22nd of Tevet, 5785 | כ״ב בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » اللاويين » سِفْر اللاويين الدرس أربعون – الإصحاح السادس والعشرون
سِفْر اللاويين الدرس أربعون – الإصحاح السادس والعشرون

سِفْر اللاويين الدرس أربعون – الإصحاح السادس والعشرون

Download Transcript


سِفْر اللاويين

الدرس أربعون – الإصحاح السادس والعشرون

لقد انتَهينا في الأساس من تقديم الشريعة وإقامة الطقوس المقَدّسة. لذا فإنّ الإصحاح السادس والعشرين يَعود نوعًا ما الى الوراء ويقول: إذا اتَّبعتُم ما قلتُ لكم أن تفعلوه، فستكون هناك بَرَكات كثيرة عليكم، وإنْ لم تَتبعوا ما قلتُ لكم أن تفعلوه، فسيكون هناك عقابٌ كبير. كانت هذه عدالة الله آنذاك، وهي كذلك الآن؛ طريق ذو اتجاهين وإلا فَقدَت العدالة كلّ معنى.

لنقرأ الإصحاح السادس والعشرين معًا.

اقرأوا الإصحاح السادس والعشرين بأكملهِ

تُذكِّرالآيات الثلاث الأولى بني إسرائيل بقائمة قصيرة من أهم المبادئ التي وَضَعها الله: واحد) لا عبادة أوثان، اثنان) يَهوَه هو رَب بني إسرائيل، ثلاثة) يجب مراعاة السَبت، وأربعة) يجب المحافظة على مَسكَن الله، خيمة الاجتماع، بدقَّة وفقًا لشرائعه.

هناك سببان لذِكْر هذه المبادئ الأربعة مرارًا وتكرارًا في التوراة: أولاً، كان بنو إسرائيل ذوي عقلية وثنية. لقد كانوا يَعبدون الأوثان بالفِعل، وكانوا يَعبدون عددًا من الآلهة، ولم يكونوا يَحترمون راحة يوم السبت السابع (الذي وَضَعه يَهوَه منذ بداية العالم)؛ وبسبب هذه الآثام كان لا بد من الحفاظ على الحواجز التي أقامَها الله بين البشر ومَسكِنه الأرضي، خيمة الإجتماع، للنجاة من النجاسة والعادات، دون أي مساومة.

ثانيًا، تُمثِّل هذه المبادئ نوعًا من النواة التأسيسية التي توضِح أساس علاقة بني إسرائيل بإلهِهم.

لذلك مع وَضْع ذلك في الإعتبار، تقول الآية ثلاثة إذا اتَّبعتم شرائعي……. أي كلّ قواعد وأحكام التوراة….. عندها تحدُث كل الأمور الجيدة. في وقت لاحق في الآية الرابعة عشر تقول إن خالفتُم شرائعي فعندها تحدُث كل الأمور السيئة.

هنا شيء من السَهل نسيانه: إنّ استجابَتنا لأوامر الله تَجلِب معها دائمًا عواقب. لا يوجد مَوقف مُحايِد. هذا هو نظام عدالة الله ولا يمكننا الهروب منه. الطاعة تَجلِب عواقب إيجابية والعصيان يَجلِب عواقب سلبية. يُسمّي الكتاب المقدس العواقب الإيجابية للطاعة ”بَرَكات“ والعواقب السلبية للعصيان ”لعنات“. تَجلِب لنا بَرَكات الطاعة للناموس الحياة مع الله ولعنَة عدم طاعة الناموس تَجلِب الانفصال عن الله.

هذه القائمة من البَرَكات واللعنات في سِفْر الاويين ستة وعشرين تَتبَع شَكلاً معروفاً وراسخاً في ذلك العَصر وفي تلك المنطقة؛ فالقوانين الموجودة في شرائع ليبت-عشتار والمملكة البابلية القديمة والحثيين وشرائع حمورابي وغيرها، عادة ما تُورِد سلسلة من القوانين ثم تُختتَم ببَرَكات على من يُطيع ولعنات على من يَعصي. أقول لك هذا لأن هناك ضغطًا شديدًا في المجتمع العِلمي لمحاولة جَعْل سِفْر اللاويين باستمرار شيئًا لم يتلقَّاه موسى على جبَل سيناء حوالي عام ألف وثلاثمئة قَبْل الميلاد حسب التسلسل الزَمني للكتاب المقدس، بل هو شيء من صُنْع عقول اليهود بعد عودتهم من مَنفاهم في المملكة البابلية الجديدة حوالي خمسمئة وثلاثين قبل الميلاد. كما أنه يعمَل أيضًا على إثبات أنّ بني إسرائيل لم يكونوا شعبًا مُنعزلًا يتجاهلون العالَم من حولهم. لقد كانوا مُتناغمين إلى حدّ كبير مع جميع البشر الذين تقاسموا معهم الكُرة الأرضية، خاصة أولئك الذين أحاطوا بهم في الشرق الأوسط. لذلك كان أمام يَهوَه مهمَّة كبيرة في جعل بني إسرائيل شعبًا مُنفصِلاً ومُتميزًا عن الآخرين.

هناك أمْر آخر: أريدك أن تُدرِك أنّ المضمون الرئيسي لهذا الإصحاح هو أنه يخاطِب بني إسرائيل كأمّة؛ إنه يتحدَّث إلى جماعة بني إسرائيل كلها، وليس فقط القادة أو الأفراد. في حين أنه في بعض الحالات يُمكن تطبيق كلّ مِن البَرَكات واللعنات التي ستَنزِل على كل فَرْد على حدة، إلا أنّ هذا يتعلَّق أكثر بكيفية ردّ فِعْل يَهوَه على بني إسرائيل كمجموعة، جماعة. مع ذلك، ما هي الأمة سوى أنها مجموعة كبيرة من الأفراد؟ لذلك إذا كان واحد من كل ألف من مواطني الأمة عاصيًا فإنّ التأثير الكُلّي على الأمّة عادةً ما يكون صغيرًا. إذا كان هناك مئة من كل ألف عاصٍ فإنّ التأثير الكُلّي على الأمة يكون أكثر أهمية. إذا كان خمسمئة من كل ألف عاصٍ فإنّ التأثيرَ على رفاهية الأمة يزداد قَتامة. عند نقطة ما (ولا أدري أين هي تلك النقطة) يكون التأثير التراكُمي لكثير من الأفراد داخل الأمة أو الجماعة العُصاة يَضَع الأمة أو الجماعة بأكملِها في خطر. هذا هو السبب في أنّ العقوبات التي رأيناها في الإصحاحات السابقة التي رَافقت شرائع سِفْر اللاويين بدَت قاسية للغاية. يريد الله أن يَستبعِد أولئك الذين اعتادوا العصيان لأنه يمكن أن يكون هذا العصيان مُعديًا، وخَطَر تلك العدوى من البَعض يمكن أن يَجعله يَضرِب الأمة ككلّ من أجل تنفيذ عدالتِه. عندما يتعلَّق الأمْر بالدينونة القومية، فإنّ كونَك أنت مُستقيمًا قد لا يُثني الله عن ردّ فِعل شديد تجاه أمّتك ككلّ، وهو ما يعني أنه حتى أكثر الصالحين والمُطيعين يمكن أن يَقعوا في تلك الدينونة كنوع من الأضرار الجانبية.

نرى هذا الأمر بالضبط يحدُث في الكتاب المقدَّس في كلّ مَرّة.

البَرَكة الأولى التي يَعِد بها يَهوَه بني إسرائيل هي أنّ الأمطار ستأتي في الوقت الذي يجِب أن تأتي فيه. هذا مُجتمَع زراعي؛ لا يتعلَّق الأمر فقط بما إذا كانت الأمطار ستهطُل عليهم ولكن أيضًا بكمّيتِها ووقتِها، وكل ذلك يلعَب دورًا مهمًا في غلّة المَحاصيل. كما رأينا في كارثة إعصار كاترينا في نيو أورليانز فإنّ أساسيات الحياة تبدأ بالغذاء والماء. فمِن دون هذين الأمرَين لا معنى لبقية الأمور، وتَستمرّ هذه البَرَكة المتعلقة بالمَطر بالقول في الآية الخامسة أنّ المحاصيل ستكون كثيرة لدرجة أنّ العبرانيين سيكون بالكاد لديهم الوقت للإنتهاء من الحصاد قَبل أن يحين وقت البدء بالزَرع من جديد.

الوعَد التالي بالبَرَكة هو الأمْن في الأرض. بعد ذلك وَعَد بأن بني إسرائيل سيَحظون على السلام مع جيرانهم.

قَبل أن نُلقي نظرة على البَرَكات العديدة التالية التي تَنتُج عن مراعاة أوامر التوراة، أريدك أن تُلاحظ شيئًا: عندما يتعلَّق الأمر بالأمور الجيدة التي تَنتُج عن الطاعة يقول الله: ”سأفعل“. وبعبارة أخرى فإنّ الله يتسبَّب بنشاط في تَدفُّق البَرَكات. هذا ليس سلبيًا، هذا ليس ”سماحًا“، هذا هو يَهوَه يَتسبّب في حدوث الأمن….يَتسبّب في حدوث السلام… يَتسبّب في سقوط المَطر في الوقت المناسب والكمّية المناسبة وهكذا دواليك.

عندما نَصِل إلى اللعنات الناتِجة عن العصيان سنرى أيضًا أنّ كلّ شيء سيء، كل عقوبة، مَسبوقة ب ”سأفعل“. ليس بشكل سَلبي ولكن بنشاط سوف يُنزِل يَهوَه أحكامًا على أولئك الذين يَعصون توراته، ليس بشكل سلبي ولكن بنشاط سوف يَتسبَّب الرَب في حدوث المصائب.

يجب أن أخبِركَم أنه في حين أنّ معظمنا، نحن تلاميذ يسوع، سنَهُزّ رؤوسنا ونقول: ”آمين!“ في اتّفاق تامّ مع ما قلتُه للتو، فإنّ معظمنا أيضًا يَميل إلى التساؤل عما إذا كانت الأمور السيئة التي تحدُث لنا أو للآخرين أو لأمتنا هي لأنّ الله يَتعامل معنا بشكل فعّال، بشكل شخصي. في مكان ما على طول الخَطّ قرّرّتْ مجموعة كبيرة من الكنيسة أنّ خلاَصنا هو نوع من التَطعيم ضد العواقب الموجَّهة إلهيًا لسلوكياتِنا الخاطئة أو أنّ الله هو جَدّ عجوز لطيف يَغمِز ويومي برأسه على طيش شعبِه. حسنًا، هذا ليس ما يقوله الكتاب المقدس، وليست هذه هي الصورة التي يُصوِّرها الكتاب المقدس ككلّ.

بالعودة إلى قائمة البَرَكات التي تأتي من مُراعاة توراة الله: لن تتَعذب الحيوانات المتوحِّشة ولن تَعبُر الجيوش أرض إسرائيل وهي تَشنّ حربًا مع العَدو. ثم إذا نَشبَت الحَرب لسبب ما ستكون إسرائيل قوية جدًا وتَنتصِر بسهولة. بالمناسبة هذا الحديث عن الحيوانات البرّية صحيح في مَحلِّه، فأرض كنعان كانت مليئة بالدببة والأسود في ذلك الوقت ….. كانت هذه الحيوانات آكِلة اللحوم مشكلة كبيرة للقِطعان والناس على حدٍّ سواء.

في الآية التاسعة، كجُزء من فَضْل الله على بني إسرائيل، سوف يَتكاثر الشعب ويَكثُر كثيراً. بطبيعة الحال هذا جزء من وَعْد العهد الذي أعطاه يَهوَه لإبراهيم، أنه سيُنجِب أمّة عظيمة، وأنّ نَسْلَه سيكونون كثرة عظيمة.

في الآية الحادية عشرة يقول يَهوَه أنه سيَسكُن بين بني إسرائيل ….. يا له من شَرَف عظيم للعبرانيين! وأنّ بني إسرائيل سيكونون شَعبَه وسيكون هو إله بني إسرائيل. هذه هي العلاقة بين الخِراف والراعي التي يتم وَصفُها؛ يجب أن تُطيع الخراف راعيها وفي المُقابل يَضمن الراعي أمْن الخراف ورفاهيتَها.

لنُراجِع إذن: ما الذي يراه الله بَرَكة لشعبِه؟ في اقتصاد الرَب، ماذا تعني البَرَكة، لأن هذا هو ما يجب أن نتعلَّمَ أن نوافِق عليه ونأمَلَه. الطعام الوفير والسلام والأمْن والسلامة من الأعداء والوحوش التي من شأنها أن تؤذي، وكثْرة الأولاد وحضور الله الدائم في وسَطِهم ضامنًا استمرار عهوده. دعوني أعطيكم كَلِمة أخرى لهذه البَرَكة الإلهية: الرَخاء. ما قرأناه للتو هو تَعريف الله للرخاء. أخشى أنّ تَعريفَنا للرخاء مُختلف إلى حدٍّ ما، أليس كذلك؟ إنني أتَحدّاكم أن تَجِدوا تَعريفًا للرخاء في أي مكان في الكتاب المقدس على أنّه يَصِل إلى حسابات مَصرفية ضَخمة ومَنازل كبيرة وأسطول من السيارات الفاخرة ومَنصِب عالٍ في قطاع العَمَل العام أو الخاص وخِزانة ملابس كبيرة مليئة بأحدَث ملابس المُصمِّمين وإجازات في أوروبا وتقاعُد مُبكِر. أنا بالتأكيد لا أُدين هذه الأمور؛ أنا أقول أنّ إنجيل الرخاء الذي أصبَح شائعًا للغاية، وخاصّة بين العديد من المُبشِّرين على شاشات التلفزيون، هو إنجيل كاذب. لأنّ هذا الإنجيل يقول إنّ الله يريدكَ أن تكون ثريًا مادّيًا. يريدك أن يَكون لديك سيارة مرسيدس وأن تكون مَكسوًا بالمجوهرات الذهبية. في الواقع كإبن لله، يَحقّ لك كل هذا الثراء والسبب الوحيد الذي يَجعلك لا تملِكه هو أنك لا تؤمن بإنجيل الرَخاء. هل الله ضدّ امتلاكِنا لكل هذه الأشياء الجميلة؟ بشكل عام لا. هل قَصَد الله أن يُحقِّق كل شعبه هذه الأشياء؟ بشكلٍ عام لا أيضًا. لكن قَصْدُه هو أنه إذا كان شَعبُه مُطيعًا له فإنّ جميع احتياجاته ستُلبّى وفقًا لإرادته. الأشياء التي هي مهمَّة بالنسبة له، والتي يجب أن تكون مُهمَّة بالنسبة لنا، هي ما يُحدِّد الرخاء في الكتاب المقدّس.

بدءًا من الآيتين الرابعة عشرة والخامسة عشرة، نَكتشِف ما يحدُث إذا لم يُطِعْ بني إسرائيل أوامِر الله في التوراة؛ وهذا يَرقى إلى ”نَقْض عهدِه“. والنتيجة هي سلسلة من اللعنات على مُخالفي الشريعة. وها نحن نعود مرة أخرى مع ”مشيئتي“ …….يقول يَهوَه: ”سأفعَل بك هذا، و“سأفعَل“ بكَ ذلك….. وهذه ’مَشيئة‘ غير سارّة على الإطلاق. تبدأ بـ ”سأجلِب عليكم البؤس“. وبالطبع البؤس الأول هو سوء الصحّة. إنّ أولئك الذين عاشوا طويلاً يُدركون أخيرًا أنه إذا لم نَتمتَّع بالصحة، فإنّ كل شيء آخر يُصبح غير ذي أهمية. البؤس الثاني هو أنّ بني إسرائيل لن يَتمتّعوا بثِمار أعمالهم، بل أعداؤهم هم الذين سيَتمتّعون بها. سيُهزَم بنو إسرائيل على يَد أعدائهم. بل أكثر من ذلك تقول الآية السابعة عشرة، الخوف والقَلَق المُستمرَّين سيكونان من نصيب بني إسرائيل….هذا ما يَعنيه الفرار رغم أنّ أحداً لا يُلاحقهم.

لاحِظ أنّ الآية الثامنة عشرة تقول: ”وَإِنْ لَمْ تُطِيعُونِي في ذَلِكَ كُلِّهِ….“. هذا ما سيحدُث فيما يتعلَّق بخصوص لعنات الله للعصاة: لا يَهلَك على الفور دائمًا، بل يبدأ عادةً بالتحذير من خلال التأديب. تكون الإجراءات التأديبية في البداية أقلّ حدّة، ولكن يمكن زيادتها إذا لَزَم الأمر. تَبدأ بالأمور التي تحدُث ويمكن للفَرد عادةً التعافي منها. يَجعلك بائسًا وليس ميتًا. يَجعَل صحَّتك تَتدهوَر ويَجعلُك لا تستطيع أن تَتقدَّم أبدًا…… كلَّما أسرَعت كلما تأخرْت. أعداؤك يَتغلّبون عليك ويجعلونَك في اضطراب دائم. حتى عندما تكون الأخطار الحقيقية غير مَوجودة، فإنك تَشعُر أنها موجودة، وهكذا تَعيش في خوف واكتئاب وقَلَق لأسباب لا تفهمُها.

تأديب يَهوَه يتعلَّق بالمَحبَّة. يؤدِّب الله شعبه لأنه يُحبّ شعبه. أمَلُه هو أن يَجعل تأديبه شعبَه يَتراجَع عن سلوكِه العاصي. إنه لا يريد أن يدير ظهرَه المقدَّس له وبالتأكيد لا يريد أن يُهلِكه، لكنه سَيفعل، وقد فَعَل ذلك في الماضي، ونحن نعلمَ أنّ هذا المبدأ ليس فقط لأمة إسرائيل الفعليّة؛ بالإضافة إلى ذلك، على الأقل، يَنطبِق على جميع المؤمنين لأن جميع المؤمنين يَخضعون لعهود بني إسرائيل (سواء أدركنا ذلك أم لا)؛ وبما أنه يوجد مؤمنون في كل أمّة على الأرض تقريبًا، فإنّ كلّ أمة على الأرض (يبدو لي) تَخضَع لمبدأ التأديب هذا المَنصوص في سِفْر اللاويين ستة وعشرين.

لذا لاحِظوا المعنى الضُمني هنا: إذا أدرَكَ بنو إسرائيل أنّهم يعانون تحتَ يَد تأديب الله وتابوا وغَيّروا طرُقَهم، وعادوا إلى الطاعة، عندئذٍ يَتوقَّف التأديب. بل من الأفضل أن تَبدأ البَرَكات من جديد. لهذا السبب من المُهمّ أن نفهَم عندما تبدأ الأمور السيئة في الحدوث لأمَّتنا ….. عندما تأتي الكوارث ….. عندما تَحدُث سلسلة من الحروب والاضطرابات والكوارث…..أنّ هذا تأديب من يَهوَه، وليس حظًا سيئًا. عندما ننظُر إلى داخل انفسِنا ونسأل ما الذي فَعلناه وأثار غضبَه، فإننا نَسير في الإتجاه الصحيح. عندما ننظُر إلى الأعلى ونسأل الله لماذا تَخلّى عنا، فإننا نَضَع اللوم عليه. عندما نَعتبِر أنّ هذا هو تأديبه لنا، عندها يكون لدينا فُرصة لفِعل شيء حيال ذلك. عندما لا نَفعَل ذلك….عندما نَنكُر ذلك…. عندها نَعتقد أنّ وظيفَتنا هي أن نُحاول أن نَحمي أنفسنا من هذه الكوارث ببناء منازل أقوى أو شراء تأمين أفضَل أو الاعتِناء بأجسادنا بشكل أفضل أو إعادة تنظيم خَدماتنا الحُكومية في حالات الكوارث أو نتجاهَل الأمر بِرُمَّته باعتباره ”دورَنا“ أو ”هذه هي الحياة“، بطبيعة الحال، ليس كل ما يحدُث لنا هو غَضَب الله أو تأديبه، فالأمور السيئة تحدُث للأخيار. هذا هو حال هذا العالمَ إلى أنْ يأتي المسيح ليُصلِح الأمور.

لا أريدنا أن نَنسى أبدًا أنّ إعصار كاترينا قد نَشأ في نَفْس نهاية الأسبوع الذي استَسلمت فيه إسرائيل لمَطلَب الولايات المتّحدة الأمريكية بتقسيم أرض إسرائيل وطَرْد المواطنين اليهود من منازِلهم في غزَّة بالقوة. هذه ليست مُصادفة، إنها يَد تأديب يَهوَه علينا كأمّة. آمَل إلى أبعد الحدود أن يفهَم القساوسة والكهنة والقادة والمُعلِّمون في كنائسنا في جميع أنحاء هذه الأرض أنّ هذا تأديب إلهي، وأن يقولوا ذلك بصوت عالٍ وواضِح وأن يشرَحوا لنا ما هي الإهانة التي تعرَّضنا لها من قِبل رَبِّنا. إنّ أهل نيو أورلينز ليسوا أفضل أو أسوأ من أي شخص آخر في أمّتنا. إنهم فقط هم الذين وَقَع عليهم العبء الأكبر، على الرغم من أنه كان له أيضًا تأثير سيئ على أمَّتنا ككُلّ. آمل أن يفهَم الناس مِثلَنا تمامًا أننا قد ذُكِّرنا بحق أن الله العادل سيَفعَل ما يقول إنه سيَفعَله. لسوء الحظ، كل ما قرأتَه ورأيتَه وسمعتَ عنه بشكل عام كان عكس ذلك تمامًا: القادة الدينيون يُخبرون اياهم بسرعة ألا يعتقدوا أنّ هذه هي دينونة الله لأنّ الله لن يفعَل مِثل هذا الشيء أبدًا. إنّه رحيم بكل شيء وهو إله محبَّة ولن يُعاقِب إلا إله العهد القديم. هذا هراء.

لذلك معظم المسيحيين ليس لديهم أي فِكرة عن هذه العلاقة بين إسرائيل وغزّة وإعصار كاترينا؛ يا إلهي مُعظمهم لا يعرفون إسرائيل من أستراليا. إنهم لا يَعرفون أي شيء عن تَوراة الله وبالتالي لا يَعرفون حتى أنهم عَصَوْه أو ما هو هذا العصيان.

إذا لم يكُن لديكم سَبب آخر للوقوف مع إسرائيل وضِدّ هؤلاء …. بما في ذلك حُكومتنا ….. الذين يَريدون تقسيم أرض إسرائيل وإعطاءها لأعدائهم، فافْعلوا ذلك من باب الحفاظ على النفس المُستنير، لأنه عندما تَتأدّب الأمّة يَتأثّر الأبرار مع الأشرار.

لذلك فإنّ يَهوَه يقول في الآية ثمانية عشرة: ”وَيَجْعَلُ السَّمَاوَاتِ كَالْحَدِيدِ وَالأَرْضَ كَالنُّحَاسِ“. وهذا يعني أنه لن يكون هناك مَطر من السماء وستصبح الأرض جافة وستتَوقَّف الينابيع عن الجَرَيان. النتيجة: تَلَف المحاصيل.

الفِكرة في الآية الواحدة والعشرين هي أنّ كل التأديبات السابقة قد تمّ تجاهُلُها؛ لذلك ستأتي عقوبات أكثر فظاعة وأعظم، لَعنات. ولكن أكثر من ذلك نحَصُل على لَمحة عن الجانب الآخر من العصيان، أي من جانبنا نحن الذين لا نتبَع أوامِر الله، ومن جانبِه هو ما يرقى في نَظرِه إلى العداء تجاهه. لذلك ستحدُث سلسلة كاملة من الأمور السيئة المُتصاعدة؛ ومن الطبيعي أن توصَف هذه الأمور السيئة بأنها نَقيضٌ تام للبَرَكات الموعودة من جرَّاء الطاعة..

أطيعوا وستُمنَع الحيوانات البرية من إيذائكم وإيذاء عائلاتكم وأغنامِكم وقطعانِكم. أطيعوا وستَحفظُون أولادكم من الأذى وستُنجِبون أولادًا كثيرين. لا تُطيعوا و”سأرسِل“ حيوانات برّية للنيل منكم؛ هذه الوحوش البرية ستَقتُل أولادَكم وتُقلِّل من حجم عائلتكم وقطعانكم. الكَلِمة العبرية المُستخدمَة هنا لـ ”سأرسِل“ أو ”سأطلِق“ عليكم حيوانات برية هي " في هشلاشتي"؛ إنها كَلِمة نادرة الاستخدام والفكرة منها هي دَفْع … التسبُّب في تدافُع… الحيوانات البرّية للهجوم على المُتمرّدين من بني إسرائيل. إنه يؤكِّد على أنّ الأمْر لا يتعلَّق بأنّ الله ”يرفَع يد حمايته“؛ الأمْر لا يتعلَّق بسماح الله لظاهرة طبيعية أن تُصيب بني إسرائيل، بل يتعلَّق بِفِعل خارق للطبيعة من قِبل الله؛ فعِل من قِبَل يَهوَه يَغرِس في عقول هذه الوحوش البرية آكلة اللحوم أن تُهاجِم البشر وتَقتُلهم. وبالطبع فإنّ هذا يعني ضُمناً أنّ أعداد الوحوش البرّية سوف تَتضاعف.

دعوني أذكِّركم فقط أنّ الطريقة المُعتادة التي يُعاقب بها الله هي استخدام أشياء عادية ومُعتادة من الطبيعة ولكن استخدامُها بطريقة خارقة للطبيعة. عندما نَتذكَّر الضربات التي أصابت مصر كانت كلُّها أمور موجودة وتحدُث بانتظام في الطبيعة؛ العنصر الخارق للطبيعة هو أنها حدثَت بأمْر من موسى، وحدثَت بطريقة مُبالغ فيها ومضخَّمة بحيث أحدثَت دمارًا. كان النيل يُظهِر عادةً الكثير من الضفادع؛ ولكن لم تكُن كثيرة لدرجة أنها كانت تَتدفَّق عبر المُدُن المصرية العظيمة مِثل سجادة زاحفة. كان في مصر بالطبع ذباب وبَعوض؛ ولكن ليس بالكَثرة التي كانت تُعذِّب الناس والحيوانات إلى حدِّ البؤس وحتى الموت. كان الناس يُصابون بالدمامل على جلدِهم من وقت لآخر، ولكن ليس كل شخص في نفْس الوقت، وبالتأكيد لم تكُن الدمامل تُغطّي أجسادَهم من الرأس إلى القدمَين (وهكذا دواليك). إنّ الأعاصير تحدُث بشكل طبيعي في الطبيعة؛ لكن أعاصير من الفئة الخامسة، بحجم خليج المكسيك بأكمله، والتي تَضرُب بدّقة بطريقة تُسبِّب أقصى قَدْر من الضرر لمدينة أمريكية كبرى وتُعطِّل إمداداتِنا الحيوية من الطاقة والحبوب من أوَّل البلاد الى آخرِها، ليست طبيعية.

حتّى في سِفْر الرؤيا، عندما يُدين يَهوَه العالم، سيَستخدِم أشياء من الطبيعة ضدَّنا. عادة ما تكون الشمس حارّة ومُشرِقة، لكن بأمرِه ستَحترِق بشكل أكثر حرارة وإشراقًا. لقد انبهَر العلماء، لبعض الوقت، بالسبب الذي جَعَل كوكب الأرض بمنأى عن الاصطدامات الكارثية من قِبل النيازك والمُذنَّبات على مدى آلاف السنين الماضية بينما كل الأجسام الأخرى في نظامنا الشمسي تتعرَّض لها بشكل منتظم. حسنًا في المستقبل القريب لن يسألوا هذا السؤال بعد الآن لأنه وِفقًا لما قاله يوحنا الموحى إليه سوف نَتعرَّض للنيازك والمُذنَّبات وسوف تُدمِّر سكان الأرض وبيئتها. يا إلهي، حتى أنّ سِفْر الرؤيا ستّة على ثمانية يُخبِرنا أنّ الوحوش الضارية ستَجوب الأرض وتَقتُل الناس؛ وكيف يحدُث ذلك؟ كيف تُسيطِر الحيوانات المتوحِّشة عندما يكون لدى الإنسان الحديث أسلحة ووسائل أخرى للقضاء على أنواع بأكملِها حسب أهوائنا؟ يقول الكتاب المقدَّس: ”لقد أُعطي السُلطان لملائكة الله ليحدث ذلك“. ألا يبدو هذا شبيهًا كثيرًا بما قرأناه للتو في سِفْر اللاويين عن تَسبُّب الرَب في مصائب تَحلّ بأولئك الذين يأتون ضدَّه، حتى شعبه هو نفسه؟ بالطبع هو كذلك؛ لم يَتغيَّر أبدًا رَدّ الله على تمرُّد البشر؛ فقط التعليم حول هذا الأمْر هو الذي تَغيّر.

قد تَظنّ الآن أنّ شخصًا ما قد يتساءل:”أي نوع من الأغبياء سيَستمرّ في تحدّي الله مع كل هذا الرُعب الذي يحدُث له نتيجةً لذلك؟ أي نوع من قادة أي أمّة سيَجِد شعبَه يَمرَض مَرَضًا مميتًا ويَجوع على نطاق واسع وحيوانات متوحشة تَجوب فجأة دون رادع وتُهاجِم البَشر والطقس يُصبِح عنيفًا ومميتًا، وأعداء أجانب يَسعون باستمرار لإبادتهم، والأطفال يموتون والإدراك السَليم يصبح شيئًا من الماضي، ومع ذلك يَستمر في القيام بهذه الأمور نفسها التي تَجلِب عدالة يَهوَه القاسية عليه وعلى شعبه؟

أيبدو أي من ذلك مألوفًا…….أو حديثًا؟

حسنًا، الإنسان بما هو عليه يَنسى بسرعة ولا يَتعلَّم بسهولة. لذلك في الاية الثالثة والعشرين يقول الله أنّه على الرغم من كلّ هذا الدَمار غير المَفهوم الذي اختبَروه، إذا كان شعبُه ما زال لا يُطيعه، فحينها فقط عندما لا يمكن أن يَزداد الأمْر سوءًا، سيزداد سوءًا. ويقول أنه ”سيَنتقم للعَهد“، أو ”سيُنفِّذ انتقام العهد“ أو شيء من هذا القُبيل. العبارة العِبرية هي نوكيميت نكام بيريت. بالطبع بيريت تعني ”العَهد“. ومعنى هذه العبارة الفريدة من نوعها هو أنّ السبب والغرَض من كل هذه العقوبات هو تَحقيق تلك الوعود المَنصوصة في العَهد ذات الطبيعة الإيجابية والسَلبية على حدٍّ سواء، وبعبارة أخرى لأنّ العَهد قد وَعَد بهذه اللعنات إذا عصى بنو إسرائيل يَهوَه، فإنّ هذه الأمور ستتمّ لأنّ الله لا يَتغير أبدًا، والله لا يَتراجع أبدًا عن وعودِه. وبالإضافة الى ذلك فإنّ جزءًا من نتيجة هذه الأمور السيئة التي تَحلّ بِشعبِه العاصي هو أنّ الأهداف الإلهية النهائية للعهد ستحدُث أيضًا!

مِثال سريع على ذلك: تَشتَّت شعب يَهوَه وتَبعثُرِهم بسبب تَمرُّدِهم عليه. عندما حان الوقت المُحدّد بعد أن أعَدَّ الرَب الأراضي المقدسّة لعودتِهم، بدا أنّ الغالبية العُظمى من الشعب اليهودي في العالم لم يَرغبوا في العودة إلى ديارِهم؛ فقد كانوا مُرتاحين حيث كانوا. مع ذلك كان أحد الوعود التي قَطَعها يَهوَه هو أنّ شعبَه أثناء تشتتهم بين الأمم سيَتعرَّض للاضطهاد والقتْل لمجرّد كونهم عبرانيين. لقد كان ذلك الاضطهاد والإبادة الجَماعية الأكبر في التاريخ ضدّ اليهود في ألمانيا (ذلك الحدَث الذي نُسمّيه الهولوكوست) هو الذي أدّى إلى عودة اليهود إلى وطنِهم وولادة أمّة إسرائيل من جديد في عام ألف وتسعماية وثمانية واربعين. لقد حَدَث جانب سلبي للعَهد بسبب عِناد اليهود، ولكن جزء من النتيجة كان أنّ جانبًا إيجابيًا من العهد قد تحقَّق على أي حال. هذه هي الفِكرة الكامنة وراء كَلِمات سِفْر اللاويين خمسة وعشرين على ستة وعشرين.

أعتقد أنّه من المُدهش أن يُقال لنا بعد ذلك أنّ الذهاب إلى المُدن للحماية لن يُساعِد أولئك الذين يُعاندون الرَب الإله. بالطبع في واقع العَصر الذي كُتِب فيه هذا الكلام، إنه يُشير إلى حقيقة أنه عادة ما كانت هناك مدينة مُسوّرة مُحاطة بقرى صغيرة غير مَحمية. وعلى الرغم من أنّ الكثير من الناس كانوا يَعيشون داخل هذه المُدن المُسوّرة، إلا أنّ غالبية السكاّن كانوا يَعيشون في آلاف القرى النائية. كان العُمّال من الطَبقة الكادحِة وعُمّال الحقول يَعيشون في القرى، بينما كان القادة والمُعلِّمون والتجَّار والسُلطات الحكومية يعيشون داخل المُدُن المُسوّرة. عندما كان الهجوم وشيكًا، كان سكان القرى يَفرّون فورًا إلى المُدن المُسوّرة طلبًا للحماية؛ كان الجميع يَفهَم أنّ هذا هو النظام.

أليس مثيراً للاهتمام أنّ مُدنَنا الأمريكية في يومنا هذا بِكلّ ما فيها من مستويات الحماية من قِبَل الحكومة والشرطة والأمْن الخاص، هي التي أصبحت الهَدف الرئيسي لأعدائنا الإرهابيين. وأنه بَعد قَرْن من قدوم الكثيرين من المزارع من أجل حياة أكثر أمانًا ويمكن التنبؤ بها في مُدن أمريكا، يحاول الآن العديد من سكّان المُدن أن يجدوا طرُقًا للانتقال إلى المناطق الريفية بسبب هذا التهديد.

ثم تتحدَّث الآية ستة وعشرين عن المَجاعة. فكما كانت نِعمة الله الأولى والأهم في الآية الرابعة هي وفرة الطعام، فإنّ اللعنة المُتقدِمة والشديدة جداً هي نقص الطعام. هذه الفكرة عن عَشر نساء يَخبُزن الخُبز في فُرن واحد ويوزِّعْن الخبز بالوَزن تتحدَّث عن نَقص حادّ في الطعام وتَقنين القليل الموجود.

في انتقال آخر إلى عواقب أسوأ لعدَم إدراكهم أنّ ما يحدُث هو دينونة يَهوَه بسبب عداء شعبِه ضدّه، يُقال لنا في الآية التاسعة والعشرين أنّ الناس سُيصبحون يائسين من الجوع لدرجة أنهم سيأكلون أبناءهم وبناتهِم حَرفياً. هل الشعب الذي ظلَّ لقرون طويلة يَستنزِف بعناية دماء الحيوانات التي كان ينوي أكلَها، وقَبْل ذلك كان يأكل اللحم الذي كان يُقدَّم على المذبح البرونزي في خيمة الإجتماع فقط؛ هل سيَتحوّل هذا الشعب إلى أكل اللحم البشري تحت أي ظرف من الظروف، ليُنقِذ حياتَه؟

نعم كانوا سيَفعلون ذلك وقد فعلَوا؛ ويُسجِّل الكتاب المقدس متى حَدَث ذلك. في الحِصار الطويل الذي فرَضَه نبوخذ نصَّر على أورشليم في أوائل القرن السادس قَبل الميلاد، يَذكُر الكتاب المقدس في سِفْر الرثاء أنّ النساء العبرانيات قَتَلْن وطَبَخْن وأُكَلْن أطفالهنّ وهنّ مُتجمّعات تَتضوّرن جوعًا داخل أسوار المدينة المقدّسة. وهنّ لسنَ الوحيدات اللواتي يَفعلن مِثل هذا الأمر.

افهموا أنّ هذا القُسم من سِفْر اللاويين ستة وعشرين يتحدَّث عن أدنى الدنايا، أسوأ الأسوأ. ليس المَوت هو أسوأ ما يمكن أن يحدُث للإنسان؛ بل إنّ أكْل لحم أولادك لتَبقى على قيد الحياة هو الأسوأ. ولكن لاحظوا ما يَترافق مع هذا المكان البغيض (… غير المعقول، حقًا) الذي انْحدَرت إليه البشرية (بني إسرائيل في هذه الحالة)؛ عبادة الأوثان المُتفشية. في الآية ثلاثين يقول الرَب: ”سأهدُم مرتفعاتكم ومذابِحكم، ثم تُقتلون وستوضع أجسادكم الهامدة على تلك الأصنام الهامدة التي تُحبون السجود لها“.

دعونا نَتفحَّص ذلك قليلاً؛ ما يتم تدميره هنا هو بالعبرية باماه. إنها كَلِمة تُترجم عادةً إلى ”الأماكن المرتفعة“. وبقَدر ما هي صحيحة طالما أننا نُدرِك أنّ المكان المرتفع هو مصطلح جاء في النهاية ليَعني مَذبح القرابين أو مكاناً تُجرى فيه عبادة الإله. يجب أن نَفهَم أنّ هذا يَتحدَّث دائمًا عن مذبح القرابين أو مكان العبادة الوثني. كان يمكن أن يتحدَّث، في الأسفار اللاحقة من سِفْر التثنية، عن مذابح القرابين لإله بني إسرائيل، ولكن، بشكل عام، كانت هذه مذابح غير مُصرَّح بها كانت تُسمّى الأماكن المُرتفِعة، باماه. هذه هي الأماكن المُرتفِعة التي ما كان يَنبغي أن يَبنيها العبرانيون، لذلك لا يُنظَر إليها نظرة إيجابية.

وبسبب عِلم اللغات المُتجانسة، فإننا نعلَم الآن أنّ الكَلِمة العبرية "بيماه" تأتي من الكَلِمة الأوغاريتية " بيماه". و"بيمات" تعني "ظَهر"… مِثل ظَهر الحصان. إنه مكان تُحمَل عليه حمولة، ولكنه أيضًا مكان مُرتفع في جسم الحيوان الذي يَحمِل الحمولة. لذلك فإنّ الكتاب المقدس يُشير أحيانًا إلى ظَهْر جَبل أو كتِف تَلّ؛ ومِثل هذه الإشارة تعني سلسلة مُرتفعة أو جزء علوي من التضاريس، لذا فإنّ كَلِمة بيماه العبرية تَحمِل كل هذه السياقات.

ما سيتمّ تدميره أيضًا هو مذابح البخور التي كانت تُستخدَم في هذه ”الأماكن المُرتفعة“ الوثنية. الكَلِمة العبرية المُستخدمَة هنا هي شامانيم وتُترجَم أحيانًا (كما في الكتاب المقدس اليهودي الكامل) على أنها أعمِدة لعبادة الشمس أو شيء من هذا القبيل فيما يَتعلَّق بعبادة الشمس بسبب انتشارِها. من المؤكَّد أنّ كَلِمة شامانيم لا تُشير حَرفياً إلى عبادة الشمس. لكنها تُشير إلى البخور الذي يُحرَق للآلهة الكاذبة.

وأخيرًا نَجِد حيث يقول يهوذا: ”تُلقى جيفكم على أصنامكم التي لا حياة لها“. في الواقع إنّ الكَلِمة العبرية ”غيلوليم“ التي تُترجَم عادةً إلى أصنام هي في الحقيقة ”أوثان“؛ أي أنّ الأصحّ أن تكون صياغتُها هكذا: ”تُلقى جيفكم على أوثانكم التي لا حياة لها“. إذًا ما هو الوَثن؟ الوَثن هو أي شيء يُعتقَد أنّ له قوة سحريّة؛ وهو أيضًا شيء يُكرِّس له شخص ما بشكل غير طبيعي أو شيء يُثير المشاعر المثيرة لدى شخص ما ولكن لا يوجد شيء مُثير بطبيعته على الإطلاق في هذا الشيء (لقد سَمِعنا جميعًا عن الناس الذين لديهم وَلَع بالأقدام أو وَلَع بالقفازات وهكذا دواليك). إذًا ما يجري الحديث عنه هنا هو شيء أبعَد بكثير مما نُفكِّر فيه عادةً كصَنم مِثل تمثال صغير من الخشب أو الحَجَر أو الطين لإله. بل إنّ الله يتحدَّث عن تلك الأشياء في حياة شعبِه التي لها أهمية فائقة بالنسبة لهم ولكن لا ينبغي أن تكون بهذه الأهمية. الأشياء التي تَستحوِذ عليهم بشكل غير طبيعي وهم – أي الشعب – لن يَتخلّوا عنها من أجل أي شيء.

إذًا الفِكرة في هذه الآية هي أنّ شعبه سيُقتَلون وتَسقُط أجسادهم بينما لا يزالون مُتمسّكين بقبْضة الموت من خلال الأشياء التي لا قيمة لها، لا حياة لها، لا فائدة منها، والتي تَعني لهم أكثر من الحياة نفسَها؛ أو من الأفضل، التي هي أكثر أهمية من إله بني إسرائيل. الأشياء التي اعتمَدوا عليها من أجْل الأمان أو لجَعلِهم يشعرون بالرِضا. أشياء مَجَّدوها هم في تَحدٍّ لله. أشياء أعلنوها مقدَّسة ولم يُعلِنها الله كذلك. أمورٌ أعلنوها خيرًا ولكن الرَب أعلنَها شرًا. اسمعوني: هذا ليس مَجازاً أو تحَريفًا لآية قديمة من الكتاب المقدس؛ هذا ما كانت تَعنيه في ذلك الوقت وما زالت تَعني نفس الشيء حتّى يومنا هذا.

لكن يَهوَه لم يَنتهِ بعد من إنزال اللعنات من جراء عصيان ناموسه. يقول بعد ذلك أنه سيُدمِّر مُدن شعبه وأماكن عبادتهم؛ أي الأماكن التي خَصّصوها بالفِعل لعبادته! ولكن خَمِّن ماذا؛ إنه لا يحصُل على أي شرَف من تلك الأماكن. يقول الله إنه لن يَتذّوق روائحها العَطرة. لا، إنه لا يتحَّدث عن مدى طيب رائحة بني إسرائيل. إنه يتحدَّث عن ذبائحهم المَحروقة. أتتذكَّرون كيف تحدَّثنا بإسهاب عن الإشارة المُستمرّة في الإصحاحات الأولى من سِفْر اللاويين إلى أنّ الرَب يَشمّ رائحة الدخان المُتصاعد من الذبائح المحروقة التي تُقدَّم له ويَعتبرُها رائحة طيبة ومُرضية؟ الفِكرة هنا هي أنّ الهيكل الذي تُقدَم فيه الذبائح سيُدمَّر، وأنه حتى لو اختار بنو إسرائيل أن يذبحوا في أنقاض الهيكل أو في مكان آخر، فإنّ الرَب لن يَقبل ذبائحَهم لأن حالة الخطيئة لديهم عظيمة جدًا. يا للقَرف! وبعبارة أخرى فإنّ نظام الذبائح من دم الحيوانات التي يَعتمِد عليها العبرانيون للتكفير لن يكون مقبولاً لدى الله لأن الشعب نَجِس القَلب والفِعل.

دعوني أُخبِرُكم شيئًا: لا تَدَعوا أحدًا يقول لكم أبدًا أنّ نظام الذبائح في التوراة كان ميكانيكيًا وتشريعيًا وعديم الفائدة. لقد أمَرَ الله به من أجل مَنفَعة بني إسرائيل، وقد فَعَل بالضبط ما أراده الله أن يَفعَله. لم يُصبحوا عديمي الفائدة إلا عندما أصبحوا غير مؤمنين. عندما ارتَدّ بنو إسرائيل عن الله وحاوَلوا استخدام نظام الذبائح كتعويذة سحرية أو بطريقة غير مُصرَّح بها، كان نظام الذبائح عديم الفائدة بالفِعل. كان نظام الذبائح يَتطَّلب دائمًا الإخلاص لإله بني إسرائيل وقَلبًا مليئًا بالإيمان من قِبل أولئك الذين وثِقوا به. لا يَختلِف الأمْر على الإطلاق مع يسوع المسيح. ذبيحته فعّالَة فقط لأولئك الذين آمنوا به. الآن ما أنجزَتْه ذبيحتُه كان مُختلفًا إلى حدٍّ ما وعلى مستوى أعلى مما أنجَزَه نظام الذبائح، ولكن هذا أمرٌ آخر لدرس آخر.

انظروا إلى التوازي الدقيق بين هذه الآيات من سِفْر اللاويين ستة وعشرين حيث يقول الله أنّه لن يَقبل ذبائحهم لمجرَّد أنهم يُقدِّمونها بإسمه وفي هيكَله، بل حتى بشكلٍ عام بالطريقة التي أمَرَ يَهوَه بني إسرائيل أن يُقدِّموها لأن قلوبَهم ليست صحيحة؛ مُقابل ما قاله يسوع عن أولئك الذين سيُقدِّمون شكل ذبائحهم الخاصة لله بإسم المسيح ولكنها لن تكون مقبولة أيضاً. إنجيل متى سبعة على إثنان وعشرين "كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟"، ثلاثة وعشرين "فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!"

إنّ كَلِمات سِفْر اللاويين ستة وعشرين هي سياق كَلِمات يسوع في متّى سبعة. وكما يَكشِف سِفْر الرؤيا، فإنّ مباني كنيستِنا في نهاية الزمان ستكون مليئة بأناس يأتون كل يوم أحد ويُغنّون في الجوقة ويَخدمون كشمامسة وشيوخ، ويُخرجون العشور بإخلاص ولا يُفوّتون خدمة مساء الأربعاء ويَعرِفون كل الأشياء الصحيحة التي يجب أن يَقولوها. ولكن لأنّ هؤلاء الناس (من المُحتَمل أن يكونوا أناسًا طَيّبين حقًا) كانوا يُمارسون التقاليد المسيحية ويَتمتّعون بالتقاليد المسيحية ولكن قلوبهم لم تَمتلئ بالروح القدس لأنهم لم يَضَعوا ثقتَهم في يسوع، فقد طُرِدوا. طُلِب منهم يسوع أن يَبتعدوا عنه. مخيف. مخيف. مخيف.

وبالمناسبة: ما هي الكَلِمات التي استَخدَمها يسوع لتحديد هذه المجموعة من الناس الذين لن يَقبلَهم؟ لقد قال: ”أنتم الذين تُمارِسون الإثم“. أولئك الذين تقول أناجيلهم: ”أنتم الذين تُمارسون الإثم“ اشطُبوا هذه الكَلِمة الآن لأنّها خاطئة وتقودُكم إلى مسارات لا فائدة منها. الكَلِمة اليونانية هي ” أنوميا". دعوني أقتبِس لكم بعض المَراجع القياسية عن معنى هذه الكَلِمة:

المعنى: واحد) ) حالة انعدام ناموس؛ واحد أ) بسبب الجهل بالناموس؛ واحد ب) بسبب انتهاك الناموس اثنان) احتقار الناموس وانتهاكه.

لم يكُن يسوع يَتحدَّث عن المُجرمين العاديين. هذا لا يتعلَّق بخَرْق نظام القوانين الرومانية في أيامه أو حتّى نظام القوانين الأمريكية الآن. بالنسبة لأي يهودي كان هناك ناموس واحد فقط. عندما أشارَ يسوع إلى الناموس كان يعني دائمًا شيئًا واحدًا فقط: ناموس موسى.

ما الذي كان يَفعلُه هؤلاء الناس والذي قال يسوع إنّه يَرقى إلى انعدام الناموس؟ كانوا يَتنبأون ويَطردون الشياطين بإسمه! تلك كانت جريمتُهم. إخراج الشياطين باسم يسوع لم يكُن بالتأكيد ضد أيّ ناموس روماني. لا، القَضية هي أنّ هؤلاء الناس الذين كانوا يَطردون شياطيننا ويَتنبأون بإسمه كانوا يَفعلون ذلك بدون إيمان وبدون التوراة (الناموس) المَكتوبة على قلوبِهم! هذا هو انعدام الناموس.

لذا فكَما أنّ نظام الذبائح لم يَكُن للعالَم كلِّه بل لبَني إسرائيل فقط، هكذا فإنّ ذبيحة المسيح لم تكُن للعالَم كلِّه بل فقط لذلك الجُزء من العالم الذي سيَثِق به. أنا أتألّم من سماع الوعاظ والقساوسة يَصرخون بالقول الصحيح سياسيًا، ”المسيح مات من أجل العالم كِّله!“ ……لالم يَفعَل. لقد مات من أجل أولئك الذين فَضّلوا المسيح على العالَم. نتيجةً لذلك لدينا الآن قساوسة مِثليون وكنائس لا تؤمن بشيء واحد من الكتاب المقدس عن المسيح، ولدينا عقيدة أنّ الله الرحيم لن يُرسِل أي شخص إلى الجحيم.

إنجيل يوحنا ثلاثة على ستة عشرة: "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ."

وللأسف هذا عَدد قليل من الناس فقط…..بقايا…..مُقارنةً بالمليارات والمليارات الذين أتوا وذهَبوا على هذا الكوكَب.

سنَنتهي من سِفْر اللاويين ستة وعشرين في المَرَّة القادمة.