمان؛ وكانت النتيجة العِجل الذهبي. لا نأخذ قرارات صائبة في حالة ذعر، وهذه إحدى الأسباب التي تَجعل الله يُذكِرنا باستمرار ويقول "لا تخافوا" لأن الخوف يؤدي إلى سوء التقدير والسلوك غير العقلاني.
بينما كان موسى في طريق عودته إلى أسفل الجبل، صادف يشوع….. نفس يشوع الذي سيتولى في النهاية قيادة مكان موسى. على ما يبدو أن يشوع ذهب مع موسى جزءًا من الطريق إلى أعلى الجبل وانتظره لأنه لم يكن يعرف ما كان يحدث في المعسكر…ولكنه كان يَسمع كل الجَلبة ويعرف أن هناك شيئًا سيء يحدث. قال يشوع: "يا موسى! أعتقد أن هناك حربًا تدور!". ردّ: موسى "لا يا يشوع، إنهم فقط يقيمون حفلة كبيرة!"
وأخيرًا يرى موسى ما يحدث، فيَغضب موسى غضبًا شديدًا لأنه لم يسبِق له أن رأى ما يحدث من قبل. ألقى الألواح على الأرض، فانفجرت إلى مئات القطع. أخذ العجل وأذابه ثم طَحنه حتى صار ترابًا، ثم رَشّه في مياه شربهم. ثم جعل شعب إسرائيل يشربونه.
كان هذا الفعل المُتمثل في كسر الألواح ذا مغزى؛ ففي الشرق الأوسط، كلما تم قطع عهد وكتابته ثم انتهاكه، كانت الألواح الطينية المكتوب عليها تُرمى وتُحطم بشكل طقوسي للدلالة على أنّ العهد قد انكسر بالفعل. لذا، لم تكن هذه لحظة غضب فقد فيها موسى صوابه لثانية واحدة وبذلك ألقى لوحي الشريعة. لقد كانت عادة…..وعَرف الشعب على الفور ما الذي يعنيه عندما فعل ذلك. لقد انقطع العهد الذي مضى عليه ساعات مع الله!
يَسأل موسى هارون، في الآية واحد وعشرينٍ، ما الذي حدث ليجعله يوافق على فعل مثل هذا الشيء، أي بناء ذلك الصَنَم. جواب هارون: طلبوا مني أن أفعل ذلك. ضغط الأقران، الضغط الاجتماعي. الرغبة في أن يكون قائدًا لكل الناس بدلاً من القيادة الإلهية؛ هل أرضي الله أم أصدقائي؟ اختار هارون بطريقة لا حكمة فيها.
ثم ألقى موسى القفاز: دعا موسى كل من يقفون معه، أي يقفون مع الله، ليأتوا إليه. يَفعل موسى ما أظهره الله لنا منذ اللحظة التي فصل فيها الظلمة عن النور: إنه يُفرّق ويَفصل ليخلق الوحدة. أعلم أن هذا المبدأ الذي يقول إنّ الله يفرق يَتعارض مع عقيدة الكنيسة النموذجية في العصر الحديث التي تقول إن الله يوحِّد. لكن عقيدة "الوحدة بأي ثمن" ببساطة لا تتفق مع الكتاب المقدس، وذلك في المقام الأول لأنها مُبسطة للغاية. الله يُفرّق ويَفصل من أجل تحقيق الوحدة. يا إلهي، هنا في سِفِر الخروج، عملية تقسيم إسرائيل، وتمييز إسرائيل عن بقية العالم كشعبه. وهنا في سِفِر الخروج اثنان وثلاثين لدينا موسى يَقسم ويَفصل شعب إسرائيل من أجل تحقيق نوع الوحدة الذي يريده الله. التقسيم والفصل والانتخاب هي طرق الله لتحقيق الوحدة المثالية. من المحزن أن العالم والكثير من أبناء الكنيسة يقعون في الفخ الذي يُعرّف الوحدة على أنها حلّ وسط لتحقيق الإجماع. وحدة الله لا علاقة لها بالإجماع أو التوافق… وبالتأكيد ليس لها علاقة بالتسوية. الوحدة هي وحدانية مع روحه.
لقد كان اللاويون، أولئك الذين قُدِّر لهم أن يكونوا كهنة ومرافقين ليَهوَه، هم الذين التفوا حول موسى. والآن، أرجو أن تتذكروا أن الكهنوت لم يَتأسس بعد. هؤلاء اللاويون الذين جاءوا إلى موسى لم يُعلنوا كهنة بعد. ولكن، ليس علينا أن نَبذل جهدًا كبيرًا لنعرف لمَ، حتى من وجهة نظر بشرية بحتة، سيكون اللاويون وحدهم هم الذين التفّوا حول موسى: كان من الأقارب. لقد كان موسى لاويًا وفي مَركزه الحالي هو رئيس قبيلة اللاويين. هذا هو جوهر القبلية؛ فالدم أثخن من الماء أو أي شيء آخر في هذا الشأن.
أَخَذ كل واحد من اللاويين سيفًا وانطلقوا لقَتل ثلاثة آلاف من عَبدة العجل. ويبدو من الصياغة أنهم لم يقتلوا غير اللاويين فقط، بل زملاءهم من اللاويين أيضًا الذين استسلموا لعبادة الأوثان. ثم في الآية تسعة وعشرين، يُوجّه موسى بيانًا مذهلاً إلى الذين قاموا بالقتل: بعدم تَرككم حتى أبناءكم، تكونون قد كرّستم أنفسكم لله. هذا يعني أنّك خُيِّرت بين طاعة يَهوَه وإعدام ابنك بسبب عبادة الأوثان بأمر منه، فاخترت طاعة الله على رغباتك الخاصّة. وهذا ما يُميزك. هؤلاء اللاويون في هذه اللحظة انقسموا عن بقية بني إسرائيل، وتكرّسوا ليصبحوا كهنة الله. سيتم تأكيد ذلك في احتفال رسمي قريبًا.
بالمناسبة: اللاويون يُعبّرون عن تناقض مثير للاهتمام في الشخصية. بالعودة إلى سِفِر التكوين عندما كان يَعقوب ينطق بمباركة فراش الموت على أولاده قال لشمعون ولاوي أنّ العنف سيُلاحقهم. لكنه أخْبَرَهم أيضًا بشيء آخر يتحقق الآن.
قراءة سِفِر التكوين الإصحاح سبعة الآية خمسة إلى تسعة وأربعين
"شمعون ولاوي أخوان تربطهما بسلاح العنف. لاَ تَدَعُونِي أَدْخُلُ مَجْلِسَهُمْ، وَلاَ تَصِلُوا كَرَامَتِي بِشَعْبِهِمْ، لأَنَّهُمْ فِي غَضَبِهِمْ قَتَلُوا رِجَالاً، وَفِي هَوَاهُمْ شَوَّهُوا بَهَائِمَ. مَلْعُونٌ غَضَبُهُمْ، لأَنَّهُمْ قاسي. سَأُفَرِّقُهُمْ فِي يَعْقُوبَ وَأُشَتِّتُهُمْ فِي إِسْرَائِيلَ".
كان لاوي وشمعون هما اللذان قادا الغارة على مدينة شكيم العاجزة انتقامًا لإغتصاب ابن الملك ابنة يعقوب (أختهم) دينا. فذبحوا جميع الذكور، وقتلوا الماشية، واستعبدوا النساء والأطفال الذين نجوا من الذبح. ونتيجةً لهذه الفظاعة قال يعقوب إنّ شمعون ولاوي سيَجدان مصيرهما في التعامل الدائم بالدم والعنف.
ولكن يَعقوب أعلن عن أكثر من ذلك فيما يَخص هذين الابنين: هنا يَظهر الآن معنى "سأقسمهم في يعقوب". هنا في سِفِر الخروج اثنان وثلاثين ينقسم اللاويون عن بقية بني إسرائيل…. أي أنهم ينقسمون في يعقوب (تذكروا أن إسرائيل ويعقوب مترادفان). ثم يتمّ استخدام طبيعتهم العنيفة بشكل جيد حيث يقتلون العديد من عَبدة العجل، حتى أولادهم. الجزء الثاني من بَرَكة يعقوب النبوية، حيث سيتشتت لاوي في إسرائيل، سيحدث في نهاية الأربعين سنة في البرية عندما تُقسم أرض كنعان بين قبائل إسرائيل……لكن اللاويين لا يحصلون على أي أرض. بدلاً من ذلك سوف يَتشتتون في جميع أنحاء أراضي القبائل الأخرى، ويُعطون ثمانية وأربعين مدينة ليعيشوا فيها، ولكن تحت رعاية السلطات القبلية المختلفة.
وأعتقد أنه من المثير للاهتمام أيضًا أنّ اللاويين، الذين سيُصبحون على وشك أن يصبحوا كهنة، سيكونون هم الذين سيَتعاملون مع الدم والقتل بشكل يومي……ولكن هذه المرّة ستكون التضحية بالدم. كما ترون القتل الذي يُسميه الله عدلاً ليس قتلاً. لكن القتل خارج ما يُسميه الله عدلاً هو قتل. الله يَخلق الحياة كلها. أما كيف تنتهي فهي من اختياره. ما فعله بنو لاوي في شكيم كان ظالمًا، كان قتلًا، وكانوا تحت لعنة الله لفعلهم ذلك. ولكن عندما وقفوا إلى جانب موسى، وأطاعوا الله، وقتلوا هؤلاء الثلاثة آلاف شخص حُسِب لهم ذلك بَرَكة كما جاء في نهاية الآية تسعة وعشرين. لن يَتغيّر المصير العام لبني لاوي عمّا أعلنه يعقوب، ولكنّ طبيعة التبلور كانت ستَتغير. سيتعاملون بالفعل في الدم والقتل؛ ولكن بدلاً من أن يكون قتلاً ظالمًا ضد الله، سيكونون الآن كخدام الله، لا ينفذون مجرد قتل مبرر……ولكن القتل الذي جلب التبرير والتكفير أمام الله نيابةً عن إسرائيل. الله يُعلن ما هو مقدّس وعادل…….كل ما عدا ذلك ليس مقدسًا وليس من حقنا أن نغير اختياراته.
بعد الإعدام الجماعي لعَبدة الأوثان، أوضح موسى أن إسرائيل قد أخطأ في حق يَهوَه، ونقض العهد، وعليه الآن كوسيط أن يَتوجه إلى الله ليرى إن كانت هناك طريقة للتكفير عن هذا الفساد، والأهم من ذلك، إعادة تأسيس العهد الموسوي.
يَصعد موسى مرة أخرى إلى قمة الجبل، ويتوسّل إلى الله أن يمحوه من سِفِر الحياة إلى الأبد، إذا كان هذا هو المطلوب لكي يُغفر للشعب خطيئته العظيمة.
وردًا على ذلك يَضع الرب المبدأ القائل بأن الإنسان مسؤول عن خطاياه، ولذلك يَرفض أن يُقدم موسى حياته كفارة عن خطايا إسرائيل. يجب معاقبة الخطيئة.
لا يوجد بديل. هؤلاء الـثلاثة آلاف الذين قُتلوا بالسَيف على يد اللاويين لم يكونوا سوى غَيض من فَيض. كان عدد أولئك الذين شاركوا طواعية في عبادة العِجل أكبر بكثير، ولذلك أرسل الله الطاعون عقابًا ومات الكثير من العبرانيين بسبب المرض.
سنَتبع موسى إلى الجَبل في الأسبوع القادِم في الإصحاح ثلاثة وثلاثين.