20th of Kislev, 5785 | כ׳ בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » اللاويين » سِفْر اللاويين – الدرس واحد المُقدِّمة
سِفْر اللاويين – الدرس واحد المُقدِّمة

سِفْر اللاويين – الدرس واحد المُقدِّمة

Download Transcript


سِفْر اللاويين

الدرس واحد – المُقدِّمة

يُخبِرنا عنوان سِفْر اللاويين نفسه بالكثير عمّا سيُقدِّمه لنا. فقد سُمّيَت على اسم قبيلة لاوي……"لاو-في" بالعبرية إحدى قبائل إسرائيل الاثني عشر الأصلية (إنْ تذكُرون، التي تكوَّنت من أبناء يعقوب الاثني عشر). ولكن، كانت هذه القبيلة فريدة من نوعها تمامًا؛ فقد فَصَلها الله وقَسَمَها بعيدًا عن قبائل إسرائيل الأخرى، ثم تَبنّاها. لقد تَبنّى لاوي بعيدًا عن يعقوب، تمامًا كما تَبنّى يعقوب أفرايم ومانيسا بعيدًا عن يوسف. أصبحت لاوي قبيلة مُخصّصَة لخِدمة الله، قبيلةً من الكهنة الخاصّين بيَهوَه، فصارت لاوي قبيلة خاصة.

قبْل أن يُسَمّى سِفْر "اللاويين"، كان العبرانيون يُسمّونه "تورات كوهانيم" معناه حرفيًا تعاليم الكهنة. في طريقتنا الغربية في التفكير، يُمكن أن نقول "التعاليم الكهنوتية"، أو بمَعنى أدقّ "تعاليم الكهنوت". لقد فهمتُم الفِكرة. إنّ الاسم العبري المُستخدم اليوم لسِفْر اللاويين هو "فايكرا" الذي يعني "الآن دعا". تلك هي الكلمات الأولى من سِفْر اللاويين، وقد سَمّى العبريون في النهاية كل سِفْر من أسفار التوراة وفقًا للعِبارة الافتتاحية لكل سِفْر.

إنّ أولئك الذين يَعيشون في السنوات الأولى من هذه الألفية الثالثة بَعد الميلاد مَحظوظون حقًا لأنّ الدِراسات الجديدة لمْ تَبدأ إلاّ في السنوات العشرين الأخيرة وهي ناتجة عن الاكتشافات الأثريّة والتقدُّم في فَهم اللغة العبرية القديمة واللغة الأكادية التي تُقابِلها، وتُسلِّط الضوء على معنى وتفسير الطقوس الغريبة والغامضة الوارِدة في سِفْر اللاويين. لقد توقَّفَت الذبائح الحيوانية في المقام الأول، والتي هي الدافع الرئيسي لسِفْر اللاويين، مع دَمار هيكل هيرودس في أورشليم منذ ما يُقارب من ألفي عام. هذا الحَدَث نفسُه شهِد أيضًا نهاية عَمَل الطبقة الكهنوتية. كان الغرَض الرئيسي للكهنة هو إجراء الطقوس التي كان يُمكن أن تتمّ فقط في هيكل أورشليم، الذي طُمِس الآن. تزامُنًا مع الطرْد شِبه الكامل لليهود من الأرض المقدّسة على يد الإمبراطورية الرومانية والإزالة الشامِلة للفِكر اليهودي من قِبَل المسيحية الأممية التي ظَهَرت في منتصف القرن الثاني الميلادي، وَجَد اليهود والمسيحيون أنفسهم دون أساس يُذكَر لفَهم تعاليم الله ومبادئه وتعاليمِه الوارِدة في سِفْر اللاويين.

خلال العُصور الوسطى (التي بدأت في القَرْن الخامس الميلادي تقريبًا واستمرت لمدّة ألف عام) كان من غَير القانوني امتِلاك الكتاب المقدس للجميع باستثناء السُلطات الكنسية، وبالتالي دِراسته؛ لذلك تمكَّن الباباوات والأساقفة المُعادين للسَامية بشدة من السيطرة بإحكام على "المعرفة والحقيقة" الكتابية.

وفي الوقت نفسِه، تَخلَّصوا من أي محاولة لاستكشاف أحداث الكتاب المقدس التي وَقَعَت قبْل ولادة الكنيسة…. أي أُقْفِل على العهد القديم ليُترَك في الماضي. تمّ تَجنُّب مسائل مِثْل نظام الذبائح العبرية بشكل خاص بسبب يهوديتها الصارخة.

بحُلول الوقت الذي وُلِدنا فيه نحن في هذه القاعة لم تكُن المسيحية قد جرَّدت نفسَها من العهد القديم فحسب، بل كانت الكنيسة في طريقها إلى اختزال العهد الجديد إلى نصوص قليلة والأناجيل الأربعة. إنّ أساس الإيمان بالنسبة للمسيحي الحَديث هو مجموعة من المَبادئ التي اختُزِلت الكتاب المقدس في ما نُسمّيه عقائد الكَنيسة، وبالطبع تَختلِف هذه العقائد اختلافًا كبيرًا تِبعًا لأي طائفة من الطوائف المسيحية التي يَبْلُغ عددُها بضعة آلاف والتي قد يَختار المؤمن الانتماء إليها.

من جانبهم، أنْزَل اليهود التقليديون منذ زَمن بعيد الكتاب المقدس العبري….. الكتاب المقدس….. إلى المَرتبة الثانية؛ وبدلاً من ذلك، يُفضِّل اليهود الأعمال الضخمة للتَفسير الحاخامي اليهودي، المُسَمّى بالتلمود، كمَرجعية روحية لهم. ومع ذلك، فإنّ العودة المُفاجِئة لليهود إلى وطنِهم القديم، والولادة الجديدة غير المُتوقَّعة لهذا الوطن في دولة إسرائيل في عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين، أُجْبِر الكثيرين منا على العودة إلى الكتاب المقدس، وخاصة العهد القديم، لإعادة النَظر في العديد من المفاهيم والنُبوءات والمبادئ والأشخاص الذين تَعامَلَت معهم الكنيسة على أنهم ماتوا منذ زمن طويل ولمْ يَعُد لهم صِلة بالموضوع. إنها مفاهيم لا تَنْعكِس أو يتم تناولُها في اللاهوت المسيحي القائم على العقيدة المسيحية، ولا تَتماشى مع وجُهات النَظَر الفلسفية والإنسانية والطائفية والسياسية التي غالبًا ما كانت تَتّسِم بها اليهودية الحاخامية.

لقد كان يَسوع الناصري هو تَحقيق كل ما أشار إليه نظام الذبائح في سِفْر اللاويين؛ لكن العبِريين في أيام يسوع، بسبب اعتمادِهم على التقليد وَوَضْعهم الكتب المقدسة على رفوف مُهترئة، فشِلوا في رؤية تلك العلاقة المهمّة التي قام بها الأنبياء القدماء في المقام الأول. أما المسيحيون، من ناحية أخرى، فَهُم على دراية كبيرة بعقيدة الكنيسة بأنّ يسوع هو الذبيحة عن خطايانا….. على الأقل هذه الكَلِمات التي يتمّ ترديدها كثيرًا من على مَنابر ومِنصّات معظم الطوائف المسيحية. ومع ذلك، كيف يُمكن لمؤمِن ليس لديه أي فَهْم على الإطلاق لنظام القربان الكتابي الذي كان الظلّ النبوي لعمَل المسيح، أن يَفهم الحاجة إلى يسوع، ومعنى، وتأثير يسوع كذبيحة (ربما باستثناء، أبسط معانيه)؟ في الأسبوع القادم سوف نَستكشِف جانبًا رائعًا وغير مَعروف كثيرًا عن يشوع الذي استَقدَم مبادئ الله في التضحية والاستبدال والإفراج.

يُقال إننا ربما لن نُدرِك أبدًا على الأرجح أعماق الصَفقة التي تمًّت على خشبة الإعدام المُلطخة بالدماء في عام ثلاثين ميلادي. إذا رَفَضْنا أن نفتَح الجزء الأول من الكتاب المقدس أستطيع أن أؤكد لكم أنّ نظرتَكم لن تَتغيّر. ولكن، يمكنني أن أؤكّد لكُم بنفْس القدْر أنه بِفَهم نظام الذبائح الذي رسَمه الله بشكلٍ أفضل، كما هو مُفصَّل في سِفْر اللاويين، فسنُقدِّر أكثر ما فعَله المسيح، ولماذا فعَل ذلك، تقديرًا لروعة وعجائبية خطةّ الله للفداء. لم يُعطِنا يَهوَه سِفْر اللاويين كعنصر تاريخي غريب، أو شيء كان مُخصَصًا فقط للدراسة من قبل عِلماء الكتاب المقدس والمؤرخين الكبار. لم يوجد سِفْر اللاويين فقط ليَستخدمَه الكهنة اليهود، القدماء والمستقبلين على حد سواء، عندما يُعاد بناء الهيكل الذي سيُعاد بناؤه قريبًا في أورشليم، وسنرى مرة أخرى دماء الثيران والخِراف تسيل ودخان المذبح النحاسي يَتصاعد إلى السماء سبعة أيام في الأسبوع. بل إنّ هذا الكتاب الفريد من نوعه موجود ليُظهِر لنا ربما العُنصر الرئيسي في نظام عدالة يَهوَه، "ميشبات"، الذي يَهدُف إلى إعادة البشرية إلى العلاقة مع الله؛ وهذا العنصر الرئيسي هو الذبيحة البديلة وما يَنتُج عنها من تحرُّر من دَيننا.

بينما نَنتقِل في سِفْر اللاويين نولي اهتمامًا خاصًا لمبدأ أساسي من مبادئ الله الأساسية التي ستُوضع أمامنا عند كل منعطَف؛ وهو مبدأ قائم عمليًا عَكس تعاليم الكنيسة التقليدية القائِمة على التعاليم العقائدية: إنه الَمبدأ الذي يُقسِّم الله فيه ويَختار ويَفصُل.

ويُميِّز ويرسُم الحدود. نظرًا للمسافة التي وَضَعَتها الكنيسة الحديثة ببطء وثبات بينها وبين الكَلِمات الفِعلية للكتاب المقدس، فإننا ننادي بالوحدة بأي ثَمن، كما لو أنّ الاتفاق المُوحَّد على عقيدة من صُنْع الإنسان هو أمر إلهي. يسعى جَسد المسيح اليوم إلى اندماج واسع النِطاق قبْل كل شيء. ويتمّ هذا الاندماج عن طريق الإجماع والمُطابقة والتسامُح. لم نَشهَد حتى الآن خلال دراستنا لسِفْر التكوين وسِفْر الخروج أي شيء مُتعلِّق بالتسامح والشمول من قِبَل الله؛ بل ما رأيناه هو أنّ يَهوَه يُفرِّق بين النور والظلمة، والشر والخير، والحق والباطل، والفوضى والنظام، وإسرائيل عن الجميع؛ وبينما نتفحَّص نظام الذبائح سنرى النوع نفسه من التقسيمات والتمييزات التي أُقيمت بين الطاهر والنجس، والمقدَس والمدنَس، والإلهي والجسدي، والكهنوتي والشائع. سيتم تقسيم الطهارة الطقسية والجنس والنظام الغذائي إلى مقبول وغير مقبول. سنَستمرّ في رؤية أنّ يَهوَه لا يَتسامَح مع غير المقبول، وأولئك الذين يتصرَّفون بما هو غير مقبول سيُستبعَدون من عضوية المجموعة التي تُدعى "شعبه" إسرائيل.

سيُعطينا سِفْر اللاويين النظرة الكهنوتية للعالم. لماذا هذا مُهمّ بالنسبة لنا؟ لأننا أُعلِنّا كهنة. بصِفَتنا تلاميذ ليسوع، نحن كهنة ملكوت الله الذي رَبُّه هو يسوع الناصري. هذه صِفة يعتبرها معظمنا مَجازًا…. أعني أننا لسنا في الحقيقة – كهنة حرفيًا، أليس كذلك؟ فقط مِثْل الكهنة. من بين كل العبارات المسيحية المُبتذلة المطبوعة على القُمصان وقبّعات الكُرة لا أعتقد أنني رأيت واحدةً كُتِب عليها "أنا كاهن يَهوَه." هل لاحظتم؟

افتحوا كتُبكم على سِفْر الرؤيا واحد.

قراءة سِفْر الرؤيا واحد من الآية واحد إلى ستّة

أنا لا أقول شيئًا مَجازيًا في هذه العِبارة، أم تظنونني أقوم بذلك؟ لقد تمّ إدراجُنا رسميًا ككهنة لله بسبب إيماننا بيسوع، تمامًا كما أعْلَن الله أنّ قبيلة لاوي تُشكّل كهنته المختارين في الأزمنة القديمة. والآن ما هي واجباتُك ككاهن؟

ربما سيكون من الجيّد أن نكتشِف ذلك لأنها الطريقة التي يَرانا الرب من خلالها. هذا بالضبط هو سبب دراستنا سِفْر اللاويين بعِناية فائقة؛ سنكتشِف كيف يَنظُر يَهوَه إلى كهنته، وما الذي يَتوقَّعه منهم…منّا. لكن تَذكّروا أنه يرانا في سياق العالمَ الروحي وليس في سياق العالَم الأرضي.

يقول القديس بولس في رومية الإصحاح الخامس عشر الآية الرابعة " كُلُّ مَا كُتِبَ فِي الأَزْمِنَةِ السَّابِقَةِ كُتِبَ لِتَعْلِيمِنَا، لِكَيْ نَتَمَسَّكَ بِتَشْجِيعِ الْكُتُبِ المقدسة بِصَبْرٍ بِرَجَائِنَا". لم يكُن بولس يُشير بعبارات "ما كُتب و"الكتب المقدسة" إلى العهد الجديد الذي لم يكن موجودًا بعد، بل كان يَتحدَّث عن التوراة… وعن الكتاب المقدس العِبري… ما نُسمّيه نحن الكتاب المقدس. إذَن، كيف يجب علينا كمؤمنين مُعاصرين أن نتعامَل مع التعليمات الواردة في سِفْر اللاويين؟ يقول بولس، بشكل عام، إنه موجود لتَعليمنا. لذا، دعونا نَتعلَّمُها.

اليوم، وعلى مَدى قرون مَضَت، يبدو كما لو أن مُفسِّري الكتاب المقدس يَميلون إلى واحدة من عقليتَين عامتَين عند التَعامل مع سِفْر اللاويين: إضفاء طابع أممي ومسيحي إلى درجة أنّ كل شيء يحدُث فيه له علاقة بيسوع والكنيسة فقط، وبالتالي فإنّ كل تَفصيل يرمُز إلى عُنصر من عناصر خِدمَتِه المستقبلية؛ أو الشَطْب باعتباره مجرَّد مرحلة تاريخية مثيرة للاهتمام في تَطوُّر إسرائيل القديمة كمُجتَمَع، وتَنطبِق فقط على إسرائيل، وبالتالي ليس لها صِلة بنا على الإطلاق. لذلك كان التحدّي الذي يواجهُني هو وَصْف هذا الكتاب الرائع وتقديمُه لكم (الذي نادرًا ما يُدرَّس داخل الكنيسة)، بالإضافة إلى محتوياته المهمّة، بالطريقة التي يُريدها الله، وبالأهمية التي يريدنا أن نفهَمَها.

من بين كل الوثائق والأبحاث والتَفسيرات الرائعة والثاقبة والعميقة التي دَرَستُها عن سِفْر اللاويين، أتّفِق أكثر مع نَهْج غوردون وينهام، الذي يؤكّد على الحقائق التاريخية والقِيم اللاهوتية الثابتة والأبدية المتوفِّرة في سِفْر اللاويين. أي أنه على الرغم من أنه لا يُميِّز سِفْر اللاويين بِشَكْل خاص، ولا الكتاب المقدس بشكل عام، باستخدام المصطلح الذي صُغتُه لتوصيف الطبيعة العامة لكَلِمة الله….. الذي هو حقيقة الازدواجية….. فالنتيجة واحدة.

لا ينظُر وينهام إلى سِفْر اللاويين على أنه اقتراح "إما / أو" أي أنه لا يوجد سبب لجَعْل سِفْر اللاويين إما أدبًا تاريخيًا حصريًا أو تعليمًا لاهوتيًا حصريًا. يرى وينهام، وأؤيده، أنّ المادي والروحي، التاريخي واللاهوتي، موجودان جنبًا إلى جَنب، في آنٍ واحد. أعتبر حقيقة الازدواجية طريقة شخصية في توضيح سرّ روحي عميق؛ أي أن هناك بعدين، مستويَين مزدوجَين، للواقع يَسيران معًا، مِثل الجانب الأيسر والأيمن من سكّة حديد. إنّ المَسارَين هما اللذان يُشكّلان مسار سِكة حديدية كاملة، أليس كذلك؟ مَسار واحد، بمفردِه، ما هو إلا نِصف – مسار سِكة حديد. والآن، استمرارًا مع هذا الرَسم التوضيحي للسِكك الحديدية، من بين المَسارين، يمثِّل أحد المسارين المظهر المادي الحقيقي الملموس لآيات الله؛ إنه ما نعرفُه نحن، لأن ما يمكن لحواسنا أن تَكتشِفَه….. رؤيته ولمْسَه وشمَّه وسماعه هو العالَم المادي الذي يحُيط بنا.

المَسار الآخر غير مرئي لنا بشكل عام؛ إنه الجانِب الروحي. إنه يمثِّل عالم الأرواح…السماء، والجحيم، وأرواحنا البشرية غير المرئية، والعالم الروحي الحقيقي تمامًا، ولكن غير المَرئي الذي يُحيط بنا. يَسير المساران بشكل مُتوازي؛ الجانب المادي مُكمِّل للجانب الروحي. كما ناقشنا بإسهاب في النصف الأخير من سِفْر الخروج، فإنّ خيمة الاجتماع هي مِثال رئيسي على مبدأ حقيقة الازدواجية في العمَل. كانت خيمة الاجتماع في البريّة النسخة المادية الأرضية لخيمة الله الروحية السماوية. لقد كانا موجودين في آنٍ واحد…كِلتاهما حقيقي تمامًا. لكن بالنسبة للبَشر يُمكِن رؤية إحداهما، بينما كان الأخرى غير مَرئية.

لكن ما يَصعُب علينا نحن البشر التعامل معه هو أنّ الواقع الروحي غير المَرئي هو الذي يَرتقي فوق المادي بشكلٍ كبير. الروحاني ليس له حدود. المادي ليس له سوى حدود. لذلك، كل ما يَتجلّى جسديًا هو تلقائيًا أدنى من نظيره الروحي. يُرجى الملاحظة أنني قلتُ أقل شأنًا، وليس عديم القيمة أو سيئًا.

ما نَجِدُه أيضًا كمبدأ كتابي عام هو أنّ إعلانات الله وقوانينه وأوامِره ونُظمَه لا تتقادم أو تنتهي، لكنها تَتحوّل. التَحوُّل يعني بقاء طبيعة البُنية الأساسية وتَغيُّر المظهر الخارجي وغالبًا ما تَتغيَّر طريقة عمَلِها. غالبًا ما يحدُث هذا التَحوُّل عن طريق الاستبدال. وهذا التَحوُّل والاستبدال هو ما يهمُّني أكثر من غيرِه، لأن نظام الذبائح التي أمَرَ بها الله لا يزال موجودًا اليوم… ببساطة تحوَّل؛ دعوني أشرَح لكم. من الناحية الجسدية، لمْ يَعُد نظام الذبائح اللاوية، الذي ينطوي على قَتْل حيوانات مُحدَّدة، يُمارَس بشكل مادي (لكنه سيصبح كذلك في المستقبل القريب)؛ ومع ذلك، فإن الموازي الروحي لهذا النظام القرباني لا يزال موجودًا. الجانب الجسدي من نِظام القُربان لم يُصبِح باليًا، لأن الذبيحة الجسدية وسَفْك الدم لا زالا ضروريين للتكفير عن الخطية؛ ولكن نظام القربان خضع لتحويل ….. بجعل يسوع الذبيحة الجسدية الكاملة والدائمة للتكفير عن الخطايا التي كانت في السابق مؤَقتة وتتم بذَبْح الحيوانات المُحدَّدة. من نفْس هذا الجانب المادي، الذي يخضَع بطبيعته لقيود الزمان والمكان، يمكننا القول أيضًا أنّ موت المسيح التكفيري قد حَدَث بالفعل، في الماضي، أي منذ حوالى ألفي سنة في الماضي، أليس كذلك؟ لكن من وجهة النظر الروحية، التي لا تخضَع لقيود الزمان والمكان، فإنّ تضحية المسيح ليس لها بداية ولا نهاية. نحن لا نَعتمِد في الواقع على شيء قديم، أو في الماضي؛ في العالَم الروحي، موته مُستمرّ وحاضر؛ لَم ينتهِ مع تحقيق غرضه أبدًا؛ لا يزال مطلوبًا لكل نفْس ترغَب في أن يكون لها سلام مع الله وتحيا إلى الأبد في نورِه.

أقول لكم هذا الأمر، لأنني أريدكم أن تَفهموا أن سِفْر اللاويين له صِلة وثيقة بنا، اليوم، كما كان الحال بالنسبة لبني إسرائيل الذين لم يَمضِ على خروجهم من العبودية في مصر سوى سنة واحدة. المبادئ التي يُقدِّمها الله في سِفْر اللاويين مُطابِقة للمبادئ التي أظهرَها المسيح، ومن الناحية الروحية، لا يزال يُظهرِها.

والآن اسمحوا لي أن أهيئ لكم الطريق…لأضَع سِفْر اللاويين في سياقه التاريخي وأضَعَ هيكَله….. وكلاهما عنصران مهمّان في فَهم ما سنقرأه.

في حين أنّ السِفْر الأول من التوراة، سِفْر التكوين، هو سِفْر البدايات، وسِفْر التثنية، السِفْر الخامس والأخير من التوراة هو عِظة تَشرَح الشريعة، فإن هذين السِفْرين يُحيطان بالأسفار الثلاثة الوسطى من التوراة، أو بمثابة خاتمة إن صَحّ التعبير، للأسفار الثلاثة الوسطى من التوراة: الخروج واللاويين والعدَد. يَظهَر جمال دراسة التوراة، وسِفْر التوراة بشكل عام، في تسلسُلِه بشكل عامٍ. أي أنه يَتْبَع خطًا زمنيًا ويُقرَأ مثل الرواية؛ قصة لها بداية ووسط ونهاية، على عكْس العهد الجديد، الذي هو في المقام الأول، باستثناء الأناجيل الأربعة، مجموعة من الرسائل والمذكَّرات التي كانت كل واحدة منها قائمة بذاتها؛ في الأصل كانت هذه الرَسائل من بولس وبطرس ويعقوب وغيرهم تسَعى للتعامل مع قضايا مُحددَّة نشأت في مواقع كنسية محددة في الأيام الأولى لتكوين المسيحية قبل أن تُهيمِن عليها الأمم.

ولذلك، فإن سِفْر الخروج وسِفْر اللاويين وسِفْر العدد كلها تَسير وتعمَل معًا. لو لم يكُن لهذه الأسفار الثلاثة علامات حدودية تُخبرنا أين ينتهي سِفْر ما ويبدأ السِفْر الذي يليه، لربما كنّا حصَلنا على معنى شامل أفضل لمَعناها. بما أنّ لديها علامات حدودية على شكل عناوين وفصول، إذن علينا أن نُفكِّر في الخروج واللاويين والعدد كسِلسِلة كتُب. مثل سلسلة "لفت بيهايند" الشهيرة حاليًا، كل كتاب له بداية ونِهاية خاصة به. لكن كل كِتاب مُصمَّم أيضًا ليَرتبِط بالكتب الأخرى في السلسلة، بترتيب مُعيّن. بدون قراءتها جميعًا، بالترتيب، فإنّ المعلومات التي نحصُل عليها تكون جزئية فقط وبالتالي تكون القصة غير مُكتمِلة. كَوْن سِفْر اللاويين هو السِفْر الأوسط في السلسلة، يجب أن نربِطه بكل ما جاء قبْلَه (في سِفْر الخروج) وكل ما سيأتي بعده في سِفْر العدد لكي نراه في سياقه الكامل.

لذا فإن سِفْر اللاويين هو السِفْر الأوسط في التوراة بأكملها. هو قَلْب التوراة، ومِحورها ومَركزُها. إنه العمود المركزي للشَمعدان. وعلى عكس الأسفار الأربعة الأخرى تمامًا، فإنّ مكان سِفْر اللاويين يَنحصِر في مكان واحد فقط: الجَبَل المقدس، جَبَل سيناء الذي يُسَمّى أيضًا جبل حوريب. وسِفْر اللاويين يُجيبنا عن السؤال الأساسي الذي ينجذب إليه أي مؤمن مُفكِّر في النهاية؛ وهذا السؤال طَرَحه النبي ميخا الذي سأل: كيف أقترِب من يَهوَه؟

"بِمَ أَتَقَرَّبُ إِلَى يَهوَه وَأَتَقَرَّبُ إِلَى إِلَهِي فِي الْعُلَى؟" وتظهَر الإجابة في سِفْر اللاويين الإصحاح التاسع عشر الآية اثنين، وهي كما يلي "تَكُونُ مُقَدَّسًا لأَنِّي أَنَا إِلَهُكُم يَهوَه قُدُّوسٌ". نأمَل أن تكون الكَلِمتان العبريتين "يهوفي" و"إيلوهيم" (إلهك) أصبحتا مألوفتان لكم. بالنسبة لحديثي العهد في دراسة التوراة، يَهوَه هو اسم الله الشخصي الفِعلي، وإيلوهيم كَلِمة تعني "الله".

وكما أنّ سِفْر اللاويين هو مِحور التوراة، فإن القداسة هي مِحور التوراة. إذا كان ما يُقرِّبنا إلى الله هو "القداسة"، فكيف يُمكن للمَرء أن يصِل إلى القداسة؟ بالنسبة للكهنة اللاويين، كانت القداسة تَنطوي على الكثير من الطقوس المُقدَّسة. ومع ذلك، قد تَندهشون عندما تعرفون أنّ الكثير من طقوس القداسة في سِفْر اللاويين كانت مطلوبة أيضًا من الشعب العِبري العِلماني…عامّة الناس. كان الكهنة اللاويون يميلون إلى أن يكونوا بمثابة المُشرِفين أو القائِمين على الطقوس والذبائح، ثم أصبحوا فيما بعد مُعلِّمين للشعب عن الطقوس والذبائح، ولكن منذ البداية كان العبريون العاديين يقومون بالعديد من الأعمال الاحتفالية، بما في ذلك عادة ذَبْح الذبائح. كان ذلك مفهومًا فريدًا من نوعه في العالم القديم. كان الكهنة في الديانات الأخرى في ذلك الوقت هُم وحدُهم مُطالبين باتباع الطقوس الصارمة… وليس الشعب. لقد كان هؤلاء الكهنة وحدهم يَخضَعون للشرائع الغذائية والمُحرَّمات الجنسية وأحكام الطهارة في ديانتهم.

ولكن بالنسبة لإسرائيل كان كل رَجُل يؤدّي دورًا كهنوتيًا. كل رَجُل شارَك بطرُق مُحدَّدة. كل رَجُل كانت له قيود على النظام الغذائي والجنس والطهارة وما إلى ذلك. وسنرى مُتطلبات الرَجُل العبري العادي مُدرجَة في سِفْر اللاويين. إذًا قبْل أن أعلَن المسيح بقرون للقديس يوحنا أنّ كلّ عضو من أعضاء كنيسته، أتباعه: كل تلميذ من تلاميذ يسوع كان كاهنًا (كما رأينا في رؤيا واحد)؛ وابتداءً من موسى، أخذت واجبات الكهنوت تَنتقِل شيئًا فشيئًا من طبقة العامة إلى العناية الحَصرية للطَبقة الكهنوتية كما تُمثِّلها قبيلة لاوي الوحيدة، ثم تعود إلى طَبقة العامة بشرْط أن تثِق تلك الطَبقة العامة بيسوع كمسيح لها.

هذا النظام المُعقَّد من الطقوس الذي أدخَله الله في سِفْر اللاويين لم يكُن ليبدو غريبًا بأي حال من الأحوال على بني إسرائيل. من المؤكد أنّ بعض المبادئ والتفاصيل الطقسية التي أمَرَ بها يَهوَه لم تكُن معروفة من أي مجتمَع من قبل؛ وأهمّ هذه المبادئ التي لم تكُن معروفة من قِبَل هي تحريم استِخدام صور الآلهة. ولكن كانت الذبائح الحيوانية والأعياد الدينية القائِمة على الزِراعة وتقديم القرابين للآلهة إجراءً مُعتادًا في معظم عناصر العالم القديم منذ زمن طويل قبل ظهور إسرائيل. كما لم يكُن إنشاء طبقة كهنوتية مُنفصِلة تقليديًا أيضًا…. شيئًا غريبًا في إسرائيل.

لا ينبغي أن نَندهش أو نَنزعِج من هذه الحقيقة التاريخية…أنّ التضحية بالحيوانات للإله أمْرٌ قديم. عند الخروج من السفينة، قام نوح، الذي اختير لإعادة تعمير الأرض، بتقديم ذبيحة حيوانية طقسية، وتَجدُر الإشارة إلى إرساء المبدأ الإلهي للتضحية بالحيوان قبْل نوح، وكان ذك مِحور الجَدَل الذي أدى إلى موت هابيل على يد أخيه قايين عندما أوضَح الله أنه وَجَد تقدِمة هابيل لحيوان مقبولة، ولكن تقدِمة قايين للنبات غير مقبولة.

بعد الطوفان ستَقتدي البشرية جَمعاء بِنوح بما يخصّ كيفية التعامل مع الله… على الأقل كان هذا هو الحال لفترة من الزمن. كان نوح على دراية بطرق الله، وقد انعكَست هذه الطُرق في القانون القديم الذي سُمّي على اسم نوح: شريعة نوح. حتى أنّ القديس بولس يُشير إلى

إلى هذه الشرائع النوحية السبعة في سِفْر أعمال الرسل. بشكل عام، شرائع نوح هي واحد) لا عبادة أوثان، اثنان) لا تَجديف (شَتْم الله أو استخدام اسمه في نِذر كاذب)، ثلاثة) لا قَتْل، أربعة) لا سرقة، خمسة) لا جنس غير أخلاقي، ستة) لا شرْب دم أو أكْل حيوان حي، وسبعة) على الإنسان أن يؤسِّس حكومة بشرية من أجل إدارة نظام عدالة الله. ستُشكِّل هذه الشرائع النوحية، في نهاية المطاف، أساس الوصايا العشر كما أُعطيت لموسى.

ولكن بعْد بَضع مئات من السنين من الطوفان العظيم، قاد زعيم عالمي قوي اسمه نمرود معظم سكان الأرض إلى ثورة مفتوحة ضد الله؛ وكان الأساس الحقيقي لهذا التَمرُّد هو رفضُهم طاعة شرائع نوح السبعة. بالطبع كان هذا التمرُّد يختمِر منذ بعض الوقت مع ابتعاد الناس عن يَهوَه، وكان نمرود ببساطة هو المُحفِّز والقائد.

ما أقصِده هو أنّ الله لمْ يأخذ نظامًا بشريًا مُنحرِفًا قائمًا من الذبائح والشريعة والطقوس، ثم قام بتكييف واستِخدام تلك الفوضى المُنحرِفة كأساس لنظام قداسته كما هو موجود في سِفْر اللاويين. كان الأمْر بالعكس. قدم يَهوَه أولاً نظام قرابينه/ قداسَته للبشرية من خلال آدم، ثم أعاد تقديمَه من خلال آدم الثاني…. نوح. عَلّمَ نوح أبناءه نظام عدالة الله/ القداسة وعلّم أبناؤه ذريتهم وهكذا دواليك. ولكن، كما يفعل البشر، بدأ بعض الناس يَتجاهلون مبادئ الله وبدأ آخرون في إنشاء طقوسهم الدينية الخاصة؛ أي أنهم أضافوا أفكارهم المُضلِلة إلى تعليمات الله وانزلقوا بسرعة إلى منحدَر العبادة الكاذبة، عبادة الأصنام. وبَلَغ الأمْر ذروته في بُرج بابل عندما أصبح العالَم مرة أخرى شريرًا تمامًا، تمامًا كما كان قَبْل الطوفان. يُنسَب إلى نمرود أنه أبْ ما يُسميّه الكتاب المقدس "ديانات بابل الغامضة" وبالطبع أخَذَت هذه الديانات الزائفة ما كان يَعرِفه العالَم كُلّه من قَبْل على أنه معايير الله كما سَلَّمها نوح وحَرّفتها لتَتوافق مع رغبات الأشخاص وطبيعتهم الخاطئة والأنانية، وسرعان ما بدأوا يَبنون مَذابح لآلهة وَهْمية ويَستخدمون نظام قداسة الله بطريقة مُنحرِفة وغير مُصرَّح بها. وسرعان ما تحوَّلت الذبيحة الحيوانية إلى ذبيحة بشرية. وتحوَّلت المحظورات الجنسية إلى سِفاح القُربى والمثلية الجنسية والبَغاء الديني. وأصبحت مختلف الزواحف والطيور والبرمائيات والثدييات والبشر صورًا للآلهة.

مثل مُعظم أعمال الخداع، كانت هذه الديانات الزائفة وطقوسها الوثنية تَحمِل في جوهرها قدْرًا من الحقيقة الإلهية. لكن الحقيقة غُلِّفت بالأكاذيب، وبالكاد يُمكن التعريف بأنّها كانت في وقت من الأوقات نقيّة ومُقدَسة عند الله. كان سِفْر اللاويين يعيد الخطّ المُستقيم ويُعيد الإنسان إلى الطريق الصحيح في ما يَخصّ عبادة يَهوَه. ولكن كما أنّ تقويم المَسار الذي بدأ بعد الطوفان كان بواسطة رَجُل واحد، وهو نوح، فإن تقويم المَسار الأخير سيبدأ مع شعب واحد، هو شعب إسرائيل، من خلال وسيط واحد، هو موسى.

ومن المُثير للاهتمام أنّ ممارسات العبادة الوثنية القديمة هذه التي كانت موجودة قبْل زمن موسى وأثناءه تُقدِّم لنا أساسًا متينًا للاعتقاد بصحة سِفْر اللاويين. أشير إلى هذا الأمر لأن العديد من علماء الكتاب المقدس يقترحون أنّ سِفْر اللاويين لا يعود إلى أيام الخروج، بل إلى وقت أقرب زمنيًا… في زمن نفي اليهود إلى بابل في القرن السادس قبل الميلاد. ومع ذلك، فإنّ الأدلة الأثرية والوثائقية الحديثة تؤكِّد مرة أخرى ليس فقط على صِحّة سِفْر اللاويين، بل تُشير إلى أن أصله يعود إلى حوالى القرن الثاني عشر إلى الرابع عشر قبل الميلاد. عندما نُقارِن الأدلة الأثرية والوثائقية لمجُتمعات الشرق الأوسط في هذه الحقبة نفسِها… من مصر وسوريا وبلاد ما بين النهرين… بما وَرَد في سِفْر اللاويين نرى أوجُه التشابه التي لا تُخطئ. تم اكتشاف الكثير من الأدلة مؤخرًا عن الثقافة الحيثية الواسعة والمُزدهرة؛ وفي ذلك نَجِد المزيد من الأمثلة على الشَكل الأدبي لسِفْر اللاويين وكذلك المُمارسات الدينية في تلك الحقبة. ليس لدينا فقط وثائق مَكتوبة، بل لدينا الآن صُورَ فوتوغرافية وُجِدت على الجُدران ومن خلال الآثار التي تؤكِّد وتوضِّح شكْل هذه الممارسات الدينية الوثنية. وكما يَتوقَّع المرء، فإنها تتناسب تمامًا مع ما هو مَنصوص عليه في سِفْر اللاويين.

يُستغرَب أنّ العلماء المعاصرين لا يتساءلون عن حقيقة حدوث المَكتوب في وثائق المعبد الأوغاريتية أو المصرية. ومع ذلك فإنّ الكثير من هؤلاء العُلماء يرون أنّ وَصْف الكتاب المقدس لممارسات بني إسرائيل الدينية غير جدير بالثقة أو خيال لمُجرّد أنه "الكتاب المقدس". أُجريَت بالفعل بعض التنقيحات على نصوص الكتاب المقدس على مَرّ القرون، انتبهوا إلى العشرات والعشرات من نسخ الكتاب المقدس المُتاحة لنا اليوم كمِثال حديث على ذلك. ولكن مع اكتشاف مخطوطات البحر الميت، نَجِد أنّ الاختلافات في نصوص الكتاب المقدس منذ زَمن ما قَبْل المسيح مباشرةً إلى الآن طفيفة جدًا….. غير مُهمّة إلى حدٍ كبير. لذلك ليس هناك أي سبب يجعلُنا نعتبر سِفْر اللاويين مُخالِفًا لما هو؛ أي النظام الكهنوتي والخاص بالقرابين- العبري الأصلي الذي أعطاه الله لموسى على جَبَل سيناء.

ومع ذلك، هناك دليل قوي على أنّ بعض المصطلحات الواردة في سِفْر اللاويين، وفي جميع أنحاء الكتاب المقدس، قد تَغيَّرت مع مرور الوقت. ما يُلاحظ بشكلٍ خاص في سِفْر اللاويين هو استخدام الكثير من المصطلحات التي تتَعامل مع مُجتمع زراعي ما يَتماشى مع ظروف بني إسرائيل بعد أن استقرّوا في كنعان؛ ولكن في وقت الكتابة الأصلية لسِفْر اللاويين كان العبريون مثل البدو….. وليسوا مزارعين. لقد تَصارعت أفكار العلَماء والمُعلِّمين بخصوص هذا الأمر ومع العديد من الجوانب الأخرى في الكتاب المقدس في محاولة لتَحديد ما هو أصلي وما تم تَغييره. هناك شيء واحد مؤكَّد: في جميع الوثائق الكتابية القديمة المختلفة التي تمّ العثور عليها وفَحصُها، بِغضّ النظر عن أي ثقافة أو أي لُغة أو حتى أي عَصْر، فإنّ القصد والمعنى والمبادئ والنبوءات وصِفات يَهوَه المُعلَنة الموجودة في تلك الوثائق لم تتغيَّر. وهذا هو الاستنتاج شبه الإجماعي حتى لأقسى نقّاد الكتاب المقدس وأشَدُّهم قسوةً.

هل اتَّبَعَ شعب إسرائيل بأمانة خطّة القداسة الكهنوتية التي كُتِبت في سِفْر اللاويين؟ بشكل عام لم تُطاع بشكل كامل، ولكن بشكل مُتقطِّع، ومدى التزام الشعب بالأصل كان مُتفاوتًا من عَصْر إلى آخر. على سبيل المثال، تُشير إحدى التعليمات الأساسية في التوراة إلى أنّ عائلة هارون كانت تُشكِّل سلالة رؤساء الكهنة. في مكان ما في التاريخ انتهى ذلك الأمر. في مدينة شيلوه كان بعض الكهنة من سلالة موسى يديرون الكهنوت. وبِحلول زَمَن داود، تَولَّت عائلة صادوق، وهو من سلالة هارون، هذا الدَور مرة أخرى….. ولا يوجد في الكتاب المقدس ما يُشير إلى سبب هذا التغيير أو توقيتِه. ومع مرور الوقت أصبح هناك كهنوت ومَعابد مُتنافِسة. في زَمن يسوع، كان السامريون المَكروهين قد بنَوا هيكلهم المُنفصِل الخاص بهم في السامرة، على جبل جرزيم، وكانت لهم نسختهم الخاصة من التوراة (المَعروفة تِقنيًا باسم أسفار موسى الخمسة السامرية)؛ وكان لهم كهنتهم الخاصة وطقوسهم الخاصة، وما إلى ذلك؛ لم يُعترَف بشرعية أيٍ منها من قِبل اليهودية السائدة في أورشليم. وقبْل ذلك بسبعة قرون كان لإسرائيل، التي انقَسَمَت في ذلك الوقت إلى مملكتَي أفرايم – إسرائيل ويهوذا، أي لكلّ من المَملكتين، كهنتها الخاصة وموَاقع قرابين وممارسات عبادية فريدة.

لذلك يُمكِن للمرء أن يتخيَّل الاختلاف الذي سيحدُث على مَرّ القرون في تنفيذ الطقوس التي سنقرأ عنها في سِفْر اللاويين. ولكن في النهاية يجب أن نَستمرّ في الإدراك أنّ سِفْر اللاويين، كما هو الحال مع كل التوراة، قد وُضِع ليُعلِّمنا، نحن المخلوقات التي تعيش في عالم مادي من الزمان والمكان، عن بعض المبادئ الروحية الهامة. وحتى عندما نَخرُج عن المَسار الصحيح، يمكننا العودة إلى العبادة النقيّة…. كما فَعل شعب إسرائيل مِرارًا وتكرارًا…… بالرجوع إلى المُخطَطات الأصلية.

تمّ تنظيم سِفْر اللاويين بطريقة مَنطقية للغاية. تغطّي الإصحاحات واحد إلى سبعة شرائع الذبائح الطقسية. تتحدث الإصحاحات ثمانية إلى عشرة عن رسامة الكهنوت. ثم تتناول الإصحاحات الحادية عشرة إلى السادسة عشرة الطهارة الطقسية والنظافة، وأخيرًا تُرسي الإصحاحات السابعة عشرة إلى السابعة والعشرين المبادئ والمُمارسات الأساسية لتطبيق القداسة على حياة شَعب إسرائيل اليومية.

عندما نَقرأ سِفْر اللاويين، سنرى أنّ الهدف هو عالَم يكون فيه الكمال…. أي الكمال الكامل وغير المنقوص….. تزامُنًا مع النظام والمثالية، هو ما يُمثِّل الحالة المثالية لإسرائيل. من ناحية مُعاكِسة، الهدَف هو عالم لا يَختلط فيه غير المرغوب فيه… أي حيث لا يُفترَض أن يتلامس الطاهر والنجِس، المقدس وغير المقدس مع بعضهما البعض….. وهو المكان الذي تُحظَّر فيه العيوب والنقائص، الموجودة في العالم الطبيعي، على عباد الله ومقدسّاته.

من وِجهة النظر الكهنوتية…وهو المِنظار الذي يُقدَّم لنا سِفْر اللاويين من خلاله…هذا الكتاب يَهتمّ في المقام الأول بالحفاظ على حالة الاتحاد التام بين إسرائيل ويَهوَه. لذا، يُعالِج سِفْر اللاويين التهديدات المختلفة لحياة إسرائيل مع الله. يتم توفير مَصفوفة مُعقَّدة من الفرائض، التي نُسمّيها عادةً شرائع، لتَسهيل التطهير والمصالحة عند مواجهة النجاسة والخطيئة. هذه الفرائض نفسها موجودة أيضًا لتأسيس مُدوَّنة للسلوك وفقًا لنظام عدالة الله، ولحماية الكهنة والأرض والشعب ومَسكَن الله الأرضي بعيدًا من التلوّث الذي إذا تُرك دون رادع، فسيؤدي بالتالي إلى الانفصال عن الله.

سوف تَتعلّمون المزيد عن كيان الله، وما هي الخطية، والطبيعة مُتعدِّدة الأوجه للتكفير والفداء، والثمن الفظيع المَطلوب لإبعاد غَضَب الربّ عنّا أكثر ممّا قد تتعلمونه في أي كِتاب آخر في الكتاب المقدس.

سنُكمِل في الأسبوع القادم استعدادنا لدِراسة سِفْر التوراة الذي يَتعلَّمه الأطفال اليهود قبل أي سِفْر آخر: سِفْر اللاويين.