7th of Sh’vat, 5785 | ז׳ בִּשְׁבָט תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التثنية » سِفْر التثنية الدرس أربعون – الإصحاح تسعة وعُشرون
سِفْر التثنية الدرس أربعون – الإصحاح تسعة وعُشرون

سِفْر التثنية الدرس أربعون – الإصحاح تسعة وعُشرون

Download Transcript


سِفْر التثنية

الدرس أربعون الإصحاح تسعة وعُشرون

انتهَينا في الأسبوع الماضي من دِراسة القائمَة الطويلَة من التَهديدات الوارِدة في سِفْر التثنية ثمانية وعشرين التي أطلَقَها الله على إسرائيل في حال خالفَتْ شروطَ العَهد المُوسَوي. تُدعى هذه التَهديدات باللعْنات وبعضُها من أكثر التَهديدات تَطرُّفًا. في الواقِع، لقد تَنبّأ الإصحاح ثمانية وعشرون بأنّ إسرائيل ستُعاني من هذه اللعْنات لأنّها حَتمًا مع مرور الوقت ستَنقُض العَهد.

لقد تناوَلْت بالتفَصيل مَسألة الفَصْل بين المصطلحَين المختلفَين ”اللعْنات“ و”اللعنة“؛ أو كما نعرفُها بِشكلٍ أفْضل، ”لعنَة الناموس“. تُشير اللعْنات إلى العُقوبات الفَرْدية المُرتبِطة بمُختلف التَعدِّيات على الله؛ بعضُها خَفيف، وبعضُها مُميت. تُشير اللعنة أساسًا إلى المَوت والشَرّ. اللعنة هي بِشكلٍ أو بآخر مَجموع كل اللَعْنات التي تَنتهي بالدَمار الشَخصي وأحيانًا (كما في حالة إسرائيل) الدَمار الوطَني. ولكن ربما يكون الأمر الأَكثر رُعبًا هو أنَّ الخُضوع لللَعْنة يعني أن اسم المرء سيُزول. سَنَسْتَكْشِف بالضبط ما يعنيه زوال اسمِك عندما نَصِل إلى هذه الآية.

ربما أمضيتُ وقتًا أطول بقَليل في تَحليل معنى ”اللعنة“ أكثَر مما قد يَظنُّه البعض ضَروريًا، ولكِن هذا المُصطلح مُستخدَم في عدَد قليل من الآيات الحاسِمة في العَهد الجديد؛ وبِشكلٍ عام أُسيء فَهْمُ مَعناه بِشكلٍ رَهيب داخِل الكنيسة. ربّما واحِدة من أكثَر عَشِرْ آيات مُقتبَسَة في العهد الجديد بأكملِه هي غلاطية الإصحاح ثلاثة الآية ثلاثة عَشرة.

عن ترجمة الكتاب المقدَّس النموذجية الأميركية الجديدة غلاطية الإصحاح ثلاثة الآية ثلاثة عشرة المَسيح افْتَدانا من لَعنة الناموس، إذْ صار لَعنة من أجلِنا – لأنّه مَكتوب: ”مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى شَجَرَةٍ“.

هذه الآية هي الدَليل الأول في مُعتقدات مُعْظَم الطوائف العقائديّة الّتي تَقول أنّ الناموس سَلْبِي بطَبيعتِه ومؤسَّسة سيئة أو مُعيبة ألغاها الرَب، والحَمد لله، قد أبْطَلَها. والتَفسير هو أنّ بولس قال إنّ الناموس هو نفسُه اللعنة وبِعبارة أخرى فإنّ عبارة ”لَعنة الناموس“ تُشبِه قَول ”لعنة السَرَطان“. فالسَرَطان هو نفسُه لعنة، والناموس هو نفسُه لعنة. هذا بَعيد عن الحَقيقة. يجِب أن يَكون واضِحًا لك الآن أنّ الناموس (التوراة) يَتألَّف من ثلاثة عناصِر أساسيَّة: الشرائع والأوامِر، وقائمَة البَرَكات لطاعة تلك الشرائع والأوامِر، وقائمة اللعْنات لعِصيان تلك الشرائع والأوامر. لَعنات الناموس ما هي إلّا عُنصُرٌ واحد من عناصِر الناموس؛ إنها تُمثِّل العواقب، والعُقوبات على المُخالَفة.

لكن لاحِظوا أنّ بولس يقول ”اللعنة“، بصيغة المُفرَد، وليس ”اللعْنات“، بصيغة الجَمْع. لا تَظنّوا أبدًا أن هذا أمرٌ تافهٌ؛ حتّى أنّ بولس أسْهَب في شَرْح الفَرْق بين ”النَسْل“ (المُفرَد) القادِم من إبراهيم، مُقابِل ”الذَريّات“ (الجَمْع) ولماذا كان هذا مُهِمًّا للغاية. كان بولُس مُتحدِّثًا مُمتازًا ولم يَخلِط بلا مُبالاة بين المُفرَد والجَمع. لعنة الناموس، أي الإدانة، هي ما يَحدُث للإنسان عندما يَختار الموت والشَر على الخَير والبَرَكة بالابتِعاد عن الله عَمْدًا. كانت لَعنة الناموس هي المَوت الأبدي والانفِصال عن يَهوَهْ آنذاك، ولا تزال هي نفسُها اليوم. ما يشرحُه بولُس هو أنّ يسوع أصبَحَ مَوضوع لعنة الناموس بدلاً مِنّا، ولذلك فإنّ من يَتبَع يسوع لن يَكون لديه إمكانية المَوت الأبدي بسبَب سوء سلوكِه.

ومَع ذلك تَبقى هناك العقوبات الفَرْدية (اللعْنات) التي لا تَنطوي على الانفصَال الأبدي عن الرَب. يَشمَل تَعليم لاهوت التَدبير الإلهي حيثُ سَلّم الرَب إدارة نظام عَدالتِه إلى الحكومات البَشَرية؛ وأنا أتَّفِق مع ذلك إلى حدٍ ما. نحنُ نَسْرِق، نُوضَع في السِجن. نقتِل، نواجِه الإعدام. نَغُشّ شَخصًا ما، علينا أن نُقدِّم تعويضات.

لذلك فإنّ هذه الفِكرة القائلة بأنه لا توجَد عواقِب إلهية للمؤمنين على سوء سلوكِنا الدُنيَوي (باستثناء أننا ربما نحصُل على جوهرَة أقَلّ في تاج الأبديَّة) هي ببساطَة عَقيدة من صُنْع البشَر وليسَت من الكتاب المقدَّس. سيؤدِّبُنا الرَب، إمّا بتدخُّل إلهي مُباشر أو عن طريق الحُكومة البشرية التي سَمَح بها، عندما نُخالِف أوامِرَه.

لكن…..الشيء الذي أُعِدَّ للمؤمنين هو لعنة الناموس، اللعنة الأبدية، لأنّ المَسيح صارَ مَلعونًا لأجلِنا. من ناحية أخرى لَعنة الناموس تَحوم مِثل حاصِد الأرواح على أولئك الذين لا يَثِقون به. غير المؤمنين مُدانون بالفِعل بلَعنة الناموس.

باختِصار شَديد حتّى لا يَكون هناك شَكّ فيما أقولُه لكُم: واحِد) الناموس ليس لعنة وبولس لم يَقُل أبداً أنه كذلك (وإلا بصَراحة كان بولس سيُخالف مَوعِظة يسوع على الجَبَل وربما لم يكُن ليَبقى تَحت الناموس اليهودي يوماً آخر)، اثنان) عواقِب (لعْنات) مُخالَفة شرائع الله تَبقى إلى حدٍ ما، ثلاثة) المؤمِن هو بالفِعل عِرْضة لمواجَهة عواقِب الخطيئة ولكن هذه العواقِب لا تتضمَّن (بِشكلٍ عام) اللعنة الأبديَّة.

ما نحنُ على وَشَك أنْ نقرأه في سِفْر التثنية تسعة وعشرين يُطلَق عليه عادةً ”خُطابْ موسى الثالث“ من قِبل أكاديميّي الكتاب المقدَّس. وبعِبارة أخرى فإنّ سِفْر التثنية هو إلى حدٍ كَبير رِسالة من ثلاثة أجْزاء، وهي عِظَة لموسى ألقاها قَبل دخول إسرائيل أرض الميعاد. في كلِّ جُزء من الرِسالة المُكوَّنة من ثلاثة أجزاء، كَرَّر موسى وتوسَّع وشَرَح بِشكلٍ أكثر عُمقًا عن التوراة، والشريعة كما أُعْطيت في جبل سيناء، ومَقْصَدُها وغَرَضُها.

اعتِبارًا من بداية هذا الإصحاح كان لا يَزال بَنو إسرائيل في وِلاية موآب الحُدودية، في انتِظار أمْرِ الله بالتقدُّم إلى الأمام والاستيلاء على الأرض. لقد أعْطى موسى الناموس للجيل الثاني من الخُروج، بعد أنْ مات الجزء الأكبَر من الجيل الأول (وليس الكُلّ) في البريَّة كحُكم إلهي لرَفضِه الدخول وغَزو كنعان قَبْل ثمانية وثلاثين عامًا. شَمَلَ الإصحاح تسعة وعشرون في الأساس طَلَبَ موسى من هذا الجيل الجديد أن يُصادِق على العَهد كما فَعَل آباؤه.

أقامَ بنو إسرائيل احتِفالات التَصديق على العَهْد في ثلاثة أماكِن: جبل سيناء، في موآب، ثمّ فَور عبور الأردن ودُخول أرض اليعاد. ثلاثة أماكِن، وثلاثة أقاليم مُختلفة، وثلاثة احتفالات بالعَهد: مِديان وموآب وكنعان. ويَكمُن جزء من السَبب في ذلك في المُعتقَدات القديمة بأنّ كلّ إقليم مُحدَّد كانَ له مَجموعة من الآلهة المُحدَّدة الخاصة به. كان لِمِديان آلهة خاصة بها، ولِموآب آلهة خاصة بها، ولِكَنعان مَجموعة أخرى من الآلهة. لم يكُن يَهوَه مَعروفًا من السُكّان الأصْليّين لأيّْ من هذه الأقاليم. كان العِبرانيون يؤمِنون بذلك تمامًا. لم يكُن لديهِم أي فَهْم على الإطلاق أنّه لم يَكُن هناك سوى إله واحد، يَهوَه، الذي كان إله كل شيء وفي كل مَكان. ونَحن في الحقيقة لا نرى الرَب حتّى يَضغَط على هذه المسألة بِشِدَّةٍ مع بَني إسرائيل؛ في الواقِع لقد خَرَج الرَب نوعًا ما عن طريقِه للعَمَل داخِل تلك المُعتقَدات (بغض النَظَر عن مدى انحرافِها عن الهَدَف) بينَما كان يُطوِّر إسرائيل كشَعبِه. لذلك (من وجهة نَظَر العبرانيين) كان يَهوَهْ يؤسِّس نَفسَه كإله أعلى في كلٍّ من هذه الأراضي التي دَخَلَها بنو إسرائيل. على كل حال، بما أنّه لم يكُن لإسرائيل (حتّى الآن) أرْض خاصّة بها، لم يكُن لِيَهوَهْ أرضٌ يحكمُها؛ لذلك كان على الله (في تَفكيرهم) أن يُصادِر أرْضًا من بعض الآلهة الأخرى ويَجعلُها مُلْكًا له.

وفي كلِّ مرَّة كانوا يُقيمون فيها مَراسم العهد، كان العبرانيون يَرَون أنّ الرَب لم يكُن يُثبِت نفسَه كإله وَحيد لتلك الأرض، بل كإله إيل (الإله الأعلى لتلك الأرْض). نَعرِف من دِراسات التوراة السابِقة كثيرًا أنه كان من المُعتاد في ثقافات الشَرق الأوسَط أن يَكون هناك تَسلسُل هَرَمي للآلهة حيث يَكون أحَد آلهتِهم هو الإله الأعلى والباقي تَحْتَ سُلطتَه بِشكلٍ أو بآخر. كان المُصطلح المُستخدَم في كنعان لـ ”الإله الأعلى“ هو إيل. تَمّ تَبنّي كَلِمة ”إيل“ الكنعانية وتَكييفِها في الدِيانة العبرانية كما في إل شداي، إل روي، إل إليون وهكذا. ولكنَّها ظَلَّت تَعني الشيء نفسَه وتَحمِل معها الصورة الذِهنية نفسَها: الإله الأعلى من بين الآلهة المُتعدِّدة في تِلك الديانة. كلّ ما في الأمْر أنّ يَهوَهْ كان بالنِسبة لِبَني إسرائيل هو ”إل“ (أو إيل). لم تكُن فِكرة التَوحيد قد ترسَّخت تمامًا في أذهانِهم بَعْد.

لِنَقْرأ سِفْر التثنية تسعة وعشرين.

أوَّل ما يَفعلُه موسى هو تَذكير بني إسرائيل بتاريخِهِم الفدائي. يُذكِّرُهم بأنّ كثيرين من الحَشْد الذي يَقِف أمامَه كانوا شهود عَيان على العَجائب الرَهيبة التي ضَرَب بها يَهوَه مِصر من أجل تَحرير شعبِه وتَخليصِه.

تُخبرُنا عَملية حِسابية بَسيطة أنّ أكبَر العبرانيين الأحياء في ذلك الوَقت (عَدا يوشَع وكالب وموسى) كانوا يَقتربون من السِتّين من العُمر (على الرُغم من أنّ القليل من كِبار السن نَجا ولكنَّهم سيَموتون في غُضون أيام قليلة أخرى). عندما خَرَجَت إسرائيل من مصر كان سِنّ المُساءلة هو نفسُه سِنّ تَخويل الذَكَر ليخدُم في الجيش، أي عُشْرون عامًا. لذلك عندما حَكَم الله على جيل الخروج المَسؤول بالمَوت في البَرِّيَة وعدَم السَماح له بدخول كنعان أبدًا، كان ذلك يَشمَل فقط الأشخاص الذين كانوا في سِنّ العشرين عامًا أو أكثَر في ذلك الوقت.

لذلك شَهِد الآلاف من شَباب بَني إسرائيل (الذين كانوا في أواخِر سِنّ المُراهقة) شخصيًا ضَرَبات الله على مصر، والعَهد الذي أُعطي لموسى في جَبَل سيناء.

ولكن بما أنهم لم يَكونوا قد بَلَغوا بعدُ سِنّ المسؤولية لم يكُن بإمكانِهم أن يَقبلوا شخْصيًا شروط العَهد، ولكن كان بإمكان والدَيْهم أن يُوافِقوا نيابةً عنهُم. ومع ذلك، بمجرَّد وصول كل قاصِر إلى سِنّ المساءلة كان عليه أن يوافِق شَخصيًّا (أو لا يوافِق) على أن يَكون عُضوًا في جماعة العَهد.

وهكذا نَرى أنّ النَمَط الإلهي يَظهَر: يُمكِن لوالِدَي الطِفل الإسرائيلي الذي لم يَبلُغ بَعد سِنّ المُساءلة أن يَشملا طفلَهُما في أحكام العَهد. في الواقِع كما سنَرى، فإنّ هذا المَفهوم يَلعَب دَورًا مُتقدِّمًا بمعنى أنّ كُلّ جيل يولَد في المُستقبَل من بَني إسرائيل يُعتبَر مَولودًا تلقائيًا تَحت العَهد (مع بعض التَحذيرات التي لا نحتاجُ إلى الخَوْض فيها). ولكِن بِمجرَّد أن يَصِل هذا الطِفل إلى سِنّ الرُشد، يجِب أن يُعلِن ولاءه للعَهد وإلاّ فإنه لا يُعتبَر عضوًا في العَهد. بالمَعنى الواسِع، هذا هو الغرَض من حَفْل البار ميتزفا (والباز ميتزفا) ولماذا تُعتبَر القراءة من التَوراة عُنصُرًا أساسيًا فيه. ذلك اسم الحَدَث حيثُ يَصِل الطِفل إلى سِن التَكليف ويُعلِن الولاء لله، من خِلال حَفْل تَجديد العَهد؛ وهذا بالضَبط ما نراه في سِفْر التثنية الإصحاحات ستّة وعشرين إلى ثلاثين.

ربما تَكون هذه الفِكرة مَألوفة لجَميع المُستَمعين وتَختلِف مسألة إذا كان الطِفل تَحت حِماية عَهْد الله، وفي أيّ سِنٍّ يُعتبَر سِنّ المساءلة حَسَب تَربِيَتِه وما إذا كان يَهودِيًا أو وَثَنيًا، وإلى أي طائفة يَنتمي، تَختلِف مَسألة ما إذا كان الطِفل تحت حِماية عَهْد الله أم لا، وأي سِنّ يُعتبَر سِنّ المُساءلة. ولكن يَبقى المَفهوم واحِدًا وسِفْر التثنية هو المَصدَر. إذا أخذْنا بالكِتاب المقدَّس بحَذافيرِه، فإنّ سِنّ المُساءلة هو سِنّ التَجنيد العَسكَري. في نَفسِ الوَقْت حتّى سِنّ المُساءلة يَكون الطفل تابِعًا لوضْع والدَيه. إذا كان الوالِدان تَحت العَهد، فوَلَدُهُما تحت العَهد. إذا كان الوالِدان خارج العَهد، فولدُهما خارج العَهد. يَسير الأمر بنفسِ الطريقة، بالطَبع، مع العَهد الجديد ما لم يُعلِن الطِفل الإيمان من تلقاء نفسِه.

يقول موسى أنّ كثيرين مِنكُم قد شَهِدوا شَخصيًا عجائب مِصر وجَبَل سيناء، ثمّ يَقول في الآية ثلاثة أنّه على الرُغم من ذلك لم يُعطِكُم الرَب عَقلْاً لتَفهموا ولا عُيونًا لتَرَوا ولا آذانًا لتَسمَعوا، أي أنّهم لم يَفهموا معنى كل ذلك. دعوني أخبرُكُم أنّ هذه عِبارة قوية.

هناك تلاعُب مُثير للاهتمام بالكَلِمات. إنّها تَقول بِشكلٍ أساسي أنَّك ”رأيتَ“ ولكنك لا ”ترى“. لكنَّها تَقول أيضًا أنه على الرُغم من أنّ لدَيك آذان، إلا أنّك لا ”تَسمَع“. ما تَقوله في الواقِع هو أنه على الرُغم من أنّ لديك أُذُنَين، إلا أنك لا َتسمَع. قد تَتْعَبون في النهاية من تَذكيري لكُم بهذا، لكن كَلِمة "شماع" لا تَعني مجرد السَماع. فالكَلِمة تعني أن تَكونوا مُطيعين لما سمعتُمُوه. إنها لا تَعني أن تَسمَع أو تَنصُت (كما هو المعنى السَلبي الذي نفكِّر فيه اليوم). بدون أن تَفعلوا ما سَمعتُموه، فلن تَكونوا قد سَمِعُتم. كلّ من ذَهَب إلى الكنيسة ولو لبِضْعَة أشهُر يَعرِف أنّ هناك كثيرين يأتون ويَسمعون؛ يَدخُل صوت الكَلِمات والجُمَل إلى آذانِهم ويَفهمون الكلِمات والجُمَل ويُسجِّلونها، ولكن لا توجَد استِجابة بعد ذلك. هذا هو ما يَقصده موسى: لديكُم آذان (أعضاؤكُم الحِسيَّة تُسجِّل أصوات الكلِمات التي أعطيها لكُم) ولكنَّكُم حتّى الآن لا تَفعلون ما تأمركُم به الكَلِمات.

هذه الآية التي تتحدَّث عن العُقول التي لا تَفهَم، والعيون التي لا تُبصِر، والآذان التي لا تسمَع، تَصِف العمى الروحي. لكِن لا تُسيئوا فَهْم هذه الآية؛ هذا ليسَ على الإطلاق مِثل حاخام أو قَسّ يوبِّخ رعيّتَه بإخبارهِم أنّهم عِميان روحيًا. بل إنّ هذا بالأحرى هو قَول موسى أنه حتّى تلك اللحظة لم يَحصلوا من الله على مَوهِبة الوَعي الروحي، ولكنّه الآن قد أعطاهُم إياها، ولذلك فَهُم مُستعدّون أخيرًا لقُبول العهد وتَنفيذ شروطِه بمعنى أكمَل بكثير من مجرَّد تَنفيذ أعمال ميكانيكية.

لقد أخبرتكُم ونحن نَدخُل إلى الإصحاح السادس والعشرين (الأوَّل من هذا القِسم الخاص المُكوَّن من أربعة فُصول) أنّ فيه أسرارًا ونبوءات وأمورًا عَظيمة لم يُكشَف عنها حَيَّرت الحُكماء العبرانيين والعُلماء المَسيحيين على حدٍ سواء. إنّ القول أنّ الله لم يَمنَح شعبَه العبراني عُقولاً ليَفهموا ولا عيوناً ليُبصِروا وآذاناً ليَسمَعوا هو أحَد تلك الأسرار. دَعونا نواجِه الأمْر؛ إذا أخَذْنا هذا في أبْسَط مَعانيه، فهذا يَعني أنّ الله يَجِب أن يُعطي كلَّ واحد منّا وَعْيًا روحيًا وإلا فلن نَستَطيع البَدْء في تَنفيذ تَعليماتِه بِشكلٍ صحيح. أو بِعبارة أخرى، يمكِن أن يَحجُب الله الوَعي الروحي عنكَ إلى أنْ يرى (إذا رأى) أنه يريدُك أن تَمتلِكَه. وبدون هذا الوعي الروحي لا يوجَد أمَل في فَهْم أهميَّة نواميس الله وأوامِره وخِطَّة وعَمليَّة الفِداء.

يمكنني أن أتذكَّر في زيارة مع والِد بيكي (عندما كانت بيكي تَشهَد له) إصرارَه على أنّه مَهما حاوَلَ لم يستطِع أن يفْهَم الكتاب المقدَّس. إنّه يقرأه ولكنّ الكَلِمات غير مَفهومة. كان هذا رَجُلاً ذَكيًا ومُتعلِّمًا، مُدرِّسًا مُتقاعِدًا وكان مُحبَطًا لأنه كان يرى أنّ الكتاب المقدَّس عِبارة عن كلمات وجُمَل وفَقرات وفُصول، ولكن لا معنى له في ذهنِه.

قَبْلَ وفاتِه بحوالى ستّة أشهُر قَبِلَ يسوع مُخلِّصًا له وقَضى معظَم أيّامِه المُتبقِّية في القراءة والاستِماع وأخيرًا فَهِم الكتاب المقدَّس.

هناك استنتاج مَعقول واحِد فقط يمكنني أن أتوصَّل إليه: إنّ الأمْر يَتَطَلَّب تَدخُّلاً إلهيًا ليَمنحَنا الإدراك الضَروري لفَهْم كَلِمة الله الإلهية. ومع ذلك، ها هو شَعبُه المَفدي يَهيم في الصحراء، مُتَسلِّحًا بشريعة موسى، ولكنَّه يَجِد نفسَه باستمرار في مُشكِلة مع الله بسبب عِصيانه. المعنى الضِمْني هو أنّه بينما كان الرَب قد أعطاهُم الناموس إلا أنَّه لم يَمنَحَهُم القُدرة على فَهْم المعنى الكامِن وراءه.

يتوصَّل عالِم التوراة اليهودي المشهور جيفري تيغاي (وهو ليس مؤمِنًا) إلى هذا الاستِنتاج ممّا نقرأه هنا في سِفْر التثنية: ”يبدو أنّ هذا يَعني ضُمْناً أنّ الله يُعطي القَلْب القُدرة على الإيمان، ولكنّه يَفعَل ذلك فقط لِمَن يَسعى إليه….. يجب أن يَكون لدى الإنسان الرَغبة في طاعَة الله، وعندها فقَط سيُساعِدُه الله على ذلك“.

كان الإيمان، الثِقة بالله، هو المِفتاح. لقد أُعْطي الناموس لِبَني إسرائيل ليس لأنَّهم كانوا يَطلبونَه أو لأنّهُم كانوا أمناء (لم يكونوا كذلك)، بل لأن الله كان أمينًا. ولكنْ حتّى إعطاء الناموس في جَبَل سيناء لم يُعْفِ بني إسرائيل تِلقائيًا من عَمى بصيرتِهم الرّوحية. فقط أولئك العِبرانيون الذين كان لديهِم إيمانْ وَوَثِقوا بيَهوَهْ أُعْطَوا ”مِفتاح القِفل“ لفَكّ كَلِمة الله. فقط أولئك الذين أحَبّوا الله وأرادوا أن يَكونوا مُطيعين هُم الذين أُعْطوا عقولاً ليَفهموا، وعُيوناً ليُبصِروا، وآذاناً ليَسمَعوا.

ومن الطَبيعي أنّ هذا النَمَط قد توبِع وهو أساس العَهد الجديد وحياتِنا الحديثة.

الكتاب المقدَّس اليهودي، غلاطية الإصحاح ثلاثة الآية اثنان، أريدُ أن أعرِف مِنكُم هذا الشيء الواحِد فقط: هل نِلْتُم الروح بالتزامكُم الناموسي لأوامِر التوراة أم بالثقة بما سمعتُموه وأَخلَصتُم له؟

كما اكتَشَف تيغاي لنفسِه، كان موسى يقول إنّ تَلقّي الناموس مسألة مُنفصِلة عن تَلَقّي القُدرَة على فَهْم الناموس. لقد أعطى الله بالفِعل مَوهِبة الناموس حتّى لأولئك الذين لم يَكونوا يَتطلَّعون إلى تَلقّيها. لكن موهِبة فَهمِه كما قَصَده الله لا تأتي إلاّ لأولئك الذين يَسعون إليه شَخصيًا بثِقَة ورَغْبة في أن يَكونوا مُطيعين له. يَقول بولس نفسَ الشيء بالضَبط. عندما نُقرِّر بإرادتِنا أن نَطلُب الله، وأن نَكون مُطيعين له، ونفْهَم بما فيه الكفاية لقُبول المسيح يَسوع اليهودي كمُخلِّصنا المَطلوب، عندئذٍ نُعطى الروح القدس. الروح القُدُس هو رَمْز فَكّ عَصْر الكنيسة لكَلِمة الله. بِدون الروح القدُس قد نَكون قادرين بالتَأكيد على قراءة كَلِمات الكتاب المقدَّس، وحَفظِها وتَلاوتِها، وحتّى العَمَل بها إلى حدٍ ما؛ ولكن بِدون الروح القدس لن نَكون قادرين أبدًا على فَهمِها وفَهْم مَقصَدِها. والقِيام بالناموس دون الثقة بالله هو مَسعى أجْوَف لا مَعنى له ولا يُرضي الرَب. هذا هو، في الواقِع، التَعريف الحقيقي للناموسيَّة.

تُشير الآية خمسة إلى أنّ بَني إسرائيل لم يَأكلوا أثناء وجودِهم في البرِّيَة خُبزًا ولا شَرِبوا خمْرًا ولا شرابًا قويًا (وكان هذا لكي يَعرفوا الرَب). أنظُروا: هذا ليسَ هِجاءً ضِدّ الخَمْر والشكار(الشراب القوّي) أكثَر مما هو هِجاء ضِدّ الخُبز. إنه ببساطة يَقول أنه بدلاً من المَواد الأساسية في النِظام الغذائي العبراني (الخُبز والخمْر) كانوا يأكلون المَنّ والسَلوى ويَشربون الماء؛ كل هذه الأشياء كانت تُقدَّم لهُم بِشكلٍ خارِق للطبيعة. الخُبز، ليكيم، هو نِتاجُ جُهْدٍ بَشَري. والخَمْر هو نِتاجُ جُهدٍ بَشَري. المَنّ جاء جاهزًا للأكْل، وانسَكَب من الَسماء. السُمّان لم يُرَبَّ ويُطعَم ويُعتنى به؛ بل جاء جاهِزًا للأكل وسَقَط حَرْفيًا من السماء. لم يأتِ الماء من آبار حُفِرَت أو قَنوات أو صَهاريج لجَمْع مياه السُيول. كلَّما لم تكُن المياه المتوفِّرة بِشكلٍ طبيعي متوفِّرة في النَبْع، كان الله ببساطة يوفِّرُها من أكثَر المصادِر غرابة واستِحالة: الصُخور. وكان كل هذا حتّى لا يَستطيع أحَدَ من بني إسرائيل أن ينسُب لنفسِه أي فَضْل في تَوفير مؤن الحياة والمَعيشة خلال تلك السنوات الأربَعين في البرِّيَة، والتي كانت مُعظمُها بمثابة نَفي. هذه هي الرَحْمة.

هناك أمْران يَجب الانتِباه إليهِما: الخَمْر والمَشروبات القويَّة مَسموح بها تمامًا وِفقًا للكُتب المقدَّسة. لا يوجَد أي خطأ في المَشروبات الكُحولية. الخَمْر هو رَمْز الكتاب المقدَّس واستِعارة الفَرَح. لقد حوَّل يسوع الماء إلى خَمر لأنّ الأعراس كان يجِب أن تَكون فرحًا والعُرْس الذي كان يَحضُره هو وأمُّه كان يَنقصُه الخَمر وبالتالي الفَرَح.

لماذا ارتبَط الخَمْر بالفَرَح؟ لأنّ الناس ثَمِلوا قليلاً. لقد نَسَوا بَعضًا من همومِهم وشَعَروا بألَم أقَلّ في أجسادِهم؛ ضَحِكوا أكثر قليلاً وَوَضَعوا بعضًا من أعبائهِم الدنيويَّة جانِبًا لِفَتْرة قصيرة. كان مَذاق النبيذ طَيِّبًا ورائحتُه زكيَّة. حتّى الشَراب القَوي (ما يُمكِن أن نُسميّه اليوم الخُمور القوية والبيرة) كان مَقبولاً (ولكن بالطَبع ليس إلى حَدّ السُّكر وعَدَم المسؤولية).

لاحِظ ”مَجالات“ الوجود الثلاثة التي كان يأتي مِنها قوتُ حياة بني إسرائيل: المَنّ من السَماء، والسُمّان من السَماء السماوات، والماء من الأرض. السَماء (العالَم الروحي)، والسماء (السماوات)، هي ما نراه عندما ننظُر إلى أعلى في الليل)، والأرْض نَعيش عليها. الله هو صاحِب السِيادة وهو رَب كلّْ هذه المَجالات التي لا تُمثِّل فقط كونَنا المرئي والمَعروف بأكملِه بل أيضًا العالَم الروحي غير المرئي وغير المَعروف. إنّه يوفِّر احتياجاتِنا من كلّ مَجال من هذه المَجالات. إلهُنا هو بالفِعل إله رائع!

من الآيات تِسعة إلى عشرين نشهَد مَراسِم التَصديق الفِعلي على العَهد. وأوَّل كَلِمات هذا الاحتِفال هي ”…..تَقِفُونَ الْيَوْمَ جَمِيعُكُمْ أَمَامَ الرَب….“ كَلِمةتقفون“ ذات دلالة. في العبرية الكَلِمة هي نتساف وَتعني أنَّكم ”تُقدِّمون“ أنفسكُم للرَب. أذكُر أنني ذَكَرْتُ أنّ اللغة العبرية لا تَستخدِم الأزمِنة (الماضي والحاضر والمُستقبَل) في حَدّ ذاتِها. بل تَستخدِم ما يُسمّى بالتَمام والكمال أو التام والناقص. والفِكرة هي أنّ شيئًا ما قد تم تأسيسُه واكتمَلَ، أو أنّ شيئًا ما قد تأسَّس وهو مُستمِرّ ولكنَّه لم يكتمِل بعد. و يُستخدَم النتاساف هنا في الكامِل، فهو لا يقول إنَّكم في هذه اللحظة تُقدِّمون أنفسَكُم للرَب بل يَعني أنكم كنتُم تُقدِّمون أنفسَكُم للرَب وما زِلتُم. ويذْهَب النَصّ إلى أبعَد الحدود ليَشمَل كل من يُسافِر مع إسرائيل وبينَهم: القادة، الرِجال والنساء، الأطفال، وحتّى الأجانِب، فالحَطّابون وسُقاة الماء أدّوا أدْنى المَهام، وهذا يَعني عدَم استثناء أي فئة اجتِماعية؛ فكلُّ هؤلاء الأشخاص حاضِرون في حَفْل التَصديق على العَهد.

وكان الناس حاضِرون ليُمنَحوا فُرصة في أنْ يُصبِحوا أعضاء في جَماعة العَهد أو ليؤكِّدوا عضويَّتَهم؛ العَهد الذي تَقول الآية الثانية عشرة إنَّه ”عَهد مع قَسَم“، أو تقول نُسَخ أخرى ”عَهْد مع قَصاص“. هذه تَرجمات صحيحة، ولكنّها تُخطئ الهَدَف؛ ما تَعنيه هذه الآية هو ”عَهْد مع لَعناتِه“. إنّ العبريّة هيبريت في الله، والتي تَعني حَرْفيًا ”عَهْدًا مَحروسًا باللعْنات“. بمعنى أنّ التَحذير من الدُخول في هذا العَهد باستِخفاف، لأنّ عواقِب نَقْضَ شروطِه قد تَكون وخيمة. ليسَ من المُستغرَب أن نَجِد هذا التحذير نفسَه في العَهد الجديد لأولئك الذين سيَدخُلون في العَهد الإسرائيلي عن طريق ذَبيحة يسوع.

الكتاب المقدَّس اليهودي واحد كورنثوس الإصحاح الحادي عشر الآية ستة وعشرون، لأَنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هَذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هَذِهِ الْكَأْسَ تُنَادُونَ بِمَوْتِ الرَب إِلَى أَنْ يَأْتِيَ. سبعة وعشرون فَكُلُّ مَنْ يَأْكُلُ خُبْزَ الرَب أَوْ يَشْرَبُ كَأْسَ الرَب بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ يَكُونُ مُذْنِبًا بِتَدْنِيسِ جَسَدِ الرَب وَدَمِهِ.

ومَع ذلك، كانت عِبارة ”العَهد المَحروس باللَعْنات“ عِبارة شائعة إلى حدٍ ما مُستخدَمة في جَميع أنحاء الشَرق الأوسط لوَصْف المُعاهدات التي تُعقَد بين مَلِك قوي والمُدُن والوِلايات التابِعة التي يَحكُمُها. كانت هذه المُعاهدات تَحتوي دائمًا على الغَرَض من المُعاهدة وشروطِها، والالتزامات التي وافَقَ عليها الطرَفان، وأخيرًا اللَعْنات التي ستَحُلّ بالدولة التابِعة إذا ما نَقَضَت المعاهدة. لذلك فَهِم بنو إسرائيل تمامًا الطبيعة الرَصينة والجادَّة لما كانوا يوافِقون عليه. أتساءل عمَّا إذا كنّا نحنُ المؤمنين المعاصِرين نأخُذ الأمر بنفْسِ الجديَّة؟

ثمّ يوضِح الرَب بوضوحٍ تامّ أنّ أرض كَنعان هي الأرْض التي وَعَد بها إسرائيل؛ لقد كانت دائمًا أرض الميعاد. لم تكُن أي أرْض مناسِبة تَجوَّل فيها بَنو إسرائيل وفَضَّلوها. لم يُترَك الأمر للصُدفة أو تَقلُّبات التاريخ أو السِياسة البَشرية. من السَهل جدًا أن نرى أرض إسرائيل على أنها مُجرَّد مَكان يَعيش فيه اليهود. لماذا من الضَروري أن تَكون تلك البُقعة بالذات؟ في الواقِع، يطْرَح الكثير من العالَم اليوم هذا السؤال. بما أنّ المُسلمين يُصِرّون على أن تَكون الأرض التي تَجلِس فيها الأمَّة اليهودية هي أرضُهُم، فلماذا لا يَنقلُون اليهود إلى مكان آخر لا يُسبِّب مِثل هذه المَشاكل؟ وفي الواقِع قَبْلَ نحو قَرْنٍ من الزمان كان مِثْل هذا الأمر على وَشك الحدوث.

كان أبو الصهيونية، ثيودور هرتزل، قَبْل حوالى مئة عام، يتواصَل مع مُختَلف الحُكومات في جَميع أنحاء العالم لمُحاولَة الحصول على موطِن لليهود. كان يُريد فلسطين بالطَبع، لكنّ العَرَب لم يَقبلوا. وأخيراً، عَرَض عليه البَريطانيون أرْضاً استِعمارية كبيرة كانوا قد فَقَدوا الاهتِمام بها؛ ونحن نَعرِف اليوم هذا المَكان باسم دولة أوغندا. أجرى المؤتَمر الصهيوني العالَمي مُناقشات ساخِنة حول قُبول العَرْض البريطاني من عَدَمِه، وفي تَصويت مُتقارِب جداً رَفَضوا أوغندا كوَطَن يهودي جديد. والباقي، كما يَقولون، هو التاريخ.

حتّى لو كانوا قد صَوَّتوا بقُبول أوغندا، فإنها لم تكُن لتُمثِّل عودَتَهُم من المنفى كما وَعَدَهُم الأنبياء. أرض كنعان مُميَّزةٌ عند الله لأسبابِه الخاصة.

أرْض الميعاد ليسَت أي أرْض تَكفي لإسكان إسرائيل؛ إنها مَكان مُحدَّد جدًا مَرسوم إلهيًا. لقد أوضَح الله ذلك لجيل الخروج الثاني، وقد أوضَحَه الله بعنايتِه الإلهية في أواخِر القرن التاسع عشر، ولا يَزال يوضِحُه اليوم. لكن هَل لدى الكنيسة عيون لِتَرى، وآذان لِتَسمَع؟ بالتأكيد لا يَملِك العالَم ذلك، ولا يَملِك الكثير من اليَهود ذلك أيضًا.

يَقول الرَب إنّه لا يَقطَع هذا العَهد مع الواقِفين أمامَه اليوم (في موآب) فقط، بل مع أولئك ”الذين لَيسوا هنا اليوم“. بما أنّ الآيات السابِقة توضِح أنّ كلّ بَني إسرائيل الأحياء كانوا حاضِرين لسَماع موسى، فهذا يُشير إلى جميع نَسْل الحاضرين؛ الأجيال القادمَة. ومن المُثير للاهتِمام أنّ مدراش تنحوما يَتناوَل هذا الأمر ويَقول إنّ الأرواح التي ستَتَجَسَّد في جميع العبرانيين المُستقبليين كانت حاضِرة في حَفْل العهد هذا، وهكذا سمِعوا هُم أيضًا موسى وأصبَحوا جِزءًا من العَهد. قد نُسمّي ذلك تَفكيرًا خياليًا، لكن المَسيحية الحديثة بِشكلٍ عام تَقبَل عقيدة مُشابِهة جدًا من حيثُ أنّ كل نَفْس ستَحيى أبدًا خُلِقت في البداية وهي مع الله حتّى يَخلُق الله ذلك الفَرْد في شكلٍ مادي ويَضَع فيه تلك الروح الأبدية.

حتّى لو لم تَقبَل هذا التَفسير، فعلى الأقَلّ فإنّ العَهدَ يُعرَض على جَميع العبرانيين من الأجيال القادمة، تمامًا كما عُرِض العَهد الجديد على جميع الأجيال البشرية القادِمة وليس فقط الجيل الذي جاء فيه يسوع.

بدءًا من الآية خمسة عشرة يُحذِّر موسى أنّ على جَماعة العَهد أن تكونَ على حَذَر من أي شَخص أقْسَم يَمين العَهد الموسوي ثمّ انقلَب وقرَّر أنه الآن بَعد أن أعلَن أنَّه جُزء من العَهد (آمِن وسالِم ومَحمي) يُمكنُه أن يَذهَب ليَعيش كما يَحلو له دون اعتبار لشُروط العهد. يَتجلّى هذا في تَذكُّر رَجُل أو امرأة للأُمَم التي تاهَت عَبرَها جَحافِل الثلاثة ملايين من بَني إسرائيل في طريقِهم إلى كنعان، وتَذكُّر آلهة الذَهَب والفِضّة التي كانت تَعبدُها تلك الأُمم، واختيارُهُ أن يَخدُم تلك الآلهة الكاذِبة.

يُنظَر إلى مِثْل هذا الشَخص على أنَّه سَمٌّ مُرٌّ وشيء من الشيح. وبعِبارةٍ أخرى هو خَطَرٌ على المُجتمَع كَكُلّ، لأنه قد يُغري الآخرين بأن يَفعلوا مِثلَه.

افهَموا: عِلمًا أنّ هذا السيناريو حَدَث في تاريخ إسرائيل (ونقرأ عنه بإسهاب في سِفْر القضاة وجَميع أسْفار الأنبياء)، إلاّ أنّه كان من النادِر أن يَتخلّى العبراني عن يَهوَه ويَبدأ في عِبادة آلهة أخرى بدَلاً منه. كان العبرانيون ببساطَة يَستمِرّون في ما تحدَّثنا عَنه مُنذ دقائق قليلة: كانوا يَرَون أن يَهوَهْ هو إيل، الإله الأعلى في الأرض، وكانوا يَحتفظون به ولكنّهُم كانوا يُضيفون بعضَ الآلهة ”الأقل مُستوى“ إلى ذخيرتِهم. كان هذا يَبدو مَعقولًا تمامًا بالنسبَة لهُم؛ كانوا يَذهبون إلى الهيكل، وَيَحضُرون الأعياد التوراتية، ويُحضِرون عُشورَهم ويَذبحون على مَذبَح النُحاس، ولكنَّهم كانوا أيضًا يَضَعون في بيوتِهم أصْنامًا صغيرة من الخَشَب والحَجَر لآلهة أخرى ويُكرِّمونَها أيضًا (غالِبًا ما كان ذلك سِرًا حتى لا يعرِف جيرانُهم). وغَني عن القَول إنهم صُدِموا عندما حَلَّت عليهِم لَعنات الله وعُذْرُهُم المُعتاد هو: ولكن يا الله، ألَمْ نَدعُ باسْمِك؟ نقرأ هذا السيناريو مِرارًا وتَكرارًا في أسفار الأنبياء.

بعضُكم يَعرِف إلى أين يَقودنا هذا الأمر، أليسَ كذلك؟ هذا النَمَط يَظهَر بطبيعة الحال في العَهد الجديد أيضًا؛ والسُقوط وعبادة آلهة أخرى قد يكون سائدًا في الكنيسة المُؤَسَسِيَّة اليوم كما كان سائدًا عند العبِرانيين في أيّام ملوك إسرائيل الأشرار.

من مِنّا لم يَسمَع عبارة يسوع التي كثيرًا ما تَتكرَّر على مسامِعنا والتي قال فيها: ”الكتاب المقدَّس اليهودي متّى الفَصْل سبعة الآية اثنان وعشرون فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَيَقُولُ لِي كَثِيرُونَ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ! أَلَمْ نَتَنَبَّأْ بِاسْمِكَ؟ أَلَمْ نَطْرُدِ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِكَ؟ أَلَمْ نَصْنَعْ مُعْجِزَاتٍ كَثِيرَةً بِاسْمِكَ؟ ثلاثة وعشرون حِينَئِذٍ أَقُولُ لَهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ: “مَا عَرَفْتُكُمْ! ابتعِدوا عني يا عاملي الإثم!“.

في سِفْر التثنية تسعة وعشرين كان يَهوَهْ يُحذِّر من خِلال موسى أنّه بينما كان الفِداء والتَوقيع على الَعهد أمْران جيّدان إلّا أنّه كان على المَرء أن يَستمِرّ في ثِقتِه وطاعتِه للحِفاظ على مكانتِه داخل مُجتمَع العهد. هل تعتقِد أنّ هذا قد تَغيَّر مع يسوع؟ أخْشى أنّ الغالِبيّة العُظمى وخاصَّةً الجَناح الإنجيلي في الَمسيحية تَعتقِد ذلك. ولكن كما هو الحال مع العَديد من العَقائد من هذا النَوع، يُخبرُنا الكتاب المقدَّس بِعَكْس ذلك: في الكتاب المقدَّس اليهودي رومية الإصحاح الحادي عشر الآية التاسعة عشرة، فتقولون: ”انقطَعت الأغصان لكي أُطعَّم“. عشرون صحيح، ولكن ماذا في ذلك؟ لقد انْقطعوا بسبب عدم ثِقتهِم. أمَّا أنتَ فلا تَحتفِظ بمكانِك إلا بسَبَب ثقتِك. فلا تتَكبَّروا، بل على العَكِس، كونوا خائفين! واحد وعشرون لأنّه إذا كان الله لم يُعْف عن الأغْصان الطبيعية، فإنه بالتأكيد لن يُعفيكم! اثنان وعشرون فانظُروا إذن إلى لُطف الله وشِدَّتِه: من ناحية، الشِدّة تِجاه الذين سَقطوا، ومن ناحية أخرى، لُطف الله بِكُم – بشَرط أن تُحافظوا على أنفسِكم في هذا اللُطف! وإلا فستَنقطِعون أنتم أيضًا!

أتَعلَمون أنَّه من المُقلِق جدًا بالنِسبة لي أنّ كثيرين مِنّا يَظنّون أنّ بإمكانِنا أن نَنهَض من المِقعَد ونَمشي في الَممَرّ، ونقول الكَلمات، ونُصلّي صَلاة الخُطاة، ثم نَعتقِد أننا قد أكمَلنا التزاماتِنا تِجاه الله. أننا الآن وقد انضَمَمنا إلى مُجتمَع العَهد الجديد ليس علينا واجِبات، وليس لدينا قواعِد، ولا تُوجَد عواقِب لأفعالِنا. لا يوجَد كتاب مقدَّس واحِد في العَهد القديم أو العهد الجديد يُشير حتّى إلى شيء من هذا القَبيل. السَبب الوحيد لوجود هذا النَوع من الفِكْر في الكثير من العقائد المَسيحية هو التعامُل مع مُشكِلة الناموسية المُفترضَة والأعمال كوسيلة للخَلاص، واعتِبار أنّ الطاعَة بطريقة أو بأخرى لأوامِر الله الكِتابية المَكتوبة هي ناموسيَّة؛ وأنّ القِيام بالأعمال الصالِحة والبارَّة هو مُحاولة لِنَيْل خلاصِنا من خلال أعمال تُبرِّر الذات. أعتقِد أنّ الوَقت قد حان لكي تَتوب الكنيسة عن هذا الأمْر وتُعيد فَحْص هذه الأمور قَبْل فوات الأوان بالنسبة للملايين من رُوَّاد الكنيسة الذين يَعتقدون بِصُدق أنّهم في أمان في جَماعة الرَب، ومَع ذلك لا يَهْتَمون بكَلِمتِه أو طُرُقِه.

الآية تسعة عشرة مُرعِبة للغاية. إنّها تَقول إنّ الرَب لن يَغفِر لأولئك الذين يَرتَدّون بهذه الطريقة، وأنّ كلّ لَعنة الناموس ستَحُلّ على ذلك الشَخص، وأن يَهوَهْ سيَمحو اسمَه من تَحت السَماء. لقد أخبرتُكم في بِداية دَرْس اليوم أننا سنَعرِف مَعنى ”يَمحو اسمَه“. بالنِسبة لمعظمكُم أعتقِد أنّ المَعنى أصبَح َواضِحًا بالفعل: إنّه يتحدَّث عن المَوت الأبدي. إنه يتحدَّث عن لَعنة الناموس. إنها إدانة مُطلَقة. من يُوقِّع على العهد ثمّ يَبتعِد سَيُعاني نفسَ مَصير أولئك الذين عَبَدوا العِجْل الذهبي. سيُعاني نفسَ المَصير الذي فَرَضَه الله على العَماليق: غَضَب الله الدائم والانفِصال الدائم عنه.

تَشرَح الآية عشرون أنّ الرَب سيَفرُد الناس لهذا المَصير وسيَتُمّ ذلك وِفقًا لشروط العَهد. يجِب ألا يظُنَّ المُرتَدّ المُحتمَل أنه يَستطيع أن ”يَضيع“ ويَختبئ بين جَماعة العهد، وَيهرُب من مَصيره بأن لا يُكتشَف أمْرُه. ولا يَنبغي أن يَظُنّ أنّ جميع العُقوبات والتأديبات الإلهية تَحْدُث فقط على المستوى الوَطَني (الذي تَعيشه الجماعة ككُلّ) بلّ إنّ الرَب سيَتعامَل مع مُنتهكي العَهد على أساس كل شَخص على حِدَة، ولا يوجَد خَفاء على الله. وأحَدْ أغراض إدانة يَهوَه للمُرتَدّين فَردًا فرْدًا، والتعامُل مَعهُم بأشَدّ الطُرُق تَدميرًا وفظاعة، هو أنْ يرى الآخرون الذين سيَأتون لاحِقًا ما حَدَث لهُم. سيَكون المَلعونون علامَة للأجيال القادمَة لكي لا يَختبِروا الرَب.

أريدُ أن أشيرَ إلى شيء مُثير للاهتمام يُقال الآن ويُسلِّط الضوء على الألغاز التي تَعود إلى سِفْر التكوين. تَستَخدِم هذه الآيات دمَار سَدوم وعَمورة، وكذلك مدينتَي أدومة وزبويم، كأمثِلة توضيحيَّة للإبادة الكامِلة التي يُمكِن أن يتوقَّعَها المُرتَدّون. وتَقول إنّ هذه المُدُن قد دُمِّرت تمامًا بالكَبريت والمِلح لدرجَة أنها لم تعُد قادِرة على إنتاج المحَاصيل أو حتّى تَكون مرعى للحيوانات البريَّة أو الداجِنة. لقد أُلقيَت هذه المُدُن أساسًا في بُحيرة النار وهَجَرها الله والإنسان إلى الأبد.

تذكَّروا أنّ ملاكًا أنقَذَ لوطًا وعائلتَه من مَدينة سدوم الشرّيرة، وبينما كانوا يَهربون أُمِروا ألا يَنظروا إلى الوَراء؛ لكنّ زوجة لوط عَصَت فأصْبَحَت عمود مِلح. المِلح في حدِّ ذاته مُفيد وجيِّد. يمكن أن يَحفَظ ويمكن أن يُتبِّل. ومع ذلك يمكن أن يَكون المِلح مُدمِّرًا أيضًا. الفِكرة هي أنه على الرُغم من أنّ زوجة لوط أُعْطيت الفُرصة للهروب من الهَلاك (وفي الواقِع قد هَرَبت) إلا أنّها لم تَثِق (سَقَطت بعيدًا عن الله) وانتَهى بها الأمر بمُعاناة نفْس المَصير الذي كانت ستُعانيه لو بَقيَت ببساطة في سَدوم مع الوثنيّين. لقد تَحوَّلت مِلح؛ لقد أصبَحَت نَفْس عامِل التسمُّم المدمِّر للتُربة (الملح) الذي جَعَل سدوم وعَمورة غير صالِحة للسَكَن وغير صالِحة للاستِخدام.

كما تَرَون كان من المُعتاد لمَلِكٍ قَوي لديه مُعاهدات مع العديد من المُدُن الصغيرة التابِعة له أن يأتي ويُدمِّر تلك المدينة تمامًا إذا ما تَمرَّدَت عليه. ستَكون هذه إشارة تَحذيرية للمُدن الأخرى التابِعة له كي لا تَحذو حذوَها. في هذه العَمَلَيَّة كان رِجال المَلِك يَجلبون الكَبريت والمِلح وينشرونَه في جميع أنحاء الأرض الصالِحة للزِراعة. هاتان المادَّتان الكيميائيتان مُجتمِعتان جَعَلتا الأرض غير صالِحة تمامًا لأي شيء؛ فالكَبْريت خَلَقَ رائحةً كَريهة والمِلح سَمَّم التربة ولم يَنمو أي شيء.

يُمكِن تَرجمة "زوجة لوط كانت ”عَمودًا“ من الِملح" بِشكلٍ أفضَل على أنها ”نُصُبْ“ من المِلح. أي أنها أصبَحَت علامة وتَحذيرًا وعلامة خَطَر لكلِّ من سيَرْتَدّ عن خلاصِه وعن فاديه.

الكتاب المقدَّس اليهودي إرميا الإصحاح السابع عشر الآية ستة: "يَكُونُ مِثْلَ الطَّرْفَاءِ فِي عَرَفَةَ – إِذَا جَاءَ الْفَرَجُ لاَ يَتَأَثَّرُ لأَنَّهُ يَسْكُنُ فِي الصَّحْرَاءِ الْمُلْتَبِسَةِ بِالشَّمْسِ فِي أَرْضٍ مِلْحَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ"

الكتاب المقدَّس اليهودي مَتّى الإصحاح خمسة الآية ثلاثة عشرة:"أَنْتُمْ مِلْحٌ لِلأَرْضِ. ولكن إذا أصبَح المِلح بلا طَعْم، فكيف يُمكِن أن يُصبِح مالحًا مرَّة أخرى؟ لم يعُد صالحًا لشيء سوى أن يُطرَح ليَدوسه الناس.

سنُنهي الإصحاح تسعة وعشرون الأسبوع القادِم ثم نَنتقِل إلى سِفْر التثنية ثلاثين.