سِفْر اللاويين
الدرس السابع وثلاثون – الإصحاح الخامس والعشرون
إذا كانت هناك كَلِمة واحدة تُحدِّد ما نحن على وَشَك قراءته وفَحْصه، فهي "اليوبيل". هذا هو المَكان في التوراة الذي نتلقّى فيه التَعليمات حول ”سنة اليوبيل“ الغامضة إلى حَدٍّ ما التي سَمِع عنها معظمنا؛ وعادةً لا نفهَم تمامًا ما هو الغرَض منها. مع ذلك، علينا أن نَعلَم أنّه في حين أنّ ”اليوبيل“ هو الإسم الرَسمي لفترة زمنية خاصة مدَّتها عام واحد تأتي كل خَمسين عامًا، إلا أنها من وِجهَة نظَر التوراة ليست سَنة احتفال عيد بل هي سنة كئيبة إلى حدٍّ ما كما يوحي الإسم. بالنسبة لبعض الناس هو وقت مُرحَّب به للغاية، وبالنسبة للبعض الآخر هو انقطاع شديد في حياتهم لا يَحمِل معه فقط القليل من المضايقة والإنزعاج، بل أيضاً بعض الخَسارة في الرَخاء الشخصي.
يَحتوي هذا الإصحاح الخامس والعشرون من سِفْر اللاويين على الكثير من القوانين المَدَنية المُتعلِّقة بالمُمْتلكات، خاصةً عندما تكون هذه المُمْتلكات إمّا أرضًا أو عبيدًا. مِن المهمّ بالنسبة لنا أن نفهَم هذا لسببَين: واحد) من المُهمّ أن نفهَم خلفية العَصر، واثنان) أنه يحتوي على مبادئ وأنماط لا تُعطينا فقط توجيهات حول كيفية التفكير والتصرُّف فيما يَتعلَّق بالمُلكية، بل أيضًا حول وظائف وأغراض مُعينَة للمسيح.
هذا إصحاح طويل نوعًا ما وهو مُفصَّل جداً في تَعريفاته القانونية. لذا ما أُفضِّل القيام به هو أن نقرأه بأكملِه بالترتيب حتى نتمكَّن من ربْط كل شيء معًا، ثم سنُعيد قراءة بعض الأجزاء عندما نُناقشها بشكل أكثر شمولاً.
اقرأ الإصحاح الخامس والعشرين بأكملِه
مُعقَّد للغاية، أليس كذلك؟
لنبدأ بمحاولة تَقييمِه من وجهة نَظَر شاملة. إنّ النقاط المِحورية في اليوبيل هي الإستعادة والرَحمة، في إثبات إلهي أسمَى لنعمة الله تجاه شَعبه. بطبيعة الحال، يَتضمَّن ذلك أعمالاً موازية للإستعادة والرَحمة من قِبَل شعبه. بعبارة أخرى، في اليوبيل، وَضَع الله قانوناً يُوضِّح صِفاته من العدالة الكاملة والمثالية والإنْصاف والمساواة والرَحمة والفِداء ولكن (كما هي الحال مع جميع قوانينه)، فإنّ قانون اليوبيل هذا ليس مجرَّد شيء يتم نَقلُه من مكان إلى آخر كمِثال لنا للتأمُّل والشعور بالدفء والراحة، بل يجب أن يُراعى هذا القانون فِعلياً؛ يجب أن يَتجلّى ويَعيشَه ويُنفّذَه شعبُه لصالح شعبِه. حقًا إنّ قانون اليوبيل هو أحَد أفضل الأمثلة على الأساس الذي تقوم عليه كل شريعة من شرائع الله الستمائة وثلاثة عشر: تُحبّ الرَب إلهك من كل قلبِك ومن كل نفسِك ومن كل قدرتِك ومن كل فكرِك وقريبك مِثل نفسِك.
إحدى الطرُق الرئيسية لتَنفيذ هذه الإستعادة والرَحمة هي عن طريق الأنظِمة والأحكام المُتعلِّقة بحقوق المُلكية العِقارية التي تم تأسيسها هنا في سِفْر اللاويين الخامس والعشرين، من وِجهة نظَر ما هو أفضل للعَشيرة أو العائلة بشَكْل جَماعي (أي كوحدة عائلية كاملة)، ولكن مع حماية الفَرْد في الوقت نفسه.
كان الغرَض الأساسي الآخر من قوانين اليوبيل هذه هو ضمان أنّ أي رَجُل مُجتهِد بشكل معقول يَجِد نفسه و/أو عائلتَه في فَقْر لأي عدد من الأسباب، يمكنُه الحصول على بداية جديدة (فرصة جديدة للحياة) من وقتٍ لآخر. جاءت هذه الفُرصة لبداية جديدة في اليوبيل الذي وَضَعَه الله، مرَّة كل خمسين عامًا.
إنّ السبب المُعتاد وراء تراكُم الديون لدى الإنسان هو الفَقر. وبالنسبة للعبرانيين، كان السبب المُعتاد الذي جَعَل الكثيرين يَنتهي بهم المَطاف في العبودية لعبرانيين آخرين هو الدَين الذي لم يَستطيعوا سَداده. إنّ أولئك الذين اختبَروا من بينِنا دورَة الإقتراض التي تبدو غير قابلة للخروج منها والوقوع في الديون، ثم اكتشفوا أنهم لا يَستطيعون سَداد الدَين؛ فيَقترضون المزيد لسَداد الديون السابقة فقط في ظِلّ شروط وأحكام أكثر إرهاقاً (والتي لا نَستطيع سَدادها أيضاً)، فإنّهم يَفهمون هذه الحُفرة التي لا نهاية لها. ويبدو أنه لا يوجد مَخرج، وبالتالي نَعيش حياتَنا تَحت وطأة الديون الساحقة، وكثيراً ما نُصبِح مُفلِسين في نهاية المَطاف. في مُجتمعنا الأميركي، إنّ أغلَب الديون تكون إما في شَكل ما يُسمَّى بالديون غير المَضمونة… بطاقات الائتمان … أو الديون المَضمونة … عادةً منازلُنا أو سياراتنا؛ وإذا تَخلَّفنا عن سداد قَرْض الرهَن العقاري، فإننا نخسَر منزلَنا، وإذا تَخلَّفنا عن سداد قَرْض السيارة، يتم استرداد مُلكيّتها. كانت كل الديون في النظام العبري ديوناً مَضمونة؛ وكانت الضمانات في أغلب الأحيان عبارة عن أرض، لأن المُجتمع كان يَعتمِد على الزراعة. إنّ خسارة الأرض لا تعني خسارة منزلِك فحسب، بل إنّها تَعني أيضًا خسارة إمداداتك الغذائية وخسارَة القدرة على إنتاج الدَخل لشِراء أشياء أخرى تَحتاجُها، وكان النوع الآخر من الضمانات للديون في عَصر الكِتاب المقدس هو نفسُك أو أحد أفراد أسرَتِك؛ ومن هنا جاء مفهوم العبودية المدينة وأصبح الإنسان هو الضَمان للقَرض (أو بالأحرى كان العمَل الذي يُمكِن للإنسان أن يؤديه لك هو الهَدَف من ذلك) وقد صُمِّمت سنة اليوبيل جزئيًا للتعامُل مع هذا الواقع اليومي لشعب إسرائيل.
ربّما يكون لدينا هنا بعض الناس الذين جاؤوا من خلفيّات زِراعية ولذلك ربما يكون من الأسهَل عليهم فهْم المكانة البارزة التي تَحتلُّها حِيازة الأرض من قِبَل الأُسرة في مُجتمع زراعي. كان بنو إسرائيل، طوال تاريخهم بأكملِه، مُجتمَعًا زراعيًا. لذلك نرى الإصحاح يُفتتَح بمُخاطبة يَهوَه لموسى بشأن الأرض التي كان يُعطيها (أو من الأفضل أنه أعطاهم إياها بالفعل)؛ أرض كنعان.
لقد استَخدَمتُ في كثير من الأحيان تشبيهًا مَفاده أننا عندما نتعلَّم التوراة فإنّها مُنظَّمة بطريقة تُشبِه إلى حدّ كبير عملية نُضْج الإنسان؛ نبدأ الحياة بتعلُّم قواعد وحقائق عامة ومُبسَّطة إلى حدٍّ ما حول مجموعة مُتنوِّعة من الموضوعات؛ وكلَّما استوعبناها، ثم كلّما كانت عقولنا قابِلة للإستيعاب، يتم إضافة المزيد من المعلومات وَوَضْع نقطة أدقّ حول كل مسألة، وسُرعان ما نرى بعض الروابط الدقيقة والقواسم المُشترَكة بين ما بدا لنا في البداية أنه مَسائل مُنفصِلة تمامًا؛ ثم يتمّ التعمُّق في المُشكلة مرة أخرى، نقطة تلو الأخرى، لفَهم سبب كل هذه المشاكل بشكل أفضل لكي تُكشَف لنا تعقيدات أعمق في العالم من حولنا. في وقتٍ لاحق في الحياة تبدأ الكثير من الأمور التي كنّا نَظنّ أننا نَعرِف كل شيء عنها في أن تصبِح مَنطقية على مستوى أعمَق، ونكتسِب ما يُسمّيه الكتاب المقدس الحِكمة (على عكس مُجرّد مَعرفة الكثير من الحقائق).
لقد تَعرّفنا على أساسيات شرائع الله في سِفْر الخروج؛ ثم أعطتْنا الأجزاء الأولى من سِفْر اللاويين مزيدًا من المعلومات عن تلك الشرائع في سِفْر الخروج، بحيث يمكِن فَهم قصْد يَهوَه من وراء كل من تلك الأوامر والشرائع بشكل أفضَل. في وقتٍ لاحق من سِفْر اللاويين، يتم إعادة تناوُل مواضيع مُحدّدة سَبقَ أن تَعرّفنا إليها، ويتم وَضْع الفروق الدقيقة في مبادئ الله المُعيّنة. عندما نَنتقل إلى سِفْر العدد وسِفْر التثنية، سنحصُل على المزيد من التعليمات التي تربُط النقاط من أجل تكوين صورة أكثر اكتمالاً لأولئك الذين شَقّوا طريقَهم عبر الكُتب الثلاثة الأولى من التوراة.
هنا في سِفْر اللاويين خمسة وعشرين، نحن مِثل طالب في السنة الأخيرة في الكلِّية؛ والآن بعد أن أسّسنا قاعدة صَلبة من المَعرِفة وتمّ تعريف المُصطلحات، سيتمّ مُناقشة بعض الأمور ذات الأهمية الخاصة لله بمزيد من التفصيل، وأحَد هذه التفاصيل هو التالي: في حين أنه صحيح أنّ الله أعطى أرض كنعان لإبراهيم، إلا أنّ ذلك لم يكُن نقلًا صريحًا للُملكية كما قد نَعتقد، بل احتفَظ الله بمُلكية أرض كنعان وبدلاً من ذلك أعطى نسْل إبراهيم (بني إسرائيل) عَقد إيجار طويل الأجَل؛ إيجار "إلى الأبد" في الواقع، على الرغم من أنّ الإخلاء المؤقَت بسبب خَرْق شروط الإيجار هو أيضًا جزء من الصَفقة.
كما في الآية اثنان من إصحاحنا الحالي حيث تَقول، "عندما تَدخلون هذه الأرض التي أُعطيكم….. "، دعونا ننظُر إلى الكَلِمة العبرية المُستخدمَة للعطاء؛ هذه الكَلِمة هي ناثان…. نعم، ناثان مِثل إسم النبي الذي خَدَم المَلِك داوود. ومعنى الكَلِمة هو شيء من هذا القبيل: وُهبت، أُعطيت، اُضيفت إليك، خُصّصت لك، عَطيّة، شيء مخصّص لك أو موضوع جانباً لك. بعبارة أخرى فإنّ كَلِمة ناثان لا تُشير إلى نَقْل المُلكية بقدْر ما تُشير إلى شيء أُعطي لك لَتستخدِمه كما لو كان لك. إنه مِثْل أن تكون رئيسًا للولايات المتحدة: أنت لا تَملِك الرئاسة؛ هذا مُلْكٌ للشعب، بل إنّ كل رئيس ما هو إلا مُعتلي للمنصب لفترة من الزمن. لهذا السبب أقوم بتَشبيه الأرض التي أُعْطيت لإبراهيم على أنها إيجار وليس بَيع. احتَفظ يهوذا بالمُلكية ولكن بني إسرائيل حصلوا على الإنتفاع بها.
الآن كطُلاّب جامعيين يدرسون التوراة، من المهمّ أن نفهَم هذا المبدأ الهامّ في الكتاب المقدّس الخاص بحِيازة الأرض؛ أي امتلاك شيء ليس بالضرورة أن تمْلِكَه. ما امتلَكَه بنو إسرائيل في أيام يسوع وما يَمتلِكه اليوم ليس مُلكية دائمة لأرض إسرائيل؛ بل لديهم عَقد إيجار دائم.
في العبرية، يُسمّى هذا المبدأ الأساسي " أخوزاه"، والتي تعني "الإمساك". ويقول يهوذا لبني إسرائيل، بما أنَّكم لا تملِكون الأرض، بل لديكم فقط عقد إيجار فلا يَجوز لكم بَيع العقار، فأي واحد منا استأجر مَبنى أو منزلًا يَفهَم ذلك تمامًا. يمكننا استخدام العقار دون تدخُّل من المالك طالما أننا نَحترم الشروط المنصوص عليها في العَقد؛ ولكن الشيء الوحيد الذي لا يمكننا فِعله أبدًا هو بيَع المكان لأننا لمْ نَمتلِكه أبدًا!
بالإضافة لذلك، فإنّ أحد الشروط الرئيسية في عَقد الإيجار (المُعبّر عنه في عهدي إبراهيم وموسى) الذي أبْرَمه يَهوَه مع بني إسرائيل فيما يَتعلَّق بالأرض التي سيَمتلكونها هو إنّ بني إسرائيل مسؤولون فقط عن جعْل الأرض نفسها تعمَل وتُنتِج ستة من كل سبع سنوات. تمامًا كما "عَمَل" يَهوَه لمدة ستّة أيام عندما خلْق كونِنا، ثم توقَّف في اليوم السابع، هكذا يجِب على بني إسرائيل أن يَطلبوا من الأرض أن تعمَل لمدة ستة سنوات ثم يَسمحوا لها بالتوقّف عن العَمل في اليوم السابع. لم يكُن ذلك "الشباط" (السَبت) في حدّ ذاته من أجل بني إسرائيل، بل من أجل الأرض نفسها …. وكان ذلك لكي تَستريح الأرض.
أعد قراءة سِفْر الاويين الخامس والعشرون: من واحد الى سبعة.
إذًا، لمدّة سِت سنوات كان على بَني إسرائيل أن يَحرثوا الأرض ويَزرعوها ويَعتنوا بها ويَحصِدوا مَحصولها، ويُقلّموا كروم العِنَب ويَقتسموا ثمرَها الحلو. لكن في السنة السابعة (التي تسمى السنة السَبتية) كان على بني إسرائيل ألا يَفعلوا شيئًا في الأرض. لم يكُن باستطاعتِهم أن يَزرعوا مَحاصيل حبوب جديدة؛ لم يكُن باستطاعتهم حتى تقليم كروم العِنب. كان التقليم أمرًا أساسيًا للحِفاظ على صحة وإنتاجية كرومِهم؛ في الواقع كان هناك تَقليمان في السنة، أحدهما في الصَيف والآخر في الشتاء. لم يكُن أيُ من ذلك يحدُث في السنة السّبتية.
على الرغم من أنّ دورة اليوبيل التي مُدتُها خمسين سنة هي الموضوع النهائي في سِفْر اللاويين الخامس والعشرين، إلا أنه يتم أولاً وَضْع أساس لفَهمِها وربطِها بنمَط السبت الخاص بالله؛ ولذلك تتمّ مناقشة مَفهوم السنة السَبتية. إنّ الآيات من الخامسة الى السابعة صَعبة الفَهْم بعض الشيء: إذ يبدو من ناحية أنها تقول أنه خلال تلك السنة السابعة السبتية يجب ألا يَحصُد المَرء ويأكُل ما ينمو طبيعياً من الحقول غير المُعتنَى بها، ومن ناحية أخرى تقول أنه يمكنكم أن تَحصدوا ما تُنتِجه الأرض من تلقاء نفسها. يجب أن نبحَث عن الحكماء القدماء ليُعطونا إجابات جيدة لهذه المَعضِلة.
هم يُخبروننا أنّ هاتيَن الحالتَين مختلفتان: كان من الشائع أن تتساقط بذور الحبوب عندما تنضَج، ثم تنبُت تلك البذور من تلقاء نفسها وتُنتِج سيقان حبوب جديدة. ولكن كان من الشائع أيضًا قَطْع سيقان الحبوب ثم إرسالها لبراعم جديدة من جذورها وبالتالي إنتاج المزيد من سيقان الحبوب. في الحالة الأولى كانت هذه حبوبًا جديدة لأنها جاءت من البذور، وفي الحالة الثانية كانت هذه حبوبًا قديمة لأنها جاءت من نَباتات مَوجودة من قَبْل. كان هذا الوَضْع شائعًا ومفهومًا لدرجة أنه تم إعطاء أسماء للنموّ الثاني وحتى النموّ الثالث، المُعتاد إلى حدٍّ ما، من نفْس النبات. كان يُسمّى النمو الثاني بالعبرية صافياخ….. والنموّ الثالث شاشيس.
القاعدة الوارِدة في سِفْر اللاويين الخامس والعشرين هي أنّه في السنة السبتية لا يُمكِن للمَرء أن يحصُد ويأكل النباتات التي تنبُت من البذور المتبقية من المحصول السابق. ولكن كان يمكن للمَرء أن يحصُد ويأكل النموّ الثاني والثالث الذي نَبَت من جذر المحصول السابق. ولكن بخلاف الذهاب وجَمْع الحبوب لم يكُن بوِسْع بني إسرائيل أن يفعلوا شيئًا آخر غير الإعتناء بالحقول.
تُبرِز الآية السابعة مرّة أخرى المبدأ القائل بأنه لا يوجد في أرض إسرائيل مواطِنون من الدرجة الثانية؛ سواء أكانوا أجانب مُقيمين بين العبرانيين أو عبيدًا اشتراهم العبرانيون أو عبيدًا مُستعبَدين، لا يَهمّ؛ فكلّ الذين عاشوا كإسرائيليين كانوا يَشتركون ويَتقاسمون على حدٍّ سواء في كل ما تُنتِجه الأرض في السنة السَبتية.
الآن هناك نقطة يَجِب أن نكون على دراية بها: قلتُ أنّ السنة السّبتية كانت لصالِح الأرض وليس للعبرانيين. صحيحٌ أنّ الفِكرة الأخرى هنا هي أنّ العبرانيين في السنة السبتية كانوا يَعتمدون في ذلك الوقت اعتمادًا كاملاً على يَهوَه في توفير الرِزْق. ما كان يتمّ إظهارُه لبني إسرائيل هو أنه، في النهاية، لم يكن عملُهم هو الذي أخرَجَ الطعام من الأرض، ولكنه كان ببساطة هِبة من الله. كان بنو إسرائيل مرة أخرى كبَدو رُحَّل تقريبًا خلال هذه السنة السابعة، مِثلما كانوا لمدة أربعين سنة في البريّة مُعتمدين تمامًا على الرَب في معيشتهم. إذا لم يَرزُقهم الله، لم يأكلوا. لذلك كان مطلوبًا قدرًا كبيرًا من الإيمان من جانب العبرانيين مع حلول السنة السبتية؛ وبالطبع بما أنّ الله كان يَرزُقهم فَقد ساعد ذلك على بناء الثقة به تمامًا كما كان المَنّ الموعود الذي كان يأتي كل يوم دون تقصير، يَبني ببطء ولكن بثَبات الإيمان بالله لدى جيل سِفْر الخروج.
أعد قراءة سِفْر الخروج خمسة وعشرون: من ثمانية الى ثلاثة عشر
كانت الآيات من واحِد إلى سبعة تذكيرًا بمتطلبات لسَنة سابعة من الراحة الكامِلة للأرض. والآن بعد أنّ تم تأسيس مَبدأ السنة السَبتية، تم ترتيب ما يُسمّى باليوبيل. يُستخدَم مصطلح الكتاب المقدَّس القياسي إلى حدٍّ ما لشَرْح الإطار الزمني لليوبيل: يجب أن تكون سَبعة سبوت من السنين، أو سبعة أسابيع من السنين (سبعة ضَرْب سبعة)، أي تسعة واربعين سنة؛ ثم تبدأ سنة اليوبيل، السنة الخمسين. وعَلامة بداية هذه السنة الخمسين الخاصة هي يَوم كيبور، يوم التَكفير، اليوم العاشر من "تيشري"، وهو حَسَب تقويم المناسبات الدينية العبرية الشهر السابع من السنة.
قد يَبدو هذا غريبًا بعض الشيء لأن لدينا بداية السنة الخمسين مُتأخِّرة بعشرة أيام عن الموعِد المَنطقي لبداية السنة الخمسين. اليوم الأول من تيشري هو روش هاشاناه، رأس السنة اليهودية؛ ولكن لأنّ الكَلِمة العبرية الفِعلية لليوبيل هي "يوبِل"، والتي تَعني قَرْن الكباش، وقَرْن الكباش مُرتبِط بيوم التكفير، فإنّ سنة اليوبيل تبدأ في اليوم العاشر من شهر تيشري، وهو يوم التكفير. لا يَتفِّق جميع اليهود مع ذلك ولكن هذا هو الأساس المَنطقي وراء ذلك.
سنة اليوبيل الخمسين هذه ستكون سنة سَبتية كما أنّ كل سنة سابعة ستكون سنة سبتية. والآن انظروا إلى المعنى النَبَوي لليوبيل الذي يبدأ في الظهور. تَرتبِط السنة الخمسين بالطبع باليوم الخمسين من عيد العنصرة (شافوعوت). لقد أخَبَر الرَب بني إسرائيل أنهم إذا لم يَحتفلوا بيوبيل الخمسين سنة فإنهم سيُنْفَون من أرضِهم ويتمتَّع الأجانب (الأمميون) بما أراده الرَب لشعبِه، بني إسرائيل، وبالطبع حَدَث ذلك في أكثر من مناسبة.
هذا يَتوافَق تمامًا مع عيد العنصَرة، الأسابيع السبعة من الأيام، زائد أسبوع واحد، خمسين يومًا. في اليوم الخمسين لمْ يَحُلّ الروح القدس على اليهود فقط، بل على الأمميين أيضًا. فالأجانب الذين لم يكونوا يومًا جزءًا من بني إسرائيل استطاعوا فجأة أن يَعرِفوا تدبير الله الخلاصي: يسوع. سيكون تَدبير الله لجميع الذين آمنوا، بما في ذلك أولئك الذين لمْ يكونوا جزءًا من بني إسرائيل الفِعلي. لكن أولئك الذين لم يُراعوا أحكام دورة سبت الخمسين سنة (اليوبيل) سيُفصَلون عن أرضِهم؛ أولئك الذين لم يُراعوا أحكام العنصَرة…… قُبول الروح القدس الذي جاء في اليوم الخمسين….. سيُفصَلون من ملكوت الله.
الآن يوبيل الخمسين سنة يَجلِب معه تحدِّيات وبَرَكات أيضًا؛ على المَرء أن يَستريح من كل أعماله ويَعتمِد فقط على أحكام الله. نفس الشيء بالنسبة لعيد العَنصرَة؛ علينا أن نَضَع كل أعمالنا جانبًا ونعتمِد على دَم يسوع في التدبير. لكن التحدّي هو أنه في يوبيل الخمسين سنة كان على أولئك الذين لديهم ثرَوات، أولئك الذين يَملكون أرضًا كانت مَملوكة من آخرين، أن يُعيدوها إلى المالِك الأصلي. في عيد العنصرة، نَجِد أنّ علينا أن نعيد كل ما لدينا إلى المَالك الأصلي؛ يَهوَه. كل ما لدينا يُصبِح له. نُصبِح فقراء روحيين.
اسمحوا لي أن أشير إلى أمر ربما لم يَخطُر ببالِكم بعد: بالطريقة التي وُضِعت فيها هذه الخطة للسنة اليوبيليّة، كان من الممكن أن تكون هناك سنتان سبتيتان على التوالي كل خمسين سنة. كانت السنة التاسعة والأربعون نفسَها سنة سبتية (السنة الأخيرة من كل فترَة سبع سنوات كانت سنة سبتية)، ثم كانت السنة الخمسون (سنة اليوبيل) سنة سبتية أخرى؛ لذلك لدينا سنتان سَبتيّان متتاليتَين.
كان هناك الكثير من الجَدَل حول هذه المسألة. لقد اقترَح الحاخامات والحكماء أنّ الطريقة التي كان يجب أن تُحسَب بها السنوات الخمسين هي أنّ سنة اليوبيل نفسها كانت تُحسَب على أنها السنة الأولى من دورة الخمسين سنة. لذلك كانت السنة الأولى من فترة السبع سنوات الأولى التي تَلي اليوبيل هي في الواقع السنة الثانية من دورة اليوبيل التي تَبلغ مُدَّتها خمسين سنة. وباقتراح هذه الصيغة فإنّ السنة الأخيرة من دَورة السَبع سنوات السابعة كانت اليوبيل. وهذا جَعَل سبت السنة السابعة يَتزامن مع يوبيل الخمسين سنة. لماذا هذا الاقتراح؟ لأن هؤلاء الحكماء لم يَرَوا كيف كان من الممكن أن يَطلُب الله من الشعب أن يعيشوا بدون زراعة وحصاد محاصيل لمدة سنتَين متتاليتَين، مما نَتَج عنه سنتان سبتيتان متتاليتان…… السنة التاسعة والأربعون سنة سبتية، تَليها مباشرة السنة الخمسون، سنة يوبيل السبت. مع ذلك فإنّ صياغة التوراة واضحة تمامًا وهذه الفِكرة ببساطة غير مُثبتة؛ في الواقع كان يجب أن تكون هناك سنتان سبتيتان متتاليتان. حسنًا، فقط ضَعوا ذلك بعيدًا في بنوك ذاكرتكُم لبعض الوقت.
لننتقِل الآن إلى الآية عشرة. هناك هذه العبارة القصيرة التي نُصادفها والتي هي في الواقع جَوهر مسألة اليوبيل؛ تقول: ”……أنتَ تُكرِّسُ السَّنَةَ الْخَمْسِينَ مُعلِناً الْحُرِّيَّةَ فِي كُلِّ الأَرْضِ…". وفي نُسخ أخرى تقول: ”أعلنوا الحرية في كل الأرض“، وفي بعض النُسخ تقول: ”أعلنوا الإراحة في كل الأرض“. الكَلِمة التي نريد أن ننظُر إليها هي الكَلِمة التي تُترجَم إلى حرية أو تحرّر أو إطلاق والكَلِمة العبرية هي ديرور.
هذه الكَلِمة، ديرور، مهمَّة لأنها نواة الغرَض الكامل من اليوبيل؛ لأنها تُعلِن لنا بالضبط ما هو اليوبيل. حتى وقت قريب جدًا كان من المُتَّفق عليه بشكل عام من قِبل العلماء اليهود والمسيحيين على حد سواء أنّ ”الحرية والتحرّر“ كانتا ترجمتَين مقبولتَين لكَلِمة ” ديرور". ولكن مع الفَهم الحالي الأفضل لما يُطلَق عليه في اللغة العبرية التي توجد في اللغة الأكادية، وَصَلنا إلى معنى أكثر دقَّة للمصطلح. وعلى سبيل التذكير، من المَعروف الآن أنّ الأكادية هي اللغة السابقة للعبرية التوراتية؛ وبعبارة أخرى فإنّ العبرية التوراتية انبثقَت من اللغة الأكادية. ولدينا كمّيات هائلة من السجِلاّت القديمة المَكتوبة باللغة الأكادية التي تَعمَل كنَوع من أشياء أخرى تُقدِّم أدلة أو تُساعدنا على فَهم شيء ما قد يكون غير قابل للفَهم لمُساعدتِنا في ترجمة العبرية التوراتية إلى كَلِمات العَصر الحديث. دعني أذكِّرك أيضًا أنه على الرّغم من تَشابه اللغة العبرية التوراتية مع اللغة العبرية الحديثة، إلا أنها ليست مُشابِهة تمامًا للغة العبرية الحديثة. لذلك لدينا العديد من الكَلِمات العبرية في الكتاب المقدس التي لم تَعُد مُستخدَمة في العبرية المَحكّية الحديثة، ولدينا أيضًا بعض الكَلِمات العبرية التي يندُر استخدامُها في الكتاب المقدس لدرجة أنّ معنى تلك الكَلِمة غير واضح ويصعُب ترجمتُها. ديرور هي إحدى تلك الكَلِمات، ولكن الآن، خلال السنوات القليلة الماضية، أصبح المعنى أكثر دقّة وفَهمًا؛ والمعنى هو ”التحرّر“.
تأتي كَلِمة " ديرور" من الكَلِمة الأكادية " أندورارو"، وهي مُصطلح قانوني وعادة ًما كانت تُستخدَم عندما يتولّى مَلِك جديد الحُكم ويُعلِن العفو عن الديون والإفراج عن العبيد المُسخرين من أسيادهم، كما استُخدِم شكل من أشكال هذه الكَلِمة أيضًا بمعنى ”التنقّل بحرية“.
إذن فالحرّية والتحرّر نوعًا ما تَغيبان عن المَقصد؛ فالحرّية والتحرّر تَتوافقان أكثر مع مفهوم التحرّر؛ وتحديدًا التحرّر من العبودية ومن الديون.
حتى الآن لدينا صورة اليوبيل إذًا أنه: أولاً) السنة السبتية الثانية على التوالي لبني إسرائيل التي تَحدُث مرّتين في كل قرْن، حيث يُحظَّر عليهم فيها أن يَزرعوا أو يغرسوا أو يَحصدوا حبوبًا جديدة، وأن يَعتنوا بكروم عِنبهم أو بأي شكل من الأشكال يقوموا بصيانة حقولِهم أو أشجارهِم…..بما في ذلك أشجار الزيتون المهمّة جدًا. ثانياً) يجب أن يكون اليوبيل سنة تحرُّر من الديون ومن العبودية. ثالثاً) كان الطعام الوحيد الذي يُمكن أكلُه…..سواء من الحيوانات أو البَشر….. هو ذلك الذي كان يُخزَّن استعدادًا لهذه الفترة الصعبة التي مدتها سنتان والتي لا يمكن خلالها زِراعة محصول جديد؛ والطعام الوحيد الآخر الذي يمكن أكلُه هو ذلك الذي يَخرج من الأرض من تَلقاء نفسه، من دون أن تكون يَد الإنسان في الزراعة أو الاعتناء أو التقليم.
لدينا الآن عبارة أخرى يظهَر لنا مَعناها بشكل أفضل، إذ نفهَم جانِب ”التحرّر“ في اليوبيل. تَنتهي الآية الثالثة عشر بالكَلِمات: ”…..يرجِع كل واحد منكم إلى الأرض التي يملِكُها“ أو أنّ الترجمة الأفضل، الموجودة في معظم الأناجيل، هي ”الأرض التي انتم حائزون عليها“ (طالما أننا نفهَم أنّ الحيازة لا تَعني المُلكية، بل تعني بشكل أدقّ ”الحيازة“، كما في ”الإيجار“). آمل أن تكون مُتابعًا لذلك لأن هذه ليست أمورًا تافِهة أو تفاصيل غير مهمّة. إنها تُمهِّد الطريق للكثير مما سيُقال لنا في نهاية المطاف في التوراة.
إنّ فِكرة ”كل رَجُل يعود إلى أرضه“ هي أنه في وقت ما، كان السبب في عدم وجود رَجُل على الأرض التي يملكِها هو أنها بيعت لشخص آخر أو تم التنازُل عنها لسداد دين. معظم المرّات التي انتقلَت فيها الأرض من شَخص إلى آخر كان ذلك بسبب دَين غير مدفوع.
لذا دعوني أكون واضحًا جدًا: كان المبدأ العبريّ في ”أخوزاه" هو أنه لم يكُن أحد يملِك الأرض…… بل كانوا يَستأجرونها لفترة من الزمن. لقد كان الله هو مَالك الأرض كلِّها، وحتى في العهد مع إبراهيم، لم يكُن ذلك نقلًا للمُلكية من يَهوَه إلى إبراهيم بل كان تَنفيذًا لعَقد إيجار؛ وكانت مدّة ذلك الإيجار ”إلى الأبد“. هذا المَبدأ نفسه، بالطبع، انتقَل إلى أسفل السلسلة الغذائية حيث أنّ ”مالِك الأرض“ لا ”يملِك“ الأرض في الحقيقة بل ”يَحوز“ على الأرض، والفكرة هي أنه ”يَحوزها“ طالما سَمَح له المالِك بحيازتها. ومن هو المَالك؟ يَهوَه. إذا استعمَل صاحب الأرض هذه الأرض كضَمان لدَين عليه، ولكنه لم يتمكَّن من سداد الدين، فإنّ حيازة الأرض تَنتقل إلى من كان يَحوزها. ولكن…..هذا الشخص لم يكُن يملِك الأرض، بل كان يحوز على الأرض فقط.
ثم يأتي السؤال الواضح، إذن إلى متى سيَظلّ ذلك الشخص الذي يَحوز على الأرض الآن مُحتفظًا بها؟ والجواب هو، فقط حتى تأتي سنة اليوبيل. عند حلول سنة اليوبيل كان على الرَجُل الذي حَصَل على قِطعة أرض عن طريق الرهن أن يُعيد تلك الأرض إلى المالِك الأصلي….أو ….إذا كان المالِك الأصلي قد مات، كان على المالك الجديد أن يُعيدها إلى عائلة المالِك الأصلي أو عشيرته! لم يكُن المالِك الأصلي مُطالَبًا بدَفْع شيء لاستعادتها، بموجب ترتيب اليوبيل هذا.
تشرَح الآيات من أربعة عشر إلى إثنان وعشرين بمزيد من التفصيل كيف كان من المُقرّر أن تتمّ هذه الَصفقة.
أعد قراءة سِفْر اللاويين خمسة وعشرين: من أربعة عشر الى إثنان وعشرين
حسناً. إفهموا الوَضْع: المبدأ الأساسي الذي تَعمَل بموجبِه المُلكية في نظام الشريعة الذي يُعطيه الله للعبرانيين من خلال موسى هو أنّ الحَدّ الأقصى من الوقت الذي يُمكِن لأي شخص يَمتلِك أرضًا أن يفقِدها بأي وسيلة ويَحوزها شخص آخر، هو تسعة وأربعين عامًا. إذا فقَد هذا الشخص أو العائلة أرضَه وآلت الى شخص آخر، أو "باعها" إذا جاز التعبير، فإنه يَستعيدها في سنة اليوبيل.
يَختلِف ذلك اختلافًا كبيرًا عن النظام الأمريكي لحقوق المُلكية لدرجة أنه قد يكون من الصعب فهمُه. في أمريكا تُعتبَر الملكية حقًا مقدسًا. إنها ليست مجرد ”مملوكة“، إنها مِلكُك، تملِكها طالما أرَدت. ولكن إذا كان لديك دَين عليها (رئهن عقاري)، وقام صاحب الدين بحجزِها ولم تتمكَّن من سداد الدين بسرعة……فأنت تخسَر تلك المُلكية إلى الأبد. فهي الآن مُلك للمالك الجديد طالما اختار الاحتفاظ بها. أنت لا تَحتفظ بأي حقوق على الإطلاق في تلك المُمتلكات. يمكن للمالك الجديد أن يَبيعها لشخص آخر، ويمكنه الاحتفاظ بها ويمكنه أن يوصي بها للجيل التالي، وتُصبح مُلكًا لهم….. ليس فقط لاستخدامها….. ولكن لامتلاكها. هذه ليست الطريقة التي كان يعمَل بها النظام التوراتي. أنا لا أُدين نظامَنا، أنا فقط أحاول أن أظهِر لك الاختلافات.
لذلك في ظلّ النظام الذي نقرأ عنه هنا في التوراة، كان ما يدفعُه الشخص للحصول على قِطعة أرض من شخص ما يعتمِد على أمرَين: أولاً) عدد السنوات التي سيَمتلكها حتى حلول سنة اليوبيل (ومن ثم يُجبَر على إعادة الأرض إلى صاحبها الأصلي)؛ وثانياً) ما هي قيمة المحاصيل التي يمكن أن تُزرَع في تلك الأرض خلال تلك الفترة الزمنية.
فقط للتوضيح: إذا حَصل شخص ما على قِطعة أرض في السنة الأولى بعد سنة اليوبيل، فيمكنه الاحتفاظ بها لأقصى فترة زمنية مُمكنة……تسعة وأربعين سنة… حتى بداية اليوبيل التالي. لذلك إذا حَسَبنا أنه سيحصُل على محاصيل تسعة وأربعين سنة من مَحاصيلها (في الحقيقة يمكن أن تكون إثنان وأربعون سنة فقط لأنه سيكون هناك سبع سنوات سبتية مُتضمّنة في تلك المدة التي لا يَستطيع فيها الزَرع ولا الحصاد)، وكل سنة من تلك السنوات التسعة وأربعين من المحاصيل تساوي مئة دولاراً، ثم يَدفَع للحائز السابق أربعة آلاف وتسعمائة دولاراً مُقابل حقّ حيازة الأرض، وفي السنة الخمسين ترجِع الأرض تلقائياً إلى المالك السابق وتبقى له ما لم يَفقِدها مرة أخرى.
من ناحية أخرى، إذا مرَّت عدة سنوات منذ اليوبيل الأخير، وسيَحُلّ اليوبيل التالي بعد أربع عشرة سنة مثلاً، وأراد شخص الحصول على نفْس قِطعة الأرض تلك، فعندها بحِساب قيمة مَحصول كل سنة بمئة دولار، سيَدفع ألف وأربعمائة دولاراً فقط مُقابل الأرض لأنه سيُعيدها في وقت أقرَب بكثير، وبالتالي سيحصُل على انتفاع أقل من الأرض مما كان عليه في حالتنا الأولى.
بالنسبة للفقراء والمَديونين، كان اليوبيل أمرًا عظيمًا… شيء يَتطلّعون إليه. أما بالنسبة للأغنياء والميسورين فلَم يكُن شيئًا يرحِّبون به بشكل خاص. كانت سنة اليوبيل بالنسبة لهم هي سنة خسارة ….. خسارة الكثير من ثرواتهم.
لكن الشيء المُشترَك بين الأغنياء والفقراء على حدّ سواء هو أنّ المحصول الطازج كان صَعب المنال لمدة عامين، وكانت جودته بشكل عام أقّل بكثير من المُعتاد لأنه كان يتألَّف من المَحصول الرديء الثاني والثالث من الحصاد الأخير قبل بداية السنتَين السبتيّتين المتتاليتَين. كما يمكنكم أن تتخيّلوا أنّ الأغنياء حَلّوا هذه المُشكلة ببساطة عن طريق شراء المُنتجات من التجار الأجانب، الذين كانوا يجلِبون الطعام المَزروع من خارج إسرائيل.
والآن تُمثِّل الآية الثامنة عشر انقطاعًا مفاجئًا في سلسلة الفرائض. يقول الله فجأة ذلك: ”تَحفظون فرائضي وتَحفظونها بأمانة لكي تعيشوا على الأرض في أمان". تُكمِل الآية التاسعة عشرة نفس الفكرة بـ: ”تُعطي الأرض ثمرها وتأكلون شبعكم وتعيشون عليها في أمان“.
يُثبت التاريخ دقّة هذه العبارة بشكل كامل ومُدهش. خلال الأيام التي حاوَل فيها بنو إسرائيل على الأقل السَير في طرُق يَهوَه، كانت الأرض مُنتِجة بشكل عجيب. خلال الأيام التي كان فيها بنو إسرائيل في الأرض في زمن الكتاب المقدس، كانت مِنطقة زراعية توفِّر كميّات كبيرة من الغذاء، وخاصّة الحبوب، للشرق الأوسط وكان إنتاجُها مشهورًا بجودته وكمّيته.
تُظهِر السجلّات البابلية والفارسية والرومانية مدى رغبة هؤلاء الغُزاة في الاستفادة من الثمار والحبوب والخضروات الرائعة التي كانت تُنتَج في الأراضي المقدسة.
لكن في كلّ مرّة كان يتم فيها نَفي بني إسرائيل، كانت الأرض تتوقَّف عن الإنتاج. عندما أفرَغ الآشوريون مَملكة أفرايم-إسرائيل الشمالية وأحلّوا مَحلهَّم أجانب، في الحال دَخلت الأرض في ضائقة، وبعد قرنَين تقريبًا نقرأ عن اليهود العائدين من سَبيِهم في بابل إلى حقول جدباء وكروم غير مُعتنى بها وأورشليم مُدمَّرة.
على مَرّ القرون، بعد تدمير الهيكل على يَد الرومان في عام سبعين ميلادي وطرْد الجزء الأكبر من الشعب اليهودي، بدأت الأرض في تدهور مُطرَد يَتوافَق مع وجود وسيطرة أجنبية أكبر ووجود وسيطرة عبرية أقل. في نهاية المطاف أصبحت إسرائيل مكانًا قليل السكان لأن الأرض أصبحت جدباء.
تَمتلئ كتُب التاريخ بأوصاف زوَّار الأراضي المقدسة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حيث صُدِموا بعد أن تَجوّلوا في الأرض من أوّلهِا إلى آخرها بأنّ ما من شخص يُمكنه البقاء على قيد الحياة في مِثل هذا المكان. وخلال زيارة قام بها مارك توين إلى فِلَسطين في عام ألف وثمانمئة وسبعة وستين، لاحَظ مارك توين "من بين جميع الأراضي ذات المناظر الكئيبة قد تكون فلسطين هي الأفضل. التلال جرداء قاحلة ومملّة، والوديان صحارى قبيحة [تسكُنها] أسراب من المتسولين ذوي القروح والتشوهات المرعة. كانت فلسطين تظهر الحُزن والأسى…“.
وأضاف إلى ذلك أنّ الأراضي المقدسة أصبحت الآن ”بلاداً مُقفرة، تُرابها غني بما فيه الكفاية ولكنها متروكة بالكامل للأعشاب الضارة – مساحة صامتة حزينة… خراب هنا لا يمكن حتى للخيال أن يُزيّنه ببهاء الحياة والعمَل. وصَلنا إلى تابور بأمان… لم نر إنسانًا قط على طول الطريق …
لم تكُن هناك شجرة أو شجيرة في أي مكان. حتى الزيتون والصبار، الصديقان السريعان للتربة التي لا قيمة لهما، كانا قد هجرا البلاد تقريبًا…
وقد وَصَف جورج آدم سميث، وهو عالِم بالجغرافيا، زار فلسطين عام ألف وثمانمئة وثلاثين قَبل التغييرات التي أحدثَها المُهاجرون الأوروبيون، البلاد، بأنها خليط من أرض جرداء خالية من الأشجار ومُستنقعات تنمو فيها الأعشاب وحمّى الملاريا.
ويقول، إنّ اليهود الذين اشتروا هذه الأرض التي لا قيمة لها كانوا يُسمّون ”أبناء الموت“ لأن الكثير منهم لم يَنجوا.
عندما لا يكون بنو إسرائيل في الأرض، فإنّ الأرض تستجيب بأن تَصبح كاسدة.
سنُكمِل هذا الأسبوع القادم.