25th of Kislev, 5785 | כ״ה בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التكوين » سِفْر التكوين الدرس تسعة وعشرون – الإصحاحان ثلاثون وواحد وثلاثون
سِفْر التكوين الدرس تسعة وعشرون – الإصحاحان ثلاثون وواحد وثلاثون

سِفْر التكوين الدرس تسعة وعشرون – الإصحاحان ثلاثون وواحد وثلاثون

Download Transcript


سِفْر التكوين

الدرس تسعة وعشرون – الإصحاحان ثلاثون وواحد وثلاثون

في الدَرس السابق رأينا يعقوب…… قبْل أن يصبِح اسمه "إسرائيل"….. يرتبِط بزوجة. في الواقع، لقد انتهى به الأمر بزوجتَين….. الأختَين ليا وراحيل…لأن عمّه المتآمِر "لافان" خدعَه بنفس الطريقة التي خدَع بها يعقوب أباه. أليس من المدهِش في الحياة أنّ يَهوَه كثيرًا ما يُرينا خطايانا وآثارَها المدمِرَّة على الآخرين من خلال السماح لشخصٍ ما بأن يفعَل بنا كما فَعلنا نحن بالآخَر. لقد استعمَل يعقوب حيلة التبديل القديمة على أبيه إسحاق، لأنه أراد أن يضمَن أنْ ينال هو (وليس أخوه عيسو) البَرَكة الأفضل. وبقدْر ما كانت هذه الخُدعة مزعجة لأبيه، فإنها أغضَبت عيسو لسنوات قادمة. والآن، بعد أن عَمِل لمدة سبع سنوات من أجل لافان لكي تصبح راحيل زوجةً له، خلال حفل الزفاف، استعمَل لافان حيلة التبديل القديمة مع يعقوب الذي استيقظ ليَجِد أنّ التي تزوّجها هي ليا وليست راحيل.

في نهاية الإصحاح تسعة وعشرين، أصبح يعقوب أبًا للمرة الأولى. دعوني أذكِّركم أنه كان في عُمر الثمانين. والنقطة المِحورية في الآيات العديدة الأخيرة من الإصحاح تسعة وعشرين هي عن ليا التي رُزِقت بأبناء ليعقوب……أولاً روبن، ثم سِمعان، ثم لاوي، وأخيرًا يهوذا. وينتهي الإصحاح بإخبارنا أنه لِسَبب غير مَعروف، جَفّ رحم ليا.

ستتغيَّر الآيات العديدة الأولى من الإصحاح الثلاثين من سِفْر التكوين، وتخبرُنا الكثير عن راحيل، ولا يمكن أن يكون التناقض بين ليا، الأخت البسيطة، ولكن التقيّة، وراحيل، الأخت الجميلة، ولكن الدنيوية، أكثر وضوحًا من ذلك. لا يزال يعقوب في حران في بلاد ما بين النهرين. ومن المثير للاهتمام أننا نَجِد أنه مِثْل إبراهيم الذي وُلِد في أرضٍ خارج أرض الميعاد، كذلك أبناء يعقوب……الذين سيُسَمّون في المستقبل قبائل إسرائيل…..بدأوا حياتهم كأجانب.

قراءة تكوين ثلاثين بكامِله

راحيل، التي أنعَمَ الله عليها بالجمال، وهي صِفة لا فَضْل لها فيها؛ الزوجة التي حصلَت على كامل اهتمام يعقوب، تغارُ الآن من الصِفة الوحيدة التي تتمتَّع بها أختها والتي، من دونها، ليا مجرد فكرة ثانوية في حياة يعقوب؛ وهي القُدرة على الإنجاب. كطفلة صغيرة تافِهة، تلوم راحيل في الواقِع يعقوب على عُقْمِها، فيَرُدّ عليها يعقوب بإخبارها بحزم شديد أنه بالتأكيد ليس هو المشكلة. لذا، بشكل مُشابه لحياة جدّتِها، سارة، تقدِّم خادمتها الشخصية ليعقوب لتُنجب أطفالاً بدلاً منها. نرى هنا إشارة، كما رأينا الآن عدّة مرّات من قَبل، إلى الخادمة التي تُعطيها سيّدتها "كزوجة". تذكَّروا أنّ هذه الخادمة هي في الواقع ما يمكن أن نسمّيه في اللغة العربية "المَحظية". لقد ارتقت مَكانتها، في الواقع، من خادمة إلى مَحظية ليعقوب. ولكن، لم تَصِل هذه المكانة إلى مكانة ليا أو راحيل، اللتين كانتا زوجتين شرعيّتين، مع كل الحقوق والتكريمات ومراسِم الزواج التي تتماشى مع مَكانة "الزوجة الشرعية" مُقابِل "الزوجة المحظية".

تُتيح لي قصة يعقوب وليا وراحيل أن أشير إلى شيء يجب أن يكون واضحًا: بالتأكيد لم يُصَادِق الله على اختيار يعقوب بأن يَتخِّذ زوجتين……كذلك الأمر بالنسبة لإسحاق وإبراهيم. في كثير من الأحيان نُحبّ أن نقول، "حسنًا، يَرِد في الكتاب المقدس، لذلك يجب أن يكون الله موافِقًا على ذلك". ليس كذلك. في كثيرٍ من الأحيان، تُخبرنا الكتُب المقدسة ببساطة الحقيقة التاريخية، وتُخبرنا بما قيل أو ما حَدَث، ثم لا تُعلِّق على ذلك على وجه التحديد.

بل إنّ هذه العبارات تَظهَر ببساطة من تلقاء نفسها. لقد أوضَح الله تمامًا في بداية سِفْر التكوين أنّ الزواج كان تكوين جَسد واحد من اثنين، وليس ثلاثة، أربعة، خمسة، ستّة، أو كما قال سليمان بعد ذلك بكثير، ألفًا.

لهذا السَبب من المهمّ جدًا قراءة الكتاب المقدس كلِّه ودراستِه؛ حتى نتمكَّن من فَصْل وصايا الله ومبادئه وخصائصه عن بيانات الحقائق التاريخية. الكتاب المقدس مليء بأقوال رجال ونساء؛ والعديد من هذه الأقوال هي أكاذيب صريحة، أو تضخيم للذات، أو مُبالَغة كبيرة، أو تمنِّيات أو تبريرات لسلوك شخصي، أو مجرد تعبيرات عن خُرافات شائعة. في حالة يعقوب، خَدَع يعقوب أخاه عيسو وأباه؛ لم يكُن ذلك تصرّفًا صحيحًا، لكنه فَعل ذلك، والكتاب المقدس يَذكُر ذلك ببساطة.

لم يَختَر يعقوب الزوجة (ليا)، من تلقاء نفسه، والتي يبدو أنّ الله اختارها له…… بل اختار الزوجة (راحيل) التي تُرضي رغباته الذكورية الجسدية والمُندفِعة. لم يكُن ذلك صحيحًا، ولكنه أقدَمَ على ذلك، والكتاب المقدس يذكُر ذلك ببساطة. ثم انتهى به الأمْر بالزواج من امرأتين؛ لم يكن الأمر صائبًا، لكنه أقْدَم على ذلك، والكتاب المقدس يُخبرنا بذلك، إلخ. لا يجب أن نفترِض أبدًا أنه بما أنّ الكتاب المقدس لا يُعلِّق على كلّ قَوْل أو فِعل فيما إذا كان صوابًا أو خطأ، خيرًا أو شرًا، فذلك يعني أنّه، بدرجة ما على الأقل، مقبولٌ عند الله. لأنه إذا كانت التوراة في قلوبِنا، وقرأناها ودرسْنَاها، فسنعرِف ما كان صوابًا وما كان خطأ في نَظَر الله؛ وهذا ما يُتوقَّع منا أن نفعله. إنّ حقيقة أننا قد أُعطينا وجهة نَظَر كاملة لا تتزعزع عن شخصيات الكتاب المقدس، بِعيوبها وكلّ ما فيها، لا يُغيِّر حقيقة الله المُطلقة التي لا تتغَّير ولا مساومة فيها. مِثلنا، كلّ شخصية من شخصيات الكتاب المقدس، باستثناء يشوع، كانت ناقصة وفعلَت أشياء ما كان ينبغي أن تفعلَها.

لنَمضِ قُدمًا. أعطت راحيل بيلا ليعقوب لتحمِل طفلاً بدلاً منها. تقول الآية ثلاثة أنّ راحيل أعطت بيلا ليعقوب لكي "تَحْمِلَ عَلَى رُكْبَتِي، وَبِهَا يَكُونُ لِي أَيْضًا أَوْلَادٌ". هذه العبارة العبرية تَعكِس عادة شرق أوسطية قديمة. تقتضي هذه العادة وَضْع شخص لطفل على ركبة أو حَضْنِه بشكل احتفالي، للإشارة إلى أنّ هذا الطفل هو ابنه. وهذا ادّعاء قانوني. ويتمّ ذلك كما نرى هنا…عندما يكون المقصود من الخادمة أنّ تُستخدَم كأمّ بديلة لسيدة الخادمة…. أو عندما يتمّ تبنّي طفل بشكل قانوني. لذا، علينا أن نفهَم أنّه بنفس الطريقة التي كان لراحيل الحقّ الكامل في المُطالبة بالطِفل الذي ستَلِده خادمتها بيلا، فإنّ لراحيل الحقّ الكامل أيضًا في عدم قبول طِفل تُنجِبُه خادمتُها. فهي ليست مُلزَمة بقبول الطفل الذي تنجبُه خادمتها، حتى لو كان هذا الطفل من نَسْل زوجها. لذا، على حدِّ علمنا…يمكن أن تكون بيلا أنجبَت بعض البنات ولا يوجد دليل على أنّ راحيل قَبِلَت بهنّ على أنهنّ من صَلبها. كان سيكون عارًا كبيرًا على بيلا لو لم يُسمَح لها بإنجاب بعض الأطفال والاحتفاظ بهم لنفسِها. وخادمة من هذا النوع كانت تُعامَل معاملة حسنة ومحبوبة ومُعتنى بها، وتُعتبَر جزءًا من العائلة، لذلك من غير المعقول ألا يُسمَح لها بإنجاب بعض الأطفال لنفسها وتربيتِهم. بالطبع، إنّ الغرَض من هذه الرواية في سِفْر التكوين هو إظهار منشأ قبائل إسرائيل، ولذلك فإنّ المعلومات الوحيدة ذات الصلة ستكون عن الأبناء الذين أنجبَتهم وليس البنات…… ومع ذلك سنَجِد استثناءً واحدًا ملحوظًا في الإصحاحات القادمة.

بيلا، خادمة راحيل، التي أصبحت الآن مَحظية يعقوب، تَلِد له ابنًا باسم راحيل: واسم الابن هو دان، أي "أن يدين". بعد ذلك بفترة وجيزة تُنجِب له ابنًا آخر هو نفتالي (ومعناه "المصارعة" أو "المسابقة").

أمّا ليا (التي قيل لنا في نهاية الإصحاح الأخير أنها توقَّفت عن الإنجاب)، بعد أن لاحظَت نجاح راحيل ومكافآتها الواضحة، سَمحَت لنفسها الآن أن تُصاب بعدوى هذه الأفكار الضعيفة؛ فتُعطي جارَيَتها، زيلبا، ليعقوب لتُنجِب أولادًا بدلاً منها. ويظهر أنّ يعقوب، الذي يبدو ضُعفُه الخاطئ واضحًا جدًا، لا يستطيع أن يقوم بالخيار الصحيح، ولذلك يَقبَل خادمة ليا كمَحظية أخرى من مَحظياته. يولَد أولاً جاد ("الحظ السعيد") ثم آشر ("سعيد") من زيلبا. وادَّعت ليا أنهما ابناها.

والحقيقة أنه كان هناك نوع من الصراع الدائر هنا بين الأختَين؛ كل واحدة منهما أرادت أن تكون المُفضَّلة لدى زوجها، وكل واحدة منهما رأت أنها ستكسَب هذه الأفضلية من خلال إنجاب أبناء لهم قيمة كبيرة. لذا، بعد ذلك بقليل، تَعقُد هاتان الأختان المُتنافستان والمؤمنتان بالخرافات صَفقة. يبدو أنّ روبن ابن ليا يذهَب إلى الحَقل ليجمَع نبات المندراك، التي من المُفترض أن تكون مُنشّطًا جنسيًا. لماذا يفعَل ذلك؟ لأنّ روبن كان يدرِك جيدًا أن يعقوب والده كان يتناوب النوم مع زوجتيه الشرعيّتين: ليا وراحيل؛ لكن ليا كانت لا تزال تلعَب دَور الزوجة الثانية لراحيل، وبالطبع، أزعَجَت هذه المحاباة العلنيّة روبن لأنها أزعَجت والدتَه ليا. وبما أنّ الجِنس مجرّد جزء من الحياة، وخاصةً بالنسبة للأطفال الذين تربّوا حول القطعان والماشية، فإنّ روبن حاوَل فقط أن يساعِد أمه التي لا شكّ أنها اشتَكَت لابنها من عدم عدالة الوَضْع، وهو اعتقد أنّ المندراك ربما تكون الحلّ لتعاسة أمه.

تَرجمة المندراك بالعبرية هي "دودعام" وبينما ارتبَط الكثير من الفولكلور بالقوى المثيرة للشَهوة الجنسية للمندراك، إلا أنها كانت تُستخدَم على نطاق واسع في الأدوية الحقيقية والمُفيدة. يَحمِل المندراك ثمرة صغيرة تُشبه ثمرة الطماطم الكرزية تنضَج في نفْس وقت حصاد القمح تقريبًا ولها رائحة قوية جدًا. كانت أفروديت، إلهة الحبّ عند الإغريق، تحمِل لَقَب "سيدة المندراك أو اللفاح". المثير للاهتمام هو أنه بما أنّ اللغة العبرية لغة قائمَة على جذور الكَلِمات، نَجِد أنّ كَلِمة "مندراك"، دودعام، هي جَذْر من كلمة عبرية هي دوداي والتي تعني "الحبّ". لذا، في نشيد سليمان، على سبيل المثال، سنرى تلاعُبًا على هاتين الكَلِمتَين حيث يُقال….. "لذلك سأعطيك دوداي (الحب)………كما يفوح عِطر دوداعم (المندراك)".

ولكن، كما سنرى، في حين أنّ الكتاب المقدس لا يقول بشكل مباشَر أنّ استخدام المندراك للأغراض التي كانت في ذِهن ليا وراحيل مجرّد خرافة سخيفة، إلا أنه يوضِّح ذلك عندما نرى أنّ التي تَخلَّت عن المندراك (أي ليا) هي التي أنجبت ثلاثة أطفال آخرين، بينما بقِيت راحيل، التي كان في حيازتها مندراك، عاقرًا لبضع سنواتٍ أخرى.

لذا، عندما رأت راحيل، المندراك الذي جَمعَه روبن ابن أختها، لم تُراعِ مشاعر ليا، وقالت لها لماذا لا تُعطيني بعضًا منها. فتقول ليا، نعم صحيح، حتى تستطيعي أنتِ أن تنامي مع زوجي. ياللقَرَف ما العَمَل؟ حسنًا، من دواعي الحكمة، تُعطي ليا راحيل المندراك مقابل أن توافِق راحيل على أن تنام ليا مع يعقوب في تلك الليلة.

على أي حال، تَحمِل ليا ثم تلِد إيساكار، الذي يعني اسمُه "هو (الله) يجلِب الثواب". يَرِد في الآية الثامنة عشرة أنّ هذه المرأة الحائرة قرَّرت في الواقع أنّ إيساكار هو مكافأة الله لها لأنها أعْطَت يعقوب الخادمة كمَحظية. يا لها من عائلة …. (مجرد سرْد القصة يجعلني أشعر بتحسُّن).

على أي حال، بعد ذلك، أعطَت ليا يعقوب ابنًا آخر، زبولون، أي "مَسكن". لماذا مَسكن؟ لأن ليا كانت متأكدة من أنّ العلامة التي حَصلت عليها لإنجابها للأولاد كان تفوق بكثير علامة إنجاب أختها راحيل، ويعقوب سيَسكُن معها مُفضِّلاً إياها، أو ربما يَستبعِد، راحيل! بعد ذلك، يَرِد الاستثناء لقاعدة أنّ الكتاب المقدس عادةً ما يُسجِّل فقط الأبناء الذين وُلدِوا؛ فَتلِد ليا بنت اسمها دينا. بعد ذلك، يأتي دور راحيل وتَلِد جوزيف، الذي يُعتبَر اسمه تلاعبًا مثيرًا للاهتمام في العبرية الأصلية مقارنةً لما هو مُستخدَم هنا في هذه الآيات.

اقرأوا الآية ثلاثة وعشرين. في الحديث عن راحيل، تقول الآية أنها أنجبت ابنًا، لتُعلِن راحيل أنّ "الله قد أخذ مني العار". الترجمة العبرية لكَلِمة "أخَذَ" هي "أساف". في الآية التالية، أربعة وعشرين، تمضي راحيل لتقول إنها لذلك ستُسميّه يوسف، لأن الرَب أعطاها ابنًا آخر. يوسف تعني "أعطى" وأساف، أخَذَ. كان هذا اسمًا نبويًا ليوسف، لأنه بعد سنوات قليلة سيُؤخَذ يوسف من أبيه، ثم بعد سنوات عديدة بعد ذلك سيُعطى إليه مرة أخرى.

من المُثير للاهتمام أن نُلاحِظ، هنا، كما ذَكَرْت في بداية هذا الدرس، أنّ جميع أبناء يعقوب سيولدون بينما كان لا يزال مُستعبَدًا من لابان ما عدا واحدًا، ويعيش في حران في بلاد ما بين النهرين. إذًا، كما أنّ أبناء إسرائيل سيولدون خارج أرض الميعاد، كذلك سيُحتجَزون ويصبِحون أمة خارج أرض الميعاد، في مصر.

مرّت أربع عشرة سنة، سبع سنوات لكل من زوجتيه، ويعقوب أصبح مُستعدًا لاعتراف لابان بخِدمتِه والعبودية على أنّها مدفوعة بالكامل. ولكن، لابان الجشِع والطمّاع لم يكن مُستعدًّا لرحيل يعقوب لأنه استفادَ كثيرًا من وجودِه. لابان روحاني وثني: أي أنه يؤمن بعالَم الأرواح. ويؤمِن بوجود آلهة كثيرة في عالَم الأرواح……ويَعتقد أن إله يعقوب ليس سوى إله واحد من هذه الآلهة. لذا، في الآية سبعة وعشرين يستدعي لابان إله يعقوب ويقول إنه "تكَهّن روحيًا" (التكُّهن بأمور العالم الروحي هو ما يفعلُه الروحانيون والوسطاء) أنّ إله يعقوب هو الذي تسبَّب في هذه الزيادة الكبيرة في القطعان والماشية: وهذا صحيح بالتأكيد، ولكن لابان يقول ذلك فقط ليَجعل يعقوب يبقى.

إذًا، نرى هنا اثنين من سادة الخِداع، يعقوب ولابان، يتصارعان مع بعضِهما البعض. يستخدِم يعقوب الشيء الذي يُجيده، وهو رعاية الغنم والقطعان، لصالِحه ضدّ لابان الجاهل على ما يبدو. يقول إنه سيبقى لفترة أطول إذا أُعطي له كل الخِراف المرقَّطة والماعز. يُقنِع يعقوب الذكي لابان بأنّ السبب في ذلك هو تسهيل معرفة من يملِك الحيوانات هو أو لابان، والتعرُّف على الزيادة في القطيعَين. في الواقع، يعرِف يعقوب أنّه يستطيع أن يرْفَع عدد قطيعه، ولن يستطيع لابان أن يخدعَه بالقول إنّ بعض تلك الحيوانات تَخصُّه لأن لونها يميِّزها عن غيرها. أما الأمر المُتعلِّق بالعصي التي يبدو أنها تجعَل الحيوانات تَتكاثر وتنتِج نسْلًا مرقَّطًا ومُخطَّطًا، فقد اعتبَره علماء الكتاب المقدس خُرافة، وحتى طريقة قديمة للترويج للتربية الجينية المندلية.

والآن، هناك تفاصيل….. يتمّ إخفاؤها تلقائيًا من خلال الترجمة من العبرية إلى لغات أخرى. لاحظوا أنّ التركيز في هذه المقاطِع يَنصَبّ على اللّون؛ وعلى وجه التحديد، فإنّ لَون الحيوانات سيُحدِّد ما إذا كان الحيوان ينتمي إلى يعقوب أو لافان. والخلاصَة هي أنّ الخِراف البيضاء بالكامل، والماعز الداكنة بالكامل مُلْك لابان؛ بينما الماعز التي كانت تحمِل في شعرها الداكن نِقاط أو خطوط بيضاء، والخِراف البيضاء التي كانت تتميَّز ببقُعَ داكنة على صوفها، كانت مُلك يعقوب. يجب أن يكون مفهومًا أنّ الخِراف كانت عادةً بيضاء نقيّة، والماعز عادةً بُنية داكنة أو سوداء. وضمنيًا كان لدى لافان تفضيل كبير للخِراف البيضاء. لمَ؟ لأن البياض، بالنسبة للخِراف، متمثِّل بغياب البُقع داكنة اللون. والعكس صحيح بالنسبة للماعز: فقد كانت دائمًا داكنة اللون ونادرًا ما كانت تظهَر عليها بُقع بيضاء. لذا، إذا كانت كلُّها بيضاء، كانت مُلْك لابان، وعمليًا كانت جميع الخراف بيضاء. في العبرية، كَلِمة أبيض هي لافان. هل فَهمتُم الفِكرة؟

اسم والد زوجة يعقوب مَعناه "أبيض". وكان من المقرَّر أن تكون كل الحيوانات "البيضاء" مُلك السيد الأبيض.

تَوقَّع لافان أنّ كميّة الخراف التي وُلِدت كلّها بيضاء ستفوق إلى حدٍ كبير تلك التي كانت عليها بُقع غامقة؛ وكذلك الأمر بالنسبة لكميّة الماعز ذات اللون الداكن التي ستَفوق إلى حدٍ كبير تلك التي كانت عليها بُقع بيضاء. وقد أثار غضب لافان أنّ قطعان الماعز والخِراف المرقَّطة قد ازدادت بنفْس القَدْر أو أكثر من عدد الخراف البيضاء كلّها أو الماعز الداكنة كلّها. كانت البُقع البيضاء والخطوط البيضاء على الماعز تدُلّ على أنّ يعقوب قد نال من لافان بطريقة واضحة جدًا. كانت هذه إهانة عَلنيّة جدًا للافان، وسرعان ما تفاقمت هذه الإهانة لتُصبح مشكلة كبيرة، لأنها كانت ترافِقه كل يوم. وفي النهاية، أنمى يعقوب قطعانًا وقطعانًا أفضل بكثير من قطعان ومواشي لابان، وأصبح يعقوب مزدهرًا جدًا نتيجةً لذلك. أصبَح الخادم أعظم من سيّدِه. كل هذا أدّى إلى تفاقُم الخلاف الخطير بالفِعل بين عشيرة لافان وعائلة يعقوب المُتنامية. كانت المشاكل تلوح في الأفُق.

سِفْر التكوين الإصحاح واحد وثلاثين

قراءة سِفْر التكوين الإصحاح 31 بكامله

هنا نرى التاريخ يُعيد نفسه. كانت حياة يعقوب تُشبِه حياة إبراهيم من نواحٍ عديدة. لقد كان رَجُلاً بلا وطن، مُتجولاً. هل كان ينتمي إلى بلاد الرافدين، أم كان ينتمي إلى أرض كنعان؟

ونَتذكّر الموقِف الذي حَصَل بين لوط وإبراهيم حين كثُرَت ثروة لوط بحيث سبَّبت توتّرًا بين الموالين لإبراهيم والموالين للوط، فكان الحلّ الوحيد هو الانفِصال. والآن يَجِد يعقوب ولافان نفسيَهما في وضْعٍ مماثل.

من النادر في الكتاب المقدس أن نَجِد انقسامًا وانفصالًا يتمّ وِفق شروط سعيدة؛ فعادةً ما يكون هناك نتيجة غير سارّة في جوهر الأمْر. لذا، ربما ينبغي علينا الاعتبار أنّ الانقسامات والانفصالات التي حدَثَت في حياتنا الناتجة عن سوء التقدير، أو الأنانية، أو الخطيئة، أو حتى شيء خارج عن إرادتِنا تمامًا، هي أمرٌ طبيعي. تقول الكليشيهات المسيحية أنّ الله يَستخِدم أناسًا غير كاملين لتحقيق مشيئتِه الكاملة. في الواقع، هل هناك نوع غير نوع غير المثاليين ليَعمَل الله معهم؟

تمامًا كما قَطَع لوط علاقته نهائيًا بإبراهيم، ومضى ليشكل عائلة جديدة ومُنفصِلة التي سينتُج عنها أمتي موآب وعمون، نَجِد هنا أنّ يعقوب سوف….. بسبب الظروف التي يَستخدمُها يَهوَه لتحقيق مقاصده…… يقطَع أخيرًا الروابط العائلية مع أرض الرافدين وأصهاره. على الرغم من أنّ يعقوب سيقود عائلته في النهاية إلى مصر من أجل البقاء على قيد الحياة، إلا أنه من الواضح الآن أنّ أرض كنعان هي الوَطن دون غيرها.

في الآية واحد، يَسمَع يعقوب أبناء لابان يتذمَّرون من أنّ قطعان يعقوب وغنَمه يجب أن تكون لهم. يا إلهي، التفاحة لا تَسقُط بعيدًا عن الشجرة، أليس كذلك؟ أبناء لابان مثلهُ تمامًا: غيّورون وأنانيّون وجشعون.

عندما يلاحِظ يعقوب المتيقِّظ دائمًا التَغيُّر الواضِح في سلوك عائلة لابان، يُدرِك أنّ الوقت قد حان للرحيل. ويَتحقَّق هذا المفهوم من الله الذي يوصي يعقوب بأنّ هذا هو الوقت الذي سيُحقِّق فيه وعدَه بأن يعيد يعقوب إلى بيته: كنعان.

يتشاور يعقوب مع زوجتَيه. إنهما مستعدَّتان للرحيل. في الواقع، هنا تكشِفان عن الأذى الصادر من والدِهما لابان والغضب منه، لأنه (في نظرِهما) لم يُظهِر لهما الاحترام ببَيعِهما ليعقوب، بينما كان عليه اتِّباع عادات الخُطبة المُعتادة. أودّ أيضًا أن أشير إلى شيء آخر هنا: لا شكّ في أنّ المجتمع العبري كان يُسيطِر عليه الذكور. ومع ذلك، فإنّ المجتمع العبري كان يوقِّر المرأة إلى حدٍّ كبير، وأي فكرة أنّ الكتاب المقدس يروِّج لفِكرة أنّ المرأة كانت آنذاك، أو هي الآن أقل قيمة من الرجل، هي فكرة غير مدروسة. لاحظوا هنا أنّ الكتاب المقدس يُظهِر أنّ أول شيء فَعَله يعقوب بعد أن أَخبَرَه الله أنّ الوقت قد حان للرحيل، هو التشاور مع زوجتيه. ويَتّضِح من الطريقة التي استجابتا له بها أنّ يعقوب راعى كثيرًا مَشاعرهنّ وأفكارهنّ في هذا الأمْر. لا يعني ذلك أنّ يعقوب لم يكُن قائدًا؛ بل أنه أشرَكَ زوجتَيه في القرار الذي أثّرَ عليهما بشكل كبير… تَرْك عائلاتِهما إلى الأبد.

خَطَّط يعقوب لهروبهم ونفذَّه. وَضَع عائلته على الجِمال، وفَصَل ممتلكاته عن ممتلكات لابان، وفي لحظة مناسبة بينما كان لابان خارجًا لجَزّ صوف بعض الأغنام، غادروا؛ ولكن ليس قبل أن تسرِق راحيل مجموعة آلهة أبيها المنزلية لتأخذَها معها في رحلتِهم. لماذا فعلَت ذلك؟ الآيات التي تَسبِق هذا السؤال مباشرة تُجيب على هذا السؤال: الآية الربعة عشرة، قالت الأختان ليعقوب: "هل بقي لنا نصيب أو ميراث في بَيت أبينا"؟ لقَد كان هذا سؤالاً بلاغيًا….. وبعِبارة أخرى، كانتا تعرِفان جيدًا أنّ أباهما لم يكُن ينوي الاهتمام بهما. بل أكثَر من ذلك، هذه إشارة إلى أنّهما تَنفصِلان عن والدِهما؛ لأنهما في الآية السادسة عشرة تقولان إنّ كلّ ما أخَذَه إله يعقوب من لابان هو الآن مُلك "لنا ولبَنينا".

في بلاد ما بين النهرين، جَرَت العادة أن يكون مالِك آلهة العائلة هو صاحِب ثروة العائلة وسُلطانِها. بِسَرقة راحيل لهذه الآلهة، كانت نيّتُها ضمان ميراث العائلة لنفسِها بعد وفاة والدِها. ويبدو أنها كانت تُخطِّط للاحتفاظ بها إلى أن يموت لابان، ثم تَظهَر أمام عائلتها بما يساوي الوصية، ومفاتيح صندوق الأمانات وحقّ أن تكون مُنفّذة للتَركة….. كلّها. كان هذا أمرًا خطيرًا للغاية يَتجاوز بكثير السرِقة التافهة.

ولكنّ الأسوء من ذلك بعد، كان اعتقاد لابان وعائلته….. وعلى الأرجح راحيل أيضًا…… أنّ هذه الأصنام حقيقية وأنها تُمثِّل في الواقع آلهة حقيقية. أولئك الذين التزموا بهذا النظام كانوا يُصلّون لهذه الأصنام من أجل المَطر، من أجل الشفاء، من أجل الأطفال، من أجل الحماية، وما إلى ذلك. بدون آلهته، كان لابان في مأزِق.