سِفْر العَدَد
الدَّرس العاشر – الإصْحاحان ثمانية وتسعة
أعْتقِد أنه من بين كل المبادئ العديدة التي أُسيءَ فَهمها أو تمّ إعدادها بشكلٍ خاطِىء في الكِتاب المُقَدَّس (خاصة من قِبَل المسيحيين واليهودية الحديثة)، إلا أن أحد هذه المبادئ التي لا غنى عنها لأتباع الله، يجب أن تكون على رأسها فِكرة التَّكفير التي يُعبِّر عنها الجذر العبري لكَلِمَة كيبور. لقد اخْتَتمنا درس الأسبوع الماضي بِمُناقشة هذا المُصْطَلَح وما يتفرَّع عنه من كَلِمات مثل كوفر وكاباره. أودّ أن أُحْيِي هذه الفِكرة بإيجاز لأنه كما تعلَّمْنا، ما كان يدور في أذهان كُتّاب الكِتاب المُقَدَّس والثقافة التي عاشوا فيها (ثقافة عِبرية قديمة) هي ثقافة بعيدة جدًا عن الفِكر الحديث لِدَرَجَةٍ أنه قد يكون من الصَّعب استيعابها، ناهيك عن فهمها ولكن من المُهِم جدًا إذا أرَدنا أن نحصل على الفهم الحقيقي الذي يُريدنا الرَّب أن نَفْهمه فيما يَتَعَلَّق بشرائعِهِ ومُخَطَّطاته.
إن فِكرة دَفْع فِدْية لإنسان من غَضَب إلَه (بما في ذلك إلَه إسرائيل) مقابل ثّمَن كانت سائدة في الثقافة القديمة وهي سائدة بنفس القَدَر في الكِتاب المُقَدَّس؛ لا تظنّ أبدًا غير ذلك. لقد حاولَت الكنيسة على وجه الخُصوص (ولكن اليهودية أيضًا) كل أنواع الحِيَل المَجازيّة لتوفيق عقولنا في القرْن الحادي والعشرين مع كَلِمات الكِتاب المُقَدَّس حول هذا الموضوع، وبالتالي أضْعَفَت بِشَكلٍ فعّال التأثير الذي كان يجب أن يكون علينا. نحن عادةً ما نَجِد المَفْهوم الحَرْفي بدائيًا جدًا بالنسبة لحَساسِيّاتنا الحديثة، لذلك نقوم بَتْحريفه وإعادة صِياغته حتى يُصبح مُريحًا لنا. وأَعِدك أننا لو دَخَلْنا آلة الزمن وعِدْنا إلى عصر الملِك داود وأخبرناهم بما يعنيه التَّكفير والفِداء بمَفْهومنا الحديث له، فلن يكون من البِبَساطة التعرُّف عليه بالنسبة لهم. ليس سِفْر الأمثال إلا واحدًا من أسفار كثيرة نَحْصَل فيها على هذه الفِكرة عن مبدأ الله الأساسي في الفِداء وهَدَفِه الذي لا بديل له.
الكِتاب المُقَدَّس اليهودي الكامِل أمثال واحد وعشرين على ثماني عشرة: "اَلشِّرِّيرُ فِدْيَة الصِّدِّيقِ، وَمَكَان الْمُسْتَقِيمِين الْغَادِرُ.
هذه عبارة ممتازة من الكِتاب المُقَدّس للمُساعدة في توضيح وجهة نَظَري. يقول هذا المَقْطع حَرْفيًا إن إنهاء حياة الأشرار (أي أولئك الذين يَنْكُرون إله إسرائيل) هو دَفعة مقبولة ليَهوَهْ لاسْتِرْضائه لكي ينال الأبْرار (أي أولئك الذين يُكَرِّسون أنفسهم لإله إسرائيل) الغُفران لخطاياهم. إنها مُبادَلة قَرَّر الله أنها تُرْضيه. أرجو أن تُلاحظوا أننا لا نتحدَّث عن الأبرار الذين يَقْتُلون الأشرار ثم يُقدِّمونهم لله، بل عن أن الله يُخرِج غَضَبه على الأشرار بأي طريقة يُحَدِّدها. دَعْني أقول ذلك بطريقة أخرى: هذا ليس عَملاً من البَشَر على البَشَر، بل هو عمل الله على البَشَر.
على الرغم من التَّعاليم القياسيّة التي تقول بِعَكْس ذلك، ما من مبدأ لله لم يعد موجودًا أو تم تغييره. وهكذا لا يُمْكِن إغفال المكانة المَرْكزية للفِدْية كطريقة لإرضاء العدالة التي يطلبها الله فطريّاً، أو جعلُها نوعًا من البروتوكول الإلهي البالي الذي كان فقط للأزمنة البدائية.
الكِتاب المُقَدَّس اليهودي الكامِل سِفْر الاويّين سبعة عشر على إحدى عشر : "لأَنَّ نَفْس الْجَسَد هِي في الدَّم، فَأَنا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى الْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِير عَنْ نُفُوسِكُمْ، لِأَنَّ الدَّم يُكَفِّرُ عَنِ النَّفْسْ."
إن طبيعة الله ذاتها هي أنه لا يُمْكِن أن يَقبل أن يُقتل ما خلَقَه من دون أن يتعرَّض القاتِل لغَضَبه البار. اسْمَعوني من فَضلكم: كما نُحِبُّ أن نقول إن الله لا يُمْكِن أن يَكذب، كذلك لا يُمْكِن ألّا يَغْضَب لمَوْت أحد مَخلوقاته. عندما أقول لا يُمْكِن، فأنا أعْني لا يُمْكِن. فكَما أن الله غير قادِر على الكذِب، كذلك هو غير قادِر ألّا يَغْضَب من سَفْك الدِّماء. ليست المسألة التي أشير إليها هي مسألة مَحْدوديَّة الله أو اخْتيار الله، بل هي جَوْهَره وشَخْصيّته التي تَجعله ما هو عليه.
وبالتالي فإن مبدأ الله ، سُبحانه وتعالى ، أن يَدفع أحد مَخلوقاته ثّمَن مَوْت مَخلوق آخر من مَخلوقاته. دائمًا. يَنْعَكِس ذلك في عَدد من الطُّرُق. على سبيل المثال عندما يَتَعَلَّق الأمْر بالخطيئة (التَّعَدّي على الرَّب) يجب أن يَدفع الطَّرَف المُذْنِب ثّمَن ذَنْب الطَّرَف البريء إذا كان يجب أن يُغفَر له، وإلا فإن دم الطَّرَف المُذْنِب يقع على عاتِقه، ولا يَكْتَفي غَضَب الله إلا عندما تُؤْخَذ حياة ذلك الطرف المُذْنِب (ولا يُمنَح الغُفْران). وهكذا في نِظام الذَّبائح يُذبَح حيوان بريء كَفِدْية تُدفع حتى يَعفي الله عن حياة المُذْنِب نفسه. لماذا هذا ضَروري في كل حالة دون اسْتِثناء؟ لأن الله قُدّوس وكامِل لِدَرَجة أنه لا يُمْكِن أن يَتْرُك، ولو حالة واحدة، تَنْزَلِق، وإلا فلن يُسترضى غَضَبه البارّ ولن تتدنَّس قداسته ومثل هذا الأمر هو بِبَساطة غيرُ مُمْكِن.
عندما يَتَعَلَّق الأمر بقَتْل حيوان وذَبْحه من أجل الطَّعام، يجب أن يُقدَّم دم الحيوان إلى الله كفِدْية عن مَوْت ذلك الحيوان على يد إنسان؛ إنه عَمَل استرضاء لغَضَب الرَّبْ على قتْلِ أحد مَخْلوقاته سواء كان قتلًا مشروعًا أم غير مشروع.
وهكذا من الضَّروري أن نرى أن كَلِمَة كفارة المُندَمِجة في الكِتاب المُقَدَّس والتي استُخدِمت بشكل شائع في الديانة اليهودية المسيحية تَشمُل مجموعة كبيرة من المعاني؛ ليست معاني مُخْتَلِفة باختلاف المواقِف، بل إن الكفارة لها معنى كَوْني مُعقَّد له أَوْجُهٌ عديدة مُتَكاملة. الكفّارة في أبْسَط أشكالها تَعني دَفْع، فِداء، فِدْية، بديل، مَطْلَب عادل من الله القُدّوس لا يفي به غيره. لِمَن يذهب هذا الدَّفْع؟ لله. لماذا يذهب إليه؟ لأنه لا بدَّ من إرْضاء غَضَبه البارّ، وقد قَرَّر أن هذا سَيُرضيه. بِبَساطة لا يوجد خَيار أو إمْكانيّة أخرى. من المُسْتَفيد؟ عابِدوه.
والآن دَعونا نرى نفس هذا المبدأ الإلهي – مبدأ الكَيبور في العمل في إطار آخر: الفِداء.
أعد قراءة سِفْر العَدَد ثمانية على ستة عشر الى ثمانية عشر
هذه فُرصة عظيمة للنَّظَر إلى الوراء والمراجعة لبُضْع دقائق. يُذكِّرنا يَهوَهْ بأنَّ الفِداء هو شيء مُكْلِف؛ لا يُمْكِن أن يَحْدُث إلا بِثَمَن، فِدْية ، تُدْفَع. عندما قَرَّر الله أن يَسْتَرِدّ بنو إسرائيل من يد مصر، كان ثّمَن الفِداء هو أن يصير جميع أبْكار بني إسرائيل مِلكًا مُقدَّسًا له. ليس فقط جميع أبْكار بني إسرائيل، بل جميع أبْكار مِصر أيضًا .تم تحديد هؤلاء الأبْكار لِيَكونوا ذبيحة عن كل الشعب الآخر.
لذلك عندما حان وقت خروج بني إسرائيل من مصر، كان الله سيُطالِب بحَقِّه. جميع الأبْكار (من الناس والبهائم، من مصر وإسرائيل) ستَتِمُّ التضحية بهم حرفيًا ……ذَبْحَهم وقَتْلهم…. دَفْع ثّمَن افتداء بني إسرائيل من العبودية. إلا أنه على الرغم من أن جميع الأبْكار أصْبَحوا الآن مِلكًا لله، وتمّ تمييزهم ليكونوا ذبيحة تكْفير، فإنه لن يُضَحّي بأولئك الأبْكار الذين وثقوا به بما يكفي لاتباع حِكْمِه بأن يَذْبَح كل بيت خروفًا ثم يَرسموا بِدَم ذلك الخروف على أعمدة أبواب بيوتهم. وبعبارة أخرى، كان من المقَرَّر أن يكون ذلك الخروف هو الفِداء عن كل الأبْكار الذين كان من الحق أن يُذبحوا كذبيحة. بالطبع نحن نعرف هذا الحَدَث بإسْم الفِصح .
وكانت النتيجة أن الغالبيّة العُظمى من بني إسرائيل آمَنَت بالله، وهكذا خَلُص أبْكار بني إسرائيل، ولكن الغالبيّة العُظْمى من المِصريّين لم يؤمِنوا بالله، ولذلك ذُبح أبكار المِصْريين كفِدْية. كما جاء في سِفْر الأمثال واحد وعشرين، كان الأشرار فِدْية للأبرار (مَطلَب الله الذي لا يُمْكِن تغييرُه).
والآن بعد أن نجا بنو إسرائيل من مصر، لم يَكُن أبكار بني إسرائيل قد خرَجوا من الغابة، على الرغم من ذلك: كانوا لا يزالون مِلكًا مُقدَّسًا لله. كانوا مَدينين لله بخِدمة الله مدى الحياة. لذلك قَرَّر يَهوَهْ، بِرَحْمته، أن اللاويّين سيُصْبِحون بديلاً (فِدْية) عن جميع هؤلاء الأبْكار من بني إسرائيل. فبَدَلاً من أن يكون جميع أبكار بني إسرائيل مِلكًا مُقدَّسًا لله، خاضعًا لخِدمة الله، سيكون اللاويّون الآن مِلكًا مُقدَّسًا لله بدَلاً منهم، وسيُعْفى الأبْكار من مسؤوليّتهم تجاهه.
هذا هو السّبب في أن الإحصاء الذي قرأنا عنه سابقًا في سِفْر العَدَد قد أُجْرِيَ بِعِناية فائقة. تَذَكَّروا أن عدد الذكور اللاويّين المتاحين ليَحِلّوا محلّ كل بِكر من أبكار بني إسرائيل كان أقل من العَدَد المطلوب. لذلك كان على أولئك الأبْكار من بني إسرائيل الذين لم يَكُن لديهم لاوي ليَفْتَديهم أن يَدفعوا مالاً للكَهْنوت مُقابل فِداءهم. فالفِداء له تَكْلِفة مَلْموسة.
ولكن بما أن الله يتطلَّب ذبيحة دمَويَّة (التي دَفَعها أبكار مصر لفِداء بني إسرائيل) فإن هذا المَطْلَب لا يزال يقع على عاتق أبكار إسرائيل الذين نَقَلوا هذا العِبء من على أكتافهم (حسب تعليمات الله) إلى اللاويّين، الذين نقلوا بعد ذلك الجِزْء من الذبيحة الدَّمَوية من المّطْلب إلى الثيران التي ذُبحت. لذلك نحن نرى هذه السِّلْسِلة الطويلة من الاسْتِبْدال التي تمّ تأسيسها؛ نوع من عملية تأجيل الأمْر.
في النهاية وقع كل شيء على عاتِق يسوع. كان هو البديل النهائي والأفضل للتَّكفير. كان بإمكانه إما أن يَقبل أن يكون ذبيحة التَّكفير بالدَّم (كما فعل) أو كان بإمكانه أن يَضَعَها على حيوان……كما كان يفعل البَشَر دائمًا………….. وكانت الدَوْرة بِبَساطة تَسْتَمِرّ. إن التوراة هي التي تُحَدِّد بِعِناية مُتَطَلِّبات الله للفداء عن طريق الذبيحة الدَّمَوِيّة، كما أنها تُحدِّد أن عدالته يُمْكِن أن تتحقَّق بِبَديل مأذون به كفِداء ليَدْفَع كلّ منا ما يدين به لله بِحق.
تؤكِّد الآيات القليلة الأخيرة من الإصْحاح الثامن فقط على أن هؤلاء اللاويّين، الذين يقومون بأعمال شاقّة، يتقاعدون من تلك الأعمال الشّاقة في سِنّ الخمسين. هذا لا يعني أنهم مَعْفِيّون من الخِدمة. لقد أصبحوا حُرّاسًا للهيكل ومُراقبين، وقاموا بأنواع أخرى من الأعمال التي لا تُرْهِق شخصًا كبيرًا في السِّن.
بعد ذلك سوف نَدْرُس الفِصْح الثاني………. الفِصْح الأول الذي حَدث في الليلة السَّابقة لخروج بني إسرائيل من مصر.
لنَنْتَقِل إلى الإصْحاح التاسع من سِفْر العَدَد.
يتَّحِد الإصْحاحان تسعة وعشرة معًا لتسجيل جميع الاسْتِعدادات النِّهائيّة لرِحْلة بني إسرائيل …. الآن بعد أن أُطْلِق سراحَهم وتخلَّصوا من مصر….. مُزَوَّدين بملاذ الله المُقَدّس…. ومُزَوَّدين بِشرائع الله وأوامِرَه…. وهم يَسْتَعِدّون للإنطلاق نحو الأرض الموعودة.
لقد مَرَّت ستّمئة سنة منذ أن قَطَع يَهوَهْ عهده مع إبراهيم بأن مكانًا قد خُصِّص للشعب المُختار للعيش فيه؛ وهذا المكان هو ما كان يُسَمّى في ذلك الوقت أرض كنعان، ولكن في المُستقبل القريب سيُعاد تَسْمِيَته بإسرائيل.
دَعونا نقرأ سِفْر العَدَد الإصْحاح التاسع معًا.
إقرأْ الإصْحاح التاسع من سِفْر العَدَد بأكمَلِه
أوّل ما يتحدَّث عنه الإصْحاح التاسع هو عيد الفِصْح (بيساخ بالعبرية). هذا هو الفِصْح الثاني الذي يَحتفل به بنو إسرائيل، وهناك اخْتِلاف واضِح في الطريقة التي سيُحتفَل بها هذا الفِصْح مُقارنةً بالفِصْح الأول.
لِنَتَذَكَّر أن الفِصح الأول حَدث في مصر. لقد كانت تلك الليلة العظيمة والرَّهيبة التي قَتَل فيها الرَّب جميع الأبْكار غير المَحميّين في مصر. كان الأبْكار الوحيدون الذين اسْتُثْنوا هم أولئك الذين اتَّبَعوا تعليمات موسى بأن يَذْبحوا عِجْلاً ذَكرًا صغيراً ويأكلوه ويَنْثُروا دَمَه على أعمدة أبواب بُيوتهم المصنوعة من الطين.
الآن من المبادئ الإلهية الأساسية أن نفهم أنه في حين أن هذه التعليمات كانت مُوَجَّهة في المقام الأول إلى بني إسرائيل، فإن أي عائلة تعيش في مصر…. بِغَض النَّظَر عن جِنْسيَّتها….. التي عبدت يَهوَهْ وأطاعت واتَّبَعت هذا الأمْر نَجَت من المَوْت. أي عائلة كان بإمكان أي ذَكَر مختون كعلامة على الانضمام إلى بني إسرائيل (بِغَض النَّظَر عن جنسيته) كان يمكنه أن يشارِك، وقد فعل الكثيرون ذلك. ونتيجة لذلك نرى في سِفْر الخروج أن جُموعًا مُخْتَلطة غادرت مصر وسافرت مع بني إسرائيل. بَعضُهم جاءوا بشكل رسمي وانْضَموا إلى بني إسرائيل، والبعض الآخر جاؤوا كَمُتَطَفِّلين لم ينضمّوا إلى بني إسرائيل (ربما فقدوا بِكْرَهم وارْتَعبوا من قوّة هذا الإله) فأرادوا أن يعيشوا بين بني إسرائيل ويتمتَّعوا بخَيْرات هذا الإله. لذلك خَرجت ثلاث فئات من الناس من مصر: واحد) الإسرائيليون المولودون أصلاً من بني إسرائيل….اليهود…… ، إثنان) أولئك الذين يَنْتَمون إلى جِنسيّات أخرى والذين رَغِبوا في أن يُصبحوا رسميًا إسرائيليين، و ثلاثة) أولئك الذين لم يَكُن لديهم نيَّة في أن يصبحوا إسرائيليين ولكنهم أرادوا بِبَساطةٍ أن يعيشوا بين بني إسرائيل (لأسباب مُخْتَلِفة) مع الاحْتِفاظ بهَوِيَّتهم القَوميّة مهما كانت. يُشير الكِتاب المُقَدَّس عادةً إلى أولئك الذين لم يكونوا إسرائيليين بالولادة الطبيعية ولكنّهم رَغِبوا في أن يُصبحوا إسرائيليين بإسْم ”الغُرَباء“؛ وهذا مُنْفَصِل ومُتَمَيِّز عن أولئك المُتَطَفِّلين الذين يُشار إليهم بإسْم ”الغرباء“ أو ”الغُرَباء المُقيمين“.
هذا الفِصْح الثاني (الذي نراه هنا في سِفْر العَدَد تسعة) هو، إن صَحَّ التَّعبير، أول عيد فِصح مصري. وجميع أعياد الفِصْح من هنا فصاعدًا ستكون إحياءً لذِكرى الفِصْح الأول في مصر. بِعِبارة أخرى، كان الفِصْح الأول هو الحَدَث التاريخي الفِعلي، ثم كل عيد فِصح بعد ذلك كان مُجَرَّد ذِكرى له.
والآن، الفرق الرئيسي بين الفِصْح الأول (كما حدث في مصر)، والفِصْح الثاني (في البَرِّية)، هو أنه بين الاثنين أُعْطِيَت التوراة، أي الناموس، لبني إسرائيل على جبل سيناء في بداية خُروجهم. بالإضافة إلى ذلك، كان المكان ليَسْكُن فيه الله بين بني إسرائيل … خَيْمَة الإجتماع …… قد شُيِّدَ. ونتيجة لذلك، تغيّرت أيضًا بعض الشيء شخصية وطبيعة خَروف الفصح.
في الفِصْح الأول، كانت كل عائلة تذبح حَمَلها الخاص في بيتها، حيث لم يَكُن هناك مكان مُشترك للقيام بذلك، أو كَهْنوت يقوم بذلك. علاوة على ذلك في حين أن حَمَل الفِصْح الأول كان ”ذبيحة“ ….. وذُبح لغرض إلهي…….. لم يَكُن ذبيحة رسميّة كما في القالِب الجديد الذي سيأتي في سِفْر اللاويين. مع إنزال الناموس، كان يَجب أن تكون جميع الذبائح تحت إشراف كَهَنَة بني إسرائيل. لا شك لديّ في أن هؤلاء الكَهَنَة الأوائل من بني إسرائيل (الذين كانوا سينجون من المَوْت عن طريق الدم الذي كان يُطلى على أعمدة أبواب بيوتهم) هم الذين كانوا يَذْبحون الحَمَل في ذلك الفِصح الأول، ولكن لن يُسمح لهم بذلك في المستقبل. وقد ناقشنا (مؤخَّرًا إلى حدِّ ما) أنه حتى تأسيس الكَهْنوت اللاوي في جبل سيناء … والذي حَدث بعد حوالي سنة واحدة من الفِصح الأول، كان تقليديًا أن الأبْكار كانوا يتصرَّفون نوعًا ما مثل الكَهَنَة داخل كل عائلة من عائلات بني إسرائيل. لذا، بما أن ذَبْح الحَمَل كان أمْرًا إلهيًا، فقد كان يقع ذبْحُه على عاتق البِكْر.
هناك الكثير من الرَّمْزية هنا، أليس كذلك؟ لقد كانت حياة الأبْكار هي التي هُدِّدَت من الله، لذلك فإن الأبْكار هم الذين قَتلوا الحَمَل وقاموا بالتَّلْطيخ بالدم. أحيانًا يكون لدينا انطباع خاطئ عن الفِصح الأول. لم يَكُن الفِصح الأول لإنقاذ الحياة الجسدية لجميع بني إسرائيل من المَوْت. لم تَكُن النساء وغير الأبْكار عُرْضة لتهديد الله بالمَوْت. كان سَيَصُبّ غَضَبه على الأبْكار فقط لأن الأبْكار هم الذين أعْلَن أنهم يَنْتمون إليه الآن وكان على استعداد للتَّضْحية بهم (إذا جاز التعبير) من أجل خلاص شعبِه. كان قتْل هؤلاء الأبْكار هو ثَمَن الفِداء لبني إسرائيل، وبذلك أرْضى عدالته.
لذلك كان على كل شخص خاضعًا للإدانة (في مصر كان ذلك يعني الأبْكار) أن يذبح الحَمَل ويحصل على تلك الصِّفات المخلِّصة من دمِه. هل ترى ذلك؟ البِكْر الذي كان يذبح الحَمَل كان يستولي عليه لنفسه. والآن في النهاية أدّى ذلك إلى نجاة عائلته من عبودية مصر؛ ولكن هذا لم يَكُن من أجل إنقاذ الحياة الجسدية لأفراد العائلة الآخرين لأن حياتهم الجسدية لم تَكُن في خطر فِعلي.
لا يزال الأمْر كذلك تمامًا بالنِّسبة للبشريّة اليوم. كل شخص خاضِع للدَّيْنونة (وهو كل إنسان) يجب أن يَسْتَحْوِذ على دم الذبيحة لنفسه. بِقَدْر ما قد أُفَضِّل ذلك، لا يُمْكِنني أن أستولي على دم يسوع من أجل أخي أو أختي، أو أمي أو أبي، أو أولادي أو أحفادي. يجب أن يُفْتَدى كل شخص واحدًا تلو الآخر، باخْتياره وفِعلِه الحُرّ. ومع ذلك، فإن الشخص داخل الأُسْرة الذي يستولي بالفعل على دم يسوع القُرْباني يفتح بابًا لعائلته للهروب من خلال إرْشادهم إلى الطريق. مع ذلك يجب على كل فَرْدٍ من أفراد الأسرة أن يذهب الآن ويَحصل على قوَّة يسوع المخلِّصة لهُ أو لها.
الآن في عيد الفِصح الثاني هذا يتم اختيار حَمَل الفِصح ونقله إلى خَيْمَة الاجتماع (الهَيْكَل فيما بعد) حيث سيُشرف الكَهَنَة على ذبْحِه. يُقَدَّم جزء من الحَمَل (كل حَمَل) على مذبح المَحْرقة الرسمي لله، ثم يؤخذ جِزْء من الدم إلى البيت ويُلَطَّخ به مَدْخَل البيت.
في عيد الفِصح الأول لم يَكُن الأمْر يَحْدُث بهذه الطريقة لأنه لم يَكُن هناك توراة رسمية، ولم يَكُن هناك كَهْنوت رسمي ولم يَكُن هناك خَيْمَة اجْتِماع.
كما كان مُقَرَّر في سِفْر اللاويّين، كان يجب أن يَحدث الفِصح في اليوم الرابع عشر. تتكرّر هذه القاعدة هنا في سِفْر العَدَد تسعة الآية الثالثة مع القاعدة التي تَنُصّ على أن ذبيحة الحَمَل في خَيْمَة الاجتماع (بالعبرية) يجب أن تتم في بين هرابايم. هذا يعني حرفياً ”بين المساءَيْن“. إذن متى يكون ذلك بالضبط؟ حسنًا، حَدّد مُعظم الحاخامات القُدماء أنه كان بين غُروب الشمس والظلام الدامِس. في وقت لاحق تم تحديد أنه يعني ما بين ما نُسمِّيه حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر ووقت الظلام الدامِس.
تَذَكَّر أن اليوم العبري يبدأ وينتهي في المساء وليس في الصباح كما هو الحال بين الأُمَم اليوم. وبشكل أكثر تحديدًا لا ينتهي النهار عند حُلول الظلام، بل عندما تختفي الحافّة الأخيرة للشمس في الأُفُق، وبشكل أكثر تحديدًا عندما يُمْكِن رؤية ثلاثة نجوم في السماء ينتهي اليوم الحالي ويبدأ اليوم الجديد.
من الواضح أنه كان من المستحيل بَشَريًا أن يُشرف الكَهَنَة على ذبح آلاف الخِراف في الدقائق القليلة الفاصِلة بين غروب الشمس والظلام الدامِس. لذلك يُمْكِن للمرء أن يفهم سبب الإعلان عن أن ذَبْح الخِراف يجب أن يبدأ في الساعة الثالثة مساءً.
الآن ما هو مُثير للاهتمام هو أنه لا يوجد ذِكْر لعيد الفطير هنا؛ أي عيد الخبز من دون خمير. يبدأ هذا العيد في اليوم التالي لعيد الفِصْح. ومن خلال تَوقيت هذه المقاطِع يُمْكِننا أن نَعرف أن عيد الفِصح كان في الرابع عشر من الشهر، وأن بني إسرائيل غادروا في رحلتهم من جبل سيناء إلى البَرِّيَة في العشرين من الشهر. من المستحيل أن يُغادروا في منتصف عيد الفِصح .
السَّبب الذي يجعلني أُشير إلى ذلك هو أنه، كما أَمَر الله في سِفْر اللاويين، كان عيد الفِصح وعيد الفطير (على الرغم من ارْتِباطهما) عيدَيْن مُنفصِلَيْن. لم يَرتبطا ارتباطًا وثيقًا بحيث يُنظر إليهما كعيدٍ واحدٍ مشتركٍ إلا في العصور اللاحقة. حتى اليوم من الشائع أن نُطلِق على الفترة الزمنية التي تشمُل عيد الفِصح الأول ثم عيد الفطير بِبَساطة إسم عيد الفِصح . يُفَضِّل البعض تَسْمية العيدَيْن مُجتمعين بعيد الفِصح فقط. يتعامل الكثير من اليهود اليوم مع عيد الفِصح على أنه ليس عيد الفِصح إلا اليوم الأول من عيد الفطير، على الرغم من أن هذا ليس صحيحًا وِفقًا لأوامر التوراة.
هناك سببٌ مُهِم جدًا للإحْتفال بعيد الفِصح قبل أن يَحزِموا أمْتِعَتهم ويُغادروا: كان يتضَّمن التَّضْحية بحيوان. لم يَكُن في عيد الفِصح عنصر التَّضْحية. كان الشرط الوحيد هو تطهير المَسْكن من كل الخمير … الخميرة، وأكل الخبز غير المُخْتَمِر، الماتزا، خلال فترة العيد التي تستمِر سبعة أيام. لذلك في حين أن خَيْمَة الإجتماع كانت ضرورية (بدءًا من جبل سيناء) للاحْتِفال الصحيح بعيد الفِصح (لأنه كان يجب التَّضحية بخروف بحضور الكَهَنَة) لم تَكُن خَيْمَة الإجتماع ضروريّة للاحْتِفال بعيد الفطر لمدة سبعة أيام. في الواقع لم يَكُن على المرء حتى أن يكون طاهِراً طقوسيًّا للاحتفال بعيد الفطر لأنه لم يَكُن هناك ذبيحة مَفروضة.
تُورِد الآية السادسة ظرفًا جاء فيه بعض بني إسرائيل إلى موسى وقالوا بِشَكْلٍ أساسي: "لدينا مُشْكلة". والمشكلة هي أن عددًا من بني إسرائيل قد تنجَّسوا لأنهم لمَسوا جثَّة مَيِّت ….. بالعبرية، كانوا طاميي لينيفيش. ولكن، بما أن النقطة المِحْوَريّة في الفِصح الثاني كانت ذبيحة الحَمَل في خَيْمَة الاجتماع، وبما أن الناموس لم يَسمح لأي شخص نَجِس بشكل كبير بالاقتراب من قُدْس الله بِذَبيحته، فماذا عن أولئك الذين كانوا نَجِسين في وقتها؟ هل كان سيظل مسموحًا لهم بالمشاركة في الفِصح ؟ أولئك الذين طّرَحوا السؤال على موسى كانوا بالتأكيد يأملون ذلك.
لذلك ذهب موسى وتشاوَرَ مع الله حول هذه المسألة وأصدر الله أمرَه: لا، لا يجوز لهم المُشاركة. ولكن في الرابع عشر من الشهر التالي (على افتراض أنهم لم يعودوا في حالة نَجاسَةٍ طَقْسِيَّة) يُمْكِنهم الاحْتِفال بِعيد الفِصح . وتقول الآية الحادية عشرة إنهم يأكلون خروف الفِصح مع الأعشاب المُرَّة والخبز الفطير ولكن لا يَتْرُكون منه شيئًا حتى الصباح (لا يَتْرُكون بقايا الطعام لوَجبة خفيفة) ولا يَكْسِرون أي عَظمة من الخروف.
هناك عُنصر آخر في هذا الإجراء كُلُّه مُثير للاهتمام. إنه يقول أنه بالإضافة إلى أن أولئك الذين ليسوا طاهِرين طقسيًا يُمنحون موعدًا تعويضيًا للاحتفال بعيد الفِصح ، وهو الرابع عشر من الشهر التالي (الشهر الثاني من السنة التقويمية الدِّينية)، فإن أولئك الذين هم في سَفَر طويل يُمْكِنهم أيضًا تأجيل عيد الفِصح المُعَيَّن في الرابع عشر من نيسان بشهر واحد. ولكن هذا الاسْتِثناء خاص بهذَيْن الشَّرْطَين فقط. تنُص الآية الثالثة عشرة على أنه إذا لم يحتفل أحد بعيد الفِصح في الزمان والمكان والكيفية التي فُرضَ فيها الفِصح ، ولم يستوفِ هذين الشَّرْطَين الخاصَيْن، فإن هذا الشخص يكون عُرضة للإنفِصال عن أقاربه، وبعبارة أخرى، هذا الشخص عُرْضة للإنْفصال عن الله.
كذلك تَسْتَمِرّ الآية الرابعة عشرة في تعزيز المبدأ المنصوص عليه في سِفْر التكوين: أن هناك شريعة واحدة بين بني إسرائيل للجميع، سواء أكانوا عبرانيين أم مَولودين من خارج البلاد، وبعبارة أخرى فإن أولئك الذين هم من جِنسيّات أخرى الذين قدَّموا ولاءهم لبني إسرائيل…..وبالتالي أصبحوا إسرائيليين….. هم في نفس الوضع كالإسرائيليين الأصليين. كل التوراة تنطبق عليهم وهم يخضون لنفس المُتَطلِّبات ويتلقّون نفس البركات ونفس اللعنات. بطبيعة الحال: لأن جميع الذين يُريدون أن يكونوا أتباع إله بني إسرائيل يجب أن يَعمَلوا بموجَب نفس العهد. كذلك حتى الأجانِب المقيمين الذين ليسوا إسرائيليين ولا يُريدون أن يكونوا إسرائيليين (ولكنهم يَرغَبون في العَيْش مع بني إسرائيل) مُطالَبون باتباع الإحْتفال بِعيد "بيساخ"، عيد الفِصح .
الآن بما أنه ليس من الصَّعب أن نتخيَّل أنه في نهاية المطاف أصبح هناك جِدال كبير حول ما كان يَقصده الله بالضبط عندما يقول أن الشخص الذي يقوم بـ ”رحلة طويلة“ يُمْكِنه تأجيل الاحتفال بعيد الفِصح وتقديم ذبيحته في خَيْمَة الاجتماع لمدة ثلاثين يومًا؟ ما هي المدة التي تُعتَبَر طويلة؟
يتلخّص السؤال في جَوهره في مدى بُعد المرء عن خَيْمَة الاجتماع في أربعة عشر نيسان، وبالتالي إلى أي مدى يجب أن يُسافر المرء من منزله للوصول إلى خَيْمَة الاجتماع …… بعد ذلك الى الهَيْكَل….. لعيد الفِصح . وبالطَّبع، جاء الحاخامات المُخْتَلِفون بإجاباتٍ مُخْتَلِفة. من بين ما هو مكتوب ومُدوّن نشأ رأيان رئيسيّان: أحدهما أن أي شخص ليس لديه القدرة الجسدية للوصول إلى عَتَبة الهَيْكَل مُعْفى؛ والآخر أن أي شخص كان يعيش على بُعد أكثر من ثمانية عشر ميلاً من الهَيْكَل كان مُعْفى.
هذه المسألة وحُلولها المُخْتَلِفة تلعب بلا شك دورًا في روايات الإنجيل عن مَوْت يسوع في وقت الفِصح . نحن نعلم أن اليهوديين (أي اليهود الذين عاشوا في يهوذا) وبالتالي الذين كانوا على مَقرِبة من الهَيْكَل اتَّبعوا مجموعة واحدة من القواعد، بينما كان اليهود من الجليل حيث كان يسوع وتلاميذه يَتْبَعون تقليدًا آخر. وكان هذا بسبب المسافة الطويلة التي كان على الجليليّين أن يقطعوها من وإلى أورَشليم. حتى أن الجليليين كانوا يُقيمون عشاء عيد الفِصح عشية عيد الفِصح ، أي في اليوم السابق لعيد الفِصح ، بسبب الخدمات اللوجستية التي كانت تنطوي عليها. كانوا سيبدأون في تطهير بيوتهم من الخمير قبل إخوتهم اليهوديّين في الجنوب أيضًا. لذا فإن بعض المشاكل التي نَجِدها في روايات الإنجيل عن ذلك الفِصح الذي صُلب فيه يسوع (وعن العشاء السِّرّي) يُمْكِن إرجاعُها إلى هذا التعريف لما يُعْتَبَر ”سَفَر طويل“، وكيف كان يجب الالتزام الصارم بتوقيت عيد الفصح، وما قامت به مختلف الجماعات اليهودية لِحَلّ هذه المعضلة. والآن دعوني أتطرَّق إلى موضوع أعلمُ أن البعض لا يتَّفِق معي فيه تمامًا، ولكنني آمل أن تكونوا قد بدأتم بتقبُّل هذا الموضوع.
لقد تطرَّقْتُ بالفعل إلى مسألة يسوع وعيد الفِصح . وكُلّما تعلّمنا أكثر عن التوراة كُلَّما رأينا التَّشابُه الدقيق بين ذبح خروف الفِصح وصَلْب المسيح، وبين العشاء السِّرّي وعشاء الفِصح الذي تنبع منه عادة المُناولَة. ولكن هناك قضية أخرى مشتركة أيضًا: قضية الطاهِر والنَجِس، والأشخاص الذين لا يَنْبَغي أن يُشاركوا نتيجةً لِكَوْنِهم غير طاهِرين.
هنا في سِفْر العَدَد تسعة لا يُمْكِن للشخص النَجِس أن يُشارك في الفِصح على الإطلاق؛ يجب تأجيله إلى مَوعد لاحق. نرى نوعًا مشابهًا جدًا من التحذير في العهد الجديد. أولاً تم تأسيس الصِلة بين الفِصح ويسوع. الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد إنجيل يوحَنّا ستة على ثلاثة وخمسين: لذلك قال لهم يسوع: ”اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فيه". أربعة وخمسين "مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ". خمسة وخمسين " لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌ". ستة وخمسين ”مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيه".
إذن بعد أن تم تأسيس الدّعوة ووضْع سبب المُشاركة، لدينا بعد ذلك تحذير؛ في الواقع إنه تهديدٌ بالمَوْت.
الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد واحد كورنثوس إحدى عشر على سبعة وعشرين: "إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هذَا الْخُبْز، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبّ، بِدُونِ اسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَد الرَّبِّ وَدَمِه . ثمانية وعشرين: "وَلَكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَهكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْز وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْس." تسعة وعشرين: "لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاق يَأْكُلُ وَيَشْرَب دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ". ثلاثين: "مِنْ أَجْلِ هذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ..
لقد سَمعتُ عددًا من التَّخمينات والأقوال المَجازيّة حول معنى الشِّرب والأكل "بطريقة غير لائقة". وبالطبع هذه التفسيرات الخياليّة المُخْتَلِفة عادة ما تكون أي شيء إلا في سِياق إسرائيل والتوراة واليهود، وهو السِّياق الصحيح الوحيد الذي يُمْكِن أن نَنظُر فيه إلى أي جِزْءٍ من الكِتاب المُقَدَّس.
تَذَكَّر أن كل ما يَتَعَلَّق بِعَشاء عيد الفِصح وعشاء الرَّب هو حَدَث أمَرَت به التوراة (بمعنى آخر هذا ليس تقليدًا من صُنع الإنسان) لا يوجد سوى شرط واحد مذكور بوضوح يجعل الشخص غير مُسْتَحِق للمُشاركة: أن يكون غير طاهِر. وبالطبع فإن العقوبة في التوراة على المشاركة في عيد الفِصح في حالة غير طاهِرة هي ”الإنفصال|"؛ والإنفصال يُعرَّف في الكِتاب المُقَدَّس على أنه عِقاب إلهي يَصِل إلى المَوْت (وأحيانًا يَشمله). وبطبيعة الحال كموازاة لأمر التوراة، يحذِّر الحاخام بولُس من أن هؤلاء ”غير المُسْتَحِقّين“ (وأقول أن هذا يعني، بشكل عام، نَجِسين) ويَشربون الكأس ويأكلون الخبز على أي حال سيَمْرضون ويَضْعفون و”يَرقُدون“. الرقاد هو تعبير شائع في الكِتاب المُقَدَّس يعني المَوْت. وكما هو واضح فإن السِّياق يوضِح أن هذا هو عقاب إلهي؛ لا تَمْرَض لأن شيئًا ما في الخمر والخبز سام. هل ترى هذا الارتباط القوي والمُحْكَم بين أمْر سِفر العَدَد تسعة وصيغة العهد الجديد لنفس الشيء؟ يُضيف العهد الجديد بِبَساطة إلى السِّياق بِجَعل يسوع حَمَل الفِصح .
حَسَناً دعونا نَنْتَقِل إلى الآية الخامسة عشرة. يبدأ هذا القسم من سِفْر العَدَد تسعة الذي يشرح عملية السَّحابة النّاريّة (مجد الرَّب) وما يجب أن تكون عليه اسْتِجابة بني إسرائيل لها.
هذا في الحقيقة ما هو إلا اسْتِئْناف لشيء بدأ في وقت سابق في سِفْر الخروج؛ كان بنو إسرائيل قد تَبِعوا السَّحابة النّاريّة طوال الطريق من مصر إلى جبل سيناء، وبما أنهم كانوا ثابتين لمدة ثلاثة عشر شهرًا تقريبًا (عند قاعدة جبل سيناء) لم تكن هناك حاجة إلى السَّحابة النّاريّة لِتَوْجيه حَرَكَتِهم، ولكن هذا كان على وَشَك أن يَتَغيَّر.
يُمْكِن الاسْتِدْلال على هذا التَّسَلْسُل في الأحداث من الظُّروف: قادتْهُم سحابة النار من مصر إلى سيناء، ثم ارتفعت واستقرَّت في أعلى الجبل حيث ذهب موسى لتلَقّي التوراة، واستقرَّت هناك لبعض الوقت. والآن بعد أن اكتملت خَيْمَة الاجتماع (التي كانت نموذجًا لعَرْش الله السماوي والمكان الأرضي الجديد والأحْدَث حيث يَسْكن الله بين البَشَر) حلَّت محلّ جبل سيناء كمكان مَسْكَن الله الأرضي، وحلَّت هي نفسها محلّ جنَّة عدن. لذلك، من الطبيعي أن السَّحابة النارية التي نقرأ عنها غالبًا عندما صعد موسى إلى قِمَّة جبل سيناء نَزَلت واستقرَّت على خَيمة الإجتماع."
خلال النهار كان ضوء الشمس يخفي بشكل أو بآخر بريق السَّحابة النّاريّة حتى لا يُرى سوى السَّحابة نفسها؛ ولكن عندما كان يحِلّ الظلام كانت تُضيء النار داخل السَّحابة سماءُ الليل. ألم تكن ستُحِبّ أن تكون هناك لتَشهد ذلك؟ يا له من مشهد لا بدَّ أنه كان موقعاً رائعاً، وكم كان سيكون مطمئنًا لشعب الله الذين لا بُدّ أنهم كانوا في غاية القلق بشأن مستقبلهم.
ابتداءً من الآية السابعة عشرة نفهم الفِكرة: عندما ترتفع السحابة يجب على بني إسرائيل أن يفِكّوا المُخيَّم، ويُنزِلوا خَيْمَة الاجتماع، ويتحرَّكوا باتباع السَّحابة النّاريّة. عندما تتوقّف السحابة يتوقّفون، سواء كان ذلك بين عشيَّة وضُحاها أو لأسبوع أو شهر أو سنة كما يقول الكتاب المُقدَّس. وبالمناسبة، هذا لا يعني أن أقصى مدة توقفوا فيها وخيّموا في مكان واحد كانت سنة. إنه يعني فقط أنه سواء كان ذلك لفترة طويلة أو قصيرة، فكان عليهم إتباع سحابة النار.
تقول الآية الأخيرة أنه بناءً على علامة من الرَّب إما أن ينصُبوا المخَيَّم أو يفِكُّوه. لا تكن مشوشًا؛ هذه "العلامة" هي حَرَكة أو توقُّف سحابة النار. لا توجد علامة إضافية.
ما يجب ألا نغفل عنه هو أن حضور الله……المُرتبط بالسَّحابة النّاريّة… كان حقيقيًا ومَلْموسًا لبني إسرائيل. ولكن، حدث ذلك لأن شعب إسرائيل أطاعوا الله؛ لقد بنوا له هذا الحَرَم المُعَقَّد حسب أمْره. من المُثير للاهتمام أيضًا أن نلاحظ أننا لم نسمع عن السَّحابة النّاريّة في الكِتاب المُقَدَّس قبل الفِصح الأول. لم يظهر لهم الله إلا بعد أن افتدى الله شعبه، بني إسرائيل، ليقودهم بهذا الشكل الحميم والمرئي، وبِمُجرَّد أن افتداهم وجعل نفسه حقيقيًا وملموسًا لهم، كان من المُتَوقَّع أن يَسْتَجيبوا له بالطّاعة. الله يقود وهم يَتْبَعونه. حَيْثُما يذهب الله يذهبون. وحيث لا يَذهب، لا يَذهبون. عندما يتوقَّف يتوقَّفون، وعندما يُشير الله إلى أن الوقت قد حان للمَضي قُدُمًا يَمْضون.
هذا نَمَط جميل ومُناسِب ومَظْهَر جميل ومُناسِب لِسَيْرِنا مع الله. كل هذا التَّشْبيه بالنار والسَّحابة، وسكن بني إسرائيل في الخيام….. مَسْكَن مؤقت…. يتم إحْضاره بشكلٍ مؤثِّر إلى الأمام في العهد الجديد حتى لا نَشُكّ أبدًا في أن أنماط الله قد أُلغِيَت أو عفا عليها الزّمن. سنَجِد تجلّي يسوع يَحْدُث في سَحابة، ثم لاحقًا عندما قام وصَعِد، كان ذلك في سَحابة. سيعود في سَحابة.
اثنان من كبار الحِواريِّين، بولُس وبُطْرُس، يَسْتَخدِمان باسْتِمرار اسْتِعارة تشْبيه الجَسَد البَشَري بالخَيْمَة……مَسْكَن مؤقت…. الذي سيُستبدَل بِسَكَن غير قابل للفَساد ودائم عندما نَصِل إلى أرض الميعاد؛ السَّماء. كل هذه الأمثِلة والأنماط والاستِعارات التي نرى يسوع والحِواريّين يَسْتَخْدِمونها في العهد الجديد ليست جديدة ومُختلِقة أو عَشْوائيّة أو اعتباطيّة؛ لقد تمّ اسْتِخدامها لأنها تُشير مباشرةً إلى التوراة، كَلِمَة الله. وكان الغَرَض، حتى لو لم يُدْرِكوا ذلك تمامًا، هو جَعْل هذا الرَّبط القاطِع بين العهد الجديد في المسيح والعهود السّابِقة التي وَرَدَت في التوراة.
سنَبْدأ الإصْحاح العاشر في المرّة القادِمة.