20th of Kislev, 5785 | כ׳ בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » اللاويين » سِفْر اللّاويين الدرس التاسع – الإصْحاحان الخامس والسادِس
سِفْر اللّاويين الدرس التاسع – الإصْحاحان الخامس والسادِس

سِفْر اللّاويين الدرس التاسع – الإصْحاحان الخامس والسادِس

Download Transcript


سِفْر اللّاويين

الدرس التاسع – الإصْحاحان الخامس والسادِس

بدأنا الأسْبوع الماضي تناوُل فئة جديدة من الذّبائح، وهي ذبائح الأشام (الإثم)، التي غطَّت جانبًا آخر من جوانِب الخطيئة والتَّكْفير: تقديم تعويضات عمّا فعَلَهُ المَرْء سواء كانت الخطيئة مَقْصودْة ومعروفة أو غير مَقْصودْة ولم يدرك الشَّخْص عن وعي أنه قد ارْتَكَبَ خطأً.

قبل سنَوات، عندما دَرسْت سِفْر اللّاويين لأول مَرّة، كان كلّ ما استَطَعْت التّرْكيز عليه هو تلك السِّلْسِلة المخدّرة من الذّبائح ومئات القواعد والإجراءات الدقيقة، والاخْتلافات الدقيقة غير المَفْهومة بين أنواع الأشياء التي كان من المُفْتَرَض أن تتعامَل معها هذه الذّبائح العديدة. لم أدْرِك إلا بعد ذلك أنَّني كنت أنْظُر إلى كل هذا من خلال عَدَسة حياتي كمَسيحي غربي يذهَب إلى الكنيسة، وقد تعلَّمت أن مسألة الخطيئة والتَّكْفير لَيْسَت مُعَقَّدة، بل هي مسألة بسيطة ومُباشرة: فالجميع يُخْطِئون وكل الخطايا مُتَشابِهة في نَظَر الرَّب والعِلاج منها أمرٌ واحد، وهو يسوع المسيح. كما اتَّضح، فإن اثْنَتَيْن من هذه المُقدَّمات الثلاث صحيحة: فالجميع يُخْطِئون والعلاج الوحيد هو يسوع. لكن ما هو غير صحيح هو فِكْرَة أن كل الخطايا مُتَشابِهة في نَظَر الله. علاوة على ذلك، فإن الخطيئة والتَّكْفير لَيْسَت مسألة مُباشرة؛ بل هي مُعَقَّدة، وتتَّخِذ جوانِب عديدة ونحن بحاجة إلى فهْمها.

في ذبيحة الأشام، التَّكْفير هو دَفْع تعويض لله لأن قداسَته هي التي تم التَّعدّي عليها. الجَبْر هو التَّكْفير عن الذّنب؛ إنه وسيلة لمُحاولة تصحيح الأخطاء التي ارْتُكَبَت. إنه مُخْتَلِف تمامًا عن العُقوبة. إن دَفْع غرامة لمُخالفة وقوف سيارة ليس جَبْرا؛ فهو لا يَتعلَّق بالتعويض، بل إن دفع الغرامة هو غرامة، أي عُقوبة. أما جَبْر الضَّرَر فهو مسألة اعتِراف الضّمير والنّفْس بأنك ألْحَقْت ضَررًا بِطرف بريء أو غير مُسْتحِق، وجَبْر الضَّرَر هو مُحاولة لتعويض ذلك الطّرف عن الضَّرَر الذي لَحِق به بأفضل ما يُمْكِن فعَلَهُ.

إذًا في الأشام، يقول الرَّب إن شخصًا ما قد اعْتدى على قداسَتِه، وبالتالي يجب تعويضه بِحَسَب عدالته؛ وبهذا التعويض يُغفَر للمُعتدي. لكن لاحظوا أيضًا أن هذا التعويض يجب أن يكون تعويضًا من أعماق القلب؛ فإن لم يَكُن كذلك، إذا دَفَع المُتَعَبِّد التعويض ولكنَّه يَفعل ذلك بِتَصَرُّف سيِّئ، فلا يكون تعويضًا على الإطلاق. لا يَخْتَلِف الأمر حينئذٍ عن مُجرم سرَق بنكًا وقُبض عليه وحوكِم وأودِع السجن. لا يوجد غُفران في النهاية، بل مُجَرَّد حِكْم وعُقوبة.

اسْمَحوا لي أيضًا أن أفْتَتِح بإيجاز: أسْمَع في كثير من الأحيان كيف أن المُجرم يذهب إلى السَّجن و"يَدْفع دَيْنه للمُجتمَع". وفقًا للكتاب المُقَدَّس، الأمر ليس كذلك. المُجرِم لا يَدْفع لأحد شيئًا، بل يُعاقَب. لا يتمّ تعويض ضَحيَّته بالكامل، ولا تَحْصل أي محاولة لِتعويض هذا الشَّخْص. إن إسْكان هذا المُجرم على حِسابنا لأنه ألحقَ الضَّرَر بشخصٍ ما لا يُعوِّض على المجتمع، ما يفعَلَهُ المُجرِم هو تحمَّل عُقوبة على أفعاله. سداد دَيْن مُسْتحِق للمُجتمع هو طريقة أخرى لقَوْل "تعويضات" ولا يوجَد مُجرِم يقضي عُقوبة في السِّجن يقوم بإصْلاح الضَّرَر.

لذا، وبينما نَمضي قدمًا، آمل أن يكون هذا بِمثابة وسيلة لك لفَهْم الفرْق بين التعويض والعُقوبة، فالأشام يَتعلَّق بالتَّعويض وليس بالعُقوبة. دَعونا الآن ننَظُر إلى غَرَض آخر لِذبيحة الأشام؛ تقول الآية السابعة عشرة ما يلي:

الكتاب المُقَدَّس اليهودي الكامل لاويين خمسة على سبعة عشرة "إِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ بِفِعْلِ شَيْءٍ مُخَالِفٍ لِشَيْءٍ مِنْ فَرَائِضِ أَدُونَاي مِمَّا لاَ يَنْبَغِي فعَلَهُ، فَهُوَ مُذْنِبٌ وَإِنْ لم يَكُن عَالِمًا بِهِ، وَيَتَحَمَّلُ عَاقِبَةَ خَطِيئَتِهِ.

هذا النَّوع من الخطيئة لا يزال يَنْدَرِج في فئة الخطيئة غير المَقْصودْة أو غير المُتَعَمَّدة. مَفْهوم غير المَقْصودة ليس بالضَّبط كما نفكِّر فيه عادةً. فغيْر المَقصود بالنِّسْبة لنا يعني أننا لم نكُن على عِلم به، ولم نقصُد أن نَفعَلَهُ ولم نُدْرِك أنه كان يَحدُث أصلاً. كان هذا هو الشَّكل الأكثر نقاءً للخطأ أو الحادِث. من الواضِح أن هذا ليس التَّعريف التَوْراتي تمامًا. يبدو أن الخطأ غير المُتَعَمَّد له عِلاقة أكبر بِمُستوى خُطورة الخطيئة، وما إذا كان الشَّخْص يجب أن يَعْرِف بِشَكْل معقول أن ما فعَلَهُ كان خطأ أم لا، وربَّما حتى نِيّة المُتَعَبِّد أو تقييم الله لِحالة قلْبه. بعبارة أخرى، إنه أكثر ذاتية ممَّا هو واضح. وبِعبارة أخرى، فإن الأمْر لا مَوْضوعي أكثر بكثير من كَوْنه أمرًا مَحْسوماً.

الأمْر نفسه ينطبق على مَفْهوم كَيْفِيّة أنك لم تكن مُدركًا عندما ارْتَكَبْتَ المَعْصية في حق الله، ولكنك أدْرَكْت ذلك فيما بعد. هذه مسألة أخرى من تلك المسائل الضَّبابيّة وغير المُحَدَّدة المَعالم، والتي لا يوجد اتفاق عالمي بين العُلماء بشأنها. أولاً، لا يبدو أن الأمر يَتعلَّق بمسألة لم يَكُن المُتَعَبِّد يَعْلَم فيها أنه كان يتعدّى على مُمتلكات الكَهَنَة أو المكان المُقَدَّس، ولكنه اكتَشَف فيما بعد أنه كان كذلك. ولا أن يكون الشَّخْص غير مُدْرِك بِوجود شريعة أو أمر مُعيّن، ولكنه اكتشف فيما بعد أنه كان موْجودًا وأن خطأه كان نتيجة لِضَميره… فقد بدأ يَشْعُر بالذَّنْب. ولم يَكُن الذَّنْب في أنه كان يَعْرِف بالضبط ما هو الذَّنْب الذي ارْتَكَبَه… بل كان يَشْعُر بالذَّنْب فقط.

قد يبدو هذا غريبًا بالنِّسْبة لنا، أو حتى غير مُتوازِن عاطِفيًا إلى حدٍّ ما…… أن يكون لَدَيْك شعور بالذَّنْب ، ولكن ليس لَدَيْك أي فِكْرَة عما ارْتَكَبَته من خطأ لتوليد الشعور بالذَّنْب. لكن، في العُصور القديمة ربما لم يَكُن هناك على الأرجح خطيئة عالمية ومخيفة أكثر من إمكانية التعدي على ممتلكات الله المُقَدَّسة….ولم يَكُن هذا في الثقافة العبرية فقط، بل كان الأمر كذلك في مُعظم الثقافات في تلك الأيام. تخيَّل أن شَخصًا ما بدأ يَشْعُر بالذَّنْب ويتساءل الآن عن المَصير الرَّهيب الذي قد يُصيبَه نتيجة لإساءة قام بها تِجاه إله أو آخر ؛ ومع ذلك، فهو ليس لَدَيْه أي فِكْرَة عما قد يكون أخْطأ فيه، ولا يوجد كاهِن لذلك الإله قادِر على إخبارِه.

هذه هي الفِكْرَة هنا في لاويين خمسة، بدءًا من الآية السابعة عشرة. إنها خَطيئة مُشْتَبَه بها، ولَيْسَت خطيئة مَعروفة يُغَطّيها هذا الجزء من الطقوس. هل تفهَم ذلك؟ بِبَساطة، يَشْعُر الشَّخْص بالقلَق من أنه رُبَما فَعَل شيئًا ضدَّ الرَّب. من أجل التأكُّد من عدَمْ صبّ دَيْنونة الله عليه، يُقَرِّر أنه من الأفضل تقديم "الأشام" (ذبيحة الإثم)، والاعْتراف بأنه ربّما أخطأ ضدّ مِلْك الله. لكن، لأن لا أحد، ولا حتى المُتَعَبِّد، يَعْرِف ما الذي من المُمْكِن أن يكون فِعَلَهُ، يُسمَح له بتقديم ذبيحة أقل من ذبيحة الشَّخْص الذي يَعْرِف ما هو الخطأ الذي ارْتَكَبَه. يجب على الشَّخْص الذي يَعْرِف الخطيئة التي ارْتَكَبَها أن يُقَدِّم كبْشًا بالإضافة إلى إعطاء عشرين بالمئة إضافية من قيمَة الكبْش المُخَصَّصة بالشيكل الفُضّي الى المكان المُقَدَّس. أما الشَّخْص الذي يَشْعُر بالذَّنْب فقط، ولكن لا هو ولا أي شخْص آخر يَعْرِف ما الذي يُمْكِن أن يكون قد فعَلَهُ، يأتي فقط بالكِبش ولا يُطلَب منه إعْطاء الشيكلات الفُضّية الإضافية.

لذا، في النِّهاية، ربما يكون من الإنصاف القول بأن أحد الأغراض الأساسية لهذا الأشام بالذات هو تَهْدِئة وتَسْكين اضْطِراب المُتَعَبِّد المتوتِّر وتَهْدِئته، لكي يُطَمْأن هو وعائلته بأن كل شيْء سيكون على ما يرام بينهم وبين الله. أعني، دعونا نُواجه الأمر: في نظام كما نرى هنا في سِفْر اللّاويين، حيث كانت الخطيئة مُحَدَّدة بِدِقّة وكانت هناك طقوس مطلوبة للتَّكْفير عن كل نوع من أنواع الخطايا العديدة، لا بد أن هذه كانت مُشكلة شائعة. ربما كان الكثير من العبرانيين ذوي الحَساسيَة المُفْرِطة يُفكِّرون ليلًا ونهارًا فيما يُمْكِن أن يكونوا قد فَعَلوه لإهانة الله، وما الذي يجب عليهم فعَلَهُ حِيال ذلك، لأن العواقب كانت يُمْكِن أن تكون مُدَمِّرة. العديد من المسيحيين المُعاصرين يفعلون نفس الشيء. قلِقون دائمًا بشأن ما قد يكونوا قد فَعَلوه لإغْضاب أبينا، وكيف يُمْكِن أن يكون قد أضَرّ بِعِلاقتهم معه، وما هي العواقب الأبَدية التي قد تتأتّى من ذلك. الفرْق هو أنه في الأيام القديمة كان الاعْتِراف والذّبيحة الحيوانية ضَروريًا بِشَكْل مُسْتَمِرّ للتّعامل مع الخطيئة. أما اليوم، بالنِّسْبة لأولئك الذين يقبلون عمل يسوع المُكْتمل، كل ما هو ضروري لإصلاح علاقتنا مع الآب هو اعْترافنا الصّادق له وروح التَّوْبة الحقيقية …..لقد تمَّ تقديم الذّبيحة من قبْل في شخص يسوع المسيح…..وهي ذبيحة لِمرَّة واحدة ودائمة. انْظُروا، لن نكون بَشَرًا إذا لم نتساءل من وقت لآخر (خاصة إذا واجهنا صعوبات مفاجئة وغير مفسَّرة أو أمراض أو انْتِكاسات) إذا كنا رُبَّما فعلنا شيئًا ما أحزَنَ ربّنا وندْفع الآن ثمنه. إن الأمر يُشبه الكثير من الأمور الأخرى في الحياة: المُهِمّ هو الدَّرجة والتوازُن. إن عدم التَّساؤل أبدًا عمّا إذا كان المرْء قد أساء إلى الله هو أمر غير مُثْمِر كالتَّساؤل الدائم.

الآن، في الآية عشرين نَحْصل على منحى مُخْتَلِف قليلاً حول ما يُشِكِّل نوع "الخطيئة ضدّ الرَّب" التي يُفترض أن تُكفِّر عنها ذبيحة الأشام، وهو عندما تكون الخطيئة تدور حول فِعل شخصٍ ما ضدّ شخص آخر. إذا قرأ المرْء الآيات من عشرين الى ستة وعشرين بِشَكْل عَرَضي، فسوْف يتساءل كيف يُمْكِن أن يكون لهذا علاقة بالخطيئة ضدّ الرَّب، بينما في الواقع يبدو أن الأمر كلَّه يدور حوْل سرِقة من جارِك أو ابْتِزاز شَخص ما أو بِبَساطة التعامل الكاذب والمُخادع مع الناس. المُفتاح هو في الكَلِمات الأولى من الآية أربعة وعشرين، حيث تقول: "……أو أي شّيء حَلَف عليه كاذبًا".

تذكّروا، إذا كان شخص ما قد "أقسَمَ" على شيء ما، فإنه بِحِكْم التَّعريف يكون قد اسْتدْعى اسم الله. إذن، نحن نعود إلى المسألة التي ناقشناها أولًا فيما يَتعلَّق باليمين بالله تعالى، حيث يَنْطق الشَّخْص نِذرًا أو يمينًا باسم الله ثم يَحْنث به. في هذه الحالة، النِّذر أو اليمين هو أن يكون ذلك الشَّخْص قد فعل شيئًا ما بالفِعْل ضدّ جارِه ولكن عندما يُعرض الأمر على المَحْكمة يكذُب. يَحْلف كذباً. يقول إنه لم يفعل ذلك، لكنّه في الواقع فعَلَهُ. إن الكَذِب هو المُشكلة وليس الجريمة نفسها.

الآن، إذا لم يُخيفك هذا الأمر، فأنت لم تسْمع ما قُلْتَه للتوّ. في اقتِصاد الله، يُعْتَبَر الحلفان بإسمه زورًا خطيئة خطيرة….لأنها ضدّه مباشرة! إن وضع تلك الكمّاشة الجديدة في جَيْبك في متْجَر سيرز هو خطيئة…….ولكن ليس بِخطورة وضْع يدَك على الكتاب المُقَدَّس والقول بأنك لم تفعَل ما فعلْت.

يجب الآن على الشَّخْص الذي يؤدّي حُلفاناً كاذباً أن يُكفِّر عن خطيئته للشخص الذي أضرّ به ولله. أولاً، يجب عليه أن يرُدّ أو يُصلح ما سرقَه أو أتْلفه. يجب عليه أن يجعل الشَّخْص الذي أضرَّ به سليمًا؛ بالإضافة إلى أنه يجب عليه أن يعطي ذلك الشَّخْص عشرين بالمئة إضافية من قيمة الشيء ذات الصِّلة. بالإضافة إلى ذلك، يجب عليه أن يُحْضر كِبشًا كاملاً كذبيحة عُشَر أو ما يعادِله بالشيكل الفُضّي، ويُعطيه لِلكَهَنَة. آمل أن ترى هذا: عندما تفعل شيئًا ضدّ أمْر الله يؤثِّر بِشَكْل أساسي على علاقتك بالله فقط … مثل التَّعامل بِشَكْل غير لائق مع مُمتلكاته المُقَدَّسة، أو أن تَنْذُر له نِذرًا ولا تفي به، فإن التَّعويضات مُسْتحقّة له فقط. إذا فعَلت شيئًا ضدّ أمْر الله يضرّ بشخص آخر، فإن التعويضات مُسْتَحِقة لذلك الشَّخْص المُتضرِّر وهي مُسْتَحِقة لله لأنه بِحِكم التَّعريف كل خطيئة نرْتكبها هي تعدٍّ على الله.

أودّ أن أُلفِت انتباهكم الآن إلى الآية الأخيرة من الإصْحاح الخامس حيث تقول إن المُتَعَبِّد الذي يأتي بذبيحة الإثم الخاصة به يُغفر له؛ لأنها تعزِّز ما كنتُ أُخْبِركم به منذ بضعة أسابيع؛ وهو أن يَهوَه لم يَقِم بـ "طعم وتبديل" كوْني على البشر.

إنه لم يُخْبر هؤلاء الناس في أيام الكتاب المُقَدَّس في العهد القديم أنه سيَغفر لهم إذا قدَّموا ذبيحة التَّكْفير المناسبة من خلال الكهنوت الذي أنشأه ثم لم يفعل ذلك. هذا القول مذكور في سِفْر اللّاويين مِرارًا وتِكرارًا: لقد حدث الغفران الفعلي. وفي النهاية فإن الغرض من كل هذه الذّبائح هو لِمَصلحة المُتَعَبِّد، والفائدة هي أنه قد تمّت تبْرِئة ضميرِه وأن علاقته مع الله قد عادت وتمَّت المحافظة عليها، وهذا ما يجب أن نسعى إليه نحن أيضًا.

لننتقل الآن إلى الإصْحاح السادس من سِفْر اللّاويين.

سيكون من الأفضل أن نقرأ الإصْحاحين ستة وسبعة كعمَل واحد مُتواصِل، لأن هذا ما هو عليه. أطْلُب منكم أن تتذكَّروا أن أرْقام الإصْحاحات والآيات في الكتاب المُقَدَّس، وأين يَبدأ وينتهي ما يُسمَّى بالإصْحاح أو الآية هو إضافة مُتأخِّرة أَضافها العُلماء لغرَض تقسيم الكتاب المُقَدَّس وشرْحه حتى نتمكَّن من دِراسَتِه بِسُهولة أكبر والتواصُل مع بعضنا البعض بِشأنِه. في الأصْل كان كل كِتاب عِبارة عن لَفيفة متَّصِلة، مكتوبة كرِسالة طويلة…..لم يَكُن هناك فصول ولا آيات.

ولكن بما أنه سيكون من المُمِل جداً في رأيي أن نَسْتمِر في قراءة الإصْحاح السابع كلّه بعد الإصْحاح السادس مباشرة، سنُمضي قدُماً وندْرس محتويات الإصْحاح السادس ونقرأ الإصْحاح السابع في المرّة القادمة. فقط افهموا أن سياق الإصْحاحين ستة وسبعة والغرَض منهُما واحد.

السِّياق والغرَض هما كما يلي: يَعرُض هذان الإصْحاحان التوروت، الإجراءات الطَّقسية لكلّ من الفئات الخمس الرئيسية التي تعرَّفنا عليها الآن: ("أولاه، المحْرَقة؛ و"مِنخاه، ذبيحة التَّقدمة (أي الحبوب)؛ و"زيفه" أو الأصَح "زيفه شيلاليم"، ذبيحة السَّلامة، والحتآت، ذبيحة الخطيئة والأشام، ذبيحة الإثم). والآن، هذا هو المفتاح، ما سندْرُسه في الإصْحاحين ستة وسبعة هو ما يجِب أن يفعَلَهُ الكَهَنَة فيما يَتعلَّق بهذه الذّبائح المُخْتَلِفة. كان للعِلمانيين، أي بني إسرائيل العاديين، دورَهم في الذّبائح، أما الكَهَنَة فكانوا مَسْؤولين عن تقديم الذّبائح. يتناوَل هذان الفَصْلان الكَهَنَة.

تتداخَل تعليمات الفصْلين السادس والسابع إلى حدٍّ ما مع ما سبق أن درَسْناه في الإصْحاحات من واحد الى خمسة. إذن لنَضَع النِّقاط على الحُروف: لقد رأينا العديد من المُلاحظات في الإصْحاحات من واحد الى خمسة من سِفْر اللّاويين مَسْبوقة بِعبارة "إِنْ كَانَ أي رَجُل"، أو "إِنْ كَانَ أَحَدٌ"، وعبارات أخرى من هذا القبيل. كانت الفِكْرَة أن تلك التعليمات كانت تتحدَّث في المقام الأول إلى المُتَعَبِّدين، الناس العاديين……غير الكَهَنَة. قارِن ذلك مع المُلاحظات التي تَسبُق العديد من التَّعليمات التي سنقْرأها في الإصْحاحين السادِس والسابع، والتي ستبدأ، "أَوْصِ هَارُونَ وَبَنِيهِ"، أو "قُلْ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ". ما هي الفئة التي يُمثِّلها هارون وبنوه؟ الكَهَنَة….. الطبقة الكهنوتية. إذن، من أجل الوضوح، يُمْكِننا القول أن الإصْحاحات من واحد إلى خمسة من سِفْر اللّاويين هي بِشَكْل عام "تعليمات إلى المُتَعَبِّدين"، بينما يُمْكِن أن نُسمّي الإصْحاحين السادس والسابع من سِفْر اللّاويين "تعليمات إلى الكَهَنَة".

دَعونا نتوقَّف لبُضع دقائق فقط لنَضَع كل هذا في مَنْظورِه الصَّحيح: الأمْر الرئيسي الذي يُعالجه الإصْحاحان ستة وسبعة هو: ما الذي يجِب أن يحدُث مع الكمِّيات الهائلة من الحيوانات والحُبوب التي تُستخدَم كتقدِمة ذبائح. تتجلَّى هذه المسألة في المقام الأول في أي أجزاء أو أقسام من الحيوانات والحبوب المُسْتخدمة في الذّبائح يجوز أكلها وأيُّها لا يجوز أكْلها. في المُمارسة العمَلية كانت مُعْظم الذّبائح تؤكَل إما من قبل الكَهَنَة أو من قبل المُتَعَبِّدين، وفي بعض الحالات كان كلاهما يشتركان في أكلِها. على وجه الخصوص، عندما كان بنو إسرائيل في البَرِّية، كانت كل اللّحوم تقريبًا……- على الأرجح في حدود تسعة وتسعين في المئة…… التي كان بنو إسرائيل يَسْتخدِمونها كطَعام، في المقام الأول جِزءًا من طُقوس ذبيحة مُعَيَّنة. في الواقع، عندما كانت الحيوانات تُذبح، في مُعظم أنواع الذّبائح، كانت أجزاء مُعَيَّنة فقط من الحيوان توضَع على المَذْبَح وتُحرَق… كان الجزء الأكبر من الحيوان يُستخدَم كطعام. بمُجَرَّد دخول بني إسرائيل إلى أرض الميعاد، تم تعديل القانون بحيْث يُمْكِن ذبح اللّحوم من أجل الطعام دون أن تكون أولاً جزءًا من الذّبيحة.

كان جِزءًا من النظام الذي فَرَضَه الله أن تُسْتخدم ذبائح بني إسرائيل من الحبوب واللّحوم والخَمر كوسيلة أساسيّة لدَعْم الكَهَنَة. كانت الفِكْرَة في الواقع أن الكَهَنَة كانوا يُعطون بعضًا من نصيب الله ليأكُلوه، لأن كل ما كان يُقَدِّم للذبيحة كان مِلكًا ليَهوَه. فالحيوانات والحبوب والخَمر التي أُحْضِرت للذبيحة أصْبحت في الحال مِلكًا مُقَدَّساً لله. في اللّحظة التي يتمُّ إحضار فيها الذّبيحة إلى أرض خَيْمَة الإجْتِماع، تَنْتَقِل المُلْكية إلى يَهوَه. كان جِزء من معنى " السيميشة"، وهي طقس يضَع المُتَعَبِّد فيه يدَيْه على رأس الحيوان كجِزء من طقوس الذّبيحة وهو تحديد هذا الحيوان المُعَيَّن على أنه الحيوان الذي تَنْتَقِل مُلْكيَّته طواعية من المُتَعَبِّد إلى الله، عن طريق الكهنوت وكان ليَهوَه أن يفعل به ما يشاء. ما كان يرضيه هو أن يَحرُق بعْضه ويتحوَّل إلى دُخان ورَماد، وبَعْضه يعطى للمُتَعَبِّدين كطعام، وبعضه يعطى لكَهَنته كطعام.

اقرأ سِفْر اللّاويين الإصْحاح السادِس بأكمله

يبدأ الإصْحاح السادس بإخبارنا أن ما يلي هو، كما جاء في الآية الثانية، أمْر لهارون وبَنيه……. لِلكَهَنَة. تتعلَّق التعليمات الأولى بواجبات الكََهَنَة عند إجراء طقوس "الأولاه"، ذبيحة المَحْرقة. يُقال لِلكَهَنَة شيء من الواضح أنه ربما يكون أهمّ عُنْصُر من عناصر المَحْرَقة: يجب أن تبقى النار مُشتعِلة ولا يُسمح لها أن تنْطفئ أبدًا. سنتحَدّث عن ذلك أكثر بعد قليل. بعد ذلك، يجِب أن تبقى ذبيحة أولاه، الحيوان، على المَذْبَح طوال الليل…… دعوني أشرح.

كان الكَهَنَة يقومون بالطقوس الدّينية يوميًا دون انقطاع وكانوا يُقَدِّمون خروفين ذَكَرين عمرَهُما سنة واحدة… أي كِبشين… كذبيحة، ولم يَكُن المُتَعَبِّدون يُقَدِّمون هذين الكِبشَيْن، بل كان هذين الكِبْشيْن من قُطعان خاصة يَمْلِكها الكَهَنَة نيابة عن كل بني إسرائيل وكانوا يربّونها لهذا الغرض. كان أحد الكِبْشَيْن يُذبح في الصباح، والثاني في المساء كذبيحة عن الأُمّة كلها. كانت ذبيحة أولاه هي ما يبدأ به روتين كل يوم من ذبيحة الحيوانات (ثم الحبوب) على المَذْبَح. أولاً، كان يُذبح الكبْش ويُحرَق، ثم تُحرَق ذبيحة المنخاة (الحبوب) المصاحِبة له، ثم يتْبَع ذلك ذبيحة الإراقة، من الخّمْر أحيانًا، وأحيانًا أخرى من الماء.

الآن، كان من المُقَرَّر أن تُترك ذبيحة المساء المحْروقة لكبش ذَكَر على مَوْقد نار المَذْبَح النُّحاسي الضّخم طوال الليل. كانت هذه هي الذّبيحة الأخيرة في ذلك اليوم. لم يُسمَح بأي ذبيحة بعد غروب الشمس، وبالتالي لم يتمّ تقديم أي ذبيحة بعد الانْتِهاء من ذبيحة المساء هذه. في الصباح، كان على الكاهن أن يُزيل رَماد ذبائح اليوم السّابق وأن يأخُذ نار المَذْبَح الخافِتَة الآن ويُضيف الخَشَب ويُعيدها إلى النّيران المُشْتَعِلة اللازمة لإحراق الذّبائح التي سيتم تقديمها طوال هذا اليوم الجديد بِشَكْل صحيح وسريع.

إن الكاهن الذي تقع على عاتقه مُهِمَّة إزالة الرَّماد وإشعال نار المَذْبَح في الصباح، عليه أن يرْتدي زيَّه الكَهْنوتي المُعتاد من الكِتّان الأبيض أثناء قيامه بالجزء الأول من هذه المُهِمَّة. لاحِظ الخطوات الدقيقة التي يجب اتِّخاذها: إزالة الرَماد وتَكْديسه بجانب المَذْبَح النُّحاسي، وبعد ذلك يَخْلع الكاهن نفسَه ثيابه الكهْنوتية المُعتادة ويبدِّل ثيابه بِطقم آخر لِنَقْل كَوْمة الرَّماد إلى مكان آخر. على المستوى العَمَلي، قد يكون لتغيير الملابس عِلاقة بِمَنع وصول الرَّماد إلى ثيابه الكهْنوتية، إلا أن هذه لَيْسَت القضية الرئيسية، بل إنها تتعلَّق بِضَرورة نَقْل هذا الكاهن هذا الرَّماد من الكوْمة بجِوار المَذْبَح إلى مكان خارج المُخَيَّم. ها هو هذا المُصْطَلَح المُهِمّ مرة أخرى: خارج المُخَيَّم. الآن نعلم أنه في زمن موسى، في أيام خَيْمَة الإجْتِماع في البَرِّية، كانت عبارة "خارج المُخَيَّم" تُشير إلى مكان خارج المنطقة التي عاشت فيها مئات الآلاف من الخيام التي كانت أسْباط إسرائيل تعيش فيها؛ خيام أُقيمَت بِشَكْل دائري إلى حدّ ما حول خَيْمَة الإجْتِماع. خارج هذه المنطقة كان هناك مكان كان يُلقى فيه الرَماد. كانت هذه البُقْعة الصَّغيرة تُعْتبَر "نظيفة"؛ أي لَيْسَت نَجِسة أو مُلوَّثة… ولكنها لَيْسَت مُقدّسة أيضًا.

يجب على الكاهن أن يرتدي ملابسه الكهْنوتية الرَّسمية فقط داخل حُدود مُخيّم بني إسرائيل، وفي معظم الظروف، لا يُمْكِن ارتداء الملابس التي يرتديها الكاهن أثناء أداء واجباته في خَيْمَة الإجْتِماع في البَرِّية خارج أرض خَيْمَة الإجْتِماع خوفًا من التَّنجيس.

على سبيل الملاحظة: كان على الكَهَنَة أن يرْتدوا ثياباً من الكِتّان الناعم (وكانت بعض عناصر ملابِسهم مَخلوطة أيضاً بالصّوف). ليس الكِتّان فقط، بل أفضل أنواع الكِتّان. من أين حَصلوا على هذا الكِتّان؟ كانوا هنا، عندما أُعْطِيَت كل هذه التعليمات لموسى، يتجوَّلون في سيناء والصّحاري العربية. لم يكونوا يزْرعوا محاصيل؛ بل كانوا في الأساس يرْعون قُطعان الماشية، وهذا يشير إلى عُنصر من عناصِر الخروج لا نُفكِّر فيه عادة: لقد مارسوا الكثير من التُّجّارة والأعمال خلال ذلك الوقت. لا يُمْكِنك بِبَساطة إخفاء مجموعة من ثلاث ملايين شخص. تُشير السِّجِلّات المصرية والسِّجِلّات الكنعانية وحتى الأرْشيفات الحثية إلى وعي الشعوب المُخْتَلِفة التي تَسْكن شمال إفريقيا والشرق الأوسط والشرق الأقصى بهذه المجموعة الهائلة من بني إسرائيل وليس الأمر وكأن أُمَّة إسرائيل كانت تَنْتَقِل كل يوم، فقد كانوا يَمْكثون في مكان واحد عادة لمُدّة عام على الأقل وفي أماكن أخرى لفترة أطول. كان هناك عدد قليل من المواقع المُناسبة التي توفِّر المراعي لحيواناتهم وسهْلاً كبيراً بما يكفي للتَّخييم فيه وإمدادات مياه كافية لاحْتياجاتهم. أظنُّ أنه كان من المَعْروف إلى حدّ ما أين كان الإسِرائيليون في أي وقت مُعَيَّن.

لذلك من المُرَجَّح أنه بمُجَرَّد أن هرب بنو إسرائيل من جيش فرعون، أقاموا اتِّصالات مع التُّجّار والبائعين الذين كانوا في وقتها يَجوبون المنطقة التي كان العبرانيون يُسافرون فيها. سيكون لدى بني إسرائيل احْتياجات كثيرة: من بعض التوابِل المُسْتخدَمة في توابل الطعام، إلى زيت الزيتون واللبان المُسْتَخْدَم للأغراض المَنْزلية والقُربان على حدًّ سِواء، إلى الأصْباغ وأواني الطَّبخ….. والقائمة تطول وتطول. كان على رأس تلك القائمة الكِتّان عالي الجودة لاسْتخدامه من قِبَل الطَّبقة الكهنوتية الكبيرة والمُتَنامية؛ وكان الكِتّان سِلعة شائعة لدى التُّجّار. ما الذي كان على بني إسرائيل أن يُتاجروا به للحُصول على هذه المواد؟ الذَّهب والفُضّة. لقد حَصلوا حرفيًا على أطنان وأطنان من المعادن الثمينة عندما غادروا مصر. لذلك كان لَدَيْهم القدْرة على شراء العديد من الأشياء المُهِمَّة التي كانوا يحتاجونها في حياتهم اليوميّة وأفترِض أنهم كانوا أيضاً يقايِضون بالحيوانات من قُطْعانِهم وماشِيَتهم.

الآن أحد الجوانِب الأكثر إثارة للإهتمام والغُموض في هذا الإصْحاح هو التّعليمات بأنه كان يَجِب أن تبقى النار على المَذْبَح بِشَكْل دائم وأن لا تنْطفىء أبدًا. لماذا؟ حسنًا، في الواقع، لم يُخبرنا الكتاب المُقَدَّس صراحةً عن سبب ذلك. مع ذلك، فإن قائمة الاقْتِراحات التي قدَّمها العُلماء والحاخامات طويلة. لا أريد أن أقْضي وقتًا طويلاً في هذا الأمر، لأنَّني أعتقد أحيانًا أنه من الأفضل أن نترُك لغزًا في الكتاب المُقَدَّس كلُغز. في كثير من الأحيان، يؤدّي البحث عن مِلء فراغات الكتاب المُقَدَّس إلى إنشاء قُصَصْ رَمْزِيَّة وعقائد جديدة كاملة من صُنع الإنسان يكون، في أحسن الأحوال، مَشكوك فيها.

كان لدى كالفِن وجهة نَظَر مثيرة للإهتمام تستند، على الأقل، إلى الكتاب المُقَدَّس. إنه يشرح ما نعرفه نحن: وهو أن النار على المَذْبَح النُّحاسي كانت في الأصل تُشعل بنار خارجة من السماء أو من "أمام الرَّب" (سِفْر الاويين تسعة)؛ أي أن النار التي أشعلت المَذْبَح النُّحاسي أولاً كانت ناراً إلهية وطالما أنها لم تنطفئ أبدًا….. وطالما أنها ظلت موقدة…… كل النار التي جاءت من تلك النار الإلهية الأصلية كانت تعتبر من أصل مقدس. هذا المبدأ القائل بأن كل ما هو مستخرج من القداسة الإلهية أو متصل بها هو نفسه مقدس ينبع من هذه التعليمات في سِفْر اللّاويين. تذكروا مقطعًا في العهد الجديد يُذَكِّرنا بهذا المبدأ المُهِمّ:

الكتاب المُقَدَّس اليهودي الكامل رومية إحدى عشر على ستة عشر "وَإِنْ كَانَتِ الْبَاكُورَةُ مُقَدَّسَةً فَكَذلِكَ الْعَجِينُ! وَإِنْ كَانَ الأَصْلُ مُقَدَّساً فَكَذلِكَ الأَغْصَانُ!"

بعد عِدَّة سنوات، عندما بنى سليمان الهَيْكَل الأول الذي كان سَيَحِل محلّ خَيْمَة الإجْتِماع، وبُني مذْبح نُحاسي جديد وأكبر، قيل لنا في إثنين سِفْر أخبار الأيام سبعة أنه عندما تم تكريس الهَيْكَل نزِلت نار، مرَّة أخرى، من السماء وأوْقَدَت نار المَذْبَح. وبِدون حُدوث ذلك (لأن نار المَذْبَح كانت قد احْترَقت منذ زمن طويل)، لم يَكُن من المُمْكِن أن يَحْدث شَيْء من الطَّبيعة المُقَدَّسة وبالتالي التَّكْفيرية على المَذْبَح النُّحاسي. ما كان يُمْكِن أن يكون أكثر من حُفرة شِواء ضخمة.

لذلك، بما أن الأمر لم يَكُن يَقضي بأن لا تنْطَفئ هذه النار بالذات على المَذْبَح، فقد كان هناك شيء خاص مُرْتبِط بها. بِطريقة أثيريَّة (سماويّة) لم يتم تفسيرها بالكامل، كان حُضور الله نفسه مُرتبطًا بنار المَذْبَح النُّحاسي. كما ترون في تدْبير الله، بدون دم وبدون النار الإلهية التي تحْرقه، كان التَّكْفير مُستحيلاً. لو خمدَت نار المَذْبَح لأصْبح التَّكْفير مستحيلاً لأن النار التي يَصْنعها الإنسان غير مُناسبة. كان يجِب أن يأتي الفَحْم المُسْتخدَم على مذبح البخور داخل خَيْمَة الإجْتِماع أيضًا من الفحْم الناتج في المَذْبَح النُّحاسي؛ لذلك إذا خَمَدت نار المَذْبَح النُّحاسي، لم يَكُن بإمكانِهم حتى تقديم البخور ليَهوَه. لذلك ربما لم يَكُن هناك واجب مُقَدَّس ومُهِمّ أكثر من الواجب الذي كان يؤدّيه الكهْنوت في ضمان عدم انْطِفاء نار المَذْبَح تحت أي ظرف من الظروف.

وإذ نتذكّر أن كل العهد الجديد كُتب بينما كان الهَيْكَل لا يزال قائماً، بالتالي فإن كل هذه الطقوس اللاوية كانت لا تزال تُؤدى (ما عدا على الأرْجح في بعض كتابات يوحنّا اللاحقة)، فإن مؤلفي العهد الجديد الدُنويّين كانوا قد استخدموا تلك الإجراءات الهَيْكَلية الهامّة جداً التي شاركوا فيها منذ طفولتهم الأولى (وبالمناسبة، استمرّوا في المشاركة فيها حتى بعد المسيح) كتشبيهات وتوْضيحات في كتاباتهم. عندما يقول بولس في رسالة تسالونيكي الأولى لإخْوته المسيحيين "لا تُطْفِئوا الروح"، كان من شِبْه المؤكَّد أنه كان يَسْتخدِم تشبيه إخماد نار المَذْبَح النُّحاسي الدائمة؛ أي أنه منذ مجيء يسوع ها-مشيخ، روح الله التي وُضعَت في كل مؤمن تُمثِّل الآن النار المُقَدَّسة التي كانت تشتعِل على المَذْبَح النُّحاسي….وكان لا يُمْكِن تعويضها بوسائل بشريّة. إن إخماد الروح القدس جلب نفس النتيجة التي جلبها إخماد نار المَذْبَح؛ كان حضور الله سيَخْتفي ولا توجد وسيلة يُمْكِن للإنسان أن يَسْتَبْدلها بها. لا يُمْكِنني أن أفكِّر في كارثة أعظم من ذلك.

ابتداءً من الآية السابعة، يتغيَّر الموضوع من الـ "أولاه" إلى طقوس المِنخاه التي كان على الكَهَنَة القيام بها. المِنخاه، كما تَذكرون، كانت تتضمَّن حبوباً….. تُسمَّى أحياناً وجبة طعام، كما في مُصْطلح وجبة الذّرة.

لقد تعلَّمنا في الفصل الثاني أن إعداد المِنخاه كان يُمْكِن أن يكون بِعِدَّة طُرق، وعادة ما كان يُطلب أحَدها أو بعضها على وجه التّحديد حسب الوقت ومن هو المُتَعَبِّد الذي كان مُرْتبطًا بتقدمة المِنخاه. يُمْكِن أن يكون دقيقًا مطبوخًا أو غير مطبوخ يُمْكِن أن يكون مخبوزًا في الفُرن أو مشْويًا على صينيَّة ويُمْكِن حتى أن يكون قد تم إنتاجه في شكل رقائق.

الآن، من المُثير للإهتمام، نرى هنا أن الكَهَنَة كانوا مُلزمين بالأكل من تقدِمة المِنخاه، ولم يَكُن لَدَيْهم خيار أن يقولوا "لا شكراً، لست أرْغب بالحبوب اليوم".

إن الطقوس مُحَدَّدة للغاية: في حالة ذبيحة المِنخاه التي يأكلها الكَهَنَة، يجب اسْتِخدام جزء من الدّقيق المُقدَّم لِصُنع كعْك الفطير؛ وكان على الكَهَنَة أن يأكلوا هذا الفطير. علاوة على ذلك، يجب أن يأكلوه داخل خَيْمَة الإجْتِماع. فقط لنكون واضحين، هذا لا يعني داخل الخَيْمَة الفعلية أو الهَيْكَل فيما بعد، بل كان يعني داخل فناء خَيْمَة الإجْتِماع، وكانوا يأكُلون عادةً عند "باب" الحَرَم وكان يجِب إتلاف الباقي، الجزء غير المأكول.

في الآية العاشرة نَعْرف لماذا أُعْطِيَت هذه التعليمات المُحَدَّدة عن كَيْفِيّة أكل الكَهَنَة لهذه الحبوب؛ ذلك لأن هذا الطّعام يُصنَّف على أنه "كوديش- كوداشيم….." التّقديمات المُقَدَّسة. تُصنّف جميع ذبائح الإصْحاح السادس والآيات القليلة الأولى من الإصْحاح السابع، على أنها "الأقْدس"، أما ما تبقى من الإصْحاح السابع فيُصَنِّف الذّبائح على أنها كوداشيم كاليم….. ذبائح أقلّ قُدْسيّة. فكما نَكْتشف أن سِفْر اللّاويين يُصَنِّف الخطايا إلى فئات مُخْتَلِفة تعكُس خُطورة أكثر أو أقلّ في نَظَر يَهوَه، كذلك الذّبائح تُصنّف في ترتيب حسب مُستوى قداستها.

تُخبِرنا الآية الحادية عشرة أن الذُّكور فقط، ومن نَسْل هارون فقط، يُمْكِنهم أن يأكُلوا من هذا الجزء، والآن دعوني أشْرَح ذلك. في حين أن كل نَسْل هارون هو لاوييني، إنما لم يَكُن كل اللّاويين من نَسْل هارون. يُطلَق على نَسْل هارون إسم كوهين…… الكَهَنَة. إذا كان الشَّخْص كوهين فهو من نَسْل هارون ويَحُقّ له أن يكون كاهنًا. كانت قبيلة لاوي مُكوَّنة من عائلات كثيرة ولم يَكُن نَسْل هارون سِوى عائلة واحدة منها. لا يَجِب أن نَعْتقد أن مُصْطَلحَيْ لاوي وكاهن هما نفس المُصْطَلَح. على الرغم من أن اللّاويين غالبًا ما يُطلَق عليهم إسم القبيلة الكهنوتية، إلا أنهم في الواقع عائلة واحدة فقط من عائلات اللّاويين المُتَعَدِّدة المؤهَّلة لأن تكون كاهنة……من نَسْل هارون. أما عائلات اللّاويين الأخرى ونَسْلهم فقد أُسْنِدَت إليهم واجبات أخرى تتعلَّق بخَيْمَة الإجْتِماع، ثم الهَيْكَل فيما بعد. ولكن لا يُطلق عليهم إسم "كَهَنة"، ولا يُمْكِنهم القيام بالطُّقوس المُخْتَلِفة التي نقرأ عنها في سِفْر اللّاويين.

الآن، يواجهنا في نهاية الآية الحادية عشرة لغزًا آخر. انْظُر إليه بِعناية. تقول الجّملة الأخيرة من الآية الحادية عشرة (حسب نسختك من الكتاب المُقَدَّس) "… كل ما يَمِسّ هذه يُصبح مُقَدَّساً". هذه لَيْسَت المرّة الأخيرة التي نسمع فيها هذه العبارة. إذن، ما معنى ذلك بالضبط. هل يعني ذلك، في هذه الحالة، أن أي شخص يَلْمُس هذا الجزء المُقَدَّس من الطعام المُخَصّص لِلكَهَنَة يصبح مُقَدَّساً؟ هل يعني ذلك أن الطبَق الذي يُقَدَّم عليه الطّعام من الذّبيحة يُصبح مُقَدَّساً لمُجَرَّد أنه لامَس طعامًا مُعلنًا مُقَدَّساً؟ في الواقع، حتى الآن، كان هذا هو الحكم العام فيما يَتعلَّق بمعنى ذلك. قرّر العديد من عُلماء اللاهوت وعُلماء الكتاب المُقَدَّس أن معنى الآية الحادية عشرة هو أن أي شيء يُلامِس القداسة يُصبِح مُقَدَّساً في حدِّ ذاته. لن نقضي الكثير من الوقت في هذا الأمر الآن، لكن لا يُمْكِننا بِبَساطة تجاهله، ولدي تحفُّظات جَدِّية حول ما إذا كانت الترجمة والمعنى الشائعَيْن لهذه الآية صحيحَيْن.

يَعتقِد باروخ ليفين، أحد أبْرز عُلماء العبرية والعهد القديم في عصْرنا، أنه ربما يوجد معنى أكثر مِصداقيّة يُناسب بِشَكْل أفضل النَّمَط العام لهذا الموضوع المُهِمّ إلى حدّ ما والذي تم وَضْعَه في جميع أنحاء الكتاب المُقَدَّس، وهذا النَّمَط في الكتاب المُقَدَّس هو ما يلي: كل ما يَلْمس أي شيء نَجِس، يُصبح نجسًا ولكن، أي شيء يَلْمس القداسة لا يصبح بالضرورة مُقَدَّساً. على العكس من ذلك، إذا لَمَس شيء غير طاهر أو مقدَّس يكون قد لمس القداسة … أو، بِشَكْل أفضل، إذا لَمَس شيء غير مُصرَّح به القداسة، فإن ذلك عادة ما يؤدي إلى الموت والدمار. هل لأن عنصرًا من القداسة قد تعاقد عليه شخص أو شيء لم يَكُن من المقصود أبدًا أن يَمْتلكه، فيجِب تدْميره؟ ربما. يبدو أن النَّمَط هو طريق ذو اتجاه واحد … يُمْكِن نَقْل النَّجاسة عن طريق لمْس شيء كان طاهراً … لكن لا يجب أن تَنْتَقِل القداسة عن طريق لَمْس شيء نَجِس أو عادي. لا يُمْكِن للقداسة إلا أن تُنسب، أي أن الله يَمْنح القداسة. لقد وضع الله قواعِد تُحدِّد ما ومن هو المُقَدَّس وكيف يُمْكِن أن يَحْدُث ذلك. لا يُصبح أي شيء مُقَدَّساً بالصُّدفة… لا يستطيع الإنسان أن يشتري القداسة ولا أن يحصل عليها بإرادته… ولكن الكثير من الأشياء تُصبح غير طاهرة وغير مُقدَّسة بالصدفة.

لذا، مع وضْع هذا النَّمَط في الإعتبار، فإن التّرجمة الأفضل للتعليمات هنا والتي تقول عادةً، "كل ما يمِسّ هذه يُصبح مُقَدَّساً"، ربما تكون، " كل من يلمس هذه يجب أن يكون في حالة من القداسة". على سبيل المثال، تقول الآية التي نُناقِشها أنه فقط الأشخاص الذين هم في حالة من القداسة مَسموح لهم بِلَمس الجزء المُقَدَّس من الطعام. كل من عداهم مُسْتَبْعَدين. يُمْكِننا جميعًا أن نتذكّر القُصَص في الكتاب المُقَدَّس عما حدث عندما اسْتولى الفلسطينيون على تابوت العهد الثَّمين والمُقَدَّس بِشَكْل لا يُمْكِن تَصَوُّره من بني إسرائيل في المعْركة؛ مات الآلاف من الفلسطينيين، وسقط تِمثال إلَهَهُم الرئيسي داغان ودُمِّر. حتى أننا قرأنا عن تابوت العهد الذي نقلَه اللاويون، أنه عندما بدا أن التابوت قد يَسْقط، مدَّ أحد اللّاويين يدَه ولمَسَه لِتَثْبيتِه … ومات ذلك الرَّجُل على الفور. ربما يكون أفضل دليل وأكثرَه وضوحاً من وجهة نَظَر لافين موْجودًا في حجّي.

اقلِبوا صفحات أناجيلكم، من فضلكم، إلى حجّي الإصْحاح إثنين، الآية إحدى عشرة. السِّياق العام هنا هو ما إذا كان شعب إسرائيل طاهرًا أم نَجِسًا والقضية هي: كيف تَنْتَقِل القداسة، وعلى العكس من ذلك، عدم القداسة (مُصْطلح الكتاب المُقَدَّس المُعْتاد هو النَّجاسة)؟

اقرأ حجّي إثنان على إحدى عرةالى أربعة عشرة

هنا يُذكَر بِوُضوح، أنه من المعروف في ذلك اليوم أن بروتوكول القداسة هو أنه لا يُمْكِن أن تَنْتَقِل القداسة بِشَكْل عام بمُجَرَّد اللّمس المادي، ولكن…… النجاسة (عدم القداسة) يُمْكِن بالتأكيد أن تَنْتَقِل باللّمس وفي الواقع هي كذلك بانْتظام. يُمْكِن أن تتنَجَّس القداسة عن طريق مُلامسَة العامي أو النَجِس؛ لذلك من الأهمِّية أنه يجب أن تُصان القداسة بِعِناية.

سَنواصِل الإصْحاح ستة المرَّة القادمة.