سفر الخروج
الدرس الحادي عشر – الإصحاحان إثنا عشرة وثلاثة عشرة
رأينا في الأسبوع الماضي أن ملك مصر أطلق سراح شعب الله أخيرًا، ولكن ليس قبل أن تُدمّر مصر. ماتت الماشية، ودُمّرت محاصيل الحقول والأشجار، والآن مات مئات الآلاف من الذكور المصريين….. بما في ذلك وريث عرش فرعون نفسه……
وغادر شعب إسرائيل مصر في عيد الفصح في شهر نيسان. لذا، بينما يَحتفل المؤمنون بعيد الفصح كيوم خلاص شخصي بسبب موت يسوع الفدائي، ينظر الشعب اليهودي إلى عيد الفصح (بيساخ بالعبرية) كيوم خلاص وطني من مصر. في الواقع، كان الفداء الوطني لمصر ظلًا للفداء الشخصي الذي سيُقدمه يسوع المسيح بدمِه.
دعونا نعيد قراءة القليل من الإصحاح الثاني عشر لِنبدأ درسنا.
إعادة قراءة سفر الخروج الإصحاح تشعة وعشرين على إثني عشرة – النهاية
نقرأ هنا عن مكان إسمه سوكوت. والآن، إذا كان إسم سوكوت يبدو مألوفاً، فهو كذلك. لقد ذهبنا أنا وبيكي، كما فعل الكثير منكم، إلى إسرائيل للإحتفال بعيد المظال التوراتي، المعروف أيضًا بالعبرية بإسم سوكوت. هذا العيد الذي يتم الاحتفال به في الخريف هو الخاتمة الكبرى لإنهاء دورة الأعياد السنوية. سوكوت، كما يُعرف معظمكم الآن، يعني "الأكشاك" أو "الأكواخ". والفكرة هنا هي مأوى مؤقت أو مكان توقّف مؤقت…… مكان تمرّ به في طريقك إلى مكان آخر.
قيل لنا أيضًا، في الآية السابعة والثلاثين، أن حوالى ستمئة ألف رجل (دون احتساب الأطفال) كانوا يشكلون المجموعة التي تركت رعمسيس. إذًا، انطلاقًا من هنا، كيف توصّل العلماء إلى احتساب اثنين إلى ثلاث ملايين ونصف شخصاً ويقولون أنهم شاركوا في الخروج؟ حسنًا، أولاً، عدد ال الستمئة ألف هم رجال فقط ولا يشمل الأطفال. لكنه لا يشمل النساء أيضًا. كما أنه لا يَشمل كبار السن. وإليكم السبب: القاعدة العبرية في الإحصاء السكاني كانت تحصي فقط الرجال في سنّ يمكن أن يكونوا فيه جزءًا من الجيش…… أي الذكور في سِن لا يكونون فيه صغارًا جدًا ولا كبارًا جدًا في السن، بحيث لا يستطيعون القتال. لذا، فإن السِتمئة يتألفون من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين عشرين وخمسين سنة تقريبًا. لم يتم إدراج أي أطفال من أي من الجنسين. لم يتم احتساب أي امرأة ولم يتم تضمين أي ذكور تزيد أعمارهم عن خمسن عامًا تقريبًا. إذا كان لكلّ رجل زوجة واحدة فقط، وكان لبعض الرجال في ذلك الوقت أكثر من زوجة واحدة (وبالطبع لم يكن لدى البعض الآخر أي زوجة)، تتضاعف الستمئة ألف لتصبح مليون ومئتي ألف. إذا كان لكل زوجين طفلان فقط (ونحن نعلم أن الأسرة المتوسطة كان لديها أكبر عدد ممكن من الأطفال)، فإن عدد مليون ومئتي ألف سيتضاعف إلى مليونين وأربمئة ألف. ولكن، هذا فقط يَحتسب أولئك الإسرائيليون الذين عاشوا في أرض جوشن، بالقرب من رعمسيس. عاش آلاف آخرون في جميع أنحاء مصر وانضموا إلى بني إسرائيل خلال رحلتهم. ليس ذلك فحسب، بل توضح الآية الثامنة والثلاثين أنه بالإضافة إلى بني إسرائيل، ذهب معهم أيضًا "جمعٌ مُختلط"، أو "حشد مُختلط". مصريون وأجانب من العديد من الجنسيات والأعراق، حيث كان هناك عشرات الآلاف منهم يعيشون في مصر في ذلك الوقت، والعائلات التي كانت تتألف من إسرائيليين تزوّجوا من مصريين، ربما قبل عدّة أجيال، واستمروا في الانتماء إلى إسرائيل بشكل هامشي (إذا أتيحت لك الفرصة، لمَ قد ترتبط بطبقة السخرة؟) ……كل هؤلاء انضموا إلى إسرائيل. لهذا السبب أرسى الله التعليمات والأحكام المتعلقة بما يسمى "الغرباء" (بالعبرية، جر) الذين ينضمون إلى إسرائيل، ويتخلّون عن انتماءاتهم القبلية السابقة (ونظريًا عن صِلاتهم بالآلهة الكاذبة) ويعلنون الولاء لإحدى القبائل الإسرائيلية.
وبالمناسبة، أخذوا معهم (الآية ثمانية وثلاثين) كمية هائلة من المواشي: مواشيهم بالطبع، لأن معظم مواشي المصريين كانت قد ماتت الآن وجثثها مُتعفّنة في المراعي. وشملت جميع أنواع الماشية….. الغنم والماعز والبقر والثيران. هل يمكنك تصوّر هذه الهجرة المذهلة؟ أشك أن العالم شهد مثلها من قبل، ما يعادل سكان ولاية أوريغون بأكملها يغادرون مصر. وأخذوا معهم كل مواشيهم وممتلكاتهم وبعض مؤن الطعام والماء.
لا بد أنه كان مشهدًا رائعًا. كان العالم المعروف بأكمله سيعرف الخبر في وقتٍ قصير…… وربما تساءل إلى أين كانوا متّجهين؛ لأن الحياة لن تكون أبدًا كما سَبق لأولئك الذين يعيشون بالفعل أينما كان شعب إسرائيل ذاهبًا.
عندما وصل الجمع إلى مكان سيطلقون عليه فيما بعد إسم "سوكوت"، وتَوقفوا لفترة قصيرة، خَبزوا الخبز من دون الخميرة الذي أمرهم الله بإعداده قبل أن يغادروا. وعلى ما يبدو، لم يكن لديهم سوى القليل من الطعام، لأن الآية تسعة وثلاثين تقول إنهم غادروا مصر من دون أن يكون لديهم الوقت الكافي لجمع المؤن الغذائية الكافية لأنفسهم.
بعد ذلك نكتشف أن المدة التي قضاها شعب إسرائيل في مصر كانت أربعمئة وثلاثين سنة. في حين أن هذا الرقم يختلف إلى حدٍ ما مع سفر التكوين خمسة عشرة على ثلاثة عشرة الذي ينقل عن الله قوله إنهم سيبقون في مصر لمدة أربعمئة سنة، إلا أننا نرى على الأقل أن بني إسرائيل كانوا في مصر لمدة أربعة قرون تقريبًا. ولكن، هناك طريقة أخرى لفهم هذا الأمر وهي أن الكتاب المقدس غالبًا ما يتحدث بالأرقام المستديرة. لقد رأينا للتو بضع آيات حيث كان هناك ستمئة ألف ذكر في سفر الخروج. بالطبع، لم يكن العدد ستمئة ألفاً على وجه التحديد، هذا مجرّد رقم مستدير، وكذلك الأربعمئة سنة. ومع ذلك، تقول الآيتان أربعين وواحد وأربعين إنها كانت أربعمئة وثلاثين سنة. هذا ليس رقماً مستديرًا. لذا، لا يوجد سبب لاعتبار عدد السنوات أربعمئة وثلاثين بالضبط. ولكن، افهموا أمرًا آخر: حسب التقويم القمري، السنة هي ثلاثمئة وأربعة وخمسين يوماً. حسب تقويمنا الحديث الذي مدته ثلاثمئة وخمسة وستين يومًا، فقد كانوا في مصر أقل بقليل من أربعمئة وسبع عشرة سنة.
يَستخدم الكتاب المقدس بشكل عام التقويم القمري اليهودي. وعلاوةً على ذلك، يصرّ العديد من الحاخامات على أن بعض السنوات الأربعمئة التي قضاها شعب إسرائيل "في مصر" تشمل فترة وجود إبراهيم هناك. لذا، هناك خلاف حول هذا الأمر. يرى بعض العلماء (اليهود والمسيحيين على حد سواء) أن الفترة الزمنية منذ وصول يعقوب إلى مصر بالضبط، إلى اليوم الذي قاد فيه موسى إسرائيل إلى البرّية، كانت أقرب إلى مشتين وخمسين سنة.
يعجبني التعبير المستخدم لوصف خُروج بني إسرائيل من مصر؛ فقد كانوا يُسمّون "جنود الرب". أو في بعض النسخ، "كل فرق الرب". من العبرية الأصلية حرفيًا، العبارة هي "قوات يهوه". في الواقع، الكلمة العبرية المُستخدمة لوَصف الجنود أو الفِرق أو القوات هي "تسابا". تسابا تعني في الواقع الجند، أو القوات، لأن معناها عادةً ما يكون عسكريًا. دعا الله بني إسرائيل، جَيشه. ويستخدم الكتاب المقدس مصطلحًا مشابهًا في بعض الأحيان لوصف "جند السماء" أي الملائكة. وبالفعل، الملائكة هم جيش الله الروحي.
تقول الآية إثنين وأربعين أن الله كان يَحرس بني إسرائيل عند خروجهم من مصر، أي أنه كان يحميهم ويحرسهم ويرعاهم. تبدأ الآية ثلاثة واربعين بتعليمات حول من يحق له المشاركة في الفصح اليهودي. وتبدأ مباشرةً بالإشارة إلى أنه لا يمكن لأي غريب أن يشارك. ومع ذلك، يمكن لعبد إسرائيليّ أجنبيّ المشاركة، شريطة أن يكون مَختونًا (دلالة على أنه انضمّ إلى بني إسرائيل). لا يجوز للمُسافر، أو الزائر، أو حتى الضيف المنزلي، أن يشارك إذا لم يكن من بني إسرائيل.
ثم، في الآية ستة وأربعين، جاءنا الأمر بعدم كسر أي عظمة من عظام كبش الفصح. وبالطبع، هذا ما تم التأكيد عليه في الأناجيل، أنه على الرغم من الضرب والإعدام بالصلب الروماني لم يُكسر عظم واحد من جسده…..وهو بالمناسبة ظَرف غير عادي لأنه كان من المعتاد كسر عظام رِجلي المحكوم عليه بالصلب على الطريقة الرومانية كوسيلة للإسراع في الموت.
والآن، انظروا إلى الآية تسعة وأربعين: يوضح الله أنه لا يوجد سوى طقس واحد، وشريعة واحدة، فيما يتعلق بالفصح اليهودي. لا يوجد فصح "أ" لبني إسرائيل بالفطرة، وفصح "ب" للأغراب الذين أعلنوا ولاءهم لإسرائيل….. أولئك الذين انضمّوا إلى إسرائيل. كل الذين هم مواطنين من إسرائيل، بغض النظر عما إذا كانت فيهم جينات إبراهيم وإسحاق ويعقوب أم لا، يجب أن يُعتبروا متساوين أمام الله عندما يتعلق الأمر بالأمور الروحية.
لقد غطّيت هذا الموضوع معكم من قبل، ولكن بينما نختتم الإصحاح الثاني عشر، فإنه يستحق التكرار؛ نفهم الآن أن يسوع هو أسمى تحقيق للفصح اليهودي، وأنه هو كبش الفصح الذبيحة للجميع، وأن أولئك الذين وُلدوا خارج سلالة نسب إبراهيم (الأمم غير اليهود)، المولودين خارج عائلة إسرائيل الطبيعية، طُعّمنا منها، والتحقنا بـأمة الناس الذين هم من سلالة إبراهيم عند قبول المسيح. ولكن……هذا من الناحية الروحية. بالنسبة لله، الأعضاء الحقيقيين في شعب إسرائيل المثالي هم كل الذين يثقون به. والثقة به تعني قبول يسوع كمسيح.
افتحوا الكتب المقدسة على رومية تسعة. سنأخذ لحظة واحدة فقط لنرى كيف تظهر معاني هذا المبدأ المنصوص عليه هنا في سفر الخروج إثني عشرة في المسيح؛ سنرى ما يقوله بولس عن كل هذا لأنه هنا، في سفر الخروج تم وضْع الأساس، المبدأ الأساسي، مبدأ انضمام المؤمنين الأُمميين غير اليهود (الأجانب، الجر، بمصطلحات الكتاب المقدس) إلى إسرائيل للمشاركة في عهودها.
اقرأ روميه تسعة على ستة الى ثمانية ومن ثلاثة وعشرين الى ستة وعشرين ومن ثلاثين الى إثنين وثلاثين.
حسناً. بدأتم تلاحظون مَقصدي. الآيتان سبعة وثمانية مهمّتان للغاية لأنهما تعرّفان عن "نسل إبراهيم" (أي المعنيون بالوعود التي قُطعت لإبراهيم)؛ وبنفس القدر من الأهمية، من هم نسل إبراهيم الذين لم يكونوا كذلك! ونكتشف أن نسْل إبراهيم الجسدي لا يُعتبرون جميعًا "نسله"، بل فقط أولئك الذين يأتون من نسل إسحاق. من كان ليَظن أنه في عصرنا الحديث سيكون هذا التعريف مهمًا للغاية لتحديد من هم شعب الله على المستوى الجسدي. لأن الإسلام يقول إن إسماعيل أخو إسحق هو الذي سيكون من نسل إبراهيم. وهذا يوضح لكم كيف أن الفرَضية الأساسية للإسلام هي الخداع المطلق. وأذكّركم بأن مؤسّس الإسلام لم يولد حتى بعد خمسة قرون من قول بولس لهذا الأمر؛ لذلك لم يكن بولس يناقش مع العالم الإسلامي لأنه لم يكن موجودًا أصلاً. علاوة ًعلى ذلك، في الآية ثمانية، نرى أنه من الناحية الروحية، لا يُحسب كل النسل الشرعي الجسدي (نسل إسحاق) "نسل ابراهيم" أيضًا. أنتقل الآن بسرعة إلى رومية إثنين على خمسة وعشرين.
قراءة في رومية إثنان على خمسة وعشرين الى تسعة وعشرين
لاحظ المفتاح هنا: يرى الله إسرائيل الحقيقي….الذي هو المثل الأعلى السماوي لإسرائيل….. ككيان روحي. لذلك، مع مجيء المسيح، يرى الله إسرائيله كجماعة من المؤمنين اليهود والأُمميين غير اليهود. بالتأكيد هو يرى ويعترف بأمّة إسرائيل الجسدية (نسل إسحاق ويعقوب)، الشعب المولود كإسرائيلي بالفطرة، إسرائيل المادي، إسرائيل القومي. لكن هذا اللقب منفصل عن "إسرائيل الله" الذي هو كيان روحي أبدي.
الآن، تذكّروا أنني أخبرْتكم عدّة مرات أن تسمياتنا للإصحاحات والطريقة التي نفصل ونقسم ونرقّم بها مقاطع الكتاب المقدس هي اعتباطية وتتم ببساطة من أجل أن نكون قادرين على الإشارة إلى كتاب أو مقطع معيّن. في الأصل، حين كانت مكتوبةً على لفائف طويلة، كانت أسفار الكتاب المقدس غير مقسّمة…..كان كل سفر وكأنه عمل واحد طويل متصل. في الواقع، لم يكن للأسفار في الأصل أسماء. لذا، عندما يكون لدينا هذا الميل إلى التوقف على موضوع معيّن في نهاية إصحاح، ثم نشعر وكأننا نبدأ بموضوع جديد في الإصحاح التالي، نحصل على هذه الفكرة المغايرة عما يحدث.
في هذه الحالة فإن رومية إثنين تستمر ببساطة مع رومية ثلاثة. لذا، اسمحوا لي أن أقرأ لكم رومية إثنين على أربعة وعشرين حتى رومية ثلاثة على أربعة، دون توقف، كما كُتبت في الأصل.
قراءة في رومية إثنين على أربعة وعشرين الى ثلاثة على أربعة.
لاحظوا كيف أن بولس يتأكّد من فهمنا الإختلافات الجسدية والأغراض التي خلقها الله لشعبه المختار، إسرائيل، تبقى سليمة. وتبقى سليمة بعد مجيء يسوع وذهابه. إسرائيل، إسرائيل المادي (الجسدي)، يبقى محوريًا بين غايات الله، ويبقى مميّزًا وقيّمًا بالنسبة له.
إذًا، هنا في هذه الآيات القليلة الأخيرة من رومية إثنين والآيات القليلة الأولى من رومية ثلاثة، نحصل على هذا المبدأ الإلهي المستورد، الذي يميل إلى العبث بِعقولنا: فيما يتعلق بكل مبدأ من مبادئ الله وأوامره، هناك مستوى أرضي جسدي ملموس من جهة، وهناك مستوى سماوي روحي من جهة أخرى. هذا ما أسمّيه "الازدواجية" …. أو، حقيقة الازدواجية (ثنائي بمعنى اثنين)؛ في هذه الحالة، هناك "مستويان" لإسرائيل: جسدي وروحي. كلاهما حقيقي، وموجودان في وقت واحد، ومرتبطان عضويًا؛ ومع ذلك، ليس كل من هو جزء من إسرائيل الجسدي ينتمي إلى إسرائيل الروحي، وليس كل من هو جزء من إسرائيل الروحي هو من إسرائيل الجسدي. تمامًا كما هو الحال مع عيد الفصح اليهودي، هناك طقوس ومعنى دُنيوي أُمر موسى بأدائها، ثم هناك جانبه الروحي الكامل الذي تحقّق بموت يسوع.
يتألف الجانب المادي من إسرائيل من أمّة إسرائيل الأرضية وشعبها؛ الناس الذين نشير إليهم اليوم باليهود. إسرائيل الروحي يتألف من جميع أولئك اليهود والأمم غير اليهود، الذين يؤمنون بالله…..أي أولئك الذين قبِلوا مسيح الله، يسوع المسيح.
هل بدأتم بربط الأمور؟ آمل ذلك. أدرك أن الأمر قد يكون صعبًا للفهم بالكامل. والآن، اسمحوا لي أن أتناول مسألة أخرى أصبح من الضروري أن يستوعبها المؤمنون بسبب المرحلة التي نجد أنفسنا فيها في تاريخ البشرية: الكنيسة تتكون من جميع المؤمنين، الأمم غير اليهود والعبرانيين. ليس هناك مؤمنون يهود بمعزل عن المؤمنين الأمم، فالمؤمن عند الله هو مؤمن. لا يهم إن كان المؤمنون اليهود يذهبون إلى كنيسة أممية أو كنيس يهودي مسيحاني، (كما يفعل الكثيرون) أو كنيسة أممية تقليدية. …. هذه مجرد تقسيمات ومنظمات من صنع الإنسان.
الأمر هو كما يلي: على مرّ القرون، تغيّر معنى مصطلح "الكنيسة". تذكّروا أن الكنيسة هي ببساطة الترجمة الإنجليزية المختارة للكلمة اليونانية "إكليسيا"، وهو ما يستخدمه العهد الجديد غالبًا عند الإشارة إلى المؤمنين. للأسف، مع مرور الوقت، فقد مُصطلح الكنيسة معناه الحقيقي. الكنيسة هي الشعب. عندما يشير الكتاب المقدس إلى الكنيسة، إكليسيا، فهو يشير فقط إلى الناس، إلى البشر الذين خَضعوا ليسوع المسيح. لا علاقة للكنيسة بالمباني والأماكن والأنشطة والمنظّمات المذهبية التي يعيّنها الإنسان. إنه لسوء استخدام فظيع لمصطلح "الكنيسة" عندما نشير إلى المكان الذي نذهب إليه للعبادة بإسم "الكنيسة". إنه لسوء استخدام فظيع لمُصطلح "الكنيسة" عندما نشير إلى ما يفعله الكثيرون يوم الأحد على أنه "الذهاب إلى الكنيسة". الكنيسة هي المؤمنون. أنتم الكنيسة. أنا الكنيسة. الأممي الذي يؤمن بالمسيح هو الكنيسة، والإسرائيلي… أو كما نسميه اليوم، اليهودي…. الذي يؤمن بالمسيح هو الكنيسة. لسوء الحظ أدى سوء استخدامنا لمصطلح الكنيسة إلى هذه الطريقة في التفكير التي تعني أن اليهود، الإسرائيليين، العبرانيين، الذين يثقون بيسوع هم في فئة أو فئة مختلفة عن الأمميين الذين يثقون بيسوع. هذا مفهومٌ خاطئ. الله حاول بِجهد كبير أن يدخل هذا الأمر في أدمغتنا من خلال موسى في سفر الخروج، ومن خلال بولس في رومية ومن خلال المسيح في الأناجيل ومن خلال العديد من الأنبياء.
هل يُشكل كل هذا فرقًا بالنسبة لنا؟ بالتأكيد يُحدث فرقًا. لأنه يوضح مدى ارتباطنا بإسرائيل بكل طريقة يمكن تخيّلها. إنه يشرح كيف يجب على أجساد المؤمنين، الكنيسة، أن ترى بنفسها؛ أن هويتنا الحقيقية هي كجزء من إسرائيل الروحي. ليس كإسرائيل "جديد". ليس كبديل لإسرائيل. بدلاً من ذلك، يُشكل المؤمنون المثل الأعلى الروحي الذي يمثل كل ما تصوّره الله لمجموعة من الناس خصّصهم له….إسرائيل.
قراءة الفصل الثالث عشر بكامله
"بعيدًا عن جميع الأبكار". سنرى في الإصحاح الثالث عشر بعض المبادئ الكتابية التي وضعها الله والتي ستلعب دورًا كبيرًا في العهد الجديد الذي سيتحقق في المسيح يسوع.
ولكن قبل أن نَصل إلى هذا الموضوع، لاحظوا أن التعليمات قد أُعطِيت بشأن توقيت بدء التغييرات في عيد الفصح اليهودي، أو بالأحرى الإضافات على مهرجان عيد الفصح. يجب أن يبدأ بعد دخول بني إسرائيل إلى أرض كنعان. أو، كما يقول الكتاب المقدس، في أرض الكنعانيين والحثيين والعموريين والحائيين واليبوسيين. وعيد الماتزا هذا يقام خلال أسبوع عيد الفصح… في الواقع، يبدأ في الرابع عشر من نيسان، عيد الفصح، ويستمر حتى الحادي والعشرين من نيسان. هناك أمر إضافي يتعلق بعيد الخبز من دون خميرة هذا (ماتزا): عليكم أن تزيلوا كل الخمير من بيوتكم؛ ومن أراضيكم. وهذا يعني أنه بمجرّد دخول بني إسرائيل كنعان، خلال هذا العيد، لا يمكن أن يكون هناك أثر لأي خمير في أي مكان في جميع أنحاء الأراضي التي تملكها قبائل إسرائيل. وفي الآية الثامنة، يُقال للشعب أن رواية خلاص الله لبني إسرائيل من مصر يجب أن تُعلّم للأطفال.
والآن، كلمة سريعة عن هذه الشعوب المختلفة التي كانت تحتل أرض كنعان: الكنعانيون هم عشرات القبائل والعشائر التي تناسلَت من حفيد نوح ذو السّمعة السيئة، كنعان. تذكّروا أن الله لعن كنعان عن طريق نوح، وكانت مُعظم تلك اللعنة نتيجة للعنة والد كنعان وابن نوح، حام. وكان الكنعانيون يمثلون، في ذلك الوقت، غالبية سكان تلك الأرض غير مُرسّمة الحدود، أرض كنعان. يرجى التذكير بأن أرض كنعان لم تكن أمة ذات حدود سيادية، بل كانت مجرّد مساحة من الأرض أُُطلق عليها إسم عام من أجل تحديد الهوية. لقد كانت مِنطقة يسكنها في الغالب أحفاد كنعان، لكن عددًا كبيرًا من هؤلاء الأحفاد شكّلوا مجموعات شعبية مستقلة خاصة بهم، وأصبح العديد منهم دُويلات صغيرة، لكل منها ملِكها الخاص وعادة ما كان لها مجموعة آلهة خاصة بها.
لم يكن الحثيون من السكان الأصليين لأرض كنعان. بل كان الحثيون ثقافة قوية للغاية سَيطرت على معظم ما يعرف اليوم بتركيا وسوريا وشمال العراق وغرب إيران. وبينما كانت لهم مستوطنات ونفوذ في أرض كنعان، إلا أنهم لم يكونوا مُسيطرين هناك. لا يوجد اتفاق واضح بين علماء الكتاب المقدس أو المؤرخين حول أسلاف الحثيين. يعتقد البعض أنهم من حام، والبعض الآخر من يافث والبعض الآخر يقول إنهم ساميون من شام. لكن دراستهم جديدة نوعًا ما لأنه حتى عام ألف وثمانمئة كان الذِكر الوحيد لمجموعة من الناس تدعى الحيثيين موجود في الكتاب المقدس فقط، وبالطبع، بالنسبة للعديد من الأكاديميين كان ذلك يعني أن من كَتبوا الكتاب المقدس هم من اخْتلقوا هذه الكلمة.
تخيّلوا دهشتهم بعد أن تمّ الكشف عن الثقافة الحيثية التي وُجدت كبيرة ومُهيْمنة، ولديها لغة مكتوبة متطوّرة تتشابه كثيرًا مع اللغة العبرية، كما أن سجلات الحيثيين أنفسهم أكّدت نصوص الكتاب المقدس المتعلقة بِعصر الآباء.
كان الحيويون والعموريون من نسل كنعان. ولكن، كانوا قد جَمعوا ما يكفي من السكان والقوة، لتبرير الحديث عنهم كأمم منفصلة من الناس. إذا كنتم تتذكّرون، فإن الشعب الذي كان يسكن مدينة شكيم، حيث توقف إبراهيم لأول مرة في كنعان، وبعد ذلك حاول يعقوب الإستقرار فيها، تم تحديدهم في الكتاب المقدس على أنهم الحويون.
كان اليبوسيون أيضًا من سلالة كنعان، ولكنهم كانوا يَسكنون بلاد التلال في جنوب كنعان، بينما كان الحويون يَسكنون السهول. يرجع الفضل إلى اليبوسيين في كونهم مؤسّسي مدينة شليم، التي سُميت فيما بعد أورشليم، وكانوا يسيطرون على المدينة عندما أخذها داوود منهم حوالى عام ألف قبل الميلاد.
الأمر الأساسي الذي يجب أن نفهمه هنا هو أنه بعد الطوفان العظيم، أُعلن أن الناس الذين سَمح لهم الله أن يسكنوا الأرض التي سيُعطيها في النهاية لنسل إبراهيم قد لُعِنوا لأنهم كانوا من نسل كنعان.
الشيء الذي يصعب علينا أن نقبله أحيانًا هو أن الله القدير قد سمح بلعن بعض الناس (أو يُفتدوا، إن شئتم)، لكي يتم فِداء آخرين. نسمع الرب يتحدّث عن مصر باعتبارها فدية لشعبه إسرائيل. بعبارة أخرى، من أجل أن ينفذ شعب إسرائيل نصيبهم من خطة الله الكبرى؛ جعل الله مصر تدفع ثمنًا باهظًا. ونرى نفس الشيء يحدث هنا، حيث سيصبح كنعان قريبًا فِدية لإسرائيل……إن بني كنعان سيدفعون ثمنًا باهظًا بفقدان أرضهم حتى يحصل شعب إسرائيل على الأرض التي خصّصها الله لنفسه ووُعد بها إبراهيم.
دعونا لا ننسى أبدًا، أيها الإخوة المؤمنون من أمم غير اليهود، أن شعب إسرائيل أيضًا دفع، ويدفع ثمنًا باهظًا جدًا حتى نتمكن من الانضمام إلى العهود التي أعطاها الله لإسرائيل. لقد أُعطيت لهم كلمة الله ليحفظوها حيّة، على حساب أكبر اضطهاد على الإطلاق مستمر ومتواصل لشعب عرفه العالم. في النهاية تحجّرت قلوبهم، لفترة من الزمن، من أجل الأمم غير اليهود… ليؤخذ الإنجيل إلى العالم الأممي كله. لهذا السبب لم يكن من شأن شعب إسرائيل أن يفتخروا أو يتكبروا بمكانتهم السامية أمام الله وهم ينظرون إلى ما فَعله الله بِمصر وبكنعان، ثم بآشور ثم بابل ثم فارس ثم اليونان ثم روما، كل ذلك من أجل إسرائيل؛ ويخبرنا بولس نحن المؤمنون الأمميون غير اليهود أنه لا شأن بالظن أننا أفضل من بني إسرائيل، الذين استخدمهم الله ويستخدمهم لأغراضه، لأن الله أعطانا مهمّة نشر الإنجيل.
انظروا إلى كل ما كان يجب أن يَحدث حتى قبل مجيء المسيح. كل ما كان يجب أن يكون قد أُعِدَّ، أممٌ بُنيت ودُمِّرت، شعوبٌ بأكملها أُهلكت، اضطهاد اليهود….. "عصر الكنيسة" كما نحبّ أن نسميه، أو زمن الأمم كما يشير إليه الكتاب المقدس، تلك الألفين سنة التي انقضت منذ المسيح، هي فقط لوقت ولغرض في مخطّط الله العظيم للأشياء، فإن نَشْرنا للإنجيل هو مجرّد قطعة واحدة من لغز كبير جدًا، لعبت فيه العديد من الشعوب والأمم الأخرى أدوارًا منذ بداية العالم. علينا أن نتذكّر أن الإنجيل يتعلق في المقام الأول بالفِداء. والفداء ليس هو خطة الله النهائية؛ الفداء ليس كل شيء ونهاية كل مقاصد الخالق الإلهية؛ الفداء هو مجرد خطوة، من بين خطوات أخرى كثيرة سابقة، على طول الطريق إلى المرحلة النهائية من رؤيته المقتضية بكون كامل مليء بالكائنات التي تحبّه وتتواصل معه، إلى الأبد.
والآن، في الآية التاسعة، نصل إلى بعض الكلمات التي أدّت إلى ممارسة غريبة لدى اليهود الأرثوذكس. إنها تذكر "أن يكون على يدك علامة وتذكيراً بين عينيك"، وتتكرّر في الآية السادسة عشرة. لا أحد يعرف بالضبط متى بدأ هذا التقليد، ولكنه بالتأكيد كان موجوداً في أيام يسوع. ربما رأيتم جميعًا صورًا لبعض اليهود الذين يرتدون هذه العُصابة الغريبة على الرأس مع صندوق أسود صغير متصل بها يتوسط جباههم. ونفس هؤلاء اليهود يلفّون رباطًا جلديًا حول ساعدهم ومعصمهم، مع صندوق أسود صغير متصل به أيضًا. حسنًا، هذه هي الطريقة التي فهم بها اليهود الأرثوذكس معنى الآيتين التاسعة والسادسة عشرة.
تُسمى هذه اللفائف تيفيلين بالعبرية، واللفائف باليونانية. تحتوي هذه العلب السوداء على لفائف صغيرة مكتوب عليها بعض آيات الكتاب المقدس والصلوات المنصوص عليها في العهد القديم: من المُتعارف عليه أنهم يستخدمون الآيات من واحد الى عشرة ومن إحدى عشرة الى ستة عشرة من سفر الخروج ثلاثة عشرة، والآيات من أربعة الى تسعة من سفر التثنية سَتة، والآيات من ثلاثة عشرة الى واحد وعشرين من سفر التثنية الحادي عشرة. إذًا، لقد أخذوا هذا الأمر بمعانيه الحرفية.
والآن، ابتداءً من الآية الحادية عشرة، يُقال المزيد عن هذا التخصيص للأبكار. ونُذكّر أنه عندما الكتاب المقدس يتحدّث عن الأبكار، فإنه لا يعني أي بكر، بل يعني (آسف يا سيدات) الأبكار من الذكور فقط (مهلاً، أنا لا أضع القواعد). ثم نرى بعد ذلك أن هذا يشمل الحيوانات وكذلك البشر، ثم ينتقل للحديث عن الحمار الذي سيُفتدى بحمل. هذا أمرٌ مثير للاهتمام. ما يجري إعداده هنا هو مبدأ الله الكامل للفداء. وضمن مبدأ الفداء سنرى عملية الفداء.
لا أريد أن أتفلسف هنا، ولكن دعونا نتذكر أنه بينما، على الأقل ظاهرياً، الفداء هو مبدأ مألوف جداً بالنسبة لنا نحن المسيحيين، إلا أنه لم يكن مبدأً مفهوم جيدًا في العالم في زمن موسى، تماماً كما لم يفهمه العالم في زماننا. حتى اليهود لديهم نظرة أكثر قومية ومؤسّسية وجماعية للفداء؛ فهم لا يرون أن هدف المسيح هو تخليص النفوس الفردية من الأبدية النارية، بل يرون أن المسيح يعيد إسرائيل إلى المجد والقوة كأمة ويؤسّس مملكته المادية على الأرض حول إسرائيل الملموسة.
منذ زمن موسى فصاعدًا، أصبح من المتعارف عليه أنه في غضون ثلاثين يومًا من ولادة الابن البكر يدفع الأب لرئيس الكهنة (أو من ينوب عنه) مبلغًا من المال لفداء ابنه.
لاحظوا التباين القائم هنا: في مصر، كان أبكار مصر يُستبعدون ويُعدّون للموت. أما في إسرائيل فكان أبكار بني إسرائيل مخصّصين للحياة وخدمة الله. في مصر، تم إبعاد الأبكار والتضحية بهم وقتلهم وفداؤهم من أجل فداء إسرائيل. في إسرائيل، الأبكار، قد تم تمييزهم للتضحية بهم لله… ولكن، بشروط الفداء، تم استعادتهم مرة أخرى. تذكر كيف أخذ إبراهيم إسحق إلى المذبح على جبل موريا ليقدمه كذبيحة لله، ولكن الله افتدى إسحق، بأن استبدل به كبشًا (الذي كان "نوعًا" أصبح الفصح اليهودي على شاكلته) ولم يُقتل إسحاق؟ مرة أخرى، ما كان أساس الفداء؟ كان عن طريق الاستبدال. إن مفهوم الفداء بأكمله لا يتعلق فقط بالخلاص، أو الاستعادة. إنه في بعض الأحيان، وهو كذلك في هذه الحالة، يتعلق بالاستبدال.
لا أريد أن أتعمق كثيراً في موضوع الفداء الآن، ولكن من المهم أن نفهم أن هناك نوعين أساسيين من الفداء الذي يتحدث عنه الكتاب المقدس: الأول هو يقوم به قريب، وهو يتعلق بأفراد العائلة، وغالباً ما يُسمى فداء القريب. في أيام موسى، ولمئات السنين بعده، كان هذا النوع من الفداء يتضمّن عادةً زواج الأخ الحي من أرملة أخيه المتوفى (فداء). ولكن، يمكن أن يشمل أيضًا الأراضي والممتلكات الأخرى. أما النوع الثاني من الفداء فهو استرداد أو استبدال، ولا يتعلق بحقوق أحد الأقارب، بل يتعلق بخلاص يتم عن طريق دفع فدية. في اللغة العبرية، يُسمى هذا النوع من الفداء "بداء"، وهو ما نتعامل معه هنا في سفر الخروج ثلاثة عشرة. ليس هذا النوع من الفداء من نوع فداء الأقارب، وهو في العبرية "غعال".
إذًا، يجب فداء الحمار البكر، وهو حيوان يجب أن يُفتدى، "بَداء"، بثمن (فدية) حيوان طاهر مباح استخدامه كذبيحة: كبش. ولِبني إسرائيل الخيار بين قتل الحمار أو دفع ثمن الفداء. لماذا يختار بنو إسرائيل عدم فداء الحمار؟ إذا كان قد وُلد معيبًا أو ضعيفًا أو ربما لم يكن لديهم حاجة إلى حمار آخر، أو لأن الكبش كان أكثر قيمة بالنسبة لهم من الحمار. الله يوضح، في الآية الثالثة عشرة، أنه مع الذكور الأبكار من البشر، لا يوجد خيار: الله يقدّر الحياة البشرية لدرجة أن كل بكر ذكر من البشر يجب أن يُفتدى……يجب أن يُدفع ثمن الفداء. أشير هنا إلى أن هذا الأمر بالتأكيد يُعارض فكرة أن الأم لها الحق في إجهاض حياة الطفل الذي لم يولد بعد، إذا اختارت ذلك.
ما الذي يقوله الله بشأن ما يجب أن يقوله بني إسرائيل لتفسير هذه الممارسة المتمثلة في دفع ثمن الفداء عن أبكارهم؟ اقرأوا الآيات الرابعة عشرة والخامسة عشرة: إنه أيضًا تذكير لكل جيل من أجيال بني إسرائيل بأن (أ) الحياة البشرية يجب أن تُفدى، وأن ذلك ينطوي على ثمن؛ و(ب) أن الله استخدم موت أبكار المصريين كثمن رهيب، الثمن الفدائي لإسرائيل، شعبه المختار والمميّز.
إذًا، هنا مبدأ الفداء وعملية الفداء. إذا أردنا أن تتحقق الحياة الحقيقية، التي هي بالنسبة لله حياة أرواحنا (وليس أجسادنا الفاسدة)، فلا بد أن نُفتدى بثمن. والثمن هو الموت البديل؛ ويجب أن يكون البديل ذكرًا ويجب أن يكون بكرًا. هل ترون هذا؟ إن الفرضية الكاملة لموت يسوع البديل من أجلنا هي الآن في مكانها الصحيح. والأمر ليس اختيارياً.
تلخص الآية الخامسة عشرة ما تم تعليمه للتو في الآيات السابقة. دعونا نقرأها مرة أخرى.
قراءة خروج ثلاثة عشرة على خمسة عشرة
في الآية السادسة عشرة، يتكرّر الأمر الذي ورد أولاً في الآية التاسعة بأن تلبسها كعلامة على يدك وبين عينيك على جبهتك….وهو ما أدى إلى استخدام اليهود للتفيلين.
تنقل الآية السابعة عشرة الآن تركيز سفر الخروج إلى الخروج الفعلي نفسه. وتبدأ بالسبب الذي جعل الله يدفعهم إلى سلوك الطريق الذي سلكوه.
أول ما يُسرد لنا هو الطريق الذي لم يسلكوه. إنهم لم يسلكوا طريقًا معروفًا منذ زمن طويل، وهو الطريق الذي يُسمى "طريق أرض الفلسطينيين". لاحظوا أمرين: الكلمات الواردة في الآية السابعة عشرة التي تتحدث عن موقع طريق فلسطين هي "هي أقرب"، مما يساعد على تعزيز موقع الجزء الأكبر من بني إسرائيل أثناء تجمّعهم للخروج من مصر. في الواقع، بدأ طريق الفلسطينيين في مدينة رعمسيس (المعروفة أيضًا باسم تنيس). كان طريق الفلسطينيين طريقًا تجاريًا في المقام الأول. وكانت هناك قلاع مصرية متمركزة في موقع استراتيجي على طول هذا الطريق، سواء لمراقبة مصر وحراستها من الغزو الأجنبي، أو لحماية الأعداد الهائلة من التجار الذين كانوا يسلكون هذا الطريق من عصابات اللصوص التي لا تنتهي من مهاجمة القوافل.
ولكن، ما يدركه الله جيدًا هو أنه إذا سلك بنو إسرائيل هذا الطريق، فمن المحتمل أن فرعون لن يأمر جيوشه المُتمركزة في الحصون المختلفة بمهاجمة بني إسرائيل وإبادتهم فحسب، بل قد يجتمع الفلسطينيون والكنعانيون والحثيون وغيرهم من الشعوب التي تعيش في الشرق الأوسط ضد إسرائيل. لمَ قد يفعلون ذلك؟ الإجابة بسيطة. مع جيش قوامه ستمئة ألف رجل، ومجموعة من ثلاث ملايين شخص يعتبرون أنفسهم، بشكل عام، من أمة واحدة، سيكون لهم تأثير هائل على أيٍ كان وأينما توقفوا واستقروا في النهاية. تخيلوا لو أن سكان كندا بأكملهم قرّروا من جانب واحد أنهم سيهاجرون إلى الولايات المتحدة دفعة واحدة. ستبذل الولايات المتحدة كل ما في وسعها لمنع ذلك، لأن تأثير ذلك على أمتنا سيكون من الصعب حتى حسابه. كان الشيء نفسه على وشك الحدوث هنا، فخروج إسرائيل لن يؤدي فقط إلى تدمير مصر بخسارتهم، بل سيغيّر إلى الأبد ثقافة وموازين القوى أينما حلّوا.
ويمكن للمرء أن يتصوّر أن فرعون سيعرف حقيقة الأمر سريعًا إذا ما سلك بنو إسرائيل طريق الفلسطينيين: لم يكن بنو إسرائيل سيذهبون إلى البرية الصحراوية لمدة ثلاثة أيام لعبادة إلههم، كما كان طلبهم الأصلي لفرعون. كانوا سيغادرون إلى الأبد. لا يوجد في الكتاب المقدس ما يشير إلى أن فرعون قد أُبلغ بأن طلب موسى قد تغير من سفر ثلاث أيام إلى هجرة دائمة لبني إسرائيل. أظن أن هذا كان له علاقة كبيرة بردّ فعل فرعون بإرسال جيوشه وعرباته وراء بني إسرائيل…..عندما أدرك أنه سمح عن غير قصد بفقدان ربع سكان أمته بأكملها، وتقريبًا كل القوى العاملة الماهرة.
على أي حال، كان الرب يعرف شعبه بما فيه الكفاية ليعرف أنه إذا كان عليهم أن يشقوا طريقهم إلى أرض الميعاد فإن الكثير من بني إسرائيل، إن لم يكن معظمهم، سيستسلمون ببساطة ويعودون إلى مصر. العودة إلى الحياة التي عرفوها بدلًا من المخاطرة بالموت في الحرب، أو إلى المجهول العظيم الذي ينتظرهم في كنعان. وهل الأمر غريب عن تصرّف الإنسان؟ نحن نفعل ذلك طوال حياتنا؛ نتردد في الدخول بشكل كامل إلى الحياة الجديدة التي أعدّها الله لنا؛ نحاول دائمًا أن نبقي قدمًا في حياتنا القديمة المألوفة والمريحة، والأخرى في الطريق المتغيّر والمجهول للسير مع الله.
سنواصل في الأسبوع القادم معاينة الطريق المحتمل للخروج.