سِفْر التثنية
الدرس الرابع – الإصْحاحات الثاني والثالث والرابع
نُواصِل هذا الأسبوع في سِفْر التثنية الإصْحاح الثاني. وسنَبدأ بالتّعليمات الواردة في الآية الرابعة والعشرين ليَبْدأ بني إسرائيل احْتِلال أرض كنعان؛ أو بِعِبارة أُخرى لِنُطلِق أوَّل طَلْقة في حَرْب يَهْوَهْ المُقَدَّسَة. دَعونا نُعيد القِراءة من الآية الرابِعة والعشرين إلى نهاية الإصحاح الثاني.
أعِد قراءة سِفر التثنية الإصْحاح إثنين على أربعة وعشرين حتى النِّهاية
بِداية الحَرْب مُثيرة للاهْتِمام لأنها تُشْبِه إلى حَدٍّ كبير ما حَدَث مع فِرْعَون في مصر. عُرض على مَلِك حَشْبون السّلام. كل ما كان عليه أن يفْعَل هو أن يَسْمَح لِبَني إسرائيل بالسَّيْر عَبْر أرْضِه في الطّريق إلى كنعان. كانت حَشْبون على الجانب الشَّرقي من نهر الأردن، وبالتالي لم تَكُن جِزءًا من الأرْض المُخَصَّصة لبني إسرائيل. لذلك لم تَكُنْ هناك حاجَة حَسَب إرادة الله العامّة لِغَزو هؤلاء النّاس. ومع ذلك رَفَضَ المَلِك سيحون عَرْض السَّلام وهاجَم بني إسرائيل. وكانت النَّتيجة إبادَة الأمورِيّين.
توضِح الآية ثلاثين أن الرَّب زاد من عَزيمة المَلِك سيحون، وهذا بالضَّبط ما فَعَلَه الرَّب مع فِرْعَون في الخُروج. إن تأثير زيادة عَزيمة سيحون هو أن الله قد خَطَّط أن يكون مَصير سيحون الهَلاك (تمّ اتِّخاذ القرار). يوضِح العهد الجديد أنه في وقتٍ ما (عادةً قبل المَوت) الشَّخْص الذي يُصِرُّ على مُقاومَة تَدْبير الله للخَلاص (حسب تقدير الله) سيُترَك (حسب تَقْدير الله) إلى حالَتِه الشِّريرة بِشَكْلٍ دائم؛ لن يُلاحِق الرَّب هذا الشَّخْص بعد ذلك. سِواءً كان الرَّب يُقَسّي قَلْبَه، أو بِبَساطة يَتْرُكه إلى الهَلاك الأَبَدي، فإن الأمْر مُجَرَّد مَسْألة دَلالية لأنه لم يَعُد هناك أمَل.
والآن اسْمَحوا لي أن أبْدأ هذا الأُسْبوع بِمَبْدأ آخر من مَبادئ الكِتاب المُقَدَس العَظيمة التي تأتي من هذه الآيات. وهذا المَبْدأ هو أنه بينما يُمْكِننا أن نَتَكَلَّم عن "الإرادة الحُرَّة" التي مَنَحَها الرَّب للإنْسان، فإن هناك حُدودًا وقُيودًا لتِلك الإرادَة الحُرّة.
وقبل أن نَذْهَب إلى هناك دَعوني أُشير أيضًا إلى وَسيلة أخرى لأوضِح لَكُم الفَرْق بين الحَرْب المُقَدَّسَة الحقيقيَّة في الكِتاب المُقَدَّس وجِهاد المُسْلِمين (ناقَشنا ذلك بإسْهاب في الأسْبوع الماضي)، وأن دَيْنونَة الله ضدّ فِرْعَون ومصر هي في الواقع نَوع من الحَرْب المُقَدَّسَة. لقد كانت حَرْبًا بدأها الرَّب، ولم يَبْدأها البَشَر بإسْم الرَّب. لقد كانت حربًا خاضها الرَّب كمُحارب (بالمعنى المجازي)، ولم تكن النَّتيجة محَدَّدة من قِبَل الجِنِرالات والجنود البَشَريين بل من قِبَل الرَّب.
وعلى الرّغم من أن الرَّب أَمَر بأن "جُنود إسرائيل" (إذا جازَ التَّعْبير) كانوا سَيُجَرِّدون مصر من الكثير من الذَّهَب والفِضَّة، إلا أن الجِزْء الأكْبَر من هذا الذَّهَب والفِضَّة كان سيُسْتَخْدَم قريبًا في صنع خيمة الإجْتِماع وكل أدواتها الطّقسية الضَّروريّة. إذًا لعبت شريعة الحريم (التي هي مبدأ أساسي من مبادئ الحَرْب المُقَدَّسَة) دورًا (راجع درس الأسبوع الماضي إن لم تكن تتذكَّر شريعة الحريم)، والتي بموجَبِها كانت غنائم الحَرْب تذهب بشكل عام إلى الرَّب نفسه ولم تكن من أجل تحقيق مكاسِب ماديّة شخصية للشعب.
والآن بالنِّسْبة لِمَبْدأ الكِتاب المُقَدَّس المُتَعَلِّق بِحُدود الإرادَة الحُرَّة للبَشَر. نُحِب أن نَقول أن الله لا يَتَدَخَّل أبَدًا في الإرادة الحُرَّة للبَشَر؛ حَسَنًا، أعْتَقِد أن هذا تَبْسيط بعض الشَّيء. في الواقِع لقد قيلَ لنا في عَدَد من المُناسَبات أن يَهْوَهْ قَسّى قَلْب فِرْعَون، وهنا في سِفْر التثنية أن الرَّب قَسّى قَلْب المَلِك سيحون. في المُصْطَلَحات العِبْرانيّة القديمة يَجِب أن نَفْهَم أن مَعْنى مُصْطَلَح "القَلْب" كان مُختلفًا تمامًا عن المعنى الذي أضَفْناه إليه اليوم.
لم يَكُن للقَلْب في الأزْمِنَة القَديمة (بما في ذلك أزْمِنَة العهد الجديد) أي عِلاقَة بِكَوْنِه مَكانًا تَسْكُن فيه الرّوح أو حيث تَسْكُن إرادَتنا. لم يَكُن القَلْب أيْضًا مَكانًا تَنْبَع مِنه المَشاعِر. كان يُعتَقَد أن القَلْب هو مَقَرّ العَقْل، الواعي واللّاواعي على حَدٍّ سِواء. فَكَّرَ القُدَماء في القَلْب بِنَفْس الطَّريقة التي نُفَكِّر بها اليَوم في الدِّماغ تَقْريبًا. الدِّماغ هو مَوْقع عَقْلنا. إنه المكان الذي تَعيش فيه غَرائزنا. إنَّه المكان الذي نَتَّخِذ فيه قَراراتَنا المَدْروسة جَيِّدًا، وهو أيضًا المكان الذي تأتي مِنْه رُدود أفْعالنا غير المَحْسوبة.
فقط الهِلِنستيّون في الإمْبراطوريّة الرّومانِيّة اللّاحِقة (بعد زَمَن يسوع وبولُس) هم الَّذين بَدأوا في تَحويل مَفْهوم القَلْب إلى مَكان للحُبْ والعاطِفة الجِنْسِيَّة. قبل ذلك كان يُشار إلى الكَبد والكِلْيَتَين على أنَّهما مكان المَشاعِر الإيجابِيَة والسَّلْبِيّة على حَدٍّ سِواء، في جميع المُجْتَمَعات تَقريبًا. هؤلاء الهِلِنستيّون اللّاحقون هُم وَحْدَهم الذين حَوَّلوا مَفْهوم الحُبّ من شَكْلٍ من أشْكال الفِعْل الرَّحيم والنافِع، إلى عاطِفة. أنا لا أُعْطيك رَأيًا؛ هذه مُجَرَّد حَقيقة أَدَبيَّة وتاريخِيَّة مُوَثَّقة جَيِّدًا اخْتارَت الكَنيسة أن تَتَجاهَلها لِقُرون.
لذلك إذا كُنْتَ تُريد أن تَتَوقَّف عن الحيرَة بشأن ما يَقْصِدْه أي جِزْء من الكِتاب المُقَدَّس عندما يُشير إلى القَلْب، فقط اسْتَبْدل كَلِمَة "العَقْل" وسَتَحْصَل عليه.
الآن، بالنِّسْبة للإرادة الحُرَّة؛ الإرادَة الحُرَّة هي النَّسْخة البَشَرية من سِيادة الله. الإرادة الحُرَّة هي مِقْدار السِّيادة على حَياتِنا التي سَلَّمَها الرَّب للبَشَر؛ سِيادة الله الإلَهية هي فوق كل شيء، وبالتّالي فإن إرادَة البَشَر الحُرَّة هي دائمًا خاضِعة (وأدْنى) لإرادَتِه.
إن أَحَد الدُّروس الرَّئيسية التي يُمْكِن اسْتِخْلاصُها من تَجْرِبة يونان هو أن عالَم إرادة الإنسان الحُرَّة لَيْسَت في الحَقيقة كما يَبْدو؛ فَهُناك حُدودٌ وَضَعَها الرَّب. على سبيل المِثال كانت إرادَة يونان أن يَهْرُب من حَضْرَة يَهْوَهْ. لكنَّه اكْتَشَف أن الله حاضِر في كل مَكان ولا مَفَرّ. كما أن إنكار سِيادة يَهْوَهْ، بل وَوُجودِه، ليس عِلاجًا أيْضًا.
هناك قِوى واعِيَة وغير واعِية تَزْخر في داخِل الإنْسان وهي غامِضة بِشَكل مُحْبِط؛ يَكْتُب بولُس عن هذه القِوى بِهذه الطَّريقة …… "عندما أُريد أن أفْعَل الصَّواب، أفعل الشَّر لِأَنِّي أُسَرُّ بِنَوَامِيس الرَّب فِي أَعْمَاقِ نَفْسي، وَلَكِنِّي أَرَى فِي أَعْضَاء جَسَدي نَامُوسًا آخَرَ مُحَارِبًا نَوَامِيسَ ذِهْني، وَيَجْعَلُني أَسيرًا لِنَامُوس الْخَطِيئة السَّاكن فِي جَسَدي (رومية سبعة).
يَتَحَدَّث بولُس، على الأقَلْ جِزْئيًّا، عن إرادَتْنا الحُرَّة وكَيْف أنها تَبْدو عِرْضَةً لِتأثير قِوى أُخْرى. والواقِع أن هذا ما نَراه عندما نَقْرأ عن تَقْسِية الرَّب لإرادات البَشَر ضِدّ الرَّب لِغَرَض تَحْقيق عَدالة الرَّب ومَقاصِد الرَّب باسْتِخْدام هَؤُلاء البَشَر أنْفُسهم.
لم يَكُن فِرْعَون في الخُروج غَبِيًّا. بعد الدَّمار شِبْه الكامِل لمِصر وظُهور لا لُبْس فيه لِقُوَّة إله العبرانيّين التي لا تُقهَر، ظَلَّ يَسْعى إلى خَوْض مَعْرَكة مع الرَّب، وأدّى ذلك إلى إبادَة جَيْش فِرْعَون وفِقْدان مصر وفِرْعَون لِمَكانة عالَمِيَّة. كان المَلِك سيحون، مَلِك حَشْبون، يَعْلَم جَيِّدًا أن جَيْشَه لم يَكُن ندًا لِجَيْش بني إسْرائيل. دَعْكَ من أي عُنْصر روحي؛ كانت القوّات العسكرية لبني إسرائيل تفوق عدد قُوّات سيحون على الأرْجَح بمئة إلى واحد. لقد كانت هزيمة إسرائيل انْتِحارًا، وكان المَلِك سيحون يَعْرِف ذلك؛ ومع ذلك، في مَزيج غامِض من تَغَلْغُل يَهْوَهْ في عَقْل المَلِك اللّاواعي، الى جانِب كِبْرِياء المَلِك العنيد، فَعَل المَلِك بالضَّبْط ما قَرَّر يَهْوَهْ أنه يُريدُه بالضَّبْط.
كان اليونانيّون يُدْرِكون هذه الظّاهِرة جيدًا وكَتَبوا عنها بِشَكل مُفَصَّل في أدبهم الكلاسّيكي. الفِكْرة الرّئيسية كانت أن الأحداث التّاريخيّة كانت تَتَكَشَّف بطريقة تبدو مليئة بالصِّدَف والتَّقَلُّبات عندما كانت تَحدُث، ولكن عند النَّظَر إليها بعد مرور الزمن، يُصبح من الواضِح أن هناك مَصيرًا مُحدَّدًا سلفًا يتمّ تحقيقه. لكن من الذي حَدَّده مُسْبَقًا؟ إلى أي خاتِمة مُحَدَّدة مُسْبَقًا يَتَّجِه التّاريخ؟ وفي النِّهاية، التّاريخ ليس أكثر من أن الله يَعْمَل في حَياة البَشَر، وذلك بِطَريقةِ ما بالتَّنْسيق مع عَمَل إرادَة البَشَر. وكل ذلك يَعْمَل من أجْل غاية وَضَعَها الله منذ دُهور. إذًا، على الرّغم من العبارات المُنَمَّقة والفَلْسَفات التي تُدَغْدِغ الأُذُن والمَذاهِب الدِّيِنِيَّة التي ابْتَدَعَها البَشَر حول كَيْفِيَّة عَمَل الإرادة الحُرَّة، فإن إرادَتنا الحُرَّة لَيْسَت حُرَّة تمامًا ولا مَفْهومة جَيِّدًا.
لِنَنْتَقِل إلى الإصْحاح الثالِث
اقرأ الإصحاح الثالث من سِفر التثنية بأكْمَلِه
إن أول ثِلْث أو نَحْوَ ذلك من سِفْر التثنية ثلاثة هو في الأساس تِكْرار لِرِواية سِفْر العدد واحد وعِشرين عن الانْتِصار على عوج وما حَدَث بعد ذلك مُباشَرَة.
دَعوني أُذَكِّرُكم بِسَبَب ما يَبْدو أنه مُجَرَّد تِكرار للأحْداث: في هذه اللّحظة يَتَحَدَّث موسى إلى الجّيل الجديد من العِبرانِيِّن، الجيل الثاني من الخُروج. أما الجيل الأكْبَر سِنًّا، الجيل الأول من الخُروج (الذين كانوا جَميعًا شُهود عَيان على الضَّرْبات العَشْر واحْتَفَلوا بِعيد الفِصْح الأول وساروا عَبْر فَتْحَة البَحْر الأحْمر، فقد ماتوا الآن وذَهَبوا كَشَرْط أساسي للسَّماح لبني إسرائيل بِدُخول أرض الميعاد وامْتِلاكها. إن غالِبِيَّة الجيل الذي يُخاطِبه موسى في سِفْر التثنية يَتَلَقّى دَرْسًا في التّاريخ لأنهم إما أنَّهم وُلِدوا بعد مُعْظَم الأحْداث العظيمة التي كان يَتَحَدَّث عنها أو أنَّهم كانوا أطْفالًا صِغارًا عندما حَدَثَت هذه الأشْياء ولم يُدْرِكوا حَقًا أهَمِّية كل ما حَدَث.
هذا هو السَّبَب في أنَّه على الرّغم من أن قِصَص سِفْر الخُروج وسِفْر اللّاويين وسِفْر العَدَد هي في الأساس نَفْس ما يُعاد سَرْدُه في سِفْر التثنية، إلّا أن بَعْض التَّفاصيل، وَوُجْهة التَّرْكيز، والعَرْض مُخْتَلِفين قليلاً لأن الظُّروف الآن مُخْتَلِفة. أنتَ لا تُخاطِب الشَّعْب الذي هو في خِضَمّ حَدَثٍ حالي بِنَفْس الطَّريقة التي تَروي بها نَفْس القِصَص لِجيلٍ لاحِق كتاريخ ماضٍ.
ويقول موسى إن بني إسرائيل ساروا شَمالاً وواجَهوا مَلِك باشان عوج وهَزَموه. كانت باشان مِنْطَقةٍ في ما وراء الأردن شَرْق نهر الأردن وإلى الشّمال والشّمال الشَّرْقي قليلاً مِمّا سَيُسَمَّى في النِّهاية الجَليل. كانت هذه المِنْطَقة خَصْبَة للغاية وتَحْتَوي على مَراعي مِثالية وغاباتٍ جَيِّدة. كانت هناك سِتّينَ بَلْدَةٍ في باشان (وهو رَقْم تَقْريبي بِلا شَكْ) وكلُّها كانت إما مُدُن مُسَوَّرة أو بَلْدات مُحَصَّنة إلى حَدٍّ ما، إلى جانب عدد غير مَعْلوم (ولكن أكْبَر) من القُرى الصَّغيرة غير المَحْمِيَّة، وَكُلُّها اسْتَوْلى عليها بنو إسرائيل. كانت المدينة المُسَوَّرَة تُشير إلى وُجود عَدَدٍ كبير من الناس ودَرَجَةٍ عالِيةٍ من التَّحَضُّر، وَوُجود العديد من هذه المُجْتَمَعات المُسَوَّرة يعني وُجود حُكومةً قَوِيَّةً وتَخْطيط جَيِّد. بالنِّسْبة لِعَصْرِها، لم تَكُن هذه المِنْطَقة بِدائية أو غير مُنَظَّمة من القَبائل البَدَوِيَّة الشَّبيهة بالبَدو؛ كانت مُدُن باشان ذات قُضْبان ومُفَصَّلات مَعْدَنِيَّة لِبَوّاباتِها ولها طُرُقِها وجُيوشِها الدائمة وقَوانينها المُحَدَّدة جَيِّدًا وحُكومة مُتَطَوِّرة.
بِدءًا من الآية الثامنة نَحْصَل على مُلَخَّصٍ لِكُل الأَراضي (على الجانِب الشَّرْقي من نَهْر الأُرْدُن) التي اسْتَوْلى عليها بنو إسرائيل، وتَبْدأ حتى شمال جبل حَرَمون (ولا تزال تلك المِنْطَقة مَعْروفة بِنَفْس الإسْم حتى يَوْمنا هذا حتى نَعْرِف أين هي بالضَّبْط). لاحِظ أن سِفْر التثنية يَقول أن جَبَل حَرَمون كان يُسَمَّى أيضًا حَرَمون وسيريون (باللُّغة الصَيْداويّة) وسَينير من قِبَل الأموريِّين. لقد ذَكَرْت في مُناسبات عديدة أنّه علينا أن نُراقِب بِعِناية في الكِتاب المُقَدَّس لأنَّنا عندما نَبْحَث في صَفَحات التّاريخ سنَرَى نَفْس المكان يُسَمّى بِعَدَدٍ من الأسْماء المُخْتَلِفة بِسَبَب أ) تَغَيُّر الأسْماء الفِعْلِيَّة، ب) لأن غالبًا ما يَتِمّ تسجيل الإسْم وِفقًا لِكَيْفِيَّة تَسْمِيَته بِعِدَّة لُغات مُخْتَلِفَة.
إن المِنْطَقَة المُحْتَلَّة المُشار إليها في الآية العاشِرة بإسْم "الهَضَبة" تَعْني الهَضَبَة المُوآبِيّة التي أصْبَحَت في النِّهاية أرْض رَأوبين، وهي المَكان الذي وُلِد فيه صاحِب الإسْم في سِفْر راعوث.
وبالعَوْدة إلى مُناقَشَتِنا في الأسْبوع الماضي حَوْل تَصْنيف شعب يُدْعى "الرُّفائيّون"، قيلَ لنا أن المَلِك عوج كان في الواقِع آخر بقايا "الرّفائيّين" (على الأقلّ في مِنْطَقَته). كان الرُّفائيّون هم نَسْخَة ما بعد الطّوفان من النفيليم، وهم جِنْس من الأشْرار وعادةً ما يَكونون من الرِّجال الضَّخمين. في الواقع تَتَحدَّث الآية الحادية عشرة عن سَرير المَلِك عوج الحَديدي (المَوْجود فيما يُعْرَف بِعُمان الحاليَّة في الأُرْدن) الذي يَبْلغ طولُه ثلاثة عشر – أربعة عشر قَدَمًا وعَرْضه سِتّ أقدام! بالطَّبْع السَّرير اللّائق دائمًا ما يكون أَكْبَر من الرَّجُل الذي يَسْتَخْدِمه، ولكن هذا يُشير فقط إلى مدى طول المَلِك عوج. كما تُشير السِّجِلّات المِصْرِيَّة المُسْتَقِلَّة تمامًا من نفس الحَقَبَة أيضًا إلى سَرير هذا المَلِك الهائل، وإلى العُثور المُذْهِل على العَديد من بقايا الهَياكِل العَظْمِيَّة لِرِجالٍ في مِنْطَقَة باشان كان طولُهُم حوالي تِسْع أقدام.
يَذْكُر موسى بعد ذلك كيف وافَق على إعْطاء جِزْء كبير من مَساحة مَمْلَكة سيحون إلى قَبيلة جاد الإسْرائيلية، وأجْزاء أخرى منها إلى مَجْموعة من العَشائر التي تُمَثِّل حوالي نِصْف سُكّان قَبيلَة مَنَسّى (كانوا قد قَرَّروا أنَّهُم لا يُريدون الذَّهاب إلى أرْض كنعان، مُفَضِّلين بَدَلاً من ذلك مَراعي سيحون الشَّاسِعة لأن لَدَيْهم قِطْعانًا هائلة من الماعِز والأغْنام التي كانت تُمَثِّل اقْتصادَهم الرّئيسي).
وبالمزيد من التوضيح، يقول هذا القِسْم نفسه أن المُقاطعة المَعروفة بإسم أرجوب قد أُسْنِدَت إلى يائير بن مَنَسّى، والمُقاطَعَة المَعْروفة بإسْم جلعاد أُسْنِدَت إلى إبْنٍ آخر لِمنسّى إسْمُه ماكير. في هذا الوقت لم يَكُن كل من يائير وماكير رَجُلَيْن مُحَدَّدَيْن، بل كانوا العَشائر التي كانت من نَسْل هذين الرَّجُلين. كان يائير وماكير عَشيرَتَيْن مُسَيْطِرَتَيْن من عشيرة مَنَسّى اللّتَيْن قَرَّرَتا تَفْضيل ما وراء الأرْدُن على أرْض كنعان. وقَرَّرَت عَشائر أُخْرى من مَنَسّى عُبور الأردن مع قَبائل بني إسرائيل الأُخْرى. ولَعَلَّ هذا وَقْتٌ مُناسِب لِنَذْكُر أن لَفْظَة "إبْن" (كما في يائير بن مَنَسّى) في العِبْرِيَّة هي بن. فالمَعْنى بالعِبْرية هو أن هذه الأرْض أُعْطِيَت يائير بن مَنَسّى (يائير بن مَنَسّى). في هذا السِّياق، لا يُسْتَخْدَم مُصْطَلَح "إبْن" دائمًا بالطَّريقة التي نُفَكِّر بها عادَةً. في الكِتاب المُقَدَّس، يُشير مُصْطَلَح "بن" (إبْن) في كثير من الأحْيان إلى حَفيد أو يُمْكِن أن يكون عامًّا مثل أي ذَكَر من عَشيرةٍ مُعَيَّنَة. في بَعْض الأحْيان فقط يُشير الإبْن إلى نَسْل ذَكَر مُباشَر مثل سُلَيْمان بن داوود.
وبِغَرَض المَزيد من الوصْف للأرْض التي احْتَلَّها بنو إسرائيل، تقول الآية السابعة عشرة إنَّهُم اسْتَوْلوا على المِنْطَقَة التي تَبْدأ من كِنَّرَث وتَسْتَمِرّ حتى البَحْر المَيِّت. بالنِّسْبة لأولَئك الَّذين حَجّوا إلى إسرائيل رُبَّما تَعْرِفون إسْم "كِنَّرَث". إنه إسْم بَديل (وأقدَم بكثير) لبحر الجليل، ولا يَزال مُسْتَخْدَمًا حتى يَوْمِنا هذا.
بعد ذلك يُذَكِّر موسى الشَّعْب أن شَرْط مَنْح رأوبين وجاد وعَشيرَتَيْ مَنَسّى حُقوق هذه الأراضي المُحْتَلَّة في ما وراء الأردن هو أن يُرْسِلوا فِرْقة كبيرة من القُوّات النُّخْبة لديهم مع القَبائل الإسرائيلية الأُخْرى للمُساعَدَة في فَتْح أرْض الميعاد. كان يُمْكِن لِنِسائهم وأطفالِهم ومَواشيهم أن يَبْقوا خَلْفَهُم (مع جَيْش كبير للدِّفاع عن الوَطَن)، ولكن لا يُمْكِن لهذه القُوّات النُّخْبة أن تعود حتى تَكْتَمِل مُهِمَّة الاسْتيلاء على كنعان. بعد سَنَواتٍ عَديدة نَجِد هذا مُسَجَّلاً في سِفْر يشوع: الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد يشوع إثنين وعشرين على واحد: حِينَئِذٍ دَعَا يَشُوع الرَّأُوبَيّينَ وَالجادِيِّين وَنِصْف سِبْط مَنَسَّى". إثنين: "وَقَالَ لَهُم: «إِنَّكُم قَدْ حَفِظْتُم كُلَّ مَا أَمَرَكم به موسى عَبْد الرَّبّ، وَسَمِعْتم صَوْتي فِي كُل مَا أَمَرْتُكم بِهِ" . ثلاثة": وَلَمْ تَتْرُكوا إِخْوَتَكم هذه الأَيَّام الْكَثيرة إِلَى هذا الْيَوم، وَحَفِظْتم مَا يُحْفَظ، وَصِيَّة الرَّبّ إِلهِكُم." أربعة: "وَالآن قَدْ أَراح الرَّبّ إِلهُكم إِخْوَتَكم كَما قال لهم. فَانْصَرِفوا الآن وَاذْهَبوا إِلَى خِيَامِكم في أَرْضٍ مُلْكِكم الَّتِي أَعْطَاكم موسى عَبْد الرَّب، فِي عَبْر الأُرْدن ".
وبالفِعْل أَوْفَت هذه القبائل بالتِزامها وأطْلَق يشوع في النهاية سَراحَهم ليَعودوا إلى دِيارِهم على الضِفَّة الشَّرْقية لنَهْر الأردن.
اسْمَحوا لي أن أُشير إلى مَبدأ مَخْفي نَوعًا ما في هذه المَسْألة المُتَعَلِّقة بإرْسال الأسْباط الإثنين ونُصْف مع إخوتهم: كان على بني إسرائيل أن يَتَصَرَّفوا من جميع النواحي كجماعة أو مَجموعة. كان عليهم أن يَعْملوا معًا من أجل قَضِيَّةٍ مُشْتَركة، تحت قيادة يَهْوَهْ. هذا المَبدأ الإلهي هو أساسي لكل من يَعْتَبرون أنْفُسهم شعب الله، سواء تَعلّق الأمر ببني إسرائيل الحَقيقِيّين أو بِمَن يُسَمّون الكنيسة التي ارْتَبَطت روحياً ببني إسرائيل.
في الآية السادِسة والعِشرين تبدأ مُناشدَة حارة من موسى إلى الله ليُغيِّر رأيه في قرار قاسٍ كان قد اتُّخِذ قبل ذلك بِفَترة. تَذكَّروا أن الرَّب كان قد حَكَم على موسى بطريقةٍ مُماثِلة لِحِكمِه على الجيل الأول من الخُروج؛ لن يُسمح لهم بِدُخول أرض الميعاد. كان موسى قد حَصل على بعض الرّاحة من خلال السَّماح له على الأقل بِقِيادة بني إسرائيل في غزو مِنْطقة ما وراء الأردن وسُمِح له أيضًا برؤية أرض الميعاد من بعيد.
هنا يقول موسى مَرَّة أخرى أنه ارْتَكَب خَطيئة بسبب شعب إسرائيل (أي القيادة العامّة) لدرجة أنه مُنِعَ من دخول كنعان. حِجَّته هي أن بني إسرائيل اسْتَفَزّوه ليِتَصرَّف بطريقة مُتَهَوِّرة ولكن هذه الحِجَّة وَقَعت على آذان صَمّاء: يقول الرَّب: "كفى! لا تُكَلِّمني في هذا الأمْر مَرَّةً أخرى!". (كِلِمات قَوِيّة وواضِحة جدًا تُعَبِّر عن غَضَب الرَّب الإلهي من موسى لِمُحاوَلته إقناعِهْ بِتَغيير حِكْمِه العادِل في مسألة تَمَرُّد موسى). إن عدالة المَوقف هي أنه كما حُكِم على أولئك الذين أخطأوا في البَرِّية بالموت في البَرِّية، هكذا كان يَجِب أن يكون الأمْر بالنسبة لموسى. لم يَكُن من المُمْكِن أن يُعطى موسى إعْفاءً خاصًا، لأنه على الرّغم من أن الله قد عَيَّنه في مَنْصِب رفيع كَوَسيط أرضي له مع بني إسرائيل، إلا أن موسى لم يَكُن سوى إنْسان ذو عُيوب أخطأ كَغَيْره من البَشَر. حتى وَسيط الله لم يَكُن بإمْكانه أن يَنْجو من العُقوبة التي أُعْلِن عنها منذ زَمَنٍ بعيد، في زَمَن آدم وحواء؛ فسَيُقدَّر لجميع الناس أن يَمُرّوا بِتَجْرِبة القَبْر.
من المُؤَكَّد أن هناك أوْجُه تشابُه بين موسى الوَسيط ويسوع الوسيط في هذا الصَّدَد، ولكن هناك أيضًا أوْجُه اخْتِلاف واضِحة. كان يسوع إنسانًا (على الرّغم من أنه كان أيضًا إلهًا)، وبالتالي كان المَوْت بالنسبة ليَسوع أمرًا لا مَفَرّ منه كما كان بالنِّسْبة لموسى. ومع ذلك، فإن القَول بأن موسى مات ”من أجل الشَّعْب“ لم يَكُن يَعني أن موسى مات بَدَلاً من الشَّعْب، أو من أجل خَيْرِهم؛ لم يَكُن موسى بَدِيلاً للتَّكْفير كما كان يسوع. كما أن يسوع لم يَمُت نَتيجة لِكَوْنه إنسانًا خاطئًا أو ذو عُيوب، كما فَعَل موسى. مات موسى لأنَهُ، مثل كل البَشَر، أخْطأ؛ ومات يسوع المسيح لأنَهُ، على عَكْس أي إنسان آخر، كان بِلا خَطيئة.
دَعونا أيضًا لا نَتجاوز المبدأ الإلهي المُعَبَّر عنه في العِلاقة بين القائد وأولئك الّذين كانوا يَقودونَه، لأنّهم (ونحن) مُرْتَبِطون معًا ارْتِباطًا وَثيقًا. فمِن الأهَمِّية القُصْوى في تَدْبير الله أن يَفْعَل القائد دائمًا ما هو صواب في نَظَر الرَّب بغَضّ النَّظَر عَمّا قد يُريدُه الآخَرون منه. إن عواقِب الثَّبات مع الرَّب أُسْطوريّة؛ فغالِبًا ما تكون مُكافأة الوَلاء الثابِت ليَهْوَهْ هي الاسْتِشْهاد بِشَكْل أو بآخر. نادِرًا يُعتبر أحَد قادة الله المُخْتارين مَحْبوبًا أو يَحْظى بِتَصْفيق من العالم. في الواقِع إذا كان الرَّجُل يَحْظى بِتَصْفيق العالَم وإعْجابهم فلا بُدّ أن يكون شَخْصًا أقل من أن يكون قائدًا إلَهيًا. إن شِعار من يُقَرِّر قُبول عَرْض يَهْوَهْ بأن يكون قائدًا لِرَعِيَّته هو "إفْعَل ما هو صالِح وطاهِر، ودَع الأمور تأخُذ مَجْراها"؛ القَوْل أسْهَل من الفِعْل كما اكْتَشَفَ بِسُرعةٍ موسى (وجميع القادة الّذين هم في خِدمة الله) ومع ذلك، وكما هو مُعَبَّر عنه هنا في سِفْر التثنية، فإن مُتَطَلِّبات الرَّب من قادَته غير قابِلة للتَّفاوُض، تمامًا كما هو الحال مع عُقوبة الخَطيئة والتَّمَرُّد.
لذلك يَنْتهي هذا الإصْحاح بطريقةٍ حُلْوة ومُرَّة مع موسى وهو يقول في الواقع: "السَّبب في أنني لا أسْتَطيع أن أقودُكم إلى أرض الميعاد هو فَشَلي الشَّخْصي. أنا خاطِئ، ولذلك فإن المَوْت هو جَزائي". لذلك، يقول موسى، يشوع هو الآن قائدُكم المُعَيَّن (المُعَيَّن من الله) وهو الذي سَيَقْسُم أرض كنعان بين القبائل.
بالمُناسبة: لم يُمنح يشوع سُلْطة موسى الكامِلة، بل أصْبَح بِبَساطة رئيسًا للجَّيْش الإسْرائيلي. لم يُصْبح يشوع وَسيطًا بَديلًا لموسى، ولم يَكُن قائدًا يَخْضَع له حتى رئيس الكَهَنة. لن يكون لبني إسرائيل وسيطًا آخر في رِتْبة موسى لمُدَّة ألف وثلاثمئة سنة تقريبًا، ولن يكون هذا الوَسيط سوى الله نَفْسه في صورة يسوع النّاصري.
دَعونا نَنْتَقِل الآن إلى الإصحاح الرابع.
أَوَدّ أن أُهَيِّئ الأجْواء وأُحَدِّد الطّابِع العام للإصْحاح الرابع من سِفْر التثنية قبل أن نَشْرع في قِراءته. لذلك أَوَدُّ أن أتَوَجَّه إليكم بهذا السّؤال: إذا كنتم تَعْلَمون عِلْم اليَقين أن وقْتَكم على الأرض يَقْتَرِب من نِهايَتِه في غُضون أيّام أو أسابيع فقط، ما الذي تَوَدّون أن تَقولوه لأولَئك الذين أحْبَبْتُموهم وعَلَّمْتُموهم واهْتَمَمْتُم بهم؟ ما الذي علّمَتْك إيّاه الحياة والذي هو قَيِّم للغاية بحيث في الوَقْت المَحْدود المُتَبَقّي لك، تُريد بِشِدَّةٍ أن يَعْرِفه أولئك الذين سيَسْتَمِرّون بعد مَوْتك، وأن يأخُذوه على مَحْمَل الجَّد، على أمل أن يَعْمَلوا به؟ هذا هو سِياق سِفْر التثنية أربعة، فموسى يتوسَّل حَرْفِيًّا إلى الجيل الذي سيَخْلِفه ليُواصِلوا العَمَل الصّالِح الذي بَدَأه الرَّب، ولكن لا يَرْتَكِبوا نفس الأخْطاء التي ارْتَكَبَها هُوَ وآباؤهم.
لِنَقرأ الآيات الإفْتِتاحيَّة من سِفْر التثنية، الإصْحاح الرابع معًا.
اقرأ سِفْر التثنية أربعة على واحد الى أربعة
يبدأ موسى بِحَضّ الشَّعْب على طاعة شَريعة الله، ثم يَمْضي في شَرْح لماذا يَجِب أن يُطيعوا شَريعة الله. ومن المُثير للاهْتِمام أن تَفْسير موسى يَدور حول دَرس تاريخي. أي أن موسى يقول أن تَجارِب بني إسرائيل التّاريخيَّة الحَديثة نَوعًا ما هي التي تُثْبِت صِحَّة الأسْباب والأغْراض التي من أجْلِها أصْدَرَ الرَّب هذه الأحْكام والأوامِر لبني إسرائيل لِيَعيشوا بها. وبِعِبارة أُخْرى فإن شرائع موسى لَيْسَت مُجَرَّدة، وليْست مِثالية وغير قابِلة للتَّحْقيق، ولم تُوضَع في فَراغ. لقد وُضِعَت الشَّرائع بالطَّبْع في إطار ثَقافي خاص بِتِلْك الحَقَبة، بِلُغَةٍ مُعَيَّنَة (العِبْرية)، في وقتٍ مُعّيَّن من التّاريخ، ثم تمَّ إظهار تَطْبيق هذه الشَّرائع في عَدَدٍ من الأوْضاع والظُّروف. في الواقِع بعض الشَّرائع لم يَكُن من المُقَرَّر أن يُراعوها حتى دُخولِهم إلى كنعان لأن تلك الشَّرائع بالذّات كانت تَدور حَول الزِّراعة (وهو أمْر لم يَكُن بِوِسْع بني إسرائيل المُشارَكة فيه أثناء إقامَتهم في خِيام في البَرِّية).
في الآية الأولى يقول موسى أن عليهم أن يُطيعوا جميع الشَّرائع المُعْطاة على جبل سيناء، "لِكَيْ تَعيشوا" … يَقول موسى أن الحياة نَفْسَها (على الأقلّ بالنِّسْبة لِشَعب الله) تَعْتَمِد على طاعة الرَّب، والطّاعة تَتجَلّىّ في مُراعاة وَصاياه. لقد أخذ بنو إسرائيل (بِشَكْلٍ عام) بِنَصيحة موسى حَرْفِيًّا كما كان يَعْنيها. في أمثال تِسعة عشرة على سِتَّة عشرة نجد المَلِك سُلَيْمان يقول "حَافِظُ الْوَصِيَّة حَافِظ نَفْسَه، وَالْمُتَهَاوِن بِطُرُقِه يَمُوت." كان العِبرانيّون يؤمِنون إيمانًا راسِخًا بأن السَّيْر في طُرُق الرَّب لا يَجْلِب السّلام (الرَّفاهِيّة في كل جَوانِبها) فَحَسب، بل إنه يُطيل حياة الإنسان إلى أقْصى عُمْرٍ مُمْكِن؛ وعلى العَكس من ذلك فإن التَّمَرُّد يَجْلِب الوَيْلات والمَوْت الجَّسَدي المُبْكِر أكثر من المُعْتاد. يَتوسَّل موسى إلى بني إسرائيل أن يَكونوا مُطيعين من أجل أَنْفُسِهم.
في سِياق تاريخي كانت هناك عِدَّة حالات مُسَجَّلة خلال رِحلة البَرِّية عندما جَلَب التَّمَرُّد المَوت لشعب الله على يَد الله. في الواقِع عندما نأخُذ في الاعْتِبار أنه بما أنه لم يَكُن قد مضى ثمانية وثلاثين عامًا فقط منذ رَفَض بنو إسرائيل دُخول أرض الميعاد (عندما أصْدَرَ الله مَرْسومًا بألّا يُسْمَح لأي رَجُل في سِنّ المَسْؤولية أن يَعيش طويلاً بما يَكْفي لِدُخول كنعان)؛ وأن سِنّ المَسْؤولية يَبْدأ في حوالي عُمْر العِشْرين سنة، فهذا يَعني أنه لم يَكُن هناك من هو أكبر من ثمانية وخمسين أو تِسعة وخمسين سنة يَعيش في وَقْتها بين بني إسرائيل عندما بَدَأوا في غَزْوِهم. جَلَبَ التَّمَرُّد مَوْتًا فَوْريًّا للبَعْض، ومَوْتًا طويل الأمَدْ للبَعْض الآخر، ومَوْتًا مُبْكِرًا أكثر من المُعتاد للجِزْء الأكْبَر من السُّكان. كان العِبْرانيّون في تلك الحَقَبَة يعيشون عادةً حتى السَّبْعينيات من عُمْرِهم. أنا أقول لك أن موسى لم يَكُن يُدْلي بِبَيان روحي خارِق عن القيمة السَّماوِيَّة فقط لِكَوْنه طاعَةً ليَهْوَهْ، بل كان يُذَكِّر الشَّعْب بأن تاريخَهم القريب أَظْهَر لهم الدَّليل على أن طاعة يَهْوَهْ هي الحياة والتَّمَرُّد هو المَوت، فاخْتاروا الطّاعة.
أوَدُّ أيضًا أن أُشير إلى كَلِمَة أو عِبارة صغيرة في الآية الأولى؛ واعْتِمادًا على تَرْجَمَتِكَ ستَقول، "إسْمَع" او "أُنْصُت" أو "لاحِظ". الكَلِمَة العِبْرية المُتَرْجَمة هي شيما. من كان مِنْكُم على دِراية بِنَوع التَّعْليم الذي يَعْتَمِد على الجُذور العِبْريّة لِفَتْرة من الوَقْت يَجِب أن يَتَعَرَّف على هذه الكَلِمَة لأنَّها أصْبَحَت إسْمًا تَقْليديًّا لِوَصِيَّة في سِفْر التثنية سِتَّة، وهي مَعْروفة أيضًا بإسْم "اسْمَع يا إسرائيل".
إليك هذه النُّقْطة: في لُغَتنا الإنكْليزيَّة الحديثة لا نُمَيِّز كثيرًا بين كَلِمَتَي "إسْمَع" و "أُنْصُت". نَعْتَقِد أن "إسْمَع" هي مُجَرَّد طريقة إنْجْليزية قَديمة رَسْمِيَّة جدًا لِقَوْل اسْمَع. هذا غير صحيح "اسْمَع" هي تعليمات لِفِعل شَيء ما. إنها دَعْوَة للعَمل. لذلك في مُفْرَداتنا الحديثة "اسْمَعوا و"أَطيعو" أو "لاحِظوا" تُعَبِّر بِشَكلٍ أَفْضَل عن معنى كَلِمَة شيما أو نَظيرَتها الإنْجليزية "اسْمَعوا". في العصور الوسطى كانت كَلِمَة "أنصِتوا" تعني على وجه التَّحْديد العَمَل بما يُقال لكم.
تَمامًا كما أوْضَحْت في دُروس سابِقة أنه عندما تقول كُتُبنا المُقَدَّسَة "آمِنوا بالله"، يَجِب أن نَشْطُب ذِهْنِيًّا كَلِمَة "آمِنوا" ونَضَع بدلًا منها "ثِقوا" لكي نُوائم المعنى في الكِتاب المُقَدَّس مع مُفْرَدات القرن الحادي والعِشرين. هكذا عندما نُصادِف كَلِمات "اسْمَعوا" أو "انْصِتوا" يَجِب أن نَشْطُب ذِهْنِيًّا هذه الكَلِمات ونَسْتَبْدِلها بـ ”اسْمَعوا وأَطيعوا“ أو "لاحِظوا". ذلك لأنه كما أن كَلِمَة "آمَن" أصْبَحَت كَلِمَة ضَعيفة إلى حَدٍّ ما وتُشير إلى قُبول فِكْري سَلْبي لِشَيء ما، كذلك كَلِمَة "اسْمَع وأصْغِ" أصْبَحَت كِلِمات تعني فقط أن آذانَنا أَدْرَكَت بعض الأصْوات واسْتَوْعبْناها فِكْريًّا. هذا ليس على الإطْلاق أو لم يَكُن أبدًا مَعْنى كَلِمَة شيما. إنها تَعني أننا نَسْمَع ونَفْعل. عَلَينا أن نَعْمَل على ما نَسْمَع.
لذلك اسْمَحوا لي أن أتْلو لكم كَلِمَة شيما بالمَعْنى الذي كانت تَعْنيه دائمًا (والمَعْنى الذي فَهِمَه العِبرانيّون) وانْظُروا إنْ كان تَغيير هذه الكَلِمَة الصَّغيرة من نَسْمَع إلى نُطيع لا يُلقي ضَوْءًا جديدًا عليها فَجْأة .
الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد سِفْر التثنية سِتَّة على أربعة: "أَطِعْ يَا إِسْرَائِيلُ! الرَّب إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ ". خمسة: " فتُحِبُّ الرَّب إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِك"َ.
وَدَعْنِي أُذَكِّرُكَ أَيْضًا بِأَمْرَيْنِ: حَيْثُ تُسْتَعْمَلُ كَلِمَة الرَّب، فِي الْعِبْرِيَّةِ هِيَ فِي الْحَقِيقَة (YHWH) "يَهْوَه" وحيثما اسْتُخْدِمَت كَلِمَة قَلْب، فإن القَلْب لم يَكُن يُعتَقَد (في ذلك العَصْر) أنّه المكان الذي تَسْتَقِرّ فيه عواطِفنا. بل كان القَلْب يُعادِل الدِّماغ. كان القَلْب هو حيث يُقيم عَقْلنا. في مُفْرَداتِنا الحديثة يَجِب أن نَشْطُب كَلِمَة قَلْب كُلَّما رأيْناها في الكِتاب المُقَدَّس (أسْفار العهد القديم أو العهد الجديد) ونَضَع كَلِمَة عَقْل.
دَعوني أقْرأ لكم مَرّة أُخْرى هذا المَبْدأ الإلَهي الأساسي المُسَمَّى بالشيما مَرَّة أخرى، ثم نَخْتَتِم. وتَذَكَّروا أن يسوع يقول أن الشيما هي المَبْدأ الإلَهي الأساسي من بين كل المَبادئ الإلَهيّة؛ فالكِلِمات العَشر (الوَصايا العَشْر) مَبْنِيَّة على الشيما، وكذلك جميع الشَّرائع السِّتمئة وثلاثة عَشر. لذلك من المُهِمّ أن نَحْصَل على أَصْدَق مَعْنى مُمْكِن لما يَنْقُله الله إلَيْنا.
الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد سِفر التثنية ستة على أربعة: "أَطِعْ يَا إِسْرَائِيلُ! الرَّب إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ ". خمسة: " فتُحِبُّ الرَّب إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِك"َ.
هذا يُغَيِّر قليلاً من المَنْظور، أَلَيس كذلك؟ هل تَسْتطيع أن ترى القُوّة والعاطِفة في هذا القَوْل، ومدى إمكانية تَحْقيقه على أرْض الواقع؟هذا مَرْسوم مَلَكي لا يَنْبَغي تَجاهُله. المَطْلوب هو أن نَفْهَم من هو الله فِكْريًّا ثم نَدَعَه يَغْمُر أرْواحَنا أيضًا، ثم نَعْمَل على هذا الفِهْم بكل ذَرَّةٍ من كَيانِنا الجَسَدي والرّوحي. اسْمَع أو أنْصُت هي كِلِمات قويَّة وغير سَلْبِيَّة من الكِتاب المُقَدَّس وسَوْف نَجِد نَفْس هذه الكَلِمات بِنَفْس المَعْنى والقَصْد في العهد الجديد أيضًا.
سَنُتابِع عِظَةَ موسى البَليغَة والحَماسِيّة في الأسْبوع المُقْبِل.