7th of Sh’vat, 5785 | ז׳ בִּשְׁבָט תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التثنية » سِفْر التثنية الدَرس الخامس عشر – تكملة الإصحاح الثاني عشر
سِفْر التثنية الدَرس الخامس عشر – تكملة الإصحاح الثاني عشر

سِفْر التثنية الدَرس الخامس عشر – تكملة الإصحاح الثاني عشر

Download Transcript


سِفْر التثنية

الدَرس الخامس عشر – تكملة الإصحاح الثاني عشر

لكي نَضع قاعدة لفَهْم الإصحاح الثاني عشر من سِفْر التثنية والإصحاحات العديدة التالية أيضًا، أمضَينا بعضَ الوَقت في دراسة بعض المَبادئ الإلهية الأساسية الوارِدة في الإصحاح الثاني عشر. المَبدأ الأول هو المَبدأ الخاص بنَمَط العَهد الثابِت؛ والمَبدأ هو أنه عندما يُقدِّم الرَب عَهدًا لأمَّة أو فَرْد فإنّ قبول هذا العَهد يَكون طَوْعيًا. ليس المَرء مُلزَمًا بالدخول في ذلك العَهد الذي يعرِضُه الرَب. من المؤكَّد أنّ الفوائد التي تأتي من كونِك جزءًا من ذلك العَهد لن تكون مُتاحة لك إذا رفضتَ عرضَهُ، ولكن الرَفْض لا يجعلُك عِرضة لنوع خاص من اللعنات أو الغضَب الذي لا يتعرَّض له بقية العالَم (على الأقل ليسَ على المدى القَصير، وليس وأنت لا تزال على قَيد الحياة).

يَشمَل مبدأ العَهد هذا أيضًا جانبًا آخر: وهو أنك إذا قبِلتَ عهد الله، تُلزم نفسَك بجميع الشروط والأحكام المَنصوص عليها في ذلك العَهد. لقد رأينا عندما دَرَسْنا إرميا واحد وثلاثين أنّ ما نُسمّيه اليوم بالعَهد الجديد يجب أن يُطلَق عليه العَهد المُتجدِّد. كمُلاحظة جانبية: الاسم الذي يرمُز إلى الكتاب المُقدَّس المَسيحي (العَهد الجديد) مأخوذ مُباشرةً من إرميا واحد وثلاثين. ولكن يمكننا أن نرى بسهولة ما يحدُث عندما تَكون التَرجمة غير دقيقة، أو تتجاهَل الثقافة والمَكان والمعنى الواضِح الذي كانت تَحمِله الكَلِمة في الأصِل، لأن جدار الفَصْل بين المسيحيين واليهود، ومُعاداة السامية التي هي سِمة الكنيسة بشكلٍ عام، سببُها كَلِمة واحِدة مُترجَمة بشكل غير دقيق: ”الجديد“.

لو كانت التَرجمة أكثر دِقَّة لكان لدينا اليوم كتاب مقدَّس يتألَّف من نفْس الوثائق، ولكن تحتَ عنوان مُختلِف: العَهد القديم والعَهد المُتجدِّد. فَكِّر في ذلك؛ فَكِّر في الفَرِق الهائل الذي سيُحْدِثه هذا التَغيير (الذي يبدو صغيرًا). تَخيَّل كيف أنّ ذلك سيُغيِّر تمامًا عقلية المَسيحيين الأُمَمييّن تِجاه اليهود، وإسرائيل، والفداء، وطبيعة المَسيح، وموقِفنا من الكتاب المُقدَّس بشكلٍ عام. لذلك لا يجِب أن نُصدَم لدرجَة أنه عندما يُحاول أعضاء صَفّ التوراة ومَجموعات أخرى من المؤمنين الذين أدرَكوا هذا الخطأ العقائدي الأساسي (الذي نَشأ عن خطأ بسيط في التَرجمة) أن يَشرَحوه للكنيسة بشكلٍ عام، فإنّ ذلك يَصِل إلى آذان صَمَّاء وعقول مُغلَقة. لماذا؟ إذا كانت الكنيسة المؤسسية ستَقبل هذا الخطأ وتُصحِّحه، وتعترِف بالحقيقة البديهية بأنّ الكنيسة لا يُمكِن أن تكون إسرائيل البديلة إذا كانت إسرائيل الأصْلية (وِفق النبوءة) قد عادت، فإنّ ذلك سيُغيِّر طبيعة الكنيسة بشكلٍ أساسي ويُجبِر العديد من القساوسة والقادة الطائفيين على الاعتِراف بأن الكثير من أُسُس لاهوتِهم وتقاليدِهم ليست دقيقة وتَحتاج إلى تَعديل.

يوضِح إرميا أنّ الفَرْق الأساسي بين العَهد الموسوي الأصلي وتَجديدِه المُستقبلي (بواسطة المَسيح) هو وسيط العَهد. ثاني فَرْق هو أنّ الرَب نفسُه سيَضَع شرائع التوراة وأحكامِها في قلْب المَرء (أي عقلِه وأفكارِه) بينما كان الفَرْد في أوّل عهد مَأمورًا بأن يَضعَها في قلبِه (عقلِه) عن طريق الانضِباط الذاتي ونِيّة اتِّباع تلك الأحكام الإلهية بدقَّة.

إذًا بالنسبة للمؤمِن المُعاصر، هنا تكمُن المشكلة: ما هو الفَرْق بين العَهد الموسوي الموجود في التوراة وما نُسمّيه عادةً العَهد الجديد في المسيح؟ الفرْق ضئيل، ولهذا السبب قال يسوع بصوت عالٍ وواضِح في إنجيل متّى الإصحاح خمسة الآية سبعة عشرة إلى تِسعة عشرة أنّ الناموس والأنبياء لم ولن يَتغيَّروا حتّى تَزول السماء والأرض. يكمُن الاختلاف الجَوهري فقط في أ) من هو الوَسيط (موسى مُقابل يسوع) و ب) كيف وافَق المَرء على أن يَكون جزءًا من ذلك العَهد. كانت طريقة قُبول العَهد في أيّام موسى هي أن تُصبِح جزءًا جسَديًا من أمَّة إسرائيل. بالنسبة للذُكور، كان ذلك يَعني الخضوع لطقوس الخِتان. أما بالنسبة للإناث فكان عليهِنَّ إما أن يُولَدْن في إسرائيل، أو أن يُعلِنَّ ولاءهُنّ لإسرائيل، أو أن يتزوَّجْن من ذَكَر عبراني.

أمّا اليوم فالطريق للانضِمام إلى عَهد الله الفدائي مع إسرائيل هو الإيمان بأعمال وشَخص المَسيح يسوع. وطبيعة هذا العَهد والانضمام إليه (وإن كانت تَرتكِز على شروط العَهد الموسوي) هي طبيعةْ روحيَّة. لكن العَهد الروحي بالطبع يَستمِرّ في شروطِه وأحكامِه التي هي في الأساس شروط وأحكام عَهد موسى. قد تكون الطريقة التي تَتجلّى بها هذه الشُروط والأحكام بدقّة مُختلِفة بعض الشيء (لأنها تُصبح مُحايدة ثقافيًا وتَنتقِل إلى مستوى روحي أعلى في المسيح) ولكنّ كل مَبدأ من مبادئ التوراة التي أمَرَ الله بها يَبقى هو نفسُه. في الواقع يَقضي بولُس الكثير من الوقت في رسائله في التحدُّث عن أوامِر العَهد ونواهيه بعِبارات مُحايدة ثقافيًا.

والمَقصود هو أنّ مُتطلِّبات العَهد الجديد (أو الأفضل المُتجدِّد) لا تقتضي فقط في إظهار المَحَبَّة (حسب مجموعة مُتطلِّبات المؤمن في عقيدة الكنيسة الحديثة)، ولكننا مُطالَبون أيضًا بإطاعة ومُراعاة جميع المبادئ الأساسية للعَهد الموسوي. لدينا التزامات تِجاه الله نتيجة قبولِنا ليسوع. الحيلة، بالطبع، هي كيف نُطبِّق هذه المبادئ في الثقافة والأزمنة الحديثة، وكيف يؤثِّر عدم وجود هيكَل مادي وكَهنوت في أورشليم على الأمور، وكيف نأخُذ في الاعتبار أنّ يَسوع قد كَفَّر عن خطايانا كذبيحة مَرَّة واحدة وإلى الأبد.

هناك مَبدأ آخر تم تأسيسُه في سِفْر التثنية وهو أنّ الله يمكن معرفَتُه. لقد ناقشْنا هذا المبدأ بعُمق لأنّ مُعظمنا قد نشأ في ثقافة يَهودية مَسيحية غربيَّة حيثُ فكرة أن الله قابِل للمَعرِفة ليست مُفاجئة؛ ولكن في أيّام موسى كانت هذه الفِكرة مُضحِكة وتتعارَض مع كل ما هو مَفهوم عالَميًا عن عالَم الآلهة. لقد كَشَف الله عن نفسِه لنا، وأعطانا شرائعَه وقوانينَه (التي تَشرَح نظام عَدْلِه وشخصيَّته)، وأوضَح لنا أنه يهتَمُّ بنا، وأنه مُتاح لِمَن يحبّونَه، وأنه لا يَتغيّر ولا يَتطوَّر. إنه ليس إلهًا بعيدًا ولا غامِضًا بطبيعتِه؛ إنه حاضِر ودقيق. لذلك، فهو، بحُكم تعريفِه، مُختلف تمامًا عن الآلهة الوثنيَّة الزائفة لديانات بابِل الغامِضة التي يَعبُدها بقيّة العالَم (بخِلاف إسرائيل).

تقودُنا هذه المبادئ الإلهية إلى المَبدأ التالي: بما أنّ يَهوَهْ مُختلِف تمامًا عن جَميع آلهة ديانات بابِل الغامِضة التي لا تُعَدّ ولا تُحصى، فلا يُعبَد بنفْس الطريقة التي تُعبَد بها. ليس على إسرائيل تَحْويل مذبَح أو ضَريح وثَني بإعادة تَكريسه ليَهوَه (كما كانت المُمارَسة الشائعة في ذلك العَصْر). ليس على إسرائيل أن تَخلُط تعاليم التوراة النقيَّة مع التقاليد الوثنية المألوفَة غَير النقيَّة في عبادتِها لله تَعالى. كما عليها أن تُدمِّر كل المَذابح الوثنيَّة وأماكِن العبادة المَوجودة داخِل (أرض كنعان) التي أعطاها الله إيّاها.

وأخيرًا انتَهينا بمَبدأ إلهي. رُغمْ أنّه ضروري جدًا لفَهْم حالة البشرية الحالية ومَصيرها المُستقبلي، إلا أنه يُساء فَهمُه بشكل رَهيب في المَسيحية. شُروط وأحكام العهود التي قَدَّمها الله للبَشر هي مُثُل سَماوية؛ وهي مَذكورة كتَعبير عن الكَمال. وبغَضِّ النَظَر عن طبيعتِها المِثالية، يجب اتِّباع وطاعة كل شريعة وأمْر ولا يوجد شيء مُستحيل بطبيعتِه أو صَعْب للغاية بالنسبة للبشر فيما يتعلَّق بأكل أطعِمة مُعيَّنة دون غيرِها؛ أو بالحَجّ إلى الهَيكل في أورَشليم (عندما كان موجودًا)؛ أو بالامتِناع عن الكَذِب أو ارتكاب الزِنا أو قَتْل إنسان ظُلمًا؛ أو مُراعاة يوم السبت السابع. نحن جميعًا قادِرون على تَقديم القرابين (حتّى لو كان ذلك قد يُعطينا القليل لنعَيش منه)، والاحتِفال بالأعياد التوراتية، إلخ. لم تكُن المُشكلة أبدًا في أّن الإنسان لم يُخلَق قادِرًا على طاعة الله طاعةً كامِلةً؛ بل كانت المُشكلة هي أنّ طبيعتنا الخاطئة ومُيولَنا الشِرّيرة (بالإضافة إلى الطبيعة الناتِجة عن الثقافات الرَثَّة التي نَعيش فيها) تَجعَل اليوم الأداء الكامِل لكل هذه المُثُل مُستحيلاً. في الواقِع، لا يُمكِن أن تَحدُث النتيجة المِثالية التي في ذِهن الله بدون أن يُحقِّقهَا المسيح يسوع؛ فالبشرية ساقِطة ومُشوَّهة روحياً. هذا، بالطبع، لا يَعني أننا (كتلاميذ المُخلِّص) يجب أن نتخَلّى عن محاولة العَيش وِفقًا لتلك المُثُل المَكتوبة؛ علينا أن نَسعى جاهِدين لتَحقيقها في كلِّ الأوقات. يُشير بولُس في العَهد الجديد إلى مُحاولة القيام بذلك على أنها ”تَكميل القِدّيسين“ و ”الجَري في الطريق الصالح“.

بما أننا وَصَلنا فقط إلى الآية أربعة من سِفْر التثنية الثاني عشر في المرَّة السابِقة دَعونا نُعيد قراءة الإصحاح بأكملِه.

أعِد قراءة سِفْر التثنية الثاني عشر كلِّه

جَرَت تَغييرات: إنّ بَني إسرائيل على وشَك التَخلّي عن طرُق التَرحال البَدَوية الصَحراوية التي عاشوها خلال الأربعين سنة المَاضية واتِّخاذ حياة المُجتمَع المُستقِرّ القائم على الزِراعة والرَعي في أرض كنعان. لذلك فإنّ هذه الظُروف المُجتمعيّة المُتغيِّرة تعني أنّ الطُرق التي يمكنُهم من خلالِها تَنفيذ مبادئ الله يجب أن تَتغيَّر أيضًا.

يقول دوان ل. كريستنسن، مؤلِّف التفسير الكتابي العالَمي لسِفْر التثنية، ما يلي عن ظُروف بَني إسرائيل المُتغيِّرة وعَلاقة ذلك بظروفِنا "إنَّ الموقِف المحافظ (اللاهوتي) الحقيقي الذي يحافِظ على قِيَم تراثنا، هو مَوقِف يقِف بين النَقيضَين ويحافِظ على التوتُّر بينَهما. لا يَكفي أن نؤكِّد أنّ الدين نفسَه قد تَغيَّر باستمرار منذ زَمَن التجرِبة البرِيّة لإسرائيل القديمة. قد تكون المُمارسات القديمة قد عَفا عليها الزَمن؛ لكن القِيمَ التي أنتجَت تلك المُمارسات في الأزمنة المَاضية لا تزال صالِحة في الوقت الحاضِر. المَهَمَّة المُلِحَّة هي إيجاد أشكال جديدة تُحافظ على تلك القِيَم الخالدة“.

إنّ موسى على وَشك أن يَأمُر بأشكال جديدة تُحافظ على تلك القِيمَ الخالِدة نفسِها التي أعطاها الله لإسرائيل على جَبل سيناء. والأمر الأوَّل يَتعلَّق بالمكان الذي سيَكون فيه حرَمَ الله المُقدَّس، وما إذا كان سيَبقى المكان الوحيد الذي ستَتمّ فيه الذبائح أم لا. وهذا هو المَكان الذي سيسكُن فيه ”اسم“ يَهوَه. هذا مَفهوم مُهِمّ يجب أن نَفهمَه لأنه حيثُما يَحُلّ اسمُه، يمكن الوصول إليه. إنه مُهِمٌّ أيضًا لأن هذا يوضِح أنّ الله نفسَه (أي مجموع كل ما هو عليه) لن يَسكُن في خيمة الاجتماع؛ لم ولن يسكُن هناك أبدًا. إنّ الله يسكُن في السمَاء، وليس على الأرض، وهو بالتأكيد لا يَحُدُّ نفسَه ببعض المباني التي صَنَعها البشر.

إذَن فِكرة أنّ ”اسمَه“ يَسكُن هناك تَستَحِقّ بعض المُناقشة. بالنسبة لنا نحن أهْلُ الثقافة الغربية الحديثة، فإنّ مَعنى اسم الشخص هو ببساطة وسيلة لتَمييز هذا الشخص عن مَلايين الأشخاص الآخرين. إنه لا يَختلِف كثيرًا عن عُنوان الشارع أو رَقم الضَمان الاجتماعي. ولكن في الثقافة الشرْقية، وخاصةً في زَمن الكتاب المُقدَّس، كان للاسم مَعنى أوسَع بكثير وأكثر أهميَّة. في اللغة العبرية، كَلِمة ”اسم“ هي شيم وتَعني السُمعة، وتَدُلّ على مجموعة من الصِفات والخصائص التي يَتَّصِف بها الشخص. لذلك عندما يُثَبَّت اسم الرَب في مكان ما فهذا يعني أنّ جوهَرَه وطبيعتَه مُرتبطان به من حيث الفَرادة.

في حين أنّ فِكرة تَثبيت اسمه في مكانٍ ما هي غامِضة مهما حاولْنا تفسيرَها أو تعريفَها، فإنّ إحدى الطُرق للتَفكير فيها مُشابِهة لفِكرة روحِه القدّوس الذي يَعيش فينا. هل الروح القدس، رواش هاكودش، هو في الواقِع مُجمَل ماهية الرَب؟

من الواضِح أنّه ليسَ كذلك وإلاّ لَما أمَرَنا الكتاب المُقدَّس بالتأكيد نحن الذين لدينا الروح القُدُس بداخِلنا أن نُصلّي إلى أبينا الذي يَعيش في مكان يُسمّى السماء؛ بل هناك جوهَر أو صِفَة منه تَسكُن داخل الجَسَد أي خيام المؤمنين به. من الإنصاف أن نَقول إنه كما أنّ الرَب في عَهد موسى ثَبُتَ اسمُه في مكان يَختاره (في مكان ما في أرض كنعان) لتُقَدِّم فيه إسرائيل الذبائح، فإنه أيضًا قد ثَبَّت اسمَه داخِل المؤمن. أمّا حلول الروح القدُس في التِلميذ البشري ليَسوع فيُعادل تقريبًا في الأيام القديمة حُلول يَهوَهْ مع عابِديه من بَني إسرائيل بظهورِه فوق كُرسي الرَحمة في خيمة البريَّة (أو الهيكل فيما بعد).

تقول الآية ستّة إنه في المَكان الوحيد الذي أقام فيه يَهوَه اسمَه سيُقيم جميع أسباط بَني إسرائيل ليَذهبوا ويتعَبَّدوا ويَذبحوا. بالنسبة لنا، تبدو كَلِمتا العبادة والذبيحة في حدِّ ذاتِهما دقيقتَين بما فيه الكفاية لتَحديد مَعناهما لأننا في مكانٍ ما قرَّرنا أنّ لدينا خيارًا غَير مَحدود في تَحديد ماهية العبادة والذبيحة. المُشكلة هي أنه بينما نَملِك بعض الحُرّيَة في هذا الصَدد، فإن لدينا أيضًا حُدودًا؛ والحَدّ العام الوحيد الذي يضَعَه هذا الإصحاح أولاً وقَبْلَ كل شيء هو أنه لا يَجِب استخدام الطرُق والأشكال التي اعتاد الوثنيون استخدامَها لعِبادة آلهتهم الكاذِبة.

منذُ عِدَّةِ سنوات أعْطيتُ تَعليمًا مُستفيضًا إلى حدٍ ما عن كَلِمة ”التَسبيح“. وما نجِدُه هو أنّ هناك أكثر من اثنتي عشرة كَلِمة مُختلفة في العِبرية تُستخدَم لوَصْف أعمال وجوانب مُختلفة لتكريم الرَب، وكلُّها عادةً ما تُختزَل وتُترجَم إلى مصطلح واحد فقط: التَسبيح. هنا نَسأل قائلين: ”حسنًا، ما هي الطريقة الجيدة والمَقبولة لتَسبيح الله“؟ هل يُمكننا أن نرفَعَ أيدينا أم يجِب أن نقِف بلا حراك وذراعَينا على جوانِبنا؟ هل يُمكننا أن نصرُخ بفَرَح، أو نرقُص، أم يجب أن نَكون كئيبين وهادئين؟ من المُفارقات أنّ كل كَلِمة من الكَلِمات العِبرية الاثنتي عشرة التي يَجمعُها علماء الكتاب المُقدَّس معًا ويُترجمونها إلى ”التسبيح“ هي في الأصل وَصْف دقيق للتسبيح المَقبول. لذلك يُعطينا الكتاب المُقدَّس في الواقِع العديد من الأشكال المُختلفة لتسبيح الله، كلٌ منها مُحدَّد إلى حدٍّ ما في طبيعتِه ومناسِب في ظروف مُختلفة. لن أخوض في كلِّ ذلك اليوم؛ أنا ببساطة أوضِح نُقطة. والنُقطة هي أنه في الآية ستّة من سِفْر التثنية الثاني عَشر لدينا قائمة بالأشياء التي يَتمّ تَجميعها معًا دائمًا باستخْدام المُصطلحات العامَّة ”الذبائح“ و”القرابين“. ومع ذلك فإنّ كلٍ من هذه الأشياء له مَعنى دقيق ومُختلف، لذلك يُعطينا الكتاب المُقدَّس مجموعة مُفصَّلة إلى حدٍّ ما لما يجب نقلُه إلى المَكان المُقدَّس المَركزي وتقديمُه ليَهوَه، وتحت أي ظَرْف.

دعونا نُلقي نظرة على تلك القائمة. اعْلَموا أن هناك خلافًا كبيرًا حول مَعنى كل كَلِمة من هذه الكَلِمات حيث لا توجد ترْجمة مُباشَرة لكَلِمة بكَلِمة مُقابِلة لها في لُغة أخرى. لذا فإنّ كل محاولة للتَرجمة هي في الأساس تَخمين مَدروس لغرَض تلك الذبيحة بالتَحديد. الأولى هي المِحْرَقة؛ في العبرية عُلى. يُعتقَد أنّ عُلى تعني ”القربان المُقرَّب“ أو ”ما هو صاعِد“ وتُشير (على الأقل جزئيًا) إلى الدُخان المُنبعِث من الذبيحة المَحروقة. كما تُشير إلى الحيوانات التي تُقتَل وتوضَع على المذبَح ليتمَّ إحراقها. مع هذا النوع من الذبائح لا يُترَك أي شيء من الحيوان ليأكلَه العابِد أو الكاهن المُحتفِل.

الثانية هي ما يُترجَم غالبًا بشكل غير مُتقَن إلى ”ذبائح أخرى“. الكَلِمة العبرية الفِعلية المُستخدَمة هنا هي زيفا، وهي نوعٌ خاص من الذبائح الذي يَنتمي إلى فئة الشيلاميم. تُسمّى أحيانًا ذبيحة السَلام ومَهْما كانت طبيعة الزيفا والغرَض مِنها فهي من الذبائح التي يُحرَق جزءٌ منها فقط على المذبح، والباقي يتمّ تقاسُمُه بين العابد والكهنة.

النوع الثالث المَذكور في هذا المَقطع هو العُشر. كانت الوظيفة الأساسية للعشور هي دَعْم خيمة الاجتماع، وبعدَ ذلك الهيكل؛ وكان من ضِمْن هذا الدَعم دَعْم العمّال اللاويين الذين كانوا يَقومون بمُختلَف الوظائف اللازمة للهَيْكل.

كان مُعظم هذا الدَعم على شَكْل مُنتجات زراعية وحيوانات (مرَّة أخرى، ليس كقرابين في حدِّ ذاتها، ولكن ببساطة كوَسيلة دَعْم مُباشَر لعمّال خيمة الاجتماع). وبمرور الوقت مع تَطوُّر الثقافة العِبرانية وتَقَلُّص جزء من المُجتمع القائم على الزراعة بسبب تزايُد عدَد السكان من التُجّار والحِرَفِيّين وما إلى ذلك، كان يتمّ تَقديم المال بَدَلاً من الحيوانات والمُنتجات.

رابعاً التيروما التي تَعني التبرُّعات. تُشير العِبرية إلى إعطاء شيء مَأخوذ من مَبلغ أكبَر. وهي تُشير أكثر إلى تَقديمات الثِمار الأولى وعادةً ما تُترجَم باسم غريب هو ”تَقْدِمة الهِيف“. إنها تَقْدِمَة يتم رَفعهُا فوق الكَتِفَين والتلويح بها. وإذا كنت تُفكِّر ”يا إلهي هناك الكثير من أنواع العطاء المُختلفَة المُتوقَّعة“، فأنتَ مُحِق؛ فالعشور كانت شكلاً واحدًا فقط من أشكال العَطاء، والتقدِمة (التي تُعادِل تقدمَة الثمار الأولى) كانت نوعًا آخر، وكان على الشخص أن يقدِّم الاثنين معًا.

بعدَ ذلك كانت هناك تقدِمات النُذور والتقدِمات الحرَّة، بالعبرية نِدِر. كانت هذه الذبائح والهدايا نَتيجة نذور لكي يفَعَل الله شيئًا (أو حتّى يمنَعَ حدوث شيء سيء)، ويَقوم هذا الشخص بتَقديم مَبلغ أو شيئًا مُتفقًا عليه إلى الله في المُقابِل. من المَفهوم أنّ هذا النذر لم يكُن هو الهدية المَوعودة لله؛ بل كان ما يُصاحب طقوس النِذر نفسِه. ومن ناحيةٍ أخرى كان هناك نَوع آخر من النِذر، حيث كان يُقدِّم العابِد شيئًا ما ببساطة كتَعبيرٍ عن الامتنان أو الشُكر حيث لم يكُن هناك نذر أو وَعْد، بل كان مجرد عَطاء تلقائي.

وأخيرًا لدينا تَسمية الأبكار، أو بكورة بالعِبرية. والفِكرة هي أن تُعطي من أبكار غنَمِك وقطعانِك للرَب. إذًا بينما تتضمَّن البواكير التيروما الإنتاج، فإن البواكير بكورة تتضمَّن المخلوقات الحَيّة.

كما ترَون هناك مَجموعة كبيرة من التقدِمات والذبائح لعِدَّة أغراض مُختلفة؛ إنّ جَمْعَها معًا لا يُخفي الهدَف فقط، بل يَفشَل في تعليمِنا الكثير عمّا هو مُتوقَّع منا فيما يتعلَّق بالعطاء والذبائح. لقد رأينا الشيء نفسَه في سِفْر اللاويين عندما تَعلَّق الأمْر بمجموعة من الذبائح التكفيريَّة المُختلفة المُصمَّمة للتَكفير عن شيء مُحدَّد بما يَخصّ كل نوع من أنواع الخطايا المُحدَّدة. إنه يَبدأ في تَوضيح الطبيعة المُعقَّدة ومُتعدِّدة الأوجُه للخَطية والتَكفير التي تَحجُبُها العقيدة المسيحية النموذجية التي تقول بأنّ الخَطيّة هي نفسُها (مهما كانت).

تُوضِح الآية سبعة أنه يجِب على جميع أهْل البيت أن يَشتركوا في تَقديم هذه الذبائح والتقدِمات المُختلِفة التي تتضمَّن وليمة. على المَرء أن يُمعِن النَظَر قليلاً بين السطور ليَحصُل على الفَهْم العام؛ هنا يُشار إلى أعياد الحَج السَنوية الثلاثة حيث يَجِب على كل عائلة أن تأتي إلى خَيمة الاجتماع (الهَيكل فيما بعد) للاحتِفال والتَضحية. وسِفْر التثنية يوضِح تمامًا وجوب أن تأتي العائلة بأكملِها، وليس فقط رَب البَيت الذَكَر. هذه هي أعياد الفَرَح؛ إنها أعياد الله المعينة، ولذلك يجِب على العائلة أن تُشارك فيها.

اسمَحوا لي أن أذكِّرَكم أنه بين سِفْر الخروج وسِفْر اللاويين، تمّ تأسيس سَبع أعياد توراتية؛ مِنها ثلاثية أعياد تُسمّى أعياد شاغ أو أعياد الحَجّ، أي أنّ العائلة تَقوم بالحَج المَطلوب إلى الحَرَم المَركزي (في معظم الأحيان إلى أورشليم). بِحُكم التعريف، الأعياد الأربعة الأخرى ليست أعياد حَج، وبالتالي على العائلة أن تَحتفل بها مَحليًا، أينما كانت تَعيش، على الرُغم مِن أنّها إذا اختارت الذهاب إلى خيمة الاجتماع أو الهَيكل فبالتأكيد يُمكنُها ذلك.

اسمَحوا لي أيضًا أن أُشير إلى أنّه في وقت قَصير جدًا أصبَح أحَد الأعياد التوراتية غير الحَجية مُقترِنًا بأحد أعياد الحَج المَطلوبة، وبالتالي كان التأثير هو أنّ أربَعة أعياد توراتية كان يُحتفَل بها في الهَيكل وثلاثة أعياد لا يُحتفَل بها. عيد الفِصح، باساخ، ليس عيدًا للحَج، ولكن العيد الذي يبدأ في اليَوم التالي لعيد الفِصح، وهو عيد الفَطير.

كان من المَنطقي، لأنّ هذين العيدَين كانا يُقامان في أيام ُمتتالية، ولأنه تمامًا مِثل أهْل الكنيسة اليَوم الذين يُفضِّلون إقامة الاحتفالات في مَبنى الكنيسة في أيام مُعيَّنة ذات مغزى مِثل عيد الميلاد ورأس السنة، أن تُفضِّل العائلات الإسرائيلية أن يَكون عيد الفِصح في مَجمَع الهيكل الرائع في أورشليم. لذلك كانت تَمضي وتحتِفل بعيد الفِصح في أورشليم بوصولها قَبل يوم واحد من بدء عيد الفِصح المَطلوب، عيد الفَطير؛ لقد ضَرَبَت عصفورَين بحَجَر واحد.

ابتداءً من الآية ثمانية، يَتمُّ تَوضيح القواعد المُتعلِّقة بحَصْر الذبيحة في مكانٍ واحد فقط. وبذلك نتعَرّف على مَبدأ أساسي آخر من مَبادئ الله الأساسية: وهو أن يَهوَه، وليس البَشر، هو الذي يُشرِّع الطريقة التي يجِب أن يُعبَد بها وأنّ العبادة الصحيحة لله تتألَّف من طقوسِه المَرسومة التي يجِب أن تتُمّ في أوقاتِه المُحدَّدة. هذا مَبدأ آخر من تلك المبادئ التي سَيرُدّ عليها معظم المَسيحيين بتثاؤب غير مُبالين قائلين: ”حسنًا، بالطَبع أنا أعبُد بالطريقة التي يُريدها الله. ولكن هيا، نحنُ في القَرْن الحادي والعشرين؛ لدَيَّ الحُرَّية الكامِلة للعبادة متى أريد، وأينما أريد، وكيفَما أريد……لا توجد قواعِد“. أيّها الناس، هذا ليس صَحيحًا. في حين أنّنا بالتأكيد لسنا مُلزَمين بالعبادة في خيمة بريَّة، ولا يجِب علينا أن نتلو كَلِمات دقيقة، ولا أن يكون لدينا تَرتيبٌ مُعيَّن للخِدمة، ولا نحن مُقيَّدون بالصلاة في أوقات وأماكن مُعيَّنة إلاّ أنّ الرَب أعطانا مواعيد وأوقاتًا وطُرقًا لنَعبُده فيها. أمّا القيام بغَير ذلك ليس عِبادة له على الإطلاق مَهما أصْرَرْنا على أنها كذلك بل هي مُجرَّد ديانة كما كان الكنعانيون يُمارسونها؛ ديانة يأمُر الرَب (هنا في سِفْر التثنية) بإزالتِها.

من أبرَز علَماء الكتاب المُقدَّس الأصوليين المُحافظين في عصرِنا هذا هو والتر كايزر الابن، وهو العَميد الأكاديمي في مَدرسة الثالوث اللاهوتية الإنجيلية الشَهيرة. أثَّرت أعمالُه على الأرجح على مَذاهب الكنيسة الحديثة ولاهوت الحركة الإنجيلية أكثَر من أي شخصٍ على قَيد الحياة حاليًا. استَمِع إلى الأشياء المُدهِشة التي يقولُها عن العَهد القديم وقواعِده وقوانينِه فيما يتعلَّق بمُمارساتِنا التَعبُّدية المَسيحية الحديثة وعقائد العبادة: ……من أجلِ التَعويض عن توقُّف التعليمات حول جميع أنواع الأسئلة العَملية حول كَيفيَّة التعامُل مع المَشاكل اليومية مِثل ”صِراعات الشباب“ وما شابَه ذلك، يتدفَّق الإنجيليون بالآلاف في كلّ مِنطقة حَضَرية كُبرى إلى نَدوات خاصة كشَهادة صَريحة على تعطُّشِهم لتَعليم كتابي حقيقي حول الأمور التي تمّ التَعامُل معها في شريعة العَهد القديم. من المؤكَّد أنّ معظَم هذه الحلَقات الدراسية حولَ مشاكل الشباب، وإثراء الزواج، وتِقنيات إدارة الأعمال استندَت بشكلٍ كَبير على أسفار الحِكْمة الكِتابية في سِفْر التثنية (خاصةً الأمثال والجامِعة ونشيد سُليمان). ولكن ما أدرَكَه القليلون، وما لا يزال أحد أفضَل الأسرار المَحفوظة حتّى يومِنا هذا، هو أنّ هذه الأسفار الحِكَمية نفسُها تَنْبَع من شريعة موسى. على المَرء أن يأخُذ كتابًا مُقدَّسًا مَرجعيًا هامشيًا ويُلاحظ كَم مرة يَقتبِس نَصّ سِفْر الأمثال على سبيل المِثال مُباشرةً أو يُلمِّح إلى أسفار الخروج والعَدد والتثنية في طريقتِه ”اللاهوتية“ الشائعة. يجب أن تَكون هذه الأمْثلة القليلة كافيَة لتَحذير القَسّ والمُعلِّم المُعاصر. يجب أن نتغلَّب على تَحامُلنا المَوروث ضِدَّ العَهد القديم، خاصةً فيما يتعلَّق بالناموس. يجِب أن نتحرَّك على الفَور لتَحقيق التوازُن في النِظام الغذائي الروحي لشَعب الله. قِلَّة من الناس اليوم قد يَتبنّون خِطّة غذائية للوَجبات السريعة كخِطَّة مُنتظِمة للأكل الصِحي؛ ولكن كَم من المَسيحيين يُفضِّلون تناوُل ”التَحلية“ فقط كما هو موجود في العَهد الجديد؟ مِن أجْل مُعالجَة هذا الخَلَل…….يجِب (علينا) أن نبدأ في استِخدام الكتاب المُقدَّس في خِدمة تَعليمية أكثر توازُناً وشُمولية“.

أُدرِكُ أنّ أعضاء دَرس التوراة والمُستمعين يَستوعبون الكثير منذُ عِدَّة سنوات فيما نَشِقُّ طريقَنا بعِناية من خلال توراة الله. ولكن لا يجِب أن نَعتقِد أنّه لمُجرَّد أنّ هذه الأسفار تَحتوي على الكثير من التَفاصيل والتَاريخ أنّ ما لدينا هنا ما هو إلا مَجموعة من الحَقائق التاريخية المُثيرة للاهتمام فيما يتعلَّق بشَعْب قديم لأنَّ كلَّ شيء له عَلاقة بنا، يهودًا كنّا أَمْ غَير يهود. المؤمِنون ليْسوا بأي حال من الأحوال مُتحرِّرين من طاعة المَبادئ الإلهية المُقدَّمة لنا، ولا من مُراعاة أوقات الله المُعيَّنة كما جاء في ناموس موسى. بالتأكيد ليست هي التي تَجلِب لنا الفِداء، ولم تكُن كذلك في أي وقتٍ من الأوقات في التاريخ. ولكن هي (ولا تَزال) مَبادئ العِبادة والحَياة الصَحيحة (كشعب مُفتَدى) التي يُتوقَّع منا أن نَتَّبِعها بالكامِل. بما أنّ جسَد المسيح قد قرَّر منذ بعض الوقت الآن أن يتَخلّى عن شرائع الله وقوانينِه لصالِح الحرية الفردية غير المُقيِّدة، وبدلاً من ذلك اتِّباع قلوبِنا الخاصة، فإننا نأسَف ونَشكو من أنّ الكنيسة تَبدو وكأنها فقدَت طريقَها إن لم تكُن قد فقدَت قوَّتَها الروحية. هل من عَجَب؟ كما يَشرَح الكتاب المُقدَّس والعَهد الجديد، فإنّ طاعة الله واختبار قوَّتِه مُرتبطان معًا ارتباطًا وَثيقًا كشَرْط مُسبَق. لذلك، كما يَفعَل والتر كايزر، أطلُب مِنكم أن تُعيدوا النَظَر في مُمارسات عبادتكُم والطرُق التي تَحتفلون بها وتَتبعون بها الرَب لتَرَوا إن كانت ربّما لا تَتناغم مع مَراسيم الله. لأنه إذا لم تكُن كذلك، فالسؤال التالي الذي يجِب طرحُه هو: من هو إذَن، في الواقع، الذي أتبَعُه وأحاول إرضاءهُ؟

يَتناول الرَب هذا السؤال بالتَحديد في الآية ثمانية. يقول إنه لا يَنبغي أن تتصرَّف كما تتصرَّف الآن (كل إنسان كما يشاء). اسمَحوا لي أن أعيد صِياغة ذلك: لقد كنتُم تُرضون أنفسَكُم أو تَتبَعون الصواب السياسي للعالَم أو تلتزِمون بالمَذاهب الفَلسفية للدين، لكنَّكم تَفعلون ذلك باسمي وأنا لا أحبُّ ذلك ولا أقْبَلُه. متى بدأ القول التالي ”افعَلوا ما يَراه كلّ إنسان صوابًا في عينَيه“؟ كلُّ ذلك خلال رِحلة البَرّية. ولكن كما تَقول الآية تِسعة، الآن وقد دَخلتُم أرض الميعاد، توقَّفوا عن فِعل ذلك.

بل على العَكس (الآية عشرة) عندما تَعبُرون الأردن وتَدخلون مكان الراحة والأمان الذي مَنحكُم الله إياه، أَطيعوا هذه الوَصايا التي أُعطيَت لكُم على جبل سيناء، وبذلك ستَفرحون بميراثكم مع عائلتكُم ومع عبيدكُم وحتّى مع اللاويين أمام حَضْرة الرَب.

اسمَحوا لي أن ألخِّص هذا المَقطع القَصير من سِفْر التثنية حول ما هو مَأمور به هنا فيما يتعلَّق بالعِبادة والذبيحة: هناك طريقة الله المَقبولة في طَرَف وهناك طريقة الإنسان غَير المَقبولة في الطرَف الآخر. لا يوجد حَلّ وسَط. لا يوجد وَسَط سعيد. لا يمكِن للشعب العبراني أن يَخْدُم نفسَه ويخدُم إله إسرائيل؛ لا يمكنُه أن يخدُم يَهوَهْ وآلهة الكنعانيين في آن واحِد (ولا حتّى لو كان في المَقام الأول خِدمة الله وفي المَقام الثاني خِدمة بَعْل). تمَّ التعبير عن ذلك بطريقة أخرى بعد ألف وثلاثمئة سنة في المُستقبل بواسطة يَسوع: عن ترجمة الكتاب المُقدَّس الأميركية النموذجية الجديدة، متّى الإصحاح ستّة الآية أربعة وعشرون "لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ أَحَدَهُمَا وَيُحِبَّ الآخَرَ، وَإِمَّا أَنْ يَتَمَسَّكَ بِأَحَدِهِمَا وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لا يمكنكم أن تخدموا الله والمال.

تُقدِّم الآية خمسة عشرة تَحوُّلاً ضرورياً وعَمَلياً وجَذْرياً إلى حدٍ ما بالنِسبة لبني إسرائيل وهم يؤسِّسون الحياة في أرض الميعاد؛ وهو أنه يُسمَح لهُم بأكْل اللحْم دون أن يُقدَّم أولاً كجزء من ذبيحة. اسمَحوا لي أن أذكِّرَكم أنه حتّى هذه النُقطة (منذ أن أُعْطِيَت الشريعة في جَبل سيناء) كانت الفريضة تَقضي بأنّ جميع لحوم الحيوانات الداجِنة الّتي كان العبرانيون يأمَلون في أكلِها يجب أن تَكون أولاً جزءًا من طقوس ذَبيحة يقوم بها الكَهنوت في خيمة البريّة. أصَرّ على الحيوانات الداجنة لأنه كان مَسموحًا لإسرائيل أن يأكلوا لحوم الحيوانات غير المُستأنسة (مِثل الغزلان) شَريطة أن تكون كوشير؛ أي أن تَكون هذه الأنواع غير المُستأنسة تَجتَرّ ولها حافِر مَشقوق، من بين بعض المُتطلِّبات الأخرى (كان هناك العديد من الحيوانات المَحظورة على وَجه التَحديد كطعام أيضًا).

لجَميع الأغراض العَمَلية، كانت الحيوانات التي كانت تُشكِّل القِطعان والمواشي النموذجية التي جاءت مع إسرائيل في خروجِها من مصر تُصنَّف كحيوانات داجِنة، وبالتالي كانت حيوانات طاهِرة طَقسيًا وبالتالي مَقبولة لتقديم الذبائح ليَهوَه، ولكن حتّى الحيوانات البريَّة الطاهِرة لم يكُن مسموحًا بتَقديمها ذبيحة للرَب. لذلك كانت القاعِدة (فيما يتعلَّق بالحيوانات الداجِنة) هي أنّ كل ما كان مُناسبًا للتَضحية كان مَقبولاً كطعام للشَعب. وكان بإمكان الشعب أن يأكُل فقط لحوم حيواناتِه الداجِنَة التي قُدِّمت أولاً كذبيحة.

في المَكان الذي كانوا يَعيشون فيه (بشكلٍ رئيسي في الطرَف الغَرْبي من شِبه الجزيرة العرَبية ومَناطق صحراء سيناء) لم يكُن هناك سوى القَليل من الحيوانات البريَّة وعلى الرُغم من أنّ لَحم الغزال كان مَقبولاً، إلا أنه كان من النادِر، ومن المُرجَّح أنّ مُعظم العائلات لم يكُن لديها امتياز تذوُّقِه. أمّا الطيور فقد كانت مُتوفِّرة بشكلٍ أكبَر، فعلى الرُغم من أنّ حادثة السَمّان التي قرأنا عنها كانت حَدثًا عجيبًا، إلا أنه كان من المُعتاد أن تَطير أسراب هائلة من السَمّان فوق سيناء وتَستقِرّ على الأرض من حينٍ لآخر للاستراحة لفَترة وَجيزة. لم يكُن مَطلوبًا أن يكون أيٌ مِنها قربانًا مقدسًا قَبْل أن يؤكَل.

القاعِدَة الجديدة هي رَسْم خَطّ فاصِل بين أكِل اللحم لسَدّ الجوع وتقديم اللحم لأغراض مُقدَّسة. لأن الله يتصرَّف بطريقة مُعيَّنة، ومُعظم ما يأمُر به ليس لمنفعتِه بل لمنفعَة البشَر (حتّى وإن كنّا في بعض الأحيان لا نرى أو نفهَم هذه المَنفعَة)، فإنّ إحدى الفوائد العَمَليّة لأمْر الرَب بأكْل الحيوانات من القِطعان فقط أثناء رحِلة بَني إسرائيل في البريَّة وفقط عند تقَديمها كذبيحة، هي مَنْع قطعانِهم من الهلاك. لقد كان أخْذ حيوان إلى خيمَة الاجتماع ليُذبَح ذبحًا طقسيًا أمْرًا شاقًا جدًا، وعادةً ما كان العابِد لا يحصُل على جُزء مِنه كطعام. هل يمكنُك أن تتخيَّل الطوابير الطويلة من الناس الذين كانوا يَرغبون في تَقْديم الذبائح في خَيمة الاجتماع، والمرافِق الَمحدودة نِسبيًا غير قادِرة على استيعابِهم؟ لذلك فإنّ اللحم، على الرُغم من أنه كان مَرغوبًا كما هو مَرغوب بالنسبة لنا، إلا أنه لم يكُن يؤكَل كثيرًا. وبما أنّ اللحم كان يَفسُد في غضون ساعات، فكلّ ما كان يُذبَح كان يجب أن يُطبَخ ويؤكَل كامِلاً وفي الحال. ولم يتمَّ توزيعُه على مدى عدَّة أيام. نعم، كانوا قد تَعلَّموا تَجْفيف اللحم لحِفظِه وقد حَدَث ذلك. ولكن كان عليهِم أن يَكونوا في مَكان يمكِن فيه إجراء هذه العمليَّة، وحتّى في ذلك الوقت كانت الحيوانات المُتوفِّرة قليلة نِسبيًا.

ما نفهَمُه من الآية الأولى من هذا القِسم من سِفْر التثنية الثاني عشر هو أنه من الواضِح أنّ الشَعب لم يُطِع هذه القاعِدة. لقد فَعَل ما نَميل إلى القيام به نحنُ: نُطيع بعضَ ما يَقوله الله ونتجاهَل الباقي لراحتِنا. لقد اشتهى الشعَب اللحم بشكلٍ إيجابي؛ وعندما نَشتهي أي شيء تتولَّى طبيعتُنا السَيطرة على أي شيء ونفعَل أشياء لا يَنبغي أن نفعلَها لنَحصُل على ما نَشتهيه. ولكن الآن وقد كانت إسرائيل على وشَك الدُخول في حياة مُستقِرَّة مع الكثير من المَراعي حيث تَستطيع زِيادة قِطعانها، فإنّ خَطَر هلاك قِطعانِها (التي كانت بالضرورة مَحدودة الحَجم بسبب مَحدودية المَرعى والمياه خلال رحلتِها في البرية) كان قد انتَهى. من الواضِح أنّ الله كان قد وافَق بالفِعل على أكْل اللحوم (حتّى وإن كان في ذلك إزعاج حقيقي بسبب شَرْط الذبيحة)، لذلك فإن الرَب الآن يَقول لِبَني إسرائيل أن يأكلوا بالقَدْر الذي يُريدونَه.

ولكن، هناك بعض الحُدود حتّى لهذه الحُرِّيَة الجديدة، وسنَتناولُها في المرَّة القادِمة.