22nd of Tevet, 5785 | כ״ב בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » اللاويين » سِفْر اللاويين الدرس التاسع عشر – الإصحاحان الثاني عَشر والثالث عشر
سِفْر اللاويين الدرس التاسع عشر – الإصحاحان الثاني عَشر والثالث عشر

سِفْر اللاويين الدرس التاسع عشر – الإصحاحان الثاني عَشر والثالث عشر

Download Transcript


سِفْر اللاويين

الدرس التاسع عشر – الإصحاحان الثاني عَشر والثالث عشر

لقد انتهينا الأسبوع الماضي من المسألة الصَعبة للغاية المُتعلقة بالأكل "الكوشر"، وانتقلنا إلى التحضير لسِفْر اللاويين الإصحاح الثاني عشر. ولكن يجِب أن نَتطرّق إلى مسألة الطاهر والنجس، التي تُدعى طقوس الطهارة.

في بعض الأحيان في الكتاب المقدس، سنُلاحظ بدلاً من مُصطلحي طاهر ونجس، استخدام مصطلحي نَقي وغير النقي. هل هذه مجرد مترادفات؟ هل الطاهر والنقي أو النجس وغير النقي مجرّد طريقتين للتعبير عن نفْس الشيء؟ كلا. فالنقاوة هي نتيجة تَجنذُب الاتصال والاتحاد مع النجاسة، وما هو غير نقي يأتي نتيجة الاتصال والاتحاد مع النجس. هناك مصطلح مهم آخر مرتبط بكل هذه المصطلحات وهو "المُدنَّس" ويعني فقدان القداسة وفقدان طقوس الطهارة. التدنيس يجلِب النجاسة.

إليكم توضيحًا لما أعنيه: هناك أشياء نُسمّيها أمراضًا. الفيروسات والجراثيم والبكتيريا، وما إلى ذلك، إذا تَعرّضتم لها مَرِضتم، لكنكم لا تُصبحون المرَض نفسه. إذا أصبتم بالحَصبة، لفترة من الزمن، لا تصبحون الحَصبة. بل يَتسبّب المرض (الحصبة) في إصابة الشخص بالمرَض. إذًا، بنفس الطريقة، لمْس شيء نَجس يجعلكم غير أنقياء طقسيًا، لكنه لا يَنقل إليكم خصائص تلك النجاسة بِعينها التي لمَستموها…. لا تصبِحون ذلك الشيء غير النقي. إذا لمستُم جسد ميت، فأنتم لا تُصبحون جسدًا ميتًا. لكن لمس ذلك الجسد الميت يدنسكم وبالتالي تُصبحون غير أنقياء لأن حالة ذلك الجسد الميت كانت نجسة. كنتيجة لعدم النقاوة تُمنعون من أن تكونوا في حضرة القداسة. فالنجاسة تجلِب التدنيس الذي يَجعل الشيء أو الشخص غير نقي.

إنّ معرفة الفرْق الدقيق بين الطاهر والنقي، والنجس وغير النقي، وعلاقة كلٍّ منهما بالتدنيس يمكن أن يُساعدنا في دراسة ما تَبقّى من سِفْر اللاويين وحتى في العهد الجديد، الذي يتحدث عن التدنيس في عدد من المناسبات.

لنقرأ الآن سِفْر اللاويين الثاني عشر.

قراءة سِفْر اللاويين الثاني عشر بكامله

الإصحاح الثاني عشر قصير ومُباشر فهو يَتناول الحالة الطقسية للأم الجديدة وكذلك الطفل المولود حديثًا. وهو يُخبرنا أنه فَور الولادة تُصبح الأم غير نقية طقسيًا….. غير طاهرة. إذا كان المولود ذكرًا، تَستمرّ "عدم نقاوة" الأم لمدة أربعين يومًا؛ أمّا بالنسبة للطفلة فَتَتضاعف فترة "عدم النقاوة" إلى ثمانين يومًا. لم نَعرِف على الإطلاق سبب الفَرق في طول المدّة بين الجنسين ولن نَحصل على إجابة مباشرة في أي مكان في الكتاب المقدس.

تَنقسم فترات النجاسة الطقسية إلى مرحلتين: المرحلة الأولى (وهي سبعة أيام للذكور وأربعة عشرة يومًا للإناث)؛ ولكن المَرحلة الثانية تَختلف قليلاً عن الأولى؛ فمَع المرحلة الثانية تأتي "بعدم نقاوة أقل" من السبعة أيام الأولى أو الأربعة عشر يومًا الأولى…. وهذه المرحلة الثانية من عدم النقاوة "الأقل" هي ثلاثة وثلاثين يومًا للذَكر وستة وستين يومًا للأنثى (لاحظوا أنّ ثلاثة وثلاثين + سبعة = أربعين وستة وستين + أربعة عشر = ثمانية……أربعين وثمانين هو العدد الإجمالي لأيام "غياب النقاوة" بعد الولادة).

المرحلة الأولى من سبعة أو أربعة عشرة يومًا توصف بأنها من نَفس نوع "عدم النقاوة" بالنسبة للمرأة التي دَخلت في الدورة الشهرية. خلال هذه المرحلة لا يُمكنها أن تُقيم علاقة زوجية مع زوجها، وأي شيء تجلِس عليه أو تدوسه أثناء فترة حَيضها يُعتبر غير نقي؛ وكما هو الحال مع أي شخص في حالة "عدم نقاوة" لأي سبب من الأسباب، يجب أن تَبقى مُنفصلة عن أي شيء مقدس. هذا يعني أنها لا تستطيع تقديم ذبيحة إلى الهيكل، ولا لمْس أي شيء مقدس. سوف ندخُل في التفاصيل في الإصحاح الخامس عشر، ولكن نوع "عدم النقاوة" الذي تَنتقل عن طريق الأم الجديدة ليس ذات طبيعة خطيرة للغاية؛ عادةً ما يَبقى الشيء أو الشخص الذي أصبح غير نقي بهذه الحالة حتى غروب الشمس……أي حتى نهاية اليوم وبداية يوم جديد.

يَتساءل تفكيرنا العقلاني/المنطقي على الفور: لماذا يجب اعتبار الأم الجديدة نجِسة؟ انطلاقًا من فكرة أنّ سؤال "لماذا" لا يَنطبق على نمَط التفكير العبري التوراتي….. وبما أننا بدلاً من ذلك نَبحث عن أنماط وليس عن سِلسلة من البراهين والأسباب العِلمية أو المنطقية، فإنّ أقرب ما يمكن أن نَتوصّل إليه هو نمط ولادة المرأة …الذي يجعُلها غير طاهرة ثم تَستعيد طهارتها…… ويَرتبط ارتباطًا وثيقًا بدورة المرأة الشهرية. ويبدو أن حالة "عدم النقاوة" التي تُصاب بها الأم الجديدة لا يَتعلّق بالولادة بقدْر ما يَتعلق بإفرازات الدم المصاحبة لها. كما جاء في الآية السابعة:

(نسخة الكتاب المقدس النموذجية المُراجعة) لاويين الإصحاح الثاني عشر الآية السابعة وَيُقَدِّمُهَا أَمَامَ الرَّبِّ وَيُكَفِّرُ عَنْهَا، فَتَكُونُ طَاهِرَةً مِنْ سَيْلِ دَمِهَا. هَذَا هُوَ حُكْمُ الْحَامِلِ بِوَلَدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى.

إذًا سَيلان الدم هو الذي جعلها غير نَقيّة ويجب أن تَتطهّر منه؛ وليس لأنها جَلَبت حياة جديدة إلى العالم. وَيُسَمَّى "جَرَيَانُ دَمِهَا" أَيْضًا إفرازات. وسنجِد في الدروس التالية أنّ الإفرازات من الذكور أو الإناث تكون في بعض الحالات سببًا في جَعْل الشخص غير طاهر طقسيًا…نجسًا. وكما أن الولادة تُسبّب إفرازات من الدم والسوائل وكذلك الدورة الشهرية للمرأة… يمكننا أن نرى سبب العلاقة النمطية بين الاثنين فيما يَتعلق بجعْل المرأة نجسة.

لقد طُرِحت العديد من النظريات المثيرة حول سبب أنّ يَهوَه من جهة واحدة يُوجِّه البشرية ليكونوا مثمرين ويتكاثروا، ويُشجِّع باستمرار النساء اللواتي يَلِدن العديد من الأطفال (ويَعتبر أنّ النساء العاقرات هنّ في حالة من الحزن)، ومن جهة أخرى يُعلن أنّ النتيجة الناتجة عن الدورة الشهرية الطبيعية التي تُجهّز المرأة لتصبح حاملاً، وعملية إنجاب الطفل الجديد، تَجعل تلك المرأة في حالة من النجاسة… غير طاهرة وغير قادرة على الاقتراب من يَهوَه. لا أريد حتى أن أخصّص وقتاً لاستكشاف هذه النظريات معكم، لأنه بَعد التفكير فيها، فإن الواقع هو أنها مجرد نظريات بَشرية تُحاول رَبْط قوانين الطهارة الكتابية بالأسباب العلمية والمعايير الصحية والمُحرَّمات القديمة وما إلى ذلك… وهي أمور لم يتمّ مناقشتها في الكتاب المقدس كأسباب لوجود هذه القوانين.

يَرِد في الآية الثالثة القانون المهمّ للغاية وهو أنه في اليوم الثامن بعد الولادة كان يجب خِتان الطفل الذَكَر….كان الخِتان علامة العهد الذي أعطاه يَهوَه لإبراهيم، ويعني أنّ هذا الطفل هو تحت هذا العَهد. من الواضح أنّ اختيار اليوم الثامن له علاقة بطهارة الأم على مستوى الطقوس، لأن اليوم الثامن من حياة الطفل الصبي كان اليوم الأول من المرحلة الثانية من عدم النقاوة الطقسية للأم الجديدة…"عدم نقاوة" أقل. هناك قَدر كبير من الرَمزية في ختان اليوم الثامن، لكننا سنتناول ذلك في وقتٍ آخر.

خلال هذه المرحلة الثانية من عدم النقاوة الطقسية التي تبدأ (بعد سبعة أيام) في اليوم الثامن بعد الولادة بالنسبة للوَلد، أو (بعد أربعة عشر يومًا) في اليوم الخامس عشر بالنسبة للبنت، وتَستمر إمّا ثلاثة وثلاثين يومًا للطفل الذَكر أو ستة وستين يومًا للبِنت، يمكن أن تُستأنف العلاقة الزوجية بين الزوج والزوجة. ولكن لأن الأم لا تزال في أقل درجة من "عدم النقاوة" لا يمكنها أن تَدخل إلى الأماكن المقدسة ولا أن تَلمس أي شيء مقدس. اختلف التعريف الدقيق للشيء "المقدس" أو "المكرس" قليلاً مع مرور الوقت ومن تعاليم حاخام إلى آخر. بشكلٍ عام كان الشيء المقدس يَشمَل أي شيء كان سيُقدَّم للتضحية في الهيكل. لذلك عندما كانت الأم الجديدة من عامة بني إسرائيل ومُلزَمة بالمشاركة في الطقوس القربانية العادية، لم يكن بإمكانها أن يكون لها علاقة بأي حيوان أو طعام أو إجراء خلال فترة النَجاسة تلك؛ ولكن عندما كانت الأم الجديدة زوجة كاهن، كانت ممنوعة أيضًا من تناول نَصيب الكاهن المأخوذ من الذبيحة التي كان يَحقّ لها الحصول عليه (تذكروا أن مصدر الطعام الأساسي للكهنة وعائلاتهم كان أجزاء محددة من ذبائح الحيوانات والحبوب التي يقدمها عامّة الناس).

وبطبيعة الحال لم يكن هذا يعني أنها كانت مَحرومة من القوت اليومي أو أنها كانت تَأكل كميات أقل خلال هذه الفترة، بل إنّ الطعام الذي كانت تأكله لم يكن قد استُخدم كجزء من التضحية. كان لدى الكهنة أموالاً……مصدرها الأساسي يأتي من بعض القرابين التي كانت تَتطلب تقديم المال بالإضافة إلى الحيوانات……لذلك كانوا قادرين على شراء الطعام والمواد الأساسية الأخرى التي يَحتاجونها.

بعد اكتمال فترة الأربعين أو الثمانين يومًا من عدم النقاوة كان مطلوبًا من الأم الجديدة أن تقدِّم نوعين من الذبائح إلى الهيكل لإكمال عملية استعادة طهارتها: "العُلى والحتات"……أي ذبيحة محروقة وذبيحة تطهير. لن أعيد النظر في جميع إجراءات هذين النوعين من القرابين؛ يمكنكم الرجوع إلى دروسنا السابقة في سِفْر اللاويين إذا أردتم شرحًا مُفصلاً عنها. ومع ذلك أودّ أن أشير إلى أنه إلى جانب ذبيحة عُلَى كان من التلقائي تقريبًا أن تُقدَّم ذبيحة "مينشا" أيضًا، لذلك كان مطلوبًا من الأم الجديدة ثلاث ذبائح.

أمّا فيما يَتعلّق بذبيحة الحتات، فإن الهدَف من هذا النوع من الذبائح (نهاية طقوس عدم النقاوة الطقسية للأم الجديدة) هو أحد الأسباب التي تَجعلني أؤيد تسمية الحتات" ذبيحة تطهير" بدلاً من الترجمة الأكثر شيوعًا "ذبيحة الخطيئة".

تُعطينا ترجمة "ذبيحة الخطيئة" انطباعًا خاطئًا عن غرَضها……. أي أنّه تم ارتكاب نوع من الخطيئة وبالتالي يجب التكفير عنها. أعتقد أنكم بدأتم الملاحظة، أنّ النجاسة (عدم النقاوة الطقسية) لا تنطوي بالضرورة على خطيئة كما نُفكّر فيها على الإطلاق. يبدو لا خطيئة تُرتكب من الأم الجديدة تجعلها نجسة؛ فالحَمْل والولادة لم يكونا بأي حال من الأحوال خطيئة. بل إنّ إفراز الدم الطبيعي المصاحب للولادة هو الذي يَجعلها نجسة. عادةً ما يتمّ أداء "الحتات" كعمَل نهائي في سلسلة من الطقوس التي تُعيد الشخص غير النقي إلى حالة النقاوة الطقسية……وفي بعض الأحيان فقط هناك خطيئة مُحدَدة تُسبب عدم النقاوة الطقسية التي يتم علاجها.

اسمحوا لي أيضًا بما ستَجدونه مثيرًا للاهتمام ومفيدًا لفَهم جوانب معينة من عمل يسوع المُتعلق بالتكفير في حياة كلٍ منا.

لقد تَحدّثنا منذ فترة أنّ الحالة الطبيعية لمعظم الأشياء هي الطهارة، النقاوة الطقسية. الاستثناءات (في العالم المادي) هي تلك الحيوانات والأشياء الأخرى التي حَدّد يَهوَه، لأسبابه الغامضة، أنها غير طاهرة. يُمكن للبشر (الأمميين) أن يصبحوا أنجاسًا من خلال الانخراط في سلوكيات مُعيَّنة (مثل البغاء).

المبدأ الإلهي هنا هو أنّ الأشياء الطاهرة عادةً يمكن أن تَتنجس وتَتدنس وتَتدهور إلى حالة من عدم النقاوة الطقسية…النجاسة…عن طريق ارتكاب أفعال نجسة أو ملامسة أشياء نجسة. أو يمكن تقديس الأشياء الطاهرة ورفْعها وجعْلها مُقدسة بأمرٍ من الله. لكن لا يمكن رفع أي شيء غير طاهر مباشرة إلى حالة القداسة؛ ولا يمكن أن يُسمح لشيء نجس أن يكون في حضرة القداسة. دعوني أوضح هذا الأمر، لأنه يَنطبق تمامًا على العهد الجديد أيضًا: الشيء النجس يمكن أن يُرفع إلى حالة القداسة بمجرد أن يُرفع أولاً إلى حالة الطهارة الوسيطة. كل ما في الأمر أنّ الشيء الذي هو في حالة نجسة لا يمكن إعلان قداسته مباشرةً من حالته الحالية من النجاسة. الشيء النجس ليس مؤهلاً لأن يُصبح مقدسًا حتى يصبح طاهرًا أولاً.

لدينا المِثال الأفضل على ذلك في سِفْر اللاويين الثاني عشر. يُعلن يَهوَه أنّ الأم الجديدة تكون في حالة نجاسة بعد الولادة مباشرةً. لا يجوز لها أن تُشارك أو أن تكون جزءًا من ممارسات العبادة المعتادة لعائلتها أو مُجتمعها الديني لأنها نجسة، ويجب أن تَبقى كل النجاسة منفصلة عن القداسة. لذلك يُشرِّع يَهوَه لها فترة زمنية، يجب أن تنتظر انقضاءها، حتى تنتهي عدم نقاوتها الطقسية (أربعين يومًا لولادة طفل ذَكر، وثمانين يومًا لولادة أنثى). لا توجد طريقة لتقصير هذه الفترة الزمنية. وفي نهاية هذه الفترة الزمنية، كما سنَرى في الإصحاحات اللاحقة، ستَدخُل الأم الجديدة في اغتسال طقسي (ستُغطس في ميكفا) الذي يُمثِّل رسميًا نهاية فترة نجاستها. بعد مرور الوقت والتغطيس، تُصبح طاهرة من دون العودة إلى حالة القداسة التي كانت تَتمتع بها قبل الولادة مباشرةً. بعد فترة الانتظار والتغطيس في الميكفا أصبحت طاهرة، لكنها لم تَعُد بعد إلى علاقة مُتجدِّدة مع الله؛ الذبائح تُحقِّق ذلك.

لذا لاحظوا التدرج: الأم الجديدة غير طاهرة ونتيجةً لذلك فإنّ حالة قداستها مُعلّقة مؤقتًا. ولكي تعود إلى حالة القداسة التي مَنحها الله لجميع بني إسرائيل، يجب عليها أولاً أن تُصبح طاهرة طقسيًا لأنها كشخص غير طاهر لا يمكنها أن تكون في حضرة القداسة (الهيكل). وبمجرد أن تصبح طاهرة مجددًا، يُسمح لها أن تُقدّم الذبيحة التي تَسمح لها باستعادة مكانتها المقدسة. ليس هناك طريق مُختصر. إذًا، لقد تَعلّمنا أنّ جَلْب حياة جديدة إلى العالم؛ أي الطفل لم يكن هو سبب نجاستها: بل كما جاء في الآية سبعة، كان خروج أو سَيلان الدم من عملية الولادة هو الذي جَلَب عدم النقاوة. وقد وجدنا أنّ التوراة تُقارن بين نوع ومستوى عدم النقاوة عند الأم الجديدة والمرأة التي في دورتها الشهرية، ففي كلتا الحالتين تكون نجسة لفترة زمنية مُحدَّدة، وتُمنَع من التواجد في حضرة القداسة حتى تَنقضي تلك الفترة وتَغتسل.

حافظوا على تركيزكم، لأنه لا يوجد سوى كلمات بسيطة تَشرح سِرًا روحيًا يبدو وكأنه عملية ميكانيكية لكنها ليست كذلك. في البداية أريد أن أكرر بأقوى العبارات المُمكنة أن النجاسة ليست حالة يُواجِهها المؤمن بيسوع بعد الآن. أيتها السيدات، كمؤمنات، أنتن لا تُصبحن غير نقيات طقسيًا كل شهر، ولا أثناء الولادة. نتيجة لثِقتكن في المسيح، تُبقين مُقدسات وطاهرات. في الواقع، كما شرحتُ، من معلومات الكتاب المقدس، لا يمكن لأي مؤمن أن يَتدنّس أبدًا وصبح في حالة نجاسة طالما أنه مؤمن……لأن دم يسوع الفدائي يَعمَل في كل لحظة. في عالمنا الزماني والمكاني يُقال إنّ تَضحية المسيح على الصليب كانت "مرة واحدة وإلى الأبد" أي أنها كانت حدثًا لمرّة واحدة. من التوراة والعهد القديم ونظام الذبائح، يمكن للمرء أن يقول إن ذبيحته الوحيدة التي قَدّمها بجسده قد عالجت كل الأمور التي كانت تَحتاج إلى ذبيحة طقسية للتكفير. ولكن، في العالم الروحي حيث لا يوجد زمان ومكان، يبدو الأمر كما لو كانت تضحيته مستمرة. إنها ليست تضحيات أخرى…… بل هي واحدة، مُستمرة، لا نهاية لها، أبدية.

والآن، الخطيئة… على الأقل بمعنى السلوك السيء أو العصيان أو كَسْر القواعد والقوانين اللاوية….. من الواضح أنها لا تَتعلق بمسألة عدم النقاوة الطقسية للأم الجديدة. لذلك نرى أنه لا يمكننا أن نُساوي بين ارتكاب الخطيئة والنجاسة في كل حالة. ومع ذلك فإنّ النجاسة مُرتبطة بالخطيئة. اسمحوا لي أن أشرح: بنفس الطريقة التي يبدو فيها بعض الناس غير المؤمنين……رائعين ومُهتمين ومُحبين (لكن غير مخلصين)…يمكن أن يبدو أنهم يعيشون حياة شِبه مثالية (غاندي مثلاً)، حياة نموذجية أتمنى في بعض الأحيان أن أعيشها…..في الواقع، حتى لو لم يَرتكبوا أية خطايا فإنّ طبيعتهم ذاتها خاطئة بسبب علاقتهم بآدم وحواء. يُسمّي المسيحيون هذا المفهوم "طبيعتنا الخاطئة"، وكما أن السلوك السيء…. أي ارتكاب معاصٍ مُحدَّدة ضد الآب….يجب التكفير عنها، كذلك يجب التكفير عن طبيعتنا الخاطئة. لهذا السبب يُقال إنّ الأطفال الأبرياء الذين لم تُتَح لهم الفرصة لارتكاب مَعاصٍ ضد الله، هم في حالة خطيئة…… لأنهم يَحملون في طبيعتهم نتائج سقوط أسلافنا الأرضيين، آدم وحواء. في هذا السياق تَلتقي الخطيئة والنجاسة. سيَنتج عن طبيعتنا الخاطئة في النهاية النجاسة. لا يمكننا أن نفعل شيئًا حيال ذلك….إلاّ….. أن نَعتمد على عمل يسوع الفدائي من أجلنا.

قبل المسيح، كانت ذبيحة عُلى…. التي نُسمّيها عادةً الذبيحة المحروقة….. مُصمَمة للتكفير ليس عن أعمال الخطيئة أو العصيان….. بل عن طبيعة بني إسرائيل الخاطئة، وبالتالي النجسة. إذا كنتم تتذكرون دروسنا السابقة فقد ناقشنا في سِفْر اللاويين لأول مرة ذبائح عُلى ومينشا؛ وفي الواقع لم يكن لهذه الذبائح أي علاقة بارتكاب خطايا ضد يَهوَه. ولم تبدأ التوراة في التعامل مع الخطايا ضد الله والنجاسة التي تُنتجها إلا عندما وصلنا إلى ذبائح الحتات وأشام وزيفا. ولاحظوا أنّ ذبيحة عُلى هي الذبيحة المطلوبة في سِفْر اللاويين الثاني عشر من الأم الجديدة….. الذبيحة التي لها علاقة بالتكفير عن طبيعتها الخاطئة. ثم بالطبع يأتي دور ذبيحة الحِتات المطلوبة أيضًا لأن لها علاقة بالتطهير…… أي أنها الثمن الذي يُدفع لانتقالها من حالة نجسة إلى حالة طاهرة…. من حالة "غير نقية" إلى النقاوة. يَدفع يسوع الثمن لانتقالنا من النجس إلى الطاهر (مثل الحتات)، ولانتقالنا من الطاهر إلى المُقدّس (مثل العُلى).

لقد لاحظنا أيضًا وجوب حدوث عَمليّة مُدبّرة بعناية لتنتقل الأم الجديدة من حالة النجاسة إلى حالة الطهارة، ثمّ استعادة حالة القداسة. الخطوة الأولى كانت انتظار الوقت المطلوب، أربعين يومًا للمولود الذَكر، وثمانين يومًا للمولودة الأنثى. الخطوة الثانية (التي سنراها في الإصحاحات اللاحقة) كانت طقوس الاغتسال…في الميكفا. وهذا ما أخرجها

من حالة عدم النقاوة الطقسية، النجاسة، إلى حالة النقاوة الطقسية، الطهارة الطقسية.

والآن بعد أن أصبحت طاهرة مرة أخرى، فهي مؤهلة لأن تُصبح مُقدسة. وللوصول إلى هذه الحالة المقدسة يجب عليها أن تُقدّم ذبيحتين (ثلاثة في الحقيقة) للتكفير…….العُلى والحتات. إذا تَمّت تقديم الذبيحتين بشكل صحيح، يَتمّ تكريسها وجعلُها مقبولة لدى يَهوَه…..، وتَنضمّ إلى الجماعة (الجماعة هي إسرائيل) كشخص مُقدّس. لذا، في تشبيهي لسلم القداسة، من المفترض أنها تُدخِل حملها في حالة قداسة.

أمّا الولادة، فتُسقطها عن هذا السلم وتَهبط بها إلى حالة من النجاسة. وعليها الآن أن تَصعد السلم مرّة أخرى….. للارتقاء من حالة غير طاهرة إلى طاهرة…. ثم من الحالة الطاهرة إلى المقدسة.

هذه هي مراحل الوصول إلى القداسة اليوم. أولاً، بينما نبدأ حياتنا كطاهرين، فإن طبيعتنا الخاطئة ستدفعنا حتمًا نحو سلوكيات غير طاهرة، وبالتالي يجب أن نخرُج من نجاستنا إلى حالة الطهارة. يَشرح القديس بولس (نسخة كينغ جيمس مع ملاحظات جنيفا) أفسس الإصحاح خمسة الآية خمسة لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ لِعَاهِرٍ وَلاَ نَجِسٍ وَلاَ طَامِعٍ وَلاَ عَابِدِ أَوْثَانٍ نَصِيبٌ فِي مَلَكُوتِ الْمَسِيحِ وَاللهِ. ثُمَّ فِي اثنان كورنثوس الإصحاح ستة الآية سبعة عشرة لِذَلِكَ اخْرُجُوا مِنْ بَيْنِهِمْ وَكُونُوا مُنْفَصِلِينَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَلاَ تَمَسُّوا النَّجِسَ فَأَقْبَلَكُمْ….."

هنا نَسمع يسوع ينادينا، ونَتّخذ القرار بأننا سنصبح أعضاءً في ملكوت الله، تاركين ما هو ضد الله…… هذا يُزيلنا من وَضْع العالم ككلّ ويَضمُّنا إلى إسرائيل وعهودها (كما ناقشت معكم بإسهاب، هذه هي إسرائيل الحقيقية الروحية، وليست إسرائيل الأرضية المادية). بمجرد أن نَتطّهر على يد يسوع (كنبع الماء الحي)، عندئذٍ يمكننا أن نُصبح مقدسين ومقبولين عند الله بدمِه. والآن بما أنّ المسألة روحية، فإنّ كل هذا يَحدث في وقتٍ واحد بالنسبة لنا…. لا نستطيع أن نُميّز هذه الخطوات المُنفصلة والمتميزة من نجس إلى طاهر إلى مُقدس كما رأينا هنا في سِفْر اللاويين. لكن يتم تعليمنا المبدأ الروحي للعمليّة هنا في الإصحاح الثاني عشرة، وفي أماكن أخرى في التوراة؛ انتقال المَرء من نجس إلى مقدس مُقسَّم إلى أجزاء صغيرة يمكننا رؤيتها وفهمها….. وهو، كما أؤكد، الغرَض الأساسي للتوراة؛ للسماح لنا برؤية وتَصوُّر وفَهم بعض المبادئ الروحية اللانهائية…. من بينها التعريف بالخطيئة والقداسة….. بطريقة يُمكن لعقولنا الجسدية المحدودة أن تَستوعبها.

الآن لا تسألوني كيف يَحدث كل هذا في كل فَرد…..أو مَتى بالضبط اللحظة التي نَنتقل فيها من حالة نجاسة إلى طهارة، ثم من الطهارة إلى القداسة. أظنّ أنّ الأمر مختلف قليلاً لكل فرد….ولكن ربما ليس كذلك. ومع ذلك، فإن العَمليّة هي نفسها، والحاجة إلى ذبيحة دموية لنقلِنا من مجرد طاهرين إلى مُقدسين مطلوبة كما كانت دائمًا. في الزمن السابق للمسيح، كانت هناك سلسلة من الذبائح المُحددَة، التي كانت تُقدَّم مرارًا وتكرارًا لتنفيذ هذه العملية؛ ومنذ مجيء يسوع كان دمه هو المطلوب….. وليس دم الحيوانات. هناك أيضًا أهمية كبرى وبُشرى سارّة لنا في فكرة أنه لم يَعُد هناك سُلَّم قداسة نَصعده ونَسقط منه ثم نصعده مرة أخرى. يبقى المؤمن مقدسًا، وبصِفة عامة، لا يمكن أبدًا أن نكون في حالة نجاسة….عدم نقاوة…. حتى لو لمَسنا النجاسة. بالتأكيد يمكن أن نكون في حالة تمرُّد….وهو في الأساس وقت عصيانٍ مُستمرّ ليَهوَه….ولكن حتى هذا لا يجعلنا نجسين….. أو الأهم من ذلك، نحن لا نفقد بالضرورة مكانتنا المقدسة (ولكن من الواضح أنه يمكن أن يؤدي إلى فقدانها). ومع ذلك، دعونا لا ننسى أبدًا أنه في حين أنّ العصيان لا يُكلفنا خلاصنا بشكل عام، إلا أنه بالتأكيد أمْر مهمّ بالنسبة لرَبّنا. إذا كنا نحبه، فلماذا نريد أن نَعصيه. كما يقول بولس (نسخة الكتاب المقدس العالمية الجديدة) في إنجيل رومية الإصحاح واحد الآية ستة "ماذا نقول إذن؟ هل نستمر في الخطيئة لكي تزداد النعمة"؟

سنُغطّي جوانب عملية التطهير من حالة النجاسة في وقت لاحقٍ، لكن دعوني أشير إلى شيء سأذكُره مرة أخرى لاحقًا: الماء هو عامل التطهير، بينما الدم هو عامل التكفير. الماء هو الذي يُستخدم (التغطيس) لجعْل الشخص أو الشيء النجس طاهرًا، لكن الدم هو الذي يَجعل الشخص أو الشيء الطاهر مقدسًا.

لهذا السبب قيل لنا أنه عندما طَعَن الجندي الروماني جَسَد يسوع الذي لا حياة فيه بحَربته، انسكبت المياه مع الدم. دعا يسوع نفسه "الماء الحي". كان الماء الحيّ ضروريًا للتطهير، وكان الدم ضروريًا للتكفير. نحن نَتغنّى في الغالب بدَم مُخلصنا؛ ولكن في الحقيقة ما كان لدمه أن يكون ذا فائدة لنا لو لم يكن قد غمرنا (بالمعنى الروحي) أولاً في مائه الحي. تلك العبارة الصغيرة في العهد الجديد عن الماء والدم اللذين انسكبا من جنبه كان لهما معنى كبير بالنسبة لليهود الذين شهدوا ذلك لأنهم فَهموا ضرورة الماء والدم معًا.

حسنًا. هذا يفي بالغرض فيما يتعلق بالنجاسة والولادة. يَتناول سِفْر اللاويين الثالث عشر والرابع عشر النجاسة الطقسية نتيجة الأمراض الجلدية. وبقدر ما يبدو الأمر غريبًا، فإن هذين الإصحاحين يُعالجان حتى "الأمراض الجلدية" للأشياء الجامدة: تحديدًا للملابس والبيوت.

لذا، دعونا نَستمرّ في تَعلُّمنا عن الطهارة الطقسية بقراءة سِفْر اللاويين الثالث عشر.

قراءة سِفْر اللاويين الإصحاح الثالث عشر من الآية واحد إلى ثمانية

الإصحاحان ثلاثة عشرة وأربع عشرة طويلان ومُعقّدان ومليئان بالتعليمات المُفصّلة. لذا، نحن بحاجة إلى تقسيمهما إلى أجزاء صغيرة يمكننا فهمها. تتناول الآيات واحد إلى ستة وأربعين من الإصحاح الثالث عشر الأمراض الجلدية التي تُصيب الإنسان؛ وتتناول الآيات سبعة وأربعين إلى ثمانية وخمسين ما يُسمّى بـ "الأمراض الجلدية" التي تُصيب الجلود والأقمشة. عندما نصِل إلى الإصحاح الرابع عشر، سنَتعامل مع الأمراض الجلدية التي تُصيب البيوت.

لذا، سنَقوم بتقسيم هذا الموضوع إلى أجزاء أصغر بعد، بدءًا من الآيات الثمانية الأولى من الإصحاح الثالث عشر؛ لأننا هنا نحصُل على تعليمات للكهنة حول كيفية تحديد ما إذا كانت الأعراض العامّة للمريض ذات طبيعة خطيرة أم أنها شيء غير خطير ومن المحتمل أن يُشفى من دون مشاكل أخرى ومن دون أن يُشكّل الشخص المصاب خطرًا على مجتمعه.

هنا نرى الكهنة يَتولّون دورًا جديدًا يُضاف إلى قائمة واجباتهم القائمة أصلاً كمُشرفين على الطقوس وكحرّاس لقداسة يَهوَه وكمُعلّمين. لدورهم الجديد جانب طبي حيث يجب عليهم تشخيص المرض الجلدي، وتقرير ما إذا كان يَنبغي عَزْل الشخص أم لا. وعليهم أيضًا أن يُقررّوا متى يُشفى المرض تمامًا ويُسمح له بالعودة إلى المجتمع. فيما بعد سيَصف الكهنة أيضًا طقوس التطهير المُتقنة جدًا ويشرفون عليها.

والآن تذكروا أنّ "التزاراة" كانت تصِف المظهر الخارجي لحالة الشخص الروحية الداخلية؛ وأن ّبعض الأمراض الجلدية (وليس كل الأمراض الجلدية) كانت طريقة الرَب في إظهار حالتكم الداخلية السرّية من النجاسة (التي كانت حتى الآن معروفة لله وحده) للعَيان ليراها الجميع.

علينا أن نَفهم أنّ الكهنة لم يأخذوا دور الأطباء أو المُعالجين. لم يُخبروا الشخص كيف يَتخلّص من المرض الجلدي، ولم يرشدوه إلى كيفية التخلّص من المرض الجلدي، ولم يُلقوا عليه صلاة ما، ولم يُعطوه جرعة، أو علاجًا، أو دواءً، أو بلسمًا، لتخفيف الحكّة أو النزيف أو الألم. لم يرشدوا المُصاب للتعامل مع مرضه الجلدي، بل كانت وظيفتهم ببساطة تحديد ما إذا كان هذا الشخص مصابًا بالفعل بمرض جلدي، وفي أي فئة عامة يَندرج المرَض، وما إذا كان هذا الشخص بحاجة إلى العَزْل عن المجموعة….، وبالطبع متى (إن كان) يمكن لهذا الشخص أن يَنضمّ إلى مجتمعه وما هي الخطوات (من وجهة نظر طقوسية) اللازمة لتحقيق ذلك. في الواقع، كان هذا الدور الجديد مجرد امتداد لدور كان لديهم بالفعل: التمييز بين الطاهر والنجس.

ما يُترجم بشكل عام على أنه "مرض جلدي" في الكتاب المقدس هو بالعبرية "تزاراة". لسوء الحظ، فإنّ معظم الكتب المقدسة غالبًا ما تَستخدم مصطلح "الجذام" بدلاً منه، وهذا ببساطة خطأ. الجذام، أو ما يُطلق عليه اليوم بشكل أكثر شيوعًا في المجتمع الطبي "مرض هانسن"، ليس على الإطلاق ما هو مَوصوف في سِفْر اللاويين. أكره أن أكون الشخص الذي يُدمّر مشهدًا مقولبًا وخاطئًا آخر من العديد من أفلام الكتاب المقدس (أوه، في الحقيقة أنا أحب أن أفعل ذلك!). الجذام كان نادرًا جدًا. بعد البحث في الكميات الهائلة من سِجلاتها العامة القديمة أو وآلاف الهياكل العظمية والمومياوات التي تم استخراجها وفَحصُها، لم يَظهَر أي دليل على أنّ الجذام الحقيقي انتشر في مصر قبل القرن الخامس الميلادي! وفي حين أنّ هناك أدلّة على وجوده في كنعان ومنطقة فلسطين خلال فترة وجود بني إسرائيل هناك، إلا أنه كان نادرًا بالفعل؛ لذا فإنّ الصورة الذهنية لمُستعمرات الجذام الكبيرة، مع وجود أناس مَنفيين بانتظام هناك، غير حقيقية. ولم يُصادف الكاهن شخصًا مصابًا بالبرَص إلاّ نادرًا.

يأتي هذا الخطأ من الكلمة اليونانية "ليبرا" المُستخدمة في العهد الجديد والتي اختيرت لترجمة الكلمة العبرية "تزاراة"؛ وقد تم تحويل كلمة "ليبرا" في النهاية إلى "الجذام"، وكان الجذام بالطبع من أكثر الأمراض المُرعبة. وبما أنّ مرَض الجذام بشِع للغاية في مظهره وقاتل في نتيجته، فقد كان مادة دسمة للقصص والمواعظ التوراتية؛ لذا تُرجمت كلمة تزاراة لتعني الجذام على الرغم من أنّ الأوساط اللاهوتية والطبية قد قرَرت منذ زمن بعيد أنّ ما كان يُشار إليه في الكتاب المقدس لا علاقة له بالجذام. من المثير للاهتمام أنّ الإغريق كانوا يَملكون كَلِمة دقيقة لما نَعتقد عادةً أنه الجذام، أو بشكل أكثر دقّة مرض هانسن: "داء الفيل" وبطبيعة الحال لن تجِدوا كلمة داء الفيل اليونانية في العهد الجديد لأنه لم يكُن المرض مِحور الحديث.

وعلاوةً على ذلك، فإن التزاراة ليس مرضًا محددًا، بل هو مُصطلح عام لمجموعة كاملة من الأمراض الجلدية والتشوهات الجلدية، التي تجعل الشخص غير نقي طقسيًا… نجسًا بموجب الشريعة. يشير الإجماع العام الحالي إلى أن الأمراض الجلدية الموصوفة في سِفْر اللاويين تشبه إلى حدٍ كبير الصدفية واللوكوديرما. الصدفية هي تقشّر غير معدي يصيب الجلد، ويمكن أن يَنتشر في أي مكان من بقعة صغيرة جدًا من الجلد إلى الجسم كله تقريبًا. وعادةً ما تكون قشور الصدفية ذات لون أبيض لامع، ولكن إذا قام الشخص بحكها بسبب الحكة المستمرة المعتادة المصاحبة للحالة، فإن الخلايا الكامنة تحتها تكون أكثر احمرارًا. لا تُؤثر الصدفية على الصحة العامة للشخص ولا تُعتبر قاتلة، ولكن يمكن أن تكون الحالة الخطيرة مُنهكة للغاية.

أمّا القراع فهو أكثر خطورة. وهو عبارة عن فطريات تهاجم المناطق المشعرة من الجسم، وعادةً ما تكون فروة الرأس فقط. هو مُعدٍ جداً لأنه يؤثر على الطبقات العميقة من الجلد وكذلك على بُصيلات الشَعر ويمكن أن يترك تشوهًا دائمًا بالإضافة إلى الصَلع في المنطقة المُصابة بالمرض.

الليكوديرما هو مرَض جلدي يَتسبب في فقدان الجلد للونه الطبيعي وتَحوّلِه إلى اللون الأبيض. يكون عادةً مصحوبًا بِبُقع ويؤثر فقط على الصبغة الموجودة في الطبقات العُليا من الجلد.

هذه القائمة ليست شاملة، لكنها تعطينا فكرة جيدة عن شَكل "التزاراة". هذه الأشكال المختلفة من التزاراة ليست قاتلة بشكل عام، ولا تُضرّ عادةً بالصحة العامة للمريض، كما هو الحال مع الجذام. عادةً ما تكون هذه أمراض جلدية مُزعجة….على الرغم من أنّ بعضها قد يَستمرّ مدى الحياة؛ ولكنني لا أريد أن أقلّل من شأن هذه الأمراض، فأنا أعلم أنّ بعض هذه الأمراض تجلِب حكّة شديدة وقدرًا من الألم يَدفع الناس إلى الجنون….ولا ينبغي أن نَعتقد أن الندوب والتشوهات الجسدية التي تُسببها بعض هذه الأمراض، وإن لم تكن كبيرة في العادة، كانت أقل أهمية في ما يَتعلق بنفسيات هؤلاء العبريين القدماء مما كانت عليه بالنسبة لنا نحن المعاصرين.

لذلك في حين يتوافر بالتأكيد جانبٌ طبيٌ لأحكام الله المتعلقة بالتزاراة، لم يكن الأمر يَتعلق بحماية المجتمع من الأمراض القاتلة…..لأن التزاراة لم تكن أمراضًا مُميتة. بل كان الأمر يَتعلق بطهارة الطقوس أكثر من كونه مرَضًا. كانت عواقب التزاراة مُدمّرة من نواحٍ أخرى؛ فالشخص الذي يُعلن أنه غير مُطهّر من التزاراة يوضع خارج المخيم…..بعيدًا عن عائلته والمجتمع…..ووفقًا للحالة، ربما يتمّ نَفيه مدى الحياة. وهذا النفي لا يكون فقط بالإبعاد عن الزوج أو الأولاد أو القبيلة؛ يكون هذا الشخص مُنفصلاً عن الله. إنه نجس، غير صالح للحياة في مجتمع الله المقدس، وبالتالي غير صالح للقبول عند يَهوَه. إذا أصيب الكاهن بالتزاراة، فإنه يَفقد مكانته السامية كخادم خاص لله بالإضافة إلى معاناته من الألم والذل بسبب إرساله إلى خارج المخيم. لذلك علينا أن نُدرك أنّ رُعب العبريين من التزاراة كان يُركِّز في المقام الأول على التدنيس الذي جَلَبه هذا المرض، والانفصال المَفروض عن يَهوَه وشعب الله الذي نتَجَ عنه.

تَخيَلوا، يا أصدقائي المسيحيين، لو استيقظتم ذات يوم وعلى ذراعكم رِقعة مُتقشرة، وذهبتم إلى القسّ أو الحاخام الذي تتعاملون معه، وقرّر أنها صدفية، وطَلب منكم ألا تعودوا أبدًا، وأنه يجب أن تتركوا عائلتكم ومجتمعكم، وأنكم مطرودون من عائلة الله، وأنكم فَقدتم منزلتكم كمُقدّسين ومخلّصين، وأنه ما لم تَختفِ الصدفية، فإنّ الطَرْد سيكون وضْعكم الدائم حتى موتكم. لقد انتهت علاقتكم مع يَهوَه وليس لديكم أي رجاء على الإطلاق. أملُكم الوحيد هو أن يَختفي بأعجوبة. بالطبع، وبِفضل يسوع المسيح، ليس على المؤمنين أن يخافوا من ذلك……ولكن هذا كان الحال مع العبريين قبل المسيح. مُخيف؟ مُخيف؟ قاسٍ؟ لم يكن ما نَتحدث عنه تقليدًا حاخاميًا؛ هذه تعليمات الله التي أمر بها. أن تكونوا نجسين هو أمر روحي خطير جدًا…..ولا زال كذلك…. لأنه تهديد للقداسة ونقيضها. وعلينا أن نتذكر دائمًا أن يَهوَه سيَحمي قداسته بأي ثمن…..وهذا ما يتم تذكيرنا به مرارًا وتكرارًا في الكتاب المقدس. لو كان على يَهوَه أن يُدمّر الكون كله ليَحمي قداسته من الدنس. وفي الواقع، وَرَد في سِفْر الرؤيا أنّ هذا بالضبط ما سيفعله.

سنُكمل الإصحاح ثلاث عشر الأسبوع القادم.