سِفْرالتَّكوين
الدرس الاول
المقدمة
نَبْدأ اليوم رِحلة قام بها الملايين من العبرانيين والمسيحيّين على مدى الثلاثة آلاف سنة الماضية. سنقوم بدِراسة التَوْراة، التي هي أول وأقدَم قُسم من الكتاب المُقّدَّس العِبْري الأصلي. التَوْراة: كَلِمَة لم يَسمع بها سوى عدد قليل من المسيحيّين وأقلّ منهم من لديهم أي فِكرة عمّا هي في الواقع.
التَوْراة هو الإسم العِبْري لأوّل خمسة أسفار من كتابنا المُقّدَّس: سِفْر التَّكوين وسِفْر الخروج وسِفْر اللاويين وسِفْر العدَد وسِفْر التّثْنية. سنَبْدأ بسِفْر التَّكوين واحد على واحد وتَنْتَقِل مُباشرةً إلى سِفْر التّثْنية أربعة وثلاثين. لكننا سنقوم بشيْء مُخْتَلِف قليلاً. سنقوم بإضافة اليهوديّة التي أُزيلَت خلال الألف وتسعمئة سنة الماضية. لماذا نفعل ذلك؟ لأن الثّقافة واللّغة العِبْرية/اليهودية هي التي أُنشِئت فيها التَوْراة، وفي هذا السِّياق فقط يُمْكِننا أن نَفهَم ما يقوله الله لنا بشكل صحيح. في الواقع، الكتاب المُقّدَّس بأكمله، التَوْراة والعهد الجديد، كَتبهُما العبْرانيون وانْغَمسا بالكامِل في الثقافة العِبْرية. كان موسى، وهو عبراني، من تلَقَّى التَوْراة من الله على جبل سيناء حوالي عام ألف وأربعمئة قبل الميلاد. على الرغم من أنّنا نَعْتقِد عادةً أن موسى لم يتلقَّ من الله سوى اللّوحين الحَجَريَيْن اللذين يحتويان على الوصايا العَشر أثناء قيادَته لبني إسرائيل للخروج من عبوديتهم في مصر، إلا أن الوصايا العشر كانت في الواقع مُجَرَّد جزء صغير من كل ما تلقّاه موسى في تلك الرّحلات العديدة صُعوداً ونزولاً على ذلك الجبل. لقد تلَقَّى موسى في الواقع كل ما هو الآن الأسْفار الخمسة الأولى مِمّا نُسَمّيه العهد القديم.
التَوْراة ليست كَلِمَة سَتَجِدها في أناجيلنا الحديثة، وإنها لمأساة أن يكون الأمْر كذلك. بشكلٍ عام، حيثما ظهرَت كَلِمَة توراة في النُّصوص القديمة، ستَجِد اليوم كَلِمَة "ناموس"؛ هذا خطأ مُحْزِن ومُتعمَّد الى حدّ ما في الترجمة، حدث لأول مَرَّة عندما تُرجِمت الكتب المُقّدَّسة إلى اليونانية وعزَّزته رغبة الكَنيسة الأولى في النأي بِنَفسها عن اليهود. التَوْراة لا تعني "الناموس"؛ إنها تعني "التعليم" أو "الإرشاد". إلا أنه، في مُفارَقة عجيبة، حتى اليهود أنفُسهم بدأوا يتبنّون الرأي القائل بأن التَوْراة هي "الناموس" وبدأوا في تطبيق مُصْطَلح التَوْراة على جميع أنواع الكِتابات الدّينيّة لِدرجة أن اليهودية بشكل عام أصبحت ديانة قائمة على تعاليم البشَر أكثر بكثير مِمّا هي قائمة على كَلِمَة الله. اسْمَحوا لي أن أشْرح ما حدث للعادة السَّيئة المُتمثِّلة في تطبيق كَلِمَة "توراة" على كل ما هو مكتوب حتى ولو كان يُشير إلى الكتاب المُقّدَّس، وذلك من خلال البِدْء بالمُقارنة:
منذ أكثر من مائة عام، أرادَت شركة في أتلانتا، جورجيا، أن تنْضمّ إلى السّوق الجديدة والمُتنامية للمَشروبات المنكَّهة ولكن غير الكُحولية. فبدلاً من المشروبات الكُحولية، قاموا بِتكوين إضافة لذيذة إلى سوق المشروبات "الغازيّة" وكان اسْمها كوكا كولا وقد حقَّقتْ نجاحاً كبيراً؛ وعلى الرغم من تسويقها في الأصْل كمُنَشِّط، إلا أن مكانتها الحقيقية كانت بِبَساطة كمشروب رائع المذاق؛ ومع بدء دخول الولايات المتحدة في فترة من النُموّ والازْدِهار الملحوظَيْن، ارتفع الطَّلب على كوكا كولا بشكل كبير، وأصبح الباقي، كما يقولون، من التاريخ.
هَيْمَنَت كوكا كولا على سوق المشروبات الغازيّة لدرجة أنه حدث شيء غريب: فقد حصَلتْ على لقب: كوك، والأمر الأكثر مُلاءمة لأغراضنا هو أن كوك أصْبحَت مُهَيْمِنة لدرجة أن كوك لم تَعُد تعني بِبَساطة علامة تجارية مُحَدّدة من مشروب الكولا، بل أصبحت لإسْماً يُطلق بشكل عام على جميع المشروبات الغازيّة. قد تكون شاركْتَ في محادثة شائعة بِنَفْسك قد تبدو كما يلي: الزَوْج، "أنا عطشان، دعنا نتوقف ونشرب كوك. الزوجة، "حسناً، يبدو ذلك جيداً بالنِّسبة لي". الزَوْج، "حسناً، أي نوع من الكوك تريدين؟" الزوجة، "أريد بيرة الجذور". هل يبدو هذا مألوفاً؟
الآن، أي أمريكي سيَفهم هذا الحِوار تماماً ولن يجِده غريباً على الإطلاق. فهُم يعْلَمون جيداً أن الكوكا كولا وبيرة الجذور ليسا نفس الشَيء. لكنهم يَعرِفون أيضاً أن كَلِمَة "كوك" في لُغتنا العامِّية الحديثة يمكن أن تعني بِبَساطة أي مشروب غازي، وبالتالي لا توجد مُشكلة في فهْم المعنى.
الأمر نفسُه ينسَحِب على التَوْراة. في الأصل، أطلق العبرانيون على تلك الأسْفار الخمسة التي أُعطيت لموسى إسم "التَوْراة"، ومع مرور القرون، نشأت مجْموعتان أُخرَتان من الكتابات العبرانية واعْتُبِرتا "من الله"، وبالتالي كتاباً مقدّساً: الأنْبياء والكتب المُقّدَّسة. الأنْبياء هم أسْفار مثل عاموس وحزقيال وإشعياء ويونان؛ أما الكتب المُقّدَّسة فتضًمّ مجموعة مُتنوِّعة من الأسفار مثل نشيد الأناشيد والجامعة والمزامير وراعوث. على الرغم من أنه كان لدى العبرانيين في ذلك الوقت ثلاث مجموعات مُنْفَصِلة من الكتب المُقّدَّسة: واحد) كيتوفيم (وتعني الكتابات)، إثنان) ونفائيم (وتعني الأنْبياء) والتَوْراة (التي أُعْطِيَت لموسى على جبل سيناء) في المُحادثة اليوْمِيّة الشّائعة، وفي مرحلة ما، بدأوا بالإشارة إلى أي من الكتب المُقّدَّسة على أنها التَوْراة. لذا، كانت التَوْراة الأصلية من موسى هي "التَوْراة"، وكان يُشار إلى جميع الكتب المُقّدَّسة الحديثة أيضاً بشكل عام بإسم "التَوْراة" وهذا ليس من الصَّعب فَهْمَه، أليس كذلك؟
لكن، انْتَظِر، الأمر يزداد تعقيداً. في نفس الوقت الذي كانت التَوْراة والكيتوفم والنفائيم تُنشأ ويُضاف إليها مجموعة أخرى من الفِكر الدّيني الموْثوق به، وكان هذا يُسَمّى التقليد، كانت تُعرَف أيضاً بالشَّريعة الشَّفَهيّة أو التقليد الشّفَهَي أو التَوْراة الشَّفَهيّة (شفَهيّة لأنها كانت تُنقَل شفهياًّ لفترة طويلة بدلاً من تدوينها). في العصْر المسيحي الشائع يُمْكِننا أن نساوي عَقيدة الكَنيسة بالتقليد العِبْري. بعبارة أخرى، العَقيدة ليست الكتاب المُقّدَّس، إنها مُعتقداتنا وأحْكامنا وتفسيراتنا للكتاب المُقّدَّس…… إنها نفسْ الفِكرة مع التقليد العِبْري. لذا، مع مرور الزمن، بدأت العقيدة العِبْرية، هذه التقاليد الشَّفَهيّة، التَوْراة الشَّفَهيّة، تأخُذ وزْناً أكبر وأكثر بين القادة الدّيِنِيين؛ وفي نهاية المَطاف، في المُحادثة الشّائعة بين اليهود، أصبَحَت التَوْراة تعني كل ما له علاقة بِمُجْمل الكتاب المُقّدَّس ومُجْمَل التقاليد؛ وهو طَمْس مؤسِف الى حدٍّ ما للمعنى الأصلي بالتأكيد.
لقد كان العبرانيون في أيام المسيح، ومن قَبْلهم بمئات السنين، يَفهمون جيّداً ما كان يعنيه بعضهم البعض عندما كانوا يتناقشون فيما بينهُم حول "التَوْراة"؛ كانوا يعرِفون من خلال سياق الحديث متى كانت التَوْراة تعني الكتب المُقّدَّسة الأصلية التي أُعْطِيَت لموسى، ومتى كانت تعني أياً من المؤلَّفات والأحكام الدّينيّة الأخرى؛ وللأسف، لا يُمْكِننا أن نغفل حقيقة أنه بحلول أيام المسيح، أصبحَت التقاليد أكثر أهَميّة من كَلِمَة الله. لاحقاً، عندما دخل الأُمَمِيّون إلى الصورة بعد موت المسيح، هؤلاء الأُمَمِيّون أنفسهم الذين كانوا يَجهلون تعقيدات الثقافة اليهوديّة واللغة العِبْرية، اخْتلَط عليهم الأمر بشأن "التَوْراة"؛ وعلى الرغم من أن عُلماء الكتاب المُقّدَّس قد صَحّحوا الأمر الى حدٍّ ما على مرّ السِّنين، إلا أن قادة الكَنيسة والمُعلِّمين كانوا بطيئين في فَهْمِه.
اليوم، ما نُسَمّيه نحن المَسيحيّين "العهد القديم"، يُسمّيه اليهود "التناخ" والتناخ هي كَلِمَة مختَرعة: تأخذ التاء من التَوْراة والنون من نيفائيم والكاف من كتوفيم وتُضيف بعض الأصوات المُتَحرِّكة والسَّريعة…… تناخ. التناخ والعهد القديم هما نفس الشيء بالضبط، باسْتثناء بعض الحالات التي يتمّ فيها ترتيب الأسفار بشكل مُخْتَلِف قليلاً.
على مرّ القرون، تم إضْفاء الطابع الرّسمي على التقاليد التي تم تناقَلَها شفهِيّاً وتمّ تدوينها؛ وعلى الرغم من أن أفكار وأحكام الحاخامات القُدامى لا تزال تَحْظى بِتقدير كبير، إلا أن هذه المَجموعة من الأفكار تخضَع باسْتمْرار لإضافات. إن أفضل طريقة للتّفكير في كل هذه التقاليد هي أنها شُروح من قِبَل الزُّعماء الدّيِنِيين؛ وهي شروح تتكّون من أحكام وتعاليم. لقد أصبَحَت الأعمال الكامِلة للتقاليد أو التَوْراة الشَّفوية، ما يُسَمّى الآن بالتلمود ولزيادة تعقيد الأمور، هناك نَسْختان رئيسيتان مُتنافِستان من التلمود: التلمود البابلي والتلمود اليروشلمي وكل منهما عمل ضخم يضمّ العديد من المُجَلّدات.
لذا، دعونا نكون واضحين: التناخ، الذي يُطلق عليه أحياناً إسم الكتاب المُقّدَّس العِبْري، هو بِبَساطة اسم آخر للعهد القديم الحالي. التَوْراة ما هي إلا الأسْفار الخمسة الأولى من التناخ (العهد القديم) و التلمود ليس كتاباً مقدّساً على الإطلاق، بل هو بالأحْرى مجموعة ضخمة من التفسيرات الدّينيّة اليهودية.
إحدى الحالات الغريبة للمسيحيّة الحديثة هي أنه قد تمّ نِسيان العهد القديم بالكامل. البيان الشائع من الكَنيسة اليوم هو، نحن كنيسة العهد الجديد، وبعبارة أخرى، فإن المعنى الضُّمني هو أنه إما أن العهد القديم ليس لنا، إنه لشعب آخر….. أي اليهود….. أم أنه لزمن مضى….. أو في الحديث اللاهوتي، تدبير ماضٍ. لذا فإن العلاقة بين أسفار التَوْراة والإنجيل هي أن أسفار التَوْراة قديمة… مثيرة للإهتمام ولكنها غير ذات صلة بالتاريخ….، وأن العهد الجديد هو حالي ومُعاصِر. لا شيء يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة من ذلك.
بادئ ذي بدء، إن العنوان "العهد القديم" هو من صُنْع الإنسان البحْت، وهو عنوان حديث نسبياً أُعطِيَ لهذا الجزء من الكتاب المُقّدَّس. لا يوجد شيء إسمه العهد القديم فيما يتعلق بالكتاب المُقّدَّس. لم تظهَر عِبارة العهد القديم في الكتاب المُقّدَّس أبداً. الفكرة وراء أسماء ما أصْبَحنا نعتبره نُصفي الكتاب المُقّدَّس هي أن العهد القديم يُشير إلى العهود التي تمَّت بين الله وإبراهيم وإسْحاق ويعقوب وموسى؛ ويُشير العهد الجديد إلى العهود بين الله والبشريّة بشكل عام من خلال المسيح. لذا، إذا كان المرء يميل إلى التفكير بهذه الطريقة، فمن الأفضل أن نفكِّر في تقسيم الكتاب المُقّدَّس على أنه عهود سابقة وأخرى لاحقة، بدلاً من القديم والجديد، وبالمناسبة، الوصايا تعني العهود، إنهما مُرادفان.
كما ترى، العهود الجديدة لم تحلّ محلّ العهود الأصلية، لكن بعضها قد تحوّل. حتى المسيح نفسه عندما سُئل عما إذا كان "الناموس" (التَوْراة) قد أصبح باطلاً بمجيئه، أجاب بأقوى ما يمكن للمرء أن يتخيّله.
انظر في إنجيل متّى خمسة على سبعة عشرة حتى تسعة عشرة
النسخة الدولية الجديدة متّى خمسة على سبعة عشرة "لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأنْبياء. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ".
لم يأتِ المسيح لينقُض التَوْراة أو يلغيها، بل جاء ليكمِّلها. ليس بمعنى الإكمال أي الانتهاء، والإنتهاء بمعنى إنجاز، وربما تكون كَلِمَة "إستيفاء" هي الكَلِمَة المُستخدمة في الكتاب المُقّدَّس لديكم بدلاً من كَلِمَة "إنهاء". الكَلِمَة اليونانية المُستخدمة هنا هي كَلِمَة"pleroo" (بليرو). اذهبوا وتحقّقوا من أي قاموس جيد وسيُخْبركم أنها تعني ملء، إنجاز. ولكن، في لغتنا العامّية الإنجليزية الحديثة كَلِمَة " استيفاء" تعطي معنى الشيء الذي انتهى. بدلاً من ذلك، فإن المعنى الحقيقي لكَلِمَة "استيفاء" هو "مِلء بالكامل" أو "مِلء"، كون كَلِمَة "بليرو" كَلِمَة تنفع لنقولها للعامل في محطة البنزين (لو كان لا يزال هناك مثل هذه الأشياء) …..لأنها تحمل معنى "ملء"؛ فالمسيح جاء ليمْلأ التَوْراة بالمعاني أو ليوصِلها إلى أقصى حدّ. عندما تطلب من عامل البنزين أن يملأ خزان الوقود الخاص بك، فأنت بالتأكيد لا تقصد أن يملأ خزان الوقود أو البنزين الخاص بك إلى الآخِر، أليس كذلك؟ أنت تقصُد أن يعطيك كل ما يستطيع. هذا يعطيك فكرة عما تعنيه كَلِمَة "بليرو".
فالعهدان، السّابق واللاحق، العهد القديم والعهد الجديد، يعملان معاً. لا يمكنك أن تفصُل بينهما كما جرت المحاولة منذ قرون. العهد القديم هو أساس الكتاب المُقّدَّس. العهد القديم يُمهِّد الطريق للعهد الجديد. يضع العهد القديم كل المُقدِّمات التي نَفهَم من خلالها العهد الجديد. إنه الكتاب المُقّدَّس، الفصل الأول. يتكوَّن العهد الجديد استناداً إلى العهد القديم؛ إنه استمرار للعهد القديم. إنه الكتاب المُقّدَّس، الفصل الثاني. في الواقع، حوالي خمسين بالمئة من العبارات الواردة في العهد الجديد هي من العهد القديم. إنها مُتَشابكة تماماً. من الصّعب جداً قراءة أي كتاب ومُشاهدة أي مسرحية ومشاهدة أي فيلم بالبدء من مُنْتصفه. قد نَفهَم شيئاً منه ولكن، من المحتمل أيضاً أن نأخذ الجزء الذي نراه في السياق الخاطئ ونصل إلى بعض الإستنتاجات التي تنحَرِف عن مسارها بعدة درجات. هذا ما نفعله عندما نحاول أن نَفهَم الكتاب المُقّدَّس من خلال البدء من الإنجيل وعدم الذهاب الى أبعد منه.
لكن، دعني أخبرك بشيء ربما لم تفكّر فيه أبداً: الكتاب المُقّدَّس الذي درَّسه وعلّم منه يسوع، ثم التلاميذ الأوائل، ثم كتبة الإنجيل، وبولس، وحتى يوحنا الملهم، كان العهد القديم. دع ذلك يترسّخ في ذهنك للحظة. لم يَكُن هناك عهداً جديداً عندما كان أي كاتب للكتاب المُقّدَّس على قيد الحياة. ان الكتاب المُقّدَّس الوحيد الذي كان موجوداً لهؤلاء الرجال… وللمسيح… هو التناخ العبراني، العهد القديم. كل إشارات يسوع أو الرُّسل إلى الكتاب المُقّدَّس كانت إلى العهد القديم. إن التّحذير الذي نقرأه في الكتاب المُقّدَّس الأمريكي القياسي الجديد إثنان، تيموثاوس ثلاثة على ستة عشرة "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ وللتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ فِي الْبِرِّ"؛ كان يُشير تحديداً إلى الكتاب المُقّدَّس العِبْري لأنه لم يَكُن هناك شيء إسمه العهد الجديد في ذلك العصر. بينما ليس لدي أي مشكلة على الإطلاق في قبول العهد الجديد على أنه مقدّساً وموحى به من الله وينتمي تماماً إلى كتبنا المُقّدَّسة… لكن هذا القول من بولس إلى تيموثاوس لم يَكُن يُشير بأي حال من الأحوال إلى شيء لم يَكُن موجوداً بعد. لم يَكُن المقصود منه أن يكون نبوياً… لم يَكُن بولس يتحدّث عن زمن مستقبلي. كان يتحدّث عن التَوْراة والكتابات والأنْبياء. لم يَكُن لدى بولس أي فكرة أنه بعد عدة عقود من وفاته، سيكون هناك بالفعل كتابات إضافية ستُضاف إلى شريعة الكتاب المُقّدَّس… كتابات نُسَمّيها العهد الجديد.
في الواقع، في تطبيقه الأصَح…. وسيساعدنا ذلك عند قراءة العهد الجديد إذا استطَعْنا أن نَفهَم ذلك… من ناحية الكتاب المُقّدَّس، كَلِمَة الكتاب السماوي أو الكتاب المُقّدَّس تشير فقط إلى ما نُسَمّيه العهد القديم. إن الكتاب المُقّدَّس الوحيد الموجود اليوم هو العهد القديم. أما العهد الجديد، رغم أنه موحى به من الله، فهو مُجَرَّد… العهد الجديد. سوف نكْتَسِب فهماً أكبر للكتاب المُقّدَّس إذا اسْتطعنا الاستغناء عن مُصْطَلح
العهد القديم وأطلقنا عليه ما أطلق عليه يسوع وجميع الرسل إسم …… الكتاب المُقّدَّس. إذن، بكل تأكيد، فإن كتابنا المُقّدَّس الحديث يتكوّن من جزأين: الكتاب المُقّدَّس والعهد الجديد.
آمل أن يكون هذا أثّر عليكم بالطريقة التي قصدَتها. في حين أنه كان أسلوب الكَنيسة لقرون وقرون عديدة للإشارة ضمناً، إن لم يَكُن صراحةً، إلى أن الكتاب المُقّدَّس لا قيمة له بالنسبة للمؤمن الحديث…… أن مبادئ العهد القديم لم تَعُد تنطّبق منذ مجيء المسيح….. كان العهد القديم الذي علّم منه مجموعة تلاميذ المسيح الإثنا عشر الأصليين…. كان هو ما علّمه يسوع نفسه واقْتَبَسه وبجّله بشدة….. كان هو ما علّم منه الرسل رسالة الإنجيل، ذلك لأن رسالة الإنجيل هي رسالة من العهد القديم. هذا صحيح، الإنجيل الكامل مذكور في العهد القديم. لم يكتب يسوع إنجيلاً جديداً….. لقد أتمّ بِبَساطة ما كان مكتوباً من قبل…..من قبل كتبة أسفار العهد القديم.
استَمِعوا إلى ما يقوله يسوع في يوحنا خمسة على ستة وأربعين وسبعة وأربعين………… الكتاب المُقّدَّس الأمريكي القياسي الجديد يوحنا 5: 46 "لأنَّكُمْ إِنْ كنْتُم تُصَدِّقُونَ مُوسَى تُصَدِّقُونَنِي لأَنَّهُ كَتَبَ عَنِّي. سبعة وأربعين "وَإِنْ كنْتُم لاَ تُصَدِّقُونَ كُتُبَهُ فَكَيْفَ تُصَدِّقُونَ كَلاَمِي".
كان القول إن كنْتُم تصدّقون موسى مُجَرَّد طريقة شائعة للتحدُّث في ذلك اليوم….كان هذا اصْطلاحاً…..؛ كان معناه "إن كنْتُم تؤمنون بالتَوْراة". كان كل من موسى والناموس والتَوْراة مُصْطَلحات قابلة للتَّبديل بالنِّسبة للشَّعب اليهودي. لكن النقطة المُهِمّة هي أن يسوع يقول " هو (موسى) كتَبَ عنّي. بل أكثر من ذلك، كان المسيح يوضِح أنه إذا كنا لا نؤمن أو حتى نعرِف ما كتبَه موسى….وكان موسى هو الذي كتب التَوْراة…… كيف لنا أن نَفهَم ما كان يقوله يسوع؟
إن العهد القديم والتَوْراة التي سندْرُسها مليئة بالإشارات إلى المسيح القادم والمبادئ الروحية التي سيأتي بها بأعلى مستوى من الأهَميّة. سأُشير إلى ذلك عندما نُصادِفها ونربط النقاط ببعضها البعض.
الآن، كما أن العهد القديم هو أساس العهد الجديد، فإن التَوْراة هي أساس الكتاب المُقّدَّس بأكمله. حتى الشخص الذي لم يسبق له أن درس الكتاب المُقّدَّس يدرك أن سِفْر التَّكوين هو قصّة البدايات…..من خلق الله للعالم. كيف نَبْدأ في دراسة أي شيء، ناهيك عن مُحاولة فهم الله، إذا لم نَبْدأ من البداية؟ وهذا بالضبط ما سنفعله في درس التَوْراة هذا.
الآن، دعوني أضع بعض القواعد الأساسية، أي الأساس الذي ستسْتمر عليه دراستنا للتوراة. أولاً، أنا لستُ هنا لإقناع أي شخص بِحقيقة الكتاب المُقّدَّس. فبينما نرحِّب بالباحثين هنا، إلا أن هذا ليس صفاً للباحثين حيث نحاول أن نُظهر أن الكتاب المُقّدَّس هو كَلِمَة الله. نَبْدأ بافتراض أنه هو كَلِمَة الله وأنه صحيح…..بأكمله. إذا لم يَكُن الكتاب المُقّدَّس صحيحاً، فربما علينا جميعاً أن نحزُم أمْتِعتْنا ونعود إلى بيوتنا لأننا نضيّع وقتنا. لذلك، ليس لدي أي نيّة لتبرير الكتاب المُقّدَّس من خلال تقديم براهين علمية عن خلق الله للعالم؛ فالعِلم أدنى من الله تماماً. لن أشرح أن مذنّباً ضخماً متجمِّداً ربما جلب كل المياه اللازمة لخلق المحيطات أو لماذا لم يذكر الكتاب المُقّدَّس الديناصورات على وجه التحديد أو ما إذا كانت نظريَّة الانفجار العظيم صحيحة. بعبارة أخرى، هذا ليس درساً عن نظرية الخلق. قد أتطرّق إلى هذا الأمر بشكل قليل جداً وأدمج بعض الحقائق المثيرة للإهتمام، ولكن فقط على سبيل التوضيح، وليس محاولة إثبات أي شيء. خلق الله كل شيء من لا شيء. لقد فعل ذلك تماماً بالطريقة التي أرادها وهو قادر تماماً على فعل ذلك.
ثانياً، سنقرأ كل كَلِمَة من التَوْراة. لن نتجاوز أي شيء…. ولا آية واحدة. سوف أقرأ الآيات بصوْت عالٍ وأطلب منكم أن تتابعوا معي في أناجيلكم؛ هذه الدروس مسجَّلة، وبما أن الكتاب المُقّدَّس هو كل ما يدور حوله هذا الأمر، فأنا بحاجة للتأكُّد من أنه يمكن سماعه في التسجيل. سنتحرَّك بسرعة الى حدّ ما في بعض الأحيان، وأحياناً أخرى سنتحرَّك بِبُطء شديد. في بعض النقاط سنتوقَّف وسيكون لدينا درس يمكن أن يستمرّ ساعة كاملة حول موضوع معيّن…… مثل الشَمْعدان أو خيمة الاجتماع أو بعض الأشياء الأخرى التي لها أهَميّة حيوية بسبب العصر الذي نحن فيه، ومع ذلك نادراً ما يتم التطرّق إليها في الكَنيسة الحديثة. هذه دراسة متعمِّقة للغاية وأعدك بأنها ستتحدّى تفكيرك…… وتبني إيمانك.
ثالثاً، سأقرأ، في أكثر الأحيان، من الكتاب المُقّدَّس اليهودي الكامل. أحد أسباب ذلك هو أنه ليس الترجمة الرسمية للكتاب المُقّدَّس لأي طائفة على حدّ علمي، وهذا أمر مقصود. لا يتعلَّق هذا الفصل بتعليم التقاليد والعقائد المذهبية. سواء كنت كاثوليكياً أو معمدانياً أو عُنْصُريّاً أو ميثوديّاً أو لوثريّاً أو يهوديّاً، ستَجِد أرْضِيَّة مُشْتَركة في درْس التَوْراة. اسْمَح لي أن أكون واضِحاً تماماً أنه ليس من الضَّروري أن يكون لديك نفس الكتاب المُقّدَّس لكي تكون على ما يرام في هذا الصَّف…… فأي نسخة قِياسيَّة مُخْتَصَّة ومُناسبة لديك تكون جيدة. مع ذلك، قد تكون الكَلِمَات مُخْتَلِفة قليلاً؛ خاصةً لأن العديد من أسماء الأشخاص والأماكن في الكتاب المُقّدَّس التي سأقرأ منها تعطي الإسم العِبْري الأصْلي الفِعلي، بدلاً من الإسم الإنجليزي. قد يبدو أيضاً مُخْتَلِفاً قليلاً عن نسختك لأن الكتاب المُقّدَّس اليهودي الكامل مأخوذ من النُّصوص العِبْرية الأصلية. إن العديد من الترجمات اليوم مأخوذة من ترجمة التَوْراة باليونانية، وهي ترجمة يونانية للعبرية، تمت قبل أكثر من قرنَيْن من ميلاد المسيح. إذا كنت تُفضِّل ذلك، قابلني بعد الدرس وسأخبرك كيف يمكنك الحصول على نفس الكتاب المُقّدَّس الذي سأقرأ منه. لكن، دعني أؤكد لك أن هذا ليس ضرورياً على الإطلاق. بالإضافة الى ذلك إذا لم يَكُن لديك هذه النَّسخة من الكتاب المُقّدَّس، يمكنك دفع خمسة وعشرين دولاراً للحُصول على واحدة، أعتقد أنك سَتَجِدها إضافة جيدة لمواد دراستك.
رابعاً، في بعض الأحيان، سأعرُض لك كَلِمَات مُعيَّنة بالعِبْرية نحتاج إلى درسها، لأنها تضيف الكثير لفهمنا. في كثير من الأحيان، وجدت أن النظر إلى العِبْرية يشبه الانْتقال من التِّلفاز بالأبيض والأسود إلى التِّلفاز الملوّن؛ ما تراه بالأبيض والأسود ليس خطأ، لكنه فقط لا يُعطيك العمق الذي يُعطيه اللّون. ما ستتعلَّمه قريباً في فصل التَوْراة هو أن اللغة العِبْرية تحتوي على كَلِمَات مُعيَّنة ليس لها مرادفات إنجليزية جيّدة ودقيقة. كَلِمَة "توراة" هي نفسها مثال جيّد على ذلك، وكذلك التعبير العِبْري الشائع "شالوم" ولكن، هذا مُجَرَّد غيْض من فيْض. الشيء الآخر الذي يجب إدراكه هو أنه كما أن العديد من الكَلِمَات العِبْرية المُهِمّة في الكتاب المُقّدَّس ليس لها مقابل إنجليزي جيد، فليس لها أيضاً مقابل يوناني جيِّد. لذا، عندما تُرجم الكتاب المُقّدَّس من العِبْرية إلى اليونانية، ثم من اليونانية إلى اللاتينية، ثم من اللاتينية إلى الإنجليزية، ضاع الكثير من العُمق والفهْم. سنبذل قصارى جهدنا لمُحاولة استِعادة بعض من هذا العُمق.
خامساً، هدَفي هو أن يكون لدينا اسْتِمْرارية. عندما يُدرس العهد القديم بشكل صحيح، يتدفّق كنهر جميل. في كثير من الأحيان يتم تقديم العهد القديم كسِلْسِلة من القُصَص المثيرة للإهتمام، وقد يكون من الصعب جمعها معاً. في الواقع، إن أسفار العهد القديم مرتبة ترتيباً زمنياً (وإن لم يَكُن كلياً)، وإذا جاز لي أن أعمِّم، فإن الطريقة الجيِّدة للنظر إلى العهد القديم هي أن الله يقدّم نفسه لنا، ولكن من خلال تاريخ بني إسرائيل. اسْمَحوا لي أن أقول ذلك مَرَّة أخرى؛ إن العهد القديم هو الى حدّ كبير درس تاريخي. إنه تاريخ بني إسرائيل. إنه تاريخ اليهود وهو تاريخنا المسيحي لأن المسيحية جاءت من الكتاب المُقّدَّس والثقافة والديانة العبرانية. تذكروا أن المسيح كان يهودياً. وُلد لأبوين يهوديّين وتربّى في الأراضي المُقّدَّسة، وكان يهودياً مُلتزماً بكل الطُّرق. حدثت معظم القصَص والأحداث العظيمة عن المسيح في العهد الجديد أثناء الحجّ الى أورشليم المطلوب من كل ذكر يهودي، كما دعت إليه شريعة موسى. وبطبيعة الحال، أطاع المسيح. حتى أن أوَّل عدة آلاف من المؤمنين بالمسيح رباً ومخلّصاً كانوا جميعاً من اليهود.
سادساً، علينا أن نَفهَم أن التَوْراة هي أولاً وفي المقام الأول، دليل لعيش الحياة التي قصدَ الله أن يحياها البشر. إن الثلاثة ملايين أو قرابة ذلك من بني إسرائيل الذين كان يقودهم موسى عبر البرِّية الصَّحراوية إلى أرض الميعاد، كانوا قد جاؤوا بعد أربعة قرون من الحياة في مصر. كانوا حشداً من الناس اختاروا تماماً طرق المصريين. من خلال إعطاء موسى التَوْراة، شرح الله لبني إسرائيل بداية كل شيء، من هو ولماذا وصل العالم إلى المكان الفاسد الذي وصل إليه وكيف يحيوا حياة مستقيمة. ما هي الحياة الصالحة؟ هي أن تعيش في انْسِجام مع الله. هذه الأمور لم تتغيَّر.
سابعاً، التَوْراة، كما هو الحال في الكتاب المُقّدَّس كله، هي حرْفيَّة. إنها تعني ما تقوله وتقول ما تعنيه. لكن، دعوني أشرح ما تعنيه الحرفيَّة عند التعامل مع الكتاب المُقّدَّس: تماماً كما في مُحادثاتنا الخاصة، في بعض الأحيان نًسْتخدِم الإصطلاحات أو التَّلاعب اللفظي، نَسْتخدم أقوالاً لا يفَهْمَها إلا من هم من ثقافتنا العامة. يُعجبني مثال "اذهب وطيّر طائرة ورقية"، أي أن يَطلب منك شخص ما أن تفعل شيئاً من أجله أو من أجلها، فتردّ عليه "اذهب وطيّر طائرة ورقية". الآن، جميع الأمريكيين يعرفون معنى ذلك. إنها تعني في أبسط معانيها "لا". علاوة على ذلك، يمكن أن تعني أن "ليس لديك أي اهتمام على الإطلاق بما يقترِحونه"، وربما حتى تُشَكِّك في سلامة عقلهم ولكن، إذا أجبت فرنسي أو برازيلي بـ "اذهب وطيّر طائرة ورقية"، فسيكونون في حيرة من الإجابة. فهذا غير منطقي بالنسبة لهم. فما علاقة "الطيران بالطائرة الورقية" بأي شيء سألوني عنه للتو؟ إنها نفس الطريقة مع العديد من الكَلِمَات والعبارات العِبْرية التَّوراتية. لقد كانت تحمُل معنى واضحاً تماماً في وقت من الأوقات، ولكن بالنسبة لآذاننا في القرن الحادي والعشرين، أحياناً لا يكون لها معنى، لذا، فإن المعنى الحرْفي لا يعني بالضرورة "كَلِمَة بكَلِمَة". إذا أخذنا عبارة "اذهب وطيّر طائرة ورقية" كَلِمَة بكَلِمَة سنكون في ورطة. وبالتالي، فإن المعنى الحرْفي المقصود في سياق الثقافة التي تم إنشاؤه خلالها. وفي حالة الكتاب المُقّدَّس، كانت الثقافة عبرية وقد تغيّرت تلك الثقافة وتطوّرت بشكل كبير على مدى ألف وخمسمئة عاماً من كتابة الكتاب المُقّدَّس. هذا يعني أن الثقافة العِبْرية في زمن إبراهيم لم تكن تشبه الثقافة العِبْرية في زمن موسى ولم تكن تشبه الثقافة العِبْرية في زمن المسيح. غالباً ما يكون المعنى الحرْفي في الكتاب المُقّدَّس هو المعنى الحرْفي للكَلِمَة. تكمُن الحيلة في أنه يجب على المرء أن يفهم الثقافة العِبْرية في مُخْتَلِف عصور الكتاب المُقّدَّس لفهم ما يتم إيصاله؛ وبالطبع، هناك قدر معيّن من الرمزية في الكتاب المُقّدَّس وهناك الشِعر وهناك التاريخ المباشر وهناك الأمثال والعديد من الوسائل الأدبيَّة الأخرى أيضاً. لكن، من السَّهل جداً تحديد الرَّمزية بشكل عام وإليك ما أقصده: لقد مالت المسيحية الأُمَمية الحديثة إلى التَّعامل مع الكثير من الأجزاء التي يصعب فَهْمَها حقاً من الكتاب المُقّدَّس على أنها عبارات مجازيَّة، بينما هي في الواقع ليست مجازيَّة. هناك القليل من المجازيَّة في العهد القديم، لكنها قليلة جداً، وسأحدّدها عندما نصادفها. بشكل عام، كانت المشكلة هي سوء الفهم التام لما قيل، بسبب العزوف عن البحث والدراسة في الثقافة العِبْرية القديمة. بدلاً من ذلك، كانت هناك مُحاولة غير خفيَّة على مرّ القرون لتحريف الكتاب المُقّدَّس وتحويله إلى شيء يتَّفق مع بعض العقائد المذهبِيّة المُسْبقة. لن نفعل ذلك هنا.
أمرٌ آخر عن الحرْفيّة. العديد من العبارات في الكتاب المُقّدَّس حرفِيّة ورَمْزية في آنٍ واحد، أي أنها تعني بالضَّبط ما تقوله، وعلى مُستوى آخر، هي أيضاً رمْزية لِشيء أكبر منها. ستجِد أيضاً هذه "الإزْدِواجيّة" الغامِضة الى حدّ ما تحدُث مع النُّبوءة في الكتاب المُقّدَّس لأن العديد من النُّبوءات تحدُث، ثم تحدُث مَرَّة أخرى! وبدلاً من الخَوْض في الأمثلة، سأُحاول أن أُشير إلى بعض منها أثناء تقدُّمنا.
ثامناً. لن يُجيب درس التَوْراة على كل سؤال لديك عن الله. هناك العديد من الأمور في الكتاب المُقّدَّس التي تُركت بِبَساطة مفتوحة. بعض الأمور لم يتم تناوُلها على الإطلاق والبعض الآخر غير مُكْتمِل. من الأمثلة الجيِّدة على ذلك، عمَل الرّوح القُدُس……بالعِبْرية، "روخ هاكودش". لقد ذُكر الرّوح القُدُس بشكل واقعي جداً عدة مرات في الكتاب المُقّدَّس، ولكن هناك القليل جداً من المعلومات التي وردَت عنه. إن الكثير مِمّا نَعْتقِد أننا نعرِفه عن الرّوح القُدُس هو افْتراضات البّشَر؛ اسْتِنْتاجات مُسْتَمَدّة من معلومات الكتاب المُقّدَّس القليلة الموجودة عن هذا الموضوع، وهذا ما أُسمّيه العَقيدة. أختار أن تبقى هذه الأسرار أسراراً. في بعض الأحيان سنقوم بالتَكَهًّنات……ولكن سَيتِم تقْديمها كتَكَهًّنات أو رأي وليس كحقيقة مُطلقة. في بعض الأحيان ستكون تلك التَكَهًّنات في شكل ما فكّر فيه حُكماء العبرانيين العُظماء في العصور القديمة حول موضوع مُعيّن….. في الواقع، سأقوم بإدراج هذا النوع من المعلومات في عدَدْ من المُناسبات لأنه، إن لم يَكُن لشيء آخر، فإنه سيوضِح كيْف كان العقل العِبْري يعمل خلال عصور مُعيَّنة.
الآن، اسْتعِدّوا لإحدى أكثر جوْلات حياتكم إثارةً وتشويقاً. رَجُل في السَّبعين من عُمره كان يأتي إلى درس التَوْراة بانْتظام لفترة طويلة….. رجُل مسيحي ومُبَشّر سابق……. أخبَرَني مؤخراً أنه تعلّم عن من هو الله في الأشهر القليلة الماضية أكثر من أي وقت مضى في حياته. ما تحصل عليه من كل هذا مَتْروك لك. آمل أن تلتزِم في رحلتك القادمة في دراسة توراة الله بالكثير من الصَّلاة والتَّفاني الشَّخصي. أعْتَقِد أنك ستجِد أنه سيغيِّر حياتك.
أراكم الأسْبوع القادم، عندما نَبْدأ بسِفْر التَّكوين واحد على واحد.