20th of Kislev, 5785 | כ׳ בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » اللاويين » سِفْر اللّاويّين الدرس السابع والعشرون – الإصْحاح التاسِع عشَر
سِفْر اللّاويّين الدرس السابع والعشرون – الإصْحاح التاسِع عشَر

سِفْر اللّاويّين الدرس السابع والعشرون – الإصْحاح التاسِع عشَر

Download Transcript


سِفْر اللّاويّين

الدرس السابع والعشرون – الإصْحاح التاسِع عشَر

لقد بدأنا للتَّوْ في المرَّة السّابقة في الإصْحاح التاسِع عشَر من سِفْر اللّاويّين، وهو الإصْحاح الذي يُركِّز على قداسة العابِد.

دَعونا نُعيد قِراءة جِزء من الإصْحاح.

اقرأ سِفْر اللّاويّين الإصْحاح تسع عشر عللى واحد الى ثمانية عشر

نرى أن سِتّ وصايا من الوصايا العشر يتمّ تناوُلها مُباشَرَةً في هذا الإصْحاح، وتَذْكُر الكَلِمات الواجِبات والمَسؤوليّات التي يَجِب على كل مؤمن بإلَه إسرائيل أن يقوم بها. يُقال لنا مُباشَرَةً في الآية الثانية": كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا الربّ قُدُّوس". في حين أن هذه التّعليمات تُقدَّم في المسيحيّة الحديثة بعض الخِدْمة الكَلاميّة، إلا أن سُلوكنا الشَّخْصي المُقدَّس في مُعْظَمه قد نُحّيَ جانبًا بِسَبَب الخَطَر المُفْتَرض من "الأعْمال" و "النّاموسيّة". أعْتقِد أن المُشْكلة التّأسيسيّة التي تَسَبَّبت في هذا النَّوْع من المَنطِق المُلْتَوي تأتي من الاعْتِقاد الخاطئ بأن يسوع قد ألغى التَوْراة، ومعها ذَهب أي تَعريف ملْموس لِماهيّة القداسة وما يَبدو عَلَيْه في حياة المؤمِن. ما تَعنيه تلك العِبارة عن أن نكون مُقَدَّسين كما الله قُدّوس هو أنَّنا يَجِب أن نَتَشبَّه بالله، الذي طَبيعته هي القداسة. وهذا النَّوْع من القداسة يتمُّ التَّعْبير عنه في اسْتَقامَتنا الأخْلاقِيَّة، والتي يَجِب أن تتجلَّى بِدَوْرها في سلوكِنا وأفعالِنا، ولَيْس فقط في نوايانا أو مَشاعرنا الدّاخليّة.

لقد شَرَحتُ الأسْبوع الماضي أن الهَدَف الكامِل لإرادَتنا البَشَريَّة هو التَّعْبير عن قَراراتنا الأخْلاقِيَّة وإظهارها. ولَكِن من أي مَصْدَر يَجِب أن نَسْتَقي من أجل التَّمْييز بين ما هو أخْلاقي وما هو غير أخْلاقي؟ وفقًا للعالَم التَّقَدُّمي العِلْماني فإن هذا المَصْدَر هو قلْب الإنْسان وعَقْله. ووِفقًا لِلَكِنيسة، فإن هذا المَصْدَر هو المواد الإيمانيّة المَذْهبيَّة والعَقائد الدّينيّة المُرْتبِطة بها. أما بالنِّسْبَة إلى الله فهي شَرائعُه وأوامِره كما وَرَدَت في التَوْراة.

إذاً القداسة هي حالة داخليَّة يَجِب التَّعْبير عنها ظاهِريًّا لتكون لها أي قيمة عَمَلِيّة. فالله لَيْس إلهًا قُدّوسًا يَتَصرَّف بِطَريقة غير مُقَدَّسة؛ لذلك إذا ادَّعَيْنا القداسة بِسَبَب عِلاقتنا مع يسوع ولَكِننا نتصرَّف كما لو كانت قَراراتُنا وأفعالُنا مُنْفَصِلة عن تلك القداسة الدّاخِلية، يَجْعَلنا مرائين بأسْوأ طريقة مُمْكنة. لذلك يَجِب علينا أن نَقْبَل (كَهِبة من الله عن طريق المسيح) طَبيعة جَوْهَريَّة جديدة تُنْتِج نوعًا من القداسة التي تُحَوِّل قَراراتنا الأخْلاقِيَّة وسُلوكنا إلى نوع يُحاكي قداسة الخالِق ويَتناغَم معها.

في الآية الرابعة قيل لإسْرائيل ألاّ "لا تَلْتَفِتوا إلى الأوْثان". "لا تَلْتَفِتوا إلى" هو تَعْبير عِبريّ؛ يعني أن لا يَسْتنِد المَرْء إلى شَيْء أو شَخْص ما ولا يَعْتَمِد عَلَيْه؛ في هذه الحالة لا يَنْبَغي على الإسْرائيلي أن يَدْعو قُوّة صَنَم أو إلَه كاذِب للمُساعدة.

ثمّ في الآيَتَيْن خمسة وسِتَّة يتمّ التَّطَرُّق إلى تقْديم الذَبائح….. ولَكِنها لا تتحدَّث عن الذَبائح بِشَكْل عام؛ بل تُشير تَحْديدًا إلى فئة من الذَبائح تُسَمّى 'ذَبيحَة السَّلأُمَّة' . والتَّوْجيهات هي أن هذا النَّوْع من الذَبائح يَجِب أن يُقَدِّم بِدِقّة وفقًا لما عَيّنَه يَهوَهْ وأنه يَجِب أن يُؤكَل في اليَوْم الأوَّل (كلّ هذه الأُمور مَذْكورة سابِقًا في سِفْر اللّاويّين الفَصْل السّابِع. لن نَخوض في التَّفاصيل هنا، ولَكِن قد يَتَساءل المَرْء لماذا، من بَيْن الأنْواع الخَمْسة المُخْتَلِفة للتقدّمات التي دَرَسْناها، يَختار الله تَقْدِمة الشّلاميم (ذَبيحَة السَّلأُمَّة) كَتَقْدِمة لِيُحَذِّر تحذيرًا شديدًا من مُخالفة نِظامها الصَّحيح. لأنه يقول أن من يأكُل منها بِشَكْل غير لائق يَكون مُذْنِبًا (من قِبَل الله) وأن العُقوبة هي أن يُقطَع المُخالِف عن شَعْبِه. وبِعِبارة أُخْرى فإن هذا الشَّخْص إما أن يُطرَد من أُمَّة إسرائيل (وهذا يَتضمَّن الانْفِصال عن الله) أو يُعَدَم. حَسَنًا، الحَقيقة هي أن فِئة ذَبائح الشلاميم (ذَبيحَة السلأُمَّة) كانت تفوق بِكَثير جميع الذَبائح الأخرى من حيث الكَمِّيّة والتِكْرار. وذلك لأن العابِد الذي كان يُقَدِّم حَيَوانه في ذَبيحَة الشّلاميم كان بإمْكانِه (أ) أن يُقَدِّم الذَبيحَة كُلَّما أراد ذلك وبِقَدر ما يريد، و (ب) كان بإمْكانِه الاحْتِفاظ بأكْبَر حِصَّة من اللَّحْم له ولِعَائلته مُقارنةً بأيّ نَوْع آخر من الذَبائح.

لقد مَضى وقْت طويل منذ أن ناقشْنا هذا الجانِب من الذَبائح بِشَكْل عام، لذا بما أنه مَذْكور في الآية الثامنة دَعوني أُذَكِّرُكم به؛ لاحِظوا أن المُشْكِلة في الأكْل غير السَّليم من لَحْم الذَبيحَة (أي أخْذ جِزْء منها غير المُخَصَّصْ لذلك الشَّخْص) هو أن العابِد قد "دنَّس ما هو مُقَدَّس للرّب….." تَذّكَّروا أنَّنا تَحَدَّثْنا منذ عِدَّة أسابيع مَضَت عن "ما هو مُقَدَّس للرّب". أيًا كان الحَيَوان الذي يتمّ اخْتياره للتَّضْحية به ليَهوَهْ تَنْتَقِل مُلْكِيَّته رَسْميًّا إلى الله في لحْظة مُعَيَّنة (عادة عندما توضَع الأيْدي على رأس الحَيَوان في خَيْمَة الاجْتِماع). منذ تلك اللّحْظة فَصاعدًا أصْبَح هذا الحَيَوان الذَبيحَة مِلْكًا لله؛ يُصْبِح "ملكية مُقَدَّسة". إنّ الأكْل غير اللائق من حَيَوان تم تَسْليمه إلى الله هو انْتِهاك لمُلْكيَّته المُقَدَّسة. ولا توجَد جَريمة أخْطَر بِكَثير يُمْكِن أن يَرْتَكِبْها الإسْرائيلي أكثر من ذلك؛ ومن هنا تأتي العُقوبة الشَّديدة المُتَمَثِّلة في أن "تُقطَع من شَعْبَك" نتيجة لفِعْل ذلك.

الآيتان التاسِعة والعاشِرة تتناوَلان تَقديم مسْألَة المَؤونة للفُقَراء والغُرَباء الذين يعيشون بين بني إسرائيل. ولَكِن لاحِظ كَيْف أن هاتَيْن الوَصِيَّتيْن لم يَكُن لهما أي تأثير لسَنَوات عديدة. في الوقت الذي اُعْطِيَت فيه هاتان الوَصيَّتان كان بنو إسرائيل مُجْتَمَعاً مُتَجوِّلاً مُكَوّناً من ثلاثة ملايين نَفْس، وبالتّأكيد لم يَكونوا يَزْرَعون. وهاتان الوَصِيّتان تَتعلَّقان مُباشَرَةً بالزِّراعة (وهو أمْر لن يَنْخَرِطوا فيه إلا بعد مرور حوالي أربعين سنة أخرى). فقط في حالة نِسْيانك أن هذه المَقاطِع التي نقْرأها في سِفْر اللّاويّين قد اُعْطِيَت لِموسى، في جبل سيناء، بعد أقلّ من عام من هُروب بني إسْرائيل من مصر. والعديد من هذه الأوامِر لن يَكون لها معنى أو وَظيفة مُباشَرَةً لِبَني إسرائيل إلى أن احْتَلّوا أرْض الميعاد في كَنعان وجَعَلوها مِلكًا لهم. بالطَّبْع لم يَكُن بنو إسرائيل هؤلاء يَعْلَمون في هذه اللَّحظة أن مُعْظَمَهم لن يروا أبدًا اليَوْم الذي سيَكون لهم فيه كُروم وحُقول خاصَّة بهم. على حدِّ عِلْمِهم لم يَكُن يَفْصِلْهم عن وُجْهَتِهم النِّهائية سوى أسابيع قليلة. ولَكِن الله يُهّيِّئُهم مع ذلك، لأنّه على الرَّغْم من أن التَّطْبيق المُباشر لهذه القواعِد الزِّراعيّة كان على بُعْد سَنَوات عديدة، إلا أن المبادئ التي اسْتَنَدَت إليها كان يُمْكِن مِمّارستها في الحال. والمَبْدأ هو أن أولَئِك الّذين لم يَكونوا قادِرين على رِعاية أنْفُسِهم في المُجْتَمَع الإسْرائيلي كان يَجِب أن يُرحَموا ويَجِدوا وَسيلة للبَقاء على قيْد الحياة.

في التَّطْبيق المُباشر، كان التَّحْذير الوارِد في الآية التّاسِعة، وهو عَدَم الحَصاد حتى أطْراف الحَقْل، يعني بِبَساطة أنه عندما يَحْصُد صاحِب الحَقْل حُبوبه كان عَلَيْه أن يَتْرُك مِقْدارًا مُعَيَّنًا من الحَقْل دون حَصاد، وهكذا يَسْتَطيع الفُقَراء أن يَحْصُدوه (وهذا ما يُسَمّى عادةً بالجَمْع) ويَكون لَدَيْهم طعام. ولَكِن هذا لَيْس كل ما في الأمْر. الجِزْء الثاني من الأمْر المُتَعَلِّق بِمَحاصيل الحَقْل هو أن لا يَجْمَع صاحِب الحَقْل "الغلّة".

بما أنَّنا سنَرى العديد من الأمْثِلة في كل من أسْفار التَوْراة والإنْجيل على حدٍّ سواء عن هذا المَوْضوع دَعونا نَتَوقَّف لَحْظة لِنَفْهَم هذه المِمّارسة بِشَكْل أفضل قليلاً.

هناك نوْعان من مُخَصَّصات الحُبوب للفُقَراء: البيعة و اللّقاط. بيعة تعني الزّاوية أو الحافّة. وهو ذلك الجزء من الحقل الذي يُترك دون حَصاده بالكامِل. بالطّبْع فإن السؤال البَديهي الذي كان سَيَطرحه كل مُزارع هو: كم من حَقلي يَجِب أن أترُك دون حَصاد؟ تقول المِشناة أنه بِشَكْل عام، ودون سبب وَجيه لغير ذلك، أنه يَجِب أن يُترك واحد عاى سِتعة عشر من حقل الشَّخْص دون حَصاد…… حوالي سِتة او سبعة بالمئة. وهذا يَعتمِد على الظّروف الاقتِصاديَّة المَحلِّيّة مثل عَدَد الفُقَراء الذين يَحْتاجون إلى المَعونة المَوجودين هناك، ومدى وُفْرة الحصاد. فإذا كان الحصاد سَيِّئاً، قد يتطلّب الأمْر تخصيص نسبة أعلى للفُقَراء. ولكي نحَصَلَ على الصّورة بِشَكْل صحيح، كان يتوجَّب على الفُقَراء أن يأتوا بأنْفُسهم ليَحْصِدوا الحُبوب… لم يَكُن يتم جَمْعُها وتسليمها إليهم من قِبَل المُزارع.

أما المُخَصَّص الآخر من الحُبوب للفُقَراء، لقاط، الذي يُشير إلى ما يُترَك على الأرض بعد الحَصاد. و اللّقاط هو ذلك الجزء من المَحْصول الذي سقَط على الأرض كَنَتيجة طبيعيّة لعمليّة الحَصاد. كانت الطريقة التي يتمّ بها حَصاد الحُبوب في تلك الأيام هي أن يَمْسك الشَّخْص، بحَرَكَة واحدة، سيقان الحُبوب بِيَد واحدة ويقْطَعها على الأرض بالمِنْجَل الذي كان في يَدِه الأخرى. ومع كل ضَربة بالمِنْجَل كان يَسْقُط عدد قليل من سيقان الحُبوب من يد الحاصِد أثناء قيامِه بِعَمَله، وبِموجب قانون الّلقاط، لم يَكُن مسموحًا للمُزارعين أن يَنْحنوا لالْتقاط تلك السّيقان التي سقطَت على الأرض. كان يَجِب تَرْكها للفُقَراء "لِيَجْمَعوها". أحد الأمْثلة الرّئيسيّة على ذلك في سِفْر راعوث.

أما كُروم العِنَب، التي ستكون جِزءًا مُهِمًا وكبيرًا من اقْتِصاد إسرائيل الزِّراعي، فكان يَجِب التَّعامُل معها على نَفْس المِنوال الذي كان يتمّ التَّعامُل مع حقول الحُبوب. لذلك كان يَجِب أيضًا تخْصيص كَمِّيّة من العِنَب للفُقَراء. إن أمْر الله هو أنه لا يَجِب قَطْف كل الثِّمار من الكُروم؛ بل يَجِب ترْك بعْضه للفُقَراء. علاوة على ذلك، العِنَب الذي سَقَط على الأرْض لم يَكُن يَجِب على المُزارع أن يلتقطه، بل كان يَجِب أن يُترك للفُقَراء ليَجْمعوه. اما العِنَب الذي كان يَجِب أن يُترك دون حصاد… الذي لا يزال متَّصِلًا بالكَرْم… يُسَمّى "العُلَّيْط" وعُمومًا، هذا هو العِنَب الذي كان بطيء النُّضج. لذلك عندما يَحين وقت الحصاد وتُقطف عناقيد العِنَب، فإن العِنَب الصَّغير الذي لم يَنْضج تمامًا يُترَك لينْضج لِفَتْرة أطول؛ هذا العِنَب هو الذي سيَحْصِده الفُقَراء في النِّهاية. بيريت هي الكَلِمَة العِبْريَّة التي تُشير إلى العِنَب الذي سقط على الأرض ويَجِب أن يُترَك حيث هو حتى يأتي الفُقَراء لِقَطْفِه.

من هم الفُقَراء والغُرَباء الذين كانوا يأتون بعد الحَصاد ويأخُذون ما تبقَّى؟ كان الفُقَراء هم أولئك الذين لم يَكُن لَدَيْهم مال لِشِراء حَقل، أو رُبَّما كانوا عائلة مات فيها الأب وبالتالي لم يَكُن هناك دَخْل؛ رُبَّما كانوا مَرْضى أو مُعاقين لا يستَطيعون العَمل. هؤلاء كانوا أُناسًا يائسين، ولَيْسوا أُناسًا كسالى. لم يَتسامح الله، وبالتالي بنو إسرائيل، مع الكَسَل في مُجْتَمعهم. بِحِكم التَّعْريف، أولئك الذين يُعرَّفون بأنهم "المساكين" هم بنو إسرائيل؛ أما الفئة الأخرى من الناس المَسْموح لهم بالمُشاركة في هذا النَّوْع من الصَدَقة فهم الغُرَباء، بالعِبْريَّة، الجير، أي الغُرَباء. معنى الجير كما هو مُسْتَخدَم هنا لَيْس الغُرَباء الذين أصْبحوا جِزءًا من إسرائيل؛ هذا لا يُشير إلى الجُموع المُخْتلطة من المَصريّين وغَيْرهم الذين انْضَمّوا إلى إسرائيل عند خُروجهم من مصر. بل المَقْصود بِهؤلاء الجير هم أُناس مثل التُّجار أو التُّجار الأجانِب الذين كانوا في المدينة لِفَتْرة من الزَّمَن؛ أو رُبَّما كان المقْصود به جُندي مُرْتَزق أجْنبيّ أو حِرَفي جاء ليَجِد عَملاً. في كل الحالات كان يعني شَخْصا لم يَكُن له نيَِّة في أن يُصْبح جِزءًا من بني إسرائيل أو لم يَكُن مُرَحَّبًا به أن يُصْبِح جزءًا من بني إسرائيل.وقد جعل يَهوَهْ من الواضِح أنه إذا عاشوا بيْن بني إسرائيل، فيَجِب أن يُظهر لهم الرَّحْمة ويُمنحوا وسيلة للبقاء على مُسْتوى الكَفاف."

في الآية الحادية عرة يتحوّل المَوضوع من المَسؤولية الاجْتماعيّة تِجاه الفُقَراء إلى القانون المَدَني. المَوضوع المُباشر هو، لا تَسْرِقوا، وهو بالطَّبع تِكْرار للوَصِيَّة الثامنة. أظنّ أنك بدأت ترى لماذا غالِبًا ما يُنظَر إلى سِفْر اللّاويّين تسعة عشر على أنه توراة داخل التَوْراة، لأنه يَسْرد، وفي بعض الحالات يَشْرَح العديد من المبادئ التي سَبَق أن فُرِضَت إما في سِفْر الخُروج أو في الأجْزاء السّابقة من سِفْر اللّاويّين. وتُشير هذه الآية نَفْسها أيضًا بِشَكْل غير مباشر إلى الوَصِيَّة التاسعة، لا تَكْذُب؛ لأنها تقول أنه لا يَنْبَغي للمَرْء أن يَخْدع أو يتعامل مع شَخْص آخر بِطَريقة غير عادِلَة. هذا المَفْهوم للتَّعاُمل الصَّادق هو في الواقع بعيد تمامًا عن مُعْظَم ثقافات الشَّرْق الأوسَط في ذلك اليَوْم وحتى في الوَقْت الحاضِر. إن الحُصول على أفْضَل صَفَقة تِجاريَّة عن طريق الكَذب والغِشّ وإخْفاء المعلومات ذات الصِّلة يُعْتَبَر أمْرًا إيجابيًا ومثيرًا للإعْجاب في مُعْظَم الثقافات العربيّة. ويُنظر إليه على أنه أمْر حكيم وماكِر؛ بالطّبْع فإن ذلك يَجْعل كل صَفَقة تجاريّة ذات طبيعة خُصومة حيث يَجِب أن يَكون هناك فائز وخاسِر. ولئلا تظنّ أنني أتحامَل على العرَب، يُمْكِنني أن أُخْبرك مُباشَرَةً أن العديد من ثقافات العالَم تُفَكِّر بِنفس الطّريقة بالضَّبْط. لَكِن يَهوَهْ يقول إن شعْبَه الذي أعدَّه الله تعالى يَجِب أن يَكون فوق الجميع وعادلًا. أما أن تكون داهِية…..تقوم بِواجبك المَنْزلي، وتقود صَفَقة صعْبة…. هذه مَسْألَة مُخْتَلِفة. لا يحتاج الأمْر إلى الكثير من الدِّراسة في التَّلْمود لنرى أن التَّعامُل العادل والعَدْل أصبحا حُصونًا للفِكْر والمُجْتَمَع العِبْري. يبدو أن العِبرانيّين على مَرّ التاريخ…..لا شك بِسَبَب المبادئ التي وَضعها الله في التَوْراة….. أن العِبرانيّين كان لَدَيْهم قلْب للمَظْلوم؛ وهو أمْر، يُمْكِنني أن أضيف، أن أمريكا أيضًا عُرفَت به وهو فَضيلة لم نَفْقِدها بعد.

نَنْتقِل؛ في الآية الثانية عشرة نَجِد تِكرارًا للوَصِيَّة الثالثة بعَدَم الحَلْف كَذِبًا باسْم الله. في تلك الأزْمِنة، كان الحَلْف بالقَسَم يعني تِلقائيًا اسْتِحْضار اسْم إلَه مُعَيَّن. إذا لم تَسْتَحضِر إلهًا ما، فرُبَّما لم يَكُن يُعتبَر يمينًا شرْعيًّا على الإطْلاق. ويقول يَهوَهْ: لا تدْعوا اسْمه أبدًا في قَسَمٍ تَعْلمون أنه مُسْتحيل التَّنْفيذ، أو تَعْرِفون أنّكم لا تَنْوون فِعْلِه. في وقتٍ لاحِق، سَيُخْبرنا يشوع أنه من الأفْضَل ألا نَقْسُم على الإطْلاق؛ فقط اجْعَلوا "نَعَمَكم" نعم و"لاأكُم" لا… ونتْرك الأمْر عند هذا الحدّ. بالإضافة إلى أن الحياة والظُّروف تَتَغيّر.

القَسَم اليَوْم قد يُصبح غير قابل للتَّنْفيذ غدًا بدون أي خطأ مُباشَر من جانِبك، أو بدون نِيَّة للخِداع. تذَكَّر أن يَهوَهْ لا يَنْظُر إلى أقْسامِنا الطّائشة أو اسْتِخْدام اسْمه بِتَساهُل وكأنه جدّ يعفو بِغَمْزة وابْتِسأُمَّة.

تَبْدأ الآية الثالثة عشرة سِلسِلة من الآيات التي تَبْدأ في تحديد فِكْرَة الله عن الإنْصاف والعَدْل والصُّدْق بِشَكْل أكثر دِقّة. اسْمَحوا لي أن أؤكِّد على شَيْء يَظْهر لنا مِرارًا وتِكرارًا في دِراساتنا، وأخْشى أنه قد حان الوقت لِنَعْتـرِف به ونتعامَل معه في حياتنا. كل مسْألَة يَضَعها الرّب كقاعِدة أو قانون أو أمْر هي كَشْف عن الخَيْر والبرّ؛ وبالتعريف، كل ما هو مُعاكس لتلك القواعد والأوامِر هو شرّ. هذا هو المعنى الحقيقي للأخْلاق. كل أمْر من أوامِر الله يُمَثِّل أخلاقًا مُعرَّفة إلهيًا. لذلك، كلَّما عَصيناها نرْتكِب فِعْلًا غير أخْلاقي وشِرّيرًا.

بالنِّسْبَة لكَيْفية تَطبيق هذه القوانين والأوامِر في حياتنا الحديثة، لا أقول لكم إن عليْنا جَميعًا أن نذهب حَرْفِيّاً لشِراء حَقل وعَدَم حَصاده بالكامل وترْك جِزء منه للفُقَراء؛ لأنني في عَصْرنا الحالي (خاصَّة في أمريكا) لا أشك أن ما يَتبقّى (اللقاطات) سيَبْقى هناك ويَتَعَّفن في كثير من الأحيان ومع ذلك، فإن المَبدأ وراء قانون اللّقاط واضِح وسهل التَّطْبيق في مُجْتمعنا الأمريكي الحديث؛ يَجِب علينا دائمًا تَخْصيص جِزء من ميزانِيَّتنا للأعْمال الخّيْريَّة. إذا كان لدينا حَقل كبير ووَفير، نُعطي. إذا كان لدينا حَقل صغير، نُعطي. ومع ذلك، تظلّ النِّسبة كما هي تقريبًا. ولَكِن إذا رأيْنا حاجة أكبر، بِسَبَب الأوقات الصَّعْبة، نُعْطي أكثر. بِطبيعة الحال ستَخْتَلِف المبالِغ حسب حَجْم حُقولنا…..دَخْلُنا وثرْوَتنا…. لَكِن لَيْس هناك إذْن من يَهوَهْ بالتَّوَقُّف عن العطاء لأنَّنا لسنا جَميعًا بيل غيتس، ولا لأنَّنا نُفَضِّل سيّارة جديدة وأفضل ولَكِن امْتلاكنا سيّارة لا يعني أن يَكون لنا مَجال للصَّدَقة.

تتحدَّث الآية الثالِثة عشرة عن نَوْعَيْن من التَّعامُل الكاذِب: الإحْتِيال والسَّرِقة. في العِبْريَّة الإحْتِيال هو "أوشيك"، والسَّرِقة هي " جزلة". يُعرِّف الكِتاب المُقدَّس السَّرِقة بأنها أخْذ شَيْء من شَخْص ما هو مِلْك له بالفِعل. أنا أمْلُك عَنْزة، وأنت تأخُذ عَنْزَتي وأنت تَعْلَم أنها لي ولَيْست لك، وهذه سَرِقة. الإحْتِيال يَعْني حَجْب شَيْء عن شَخْص ما، يقول القانون إنه يَسْتَحِقَّه. لم تحَصَلَ عَلَيْه بعد، أو لم تَمْلُكه بعد، ولَكِن من حَقّك أن تحَصَلَ عَلَيْه؛ وبدلاً من إعْطائك إياه كما يَجِب، أحْجِبه عنك إما بالخِداع أو من مَوقِع قوَّة. يُمْكِن أن يُشير إلى شَيْء (مثل المال) مُسْتَحِق لشَخْص ما وفي الواقِع هذا هو المِثال الوارِد في نِهاية الآية الثالثة عشرة عندما يقول "….أَجْرُ الْعَامِل لَا يَبْقَى مَعَكُمْ إِلَى الصَّبَاحِ". في الكِتاب المُقدَّس تعني الأجور أكثر من المال المُسْتَحِق من القيام بالعَمَل، فهي تَشمُل العمل نَفْسه. لذلك عندما يَحْتَجِز شَخْص ما الأُجْرة فهذا يعني أن الشَّخْص الذي قام بالعَمَل قد خَسِر الجُهْد والتعويض عن جُهْدِه.

بالمعنى الدَّقيق للكَلِمَة، هذا الأمْر بعَدَم احْتِجاز الأجْر حتى الصَّباح يعني عَدَم احْتِجاز أجِر العامِل حتى اليَوْم التالي. في ذلك العَصْر كان الشَّخْص الذي كَسِب هذا المال على الأرْجح سَيَسْتخدِمه على الفَوْر لشِراء الطَّعام لعائلته في ذلك اليَوْم. كان حَجْب المال حتى في الليل يعني أن الناس كانوا يَنامون جائعين. كان هذا غير عادِل وظالِم في نَظَر الله. كانت الطريقة المُعتادة والمُتعارَف عَلَيْها….. الطَّريقة المُتَوقَّعة في المُجْتَمَع العِبراني وعلى الأرْجح في مُعْظَم المُجْتَمَعات الأخرى أيضًا….. هي أن يَتقاضى العامِل اليَوْمي أجْرَه فورًا في نهاية يوم العَمَل. لذلك أن يحْتفِظ صاحشب الحَقْل بأجْر الحَصاد طوال الليل، يُسَمِّيه الله غِشًّا، "أوشك".

أما الأمْر التالي، وهو عَدَم إهانة الأصَمّ، فهو لَيْس بالضَّبْط كما قد نُفَكِّر فيه. الفِكْرَة هنا هي أنه لأن هذا الشَّخْص لا يَسْتطيع أن يَسْمعك، فيُمْكِنك أن تتظاهَر بأنك تقول له شيئًا لطيفًا بينما أنت في الحقيقة تُهينه. يُمْكِنك أن تَبْتَسِم في وَجْهِه ولَكِنك تقول أشْياء فظيعة عنه. لذا فهذا خَطأ وظُلْم في آن واحد.

بالطَّبْع هذه المِمّارسة الشِّرّيرة تسير جنبًا إلى جنْب مع وضْع حجَر عَثْرة أمام الأعْمى. يُمْكِن أن يؤخَذ هذا الأمْر حَرْفِيّاً تمامًا ويَكون صَحيحًا؛ ولَكِن الفِكْر اليَهودي اللّاحِق في هذه المسْألَة جعل كلا الأمْريْن يَتعلَّقان بالسُّلوك العام. على سبيل المثال الاسْتِفادة من ضُعْف الشَّخْص……الذي يُمْكِن اعْتِباره نوعًا من العَمى أو الصَّمَم….. يُعتبر انْتِهاكا لهذا الأمْر في سِفْر اللّاويّين أربع عشر على تسعة عشر. وقد تم تطبيق هذا المبْدأ أيضًا على شَخْص أقلّْ ذكاءً، ونتيجة لذلك يُمْكِن لشَخْص أكثر ذكاءً أو تعليمًا أن يُضَلله بِسُهولة. وينْتهي هذا الأمْر بالنَّصيحة التي تقول:" يَجِب أن تخافوا إلَهَكم…..". بمعنى آخر قد لا يَعْلم ذلك الأصَمّ أنك أهَنْتَه، أو قد لا يَعْلم ذلك الأعْمى أنك وَضعتَ ذلك الشَيْء في طَريقِه حتى تراه يَتَعثَّر، ولَكِن

إن يَهوَهْ يرى كل شَيْء، ولن تَفْلُت من نَظَره أو دِفاعه عن أولئك الَّذين لا حَوْلَ لهم ولا قُوّة.

العَدْل بالمَعْنى القَضائي وبِمَعْنى اللِّعْب العادِل هو مِحْوَر الآيَتَيْن الخامِسة عشرة والسادِسة عشرة. إنني أتَعَجَّب من الطَّريقة التي يَتْبَع بها الله نَمَطًا يَبْدأ أساسًا بسِفْر الخُروج عِشْرين وفَرائضِه الرَّسْميّة الأولى لِشَعْبِه المُخْتار، ثم كَيْف يَرْسُم بِصَبْرٍ ومَحَبّة صورَة أكثر تَحْديدًا من خِلال التَّوَسُّع والبِناء على تِلك الوَصايا العَشْر الأساسيّة. هذا هو أن الله يَبْدأ بِتَعْليم الألوان الأساسيّة (الوصايا العَشْر) ثم يَبْدأ بعد ذلك في تَعْليم الألْوان الدّرجة والظِلال (الشَّرائع السِتّمئة وثلاثة الباقية). يَضَع المَبادئ الأساسيّة بكَلِمات قليلة، ثم على مرّ الزَّمَن، وبِوَتيرة يُمْكِن للبَشَر اسْتيعابها، يُقَدِّم الفُروق الدَّقيقة والفِهْم الأعْمَق لِتَطبيقها ومَعناها. في البِداية تبدو هذه القواعِد في مُعْظَمها كَقائمة من السُّلوكيات البَشَريَّة البَسيطة التي يَجِب فِعْلُها والتي يَجِب عَدَم فِعْلها…… ميكانيكيّة ومَحبوسة في الواقع المادّي الأرْضي. في وقتٍ لاحِق، بعد أن يَتَعلَّم الشَّعْب الأساسيّات، يَبْدأ يَهوَهْ في إضافة جَوانِب تبدو غير مألوفة، بل وغَريبة؛ أشْياء مِثل قوانين النَّظافة والنَّجاسة التي لا عِلاقة لها في الحَقيقة بالسُّلوك العادِل والمُنْصِف بين البَشَر. الأشْياء التي تَجْعَل المَرْء يَفْهضم أن هناك شَيْئًا ما في هذه الشَّرائع والأوامِر يتجاوَز الحياة البيولوجيّة والثقافة البَشَريَّة والبُنْية المَدَنيّة. وأخيرًا بعد ثلاثة عَشَر قَرْنًا يأتي يسوع ليوضِح أن التَوْراة وكل فَرائضها وطُقوسها هي نذير للعالَم الآتي؛ وكل المَبادئ الوارِدة في النّاموس لها عُنْصُر روحي أكْبَر بِكَثير، ومَليئة بِمَعانٍ أعْمَق بِكَثير من كَوْنِها مُجَرَّد نِظام قانوني مُعَقَّد يؤدّي إلى الجَريمَة والعقاب.

إنَّ تَعليمات الله بعَدَم إصْدار "قَرار غير عادِل" تبدو بَديهيّة. ماذا يُمْكِن أن يقول يَهوَهْ أيضًا، أنه يَجِب على البَشَر أن يُصْدِروا قَرارات غير عادِلَة؟ في الواقع دَعونا نتذكَّر أن ما يَجري هنا هو أن الله، في مُعْظَم النَّواحي، يُعَلّم بني إسرائيل أن يَقتدوا به. الله قُدّوس، ولذلك فهو يَعْلم بنو إسرائيل ما هي القداسة وما هو السُّلوك المُقدَّس. يقول يَهوَهْ ألا يُظهِر مُحاباة خاصَّة للفُقَراء ولا احْتِرامًا خاصًّا للأَغْنِياء. لا تكون العَدالة عادِلَة إذا حَصَلَ أحَدُهم على مُعامَلة خاصَّة ولم يحَصَلَ عَلَيْها الآخر. هذا لَيْس مثلاً سَهلاً دائمًا للبَشَر أن يَرْقوا إليه. ففي بعض المُجْتَمَعات (خاصَّة تلك المُجْتَمَعات ذات الطَّبيعة الأرِسْتقراطيَّة) من البَديهي أن يُعامَل الأَغْنِياء مُعامَلة مُخْتَلِفة عن مُعامَلة الفُقَراء لأن الفُقَراء مَوْجودون لخِدْمة الأَغْنِياء. و هذا مَفْهوم بين كلا الطَّبَقَتَيْن. فالفُقَراء أقل أهَمِّيّة بالنِّسْبَة للمُخَطَّط الكبير للأشْياء من الأَغْنِياء. وبِقَدر ما يُغيظُنا هذا الأمْر في أمريكا، فقد كان لدينا في الآوِنة الأخيرة مَيْل لانْتِهاك الطَّرَف الآخر من الميزان من خلال إظْهار مُحاباة غير مُبَرِّرَة في بعض الأحْيان للفُقَراء. فابتداءً من عَصْر حَرَكَة الهيبّيز بدأ القُضاة في إقْحام نَظَريّة الذَّنْب المُجْتَمَعي والجَماعي في قَوانينُنا الجِنائية؛ أ أي أن المُجْتَمَع كَكُلّ يَكون في كثير من الأحيان أكثر خَطأً من الجاني الفِعليّ.. وعادة ما يَكون أساس هذا الذَّنْب المُجْتَمَعي هو فُقْر المُجْرِم وأُمِّيّته أو تَفَكُّك أسْرَته. وبِعِبارة أُخْرى، كان القاضي في بعض القَضايا يأخذ بِعَيْن الاعْتِبار الوَضْع الاجْتِماعي والاقْتِصادي للشَخْص كعامِل عند تَحْديد عُقوبته…… وفي بعض الأحْيان حتى في تَحْديد ذَنْبه أو بَراءته. يُقال لنا أن من تَعْتَبِرهم أُمَّتنا "فُقَراء" يَجِب أن يَتَحمَّلوا في بعض الأحْيان مَسؤولية شَخْصيَّة أقلّ لفِعْل الصَّواب وأن يُعاقَبوا بِشَكْل أقلّ على ما ارْتَكَبوه من أخْطاء لأنَّهُم فُقَراء وبالتّالي في وَضْع غير مُؤاتٍ. الشَّخْص من الطَّبَقة الوُسطى لَدَيْه أعْذار أقلّ لسُلوكه لأنه لَيْس فَقيرًا، ولَكِنه يُواجِه مَشاكِله الخاصَّة في تَحْقيق العَدالة لأن إمْكانيّاته للحُصول على أفْضَل تمْثيل قانوني مَحدودة. أما الشَّخْص الغَني فلَدَيْه مَجْموعة مُخْتَلِفة تماماً من المَشاكِل التي يَجِب أن يَتَعاَمل مَعها؛ فمُعْظَم جَرائمه تُسَمّى "الياقات البَيْضاء"، مِمّا يعني أنها تَتعلَّق بالزَّلاّت الأخْلاقِيَّة أكثر من كَوْنِها جَرائم جِنائية (وفقاً لِنِظامِنا القانوني)، وبالتالي فإن العَدالة غالِباً ما تكون مُتَعَلِّقة بإعادة الأمْوال التي كانت كَسْبًا غير مَشْروع أكثر من فُقْدان حُرِّيّة الشَّخْص لِفَتْرة طويلة من الزَّمَن كّنَتيجة لأخْذِه تلك الأمْوال في المَقام الأوَّل.

والمَقْصود هو أنه بمُجَرَّد أن يَبْدأ شعب أو أُمَّة في تَحقيق العدالة بأي شكْل من الأشْكال على أساس الغِنى والفُقْر، أو الوَضْع الطَّبَقي، فإن العدالة حسب تَعريف الله لا تتحقَّق. لَكِن القَضِيّة الأكْبر هي أن الله، بالطبع، يَكْشِف عن شَخْصيَّته من خلال نواميسه. إنه يَكْشف عن كَيْفية عَمَله وأنه لا يُحابي الفُقَراء ولا يَحْتَقِر الأَغْنِياء ولا العكس. إن عدالته مَبْنيّة على تحديد الإرادة البَشَريَّة التي مَنَحها للبَشَرية؛ إرادات اُعْطِيَت خصيصًا لغَرَض اخِتيار اتباع طُرُق القداسة أو اتْباع طُرُق الشَّرّ. إرادة مَحبّة الله أو عَدَم مَحَبَّته. سواء كان المَرْء يَمْلِك حِسابًا كبيرًا أو لا يَمْلك شيئًا على الإطْلاق؛ وسِواءً كان المَرْء يعيش على شاطئ البَحْر أو تحت جِسْر، فهذا لا علاقة له بِعَدالة الله في الخِيارات التي يتَّخِذها الفَرْد.

أعِدْ قراءة الآيتين السابعة عشرة والثامنة عشرة

الآيتان السابعة عشرة والثامنة عشرة تُشَكِّلان فِكْرَة واحدة كامِلة ؛ وبالتالي يَجِب تناوُلهما معًا. والآن هناك كَلِمَتان أساسِيَّتان سَنُلْقي نَظْرة عَلَيْهما لأنَّهُما تُساعِدان على تحديد من هو "الأخ" الذي يُقال لبني إسرائيل ألا يَبْغُضه في قلْبِه؛ ومن هو هذا القريب الذي يَجِب على الإسْرائيلي أن يُوَبِّخه. الكَلِمَة العِبْريَّة التي تُترجَم عادةً إلى "أخ" كما في ترجمة الكتاب المُقَدَّس اليهودي الكامِل، أو مُواطِن أو من نَفْس القبيلة في تَرْجمات أخرى هي "أخ". و"أخ" كَلِمَة عأُمَّة وواسِعة جدًا؛ قد تعني أخًا فِعْليًا… شقيقًا… قد تَعْني فَرْدًا قريبًا من العائلة، أو فَرْدًا بعيدًا من العائلة؛ قد تَعْني صَديقًا. ولَكِن باسْتِثْناء أندَرْ الحالات، فإن الحُدود القُصْوى لمن يُمْكِن أن يُعتبَر "أخًا" كما هو مُحَدَّد بالكَلِمَة العِبْريَّة "أخ"، هو إسرائيلي آخر. سواء كان هذا الإسْرائيلي عِبْرانيًا طبيعيًّا أو أجْنبيًّا انْضَمَّ إلى بني إسرائيل، فهو لا يزال إسْرائيليًا ويُمْكِن أن يَكون "أخًا" . دَعوني أكون واضِحًا: هذا لا يُشير إلى أي شَخْص من خارِج أُمَّة إسرائيل في هذا السِّياق بالذّات. إنه لا يَخْتَلِف عن المسيحي الذي يُشير إلى أي مسيحي آخر من أي أُمَّة أو طائفة على أنه "أخ" في المسيح. نفْس الفِكْرَة.

في الشَّطْر الثاني من الآية الأولى تقول "وَبِّخْ" أو "وَبِّخْ" جارَك؛ الكَلِمَة العِبْريَّة التي تعني الجار هي "أمييث". وكَلِمَة "عميث" واسِعة وعأُمَّة مثل كَلِمَة "أخ". ولَكِن بينما تُشير كَلِمَة "آش" بِشَكْل أكبر إلى فِكْرَة الشَّخْص الذي تَرْبطه بك عِلاقة عائلية قَريبة أو بَعيدة…… حتى بِمَعنى أن العِلاقة تَرجع إلى الاشْتِراك في نَفْس العقيدة……أميث تعني حقًا شَخْصاً، أي شَخْص تعْرِفه وتَرْبُطك به عِلاقة مُنْتَظِمة.

اليَوْم قد نقول "صديق" وأحد المَعارِف" (الجار بَعيد بعض الشَيْء في طريقة تفْكيرِنا الحاليّة لأنه في أمريكا المُعاصرة، من الطَّبيعي إلى حدًّ ما أن تَسْكُن بِجِوار شَخْص ما، وبالكاد تَعْرِف اسْمَه، ناهيك عن التَّحَدُّث معه). لم يَكُن هذا ليَحْدُث أبدًا في المُجْتَمَع الإسْرائيلي، ولا عادةً في المُجْتَمَع الأمريكي حتى قبل ثلاثين أو أربعين عامًا. لذلك عندما يَقول الكِتاب المُقدَّس "الجار" فهو يَفْتَرِض أنك تَعْرف هذا الشَّخْص وقد طوَّرْت نوعًا من العِلاقة المُنْتَظِمة معه.

الآن هاتان الآيَتان مُصاغتان بِشَكْل غريب إذا سألتَني. لَكِن الفِكْرَة من الآية السابعة عشرة هي أنه لا يَنْبَغي أن نَغْضب أو أن يَكون لَدَيْنا مُشْكِلة ما مع شَخْص نَعْرفه ونَتْركها في قلوبِنا وتتفاقَم؛ من المُفْتَرَض ألا تُعلِم هذا الشَّخْص بأنّك غاضِب منه. بدلاً من ذلك، يقول يوحنا في النصف الثاني من الآية السابعة عشرة، واجِهَهم. قل لهم بِصُدْق (ويُفْترَض أن يَكون ذلك بِلُطف ومَحَبَّة) وبِدون غَضَب ولا حلاوة كاذِبة عن الشَيْء الذي يُسَبِّب المُشْكِلة. كذلك تقول الآية الثامنة عشرة مهما كانت النَّتيجة لا يَنْبَغي لك أن تَطْلُب الانْتِقام ولا تَسْمَح للمَرارة أن تنمو في قَلْبِك ضدّ ذلك الشَّخْص. بدلاً من ذلك يَجِب أن "أحْبِب قريبَك كَنَفِسك".

أوه. مَفْهوم آخَر يُعتقد أنه اختُرِع في العَهْد الجديد… "أحْبِب قريبَك كَنَفِسك" هو في الواقع أمْر توْراتي أُعْطِيَ لبني إسرائيل هنا في سِفْر اللّاويّين. في الواقع، بعد ثلاثة عشر قرْنًا عندما يُعيد يسوع تِكْرار هذا الأمْر التَّوْراتي نَفْسَه، يُقرّ بأنه أمْر قديم "من الشَّريعة"، التَوْراة.

إنجيل متّى ستة وثلاثين على إثنين وعشرين وقال له: "تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَكُلِّ نَفْسِكَ وَكُلِّ فِكْرِكَ". ثمانية وثلاثين: "هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّة الْعُظْمَى وَالأُولَى. تسعة وثلاثين: "وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. . أربعين "عَلَى هَاتَيْنِ الوَصِيَّتيْن يَتَوَقَّف النّاموس كُلهُ وَالأَنْبِيَاء".

ولكَيْ نُبَيِّن لك أن اليَهود بِشَكْل عام كانوا يؤمِنون بهذا نَجِد في كِتابات الحاخام أكيبا الذي عاش في نَفْس زَمَن يسوع تقريبًا هذه الكَلِمات وهو يُعَلِّق على سِفْر اللّاويّين تسعة عشر: "أحْبِب قَريبَك كنفْسِك هو المبدأ المَرْكَزي في التَوْراة". هذا المثَل الأعلى للمَحبَّة الذي كان يسوع يَتَبَنّاه كان بِبَساطة هو الفِكْر اليَهودي السّائد في ذلك اليَوْم….. … وتُشير السِّجلات إلى أنه كان كَذلك لِعِدة قُرون قَبل ذلك أيضًا.

تقول الآية التّاسِعة عشرة (أعِدْ قراءة الآية التّاسِعة عشرة )

سوف نتوقَّف ونَتفحّص مبدأً مُهِمًّا مُتَضمّنًا في هذه المَجْموعة الغريبة والغامِضة من القواعِد الوارِدة في الآية التّاسِعة عشرة. ويَدور هذا المَبْدأ حول كَلِمَة تعلَّمْناها قبل بُضْعة أسابيع: tevel…… وتعني التَّشْويش، وغالبًا ما تُترْجَم أيضًا على أنها تَحْريف.

لنَكُن واضِحين أن الوَصِيَّة الوارِدة في الآية التّاسِعة عشرة حَرْفِيَّة تمامًا؛ إنها تعني بالتأكيد أن كل ما يوصَف بأنه لا يَنْبَغي أن يَخْتلِط، لا يَنْبَغي أن يَخْتلِط. إنها تَبْدأ بالقول بأن البَهيمة لا تَختلِط، وغالبًا ما تُترجم البَهيمة إلى مُجَرَّد حَيَوانات أو ماشية أو بَهيمة ولَكِن البَهيمة تُشير في الواقع إلى مَجْموعة من حَيَوانات المَزْرعة المُسْتأنِسة؛ غنَم أو ماعِز أو بقَر. يُمْكِن أن تُشير إلى الحَمير أو حتى الإبْل (في وقت لاحِق، على الرَّغْم من ذلك). لذا فإن الفِكْرَة هي أنه لا يَنْبَغي تزاوُج البقرة مع الحِمار أو تزاوُج الخروف مع الماعِز….. إذا كان ذلك مُمْكنًا. ثم نحَصَلَ على النُّصُح بعَدَم زِراعة مَحْصوليْن مُخْتَلِفيْن في نفس الحَقل في نفس الوقت. كان الإغْراء الأكْثر شُيوعًا للقيام بذلك هو زَرْع مَحْصول حُبوب في الصُّفوف الكبيرة الخالية بين كُروم العِنَب. وأخيرًا، لا يَنْبَغي أن يُنسَج نوعان مُخْتلِفان من الخُيوط في قُماش لِصُنْع الثياب؛ على سبيل المثال، لا يَنْبَغي خلط الكِتّان والصّوف.

ولَكِن ما الذي يَكْمُن وراء هذا الأمْر ؟ ما الضَّرَرْ المُمْكِن في زِراعة بعض الشَّعير تحت كُروم العِنَب؟ أو تَهْجين بَقَرة وبافالو للحُصول على حَيَوان قَويّ يَكون لَحْمه قليل الدُّهون… "بافالو"؟ وما هو الشَّرّ في اسْتِخْدام خَليط من الحَرير والقُطْن (مَثَلاً) لإنْتاج نَسيج بارِد ومَتين في الوَقْت نَفْسَه؟ كما قُلْت، لقد فُهِمْت هذه الأوامِر على أنَّها حَرْفِيَّة تمامًا، ولذلك كانَت تُمارَس بالفِعْل كشَريعة. ومع ذلك فقد فَهِم الحُكماء العِبْرانيّون أيْضًا أن شيئًا أكْبَر وأعْمَق بِكَثير كان يَعْمَل هنا. باخْتِصار ما يَحْدُث هو أن الله يَضَع حُدودًا. الحُدود هي نَتيجة لِواحِدة من أكثَر ديناميكيّات الله اسْتِخْدامًا وأساسيّة في الحِكْم: وهي أن يَهوَهْ يَقْسُم ويَخْتار ويفْصُل المُقدَّس عن غير المُقدَّس والطّاهِر عن النَّجِس.

الحُدود هي شَيْء صَعْب على البَشَر أن يُحَدِّدوه وأصْعَب للحِفاظ عَلَيْه؛ كأبْناء الله، نحن مأمورون من قِبَل يَهوَهْ أن نكون في تَناغُم مع بَعْضنا البعض وفي نفس الوقْت أن نُدْرِك الخُصوَصِيَّة… أو بالأحْرى، التَّمايُزات… التي قدَّرَها الله في جميع خَلْقِه؛ بين الخًيْر والشَّرّ، بين الطاهِر والنَّجِس، بين المُقدَّس وغير المُقدَّس، وبين شَعْبِه وكلَ الآخَرين.

والآن، ابْقوا مَعي لأن سِفْر اللّاويّين تِسْعة عشر على تسْعة عشر يَتعلَّق تَحْديدًا بالتَّقْسيم والانْتِخاب والفَصْل؛ إنه يَتعلَّق أيضًا بإقامَة الفُروق والحُدود.

بما أن يَهوَهْ هو الذي يَصْنَع هذه الفُروق ويَضَع الحُدود المُناسِبة، فإن مَيْل الإنْسان الشِّرّير الطَّبيعي هو مُحاولة طَمْس الفُروق وإزالة الحُدود. نرى ذلك سائدًا اليَوْم مُتَجَسِّدًا في عالَم يَعْبُد التَّعَدُّدِيّة الثَّقافيّة، والتَّسامُح، والتَّنَوُّع غير المُقيّد، والنِّسْبيّة الأخْلاقِيَّة، وفي أحْدَث تَحَدٍّ لِحُدود الله، وهو زواج المِثْلِيّين. داخِل جَسَد المسيح يَكْتَسِب ما يُسَمّى بِحَرَكَة ما بين الأدْيان زَخمًا؛ حَرَكَة تَسْعى إلى مُساواة جميع أنواع الرّوحانيّات على أنَّها أُمور جَيِّدَة، والقَوْل بِأنّ جميع الآلِهة التي تُعبد هي نفْس الإلِه. إنَّهُم يَعْلَمون أن هناك أبْوابًا كثيرة للسَّماء وأن المسيح لَيْس إلا واحِدًا.

لا أريد أن أتَعَرَّج، لَكِنني أوَدّ أن أزْعج راحَتِك قليلاً؛ هل أنْت مُدْرِك لِماذا وكَيْف يَحْدُث كل هذا التَّشْويش على التَّمايُزات ومَسْح الحُدود؟ في رَأيي أن السَّبَب الرَّئيسي، بعد المَيْل الطَّبيعي للشَّر لدى الإنْسان ، هو عَقائد الكَنيسة الحَديثة. العَقائد التي تقول إن شَرائع الله، حيث يتمّ توْضيح كل هذه الفُروق ووَصْف الحُدود، تُعْتَبَر بالِية. عقائد تقول إن التَوْراة، المكان الوَحيد في الكِتاب المُقدَّس الذي يتمّ فيه تَوْضيح القداسة لنا، تُعْتَبَر مُهِمَّة لكِتابنا المُقدَّس كالأمْعاء الزائدة لِجِهاز الإنْسان الهَضْمي الحديث. كما تَعْلَم؛ لكل إنْسان أمْعاء زائدة كانت تقوم بِشَيْء مُفيد على ما يبْدو ولَكِن اليَوْم يُمْكِن أن تُسَبِّب فقط المَشاكل . هذه هي الطَّريقة التي ترى بها الكَنيسة التَوْراة والعَهْد القديم…..بقايا من تَدْبير ماضٍ لا يَفْعَل شَيْئًا سوى التَّسَبُّب في متاعِب لِلْمؤمِن الحديث. وتقول العديد من عَقائد الكَنيسة أنه مع بِمَجيء يسوع، فإن طاعَة أوامِر الله قد عفا عَلَيْها الزَّمَن؛ في الواقع، أن تكون طائعًا جدًا يُعادِل الذِّهْنيَّة القانونيّة والتَّقْليدية التي سَمِعْنا عنها كثيرًا في الوَعْظ.

إذا كان المَرْء يَعْتَقد أن الكِتاب المُقدَّس يَبْدأ من سِفْر متّى، فإن المَرْء يَسْلُب كل المَبادئ الأساسيّة التي بنى عَلَيْها يسوع تَعاليمه. النُّقْطة المُهِمَّة هي: إن إزالة التَوْراة من الكَنيسة هي التي سَمَحَت للعقائد الخاطِئة التي صَنَعها الإنْسان والتي حَلَّت مَحلّ الكِتاب المُقدَّس كمَصْدَر للحَقيقة. كما أنه أدّى أيضًا إلى إنْكار العديد من المَسيحيّين المُعْتَرفين بألوهيَّة يسوع، والادِّعاء بأنّ الكَنيسة قد وَرَثَت كل بَرَكات الله وأن اليَهود قد أُسْنِدَت إليهم كل اللَّعْنات، وإلى إزالة الحُدود بين جَسَد المسيح والعالَم بأسْرِه. وإعْلان الأشْياء ذاتها التي يُسَمّيها الله شُرورًا، على أنها خَيْر. وبِعِبارة أُخْرى، فإنّ الله الذي لا يَتَغيَّر أبدًا قد تغيَّرَ مع قَلْب الصَّفْحة من سِفْر عزْرا إلى متّى.

سَنَقوم بِمُراجعة الخَلْط غير الصَّحيح للأشْياء التي يَقول الله إنه يَجِب فَصْلها وَوَضْع حاجِز بَيْنها، والارْتِباك الذي يُسَبِّبه ذلك، في الأسْبوع المُقْبِل.