سِفْر اللاويين
الدرس الثاني عشر – الإصحاحان تسعة وعشرة
بينما نتصفح الإصحاح التاسع من سِفْر اللاويين، نرى أنّه يُشير إلى مجموعة متنوعة من المبادئ الإلهية يمكن عدم الانتباه إليها بالقراءة البسيطة والسريعة. لذا، بالرغم من أنّنا لن نَقضي وقتًا طويلاً في تفاصيل الطقوس، إلا أننا سنُعاين عن كثَب هدف هذه الطقوس وما تُعلّمنا إياه.
في الإصحاح التاسع سيكتمل تكريس الكهنوت والخيمة نفسها وسيَتلاشى ذِكر موسى وسيتولى الكهنة واجباتهم كمسؤولين عن جميع الطقوس والشعائر المقرَرَة. تَستمِر طقوس الترسيم، أو التكريس، وطقوس الكهنوت، كما هو مذكور في الإصحاح ثمانية، لمدة أسبوع واحد بالضبط. وهذا يعني أنّ نَفْس هذه السلسلة من الإجراءات الطقسية تتكرّر كل يوم لمدة سبعة أيام……ويقوم بها موسى، وليس هارون فحتى نهاية فترة التكريس، لا يُسمح لهارون وأبنائه بمباشرة مَهامهم ككهنة.
إنه لأمر مثير للاهتمام وفريد من نوعه أنّ يَهوَه يَستخدم موسى كوسيط بينه وبين الشعب، وحتى بينه وبين الكهنوت. عندما تولى يَهوَه الحكم بعد موت موسى، لم يَرِث دور موسى كوسيط. ربما سيُساعدنا ذلك على فهْم سبب تبجيل اليهود حتى يومنا هذا لموسى. لقد أوضح يَهوَه أنّ كل ما تَكلّم به موسى كان يتم بسلطة الله؛ أي أنّ كل ما تَكلّم به موسى كان كما لو أنّ الله تَكلَم به. من الواضح أنه لم يُذكر في الكتاب المقدس كل ما تَكلَم به موسى خلال تلك الأربعين سنة في البرية. في الواقع، نحصل على القليل من كلمات موسى؛ ونجد أيضًا أنّ كل أوامر موسى لم تسبِقها عبارة "وأمَرَ الله موسى". هذا يعني أن موسى لم يَحصل بالضرورة على وحي مباشر من يَهوَه في كل مرة يُعالج مسألة ما. لذلك دعونا نحصُل على الصورة الصحيحة هنا: بينما كان موسى بلا شك يَتصرّف في بعض الأحيان بناءً على أوامر مباشرة ومُحددة من يَهوَه، إلا أنه في أوقات أخرى كان يَتصرف بناءً على تعليمات عامة ومبادئ ثابتة عَلّمه إياها يَهوَه، على مدى فترة من الزمن؛ لذلك كان حُكم موسى في معظم الأوقات شخصي في مختلف الأمور التي كانت تحدُث……ويقول يَهوَه، إنّه يتوجّب على الشعب أن يأخذ أحكام موسى بالاعتبار في جميع الأمور كما لو كانت من الله نفسه.
الشخص الوحيد الآخر في الكتاب المقدس الذي أُعطي مثل هذه السلطة المذهلة والذي كان يجب أن يُحفظ كل كلامه….. والإنجيل…. كان يشوع…… الذي لم يكن في الواقع وسيطًا فحسب، بل كان أيضًا الله في الجَسَد. لذلك دعونا نُعطي موسى حقّه ونَعترف بمستوى السلطة التي لا مثيل لها تقريبًا التي مَنَحها له يَهوَه. بالتأكيد لا يوجد أحد يُقارن به في العهد القديم.
ولكن دعونا نُدرك أيضًا المبدأ الإلهي المهم الذي وضعه الله في حياة موسى لنا نحن المؤمنين في القرن الحادي والعشرين: وهو أن الله أحيانًا سيُظهر لنا مباشرة وبوضوح إرادته المُحدَدة في بعض الأمور في حياتنا…ولكن في كثير من الأحيان وبشكل عادي، بعد أن يُعلّمنا طُرقه وقوانينه وأوامره، سيَسمح لنا بممارسة حُكمنا الخاص. وإذا أصغينا إليه سنَختار بحكمة وصواب…سنُصدر أحكامنا وفقًا لمشيئة الآب وبالتالي سنُنفذ مشيئته…… "على الأرض كما في السماء".
لنقرأ سِفْر اللاويين الإصحاح تسعة معًا.
قراءة الإصحاح تسعة من سِفْر اللاويين بكامله
الكلمات الأولى من الإصحاح التاسع هي "في اليوم الثامن"، وهي تُشير إلى ذلك اليوم الذي سيُصبح فيه الكهنة أخيرًا مُخولين للقيام بالطقوس التي رسمَها يَهوَه داخل أرض خيمة الاجتماع، ولن يتولّى موسى بعد ذلك الإدارة…. فهارون، رئيس الكهنة الأول، أصبح قادرًا على ذلك. نُلاحظ أيضًا توفّر مجموعة كاملة من الطقوس التي تَشمل كل أنواع القرابين تقريبًا باستثناء ذبيحة "عشام"، ذبيحة التعويض. هذه المجموعة من القرابين فريدة من نوعها لأنها أولى طقوس تقديم القرابين التي يقوم بها كاهن إسرائيل الجديد؛ لذلك هذا الحدَث بالغ الأهمية، وربما علينا أن نضَع علامة خاصة في كتبنا المقدسة لنُحدد هذه اللحظة الزمنية.
والآن، اسمحوا لي أن أعلِّق على شيء مثير للجدل ومهمّ في نفس الوقت. خلال هذه الأيام السبعة لمراسم التكريس كان هناك الكثير من الذبائح والكثير من إحراق الأشياء على مذبح النحاس. ولكن في نهاية هذا الإصحاح فقط نرى الرب يُشعل نار مذبح النحاس بيَده. وكما قيل لنا من قَبل في التوراة، وكما سيُقال لنا مرة أخرى لاحقًا، يجب ألا يُسمح لهذه النار أن تنطفئ أبدًا لأنها نار إلهية والنار الإلهية وحدها يمكن استخدامها لإحراق الذبائح. يَتفق الحكماء العبرانيين القدماء على أنّ ما كان يجري كان نوعًا من "التجربة الافتراضية" خلال أيام التكريس السبعة تلك. النار التي كانت تُستخدم لم تكن نارًا إلهية (أوقدها البشر)، ولكنها كانت تُعتبر مقبولة من الله للغرض الذي كانت تُستخدم من أجله: تكريس الكهنة والخيمة. ولكن ما إن اكتمل التكريس حتى أعاد الله إشعال النار على المذبح "بِنار مقدسة"، ومنذ تلك اللحظة فصاعدًا لم يعُد بالإمكان استخدام نار من صُنع الإنسان لتحويل الذبائح والحبوب إلى دخان لأن الغرض الآن أصبح مختلفًا.
من المثير للاهتمام أنّنا سنجِد عندما ندرس طقوس يوم كيبور (يوم التكفير) في وقت لاحق، سلسلة مماثلة جدًا من الذبائح التي تُقدم؛ إلا أنه في ذبائح سِفْر اللاويين تسعة لا يوجد كبش فداء كما هو الحال في يوم كيبور، وبدلاً منه نجِد ذبيحة السلام…. ذبيحة زفاه. إذًا بينما يوم كيبور هو يوم يُحتفل به وِفق أقصى درجات الرصانة والجدية، فإنّ اليوم الأول من العمليّة الرسمية للكهنوت الإسرائيلي يُعتبر يوم فرح.
يَرِد في الآية واحد أنه بالإضافة إلى هارون وبنيه، دعا موسى "شيوخ إسرائيل" لحضور مناسبة هذه الذبائح الكهنوتية الأولى. لقد أخبرتكم في الأسبوع الماضي أنه في كثير من الأحيان عندما نجِد في التوراة الكلمات التالية "كل جماعة" إسرائيل كان عليها أن تأتي إلى خيمة الاجتماع، لم تكن تعني دائمًا كل عموم شعب إسرائيل. بل كان المقصود عادةً مُمثلي الشعب، الذين يُطلق عليهم الشيوخ، أو في أحيان أخرى كان المقصود أولئك الذين صُنِّفوا كمواطنين كاملين في إسرائيل. ترجمة كلمة "شيوخ" بالعبرية هي زكينيم وهذا ما جعَل بعض العلماء يعتقدون أن الشيوخ الرؤساء هم فقط من حَضَر. كان يمكن أن يكون هناك مئات الشيوخ، ولا شك أنهم كانوا مُنظمين في نوع من التسلسل الهرَمي. لذلك ربما تَمّت دعوة الطرف الأعلى من الهيكل الإداري فقط لحضور هذه المناسبة المحددة، ولكن هذه مجرد تكهُنات علمية.
تقول الآية اثنان أنّ أحد حيوانات الذبيحة سيكون عِجلاً. بعض الكتب المقدسة ستقول ثور أو ثور صغير. هذا الاستخدام صائب؛ لأن الكلمة العبرية التي تعني العِجل الذَكر هي "ايغيل". لقد ناقشنا قبل بضعة أسابيع أنّ هناك فئتين مختلفتين من الثيران كانتا تُستخدمان للتضحية: الثور الصغير والثور الناضج (الثور الناضج له قيمة أكبر). الثور الصغير، الذي يُطلق عليه هنا اسم "ايغيل" يعني أن عمره سنة. أما الثور الناضج فيجب أن يكون عمره ثلاث سنوات. من المثير للاهتمام اختيار كلمة ايغيل العبرية هنا، لأنه ليس من المُعتاد في سِفْر اللاويين أن يُشار إلى الثور الصغير في الذبيحة باسم ايغيل، بل عادةً ما يُطلق عليه اسم بن بار….. ومعناه "الثور الصغير". لربما نَحصل على دليل على الاستخدام غير المُعتاد لكلمة ايغيل في هذه الآية المنطلق من حقيقة أنّ العِجل الذهبي سيء السمعة، الذي ساعد هارون وأبناؤه في بنائه قبل أسابيع فقط، كان يُسمَّى أيضًا ايغيل. يَشعر المرء أنّ الربّ كان يوضح وجهة نظر هنا…. ويقيم علاقة… ويُذكّر هارون وبنيه بحادثة العِجل الذهبي….. ويبين لهم التناقض بين نظام الله للعبادة النقية ونظام المصريين الوثني للعبادة الزائفة. فالحيوان في نظام الله لم يُعبد على أنه فوق الإنسان كما كان يَحدث في العبادة الوثنية، بل كان الحيوان يُذبح من أجل الإنسان لأن قيمة الحيوان أقل من قيمة الإنسان بالنسبة ليَهوَه.
في الآيتين ثلاثة وأربعة نحصُل على قائمة بالحيوانات والحبوب التي ستُستخدم في هذه الذبيحة الافتتاحية الخاصة. ونحصُل أيضًا على الإجابة عن الغرَض من هذه الطقوس الخاصة التي تَختلف قليلاً عما ستكون عليه الطقوس القربانية اليومية المُعتادة في المستقبل: السبب هو ورود "اليوم يظهر لكم الرب"… في الواقع، المعنى هو "اليوم يظهر لكم يَهوَه". هذه مناسبة مهمة حقًا؛ وفي الآية ستة، تم صَقل مفهوم ظهور يَهوَه أكثر قليلاً: إنّ مَجد (أو حضور) يَهوَه هو الذي سيظهَر لإسرائيل. إنه كافود الرب.
إليكم الأمر: لقد بدأ شعب إسرائيل يَفهم أنه بدون حضور يَهوَه في خيمة الاجتماع، ما هي خيمة الاجتماع سوى خيمة باهظة الثمن وأنّ يَهوَه سيكون حاضرًا في حين وغائبًا في حينٍ آخر؛ لذلك كان شعب إسرائيل دائمًا في ترقُّب كبير لحضور الله الذي يَملأ خيمة الاجتماع.
دعونا نُفكّر في ذلك للحظة ونطبقّها على حياتنا؛ ما هو الإنسان بدون حضور يَهوَه في داخله؟ بدون الروح القدس الساكن فينا ماذا نكون؟ لا شيء.
ما نحن إلا خيمة باهظة الثمن….. قشرة فارغة لا تَخدُم أي غرض إلهي. ومثل الخيام، بعضها أجمل من البعض الآخر، وهي في المجمل مجرد أماكن للعيش، يُمكن للشخص أن يقوم بكل الأشياء الصائبة، أن يكون ذو أخلاق عالية، مستقيمًا، طيبًا، مُنتجًا، وخيريًا…أي شخصًا صالحًا حقًا. ولكن تمامًا مثل خيمة الاجتماع المليئة بالأثاث الرائع، والمعادن الثمينة، والفن الجميل، فإنها في الحقيقة لا تَخدم أي غرض إلهي ما لم يكن الله حاضرًا هناك. أوه بالتأكيد كان مَنظرها أروع بكثير من الخيام العادية المَصنوعة من شعر الماعز التي كان يَعيش فيها بنو إسرائيل العاديون…ولكن بدون حضور الله لم يكن هناك قيمة لهذه الخيمة الرائعة أكثر من تلك الخيام العادية الأخرى ذات الرائحة الكريهة المُغبرة.
اليوم الله يَختاركم لتكونوا خيمته…. خيمته الأرضية. فلنُصلِّ من أجل كل الخيام المصنوعة من الجسد والفارغة في هذا العالم…الجميلة والبسيطة، تلك الموجودة في مجتمعكم، وربما حتى في عائلتكم….. وبالتأكيد من أجل تلك الملايين من الخيام الفارغة في إسرائيل.
في الآية سبعة، مع الكلمات التالية: "اقترَب من المذبح" يُسلّم موسى رسميًا إدارة الطقوس الكهنوتية إلى هارون، ونَدخل حقبة جديدة في تاريخ إسرائيل؛ لقد أصبح لديهم كهنوت. القرابين الأولى التي يُقدمها هارون نيابة عن نفسه وعن أبنائه؛ اعتراف علني بأنّ الكهنة حتّى يَحمِلون الخطيئة في داخلهم…لا بد أنها كانت تجربة مُهينة. كما تَجري "العُلى" النموذجية، أي تقديم الذبيحة المحروقة. بعد ذلك، في الآية خمسة عشرة، يُقدِّم هارون الذبائح نيابة ًعن شعب إسرائيل. لاحظوا أنّ الحَمَل هو الذي ذُبح نيابة عن الشعب. لمَ اختير ثور صغير للكهنة وحمل للشعب؟ لأن خطيئة الكهنة أكبر من خطيئة الشعب.
لقد تَحدثنا مرارًا وتكرارًا عن كيفية تَصنيف الله للخطايا…بعضها أكثر خطورة… من غيرها، وكيف أنّ نظام الذبائح قد وضَع تسلسلًا هرميًا للحيوانات لمُراعاة التصنيفات المختلفة للخطايا…الثور الناضج هو الأكثر قيمة للتكفير عن الخطيئة الأكثر خطورة، والطيور هي الأقل قيمة. بينما يجب أن نَنتبه إلى هذا الأمر جيدًا، إلا أنّ الغرض من هذا التعليم التأسيسي لله الذي نجِده في التوراة ليس لكي نركض ونقارِن خطايا الآخرين بخطايانا ونُقرِّر أيها أسوأ. بل لكي نرى الطبيعة مُتعددة الأوجه للخطية، وكيف يُمكن أن تؤثر وتُصيب الخاطئ، ومدى خطورة الخطية ودمارها، وأنها ليست مسألة بسيطة ومباشرة كما تَعلّمنا.
لا أعرف وجهة نظركم، ولكنني كنت دائمًا أتضايق قليلاً عندما يقول الواعظ أن كل الخطايا مُتشابهة أمام الله… وأنه لا توجد خطايا صغيرة وكبيرة، وأنّ سرقة قطعة حلوى لا تختلف عن القتل في نظر الله، لأن كلاهما خطيئة، والله لا يُفرِّق بينهما. حسنًا، هذا عكس ما تقوله التوراة. دعونا لا نَخلط بين ما أخبرنا به بولس في العهد الجديد، حيث ورد "الجميع أخطأوا أمام مجد الله" وبين ما نراه مرارًا وتكرارًا في سِفْر اللاويين في ما يَتعلق بالخطيئة. يَتحدث بولس عن طبيعتنا الفاسدة والنتيجة الحَتمية لها…. استحالة أن تكون تلك الطبيعة مقبولة لدى الله. وبالتالي، لم يكن هناك إنسان (باستثناء يشوع) لم يَرتكب أدنى خطيئة ناجمة عن طبيعة فاسدة. لذلك فإن جميع البشر مُتساوون في هذا السياق. يوضح نظام الذبائح اللاوية المبدأ الذي يَتحدث عنه بولس، من خلال ذبائح "العُلى" و"مينشا" التي يجب أن تُؤدَّى بشكل يومي لكل إسرائيل…. لا أحد مُعفى من ذلك، بما في ذلك الكهنة.
ومع ذلك، فإنّ طبيعة البشر قضية مُنفصلة عن سلوك البشر……وهذا ما يوضحه نظام الذبائح أيضًا. إنّ التصنيفات المختلفة للخطايا (والطقوس القربانية المطلوبة للتكفير عن كل فئة) تَتعلق بالسلوك نفسه، والنية والمكانة التي يَحتلّها الإنسان في المجتمع. بعِبارة أخرى: بولس، في إعلانه أنّ جميع البشر قد أخطأوا وفشلوا في تَمجيد الله، يَتحدث أكثر عن الإنسان وأقل عن أفعاله، فما نحن عليه مُشابه بين جميع البشر، في نَظَر الله. وهذا يعني أننا جميعًا مذنبون بالتساوي لأننا ولدنا من طبيعة الخطيئة…. لا استثناءات. أمّا ما نفعله، فهو أمر آخر تمامًا. الله لا يُساوي سرقة قطعة حلوى بالقتل. الله لا يساوي بين الكذب وارتكاب الزِنى. ما نَفعله يُصنف بالفعل مع بعض أفعالنا على أنها جرائم أقلّ خطورة والبعض الآخر هو ما يُسميه الكَلِمة "رجِس". ولسنا بحاجة لنتساءل عن ماهية كل حالة، فالتوراة تُخبرنا بكل ذلك بالتفصيل.
ما يجب أن نفهمه هو أنه على الرغم من أنّ تصنيفات الخطايا لا تزال سارية المفعول حتى يومنا هذا….. أي أن هناك بالفعل عصيان أكثر خطورة وآخر أقل خطورة…. الذبيحة المطلوبة للتكفير عن كل من هذه المعاصي المختلفة قد اختُصرت في واحدة فقط: دَم يسوع. وهذه الذبيحة نفسها مطلوبة أيضًا للتكفير عن طبيعتنا. لقد حَلّ دم يشوع مَحلّ كل إجراء ذبائحي…هو الكفارة الوحيدة المسموح بها؛ ولكن، تبقى حقيقة أنّ السلوكيات الخاطئة يُمكن أن تكون أكثر أو أقل خطورة، أكثر أو أقل إهانة لله، وأكثر أو أقل خطورة على جماعة المؤمنين.
لا بد أن تكون إحدى أكثر اللحظات المؤثرة في هذا الاحتفال الافتتاحي الخاص هي ما ورد في الآية الثانية والعشرين. يَرفع هارون يديه فوق الشعب ويُباركهم. على الرغم من أننا لا نعرف الكلمات التي استُخدمت في هذه المرحلة، إلا أن سيفرا، وراشي وبعض الحكماء العبرانيين الكبار الآخرين، يقولون إنّ البَرَكة التي نَطق بها هارون هي ما يَرِد في سِفْر العدد الإصحاح ستة الآية اثنان وعشرين إلى سبعة وعشرين.
توقفوا للحظة، وتَخيلوا أنفسكم في بَحر من الناس، هناك في برية الصحراء البِكر، والنسيم الجاف يَركُل زوابع صغيرة من الغبار، والوادي عند سَفْح جَبل سيناء يَعمل كمُكبر صوت طبيعي يُضخّم صوت هارون. دخان كثيف تَنبعث منه رائحة لحم حيوان مُحترق يَتصاعد من المذبح النحاسي، وهارون في ثياب الكاهن الأعظم الرائعة يوقف الطقوس، ويَتقدم نحوك ويَرفع يديه، ونيابة عن إله الكون يُباركك قائلاً:
(الكتاب المقدس الخاص بأورشليم الجديدة) العدد الإصحاح ستة الآية أربعة وعشرين "لِيُبَارِكْكُمْ يَهوَه وَيَحْفَظْكُمْ خمسة وعشرين لِيُشْرِقَ وَجْهُهُ عَلَيْكُمْ وَيَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ستة وعشرين لِيُرِيَكُمْ يَهوَه وَجْهَهُ وَيُعطيكم سَلاَمًا".
تزامنًا مع ذلك، دَخَل موسى وهارون خيمة الاجتماع وشَعَر كلّ الشعب بحضور يَهوَه. أكّد الله رِضاه وقبوله لكل ما تمّ القيام به وفقًا لتعليماته وأوامره بدقة، وذلك بإرسال النار الإلهية وإهلاك كل ما كان في تلك اللحظة مُشتعلًا على مذبح النحاس، وبالتالي غَيّر طابع مذبح النحاس من مجرد مجيد إلى إلهي.
شَهَق الحَشد في رهبة. تَوتّر الناس من محاولة استيعاب كل ما شاهدوه. وفي ردة فعل عفوية سقطوا على وجوههم خوفًا واحترامًا وامتنانًا لآب كل شيء. يا له من يوم. سيَجري حدَث مُشابه جدًا في المستقبل القريب، مع إعادة بناء الهيكل الثالث في أورشليم، وأظن أنه سيؤدي إلى ردّ فِعل مماثل جدًا.
دعونا ننتقل إلى سِفْر اللاويين عشرة.
قراءة الإصحاح عشرة من سِفْر اللاويين بكامله
يأخذ الفصْل عشرة مُنعطفًا مثيرًا للاهتمام لفترة قصيرة فهو يبدأ بسَرْد قصة مذهلة وشائكة إلى حدٍ ما عن ابني هارون، نداف وأفيهو، اللذين قتلهما يَهوَه بسبب إثم ارتكباه ضده. سوف نَنظر في موتهما وسببه بعناية فائقة لأنه بعد ألف وثلاثمئة سنة ستَحصل حادثة مماثلة وهي أيضًا مُسجّلة في الكتاب المقدس.
ومع ذلك، علينا أولاً أن ننظُر إلى هذا الإصحاح من منظور أوسع؛ ونفهم أنه يَجمع في نواحٍ كثيرة الكثير مما تَعلّمناه. لقد تَحدّانا سِفْر اللاويين حتى الآن في المقام الأول من خلال وَضْع قوائم طويلة من الطقوس المُفصَّلة بدقة كل منها لأغراض مُحدَدة بعناية؛ وكلها مُرتبطة بالخطية، وفي الطَرَف الآخر من الميزان، تتواجد القداسة. أنا مُتأكد من أنّ دراستنا لسِفْر اللاويين كانت بالنسبة للكثيرين منكم صعبة وإلى حدٍ ما مُملّة، ولكن تمامًا مثلما كنا في المدرسة الابتدائية نَتعلّم لأول مرة أساسيات الحِساب، من الضروري أن نخوض في البداية سلسلة كاملة من القواعد والحِفظ والمفاهيم والمبادئ الجديدة قبل أن يَتمكّن المرء من فهمِها، أو البدء بالقيام بأي نوع من التطبيق العملي المفيد. أحييكم على مواظبتكم لإكمال الدورة……إنها على وشك أن تبدأ في جني ثمارها.
منذ عدة سنوات في أحد صفوف مدرسة الأحد للبالغين التي كنت أدرِّسها، كان من الضروري فَحْص جانب مُعيّن من شخصية يَهوَه، وكان هذا الجانب هو استعداده للدينونة والعقاب وحتى التدمير عند الضرورة. لم يَمضِ وقت طويل على التدريس المتعلق بصِفات ربّنا هذه، حتى رَفع رَجُل (مع زوجته) كان يحضُر هذا الصف بانتظام، يده وأدلى بتعليق مُقتضب كان على هذا النحو "……أنا لا آتي إلى الكنيسة لأسمع عن دينونة الله، بل آتي لأسمع عن مَحبته. إلهي هو المحبة، وهذا كل ما يهمني". كان ذلك آخر يوم أحد له معنا، ولم يَعُد أبدًا.
فاجأني ردّ فعله وفكّرت في الأمر لعدة أسابيع. لقد جعلني أقبل حقيقة أنّ إلهنا هو بالفعل إلهٌ كثير التناقضات؛ وهكذا عندما نقرأ الكتاب المقدس، سواء العهد القديم أو العهد الجديد، نقرأ عن محبته ورحمته المذهلة التي تَسمَح لابنه أن يموت موتًا مؤلمًا من أجلنا، ولكننا نقرأ في صفحات أخرى عن إهلاكه للعالم بأسره، وعن قتله لمئات الآلاف من المصريين بسبب عِناد فرعون، وعن أمْرِه بقتل آلاف من بني إسرائيل بسبب بناء العِجل الذهبي.
هذا الرجل الذي كان غاضبًا جدًا مني بسبب تعليمي عن دينونة الله يُمثّل جزءًا لا بأس به من الكنيسة الحديثة التي تُفضِّل أن تُنحّي جانبًا وجهة نظر الكتاب المقدس عن القصاص الإلهي لاستخدام تعابير أكثر سلاسةً وغموضًا. وسمعتُ من على المنابر عبارات كالتالية: "الله سيَغفر لنا دائمًا. هذه هي وظيفته".
من المهمّ أن نفهم أن هذا التَصوُّر بأن إله العهد الجديد الصارم ومُصدر الأحكام المُفترض في العهد القديم قد أفسح المجال لإله مُتسامح ورحيم في العهد الجديد ما هو إلا لاهوت حديث وتقدُّمي. افحصوا تعاليم علماء الكتاب المقدس المتعلّمين منذ أكثر من قرن مضى وستَجدون اهتمامًا كبيرًا بالعبادة الصحيحة؛ وبفَحْص الذات المُستمر للتأكد من أننا نَسعى جاهدين من أجل الطهارة والطاعة لربنا……وهذا لتجنُّب الإجراءات التأديبية، أو ما هو أسوأ من ذلك، فقدان بَرَكة يَهوَه. نِصف عظات اليوم التي تتناول موضوع دينونة الله تدور حول "نار جهنم واللعنة" ومعظم القساوسة لن يتكلموا عند ذلك بعد الآن. لماذا؟ لأن مسيحيي القرن الحادي والعشرين لا يريدون سماع ذلك.
صحيحٌ أننا كمؤمنين لا يجب أن نُركّز ليلاً نهارًا على الخطيئة ولا أن نعيش حياة من القلق والاضطراب بسبب إثم ضد يَهوَه لا يمكننا تَحديده تمامًا….. أو ربما بسبب خطية شنيعة ارتكبناها ونرى أنها ربما تكون أفظع من أن يُكفِّر عنها حتى دم يسوع. إنّ الرغبة في تجنُّب غضب الله وإدانته بالخلود في جهنم، وأن نكون مطيعين للغاية، أدّت إلى هوس فحْص الذات الذي أصبح مألوفًا في العصور الوسطى؛ وقد اكتسب تشويه الذات المصحوب بصلوات طويلة قد تَستمرّ لساعات، والاعتراف بكل خطيئة مُتصوَرة (حقيقية أو خيالية) قد تكون موجودة داخل هذا الشخص، شعبية لدى أصحاب العقول المُتدينة بشكل خاص.
وبقدر ما كان كل ذلك غير مُتوازن، فإنه ليس أكثر اختلالاً من المكان الذي وصَل إليه معظم المسيحيين المعاصرين؛ أي غياب الخِشية من إلهنا. ولأننا قد اعترفنا بالولاء لابنه يشوع، فإنّ كل عِصياننا وعبادتنا المستهترة وأنماط حياتنا التافهة ستُقابل بغمزة جدّ وإيماءة من الله القدير. الفكرة هي أننا اشترينا تأمين الخلاص، واعتقدنا أنه بإمكاننا أن نلعب بأعواد الثقاب في بدلاتنا المُضادة للحريق من دون أن نَهتّم بالعالم.
حسنًا، آمل أن أضع حدًا لهذا النوع من التفكير الخطير واللاهوت الزائف من خلال عرض أمثلة من العهد القديم والعهد الجديد عن ردّة فِعل يَهوَه القوية على عصيان المؤمنين به. سوف أستخدم بعض الأمثلة التي سَمعنا عنها جميعًا من قبل، من دون خلفية وسياق مناسبين، ما حَجَب المبادئ والدروس المقصودة.
دعونا أولاً نتفحَص قصة نداف وأفيهو التي تُروى في الآيات القليلة الأولى من الإصحاح العاشر من سِفْر اللاويين؛ ثم سنُقارن ذلك بقصة أنانياس وسفيرة كما تُروى في أعمال الرسل خمسة. العنصر المشترك في كلتا الحالتين هو أن يَهوَه أخذ حياة هؤلاء الناس لإساءتهم إليه. في كلتا الحالتين يَتعلّق الأمر بمؤمنين؛ في الواقع كان نداف وأفيهو كاهنين…وكان حنانيا وسفيرة من أوائل تلاميذ يسوع. وفي كلتا الحالتين تبدو الإساءات، ظاهريًا، أكثر بقليل من مُجرّد مخالفات للبروتوكول؛ ولا يُمكن للمرء أن يَتوقّع من إله يُعطي مثل هذه القيمة العالية للحياة والمحبة والرحمة أن يصدر حُكم الإعدام.
تبدأ الآية واحد من الإصحاح العاشر بتعريفنا بأكبر أبناء هارون، نداف وأفيهو. كان هارون قد أصبح رئيس كهنة إسرائيل المُكَرَّس بالكامل، وكان نداف وأفيهو كاهنين عاديين مُكرسَين بالكامل. في الواقع بسبب التسلسل الطبيعي لخلافة العائلة، كان من المحتمل أن يكون نداف هو رئيس الكهنة التالي بعد وفاة هارون.
لقد قيل لنا أنّ نداف وأفيهو أخذا مجمرة النار (قد يَرِد في كتابكم المقدس "مبخرة"، وهي ببساطة وعاء مُصمَّم لنقل كومة صغيرة من الفحم الساخن)، ووضعا عليها البخور (لإحداث الدخان) ثم قدّماها ليَهوَه كجزء من طقوس خيمة الاجتماع. ولكن كانت هناك مشكلة؛ ما كانوا يُقدمونه ليَهوَه يُسمّيه الكتاب المقدس نارًا "غير طبيعية" أو "غريبة"؛ علاوةً على ذلك، كانوا يقومون بهذه الأمور أثناء سيرهم على طول الطريق….. ولم يكن ذلك شيئًا أمَرَ به الله.
وفجأةً في لهجة واقعية صارخة نرى الربّ يقذِف نارًا ويُحرِق نداف وأفيهو حتى صارا هشيمًا……قتلهم على الفور……لأنهم أساءوا إليه. على الفور يَلتفت موسى إلى هارون ويُعطيه تفسيرًا مبهمًا إلى حدٍ ما لما حدَث للتو…….يقول بشكل أساسي إنّ ما فعله أبناء هارون المُحترقين كان إهانة كبيرة لقداسة يَهوَه، وبالتالي لن يتم التسامح معه…. خاصةً من قبل قادة الكهنوت الذين يجب أن يكونوا أكثر دراية بكيفية التصرف.
دعونا نُحلّل هذا الموضوع لبضعة دقائق لأنه من المهم للغاية أن نفهمه لأن له علاقة بكل ما يَتعلق بهوِية يَهوَه.
أولاً، ما يُترجم عادةً بـ "النار"، في إشارة إلى هذه النار التي وَضَعها نداف وأفيهو في المجمرة، هي بالعبرية "ايش" وتعني "الفحم الحار". إذًا، فقد وضعا فحمًا حارًا في مِبخريهما، أي في مجمرتيهما، وليست نارًا مُلتهبة صغيرة. بعد ذلك قيل لنا إنهما استخدما "نار غير طبيعية" أو "نار غريبة". في العبرية، الترجمة هي "إيش زارا" وتُشير إلى البخور وليس إلى النار نفسها. لذلك قد يكون المعنى الأكثر دِقّة لهذه العبارة التي تُترجم عادةً إلى "غير طبيعية" أو "غريبة" هو: ….. بخور غريب يُقدّم بالنار والمعنى هو أنه كان هناك شيء خاطئ أو مُعيب في القربان الذي قَدَموه ليَهوَه.
والحقيقة أنه لا يوجد اتفاق عام بين الحكماء العبرانيين القدماء والعظماء ولا بين العلماء المعاصرين على الطبيعة الدقيقة لعَيْب "البخور الغريب المُقدّم بالنار" الذي تَسبَّب في موت ابني هارون. في سيفرا الذي هو في الأساس تفسير لسِفْر اللاويين، هناك عدد من الاقتراحات التي تُلقي بعض الضوء على الموضوع……وربما تُعطينا هذه الاقتراحات أفضَل صورة مُمكنة لما حدث هنا.
تبدأ طبيعة الإساءة في حقيقة أن هذين الرجلين كانا كاهنين مرسومين. لقد كانا قريبين من الله بشكل خاص (أو، بالطريقة العبرانية لقولها، كانا "بجانب" الله)؛ وضمنيًا، مهما كان الخطأ الذي ارتكباه، كان يجب أن يكونا على علِم مسبق بواجباتهما في ظِل غياب الأعذار. لقد قرأتُ لكم في عدة مناسبات ترجمة تُدعى "الكتاب المقدس لشوكن"؛ إنها ترجمة حرفيّة للغاية كلمة بكلمة، ونتيجةً لذلك قد يكون من الصعب مُتابعتها. يوجد فيها مصطلح أو عبارة مُحدَدة للغاية تتكرر كثيرًا عند الإشارة إلى ذبائح الهيكل والطقوس المُرتبطة بها التي تُقدم أمام يَهوَه، وإلى أولئك الذين كانوا مُخولين بتقديمها؛ في العبرية هي "كيرفاه"؛ أما في العربية فهي "قريب" لأنها تُشير على وجه التحديد إلى ذبائح مُعيّنة، لذا المعنى الحرفي لها هو "قربان قريب."
إذًا إلامَ يُشير هذا؟ ماذا تعني كلمة "قريب" في أبسط معانيها؟ قريب. بجانب. مُجاور. القريب هو عكس البعيد. القريب نسب منك…القريب بالدم لذا فإن كلمة القريب قد تَدلّ على ارتباط وثيق أو تُشير إلى شيء مجاور. كان الكهنة "قريبون" من الله في ارتباطهم به…بمعنى أنهم كانوا خدامه المُخصصين الذين أُعطوا واجبات لا يُسمح لأحد غيرهم بتأديتها، وقد مُنحوا امتياز القرب منه من خلال السماح لهم بالدخول إلى مسكنه الأرضي…المكان المقدس في خيمة الاجتماع.
وعليه، في جميع أنحاء الكتاب المقدس يَرِد مبدأ أنّ كل من هو "قريب من الله" يخضع لمعايير أعلى من أولئك الذين ليسوا كذلك. والسبب بسيط: لا يمكنك أن تكون قريبًا من الرب إلا إذا أعطاك هذا الامتياز العظيم. ولذلك، بالمعنى العام، لم يكن لدى نداف وأفيهو أي مجال للخطأ لأنهما كانا "خادمي الله القريبين" ذوي الامتيازات. كانا الأقرب إليه. وكلّما كان المرء أقرب إلى قداسة الله، كلما ازدادت المسؤولية التي يَتحملها بسبب خطر تلويث قداسته الذي يَجلبه القرب منه تلقائيًا. لقد حَذّر يشوع مرارًا وتكرارًا من أن معلمي الناموس الذين علّموا الناس تعاليم كاذبة بدلًا من الحق الكتابي، واجهوا عواقب أكبر بكثير من أولئك الذين لم يَعرفوا الله حتّى.
ما كانت طبيعة إثم نداف وأفيهو بالضبط؟ مرة أخرى، لسنا متأكدين تمامًا. ولكن يبدو أن هناك مخالفتين على الأرجح. الأولى هي أنه من المحتمل أنهما دخلا إلى خيمة الاجتماع المقدس وتجاوزا المكان المسموح لهما بالدخول إليه. كان بإمكان الكهنة الدخول إلى الغرفة الأمامية، التي كانت تُسمّى المكان المقدس. ولكن… كان يُسمح لرئيس الكهنة فقط بالدخول إلى الغرفة الخلفية التي كانت تُسمّى قدس الأقداس (خلال حياة موسى، وبسبب منصبه الفريد، سُمح لموسى بالدخول إلى قُدس الأقداس أكثر من هارون رئيس الكهنة. ولكن، بعد وفاة موسى، فُرضت قواعد الدخول إلى قدس الأقداس بشكل أكثر صرامة، ولم يكن بإمكان رئيس الكهنة الدخول إلى تلك الغرفة إلا مرّة واحدة في السنة، في يوم الغفران).
إنّ هذا التخمين بأن ابني هارون قد تَعدّيا على قِدس الأقداس وحُكم عليهما بالموت بسبب ذلك، يَدعمه تحذير من الله لموسى بشأن أخيه هارون. نجد هذا التحذير في سِفْر اللاويين ستة عشرة؛ دعوني أقتبسه لكم:
(نسخة الكتاب المقدس العالمية الجديدة) لاويين واحد الإصحاح ستة عشرة الآية واحد "وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى بَعْدَ وَفَاةِ ابْنَيْ هَارُونَ، عِنْدَمَا اقْتَرَبَا أَمَامَ الرَّبِّ فَمَاتَا" اثنان كَلِّمْ أَخَاكَ هَارُونَ وَحَذِّرْهُ مِنَ الدُّخُولِ فِي كُلِّ وَقْتٍ إِلَى قُدْسِ الأَقْدَاسِ، وَرَاءَ الْحِجَابِ أَمَامَ غِطَاءِ التَّابُوتِ، لِئَلّا يَمُوتَ، لأَنَّنِي أَتَجَلَّى فِي السَّحَابِ عَلَى الْغِطَاءِ.
السبب التالي الأكثر تَرجيحًا لحكم الله على نداف وأفيهو هو أنهما خالفا الأمر المذكور في سِفْر الخروج ثلاثين، الآية تسعة:
(نسخة الكتاب المقدس العالمية الجديدة) خروج الإصحاح ثلاثين الآية ثمانية"وَعِنْدَمَا يُطْفِئُ هَارُونُ الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الْغُرُوبِ يُوقِدُ بَخُورًا. وَيَكُونُ بَخُورٌ دَائِمٌ أَمَامَ الرَّبِّ فِي أَجْيَالِكُمْ. تسعة "وَلاَ تُقَرِّبُوا عَلَى هَذَا الْمَذْبَحِ بَخُوراً غَرِيباً وَلاَ مُحْرَقَةً وَلاَ ذَبِيحَةَ طَعَامٍ، وَلاَ تَسْكُبُوا عَلَيْهِ سقية".
إذًا في مُنتصف دراسة هذا الحدث نرى أنّ الامتياز العظيم المُتمثِل في القُرب من الله، يجلِب مسؤولية عظيمة وخطرًا……أعظم، وعواقب جَمّة عندما يتم إلغاء هذه المسؤولية.
والآن، تَخيلوا إن استطعتم: ها هو هارون وولداه يؤدون أول طقوس الذبائح منذ أن ارتسموا ككهنة. أمام الشيوخ الذين أحاطوا خيمة الاجتماع، وعلى مرأى من مئات الآلاف من بني إسرائيل الذين تَسلّقوا التلال المحيطة لمشاهدة هذا الحَدَث المثير، يَنفخ الله نار غضبه فتُحرِق في الحال ابني هارون البكر والابن الثاني. بقَدر ما كان الحشد مذهولاً، ماذا عن هارون المسكين الذي شَهِد للتو أفظع أنواع الموت لولديه البكرين، ماذا عن هارون المِسكين؟ هل يمكنك أن تَتخيل أن تكون في الكنيس أو الكنيسة وتَتقدم مع اثنين من أبنائك للصلاة، وفجأةً وبدون سبب واضح تَندلع النيران فيهما، ويموتان أمام عينيك مباشرة؟ ماذا كان يدور في ذِهن هارون؟ لا بد أن حُزنه وصَدمَته كانا طاغيين. لا بد أن خَوفه ورُعبه كانا في المرتبة الثانية. ماذا حدَث هنا؟ لمَ قد يفعل يَهوَه مثل هذا الشيء؟
حسنًا، سنَتعمق في ذلك في المرّة القادمة التي نلتقي فيها.