سِفْر اللاويّين
الدَّرْس واحد وعشرين – الإصْحاح أربعة عشرة
لقد قضَيْنا الفصل الثالث عشر مع يَهوَه، من خِلال موسى، يُعلّمنا كيفية التعرُّف على "تزارآت" (الجُذام) بأشكاله العديدة؛ حتى الجُذام على المَلابس والأشياء المَصنوعة من الجلد. لقد كان من واجب الكاهِن دائمًا أن يُصدر مثل هذا الحكْم… لا يُمْكِن لأي إسرائيلي عادي إلا أن يلتزِم بِقرار ذلك الكاهِن. دَعونا نتذكَّر أن الكاهِن لَمْ يَكُن معالجًا ولا طبيبًا يقوم بتشخيص طبّي؛ بل كان تشخيصًا روحيًا. لم يُنظر إلى الجُذام على أنه مرض بيولوجي… لقد كان بلاءً إلهيًا ناتجًا عن حالة روحية غير مقبولة (غير مقبولة لدى يَهوَه)… لقد كان عقابًا. لذا، في الأساس، كان على الكاهِن أن يستخْدِم وسيلة ملموسة ومَرئية لتحديد الحالة الرّوحيَّة الداخلية وغير المرئية للشخص. بطبيعة الحال، تم تعريف هذه القشور والقروح المرئية بعِناية إلى فئات من الطاهِر وغير الطاهِر وفقًا لمِعيار الله. لم تكُن كل أمراض الجلد "جُذاماً"… فقط تلك المذكورة في سِفْر اللاويّين ثلاثة عشرة… وكانت فقط تلك الأمراض الجِّلْديّة المعيّنة هي التي اعْتُبِرت أنها تُشير إلى أن "الميِّتزورا"، أي الشَّخْص المُصاب بالجُذام، بأنه كان نَجِسا طقسيًا… في العبَرِّية، "تامي".
الآن، في الإصْحاح الرابع عشر، يتم تقديم طقوس التَّطْهير من النجاسة، وبقدر ما كان سِفْر اللاويّين ثلاثة عشرة ممِلًّاً بكل تفاصيله الدقيقة المُتعَلّقة بالجُذام، فإن الإصْحاح الرابع عشر رائع تمامًا حيث يكشف يَهوَه عن أصل إجراءات التَّطْهير الطَّقْسيّة هذه والغرض منها. يسرد الإصْحاح الرابع عشر الإجراءات التي من خلالها يصبح المُصاب بالجُذام طاهِرا، وبعد طقوس إضافية يصبح مقبولاً لدى يَهوَه مرة أخرى….. أي أن الشَّخْص يُعاد تطهيره، يُعاد تقديسه.
لكن الإصْحاح الرابع عشر يتحدّث أيضًا عن نوع آخر من الجُذام؛ الجُذام على البَيْت. لذا، من أجل أن نجْعل دراستنا أكثر تماسُكًا، سنقسُم سِفْر اللاويّين أربعة عشرة إلى قسمَيْن؛ الآيات من واحد الى إثنين وثلاثين، التي تتناول طقوس تطهير الجُذام…. أي الشَّخْص الذي أصْبَح نَجِسا بِسَبَب إصابته بالجُذام….. ثم الآيات من ثلاثة وثلاثين الى ثلاثة وخمسين، التي تقدِّم لنا النوع الأخير من الجُذام الذي نوقِش في سِفْر اللاويّين، أي ذلك الذي يُمْكِن أن يُصيب بيتًا. لاحظ عندما نصل إلى ذلك القسم أن مسألة الجُذام الذي يصيب بيتًا لا تسري إلا بعد دخول بني إسرائيل الى أرض الميعاد، كنعان، وذلك على الأقل جزئيًا لأن البَيْت المَعني يَجِب أن يكون بيتًا من الحَجَر و/أو الطّوب اللبن؛ لا علاقة لهذه الشريعة بالخيام التي كان يعيش فيها بنو إسرائيل التائهون حاليًا.
اقرأ سِفْر اللاويّين أربعة عشرة على واحد الى إثنين وثلاثين
أول أمر يَجِب أن نلاحظه واضح إلى حدًّ ما: إن الإجراءات الطَّقْسيّة لتطهير المُصاب بالجُذام من نجاسته هي من بين أكثر الطُّقوس تطلُّبًا وتعقيدًا في سِفْر اللاويّين كلّه. لكن ما قد لا يكون واضحاً جداً هو أنها تُشبه تماماً تلك الطُّقوس التي دَرَسْناها في الإصْحاح الثامن؛ الطُّقوس التي كرّست الكاهِن في الكَهْنوت. هذه ليست مُصادفة.
ربما لا يوجد أمر أكثر رزانة في هذه الطُّقوس اللاوية المُخْتَلِفة المنصوص عليها من تلك التي كانت لشخص على وشك أن يأخذ مكانه بين خدّام الله المُختارين…… الكاهِن. ولكن تأتي في المرْتَبة الثانية في الأهمّية مسألة فائقة الخطورة لشخص يصبح نَجِسا طقسيًا والثمن الباهظ الذي يَجِب دفعه لكي يصبح طاهِرا مرة أخرى.
دَعونا نلقي نظرة فاحِصة على هذه الطُّقوس لأنها طبيعة ونوع……نموذج دقيق، في الواقع….. سيُحَقَّقه يسوع بعد ثلاث عشرة قرناً.
لقد تم الإعداد لدِراستنا في الآيات الثلاث الأوَّلى من الإصْحاح الرابع عشر: يعتقد المُصاب بالجُذام الذي يعيش خارج المُخَيَّم، بعيداً عن عائلته، مُنءفصلاً عن مُجتمعه وعن الله، أنه الآن بخير. لكنه لا يستطيع أن يُصدر هذا الحكْم بنفسه. يَجِب أن يُستدعى كاهن ليأتي ويفحَصَه (أو: يفحصَها)، وعلى هذا الكاهِن أن يُغامر ويذهب "خارج المُخَيَّم" ليفحَص الضحيّة. إذا قرّر الكاهِن أن الجُذام قد زال، تبدأ الإجراءات الطَّقْسيّة لتطهير المُصاب.
هناك تعليقان هنا: أولاً، يَجِب الإنتباه إلى أن الكاهِن لم يحاول أبدًا أن يشفي هذا الشَّخْص. لا يوجد ما يشير إلى أن الكاهِن صلّى على المُصاب بالجُذام أو قدَّم أي نوع من الراحة على الإطلاق. لماذا؟ لأن هذا لَمْ يَكُن مرضًا عاديًا مثل فيروس البرد، أو الإنفلونزا أو الحصْبة…….التي كان بنو إسرائيل يعانون منها عادةً كما نعاني نحن جميعًا. لقد كان هذا مرضًا روحيًا، ولَمْ يَكُن هناك "علاج" سوى أن يريح يَهوَه المُصاب من بلائه. لَمْ يَكُن مطلوبًا من الكاهِن أن يُحدّد ما هي الجريمة التي ارْتكبها الشَّخْص ضد الله ليصاب بالجُذام، بل كان مطلوبًا منه فقط أن يحدّد ما إذا كان الشَّخْص مصابًا بالجُذام بالفعل، وفي وقت لاحق إذا لم يُعدّ الشَّخْص مصابًا به.
لذلك بعد إعلان عدم إصابة الشَّخْص بنجاسة الجُذام كان الشيء الوحيد الذي يُمْكِن للكاهن أن يُتابعه هو إعلان طهارة ذلك الشَّخْص، إذا كان الأمر كذلك.
نلاحظ ثانيًا أنه بالإضافة إلى فحصْ االشَّخْص المُصاب بالجُذام، فإن أول طقوس التَّطْهير تتم خارج المُخَيَّم. ما يُخْبِرنا به ذلك هو أنه لمُجَرَّد أن جلد الشَّخْص شفي لا يُعتبر طاهِرا تلقائيًا. إنه بِبَساطة مؤهل لأن يصبح طاهِرا. لذلك كان على الكاهِن أن يذهب أولاً إلى المكان الذي كان يعيش فيه المُصاب (كان عليه أن يغامر بالدخول إلى مكان نَجِس لكي يقوم بِفَحْصه، ولكي يقوم بالإجراءات الأوَّلى التي تَهْدُف إلى جعْل الشَّخْص النَجِس طاهِرا من جديد).
لا يختلف ذلك عن ذَبيحَة العِجْلة الحمراء التي كان يَجِب أن تتم أيضًا "خارج المُخَيَّم". بالتالي، كان رئيس الكَهَنة يؤدي طقوس ذَبيحَة العِجْلة الحمراء خارج المُخَيَّم، وهي طقوس كانت تؤدي إلى مزيج من رماد العِجْلة الحمراء والماء، الذي كان يُستخدم بعد ذلك لرشَّه على أولئك الذين يحتاجون إلى التَّطْهير من لمْس جثة ميِّت. في الواقع هناك أوجُه تشابه أكثر بين طقوس العِجْلة الحمراء والطُّقوس الموصوفة في الآيات من أربعة الى سبعة لتطهير شخص ما من الجُذام.
تبدأ طقوس تطهير الشَّخْص المُصاب بالجُذام بإحضار طائريْن إلى الكاهِن… طائران من النوع الطاهِر بالطبع. إلى جانب الطائريْن، يَجِب إحضار خشب الأرْز وصبغَة قرمزية من دودة وفرع زوفا. يشير القرمز من الدودة إلى صبغة… صبغة حمراء تم إنتاجها في زمن الكتاب المُقَدَّس من بيض نوع معيّن من الديدان التي تعيش في الأشجار. كان فرع الزوفا يُستخدم دائمًا في جميع أنواع مراسم التَّطْهير الإسرائيلية المُخْتَلِفة المنصوص عليها في سِفْر اللاويّين وفي أماكن أخرى من الكتاب المُقَدَّس. عندما نقرأ في دراسات لاحقة عن ذَبيحَة العِجْلة الحمراء سنرى أن هذه العناصر نفسها كانت متضمّنة: خشب الأرْز والصَّبْغة الحمراء والزوفا. الإجراء المتَّبع في تطهير المُصاب بالجُذام هو أن يُقتل أحد الطيور ويُصفّى دمه في وعاء طيني ويوضع الماء في الوعاء. بعد ذلك يُغمس الطائر الحيّ المتبقّي مع خشب الأرْز والزوفا والصَّبْغة الحمراء في خليط الدم والماء في الوعاء، ثم يَرشّ الكاهِن الحاضر الدم والماء على المُصاب بالجُذام سبع مرات. بعد ذلك يُطلق الطائر الحيّ ليطير.
دَعونا نَسْتعرِض بعضاً من هذه الطُّقوس. أولاً، كان يَجِب أن تكون الطيور طاهِرة، من النوع الذي لَمْ يَكُن للإستخدام المنزلي، وبالتالي عندما يتم إطلاقها لا تعود. لذلك لم يستخدِموا الحمام أو اليمام الذي كان لديه غريزة العودة إلى المنزل. عادة ما كانت الطيور المُسْتخدمة في هذا الإجراء هي العصافير. ثانيًا هناك مُصْطلح مثير للإهتمام في اللغة العبَرِّية الأصلية يُستخدم لوصف الماء الذي سيوضع في الوعاء الفخّاري الذي سيُصَب فيه دم العصفور….. إنه ماييم شايم ……وقد تتفاجأ قليلاً عندما تسمع ما يعنيه هذا المُصطلح لأنك سمِعته من قبل؛ إنه يعني "الماء الحي". هذا صحيح، ماء حيّ. أراهن أنك اعتقدت أن إشارة "الماء الحيّ" الى يسوع كانت فِكْرة العهد الجديد. في الواقع الماء الحي…..يعني الماء الحي الذي لا يؤخذ من بئر أو بركة، بل من نبع جارٍ أو نهر جارٍ……الماء الحيّ هو شرط للماء المُستخدم في العديد من الذبائح اللاوية……خاصة تلك التي تنطوي على التَّطْهير من النجاسة.
لذلك عندما وصَف يسوع نفسه بأنه مصدر "الماء الحيّ"، فقد فهِم اليهود في عصْرِه ذلك على الفور. جفَّت الأنهار. كانت الينابيع الأرْتْوازيّة تتوقّف عن التدَفُّق من وقت لآخر وعندما كان يَحْدُث ذلك كان من الضَّروري البَحْث عن مَصدر جديد لـ "الماء الحي" المطلوب لطقوس التَّطْهير. كان يسوع يقول إنه كان هو المَصْدَر الحقيقي للتطهير، ولم يجفّ أبدًا؛ كان المَصْدَر غير المحدود. إذن لدَيْنا هنا فِكْرة أخرى في العهد الجديد تبدأ في الواقع في التَوْراة.
ثالثاً الصَّبْغة القرْمزية، أو الحمراء، التي كانت تُغمَس في الوعاء كانت في الواقع على شكل شريط من الصّوف يتمّ صبغًه الى اللون الأحمر.
أخيرًا على الرغم من أن حيوانًا….. في هذه الحالة عصْفور….. قد قُتل من أجل طقوس التَّطْهير هذه، إلا أنه من الناحية التِّقنية لا يُعتبَر ذَبيحَة……. أي أنه لا يقع ضمن فئة طقوس الذبائح التي دَرَسْناها، بل الأمر بِبَساطة هو أن الطائر يُذبح بقطع رقبَتَه لأن دمه مطلوب وليس هذا هو الإجراء المطلوب للتَّضحية بالطائر. عندما يُستخدم الطائر كذَبيحَة، تُدقّ رقبته بطريقة دقيقة باستخدام ظفر الإصبع لقطع جِذع دماغه الرقيق. بالإضافة إلى أن جميع طقوس الذبائح يَجِب أن تتم في خَيْمَة الإجْتِماع (أو الهَيْكَل)؛ وكان يتم قتل هذا الطائر بعيداً عن تلك الأماكن المُقَدَّسة (والآن قبل أن يشير أحد إلى أن ذَبيحَة العِجْلة الحمراء……ذَبيحَة حقيقية….. كانت تتم أيضاً "خارج المُخَيَّم"، فقد كانت مُرتبطة بخَيْمَة الإجْتِماع لأن الكاهِن الأعظم الذي كان يذبح العِجْلة الحمراء كان يعمل بالتَّنْسيق وفي نفس الوقت مع الكَهَنة الآخرين الذين كانوا في الهَيْكَل….. كان يعمل الكاهِن الذي يَقتل الطائر بمُفرده).
أشير إلى ذلك لأنني ذكرت في الدروس السابقة أنه كانت هناك خطوات مطلوبة في التَوْراة للإنتقال من نَجِس إلى مقدّس: أولاً كان على المرء أن يَنْتَقِل من نَجِس إلى طاهِر، ثم يُصبح مؤهلاً للإنتقال من طاهِر إلى مقدّس. بالمعنى الدقيق للكَلِمَة، لا يُمْكِن لأي شخص غير طاهِر أن يشارك حتى في الوسيلة الوحيدة التي يُمْكِن أن تجعل الشَّخْص مقدسًا، وهي الذَبيحَة الطَّقْسيّة التي تنطوي على الدم.
فقط الأشخاص الطاهِرون يُمْكِنهم تقديم ذبائح دموية. كان الماء الحيّ هو الوسيلة الأساسية المطلوبة لِجَعْل النَجِس طاهِرا. من ناحية أخرى، كان الدم هو المطلوب لِجَعْل الطاهِر مقدسًا. لذلك كان يَجِب أولاً القيام بمجموعة من الإجراءات التي لم تكُن تعتبر ذبائح دمويّة لإخراج الشَّخْص النَجِس من تلك الحالة النَجِسة والعودة إلى حالة محايِدة إذا جاز التعبير. حسناً، العودة إلى كَوْنه طاهِراً….وكان يتضمّن ذلك الماء.
الآن دعوني أوضح لكم مثالاً جيدًا آخر على أنه يَجِب علينا دائمًا أن نبحث عن أنماط كإجابة عن "لماذا" بعض الأشياء هي كما هي عند دراسة الكتاب المُقَدَّس. بما أن نمط التَوْراة هو أن التَّطْهير بالماء يجعل الشَّخْص النَجِس طاهِرا، وأن ودم الذَبيحَة يجعل الشَّخْص الطاهِر مقدسًا……ولأن يسوع المسيح هو الذي استوفى كل متطلِّبات نظام الذبائح، هل يُمْكِننا في الواقع أن نربط بين الإثنين…… شيء ليس مُجَرَّد استعارة؟
لقد أخبرتَكم منذ أسبوعيْن أنه كما كان الحال في زمن الأسلاف، يَجِب أن يتطَهَّر الأنجاس اليوم أولاً قبل أن يصبحوا مقدَّسين. على الرغم من أن العَمَلِيَّة فورية وغير مرئية حتى أننا لا ندرك ما حدث، إلا أننا عندما نقبل يسوع مخلصًا لنا، فإننا نَنْتَقِل من كوننا أنجاسًا في نظر الله إلى طاهِرين ومن ثم من طاهِرين إلى مقدَّسين. إذاً المبدأ الروحي الذي تعلَّمناه في سِفْر اللاويّين لا يزال صحيحاً حتى مع مجيء يسوع المسيح. استمِعوا إلى مقطع من التَوْراة نعرفه جميعاً، ولكن يَجِب أن يعني لكم شيئاً مختلفاً قليلاً الآن بعد أن درَسْتم التَوْراة: إِنْجِيلُ يُوحَنَّا تسعة عشرة على أربعة وثلاثين "لكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ وَالَّذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَقٌ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أنتم".
هَلْ خَرَجَ مِنهُ دَمٌ وَمَاءٌ؟ نعم؛ وكان الأمر مُذهلاً لدرجة أن مؤرِّخ هذا الحدَث يَعْتَرِف بأنه كان شاهد عَيان وما يقوله حق، على الرغم من أنه لا معنى له حقًا.
ما هي أهمِّية الماء الذي انْسَكب من جسد يسوع؟ كما ترون، هذا الماء الذي انْسَكب من يسوع من جُرْح الحَرْبة فاجأ الناس….. هذا لَمْ يَكُن شيئًا رآه أحد من قبل … لَمْ يَكُن بأي حال من الأحوال جزءًا طبيعيًا من عَمَلِيَّة الصَّلب…… ولهذا السبب ذهب المؤلف إلى حدّ كبير ليقول أن هذا حدث بالفعل. كان للماء معنى عظيم لأن يسوع أعلن أنه كان مَصدَر "الماء الحيّ" ……النوع المُحَدّد من الماء الذي تتطلّبه التَوْراة في طقوس التَّطْهير من النجاسة .هذا الأمر عن يسوع والماء والطَّهارة تنبّأ عنه زكَريا وشرحه. استمعوا إلى هذه الآية من إحدى نُبوءات الكتاب المُقَدَّس العظيمة عن المسيح الآتي، زكريا واحد على ثلاثة عشرة "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ يَنْبُوعٌ مَفْتُوحًا لِبَيْتِ دَاوُدَ وَلِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ لِلْخَطِيَّةِ وَلِلْنَجَاسَةِ". وبعد بُضع آيات، يتحدّث عن المسيح المثقوب. هذا المقطع يتحدّث عن مجيء يسوع. الآن، الينبوع، بحكم التعريف، ينتج "ماءً حياًّ". الينبوع هو مصدر المياه المتحرِّكة، على عكس البئر، على سبيل المثال، التي تحمُل فقط المياه التي لا تتحرَّك. الماء من الينبوع المُسْتخدم في النجاسة يُشير بِبَساطة إلى إجراءات التَّطْهير القياسية، بل أكثر من ذلك، حيث تقول أناجيلنا في تلك الآية "للخطيئة وللنجاسة"، تقول العبَرِّية الأصلية للحتآت و"الندى" (النجاسة). الآن بعد أن درَسْتم سِفْر اللاويّين، تعرِفون أن حتآت لا تعني ذَبيحَة الخطيئة……حتآت هو إسم "ذَبيحَة التَّطْهير"، والندى هو بالعبَرِّية الحالة الرّوحيَّة للنجاسة، وعادة ما يرتبط بالمرأة في فترة الحيْض أو بعد الولادة، ولكنها تعني أيضًا حالة عأُمَّة من النجاسة الطَّقْسيّة. إذن ما يُشير إليه هذا المقْطَع في الواقع هو أن يسوع هو ينبوع الماء الحي لتقدمة الطَّهارة ولأولئك الذين هم في حالة نجاسة. تذكَّروا: يُمْكِن أن تكون النجاسة ناجِمة عن الخطيئة أو يُمْكِن أن تكون بِبَساطة حالة أعلَنها الله حيث لا علاقة لها بالخطيئة (الأم بعد الولادة).
لو كلّفنا أنفسنا عناء قراءة موسى، كما قال يسوع، وأخذْنا العهد القديم على مَحْمَل الجدّ، لَعَرفنا أن يسوع كان عليه أن يقدم الدم والماء معًا لكي يتقدَّس البشر؛ الماء ليأخذ النَجِس ويطهِّره، ثم الدم كذَبيحَة تكفير ليَجْعَل الناس (الآن) طاهِرين مقدَّسين. كان ذلك بِبَساطة تطبيقًا لنمط ونموذج الاويين الذي رسمه الله، وبالطبع للنبوءات المُتعَلّقة به وبخدْمته على الأرض.
في الآية السابعة، يعلن الكاهِن، بعد أن يُرشّ المُصاب بالجُذام سبع مرات بمزيج الماء ودم العصفور، أن هذا المُصاب طاهِراً. بعد ذلك يُطلق الطائر الثاني في الهواء ليَطير بعيداً. على الرغم من أننا لم ندرس بعد طقوس كِبْش الفداء، إلا أن فِكْرة أخذ زوج من الحيوانات وقتْل أحدهما وإطلاق الآخر هي نفسها بالنسبة لكِبْش الفداء كما هو الحال بالنسبة لإجراء تطهير المُصاب بالجُذام. المفهوم هو أن الحيوان الحيّ (في هذه الحالة الطائر) يحمل إثم الشَّخْص ويُرسل بعيدًا عن ذلك الشَّخْص؛ أو في حالة كِبْش الفداء، توضَع خطايا الأُمَّة كلها على ذلك التيْس ويُرسل بعيدًا. أشير إلى ذلك لأنه من الصَّعب التقليل من الأهمِّية القصوى التي توضع على إعادة الشَّخْص الذي كان لديه جذام إلى حالة من الطَّهارة. تتضمَّن الطُّقوس عناصر متطابقة لاثنين من الذبائح التي لا يُمْكِن أن يترأسها إلا رئيس الكَهَنة: ذَبيحَة العِجْلة الحمراء وطقس كِبْش الفداء… بالإضافة إلى ذلك، وكما ذكرْتُ سابقًا، فإن طقوس تطهير المُصاب بالجُذام تُشبه إلى حدّ كبير طقوس تكريس الكاهِن للكهْنوت.
بعد إطلاق سراح الطائر يَجِب على المُصاب بالجُذام الآن أن يغسل ثيابه ويحلق رأسه ويستحم أيضًا……وبعد أن استقرَّ بنو إسرائيل في كنعان، أصْبَح مكان الإسْتحمام الطَّقسي هو "الميكفاه"….نوع من حوْض السِّباحة الحَجَري.
كما ناقشنا، إن مفهوم الطاهِر والنَجِس مُعَقَّد وهي ليست مسألة بسيطة أن يكون الشَّخْص إما طاهِرا تمامًا أو نَجِسا تمامًا. ستلاحظون أن الكتاب المُقَدَّس سيقول عدة مرات بعد جزء مُعيّن من الإجراءات الطَّقْسيّة التي ندرسها أن الشَّخْص الآن طاهِر….. يقول ذلك بعد الآية السابعة، ثم بعد الآية الثامنة، ثم مرة أخرى بعد الآية التاسعة، وسيقول ذلك عدة مرات في الإصحاح الرابع عشر…….. مما يكون مُربِكاً بعض الشيء. هنا، كما هو الحال مع الأم الجديدة، ما نراه في الواقع هو أن المُصاب بالجُذام يكتًسْب مستويات أكبر فأكبر من الطَّهارة. في الآية السابعة يصِل إلى المرحلة الأوَّلى، مرحلة الطَّهارة الصغرى، عند إطلاق الطائر الحيّ. في الآية الثامنة بعد الحلْق والاسْتحمام، يَنْتَقِل إلى المرحلة التالية من الطَّهارة. في هذه المرحلة الثانية من الطَّهارة يُسمح له أخيرًا بالعودة إلى مخيّم بني إسرائيل، ولكن لا يجوز له أن يَدْخل بَيْتَه أو خَيْمَته لمُدَّة سبعة أيام أخرى. في الآية التاسعة، يتم الوصول إلى المرحلة الثالثة من الطَّهارة عندما يحلُق الشَّخْص كل شعره مرة أخرى، بما في ذلك لحْيَته وحاجِبَيْه (يا له من منظَر غريب في هذه المرحلة)، ثم مرَّة أخرى يغسل نفسه وثيابه بالماء.
أخيراً أصْبَح طاهِراً بما فيه الكفاية؛ لقد وصل إلى حالة من الطَّهارة الطَّقْسيّة الكافية للمُشاركة في طقوس الذبائح|، بمعنى أنه يستطيع الاقتراب من الهَيْكَل. إن ما نراه، بمعنى ما، هو إعادة تنشئة اجتماعية تدريجية للشخص؛ أي أن هذا الشَّخْص يَنْتَقِل خُطْوة بخُطْوة من كَوْنه مَنْبوذًا اجْتماعيًّا إلى كَوْنه عضوًا في المجتمع الإسرائيلي، وبنفس الطريقة، خُطْوة بخُطْوة يتم نقل هذا الشَّخْص من كَوْنه منبوذًا من قبل يَهوَه إلى رِِضاه وحُضوره المُقَدَّس…… العناصر الجسديّة والرّوحيَّة للتّرميم مُرتبطة بخُطْوة مترابطة.
في اليوم الثامن بعد الخُطْوة الأوَّلى نحو الطَّهارة ثم القداسة، تبدأ إجراءات الذَبيحَة القُربانية للمُصاب بالجُذام. هنا لدَيْنا رابط آخر يَجِب ألا نغفل عنه. خِتان الذكور يتم أيضًا في اليوم الثامن. لاحظ، في نظر الله وفي الفكر العبراني، إن الشَّخْص النَجِس ميِّت روحياً. إن تطهير الإنسان من نجاسته ينطوي في الواقع على العديد من جوانب القيامة من الموت (سنتناول ذلك في وقت لاحق). تبعث عَمَلِيَّة التَّطْهير فِعلياً حياة جديدة في الشَّخْص الميِّت روحياً. إذن ما علاقة هذا بالخِتان؟ لا يكون الطّفل الذَّكَر عضوًا رسميًا في بني إسرائيل حتى يتم خِتانه. لجميع الأغراض العَمَلِيَّة حتى يتم خِتانه، يكون هذا الطفل الذَّكَر "خارج مخيّم" بني إسرائيل. هذا لأن العهد الإبراهيمي، الذي جاء منه الشعب العبراني، كما ووعد الله بِجَعل العبرانيين كثيرين وبأن يعطيهم أرضًا خاصة، كان يتطلذب، كعلامة للانْضمام إلى العهد، خِتان الذكور وقد أعيدَ تأكيد ذلك في العهد الموسوي وكان غير قابل للتفاوض. في اليوم الثامن بعد إعطاء الحياة للطفل الرَّضيع (أي ولادة الطفل)، كان يتم قبوله في مخيّم بني إسرائيل خلال حفل خِتان. في اليوم الثامن بعد أن أُعْطِيَت الحياة الجديدة للمُصاب بالجُذام (أو الأفضل من ذلك، أعيدت الحياة إلى المُصاب بالجُذام)، قُبل مرَّة أخرى في مخيّم بني إسرائيل. خارج المُخَيَّم موْت وداخل المُخَيَّم حياة. خارج العلاقة مع الله موت وداخل العلاقة مع الله حياة. هل ترى هذا النَّمَط والعلاقة؟
لم ينشأ المفهوم الإنجيلي لـ "الولادة من جديد" في العهد الجديد……لأن المُصاب بالجُذام كان يُعتبر حرفياً "مولوداً من جديد" عندما يُطهّر ويعيد إدخاله في المجتمع الإسرائيلي وتُعاد علاقته مع يَهوَه. لذلك فإن مفهوم "الولادة الثانية" في العهد الجديد هو بِبَساطة نمط من أنماط العهد القديم الذي نقلَه يسوع إلى معنى أكبر. في الواقع لم تنشأ فِكْرة "الولادة الثانية" في العهد القديم وليس في العهد الجديد فحسْب، بل أيضاً فِكْرة "خِتان القلب"؛ وخِتان القلب (وهي العبارة التي استخدمها بولس) ذكرها موسى لأول مرة في سِفْر التَثْنِية عشرة على ستة عشرة، وكان الغرض منها الإشارة إلى نفس الأمر الذي كان بولس يُشير إليه بالضبط؛ أن الخِتان الحقيقي، الدخول إلى "مخيّم بني إسرائيل"، (وبالتالي إلى علاقة مع إله إسرائيل) كان مسألة روحية أكثر بكثير من كَوْنها مسألة مادِّية. سننظر في ذلك عن كثب عندما نصِل إلى سِفْر التَثْنِية.
تنصّ الآية العشرة على هذين الحمَلين، بالإضافة إلى حمَل واحد عمره سنة وبعض الحبوب المَمْزوجة بالزَيْت، وقارورة فيها بعض الزَيْت الإضافي……الزَيْت بالطبع يعني زيت الزَيْتون. تقول اللغة العبَرِّية التي تصِف الزَيْت أنه يَجِب أن يكون "لوغ" من الزَيْت. هذا ليس إشارة إلى نوع الحاوية، إنه مقياس للسّائل؛ "لوغ" الزَيْت يساوي حوالي باينت. في الآية التالية نرى أنه يَجِب تقديم عدة أنواع من الذبائح للمُصاب بالجُذام: ("أولاه"، المحرَقة؛ و"منخاه"، ذَبيحَة التقدمة (أي الحبوب)؛ و"حتآت"، ذَبيحَة الخطيئة، و"أشام"، ذَبيحَة الإثم)…. الذَبيحَة النموذجية الوحيدة المتاحة لغير الكاهِن لتقديمها والتي لا يُنصَح بها لهذا المُصاب بالجُذام هي ذَبيحَة السلأُمَّة، أو "الزِّيفَه". مرة أخرى يشير ذلك إلى الطبيعة الخطيرة للغاية والثمن الذي كان يَجِب دَفْعَه حتى يعود الشَّخْص الذي كان نَجِسا من " تزارآت" (الجُذام) إلى الطَّهارة.
كان على الكاهِن أن يرافق الشَّخْص الذي يتم تطهيره وإعادة تكريسه إلى مَدْخَل خَيْمَة الإجْتِماع (الهَيْكَل فيما بعد) ….. ليس في الواقع داخل الفناء ولكن عند بوابة الدخول الرئيسية إلى الفناء. يُمْكِن أن يكون الأمر محيِّرًا بعض الشيء فيما يَتعَلَّق بالمكان الذي كان يَجِب أن يحصل فيه حول الحَرَم لأنه عادةً ما يشار إلى منطقة خَيْمَة الإجْتِماع بأكملها، الفناء وخَيْمَة الحَرَم، بِبَساطة في الكتاب المُقَدَّس بإسم خَيْمَة الإجْتِماع. لذلك في حالتنا هذه حيث تقول معظم الكتب المُقَدَّسة أنه كان على الشَّخْص أن يقف عند مَدْخَل خَيْمَة الإجْتِماع، فهذا لا يعني في الواقع الوقوف عند باب المكان المُقَدَّس (خَيْمَة الإجْتِماع)، بل عند بوابة الدخول إلى المُجمّع بأكمله؛ أو في الأزمنة اللاحقة، عندما تم بناء هَيْكَل دائم ليحلّ محلّ خَيْمَة الإجْتِماع…..الهَيْكَل….، فإن المُصاب بالجُذام كان يَقِف عند مَدْخَل ما كان يُسَمَّى ب"الأزاراة" الذي كان عند مَدْخَل الهَيْكَل نفْسه (حيث كان المكان المُقَدَّس وقُدْس الأقْداس).
كان على المُصاب بالجُذام أن يتَّجه نحو المكان المُقَدَّس (الذي يتكون من المكان المُقَدَّس وقُدْس الأقْداس)، وكان الكاهِن يتقدّم بالقربانوس، أي القرابين العديدة المقدّمة من المُصاب بالجُذام. كان على المُصاب بالجُذام أن يقِف عند مَدْخَل الفناء (أو أزاراه) ويَنْتَظِر بينما يقوم الكاهِن بالطُّقوس القربانية العديدة.
في البداية كان الكاهِن يقدم ذَبيحَة أشام، أو الجَبْر، وعليه أن يفعل ذلك بتقْديمها بطريقة تُسمّى عادةً ذَبيحَة المَوْجة. وتسمى هذه الذَبيحَة الموْجة بالعبَرِّية "تنوفاه"، ويحمل الكاهِن الخروف و"لوغ" الزَيْت معًا على الكَتِفيْن، ويحركهما من جانب إلى جانب، ومن أعلى إلى أسفل. باخْتصار، إن فِكْرة ذَبيحَة أشام، من أجل الجَبْر، هي فِكْرة غير معتادة بالنسبة لما يرقى إلى إجراء تطهير، لأن المقصود من "أشام"عادةً هو التكفير عن التّعَدّي على الممتلكات المُقَدَّسة أو عن يمين كاذبة أو عن التسَبُّب في ضرر لطرف ثالث… أو كما أشَرْت في عدة مناسبات كأحد الذبائح التي تُقدَّم عن تعدي مُشْتبه به، أي الشَّخْص الذي يشعر بالذَّنب ولكن ليس لديه أدنى فِكْرة عن الذَّنب الذي ربما يكون قد ارْتكبه. وحسب الحالة، سيقدِّم هذا الشَّخْص ذَبيحَة أشام، وأحيانًا ذَبيحَة زيفه…… فقط في حال كان مرتكباً….. وذلك لتجَنُّب غضَب الله.
بما أن الجُذام يُعتبر مَرَضًا روحيًا، وبالتالي عقابًا من يَهوَه، يُمْكِننا أن نرى بسهولة لماذا يقدم المُصاب بالجُذام ذَبيحَة أشام لأنه لا بد أن يكون قد تعدَّى على الله وإلا لما كان قد أُصيب بالجُذام في المقام الأوَّل؛ ولكن فقط حتى لا نفهَم الفِكْرة بشكل خاطئ…… في حين أن أشام وزيفا يُمْكِن أن يكونا ذَبيحَة تطوعية، حسب الحالة…….هنا ذَبيحَة أشام مطلوبة. لذلك يرى يَهوَه بالتأكيد الحاجة إليها. ما هو بالضبط التّعَدّي الذي ارْتكبه المُصاب بالجُذام؟ حسنًا يتَّفق معظم حُكماء اليهود القُدَماء على أن الخطيئة الأكثر احتمالاً كانت خطيئة "لاشون هارا"… الافْتراء أو الكلام الشرّير ضدّ شخص ما…..ما يُمْكِن أن نُسَمِّيه "اغْتيال الشَّخْصية"؛ خطيئة خطيرة جدًا تُشْبِه القتل.
على الرغم من أنه لا يُخْبِرنا بذلك هنا في سِفْر اللاويّين، إلا أن "المِنخاه" تخبرنا أن الإجراء كان أن خروف ذَبيحَة "أشام" (الإثم) كان يؤتى به إلى المُصاب بالجُذام، ويضع هذا الأخير يدَه على رأس الخروف الذي لا يزال حيًّا….. تذكَّروا أن هذا يُسَمَّى بالعبَرِّية "سميخا". تذكّر أن وضع اليدَيْن على الذَبيحَة كان يدل على أمرين: واحد) أن المُتَعَبِّد يُحدّد هذا الحيوان يعيّنه على أنه الحيوان الذي يقدّمه، وهو الآن ينقل ملكية الحيوان إلى يَهوَه……. أي أن الحيوان في تلك اللحظة يصبح مقدسًا أو ملكية مقدّسة؛ و إثنان) يَنْتَقِل ذنب المُتَعَبِّد منه إلى الحيوان.
بعد ذلك يؤخذ الخروف إلى منطقة المَذْبَح…. وبالتحديد على الجانب الشمالي من المَذْبَح (وهذا ما دعا إليه لاويين واحد على إحدى عشرة وستة على ثمانية عشرة وسبعة على إثنين)، ويُذبح هناك ويُرَشُّ بعض الدم على المَذْبَح، ويُلطَّخ بعضَه على شَحْمة الأذن اليُمنى والإبهام الأيمن والإصبع الكبير الأيمن للمُصاب بالجُذام. بعد ذلك يُرشّ بعض من زيت الزَيْتون من قارورة الزَيْت التي أُحضرت في اتجاه قُدْس الأقْداس، ثم من الزَيْت المتبقّي كان على الكاهِن أن يرشّه على المُصاب بالجُذام في نفس الأماكن التي كان قد انتهى للتو من رشّ دم الحَمَل عليها. من المُهِمّ أن نلاحظ أن هذا هو نفس الإجراء الذي رأيناه في الإصْحاح الثامن، المُسْتخدَم لتكريس الكَهَنة في الكَهْنوت. كانت الفِكْرة من دهن الدم والزَيْت على الأذن والإبهام وأصابع القدَمين أن التَّطْهير والتكريس كان من "الرّأس إلى أخْمَص القدَميْن" …..الشَّخْص كلّه يصبح الآن نقِيًا.
كان يوضع الزَيْت على قمة رأس المُصاب بالجُذام، الذي لا يزال واقفًا عند مَدْخَل باحة خَيْمَة الإجْتِماع (أو أزاراه الهَيْكَل). يُعتقد أن الغرض من وضع الزَيْت على الرأس (الذي كان يوضع فوق دم الخروف الذي كان موضوعًا على المُصاب بالجُذام) هو أن الزَيْت كان يَهْدُف إلى تغطِيَة الدم وحمايته حتى يتمَكَّن من القيام بعمله التكفيري. بعد ذلك، يتم ذبح الخروف الأنثى لتقدمة "حتآت" والخروف الذَّكَر لتقدِمة "أولاه"، ومعهما تُقدّم ذَبيحَة "منخاه" ، ثم تذبح الخروف الأنثى لتقدمة "الحتآت" والخروف الذَّكَر لتقدِمة "أولاه". في حين أن الذَبيحَة الأوَّلى التي قُدِّمَت، وهي ذَبيحَة "أشام"، كان الكاهِن يقدمها بالكامل لأن المُصاب بالجُذام لَمْ يَكُن قد أصْبَح طاهِراً بما فيه الكفاية للمشاركة في طقوس الذبائح، فقد سُمح للمصاب بالجُذام الآن بتجاوز بوّابة الفَناء، ويُمْكِنه أن يأخذ دوْرَه الشرعي في ذبائح "حتآت" و"أولاه" و"منخاه"…. وهي خُطْوة مُهمَّة.
لاحِظوا مرَّة أخرى أن هناك هذه الدَّرَجات أو المراتب من الطَّهارة التي كان يَجِب بلوغها. بدأ غير طاهِر وخارج المُخَيَّم، واستغرَق الأمر حتى المُستوى الثاني من الطَّهارة قبل أن يتمَكَّن المُصاب بالجُذام من أن يطأ بقَدَميْه داخل المُخَيَّم، والمستوى الثالث قبل أن يُعتبر طاهِرا ومؤهَّلًا حتى لحُضور ذبائح الهَيْكَل، ومستوى أعلى قبل أن يتمَكَّن من المرور إلى ما وراء باب خَيْمَة الإجْتِماع (أو الهَيْكَل) والمُشاركة فعليًّا، كالمعتاد، في الذبائح الطَّقْسيّة.
من الآيات واحد وعشرين الى إثنين وثلاثين نرى أنه يُمْكِن الإسْتعاضة بالطيور عن بعض الحِملان إذا كان المُصاب بالجُذام فقيرًا ولا يستطيع تحمُّل تكاليفها. ربما كان هذا هو الحال في أغلب الأحيان بِسَبَب طول المُدَّة التي كان المُصاب مُضطرًّا للعيش خارج المُخَيَّم غير قادر على العمل أو رعاية غنمه، إلخ. مع ذلك لا يُمْكِنه، تحت أي ظرف من الظروف، أن يتهرَّب من الحاجة إلى حَمَل للتقدمة الأوَّلية، "أشام" وهي ذَبيحَة (الجَبْر). لن نسْتعرِض هذه الآيات لأنه باستثناء اسْتِبدال الخُرفان بالطيور فإن الطُّقوس هي نفسها التي تناولناها للتو.
بعد ذلك لا يعود الشَّخْص مُصاباً بالجُذام، وبالتالي يُصبح مُندمجاً تمامًا في المُجتمع الإسرائيلي، والأهمّ من ذلك أن علاقته مع يَهوَه قد عادت الآن إلى سابِق عهدها. إنه في سلام مع الله…..، مقدّس من جديد. هل يُمْكِنك أن تتخيَّل ارتياح هذا الشَّخْص؟ يا لها من مِحنة.
تعليق سريع وسَنُتابع. غالبًا ما يُشير اليهود المتدَيِّنون إلى المسيحية على أنها "دَيْن رخيص". لن أخوض بِعُمق في كل الأسباب (بعضها غير منصِف وكاذِب بِبَساطة) ولكن ربما بدأتُم ترون ذلك بأنفُسِكم. اليهود يسْخرون من فِكْرة أننا نصلّي بضع كَلِمَات لنتلقّى المسيح…. وفي لحظة نتطهّر ونُصبح طاهِرين، ونَنْضَمّ إلى داخل المُخَيَّم ونَنْضَمّ إلى العُهود، ونكفِّر عن خطايانا. فجأة من نَجِس إلى مخلّص! ما الثمن؟ لا شيء. كيف يُمْكِن أن يكون ذلك؟ نحن لا نتخلّى عن أي شيء….. على الأقل ظاهِريًا… إلا عن خطايانا ومَصيرها الفظيع. انظروا إلى ما يُكلِّف العبرانيّ للحفاظ على علاقته مع يَهوَه، سنة بعد سنة. انظُروا ماذا يُكلِّف…..من الوَقْت و……. المال……. لكي يَنْتَقِل من نَجِس إلى طاهِر، إلى مقدَّس…… كل هذه الذبائح التي دَرَسْناها مكلِفة جداً…… وكثير منها كان يتكرّر بشكل منتظم. في الواقع غالبًا ما كان يُكلِّف العبراني تقريبًا كل ما لديه للمشاركة في هذه الطُّقوس القربانية المطلوبة. إذا لم يفعل ذلك كانت علاقته مع الله إما أن تُفقد أو تتضرَّر ولكن بشكل عام كانوا يفعلون ذلك لأنهم كانوا يرون أن السّلام مع الله هو الأوَّلوية الأوَّلى في حياتهم. فبِدون هذا السّلام مع يَهوَه، أي أمل في حياتهم؟
لذلك من وِجْهة نظَر يهودية، ليس من الصَّعب جدًا أن نرى لماذا يرى الكثيرون إيماننا المسيحي "رخيصًا"… أي بدون تكلِفة. فيما يَتعَلَّق بنا، نحن المُتلقِّين لما فعله الله من أجلنا……إنهم على حق. تَكْلِفتنا هي إلى حدّ كبير صفْر. لكن الله وابنه يسوع، أعطى كل شيء…..تكلِفة تفوق بكثير قُدرة أغنى رجل على وجه الأرض على الدَّفع. أحيانًا يتباهى المسيحيون بهذا الأمر ويتَّهمون اليهود بمُحاولة شقّ طريقهم إلى السّماء. لا ينبغي لنا أن نقوم بذلك، بل يَجِب أن نسير بتواضُع يفوق الخيال. يَجِب علينا أيضًا أن نكون أكثر تفهُّمًا، الآن، للسَبَب الذي يجْعل اليهودي يرى المسيحية دِيانة "رخيصة". نأمل أنه بعد دراسة سِفْر اللاويّين، ربما نكون الآن في مكان أفضل للتحدُّث معهم حول هذا الموضوع، حيث يُمْكِننا أن نرى بِشَكل أفضل من أين يأتون.
دَعونا نَنْتَقِل الآن إلى النصف الثاني من سِفْر اللاويّين أربع عشرة، الوارد في الآيات ثلاثة وثلاثين على ثلاثة وخمسين. هذا يَتعَلَّق بمَسْألة الجُذام على البيوت.
هذا القسم مُثير للإهتمام إن لَمْ يَكُن لسبب آخر إنما هو لأنه يتوقّع ذلك الوقت المُسْتقبَلي الذي ستعيش فيه هذه الحُشود التي تضمّ حوالي ثلاثة ملايين عبراني الذين يعيشون في الخيام في بَرِّية الصحراء، في أرض مُخَصَّصة لهم…… في مُدنهم الخاصة، بِمساكِن دائمة مصنوعة من الحَجَر ومُغطّاة بالطّين.
دَعونا نتوقَّف لبضع دقائق لنُنْهي هذا الدَّرْس ونستعيد بعض من النَّظرة العأُمَّة؛ لنتذكَّر أننا هنا في سِفْر اللاويّين في وقت مضى عليه أكثر من عام بقليل بعد الخروج من مصر. مع كل الدّراسة التي أجريناها حتى هذه اللحظة، من السهل أن ننسى أنه بالكاد مرّ عام على الفُصح الأوَّل؛ تلك الليلة الرَّهيبة والمُخيفة التي جلب الله فيها الموت على أبكار مصر، لكي يتحرّر شعبه، نَسْل يعقوب. كان من الممكن أن يكون كل ذلك ما زال ماثِلاً في أذَهان الشعب.
أتساءل عن مدى واقِعِيَّة إمكانيّة المُسْتقبل الذي وعدَهُم الله به في هذه اللّحظة. في خُضُم العَيْش في مثل هذه الظُّروف الصَّعبة……التي ستَمْتدّ قريبًا إلى أبْعد مما تَوَقَّعوه…..هل كان بإمكانهم أن يؤمِنوا بأنّهم في الواقع سيكون لهم أرض خاصة بهم في نهاية المَطاف؟ أنهم في الواقع سَيَعيشون في نِهاية المَطاف في مكان يفيض باللبن والعسل؟ أنهم في الواقع سوف يتخلّون في النهاية عن خيامِهم المؤقّتة ويعيشون مرّة أخرى براحة في المُدن، مع الطُرق وآبار المياه والحقول المزروعة والمنازل؟
في الواقع كل شيء في سِفْر اللاويّين، كما هو الحال في كل التَوْراة، هو إعداد لزمَن مُستقبلي حتى وإن كان أيضًا للحاضِر. لا يزال الأمر كذلك معنا اليوم. على الرغم من أن يسوع المسيح قد حَقَّق الكثير من التَوْراة…..لا يزال هناك الكثير مما يَجِب أن يؤخذ إلى مستوى أعلى من المعنى والواقع. يُخْبِرنا الأنبياء، بمن فيهم يسوع، عن مُستقبل….زمن لا يزال مُستقبلاً بالنسبة لنا….. حيث أشياء كثيرة سوف تحدُث بعد…، بعضها رائع وبعضها الآخر يتجاوز أبعادًا كارِثيّة. هل لدَيْنا الإيمان لنؤمن أن هذه الأشياء ستحدُث بالفعل؟ هل سنكون مؤمنين في خُضَم هذه الأمور ونعترف بها على حقيقتها؛ أحكام الله. من السَّهل جدًا بالنسبة لنا أن ننظُر إلى الوراء، بعد التفكير بالأمر، إلى أُمَّة إسرائيل المُتمرِّدة والمتصَلِّبة ونجِد خطأ في تَذَمُّرهم المُسْتَمِرّ وتَعَثُرهم وعدم رِضاهُم؛ نُفَكِّر، يا إلهي، ما الذي يَجِب على يَهوَه أن يفعله أكثر من ذلك ليُثبِت قوَّته ومحبَّته وأمانَته لهم؟ لقد دمّر مصر فعلياً ليُحرّرهم؛ قتل مئات الآلاف من المصريين لكنه عفا عن بني إسرائيل؛ أعطى بني إسرائيل توْراته الإلهية وميّزهم كشعب خاص به؛ أمْطر عليهم الطعام من السّماء يوميًا ليسُدّ جوعهم؛ أنبع الماء من الصّخور ليُطفئ عطَشهم؛ سافر معهم بطريقة مرئية في عمود من نار وسحابة. ولكن هل نحن مُختلِفون؟ بِصفتنا شعب الله….. الذين يَسكن الله فيه فعلاً….. إذا كنا نؤمن ونثِق فعلاً بأننا نضمَن مُستقبلاً أبديّاً مع الله تعالى، وإذا كنا نؤمن ونثِق فعلاً بأن مُعاناتنا هنا على الأرض تخدُم غرضًا أعظم لملَكوت الله؛ إذا كنا نؤمن ونثِق حقًا بأن اليوم الذي سيعود فيه مَسيحُنا يسوع على الأبواب، هل كنا سنظلّ نعيش حياتنا بالطريقة التي نعيشها عادةً؟
أقول هذه الأشياء فقط لأضَع في الإعتبار أن بني إسرائيل الذين ما زِلنا نقرأ عنهم لم يكونوا مُخْتلِفين عنا؛ لقد كانوا مُجَرَّد أناس….شعبًا مخصّصًا…..مختارين لخدمة الله. لكن، مثلنا، كانوا يكافحون لوضع وعود الله وشرائعه وأوامره ومبادئه موضع التنفيذ في حياتهم، وعندما قيل لهم عن مستقبل مجيد، كان ذلك يجلب لهم الأمل في بعض الأحيان؛ ولكن كان كل شيء ضبابيًّا جدًا….كل شيء بعيد جدًا ويصعب فهمه والتمسك به. لقد عاشوا في الحاضر… وليس المستقبل….. كما نفعل نحن وأحيانًا، كان مُجَرَّد التّعامل مع اليوم أمرًا صعبًا.
بالإضافة الى ذلك كانوا يُواجهون إعادة تطبيق مُسْتَمِرّ لمبادئ الله الرّوحيَّة، تمامًا كما نحن نفعل. في بعض الأحيان نعتقِد أن الإنتِقال الرئيسي الوحيد لبني إسرائيل فيما يَتعَلَّق بإعادة تطبيق مبادئ الله، كان من العهد القديم إلى الجديد، من زمن ما قبل المسيح إلى زمن ما بعد مَجيئه. لكن الأمر ليس كذلك، نراهم هنا في سِفْر اللاويّين يَنْتَقِلون من زمن في مصر إلى زمن الرحّالة، من زمن العُبودية إلى زمن الحرِيّة، من زمن العبودية لفرعون إلى زمن العبودية ليَهوَه. ثم بعد ذلك بقليل من زمن الرحّالة إلى زمن امتِلاك الأرض، وفي نهاية المَطاف سيَنْتَقِلون من خَيْمَة….. خَيْمَة رائعة…… إلى هَيْكَل….. مبنى رائع من الخشب والحَجَر. كانوا سيُكافِحون من أجل أخذ شرائع الله وأوامره من الوضع والوقت الذي كان قد تم تقديمه فيه أصلاً……في جبل سيناء، بعد عام من مُغادرتهم مصر….. وتطبيق تلك الشرائع والأوامر على ظروف جديدة لم يتم تناولها بدِقّة في التعليمات المحدودة نوعًا ما التي أُعْطِيَت لهم من خلال موسى. مع ذلك كان يَهوَه يتوقَّع منهم تماماً أن يفعلوا ذلك بالضبط وكان من المُتوقَّع منهم تمامًا أن يُحافظوا على الغرَض من كل مبدأ روحي أعطاه الله لهم…… مهما كانت صُعوبة الصِّراع. سنجِد مرارًا وتكرارًا في الكتاب المُقَدَّس العبري، "التاناخ"، أن قادة إسرائيل حاوَلوا إلغاء مبادئ الله الرّوحيَّة وتغييرها ورفْضها والتمرُّد عليها، قائلين إن هذه المبادئ كانت منذ زمن بعيد ولم تعُد تنطبِق عليهم بعد الآن، وكانت العواقِب على هؤلاء القادة وشعبهم وأُمَّة إسرائيل ككلّ رَهيبة.
نحن نُواجِه نفس المسؤولية كشعب الله؛ ليس عليْنا أن نُعيد تفسير كَلِمَة الله لعَصْرنا، بل أن نُعيد تطبيقها على الوضْع الحالي. ظروفُنا الآنيَّة في تغيُّر مُسْتَمِرّ لكن مبادئ يَهوَه ثابتة تمامًا. لقد كانت صحيحة بالنِّسبة لبني إسرائيل وهي صحيحة بالنّسبة لنا ولكل من سيأتي بعدَنا.
سننْظر في الأسبوع القادم في ما تبقّى من سِفْر اللاويّين، الإصْحاح الرابع عشر.