سِفْر اللاويين
الدرس العشرون – الإصحاح الثالث عشر
قبْل أن نعود إلى سِفْر اللاويين الثالث عشؤ، اسمحوا لي أن أتوقّف لحظة لأدْلي ببعض الملاحظات التي آمل أن تُساعدنا في إبقائنا على المَسار الصحيح وإبقاء ما نَدرسه في السياق والمنظور الصحيح.
أود أولاً أن أؤكد على أهمية دراسة التوراة، وخاصةً فيما يَتعلق بسِفْر اللاويين. بالنسبة لأولئك منا الذين خلُصوا وترعرعوا في بيئة الكنيسة التقليدية، فإنّ عالم التوراة والعهد القديم يبدو تقريبًا وكأنه كتاب مقدس مختلف عن عالم العهد الجديد. أظنّ أنّ السبب في ذلك هو أننا قرأنا النهاية قبل قراءة البداية والوسَط. كما لو أننا ذهبنا إلى مَسرح، وشاهدنا فقط الفَصل الأخير من مسرحية من ثلاثة فصول، وعُدنا مرات عديدة لمشاهدة الفَصل الثالث……من دون أن نُشاهد الفصلَين الأول والثاني. وعندما يفعل المرء ذلك فإنّ الاستنتاجات التي يَستخلصها يمكن أن تكون غير مُكتملة وحتى بعيدة عمّا قصَده المؤلف.
حسنًا، نحن الآن نَدرس بجدّية المشاهد الافتتاحية لكلمة الله إلى البشر، وفي بعض الحالات تؤسس سياقًا مختلفًا إلى حدٍ ما عما كنا نتوقعه. بالنسبة لبعض المؤمنين، هذا أمرٌ غير مريح، وسيَشعر البعض بعدم الارتياح وسيَغضب البعض خوفًا من أن تتعرّض التعاليم البشرية العزيزة للخطر. ولكن، يجب مُقاومة هذا الانزعاج وإلا فإننا لن نَستوعب كل العجائب الموجودة في العهد الجديد.
أريد أن أؤكد لكم جميعًا أنه كلما تَعمّقتم أكثر في التوراة، كلما زاد إيمانكم؛ وفَهمتم لماذا أرسل يَهوَه مسيحه ليُخلّصنا. إنّ ما سيواجهنا هو ليس الإيمان بكلمة الله أو بيسوع المسيح، بل ببعض تعاليم البشر التي تَعلمناها جميعًا. يُخبرنا سِفْر يوحنا أنّ يسوع هو الكَلِمة، والكَلِمة هو الله. يَعرِف كل مسيحي أن "الكَلِمة" هو مجرد مصطلح آخر من الكتاب المقدس، ولكن ما هي "الكَلِمة" التي كان يوحنا يَتحدث عنها؟ نادرًا ما يتوقّف المؤمنون للتفكير في أنّ كَلِمة الله عند يوحنا وبولس وبطرس وبقية تلاميذ المسيح كانت الكتاب المقدس، وفي المقام الأول التوراة. لم يكُن هناك شيء اسمه "كتاب مقدس آخر" غير العهد القديم لما لا يَقل عن مئة وخمسين عامًا بعد موت يسوع على الصليب. لم يكن هناك شيء اسمه "العهد الجديد" حتى حوالى عام مئتين بعد الميلاد. لذلك فيما يَتعلق بما كان يوحنا يُشير إليه مباشرة في كتابه على أنه معنى "الكَلِمة"، فقد كان العهد القديم فقط. كان يسوع، يسوع هو التوراة.
الآن اسمحوا لي أن أذكر، قبل أن يُساء فهمي، أنني بالتأكيد أقبَل العهد الجديد على أنه من الله وجزء من كلمة الله. لكن أن أجعَل العهد الجديد هو الجزء الوحيد الباقي أو الذي لا يزال صالحًا من كلمة الله فهو خطأ فادح. علاوةً على ذلك، من غير الدقيق فكريًا (إن لم يكن غير النزيه) القول بأن أي إشارة إلى الكَلِمة أو إلى الكتاب المقدس في العهد الجديد كانت تُشير إليه فقط.
لم يكن لدى أي كاتب من كتاب العهد الجديد أدنى فكرة أنه بعد مرور قرن أو نحو ذلك من كتاباتهم، ستَجتمع لجان من قادة الكنيسة وتُعلن الرسائل والأناجيل والرسائل المُلفقة باعتبارها كتابًا مقدسًا جديدًا. لقد صاغ يسوع كل هذا بطريقة أود أن أراها تُصبح بالفعل جزءًا من العقيدة التي يَسعى صفّ التوراة إلى اتباعها، وهي:
إنجيل يوحنا الإصحاح خمسة الآية ستة وأربعين "لأَنَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى تُصَدِّقُونَنِي لأَنَّهُ كَتَبَ عَنِّي سبعة وأربعين "وَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُوا كُتُبَهُ فَكَيْفَ تُصَدِّقُونَ كَلاَمِي".
كما وَرَد في يوحنا خمسة يسوع في الهيكل، يوم السبت، يَتحدث إلى بعض اليهود. الآن سيُجادل هؤلاء اليهود بشدة أنهم بالتأكيد يعرفون موسى وما كَتَبه. لكنهم في الواقع كانوا يعتقدون فقط أنهم يعرفونه. إنّ أكثر ما كانوا يعرفونه، وما صَبغ كتاب التوراة الذي كانوا يقرؤونه، هو عقائدهم وتقاليدهم. كانوا يحاولون صَبّ الكتاب المقدس في قالب صَنعته التقاليد. لقد فعلَت المسيحية نفس الشيء لمدة ألف وثمانمئة عام. نحن نؤسس عقائد ثم نَجعل الكتاب المقدس يُقرأ بطريقة تُثبت صحة تلك العقائد. الكتب المقدسة التي لا تُثبت صحة العقائد تُترك خارج الجدال، أو في كثير من الأحيان، تُؤخذ الآيات خارج سياقها تمامًا وتُنسب إلى معنى لا علاقة لها به.
يقول يسوع للكلّ أن يَسمعوا توراة موسى لفَهم كل ما يليها (بما في ذلك العهد الجديد). يقول يسوع، كيف يمكنكم أن تؤمنوا بكلامي، إن لم تؤمنوا بكلام موسى…أولاً؟ إنّ فَهم موسى مهم ليس فقط لليهود، ولكن أيضًا للأمميين. لذا، أسألكم، كيف تَعتقدون أننا يمكن أن نفهم ما كان يَعنيه يسوع بالأشياء التي قالها، إذا كنا لا نفهم ما كان يَعنيه موسى، بل لم نقرأ حتى كَلِماته بجدّية؟ أو الأسوأ من ذلك أننا نَستبعد هذه الكلمات، ونقول إنها مجرد عِبء قد رُفع عنا ونبذها الشخص نفسه الذي قال للتو إنه يَجب أن نؤمن أولاً بموسى؟ آمل أن يكون درس التوراة في طريقه لعلاج هذه المسألة.
الأمر الثاني: من الصعب على الأمريكيين على وجه الخصوص أن يقرأوا التوراة من دون أن يصابوا بالارتباك في مرحلة ما، لأنها تُظهر باستمرار أنّ يَهوَه يُهلِك أفرادًا، بل أممًا بأكملها، من أجل جماعته المُختارة ككلّ، ومن أجل مقاصده.
لقد سافرتُ في الكثير من أنحاء العالم (والكثير منكم سافر أكثر مني) ومن خلال تجربتي لم أصادف ثقافة أكثر فرادة من أمريكا. نحن نَنظر إلى الأمور على أساس أنّ حقوق الفرد هي الأهم. ولذلك نحن الأمريكيين ننظر إلى الكتاب المقدس من خلال هذه العدسة. من الصعب علينا أن نقرأ سِفْر اللاويين، على وجه الخصوص، ونرى أعدادًا كبيرة من الحيوانات البريئة التي ذُبحت لتُقدم كذبائح؛ وأن يُنبذ من المجتمع أشخاص أبرياء أصيبوا بمرض جلدي؛ وأن يَحرق الله الكهنة الذين يبدو أنهم لم يفعلوا أكثر من إفساد إجراء طقسي؛ وكل هذا بأمْر مُحدَّد من يَهوَه. ومع ذلك فإن قداسة الله…. التي تَمثّلت في خيمة الاجتماع وفي أمّة إسرائيل…… لم تكن لتَحتمل أي تهديد. إنّ قداسة الله، وبالتالي قداسة شعبه، هي قداسة سامية لدرجة أن الأفراد وعائلاتهم كثيرًا ما عانوا أو ماتوا حتى لا تَتضرر الطهارة أو تَتدنس القداسة. لم يكُن من الممكن التسامح مع انزعاج الأفراد على حساب تعريض السلامة الروحية لأمته المقدسة وملكوته للخطر.
إذا كنا نريد الحق، فعلينا أن ننظر إلى الله في سياق ما هو عليه في الواقع وليس في سياق ما نود أن يكون لدينا. إنّ الله الذي نراه في التوراة هو الحقّ، تمامًا كما أنّ الله الذي نراه
في العهد الجديد هو الحقّ. لم يتخلَّ أحدهما عن الآخر؛ فهما واحد. لم يتخلَّ يَهوَه عن بعض صِفاته لصالح البعض الآخر؛ فمجموع الأجزاء يرسِم أفضل صورة للجميع.
لذا دعونا نعود إلى الكَلِمة ونَحصل على المزيد من التفاصيل. لقد دَرسنا سِفْر اللاويين ثلاثة عشرة، والتزاراة……الأمراض الجلدية الخطيرة التي تَجعل المرء يُصبح نجسًا طقسيًا. عندما انتهينا من دَرسنا في المرة الماضية، ناقشنا حالة النفي هذه (مرة أخرى، النفي تَعبير خاص بي وليس تعبير من الكتاب المقدس)، وهي نوع من الأرض "الحَرام" التي وُجد الشخص الذي اشتُبه (من دون التأكيد) في إصابته بالتزاراة فيها. لم يكن يوضع خارج المخيم كما هو الحال مع النجس عادةً، لكنه كان يُعتبر نجسًا أثناء فترة انتظار صدور القرار. مُذنب حتى تُثبت براءته، إذا جاز التعبير.
ومع ذلك، يجب أن ندرك أنّ هذه القوانين الواردة في سِفْر اللاويين حول التزاراة والنجاسة الطقسية ليست سوى دليل مادي على حقيقة روحية موجودة حتى اليوم: فالنجِس يَعتبره الله غير مؤهل لإقامة علاقة معه أو مع جماعة يَهوَه. النجسون في حالة ميؤوس منها ما لم يتوبوا ويَقبلوا يسوع. اليوم، النجسون هم غير المؤمنين. هذا لأنه على الرغم من أنّ جميع الناس يولدون عاديين وطاهرين، إلا أن طبيعتنا الخاطئة تقودنا إلى الخطيئة وبالتالي إلى النجاسة.
كم نَسمع كثيرًا، حتى في بعض الكنائس الممتازة التي تعلّم الكتاب المقدس، أنّ محبة الله أعظم من أن يلعن كل من لا يخضع لابنه ….. أنّ الله لا يمكن أن يُدير ظهره المقدس بالتأكيد لأولئك الذين يعيشون حياة صالحة وأخلاقية، ويَتصدّقون ويَهتمون بالفقراء، وهم لطفاء وكرماء إلى حدٍ ما، وحتى روحانيين موجهين، ولكن لا يستطيعون أن يجعلوا من يسوع ربًا لحياتهم…… بالتأكيد لا يمكن لإله محب ورحيم أن يفعل مثل هذا الشيء. إله العهد الجديد ليس أقل قسوة من إله العهد القديم لأنه هو نفسه أمْس واليوم وإلى الأبد. إما أن تكون طاهرًا ومقدّسًا وفي ملكوت الله…..أو أن تكون نجسًا وغير مقدس وخارج ملكوته. وهذا الحُكم يتم فقط بناءً على إذا كنت تثِق بالمسيح أم لا.
لنقرأ سِفْر اللاويين ثلاثة عشر من الآية واحد إلى سبعة عشرة.
قراءة سِفْر اللاويين ثلاثة عشر من الآية واحد إلى سبعة عشرة
الإصحاح ثلاث عشر هو واحِد من تلك المرات القليلة الأخرى في التوراة عندما يَتحدث يَهوَه إلى كلّ من هارون وموسى. وفي الآية اثنان، تَرِد قائمة بالأعراض العامة للأمراض الجلدية، بحيث أنّ أي شخص تظهَر عليه أيًا من هذه الأعراض عليه أن يأتي إلى الكاهن ليَفحصه. الطفح الجلدي، والتورّمات، وتَغيُّر لون الشعر والجلد غير الطبيعي كلها مَدعاة للقلق.
والفكرة في الأساس هي أنه إذا تحوّل الشَعر في المنطقة المصابة إلى اللون الأبيض، أو إذا بدا أنّ الطَفح الجلدي تَغلغل إلى ما هو أعمق من مجرد سطح الجلد، أو إذا تَركت آثارًا في الجلد أعمق من المنطقة المُحيطة بالجلد، فيجِب الشك في وجود تزاراة خطيرة. ولكن الكاهن … وليس الشخص المُصاب بالمرَض…… هو الذي يجب أن يُحدد ذلك؛ لأن الكاهن هو الذي يجب أن يُميز بين الطاهر والنجس.
بالطبع هناك بعض مراحل الأمراض الجلدية التي تُصعّب تحديد مدى خطورة الأمر. لذلك إذا بدأت المنطقة المُصابة في الجسم بالتحوّل إلى اللون الأبيض، ولكن الشَعر في تلك المنطقة لم يَبيض بعد، فعادة ما يتم عزْل الشخص، ولكن لا يتم إرساله خارج المخيم. في هذه المرحلة يكون الشخص في حالة من "النفي" (كلمتي وليس الكتاب المقدس)، حتى تَمرّ سبعة أيام أخرى ويُعاد فَحصه من قبل الكاهن. إذا لم تَتفاقم الحالة يتم حَجره لمدة سبعة أيام أخرى ويُعاد فَحصه مرة أخرى. إذا خَفّت العوارض بعد أربعة عشرة يومًا، يُعلن أنه طاهر ويمكنه العودة إلى منزله. ولكن إذا اتسعت المنطقة المُصابة بعد إعلانه طاهرًا يجب أن يذهب للكاهن مرة أخرى……وفي جميع الاحتمالات يُعلن أنه غير طاهر….. بمعنى أنه سيُرسل خارج المخيم طالما المرض موجود.
تمامًا مثل الأم الجديدة التي تلِد وتَمرّ أولاً بفترة "عدم نقاوة" كبرى ثم فترة "عدم نقاوة" صغرى…. ومع ذلك، الشخص الذي يَنتظر نتيجة التشخيص، يُعتبر "غير نقي" في الحالتين…….. أي يكون نجس. ولكن هنا الدرجة مُنخفضة، لذا فهو لا يوضع خارج المخيم؛ ولكن لا يَجوز له أن يسكُن في خيمة أو بيت أهله أو مع عامّة الناس وبالتأكيد لا يمكن أن يكون له أي دور في الطقوس الدينية خلال هذه الفترة. أخبَر راشي، وهو حكيم عبري عظيم، عن وجود خيمة أو بيت خاص لهؤلاء المنفيين، بالقرب من أطراف المخيم، ولكن ليس خارج المخيم.
على الرغم من أنّ الكتاب المقدس لا يُساوي بالضرورة بين الاثنين، إلا أنه كان من المفترض عمومًا بين بني إسرائيل أنّ المَرض الجلدي، إذا تم تَشخيصه على أنه تزاراة، كان في الأساس علامة خارجية لحالة روحية باطنية وخَفيّة لا يَعلمُها إلا الله. وهذا يعني أنّ هذا الشخص قد ارتكب نوعًا من الإثم ضد يَهوَه، ولذلك كان يُعاقَب بأن تُكشَف حالته الخاطئة في شَكل مرض جلدي. لقد ناقشنا منذ عدة أسابيع كيف كانت تُقدّم بعض الذبائح إذا ما بدأ الشخص يشعر بالذنب، ولكنه لم يكن مُتأكدًا مما قد يكون قد ارتكبه. وعندما نربِط ذلك بمفهوم اعتقاد العبريين أنّ التزاراة كانت عقابًا من يَهوَه على تَعدي سرّي أو مجهول من نوع ما، فإننا نرى لماذا كان الأكثر عصبية وقليلي الثقة بين بني إسرائيل ربما يُقدّمون الكثير من ذبائح "الزيفا" للتكفير عن شيء ما قد يؤدي إلى التزاراة إذا لم يقوموا بهذه الطقوس والتكفير عن تعدّيهم.
ومع ذلك يجب ألا نعتقد أبدًا أن هذا هو الهدف الذي قصَده الله، ولا حتى في أيام العهد القديم……المسيح يوضح أنه يجب ألا نفترض أبدًا (على سبيل المثال) أنّ مرض شخصٍ ما أو سوء حظه مُرتبط مباشرةً بتجاوز، بخطيئة قد يكون ارتكبها.
من الواضح أننا كمؤمنين نُدرك أنه عندما دخلت الخطيئة إلى العالم دخل الموت والمرَض أيضًا، ونحن كمؤمنين لسنا مُحصّنين ضد الموت والمرض لأن هذه القشرة الخارجية، أجسادنا، هي نفسها التي تَكسو غير المؤمنين. لذلك من العَدل أن نقول إنّ هناك علاقة ما بين الخطيئة والمرض. ومع ذلك، وكما هو مذكور مرارًا وتكرارًا في الكتاب المقدس، لا يمكن للمرء ولا ينبغي أن يَحكم بأن صحة الشخص تَرتبط مباشرةً بمدى صلاح أو سوء الحياة التي عاشها، أو أنه يمكننا أن نُلقي اللوم على شخصٍ ما واعتبار سلوكه أدنى مستوى من سلوكنا وأنّ ذلك ما أدّى إلى مرَضه.
كان بنو إسرائيل، الذين خرجوا للتو من مصر، شعبًا مؤمنًا بالخرافات. وكذلك كان بنو إسرائيل الذين دخلوا كنعان لأول مرة، وأولئك الذين شَكّلوا أوّل أمّة ذات سيادة لإسرائيل، وأولئك الذين تم نَفيهم إلى آشور ثم إلى بابل، إلخ. ليس من الصعب علينا أن نَفهم الوصمة الاجتماعية الرهيبة التي كانت تَحمِلها الإصابة بالتزاراة، والوَضع خارج المُخيّم. أن يُعلن شخصٌ على أنّه نجسٌ طقسيًا كان الأمر مدمرًا، كذلك فَصْله من كل علاقة مع يَهوَه، فقد أصبح بذلك منبوذًا اجتماعيًا….. وبقدر ما كان بنو إسرائيل الأصحّاء يَشعرون بالعار، فقد كانوا يقلقون بأن ذاك الشخص يَستحقّ ذلك. بالنسبة لعائلة الشخص المصاب، كان الأمر مدمرًا أيضًا لأن حالة المنبوذ تَنعكس عليهم. فإذا كان رجل العائلة هو الذي أصيب بالتزاراة فقد يعني ذلك فَقْر أسرته. وإذا كانت الأم والزوجة هي التي أصيبت، كان ذلك يعني انفصالها حتى عن الطفل الرضيع، وربما مدى الحياة.
وكما تناولت الآيات الثمانية الأولى من الإصحاح الثالث عشر حالات المَرض الجلدي المكتشفة حديثًا، فإن الآيات تسعة إلى سبعة عشرة تتناول حالات مُزمنة من المرض الجلدي…قد تَستخدم بعض الترجمات كلمة "قديمة"، وهذا أمْر محيّر بعض الشيء….ولكنها تعني مُستمرة أو متكررة. لذا فالفكرة هي أنّ الشخص قد يكون لديه مرض جلدي مُستمر، ولكن تم تحديد أنه ليس خطيرًا وبالتالي لم يتمّ إعلان الشخص نجسًا. أو قد يكون مصابًا بمرض جلدي مُستمر، وتم وَضعه خارج المخيم، ثم شُفي منه وعاد إلى الطهارة وبالتالي يُسمح له بمواصلة حياته بشكل طبيعي. ولكن…..لأن بعض الأعراض مُستمرة، أو أنّ المرض قد عاوده ، فلا بد من إعادة فحصه من قِبل الكاهن للتأكد من أنه لم يَتفاقم وأصبح تزاراة، وبالتالي يتَطلّب الحَجْر الصحي.
لذلك، بالنسبة للآلام الجلدية المُزمنة، هناك مجموعة مختلفة قليلاً من المعايير المطلوبة. وباختصار، إذا كان اللحم (المكشوف) موجودًا فهذا يعني أنّ المرض لم يَلتئم بشكل صحيح ويجب اعتباره تزاراة. لا تَستدعي الحالة فترة سبعة أيام من النفي، وبعد ذلك يتم إجراء فَحص آخر. في حالة وجود مرض جلدي مُزمن يتم وَضعك على الفور خارج المخيم إذا كانت الحالة تزاراة. تَتحدث معظم ترجماتنا عن تَحوُّل لون اللحم إلى اللون الأبيض، وإذا كان قد تَحوَّل إلى اللون الأبيض فهذا مؤشر جيد……بأن الشفاء قريب. هذا أمرٌ مُحيّر بعض الشيء لأنه بينما في الآيات السابقة كان تَحوُّل الجلد إلى اللون الأبيض مؤشرًا سيئًا (كان ذلك مع اللوكودرما) لأنه كان ينطوي على فقدان صبغة الجلد، كان علامة على المرض. في هذه الحالة، يُشير الجلد الأبيض إلى جلد حديث النمو وصحي، وهو علامة على الشفاء، ولذلك يُعلن الشخص "طاهرًا "ويُرسل إلى بيته.
لننتقل إلى الآيات ثمانية عشرة إلى ستة وأربعين
قراءة سِفْر اللاويين الإصحاح الثالث عشر الآيات ثمانية عشرة إلى ستة وأربعين
تَستمرّ هذه الآيات في تشخيص الأمراض الجلدية التي تصيب الناس؛ وهذه الحالات هي تلك التي يبدو أنها تنشأ كنوع من العدوى الثانوية. وهذا يعني أنه ربما كان هناك حِرق لم يلتئم بشكل صحيح، والآن هو مُصاب بالعدوى. أو ربما كان الشخص يعاني من حالة أخرى لفترة من الزمن والآن بدأت تظهر عليه سمات الأمراض الجلدية المعروفة بالتزاراة. لن نَتطرّق إلى القائمة الطويلة من النقاط الدقيقة الواردة في هذه الآيات الثماني والعشرين لأنها ببساطة تُحدِّد بتفصيل كبير ما هي الحالة الجلدية التي يجب تشخيصها وفقًا لشكلِها ومكانها (الشَعر، فروة الرأس، إلخ). كما أنها تُساعد الكاهن على تحديد ما إذا كان ما يَحدث طبيعيًا أم لا؛ على سبيل المثال هل تساقُط الشعر أتى نتيجة مرض أم أنّ سببه الصلع الطبيعي. إذا كان الصلع طبيعيًا فيُعتبر الشخص طاهرًا؛ أما إذا كان نتيجة أمراض معينة فيُعتبر الشخص نجسًا.
تُعرِّفنا الآية اثنان وأربعون على مُصطلح يجب أن نكون على دراية به وهو ميتسورا. ميتسورا هو الاسم الذي يُطلق على الشخص الذي شُخِّصَ بأنه مُصاب بالتزاراة…وهذا اللقب يعني أن هذا الشخص نجس، غير طاهر. وفي الآية خمسة وأربعين، نحصل على التعليمات حول ما يجب القيام به مع ميتسورا….. الشخص الذي أعلن الكاهن أنه مُصاب بالتزاراة. أولاً يجب تمزيق ثيابه….. في العبرية هي كلمة " باروم"، وعادةً ما تترجم، بشكل صحيح، على أنها مُمزّقة. ولكن، حسب التقاليد، بدلاً من أن يتم تمزيق قماش الثوب حرفيًا كما يَفعل الشخص بخرقة الثوب، كان الشخص يَشقّ ثوبه من الدرزة، ولا شك أنه كان يمكن إصلاحه في وقت لاحق من دون أن يكون قبيحًا. لم يكن تمزيق الثوب أو "الباروم" إشارة للآخرين بأن الشخص نجس ويَجب تَجنّبه، بقدر ما كان إشارة إلى أنّ الشخص في حالة مرض…في حالة التزاراة بسبب حالته النجسة وما يَتبع ذلك من عواقب وخيمة. بالنسبة للخطوة الثَّانِيَةُ: يجب أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الميتسورا مَكْشُوفًا. كما هو الحال مع تمزيق الثوب، لم يكن كَشْف الرأس مؤشرًا محددًا على كونه نجسًا، بل كان علامة عامة على أنّ ذلك الشخص قد خُزي لسبب ما. على سبيل المثال، كان على المرأة التي تَزني أن تَكشف رأسها. كان كَشْف الرأس يعني أنّ المرأة كانت تَخلع غطاء رأسها المُعتاد الذي يشبه الوشاح وتحل شعرها، وتتركه منسدلاً في شكل أشعث…كانت هذه هي الطريقة التي كانت تُجبر بها العاهرة على تسريح شعرها في جميع الأوقات. يَتوقّف الرجل عن ارتداء قبعة؛ وكان هو أيضًا يَترك شعره الطويل عادةً فضفاضًا وغير مُمشّط. وهكذا تمكّن المجتمع أن يرى أن هذا الشخص كان يحمِل عارًا بسبب بعض الإساءات.
بالنسبة للخطوة الثالثة، كان يحب أن يُغطي الميتسورا شَفَّته العليا بيَده كلما اقترب منه أحد. كان هذا مؤشرًا محددًا على أنّ هذا الشخص كان نجسًا وعلى الآخرين أن يبتعدوا عنه. كان على ميتسورا أن يأخذ يده ويضعَها فوق شَفّته العُليا وتحت أنفه، وعندما يقترب أي شخص كان عليه أن يقول "نجس، نجس"، وهو تحذير للآخرين للابتعاد. لذا، نرى هنا أنّ الشعور بالحداد الشخصي، والخَزي الشخصي، وفقدان القداسة الشخصية كانت كلّها مرتبطة بالإصابة بالتزاراة. يمكن أن تُدمر حياة الشخص من مثل هذا الشيء…شيء لم يكن عادةً خطأ ذلك الشخص.
ولكن ليس هذا هو أسوأ ما في الأمر؛ إذ في هذه الحالة لا بد من أن يكون الشخص خارج المخيم، وَحْده أو مع غيره من المُبتلين. وإذا قرّر الكاهن أنّ هذا الشخص لا يزال مصابًا بالتزاراة، فإنه يبقى خارج الشِركة والقرب من عائلته وأصدقائه وأمّة إسرائيل بأكملها وهذا الشخص يكون أيضًا منبوذًا من الله. هذا ليس افتراضًا أو تقليدًا؛ يقول الكتاب المقدس بوضوح أنّ هذا الشخص قد انفصل عن الرب.
يا لها من صورة! يا لها من صورة حزينة. يُعلن الشخص نجسًا بسبب مرض جلدي، وغالبًا ما يكون ذلك بدون أي خطأ يَرتكبه، ويُحرَم من عائلته وشعبه ومن أي علاقة مع الله. لقد قلتُ في مناسبات عديدة أنني أعتقد أنه ربما كان السبب الرئيسي لقيام يَهوَه بِوَضع القواعد والشرائع والإجراءات والطقوس كما فعل هو استخدام هذه الحالات التي غالبًا ما تكون مُفجعة ومؤلمة كصوَر درامية للمبادئ الروحية. تَجدر الإشارة إلى أنّ حالة هؤلاء المساكين البائسين هي في الأساس الطريقة التي يرى بها يَهوَه جميع الكافرين، كنجسين، ومنبوذين. نعم هؤلاء الناس الأنجاس (غير المؤمنين)، غالبية كوكبنا……مُمثلين من الكثير من الناس الذين نُحبهّم بشدة: جيراننا وأصدقائنا وأفراد عائلتنا……وهم ميتسورا بالنسبة لله. يعيشون أيامهم خارج المخيم….. خارج أي علاقة معه. قد يكونون محبوبين، ولديهم زواج سعيد وأطفال كثيرون، ويَعملون في وظيفة رائعة، وناجحون ماديًا ومَحبوبون من الكثيرين…..ولكن….. هذا الوقت قصير جدًا. عند موتهم المحتوم سيَنفصلون إلى الأبد عن كل شيء وكل من هو إلهي.
لذلك من وجهة نظر المبدأ الروحي، فإنّ التزاراة الظاهرة على الشخص ما هي إلا تَصوُّر ظاهري
لحالته الباطنية…..أي حالته الروحية. لقد رأينا هذا المبدأ نفسه يَتجلّى في سِفْر الخروج مع موسى عندما طلَب منه يَهوَه أن يُدخل ذراعه في عباءته ويخرجها فيُشفى…… من التزاراة. الآن بعد أن درَسنا ماهية التزاراة، هل يمكنكم أن تروا بشَكل أفضل أهمية تلك الحادثة بين الله وموسى؟ لقد أدرك موسى للحظة أنه نجس. ثم طلَب منه يَهوَه أن يُعيد تلك الذراع المريضة إلى عباءته، فشُفيت من التزاراة، وأصبح موسى طاهرًا. كان الله يُظهر لموسى حالته الروحية الحقيقية، ثم أظهر لموسى بنفس الطريقة الدرامية أنّ الأمر يَتطلب شفاءً إلهيًا من هذه النجاسة الروحية. كان هذا كلّه نمطًا ونموذجًا وظلًا لما كان الله سيوفّره للبشرية جمعاء عن طريق ابنه يسوع. الله سيَجعل النجس… أنا وأنت والجميع… طاهرين. يسوع سيَأخذنا نحن الذين كنا مَنفيين بشكل ميؤوس منه خارج المخيم….من حالة النجاسة التي لا يمكن لأي إنسان أن يَدّ عي الشفاء منها…… ويُدخلنا إلى المخيم، وإلى الِشركة مع إله إسرائيل.
قراءة سِفْر اللاويين الإصحاح الثالث عشر الآية سبعة وأربعين إلى تسعة وخمسين
نُواجه تطورًا غريبًا حقًا بدءًا من الآية سبعة وأربعين: حالة التزاراة تَنطبق الآن على الجَماد. ليس الناس، بل الأقمشة والجلود. من الواضح أننا لم نَعُد نتحدّث عن الأمراض البشرية مثل الصدفية؛ ومع ذلك تَستمرّ التوراة في الإشارة إلى التغيّرات والزوائد على الأقمشة والجلود على أنها تزاراة، وهذه الحالة تجعل تلك الأقمشة والجلود نجسة طقسيًا. وهذا يَتّسق مع ما تَعلّمناه في عدّة إصحاحات سابقة عن أنّ النجاسة يمكن أن تَنتقل إلى أشياء مثل الأواني والأوعية والكراسي وغيرها من الأشياء الجامدة.
ولعلّه من الجيد أن نتوقف للحظة ونَتذكّر أنّ القضايا الأساسية في مسائل التزاراة، والأكل الكوشر، ونجاسة الأم الجديدة، وما إلى ذلك، تَتعلّق بالقداسة ونقيضتها النجاسة وما نجِده هو أنّ القداسة والنجاسة غير متوافقين….. لا يمكن السماح لهما بالتلامس. إنّ إحدى جوانب القداسة هي القداسة الكاملة؛ تتحدّث الآية سبعة وأربعين عن الثوب المصنوع من الصوف أو الكتّان، مع التشديد على كَلِمة "أو". كان الصوف والكتّان هما أكثر الأقمشة استخدامًا في صناعة الملابس في زمن الكتاب المقدس. ولكن كان يَهوَه قد أمر ألاّ يَخلط شعبه بين النسيجين في نفس قطعة القماش (نجد هذا الأمر المباشر في تثنية الإصحاح اثنان وعشرين الآية إحدى عشرة) …… لم يكُن الصوف يُستخدم مع الكتان لتشكيل قطعة قماش. يتمّ تقديم الكثير من التكهنات حول سبب عدم خلْط هذين النسيجين، الكتان والصوف، معًا. لعلّ أكثرها وضوحًا هو أن أحدها، الصوف، يأتي من حيوان، والآخر، الكتّان، يأتي من نبات. لذلك، لم يكن مَسموحًا للعبريين أن يرتدوا ملابس مَصنوعة من خليط من الحياة الحيوانية والنباتية.
هذا الخليط من الأنسجة هو الذي يَتعارض مع القداسة……. الخليط في مقابل الكمال….. ومُعارضة يَهوَه لأي شيء لا يُمثِّل الكمال هو ما يتم إظهاره كمبدأ روحي هنا. يَنطبق هذا المبدأ الروحي للكمال، كما هو الحال في جميع المبادئ الروحية في العهد الجديد أيضًا لأننا نجِد عشرات الكتب المقدسة التي تُحذّر من زواج المؤمنين من غير المؤمنات، والمؤمنين الذين يضاجعون البغايا (اختلاط الطاهر بالنجس)، والمؤمنين الذين يَعبدون يَهوَه وآلهة أخرى، والأمر العام بعدم الاختلاط، وهكذا دواليك.
أمّا القاعدة ذات الصلة بنجاسة الثياب والجلود هي أنه إذا وُجدت نجاسة في الثوب أو الجلد المُستخدَم في الثياب أو الأحذية أو أي شيء آخر، فإنّ هذا الشيء نجس ويجب التعامل معه. والإجراء مألوف وأساسي؛ حيث يقوم الإسرائيلي العادي بإحضار الغرَض أو قطعة الملابس المُشتبه بها إلى الكاهن، وإذا اشتبه الكاهن في الإصابة بالعدوى، يتمّ عزْل الغرض لمدة سبعة أيام. إذا انتشرت العدوى بعد مرور سبعة أيام، يُعتبر هذا الشيء تزاراة ويجب حَرقه لأنه غير نقي طقسيًا…نجس. أمّا إذا لم تَنتشر العدوى فيتم غسْل القطعة بالماء ثم عَزلَها لمدة سبعة أيام أخرى. إذا كان مَظهر العدوى لا يزال كما هو بعد تلك الأيام السبعة فإنه يعتبر نجسًا ويجب حرقه. أما إذا خَفّت العدوى فيَجب تمزيق الجزء الذي كانت العدوى به من القماش أو الجلد فقط؛ وإذا بقي باقي الثوب خاليًا من العدوى فلا بأس. ولكن إذا عادت العدوى فيجب حَرْق القطعة بأكملها.
يجب غسْل القطعة وإزالة الجزء المُصاب بالعدوى وغمرُها في الماء لكي يتم استخدامها مرة أخرى. من المثير للاهتمام، أليس كذلك أنّ فكرة التغطيس بالماء كطريقة للتطهير من النجاسة منسوجة بإحكام هنا في سِفْر اللاويين، ثم فيما بعد في خِدمة يوحنا المعمدان، ثم أخيرًا في خِدمة المسيح. لماذا يكون التغطيس في الماء جزءًا لا يتجزأ من كل هذه الطقوس والخدمة؟ هل للماء خاصيّة مميّزة بحيث يَنتج عن استخدامها كطقس تطهير (مثل المعمودية) تطهير روحي؟ لماذا لا يتمّ التغطيس في الخمر؟ أو زيت الزيتون؟ الإجابة على هذا السؤال مثل مسألة "لماذا"؟ اختار الله حيوانات معينة للذبيحة ولمُتطلبات الأكل الكوشر؛ فالحيوان الطاهر ليس حيوانًا طبيعيًا أو كاملًا، بينما الحيوان النجس هو حيوان غير طبيعي أو غير كامل.
لا يوجد شيء بطبيعة الخروف أفضل من الجَمَل أو الأرنب أو الخنزير في ما يخصّ هذه المسألة. إنّ استخدام الماء في التغطيس بدلاً من شيء آخر، واختيار الحيوانات الطاهرة والنجسة، والطعام الطاهر وغير الطاهر، هو ببساطة قرار وإعلان من يَهوَه اتخذه لأسبابه الخاصة؛ أسباب تَعكس بطريقة ما العالم الروحي الأبدي؛ أسباب لا تَتغير أبدًا، لأن خالق الروحانيات والجسديات لا يَتغير أبدًا. الجواب على سؤال "لماذا" كان التغطيس بالماء محوريًا جدًا في خدمتي يوحنا المعمدان ويسوع، هو النمط والنموذج الروحي المَنصوص عليه هنا في سِفْر اللاويين؛ نَمط يوضح كيف يصبح النجس طاهرًا.
وهذا بالضبط ما تُخبرنا به الآية الأخيرة من الإصحاح الثالث عشر: الهدف من هذه الإجراءات التي تُحدّد ما إذا كان الشخص مُصابًا بالتزاراة ليس مُتعلقًا بالأمراض والأوبئة؛ بل هو تمييز الطاهر من النجس. هل تدركون أنها من الواجبات الأساسية التي كُلِّف بها المؤمن؟ علينا أن نمضي حياتنا في تحديد ما هو طاهر بالنسبة لنا وما هو نجِس. علينا أن نَتجنَّب ما هو نجس روحيًا بالنسبة لنا. كيف نعرِف بالضبط ما هو طاهر وما هو نجس؟ تقرأ التوراة. لأنه كما يقول بولس في رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس الثانية الإصحاح ستة الآية خمسة عشرة "أَمْ أَيُّ اتِّفَاقٍ لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيلَ، أَوْ مَاذَا هو المشترك لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ؟ ستة عشرة أَمْ أَيُّ اتِّفَاقٍ لِهَيْكَلِ اللهِ مَعَ الأَوْثَانِ؟ لأَنَّنَا نَحْنُ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ، كَمَا قَالَ اللهُ:"لأَنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا سبعة عشرة "لِذلِكَ اخْرُجُوا مِنْ وَسَطِهِمْ وَانْفَصِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ"وَلاَ تَمَسُّوا مَا هُوَ نَجِسٌ، وَأَنَا أُرَحِّبُ بِكُمْ ثمانية عشرة "وَأَنَا أَكُونُ لَكُمْ أَبًا وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ يَقُولُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ".
مع نهاية الإصحاح الثالث عشر، أودّ أن أقول إنه كما هو الحال مع معظم التفسيرات، مسيحية كانت أم يهودية، بعضها مُفيد وبعضها الآخر خيالي. هناك العديد من التفسيرات اليهودية حول موضوع التزاراة وهي بالتأكيد تَنقسم بالتساوي تقريبًا إلى هاتين الفئتين. لكن ما هو مُفيد لأهدافنا هو أنّ اليهود قد ينظرون دائمًا إلى التزاراة على أنها مرَض روحي وليست مرضًا جسديًا. وبعبارة أخرى فإن التزاراة هي علامة جسدية بالإضافة إلى كونها حُكمًا جسديًا من قِبل يَهوَه على الشخص المُصاب بها. إنها علامة جسدية على الحالة الروحية لذلك الشخص. السؤال المطروح دائمًا إذًا هو "ما هي الخطيئة" التي ارتكبها ذلك الشخص أو "ما هي المشكلة "التي كانت لدى ذلك الشخص مع الله.
يُعدِّد الجمارا وهو شرْح يهودي على الميشنا،……. سبع خطايا وَصِفات سيئة يقال إنها سبب التزاراة. من بين تلك السبعة كانت الخطيئة الرئيسية هي خطيئة اللاشون هارا…… وتعني "الكلام المُحرَّم". المُشار إليه بشكلٍ عام هو التحدّث بالشر عن شخص ما…أو استخدام كلمات لتدمير سُمعة شخص ما…..ولكن عادةً ما تُشير إلى تصريحات افترائية. اعتبر العديد من حكماء اليهود الكبار أنّ خطيئة " لاشون هارا" تُساوي خطيئة القتل، إن لم تكن أسوأ منها.
والسبب في هذا التأكيد هو أنّ الكلام كان يحظى باحترام كبير….المَهابة، في الواقع….. لأنّ التوراة تُخبرنا أنّ الله "تَكلّم" فجاء الكون إلى الوجود. نعلم كلّنا أنّ اليهود الأكثر تديُنًا لم ينطقوا باسم الله منذ حوالى ثلاثمئة سنة قبل الميلاد، ولن يتسامِحوا مع أحد يَتكلّم به في حضورهم. لذلك يُعتبر الكلام قويًا جدًا ويجب اختيار كَلِماتنا بعناية. هذا المُعتقد القديم والتقليدي له ما يوازيه في العهد الجديد في سِفْر يعقوب، ومن المرجح أنّ المعتقدات اليهودية التقليدية حول الكلام قد أثّرت على آراء يعقوب، المماثل ليسوع في الكلام. استمعوا إلى يعقوب في:
(نسخة الكتاب المقدس النموذجية الأميركية الجديدة) إنجيل يعقوب الإصحاح ثلاثة الآية خمسة هكذا أيضًا اللسان جزء صغير من الجسد، ومع ذلك يفتخر بأمور عظيمة. انْظُرُوا كَمْ مِنْ غَابَةٍ عَظِيمَةٍ تُحْرِقُهَا نَارٌ صَغِيرَةٌ مِثْلُ هَذِهِ النَّارِ الصَّغِيرَةِ! ستة وَاللِّسَانُ نَارٌ عَيْنُ الإِثْمِ، وَاللِّسَانُ مَوْضُوعٌ بَيْنَ أَعْضَائِنَا كَالَّذِي يُدَنِّسُ الْجَسَدَ كُلَّهُ، وَيُوقِدُ نَارًا فِي مَجْرَى حَيَاتِنَا، وَيُوقِدُ جَهَنَّمَ.
من الواضح أنّ هذا المقطع من الإنجيل يتحدّث عن الكلام، الكَلِمات. إنه تَحذير من لاشون هارا. قال يسوع ذات مرة إنه ليس ما يَدخل فم الإنسان ينجّسه بل ما يَخرج منه. من الواضح، مرة أخرى، الإشارة إلى الكلام. لذلك يمكننا أن نرى لماذا أصبح مفهوم "لاشون هارا" في النهاية المُشتبه به الرئيسي باعتباره "الخطيئة" أو"المشكلة" التي تَجعل الشخص يُصاب بالتزاراة.
والمقصود هنا هو أنّه على الرغم من أنّ الأمراض الجلدية التي كان يُعاني منها ميتسورا حقيقية تمامًا، إلا أنّ العبريين لم يَعتقدوا أنّ السبب بيولوجي، بل روحي. لذا، حتى وإن كان الفِكر اليهودي يميل ولا يزال يميل إلى أن يكون مرتبطًا بما هو أرضي، فقد أدرك اليهود ما كنا نناقشه في درس التوراة؛ وهو أنّ المبادىء في كتُب التوراة المقدسة فيما يَتعلّق بالتزاراة والحالة النجسة التي تُسببها، هي مبادئ روحية. وأدركوا أنّه بما أنّ التزاراة تجلِب معها مِثل هذه العواقب المدمّرة فإن "الخطيئة" التي جَلبتها لا بد أن تكون مُدمّرة أيضًا. وإحدى أكثر الخطايا المُدمِّرة (حسب اعتقاد حكماء اليهود) هي الافتراء أو التَحدّث بالشر عن شخص ما…لاشون هارا.
سنبدأ الأسبوع القادم بسِفْر اللاويين الرابع عشر.