20th of Kislev, 5785 | כ׳ בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » اللاويين » سِفْر اللاوِيّين الدرس الرابع والعِشرون – الإصْحاحان السادِس عشر والسابِع عشر
سِفْر اللاوِيّين الدرس الرابع والعِشرون – الإصْحاحان السادِس عشر والسابِع عشر

سِفْر اللاوِيّين الدرس الرابع والعِشرون – الإصْحاحان السادِس عشر والسابِع عشر

Download Transcript


سِفْر اللاوِيّين

الدرس الرابع والعِشرون – الإصْحاحان السادِس عشر والسابِع عشر

تناوَلنا في الأسْبوع الماضي الإصْحاح السادِس عشر من سِفْر اللاوِيّين الذي غطّى مَوضوع يَوْم التَّكفير، يَوْم كيبور. أوَدّ أن أتوسَّع في ذلك أكثر قليلاً هذا الأسبوع (خاصَّة وأننا على بُعْد أيام قليلة فقط من بِداية الأعْياد المُقَدَّسة المُهِمّة) ثم سنَبْدأ بالفَصْل السابِع عشر.

يُمْكِن تلخيص الحاجة إلى يَوْم التَّكفير بهذه الكَلِمات: النّاموس لم يَجعل شيئًا كاملاً. فالنّاموس يُعلّمنا شرائع الله وأوامِره، وما حَدّده على أنه شرّ وخير وحاجَتنا الكبيرة إلى أن نَصنع السّلام معه. النّاموس يَكشف عن خطايانا ونَزْعتنا الشِّرّيرة المَوجودة في داخل كل إنسان ويَجعلها مَكشوفة كما يَنكشِف "التزارآت" (الجُذام) على جِلد المُصاب. إن النّاموس يُبيِّن لنا الطريق إلى الحياة الصّالحة والبَرَكات التي تَنْبع منها، ويُحذِّرنا من البديل: العُصيان والتَّمرُّد وما يَترتَّب على ذلك من لَعنات النّاموس. يَجلُب اخْتيار أحد الإتِّجاهيْن الحياة ويَجلب الآخر المَوت.

لكن النّاموس لم ينصّ على التَّبْرير. لم يُوفِّر عِلاجًا لكل الخطايا، بل فقط لِلْخطايا من أنواع مُعيّنة. كما أنه لم يَبْلُغ حدّ الكمال، وهو ما قال يسوع إنه ضروري لكل من يُريد أن يُخلَّص: متى خمسة على ثمانية وأربعين: فَكُونُوا أنتم كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ كَامِلٌ."

إسْمَحوا لي أن أقول ذلك مَرَّة أخرى: كان النّاموس كاملاً، ولكن لم يَكُن غَرَضه أن يكون كاملاً؛ كانت هذه مُهِمّة يسوع. لذلك في عهد النّاموس لم يَكُن موسى وَسيطاً كاملاً ولم يَكُن هناك كَهْنوتاً كاملاً ولا ذَبيحَة تَكفير كامِلة لِتَغطِية الخَطيئة، بل كان يَجِب أن تَسْتمرّ الذَّبائح الطَّقْسيّة والتَّطهيرات يَوْما بعد يَوْم وسَنة بعد سَنة. مع ذلك، فقد كَثُرت الخَطيئة والنَّجاسة لِدَرجة أن الإثْم كان يَتراكم لدى الناس والتَّدْنيس كان يُدَنِّس خَيْمة الله ذاتها وكذلك جميع الأَدوات الطَّقْسيّة المُقَدَّسة، حتى المَذْبح النُّحاسي. كان على رئيس الكَهَنة أن يقوم بِمُخاطرة كبيرة كل عام بالدُّخول إلى المنطقة الأكثر تَقييدًا في الحَرَم المُقَدَّس، قُدْس الأقْداس، وهناك كان يَشرع في تَطهير المكان وأثاثه. كان هذا الوقت المُحَدّد سنويًا يُسمّى يَوْم كيبور، وكان الشَّعْب يُدْرك جيدًا أهَمُّيّته الكبيرة لِدَرجة أنه اكْتَسب لقَب "اليَوْم العظيم"، أو حتى بِبَساطة "اليَوْم".

يقع يَوْم كيبور في اليَوْم العاشِر من الشَّهر السابِع من تقويم الدَّورة الدينِيَّة العِبرية َ. حتى رقم الشَّهر واليَوْم لَهما أهَمِّيّة كبيرة: الشَّهر السابِع هو شهر السّبت. تجري الأعياد التَّوراتية السَّبعة على مدى سبعة أشْهر. الشَّهر الأوّل يَحمل لنا عيد الفُصح والفطير والبَواكير. الشَّهر السّابِع يَحمل لنا "روش هاشاناه" (عيد رأس السَّنة اليَهودِيّة)، ثم بعد عَشرة أيام عيد يَوْم التَّكفير، ثم بعد خَمسة أيام "سوكوت" (عيد المَظال او العَرْش) الذي يُمثِّل ذُرْوة دَوْرة السَّبت المُكوَّنة من سبعة أعياد دينِيَّة.

إن رَقم يَوْم التَّكفير هو عَشرة (اليَوْم العاشر من الشَّهر)؛ عشرة هو الرّقم التَّوراتي للإكْتِمال (الإكْمال بِمَعنى الإمْتِلاء، وليس بِمَعنى انتِهاء الشّيء).

كان هذا التَّطهير الوطَني (تَطهير الجَّماعة كُلّها) والمكان الذي يَسكُن فيه الله على الأرض أمْرًا بالِغ الأهَمِّيّة لأنه إذا أَصْبَحَ التَّنْجيس كبيرًا جدًا لم يَعُد بإمْكان الرَّب أن يَسكُن بين شَعبِه وكان يَجِب أن يُغادر حُضوره لكي تُحفظ قداسَته التي لا توصَف. كما علَّمتكُم في مُناسبات عديدة، لا يُمْكِن أن يَقترب من الله إلا الطّاهرون؛ فالطّاهرون فقط هم المؤهَّلون للقَداسة. إذا كان لبني إسرائيل أي أمَل في الوقوف أمام الرَّب، كان لا بدّ من تَنْفيذ طُقوس يَوْم التَّكفير.

ولكن على مرّ القرون بدأ الحاخامات في تَحْريف الغَرَض من يَوْم كيبور؛ وقد حَدثت أكبر التَّغْييرات بعد تَدْمير الهَيْكَل للمَرَّة الأخيرة في عام سبعين ميلادي. فقد تَحوّل من كَونِه حَدثًا وَطنيًا إلى حَدثٍ فَرْدي. تحوَّل من كَوْنه يَوْم تَطْهير إلى يَوْم دَيْنونَة. يُعلّم الحاخامات الآن أنه في يَوْم التَّكفير يُختَم مَصير المُتعبِّد للسّنة القادِمة؛ إما أن يُغفر له ويُكتب إسْمه في سِفْر الحياة، أو لا يُغفَر له ويُحذَف إسمُه. لذلك خلال الأيّام العشرة التي تَسبُق يَوْم كيبور (الذي يبدأ في روش هاشاناه، رأس السّنة اليَهودِيّة) يُعلِّم الحاخامات أيضًا أنه يَجِب على شَعب إسرائيل أن يكونوا تائبين بِشَكلٍ خاص؛ عليهم أن يَتوبوا بِصُدْق عن خَطاياهم. يَجِب أن يكون هذا وَقت رَزانة كبيرة، حتى حَفلات الزَّفاف لا يُمْكِن أن تُقام خلال هذه الفَتْرَة الزَّمَنيّة.

في الأصْل، من ناحية الكِتاب المُقَدَّس،، على الرّغم من أن يَوْم كيبور كان في الأصْل وقتًا مُهيبًا بالفعل، إلا أنه كان يَتمّيَّز بالفَرَح بِسَبب مَعرِفة أنه إذا قام رئيس الكَهَنة بِعَمَلِه فإن جميع خَطايا بني إسرائيل ستُغتفر. تَطوَّرت عادة ما (حتى في عَصْر يسوع) حيث كانت العَذارى اليَهوديّات (الفتَيات غير المُتَزوِّجات في سِنّ الزواج) يَرْتَدين مَلابِس بَيْضاء بالكامِل ويَذْهبْنَ إلى الكُروم حيث يَرْقُصْنَ معًا. كان الرِّجال العُزّاب يَحْضرون أيضًا على أمَل أن يَجِدوا عَروسًا مُسْتقبَليّة.

يأمُر سِفْر اللاوِيّين سِتّة عشر بأن على جميع المُصلّين أن "يَتَعبّدوا" في وقت يَوْم كيبور؛ وهذا يَعْني الصَوْم والامْتِناع عن الأمور المُمْتِعة مثل مُمارسة الجِنْس أو شِرْب الخَمر. كان الغَرَض من ذلك هو أن يتواضَع الناس أمام الله، مُعْترفين بِحاجَتهم إليه كَخالِق الحياة ورازِقها.

كانت الإحْتِفالات تَبدأ بِتَقديم رئيس الكَهَنة ذَبيحَة تَطْهير عن نَفْسِه ثم ذَبيحَة عن الشَّعْب. هذا أمْرٌ مُهِمّ لأنّه (كما قُلْت في البِداية) لم يَكُن كَهْنوت النّاموس كهْنوتًا كامِلاً لأنه كان يَسْتخدِم أشْخاصًا غير كامِلين. حتى رئيس الكَهَنة كان يَحتاج إلى التَّكفير عن الخطايا والتَّطهير وإلا كان سَيُصِبح نَجِسًا جدًا بحيث لا يَسْتطيع أن يؤدّي واجِباته. في هذا اليَوْم، على عَكْس كل الأيّام الأُخرى، كان يَرْتَدي ثِيابًا خاصَّة بَيْضاء بالكامِل. كانت "ثِيابه الذَّهَبية" (كما كانت تَعرِف) التي كانت لِباَسه الكَهْنوتي الأعْلى المُعْتاد عندما يكون في الخِدمة بينما توضَع جانِبًا في هذا اليَوْم الواحَد في السَّنة. كان البَياض يَرْمُز إلى النَّقاء أمام الرَّب.

كان هناك العديد من الذَّبائح التي كانت تُقدَّم في ذلك اليَوْم، ولكن ربما كان أكْثَرها غَرابة وإثارة هو طَقس كِبْش الفِداء. كان يَتمّ اخْتِيار تَيْسَيْن، ومن ثم (بالقُرعة) كان يَتمّ تعيين أحَدهُما ليُذبَح ويقدّم كَقُربان على المَذْبح النُّحاسي، والآخر يُرسَل إلى صَحْراء يَهودا حياً مُحمَّلاً رَمْزيّاً بكل خَطايا ونجاسَة أمَّة بني إسرائيل من السَّنة السّابقة.

كانت الذَبيحَة الكَهْنوتية عِبارة عن ثّور ناضِج يَضع عليه رئيس الكَهَنة يَدَيْه (سيميخاه) ويَنْقل كل ذَنْب وخَطيئة الكَهْنوت (بما في ذلك نَفسه) إلى هذا البديل البَريء.

في وقتٍ لاحِق من اليَوْم كان رئيس الكَهَنة يَدخُل إلى قُدْس الأقْداس حامِلاً إناءً مَمْلوءًا بالدّم، وكان ذلك يَحدُث ثلاث َ.ْ كان بعض الدّم من الثّور، وبعضه من دَم كِبْش الفِداء المَذْبوح. بِخَوف وارْتِعاد شَديدَيْن كان رئيس الكَهَنة يَدخُل من خلال الحِجاب الخارِجي إلى قُدْس الأقْداس. كان الكَهَنة والمُتَعبِّدون يُراقِبون بقلق لأن هذا كان آخر ما سَيُشاهِدونه من رئيس الكَهَنة حتى يعود إلى الظُّهور، أي أن الله قد قَبِل الذَّبائح عن الشَّعْب أو لم يَخرج رئيس الكَهَنة أبدًا؛ أي أنه قد مات، ورَفَض الرَّب الذَّبائح، وسَيَضْطرّْ الشَّعْب الآن إلى العَيْش مع خَطيئتهم حتى العام المُقْبِل في نَفْس الوقت. طوى رئيس الكَهَنة "الباروخيت" (السِّتار) الذي يَفْصل قُدْس الأقْداس عن المكان المُقَدَّس، وهناك أمامَه كان تابوت العَهْد وقد طُوِيَت أجْنِحَة الشاروبيم (الملاك الأهَمّ لدى الرَّب) التي تَرْتفِع من غَطائه، عَرْش الرَّحْمة.

ثم كان رئيس الكَهَنة يأخُذ الدّم من الإناء الذَّهَبي ويَرُشّه على عَرْش الرَّحْمَة وأمام التّابوت مُطَهِّراً المكان. باسْتِخدام إصْبَعَه كان رئيس الكَهَنة يَرُشّ الدّم باتِّجاه التّابوت، مَرَّة إلى أعْلى ثم إلى أسْفل. كان يقوم بهذه الدَوْرة من أعلى وأسفل سبع مرّات بالضَّبْط، حتى أنه كان يَعِدُّ بصَوْتٍ عالٍ أثناء قِيامه بذلك للتَّأكُّد؛ مَرَّة واحدة أكثر من اللاّزِم أو مَرَّة واحدة أقل من اللاّزِم ُفسِدُ الطَّقْس.

على الرّغم من أنه ليس لديّ وَقْت للخَوْض في تفاصيل كثيرة، إلاّ أنه خلال هذا الوقت كان يَتمّ أيضًا تَطْهير الباروخيت (السِّتار) وأثاث المكان المُقَدَّس (الغُرفة الخارجيّة) بالدّم. وهكذا، في نهاية المَطاف، كان قُدس الله (الهَيْكَل) قد تَطهّر مَرَّة أخرى من النَّجاسة وأَصْبَحَ مُناسبًا ليَسكُنه الله.

مع ذلك لم يَكُن للمُتَعبِّدين العاديِّين ولا الكَهَنة العاديِّين امْتياز مُشاهَدة رئيس الكَهَنة وهو يؤدّي مُهِمّته داخل الحُدود المُظْلِمة للهَيْكَل. أما الآن، فقد حان وقت النُّصْف الثاني من طُقوس كِبْش الفِداء، حيث كان رئيس الكَهَنة يَرْبط قماشًا قَرمزيًّا بين قَرْنَيْ التَّيْس ويقدم التَّيْس علنًا للشَّعب، ثم يَضَع يَدَيْه على رأس التَّيْس في فَناء الهَيْكَل باعْتِباره الوَسيط الحالي لبني إسرائيل (وبالتالي يُمَثِّل كل شعب إسرائيل). يَضَع رئيس الكَهَنة كلتا يَدَيْه على كِبْش الفِداء قائلاً "يا يَهوَهْ، لقد ارْتكبوا الإثْم؛ لقد أخْطأوا؛ لقد اْنَتَهكوا… شَعْبك، بيْت بني إسرائيل، وَيْحَكَ يَا يَهوَهْ، اسْتُرْ عَلَى آثَامُهِم وَتَعَدِّيهِمْ وَخَطَايَاهُمْ، الَّتِي ارْتَكَبُوها بِشَرٍّ وَتَعَدَّوْا وَأَثِمُوا وَأَخْطَئُوا أَمَامَكَ…..شَعْبُكَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ مُوسَى، الْعَبْدُ الْقَائِلُ: "لأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْم يُغَطَّى عَنْكُمْ لِتُطَهَّروا مِنْ جَمِيعِ خَطَايَاكُمْ أَمَامَ يَهوَهْ، تطَهَّرون".

ثم كان التَّيْس البَريء المُثْقَل الآن بكل خَطايا بني إسرائيل يُقاد من الباب الشَّرقي، فوق الجِّسر المُقَوَّس، عبْر وادي كيْدَرون إلى جبل الزيتون، ومن هناك يقود شَخص مُعيّن التَّيْس إلى البَرِّيّة الصَّحْراوية التي تَقع إلى الجُنوب من أورشليم. من المُثير للاهْتِمام (على الرّغم من أن الكِتاب المُقَدَّس لا ينصّ على ذلك) أن التَّقْليد قد تَطوَّر إلى أن يكون هناك شَخص مُعَيّن (إن أمْكَنك أن تَتخيَّل) هو الذي يقود التَّيْس إلى البَرِّيّة، إلى مُنْحَدَر صَخْري، وهناك كان يُسْنَد التَّيْس إلى حافَّتِه ويَدْفَعه إلى حَتْفِه ليَضْمَن أن التَّيْس (مع خَطيئة بني إسرائيل عليه) لن يَعود أبداً ليُزْعِج الشَّعْب.

يَجِب علي أن أخْتَتِم ذلك بعد قليل، لذا إسْمَحوا لي أن أُلَخِّص الأمْر. في حين أنني لا أُجادِل َّ في التقاليد التي تَطوّرت حول يَوْم التَّكفير، يُمْكِننا أن نرى فيها رَمْزية جَيِّدة وأُخرى سَيِّئة. لا يوجد في أي مكان أن الكِتاب المُقَدَّس يقول أن كِبْش الفِداء الذي أُطْلِق في َ ْيَجِب أن يُدفع من فوق جرف أو يُقتَل. لا يوجَد في أي مكان يقول فيه الكِتاب المُقَدَّس أن أي شَخْص، ناهيك عن الأُمَمي، كان سَيقود ذلك التَّيْس. لا يوجد في أي مكان يقول فيه الكِتاب المُقَدَّس أن الغَرَض من يَوْم كيبور هو مَعْرِفة ما إذا كان إسْم الشَّخْص يُمْكِن أن يُكتَب، من سَنة إلى أخرى، في سِفْر الحياة الإلَهي (أم لا). وبالتّأكيد لا يوجد في أي مكان يُمْكِن أن يكون يَوْم كيبور أو أي من الأعياد التَّوْراتية يَتمّ بِشَكلٍ صحيح وكامل من دون وجود الهَيْكَل المُقَدَّس والكَهْنوت. لذا فإن قيام أي شَخْص اليَوْم بالحُكْم على شَخص آخر بشأن كَيْفيَّة احْتِفاله بالأعياد التَّوراتية واتِّهام الآخَرين بِعَدَم الالْتِزام بالتَّوْراة بِشَكلٍ صَحيح في هذا الشأن، هو أمْر مُخادِع.

هذا لا يَعْني أنه لا يَنْبَغي لنا أن نَفْعل ما نَسْتطيع، خارِج ما أمَرَ به الهَيْكَل وكهنوت الهَيْكَل بِشَكلٍ فَريد، لنَحْتفِل بأوقات الله المُحَدَّدة. إنني أرى أكثر من أي وقت مَضى في حياتي أن المَسيحيَّة قد تَخلَّت عن أوْقات الله المُعَيَّنة وعلينا أن نكون مِمَّن يَفْعلون ما في وِسْعِهم لإعادة الشَّعائر.

من المُثير للقَلَق الشَّديد أن نَعرف أنه خلال الخَمْسمائة سنة الأخيرة تَقريبًا من وُجود الهَيْكَل، حتى في ذلك الوقت لم تَكُن طُقوس يَوْم التَّكفير تُقام بِشَكلٍ صَحيح. كَيْف يُمْكِنني مَعْرفة ذلك على وَجْه اليقين؟ لأن تابوت العَهْد كان مَفْقودًا منذ السَّبي البابِلي. كان رئيس الكَهَنة، في يَوْم التَّكفير،يَدخُل في الواقِع إلى قُدْس الأقْداس الذي كان فارِغًا؛ لا تابوت ولا عَرْش رَحْمَة ولا حُضور لله. من المُسَجَّل جَيِّدًا أن رَئيس الكَهَنة، خلال تلك القُرون الخَمْسة الأخيرة التي كان الهَيْكَل قائمًا فيها، كان يَرُشّ الدّم على الأرض في المكان الفارِغ الذي كان يوضَع فيه تابوت العَهْد. لا يُمْكِنني أن أسْتَخلِص اسْتِنْتاجًا آخر غير أنها لم تُغَطّى آثام شَعب إسرائيل كَجَماعة لمُدَّة خمسة قرون. لقد أُتيحَت لهم الفُرْصة عندما جاء يسوع، لكن الجميع رَفَضوها باسْتِثْناء حَفْنَة مِنهُم.

لكِن إليكم بعض الأخبار السَّاّرة: رئيس الكَهَنة غير الكامِل والكَهْنوت والمُقَدَّسات والذَّبائح البَشَرية قد تحوَّلوا وتَحقَّقوا على يَدْ من هو كامِل. لقد تم أخيرًا اتباع النّاموس الكامِل تمامًا. يسوع المسيح هو الوَسيط الكامِل؛ إنه رئيس الكَهَنة الذي لا خَطيئة له والذي لم يَكُن عليه أن يُكفّر عن خطاياه أبدًا؛ إنه الذَبيحَة البَريئة المِثاليّة التي يُمْكِنها أن تكفّر عن كل خطيئة وكل الخَطايا؛ ذَبيحَته كامِلة وكامِلة لِدَرجة أنه كان يَجِب أن تَحدُث مَرَّة واحدة فقط، وليس مِرارًا وتِكْرارًا.

لكن كما تَطلَّبَت طُقوس ذَبيحَة كِبْش الفِداء تقديم تَيْسَيْن وذَبْح أحَدهُما وإطْلاق الآخر، هَكذا أنْجَزَ يسوع بَعْضًا من غَرَض يَوْم كيبور عند مَجيئه وسَيُنجِز الباقي في مَجيئه الثاني في المُسْتقْبَل. لقد أَصْبَحَ التَّيْس الذَّبيح الذي كَفّر في مَرَّة واحدة والى الأبَد عن جميع مُتَعبِّديه قبل ألفَي سنة. لكن بني إسرائيل كُلَهم لم يُخَلَّصوا بَعْد، وكما أخْبَرَنا يسوع مُباشَرة، وكما شَرَحَهُ بولس في رومية إحدى عشرة، كانت أوْلَوِيَّة يسوع هي بني إسرائيل. في عَوْدتِه القريبة سَيُخلِّص بني إسرائيل من أعدائها الدُّنْيَويِّين والرّوحيّين ويَجْلِبهم إلى السَّلام مع الله.

ليس لديّ أي شَكّ في أن الأعياد السَّبْعة المَذْكورة في الكِتاب المُقَدَّس تُشير بالكامِل إلى عَمَل المسيح الإفْتِدائي. كما لا يُساِوُرني شكّ في أنها سَتَحدُث في المَواسِم التي رُسِمَت لِتَحدُث فيها. لقد تَمَّت أعياد الرَّبيع والصَّيْف (الأعياد الأربعة الأولى) بالفِعْل. نَنْتظِر تَحْقيق أعياد الخَريف الثَّلاثة: روش هاشانا (رأس السنة اليَهودِيّة ) ويَوْم كيبور (يَوْم التَّكفير) وسوكوت (عيد المَظال او العَرْش).

لِنَنْتَقِل إلى سِفْر اللاوِيّين الإصْحاح السّابِع عشر

سِفْر الاويين سبعة عشر

سَيُجيب الإصْحاح السّابِع عشر من سِفْر اللاوِيّين على العَديد من الأسْئلة، وسَيُمَهِّد الطّريق للكثير مما سيَحدُث في بَقِيَّة الكِتاب المُقَدَّس بأكْمَلِه. سَيَكون لدَينا العديد من المَفاهيم التأسيسِيَّة التي سيَتمّ تَقْديمها في الإصْحاح السّابِع عشر، وآمل أن تُولوني كل انْتِباهكم لأن ما سَتَحِصلون عليه من ذلك سَيُساعِدكم كثيرًا في دِراسَتكم العامّة للكِتاب المُقَدَّس.

يُشكِّل هذا الإصْحاح، بالإضافة إلى الإصْحاحات التِّسعة التالية، ما يُسمّيه العُلَماء الآن "قانون القداسة"، والفِكرة العامة هي أن أُمّة إسرائيل بأكْمَلِها تتحمَّل مَسؤوليّة الاسْتِجابة لله الذي فَصَلَهُم وبارَكَهم عِنوَةً عن جميع الناس الآخَرين على الأرْض؛ وكانت الاسْتِجابة المُتَوَقَّعة هي أن يَسْلِكوا حَياتهم بِطَريقَة مُقَدَّسة. في الإصْحاح التاسِع عَشَر الآية اثْنَيْن نَجِد هذا النّصح لأمَّة إسرائيل: "كُونُوا أَنْتُمْ قِدِّيسِين لأَنِّي أَنَا يَهوَهْ إِلَهُكُمْ قُدُّوسٌ".

بينما يُمْكِننا القَوْل أن مُعْظَم سِفْر اللاوِيّين حتى هذه النّقطة كان مُوَجَّهًا في المَقام الأوَّل إلى الكَهْنوت الذي تأسَّس حَديثًا، إلا أن هذه الإصْحاحات مُوَجَّهة إلى كل مُسْتَوى من مُسْتويات المُجتَمَع الإسرائيلي العادي حتى إلى الأجانِب، غير الإسْرائيليّين، الذين يَعيشون بَيْنَهُم. هذا أمْر يَجِب أن نُلاحِظه نحن كَمَسيحيّين لأنَّه كما رأيْنا في الإصْحاح السَّاِبق المُتَعَلِّق بِيَوْم التَّكفير، لم يَكُن فقط أحْفاد يَعْقوب من نَسْل يَعْقوب الجَسَدِيّين الَّذين وَجَدوا أنْفُسهم تحت مُتَطلِّبات وبَرَكات ولَعْنات شَريعة موسى، بل حتى أولئك الذين كانوا يَعيشون بين بني إسرائيل. لِنَكُن واضِحين بِشأن من نَتَحَّدث عنهم هنا.

بما أن الإطار الزَّمَني لسِفْر اللاوِيّين هو حوالي عام واحد فقط بعد مُغادرة مصر، فكَيْف كان لَدَيْهم أجانب يَعيشون مَعَهُم بالفِعل؟ أعني، هل جاذِبيَّة العَيْش في الصَّحْراء في الخِيام، وتناول المَنّ ثلاث وَجْبات في اليَوْم، وعدَم وُجود فِكرة بالضَّبْط عن كَيْفيَّة سَيْر الأمور في الصَّحْراء قد طَغَت بِبَساطة على أولئك الّذين سَمِعوا عن كل ذلك فَجاؤوا أفْواجًا للإسْتِفادة؟ بالكاد. إذا كنتَ تَتَذكَّر في خروج إثني عشر على ثمانية وثلاثين، قيل لنا أن "جَمْعًا مُخْتلطًا" من الناس ساروا مع بني إسرائيل خارِج مصر. الآن ليس لديّ أي فِكرة عن عدد "الجُموع"، لكن الكَلِمَة نَفسها تُشير إلى أنه كان عددًا كبيرًا؛ وَنَتيجَة لذلك، نَجِد أن العديد من قوانين الله وأوامِره تُخاطِب على وَجْه التَّحْديد هؤلاء الأجانِب من مصر الّذين، على مُسْتوى أو آخر، انْضَمّوا إلى بني إسرائيل.

لم يُصبِح جميع هؤلاء الأجانِب من بني إسرائيل رَسْميًّا. كان لدى بَعضهم أسْباب أخرى للانْضِمام إلى حَشْد موسى أكثر من مُجَرَّد أن يُصبِحوا إسْرائيليّين وأظُنّ أن جِزْءا كبيرًا مِنهم يُمَثِّلون تزاوُجًا بين العائلات المَصْريَّة والعائلات العِبْرانيّة. بعد كل شيء قيل لنا في الكِتاب المُقَدَّس أنه بينما كان الجِزْء الأكبَر من بني إسرائيل يَعيشون في أرض جوشن في مصر، انْتَقَل عَدد كبير من العِبرانيّين إلى مَناطق أخرى من مصر، وبما أن فَتْرَة إقامَتهم في مصر كانت طويلة جدًا (4 قرون)، فمِن السَّهل إلى حدّ ما أن نَتَخيَّل انْدِماج عدد كبير من نَسْل يَعْقوب في المُجتَمَع المَصري التَّقْليدي.

لقد قرَّرَت شعوب وقبائل أخرى، بما في ذلك المَصْريِّين، وعلى الأرْجَح العديد من السّاميِّين (أي أولئك الذين ينْحَدِرون من نَسْل ابن نوح بن شام) ولكن من غير العِبْرانيّين من شعوب وقَبائل، الذين شَهِدوا شَخْصيًّا على غَضَب إله إسرائيل الرَّهيب وقُوَّته ونَجوا منه، قَرّروا أنهم يُريدون التَّمَتُّع بِمَزايا أن يكونوا جِزْءا من مَجْموعة تَمْتَلِك سُلْطة على الطَّقْس، والمَمْلَكة الحَيوانية ونهر النيل وحتى المَوْت. لذلك عندما نَتَصوَّر ما كانت تتألَّف منه هذه المَجموعة الهائلة من اللّاجِئين في البَرِّيّة، علينا أن نَضُمّ في هذا التَّكوين عددًا كبيرًا من غير العِبْرانيّين (الأجانِب).

هذه الحقيقة لها تَرجمة مُباشَرة إلى يَوْمنا هذا. لقد أوْضَحْت هذا المبدأ مِرارًا وتِكرارًا ولن أتوقَّف عن ذلك أبدًا إلى أن تَفهَم الكنيسة كلها: ما مَكّننا نحن الأُمَمِيّين الجَسَدِيّين من أن نُخَلَّص هو أننا نَسْتَفيد من عُهود الله مع بني إسرائيل. وكَيْف نَسْتَحِقّ هذه المَنْفَعة التي ليست لنا بالوِلادة؟ بأن نُطعَّم في إسرائيل. هل هذا عَمل مُنْفَصِل عن قبول يَهوَهْ، يسوع المسيح، ربًّا ومخلّصًا لنا؟ لا، إنه يَحدُث (على الرّغم من أننا لا نُدرِك ذلك) عندما نُصْبِح مَفْديِّين. عندما يُفتَدى الأُمَمِيُّون يَرْتبِطون ببني إسرائيل (أو بِشَكلٍ أكثر دِقّة، بِعُهود بني إسرائيل). نحن لا نَتحوَّل جَسَديًّا إلى يَهود عُرْقيّين؛ بل نَرْتبِط بإسرائيل على المُستوى الرّوحي بنفس الطّريقة التي نَرْتبِط بها مع يسوع. نحن لسْنا مُرْتبطين بالمسيح جَسَديًّا، أليس كذلك؟ بل بالنَّفْس، أو بالأحْرى بالرّوح، أننا مُرْتبطون به. فكَما أن أولئك الأجانِب (ذلك الجَمْع المُخْتَلَط من غير العِبرانيّين، غير اليهود) الذين التَحقوا بِبَني إسرائيل عندما خَرَجوا من مصر اسْتَفادوا وبارَكَهم إله إسرائيل إلى جانِب أصدِقائهم العِبرانيّين، هكذا هو الحال مع المؤمِنين الأُمَمِيّين اليَوْم. سَتَجِد في التوراة أنه ليس المَطلوب من هؤلاء الأجانِب أن يَنْضمّوا إلى بني إسرائيل من خلال التَّخَلّي عن كل تقاليدِهم وعاداتِهم وتَبَنّي الثقافة العِبرية، بل كان عليهم أن يَخْضعوا لإله العِبْرانيّين ولِسُلطة بني إسرائيل. لم يَكُن عليهم أن يقولوا: حسنًا، لقد كنا أدومِيّين ولكننا اليَوْم نَتَخلّى عن تُراثنا بالكامِل ونُصبِح عِبرانيّين.

هذا مَبْدأ مُهِمّ لِلْغاية يَجِب أن نَتَشَرَّبه، لأنه إذا لم يَكُن هذا هو الحال…. إذا لم يَكُن المؤمِنون الأُمَمِيُّون مُطَعَّمين ببني إسرائيل وعُهودهم مع الله……، فإن التوراة والعَهْد القديم غير مُهِمّين وغير ذي صِلة بالمَوْضوع بالنِّسْبة للمؤمنين المَوْلودين من جديد. لكنني سأذْهب أيضًا إلى حدّ القَوْل بأن العَهْد الجديد يُصْبِح غير ذي صِلة أيضًا لأن موضوع العَهْد الجديد بأكْمَله ما هو إلا تَحْقيق لِنُبوءات العَهْد القديم المُتَعَلِّقة بالمسيح القادِم.

افْتَحوا أناجيلَكم على رومية إحدى عشر على ثلاثة عشر. القديس بولس يتحدَّث إلى الأُمَمِيّين. كَيْف أعْرِف أنه يتحدَّث إلى الأُمَمِيّين؟ لأنه يقول ذلك.

اقرأوا رومية إحدى عشر على ثلاثة عشر الى واحد وثلاثين

يقول بولس أننا مُطَعَّمون ببني إسرائيل وعُهود بني إسرائيل. أن تكون جِزْءا من بني إسرائيل هو بِحِكْم التَّعْريف أن تكون جِزْءا من عُهودِهم. لا يُمْكِنك أن تكون جِزْءا من بني إسرائيل بِمَعزَل عن العهود لأن ما يجعل بني إسرائيل بني إسرائيل هي العُهود مع يَهوَهْ. لذا فإن ما نَقرأه في التوراة له أهَمِّيّة كبيرة لكل من يدّعي أنه تِلميذ يسوع المسيح.

في هذه الحالة، أعْتَقِد أيضًا أننا نَستطيع، بِطَريقَة ما، أن نَجْعل التوراة حَيّة في حَياتنا أكثر قليلاً… نَجْعَلها أكثر شَخْصِيَّة وواقِعيَّة إذا كنا نَسْتطيع أن نُدْخِل أنْفُسنا في دور أولئك الغُرَباء الذين تَرَكوا مصر وكانوا يَعيشون الآن في خِيامِهِم إلى جانِب بني إسرائيل. بل أكثر من ذلك، وَنَتيجَة لِمَوْقعنا في المسيح، نحن أولئك الأجانب الذين هم مُواطنون كامِلو المُواطنة في إسرائيل. لسْنا مُطالَبين بالتَّخلّي عن كَوْنِنا أُمَميّون. لسْنا مُطالبين بأن نُصْبِح يهودًا عُرقيًّا أو جَسَديًّا أو قوميًّا أو دينيًّا ولكن مَطْلوب مِنّا أن نَعيش ضُمن شُروط عُهودهم. لأنه في عُهودهم فقط يوجَد أساس التَّكفير التي يُقَدِّمه المسيح لكل من يثِق به.

اقرأ الإصْحاح السابع عشر من سِفْر اللاوِيّين بأكْمله

كما نرى في الآية الثانية، فإن ما سَيأتي بعد ذلك مُوَجّه إلى كلّ بني إسرائيل….. كل مُسْتوى من المُجتَمَع الإسرائيلي. وفي الآية الثالثة نَجِد هذه التَّعْليمات الأساسيَّة… إسْمَحوا لي أن أعيد صِياغة الأمْر: لا يجوز ذَبْح أي كائنات حيَّة أليفة (حيوانات) طُقوسيًّا خارِج فناء خَيْمة الإجتماع. بِعِبارة أخرى، هذه القاعدة تَتَعلَّق بالحيوانات الأليفة… وليس الحيوانات البَرِّيّة……… وإذا لاحَظْتُم أن الحيوانات المَذْكورة هي الحيوانات الطّاهِرة….الحيوانات التي يُمْكِن اسْتِخْدامها للتَّضْحية وللأكل. عندما يَتَعلَّق الأمْر بِمَوْضوع اللّحوم، فإن الذَّبائح المُقدَّمة لله واللّحوم المُسْتَخْدّمة للطّعام تَخْضع لِنَفس القُيود. لا تَسْتَهينوا بما قَرَأناه للتَّوْ هنا لأنه ليس فقط تَعْليمات تَتَعلَّق بالقَداسة، بل له تأثير اجْتِماعي هائل؛ لأن جميع الحيوانات الأليفة التي ستُسْتَخْدَم كمَصْدَر للّحوم يَجِب أن تُقدَّم أولاً كذَبيحَة (سَيَتغيَّر هذا عند دُخول أرْض الميعاد). يَجِب ذَبْحُها حَسَب الطُقوس وتَقْديمُها إلى الله بالطَّريقة الدَّقيقة التي تُقدَّم بها كل ذَبيحَة من الذَّبائح اللّاويّة المُحَدَّدة بِعِناية. هذا يَعْني أنه بالنِّسْبة للإسرائيلي العادي أو الأجْنَبي الذي يَعيش بَيْنَهُم كان اللّحم أمْرًا نادرًا وكان بإمْكانهم فقط الاحْتِفاظ بجِزْء من كل حيوان تم ذَبْحُه؛ أمّا الباقي فكان يُحْرَق على المَذْبح، وفي بعض الحالات كان ما لم يُحرَق يُعطََ للْكَهَنة كَنَصييِهم. لم يَجْعل هذا الأمْر أكْل اللّحم مُكْلِفًا فَحَسْب، بل جَعَلَه أمْراً مُزْعِجاً لِلْغاية، لأنه في كل مَرَّة كانت عائلة تُريد اللّحم، كان عَلَيْهم أن يأخُذوا الحيوان إلى خَيْمة الاجتماع ويَنْتَظِروا دَورَهم في طابور طويل جِدًا، لِيَقوم كاهِن بإقامة الطُقوس وذبْح الحيوان. علاوة على ذلك، كان يَجِب أن يَكون الحَيَوان حيوانًا لا تَشوبَه شائبة، من أفْضَل الحيوانات، حتى يكون مُؤَهَّلاً.

الآن على الرّغم من أن سِفْر اللاوِيّين سبعة عشر قَصير، إلا أنه مَليء بالأشْياء التي نَحْتاج حقًا أن نَنْتَبِه إليها بِعِناية، لأنه سَيَشْرح الكثير مما كان عليه المُجتَمَع الإسْرائيلي في ذلك الوَقت؛ وسَيَشْرَح أيضًا العديد من القَضايا التي تم تَناوُلها في العَهْد الجديد. بالإضافة إلى حَقيقة أن الحيوانات الأليفة كان يَجِب أن تُذبَح في أي ظَرْف من الظُّروف في خَيْمة الاجتماع وتُقَدّم أوَّلاً للذَبيحَة، نَرى أيضاً ما يَحدُث كَعقوبة لبني إسرائيل الذين يَعْصون وَصِيَّة الله هذه؛ أن الإنسان يُفْصَل من بين شَعْب الله.

ُلاحِظوا في الآية الثالثة أنها تَنُصّ على أنه لا يُمْكِن لِلْمَرْء أن يَتَحايَل على حُكْم الذَّبْح هذا بِمُجَرَّد نَقْل الحيوان إلى خارج المُخَيَّم لِقَتْلِه. لا يَتَعلَّق الأمْر فقط بالحِفاظ على حالة الطَّهارة داخل بني إسرائيل، بل أكثر من ذلك، فإن مُسْتَوى خُطورة هذا العُصْيان في نَظَر الله مُفَصَّل في الآية الرابعة. هناك تَنُصّ على أن "الدّم" أو "(إثْم الدّم") يُنسَب إلى الإنسان الذي يقوم بِذَبْح حيوان للطَّعام فقط. فماذا يَعْني ذلك؟ الدّم أو إثم الدّم؟ هذا يَعْني أن الجُرْم يُعادِل القَتْل. مُدْهِش! سَنَعود إلى ذلك بعد دَقيقة ولكن الآن دَعونا نَنْظُر إلى مُصْطَلَح "الفَصْل" ونَرى ماذا كان يَعْني في الكِتاب المُقَدَّس.

يَعْني الفَصْل أنه من المَفْهوم أن الشَّخْص قد تمرَّد على الله، وَنَتيجَة لذلك سَتِحّل دَيْنونَة الله على هذا الشَّخْص. مع ذلك، سَنَجِد كَلِمَة "فَصْل" مُسْتَخْدّمة في العديد من السِّياقات والمَوَاقف المُخْتَلِفة في الكِتاب المُقَدَّس، ولِكُلّ منها فارِق بَسيط مُختَلِف قليلاً. من ناحِية أن "الفَصْل" لمُخالفَة أحد أوامِر الله لا يَحدُث بالضَّرورة على الفَوْر، إنه يَعْني بِبَساطة أن شيئًا ما سيَحدُث لك، في الوقت المُناسِب، كجِزْء من عدالة الله بِسَبَب فِعْل التمرّد الذي ارْتَكَبْته؛ لذلك أنت تُقْضي وقتاً طويلاً تُفكِّر بهذه الجُمْلة التي تُقْلِقُك، غالبًا لسَنَوات وسَنَوات. أنت تَعرِف أنه قادِم…..أمْرٌ سّيِّء…….ولكنك لا تَعرِف ما هو، ولا تَعرِف متى ولا تَعرِف كَيْف. سوف يكون في تَوْقيت الله بِطَريقَة الله.

لا يَتَضمَّن العِقاب بالضَّرورة المَوْت الجَسَدي لِمُرْتكِب الجَريمة……أو على الأقَلّ مَوْته الفَوْري. غالبًا ما كانت كَلِمَة "فَصْل" في العَهْد القديم تعني أن الشَّخْص لن يَعيش فَتْرَة حَياته الطَّبيعيّة. وبما أنه لم يَكُن هناك مَفْهوم للمَوْت والذِّهاب إلى السَّماء في تلك الأيّام (في الواقِع كانت المَزامير ومُعْظَم مُناقشات العَهْد القديم حول هذه المَسْألة تَتحدَّث بِبَساطة عن النُّزول إلى "شيول"، القَبْر، كَنِهاية طَبيعيَّة لِوُجود الإنْسان)، ما كان يَتَطَلَّع إليه بنو إسرائيل هو المَوْت في سِنّ الشَّيْخوخة. أن تَكون "مَفْصولاً" يَعْني عُمومًا أن حَياتك سَتَنْقَطِع. كان هذا الجانِب الخاصّ من الفَصْل مَوْصوفًا باطّراد للأشْرار.

يُمْكِن أن يأخُذ "الفَصْل" في بعض الأحْيان شَكْل الطَّرْد من مُجْتَمَع بني إسرائيل….. في المُصْطَلَحات الدِّينِيَّة الحَديثة، الحَرَمان الكَنَسي؛ وفي بعض الأحْيان يَبْدو أنه يَحْمل أيضًا مَعْنى الإنْفِصال الدائم عن أسْلافك. الآن ما كان يَعْنيه ذلك بالنِّسْبة لهم عندما كانت الحياة الآُخْرَة أمرًا ضَبابيًّا وغير مُحَدَّد المَعالِم في البداية، من الصَّعْب أن نرى ونُحَدّد بالَّضبط ما هو. لكن مَهما كان مَعْناه لم يَكُن أمْراً جَيِّدًا، هذا أمْر مُؤكَّد.

في الأدَب الحاخامي، الكَلِمَة العِبرية التي تَعني "فَصْل" هي "كاريت". وكاريت تَحمُل في طيَّاتِها مَفْهوم "المَوت المُبْكِر"، لذلك كان يُنظَر إلى ذلك أولاً وقبل كل شيء على أنه عِقاب إلهي والعِقاب لا يَنْتهي بالضَّرورة بِمَوْت المُخالِف، ولا حتى يؤثِّر عليه مُباشَرة، بل يُمْكِن أن يَنْتقِل إلى نَسْله (كأن يموت أحد أبنائه). لذا فالفِكْرة التي سَمِعنا عنها جَميعًا في الكِتاب المُقَدَّس والتي بِموجَبها تَحلّ خطايا الأبْ على الجيل الثالِث وحتى الرابِع ما هي إلا امْتِداد ومِثال على الكاريت في العَمَل. يُمْكِن أن تَعني "كاريت" (الفَصْل) أن سُلالة العائلة قد تَصِل إلى نِهاية كامِلة……….. ربما عِقاب أسْوأ من المَوت….حيث كان هناك هذا المَفْهوم أنه بِطَريقَة حَقيقيَّة لِلْغاية يَسْتمِر جَوْهَرك (روحُك) في العَيْش في ذُرِّيّتك. لذلك إذا لم يَكُن لديك نَسْل لم يَكُن لديك أمل في الحياة الآخرة.

دَعونا نَسْتَطْرِد لِلَحظة ونَتحدَّث عن جَريمة "الدّم" أو "إثم الدّم". في العِبرية العِبارة هي "شفاخ دم ….. شفاخ"، أي سَفْك ….. الدّم. لذا فإن جَريمة "الدّم" تعني حَرفيّاً سَفْك الدّم وهي تدور هنا في سِفْر اللاوِيّين حول قَتْل الحيوانات الأليفة بِشَكلٍ غير لائق وغير مَسْموح به، وعادةً ما تكون مُرادِفًا للقَتْل، أي القَتْل غير المُبرَّر لإنْسان.

بالعَودة إلى سِفْر التَّكوين تِسعة نَجِد أن نوحًا (نوح) قد أُعطِيَ الموافقة على قَتْل المَخلوقات الحَيَّة من أجل الطَّعام (وهي سابِقة تَوراتيّة). دَعونا نُلْقي نَظرة خاطِفة على هذه الآية لأنها تُجيب على وَجه التَّحْديد على بَعض الأسْئلة التي غالِبًا ما يُفترَض أنها لا تُجيب عليها، ولكن رُبَّما لم يَذْكُرها الكِتاب المُقَدَّس إلا تَلْميحًا.

الكِتاب المُقَدَّس الأمريكي القياسي الجديد سِفْر التَّكوين تِسعة على واحد: وَبَارَكَ اللهُ نُوحًا وَبَنِيه وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ. إثنان: وَلْتَكُن خَشْيَتُكُمْ وَرَهْبَتُكُمْ عَلَى كُلِّ حَيَوَانَاتِ الأَرْضِ وَكُلِّ طُيُور السَّماء، مَعَ كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ، وَكُلِّ أَسْمَاك الْبَحْرِ. قَدْ دُفِعَتْ إِلَى أَيْدِيكُمْ. ثلاثة: كُلُّ دَابَّةٍ حَيَّة تَكُونُ لَكُمْ طَعَامًا. كَالْعُشْب الأَخْضَر دَفَعْتُ إِلَيْكُمُ الْجَمِيع. أربعة: غَيْرَ أَنَّ لَحْمًا بِحَياته، دَمِه، لاَ تَأْكُلُوه. خمسة: وَأَطْلُبُ أَنَا دَمَكُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَقَطْ. مِنْ يَد كُلِّ حَيَوَانٍ أَطْلُبُهُ. وَمِنْ يَدِ الإِنْسَان أَطْلُبُ نَفْسَ الإِنْسَان، مِنْ يَدِ الإِنْسَان أَخِيه. سِتّة: سَافِكُ دَم الإِنْسَان بِالإِنْسَان يُسْفَكُ دَمُه. لأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِه يعَمِل الإِنْسَانَ.

إذَن، لماذا سَتخاف حيوانات الأرض من الإنسان؟ لأنها احْتاجت إلى الخَوف الغَريزي من الإنسان للْحِفاظ على نَوعها. من الواضِح أن الحيوانات قبل الطَّوَفان لم يَكُن لَدَيْها خَوف من الإنسان أو القليل من الخَوف. كتعليق، يُفسِّر ذلك لماذا لم يَكُن على نوح أن يكون شَخصاً يَحثّ الآخرين على إتْباعه أو تَقليده لِيَجعل كل تلك الحيوانات تَدْخل الى سَفينته…… قليل من الحيوانات، إن وُجِدت، كان لَدَيْها أي خَوف من الإنسان. لم يَضَع الله هذا الخَوف الغَريزي فيها عندما خَلَقها. على كُل حال، ولِأَول مَرَّة في تاريخ العالَم، بعد الطَّوَفان، أَعْطى يَهوَهْ الإذْن للإنسان بِأكْل المَخلوقات الحَيَّة الأخرى…….وهذا يَعْني، بالطبع، أن الإنسان الآن لَدَيْه تَرْخيص بِقَتْل المَخلوقات الحيَّة الأخرى…… بينما لم يَكُن لَدَيْه تَرْخيص من قَبْل. حتى الآن، كما يوضِح سِفْر التَّكوين تِسعة على ثلاثة، كانت النَّباتات الخَضْراء هي مَصْدَر الغِذاء الرَّسمي للإنسان. بِقَدر ما يُحْزنني التَّفكير في الأمر، يبدو أن الإنسان خُلق ليَكون نباتيًا.

الآن، أمْر آخر. تقول الآية الخامِسة من سِفْر التَّكوين تِسعة أن "مِنْ كُلِّ حَيَوَان أَطْلُبُه"… أي أن الله سَيَطلب حياة ذلك الحيوان لقَتْل حياة أُخرى فيها دَم. نرى أيضًا أنه من الواضِح أن الحيوانات كانت نَباتيَّة أيضًا حتى الطَّوَفان العظيم، كالبَشَر. إذًا لم يَضع الله تَعويذة على الحيوانات التي كانت مَحْبوسة في السَّفينة طوال تلك الشّهور (بِحَيث لم تَكُن تريد أن تَقتُلل وتأكل نوحًا أو عائلته أو حتى بَعضها البَعض)؛ لم يَكُن لَدَيْها غَريزة لِفِعل ذلك ويَبدو أنها لم تَكُن تَتذوَّق اللّحم.

إسْمَحوا لي أن أكون واضِحًا جدًا هنا؛ يَبدو الجَدْوَل الزَّمَني للأطْعِمة التي يُمْكِن تناوُلها على هذا النَّحو: بِدءًا من آدم وحواء وحتى نوح والطَّوَفان العظيم، لم يَكُن من المُقرَّر قَتْل الحيوانات من أجل الطّعام. لكن الحيوانات (من المُفْترَض أن تكون حيوانات أليفة نَظيفة) كانت تُقتَل للذَّبائح، ويبدو من المَعقول أن جُلود تلك الحيوانات كانت تُستَخدَم لبعض الوقت كمَلابس وربما للخِيام ولِحُفظ السَّوائل. حتى الطَّوَفان كان من المُفْترَض أن يكون الرِّجال نَباتيّين. هل عَصى بعض الرِّجال….. ورُبما الكثير منهم …… هذه التَّعْليمات؟ على الأرْجَح.

بعد الطَّوَفان، أَعْطى الله لِنوح وعائلَته (الناس الوَحيدون الَّذين بَقوا على الأرض) تَعْليمات بأنه يُمْكِنهم قَتْل الحيوانات وأكْل الّلحوم. لماذا؟ لا أعْرِف والكِتاب المُقَدَّس لا يقول ذلك. من المُثير للإهْتِمام أن مَجموعة الحيوانات التي كان بإمْكانِهم أكْلِها تَبدو بِدون قيود. بِعِبارة أخرى، لم يَكُن هناك أي ذِكْر للطّاهر والنَّجِس فيما يَتَعلَّق باخْتيار الحيوانات للطَّعام ولكن ربما كان من المَفْهوم أنه كان على الإنسان أن يأكُل فقط تلك الأمور التي تَصلح للذّبائح، ومن المؤكَّد أن الله قد صَنَّف الحيوانات المُعَدَّة للذّبائح إلى طاهِر ونَجِس. لكنَّني لا أجِد ما يُشير إلى أن الإنسان كان لَدَيْه أي قُيود على اللّحوم كَطَعام.

لذلك يَبدو أنه كان بإمكان الإنْسان أن يأكُل أي كائن حيّ، بِدءًا من بعد الطَّوَفان العظيم مُباشَرة، وكان ذلك ساري المَفعول حتى أَعْطى الله لِموسى التَوْراة على جبل سيناء ……. حوالي ألف ومِئتي سنة أو أكثر بعد الطَّوَفان العظيم. ثم أَعْطى الله على جبل سيناء تَعْليمات صَريحة بشأن أكل المَخلوقات الحيَّة وقَسمها إلى أطْعِمة طاهِرة (مَقْبولة) وأطْعِمة نَجِسة (غير مَقبولة) لِلبَشَر.

دَعونا نَتَوَقَّف هنا وسنَتناول مَسألة الدّم مَرَّة أخرى في المَرَّة القادِمة.