11th of Kislev, 5785 | י״א בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » العدد » سِفْر العَدَد الدرس واحد وعشرين – تَكمِلة الإصْحاحات السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر
سِفْر العَدَد الدرس واحد وعشرين – تَكمِلة الإصْحاحات السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر

سِفْر العَدَد الدرس واحد وعشرين – تَكمِلة الإصْحاحات السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر

Download Transcript


سِفْر العَدَد

الدرس واحد وعشرين – تَكمِلة الإصْحاحات السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر

في دَرْسِنا الأخير بدأنا مجموعة من ثلاث فُصول من الكِتاب المُقَدَّس في سِفْر العَدَد، والتي تسعى لِتَوضيح أن الكَهْنوت هو مِحْوَر علاقة بني إسرائيل مع يَهوَهْ. وأن التَّسَلْسُل الهَرَمي للقداسة الذي أقامَه الله، أولاً بِفَصل لاوي عن بني إسرائيل لقَداسة خاصة كخدّام له، وثانيًا بِتَقسيم اللاويين أنْفُسهم إلى مَجْموعتين تُدعى اللاويين والكَهَنَة، كان غير قابِل للتَّغيير. ما يُحَدِّده الرب لا يغَيِّره الإنسان. ما يُقرّره الرب أن يكون كاهنًا له لا يَسْتطيع الإنسان أن يُراجِعه ولا يَستطيع بالتَّأكيد أن يُلغيه.

في القصّة التي بدأت في سِفْر العَدَد السادِس والعشرين نَجِد حالة عامة من الاضْطِراب والقَلَق بين شعب بني إسرائيل. لقد أُحْبِطت معْنوياتهم بسبب التَّقرير الخائن والجَّبان من عشرة من أصل إثني عشر كَشّافًا وقرار قيادة بني إسرائيل اللّاحِق بِتَجنُّب غزو كنعان، أرض الميعاد.

كان الناس غير مُستقِرِّين عاطِفيًا ويُريدون التَّغيير، وبدا لهم أن القيادة الجديدة مكان جَيِّد للبدء. أن يَسعى البَشَر من حين لآخر إلى إزاحة مَجْموعة من القادة واسْتِبدالهم بآخرين ولكن أن يُحاوِل البَشَر اغْتِصاب إرادة الله شيء آخر تمامًا كما كان الحال مع هذا التَمَرُّد.

قورح، وهو لاويِ غير راضٍ عن أن سُلالة هارون (سُلالة عائلية من سُلالة لاوي أيضًا، ولكن من عَشيرة مُختلِفة عن عَشيرته) هي السُّلالة العائلية الوحيدة التي يُمْكِن تَعيينها ككَهَنَة مَرْموقِين. على الرغم من أن كل سُلالة لاوي مَفْصولة عن بني إسرائيل لقداسة خاصة وخِدمة يَهوَهْ وخِدمة لاوي، إلا أن الكَهَنَة قد مُنِحوا درجة من التَّقديس أكبر من اللاويين الآخرين مع إعطاء رئيس الكَهَنَة (وهو هارون حالِيًّا) أعلى دَرَجة قداسة مُمْكِنة لأي عبراني (باسْتثناء موسى). يَغار قورح ويَعْترِض على ذلك، ويَتحدّى مَنْصب هارون ويُريده لنفسِه، ويريد أن يكون الكَهْنوت مُوَزّعًا بالتّساوي بين سائر عشائر اللاويّين. كان هذا سُلوكًا نَموذجيًا في المُجْتَمَع القَبَلي حيث كانت القبائل، والعشائر داخل القبائل، في حَلَقَةٍ لا تنتهي من التَّنافُس فيما بينها على الهَيْمَنة والمكانة والسُّلطة.

لكن غالِبيّة قبيلة لاوي (أولئك الذين لم يكونوا من عشيرة هارون) لم يكونوا الوحيدين الذين كانت لدَيْهم نَزعة خطيرة للتَّنافس، فقد وَجدنا أن اثنين من زُعماء عشيرة سَبَط رأوبين كانوا يَتحدّون موسى على وظيفته كقائد وسُلطة مُطْلَقة على كل بني إسرائيل. كان مؤسِّس سَبَط رأوبِين قد مات منذ ثلاثمئة سنة على الأقل، لذا فإن ما يُشير إليه سِفْر العَدَد ستة عشر هو نَسله. توقَّع رأوبِين الابن البِكْر ليعقوب أن يُصْبِح هو (وبالتالي قبيلته المُسْتقبليّة) القبيلة المُهَيمِنة بين أسباط بني إسرائيل الاثني عشر، كما توقّع تمامًا أن يكون قد مُنح دَور القيادة على بني إسرائيل عن طريق حق الولادة باعتباره الابن البِكْر ليعقوب وبالتالي حُصوله على البَرَكَة المُعتادة للبِكر من أبيه. ولكن يعقوب رَفض رأوبين ورَفض أن يُعطيه بَرَكَة البِكْر، وبالتالي سُلْطَة البِكْر؛ هذا الفعل المُهين سيؤثِّر على عائلة رأوبين (والقبيلة في نهاية المطاف) بطريقة سلبيّة منذ تلك اللحظة فصاعدًا. وبدلاً من ذلك قام يعقوب بتقسيم أحكام بَرَكَة البِكْر التي كان يَجِب أن تذهب إلى رأوبين وأعطى حق قيادة أُمَّة إسرائيل ليهوذا، وحق وراثة الجزء الأكبر من الثروة ليوسف. لم يتقبّل أحفاد رأوبين (حتى بعد كل هذا الوقت) هذا الإذْلال ولم يتقبَّلوا فِقْدانَهم لمكانة الزَّعامة التي شعروا أنه كان ينبغي أن تكون لهم دائمًا. نتيجة لذلك، نَجِد في هذه اللحظة اثنين من زُعماء قبيلة رأوبين (داتان وأفيرام) يتحدّان منصب موسى كقائد لبني إسرائيل؛ فقد أرادا الحصول على المَنْصب. كان هناك إلى جانب قورح وداتان وأفيرام مئتين وخمسين من زُعماء قبائل بني إسرائيل الأخرى الذين كانوا يَرغبون أيضًا في إزاحة موسى وهارون من مَنصِبَيْهِما اللذين أنشأهُما الله، والاستيلاء على قيادة أُمّة بني إسرائيل لأنفسهم.

كان الحَلّ الذي اقترّحَه موسى هو أن يَدَع الله يتعامل مع الأمر عن طريق مُظاهرةٍ عَلَنيّة: كان على كل من هؤلاء القادة المُتَمَرِّدين أن يَضعوا جمرًا ساخنًا في إناء نار (يُسَمّى أيضًا مَبْخَرة)، ويَضعوا البَخور فوقه، ويأخذوا الخليط الدُّخاني إلى مَدخل خَيْمَة الإجتماع. ثم كان الله سَيَحْسُم الأمر بطريقةٍ ما غير مُحدَّدة فيما يتعلَّق بِمَن سيكونون هؤلاء القِلَّة المُمَيَّزة (الكَهَنَة) الذين سيكون لهم حق الوصول إلى الغُرَف الداخلية للخَيْمَة المُقَدَّسة، ومن سيكون له السَّيطرة على بني إسرائيل.

لنُعيد قراءة سِفْر العَدَد سِتّة عشر على ستة عشر إلى نهاية الإصْحاح لِنَتَذَكَّر بشكل أفضل ما قرأناه الأسبوع الماضي.

أعِد قراءة سِفْر العدد سِتّة عشر على ستَّة عشر حتى خمسة وثلاثين

قام قورح والقادة المِئَتَيْن وخمسين، وعلى ما يبدو، عدد من الآخرين (المُشار إليَهم بالجماعة كلّها، أولئك الذين وقفوا مع المُتَمَرِّدين) بتنفيذ التعليمات والحضور عند مدخل خَيْمَة الإجتماع ومعهم مواقِد النار. ولا شك أن هذا لم يَكُن عند الباب الذي كان مَدخل خَيْمَة الإجتماع نفسها، بل عند بوّابة فناء خَيْمَة الإجتماع، حيث اجْتمع الجميع.

ثم ظَهرت حَضرة الله (كافود، المجد) أمام الجميع وتكلّمَ الرب مع موسى وهارون وأخبرهما أن يَتَنحَّيا جانبًا، وأنه سيُبيد كل من يُشارك في ذلك. والآن لا بدّ أن يكون موسى وهارون فقط هما اللذان سَمِعا كلام يَهوَهْ، وإلا فمِن المؤكَّد أن كل هؤلاء الرجال كانت ستُصبح وُجوههم شاحِبة ويهربون للنَّجاة بحياتهم. وكما حَدَث في الماضي، يَسقط وسيط بني إسرائيل على وَجهه ويطلب الرَّحمة لهؤلاء الرجال أنفسهم الذين كان هَدَفهم القضاء على موسى وهارون في انْقِلاب. عَلاوة على ذلك، في الآية إثنين وعشرين، يتساءل موسى: "أَتُرْسِلُ غَضَبَكَ عَلَى جَمَاعَةٍ كُلِّهَا لأَنَّ رَجُلاً وَاحِدًا أَخْطَأَ؟"

من الواضِح أن هذا الرَّجُل الواحد هو قورح، المُحَرِّض على هذه الفوضى بأكملها. على الأقل من وجهة نَظر موسى كان قورح هو الذي يبدو أنه من حَرّض داتان وأفيرام، الذي ساعد قورح بعد ذلك على تحريض الآخرين. ولكن افْهَموا ما يجري مُناقشته هنا: الموضوع هو العِقاب الجَّماعي. من الواضح أنه ليس كل واحد منهم مُذنب بنفس الطريقة التي ارتكبها الآخرون، كما أن مُستوى المشاركة ليس متساويًا بشكل عام بينهم جميعًا. إن موسى يُقِرّ بمبدأ العقاب الجَّماعي ويُشكِّك في الوقت نفسه في مبدأ العِقاب الجماعي، وما إذا كان الله جادًا في العمل بهذا المبدأ في هذه الحالة.

الآن يُمْكِن أن يُصْبِح هذا كله مُربِكًا بعض الشيء لأن الكتاب المُقَدَّس يَسْتَمِرّ في استِخْدام كَلِمَة ”جماعة“ مِرارًا وتِكرارًا، ولكنه في الواقع يُشير في كل مَرَّةٍ إلى مجموعة مُختلِفةٍ نوعًا ما من الناس. إنَّ الأمْر لا يَخْتَلِف تمامًا عن إشارتنا إلى مجموعة ما وقَوْلِنا ”هؤلاء الناِس“، ثم نُشير إلى جزء من نفس المجموعة ونقول ”هؤلاء الناس“. إن المُصْطَلَح العبري ”ها-إداه“، وهو ما يُترْجَم هنا إلى كَلِمَة جماعة، هو مُصْطَلَح شامِل ومَرِن إلى حدٍّ ما يُسْتخدَم للإشارة إلى أيَّ تَجمُّع من الناس عندما يكونون من جِنْس مُشترَك، أو يقومون بِعَمَلٍ مُشْتَرَك، أو يتَّفِقون على قرارٍ مُشترَك. إذًا فالجماعة التي حَضَرَت الى خَيْمَة الإجتماع مع المُتَمَرِّدين هم أولئك الذين وَقفوا مع القادة المُتَمَرِّدين. عندما ظَهر حُضور الرب للجماعة كلّها (بالعبرية كول إيداه) كان أن كل فرد في أمّة بني إسرائيل يرى حُضوره. عندما قال الله لموسى أن يتراجع عن هذه الجماعة لأنه كان سَيُهْلِكَهُم، كان يُشير إلى هؤلاء المُتَمَرِّدين ومؤَيِّديهم. وعندما سأل موسى الله إن كان سيُهْلِك الكل، الجماعة كلِّها بسبب خطيئة رَجُل واحد، كان هذا يُشير إلى كل بني إسرائيل مَرَّة أخرى.

عندما نصل إلى الآية السادِسة والعشرين وموسى يقول للجماعة أن يَقِفوا بعيدًا عن خِيام الأشرار، فإن الإشارة إلى الجماعة في هذه الحالة كانت تُشير إلى كل الَّذين لم يَقِفوا مع المُتَمَرِّدين. ويتم التأكيد على ذلك عندما يَطلب موسى من الأبرياء أن ينْأُوا بأنْفُسهم عن المُتَمَرِّدين، وألا يَلْمِسوا حتى أي شيء يَخصّهم، لِئَلا ينتهي بهم الأمر إلى أن يكونوا ضَررًا جانبيًا عندما يُعاقَبْ المُذنِبون.

نَجِد مبدأ الفَصْل هذا مَنسوجًا في الكتاب المُقَدَّس كله، بعهدَيْه القديم والجديد. يَجِب فَصْل المؤمنين عن غير المؤمنين، الطّاهِر عن النَّجِس، الخَطَأة عن المُخلِصين. الخراف عن الماعز. كان لا بدّ من فَصْل لوط عن وثنيِّي سدوم وإلا كان سيُصْبِح ضَررًا جانبيًا. الخِدعة هي أن نُميّز كيف وكم يَجِب أن يَنفصِل أبرار الله عن الأشرار. لقد أخذ الإسينيّون في أيام يسوع هذا المبدأ إلى أقصى الحدود وأنشأوا مُسْتعمرات مُنْفَصِلة خاصة بهم بقواعد عُضْوِيّة صارِمة؛ حتى أنهم أسَّسوا مَقرّهم في البرية بعيدًا عن الجميع في مكان يُسَمّى اليوم قمران. بالمناسبة، لم يُوافق المسيح على هذا النوع المُتَطرِّف من الانْفِصال وقال ذلك. من ناحية أخرى نحن كَمُؤمِنين قيل لنا مُباشرة في الكتاب المُقَدَّس ألا نّختلط بالقَتَلة واللُّصوص والذين لا ينتمون إلى الرب. علينا أن نكون في هذا العالم ولكن ليس من هذا العالم.

لاحِظ أننا نَجِد عِدَّة أمور تَحْدُث في آن واحد في هذه الحَلَقة. أولاً، كان قورح والقادة المِئَتَيْن وخمسين ورِفاقُهم وحدَهم الذين حَضروا إلى خَيْمَة الإجتماع لهذا الاخْتِبار التَّوضيحي الذي يَتضمّن القُدور والبَخور. تَذكَّر أن داتان وأفيرام رفضا الحضور إلى هذا الحَدَث عندما اسْتدعاهما موسى. وبما أنهما كانا يقولان في الجَوْهر أنهما يَجِب أن يكونا هما وليس موسى من يُدير العرض، فمن السهل أن نتصوَّر لماذا رفضا الاستجابة عندما طَلبَهما موسى: كانا يُرسِلان رسالة مَفادُها أنهما لا يقبلان سُلطة موسى ولا ينبغي أن يقبلها أي شخص آخر.

إذاً، إن لم تستطع أن تأتي بمحمد إلى الجبل فأتِ بالجبل إلى محمد؛ تقول الآية الخامسة والعشرين: ”قام موسى“ وذهب إلى خَيْمتَيْ داتان وأفيرام مع شيوخ بني إسرائيل (الشيوخ تعني المُمثِّلين الرَّسميّين لشعب إسرائيل) وذهبوا مع موسى، وخَرجوا من المدخل الشرقي إلى فناء خَيْمَة الإجتماع، وتوَجَّهوا إلى الجانب الجنوبي من المُخَيّم حيث تُخيِّم قبيلة داتان وأفيرام. من المُهِمّ أن نَتَذَكَّر أن قبيلة لاوي خَيَّمَت بجوار قبيلة رأوبين فشكَّلوا نوعًا من الجِوار.

عندما ظهر موسى عند خيام داتان وأفيرام خَرَجوا لمُواجهته، فأعلن موسى الحِكم عليَهمّ. يقول: ”إن كُنتما تعيشان عُمراً طبيعياً ثم تموتان كما يمَوت أي إنسان“، فموسى كان يَتصرَّف من تلقاء نفسه ولم يَكُن يَهوَهْ هو الذي يأمُره بكل هذا. وبِعِبارة أخرى، إذا لم يفعل الله شيئًا مُذهلًا لهم، فلا بدّ أنهم كانوا على حق طوال الوقت: لم يَكُن موسى هو القائد الشَّرعي لبني إسرائيل.

من ناحية أخرى، يقول موسى أنه إذا انْفَتحَت الأرض وابْتلعَتْكُم فقد كُنْتم مُخْطئين والمَوْت هو عِقابكم. حسنًا، ما إن انتهى موسى من النُّطْق بالمَقْطع الأخير حتى انشقَّت الأرض فجأة وبِعُنْفٍ تحت خيام داتان وأفيرام ومن حَولهما مِمَّن انحازوا إليَهِما، وسقطوا جميعًا في الشِّق العميق وهلكوا. كان من بين المَوْتى عائلة قورح وكل من وقف معه من عشيرته من النساء والأطفال والجميع. حتى خِيامهم ومُمتلكاتهم المادِّيّة سقطت في الشِّق الهائل في الأرض. وبِعِبارة أخرى، كان قد تمّ مَحو كل الباقين من هؤلاء المُتَمَرِّدين وكلّ دليل على أنهم كانوا مَوجودين في أي وقت مضى، بِيَد الله في لحظة غَضَبه.

وكل بني إسرائيل الَّذين رأوا ما حَدثَ (يُفترَض أنهم الأبرياء) هَربوا مَذعورين خَوْفًا من أن يَسقُطوا في هذا الشِّق الهائل.

ثم تُغيّر الآية الأخيرة من الإصْحاح الأخير المَوْقَع؛ ونعود من الجانِب الجنوبي من المُخَيّم حيث سار موسى، إلى الجانب الشَّرقي وإلى مَدْخل خَيْمَة الإجتماع. هناك ظَهَر قورح والمِئَتَيْن وخمسين رَجُلًا مع أواني النار غير المُصرَّح بها لِيَتّحَدّوا التَسَلْسُل الهَرَمي الذي أقامه الله؛ رجال لم يَكُن لديهم عمل أو مكانة كافية حتى للإقْتِراب من الله، وقد احْتَرقوا أحياءً بنار قادِمة من حَضرة الله نَفْسه. إذا لم تَكُن هذه صورةٌ جَيِّدةٌ لِجهنَّم، وبُحَيْرة النار والعِقاب النهائي للآثمين، فلا أَعرِف ما هي الصورة الجَيِّدة لِجهنَّم وبُحَيرة النار والعقاب النِّهائي للآثِمين.

تمَ تطْهير المُتَمَرِّدين وعائلاتهم وكل ما يملكونه من قِبَل بني إسرائيل لأنهم أصْبحوا نَجِسين في نَظَر الله. تذكَّروا أنه قبل ذلك بسنوات قليلة كان بعض الرجال الآخرين قد قَدَّموا أيضًا ”نارًا غريبةً“ إلى الله وعانوا من نفس المَصير: نداف وأفيهو ابنا هارون. ولكن نداف وأفيهو كانا يتمتَّعان بمَكانة لائقة وكان لهما الحق في تقديم البخور لله؛ أما هذان الرجلان المُتَمَرِّدان اللذان هَلِكا للتَّوْ فلم يَكُن لهما الحق في ذلك. كانت المُشكلة هي أن نداف وأفيحا قد قدَّما الفحم من شيء آخر غير مَذْبَح المَحْرَقة الذي كان المكان الوحيد المسموح بأن يأتي منه هذا الفحم. لذا فإن الخطيئة التي ارْتكبها قورح وداتان وأفيرام والمِئَتَيْن وخمسين رجلاً في حق الله كانت أَسْوأ مما فَعَله نداف وأفيهو. في حالة نداف وأفيهو، هما فقط من عانَيا من الغَضب الإلهي لأنَّهُما تَصرَّفا فقط من تِلقاء نَفْسَيْهِما، أما في حالة قورح وداتان وأفيرام، فقد تمَّ تدْمير عائلاتهم المباشرة بأكْمَلها ، وكذلك كل من وافق حتى على ما كانوا يَفعلونه.

تقول بعد ذلك أن جميع المُتَمَرِّدين نزِلوا إلى شيول. كان شيول مكان المَوْتى، القبر. كان يُنظر إليه على أنه مكان يقع تحت سطح الأرض. هل كان يُنظر إلى شيول في تلك الحَقَبة بنفس الطريقة التي نَنْظُر إليها نحن الآن، كمكان يَسْكنُ فيه الشيطان وأتباعه من الشياطين؟ هل كان يُنظر إليها على أنها الجحيم أو هاديس، مكان النار والعذاب الأبَدي للأرواح الضّائعة؟ لا لم يَكُن كذلك. في الواقع لم يَكُن واضِحًا لهم على الإطلاق ما هو الشيول سوى أنه كان القبر وفيه نوع من الحياة الآخرة. لم يَكُن واضِحًا لدَيْهِم ما الذي يَحدُث للجَّسَد المادي في شيول، بعد المَوْت، غير التَّحلُّل الطبيعي. لم يَكُن واضحًا لدَيْهم ما الذي حَدَث لنفس الوجود التي نُسمّيها عادةً الروح، عندما يمَوْتون. سنَجِد في التوراة أن بني إسرائيل كانوا قَلِقين للغاية بشأن ما يَحْدُث لهم بعد المَوْت لأنه كان يُنْظَر للشيول على أنه مَصير الجميع، وليس فقط الأشرار. لكن إحْدى أَسْوأ الأُمور التي يُمْكِن أن تَحْدُث بمُجَرَّد دُخولهم إلى شيول هو أن الدُّود يُمْكِن أن يأكُل جسد المَرْء. وغالبًا ما كان يُعتقد أن هذا عقاب إلهي لأولئك الذين ماتوا في حالة إثْم.

لماذا هذا الاهْتِمام المُفْرِط بما يَحدُث لأجسادهم بعد مَوْتهم؟ أولاً، لم يَكُن لدَيْهم أي مفهوم عن السماء أو الذهاب للعيش مع الله. تَذكَّروا أنهم كانوا يُفكِّرون كما كان المصريّون يُفكِّرون؛ والمصريّون قضوا حياتهم كلها في الاسْتِعداد لمَوْتهم. كانت حياتهم الآخرة مَبْنِيَّة على الحِفاظ على الجَّسَد المادّي ومن هنا كانت رَغبتهم في التَّحْنيط ومكانٌ مَحْمي لجُثَتِهم بعد مَوْتهم. لذا، على الرغم من أن بني إسرائيل لم يُمارسوا عبادة المَوْت أو الحِفاظ على الجسد في حدّ ذاته كما كان يفعل المصريون، إلا أنه كان لدَيْهِم في أذْهانهم مُعْضِلة ما سيَحْدُث لهم بعد مَوْتهم وما يَجِب فِعْلَه حيال ذلك وكَيْفِيَّة الاسْتِعْداد له. كان المَغْزى الأساسي من العِقاب المُعبَّر عنه في هذه القِصَّة (بالسُّقوط في الشِقّ والنُّزول إلى شيول) هو أن هؤلاء الناس ماتوا على يد الله؛ أو لتوضيح هذه النقطة قليلاً، ماتوا قبل الأوان نتيجة لِسُلوكهم. وكان يُنظر إلى المَوْت قبل انْقِضاء العُمْر الطبيعي للمَرْء على أنه أمْرٌ فظيع وكان يُخشى منه بِشِدّة.

لقد أخْبَرْتُكم في الأسبوع الماضي أن إحدى الدُّروس الرئيسيّة التي يَجِب أن نأخذها من ذلك هو أن الفِداء لا يُمْكِن أن يُرفض فقط في المقام الأول، بل يُمْكِن أن يُرَدّ بإرادة مَنْ نالَهُ. فكما أن قورح وداتان وأفيرام والمئات، إن لم يَكُن الآلاف، من أتباعِهم قد قرّروا أن يَختاروا حياتهم القديمة في مصر بدلاً من البقاء في خلاصِهم من مصر الذي نالوه من الله، هكذا هو الحال معنا نحن المؤمِنين في عَصْرِنا الحديث. ضَعْ التركيز على الاختيار؛ لأن كل هؤلاء المُتَمَرِّدين اختارُوا الذهاب مع بني إسرائيل عندما غادَروا مصر ….. بالتأكيد لم يكونوا مُجْبَرين على الذهاب ، وهؤلاء المُتَمَرِّدون أنفسهم اختاروا أن يَصنعوا لأنفسهم قادةً جُدُدًا يُعيدونهم إلى مصر. لقد اختاروا التخلِّي عن خَلاصهم. الأمر يسير بنفس الطريقة بالنسبة لنا. لا أحد يستطيع أن يأخذ فِداءنا منا، ولا يوجد مكانًا يُمْكِنُنا الذهاب إليه حيث يُصبح باطلاً، ولكن ، تماماً كما نختار أن نقبل فداءنا، ويُمْكِننا أن نختار التخلّي عنه. والمأساوي أن عددًا لا يُحصى من الناس قد اختاروا بالفعل، وسيختار الكثيرون غيرهم العودة إلى مصر.

ولكن ما هو أكثر مأساويَّة هو ما يَحدث لنا عندما نَرفض، أو نَتخلّى عن فِدائنا؛ وهذا ما يَظْهر بِشَكلٍ حيّ كامل هنا في سِفْر العَدَد سِتّة عشَر. النَّتيجة هي أننا نَتدمَّر تمامًا وبشكل كامل؛ لا يوجد أمل، لا يوجد مُستقبل. كل ما عَملنا طوال حياتنا لِنَبْنيه يُصْبِح لا شيء. وربما الأَسْوأ هو أننا (خاصّة كقادة ذُكور لعائلاتنا وجماعاتنا)، لدينا القِدرة على قيادة الآخرين بعيدًا عن خَلاصِهم. يُمكننا التأثير على قَرارات الآخرين، وقد يُعانون من نَفْس مَصيرنا بسبب تَمَرُّدنا. فكرة واقعية، أليس كذلك؟

اسْتَمِع إلى يوحَنَّا خمسة عشر:

الكِتاب المُقَدَّس اليهودي الكامِل يوحَنّا خمسة عشر على واحد: "أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ. إثنان: " كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ، وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَر" ثلاثة: " أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ". أربعة: " اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ، كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ. خمسة: " أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا". سِتّة: " إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجًا كَالْغُصْنِ، فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ، فَيَحْتَرِقُ".

كل غُصْنٍ (مؤمِن) يكون جِزءًا من يسوع ولكنه يَفْشل في أن يؤتي ثمارًا يُنزَع. وماذا يَحدث لتلك الأغصان المقطوعة التي كانت في وقتٍ ما جِزءًا من المسيح؟ يتمّ التَّخَلُّص منها وتَجِفّ ثم تُلقى في النار حيث تَحْتَرق. واضِح جداً.

ولكن اسْمَحوا لي أيضاً أن أُرِيكم مبدًأ أساسياً آخر من مبادئ الله الأساسية التي تَظهر هنا وهو: لا يُسمح للجميع بالاقتراب من الله. في الواقع لا يستطيع الاقتراب من الرب إلا المَفدِيّون فقط. بل أكثر من ذلك، لا يستطيع الاقتراب من الرب إلا المَفديّون الذين أُعْلِنوا قِدّيسين على مستوى أعظم. لقد أشرْتُ في مناسبات عديدة إلى بولُس ويوحَنّا وآخرين في العهد الجديد الذين يُلَمِّحون إلى أن المؤمنين هم ”كَهَنَة“ للرب. وأعتقد أن هذا مَجازي وحَرْفي إلى حدٍّ ما. نَجِد هنا في سِفْر العَدَد أنَّ يَهوَهْ يُعلِن أن الكَهَنَة وَحدَهم يستطيعون الاقتراب من حَضرته. وحتى ذلك الحين، هذا إلى حدٍّ ما، وعلى أساس المكانة.

يُمْكِن للكَهَنَة العاديّين أن يَقتربوا منه لكن فقط قريبًا إلى حدٍّ ما؛ الكاهِن الأعظم هو الوحيد المسموح له بالاقتراب من مَجْدِه ولكن حتى هذا يقتصر على يوم واحد فقط في السنة ، يوم كيبور. أولئك الذين يُحاولون الاقتراب من الله ولكن لا يَعتبِرهم الله كَهَنَة، كما حَدث مع قورح وبَقِيَّة جماعته. لماذا؟ لأنه لم يُؤْذَن لهم أن يكونوا في حَضرته.

إحدى الأمور العديدة التي يُحقِّقها الخلاص هو مَنْحُنا إذنًا بالوصول إلى الله. الله، عن طريق إيماننا بيسوع، يسوع مسيحنا، يَأْذُن لنا بالدُّخول إلى مكان لا يُسمح للآخرين الدُّخول إليه تَحْتَ أي ظرف من الظروف: بالقُرب منه. لاحِظ الديناميكية والتَسَلْسُل الهَرَمي الذي أُقيم في بني إسرائيل: موسى هو الوسيط الوحيد. ما مِن وصول إلى الله دون المُرور عبر موسى، الوسيط. أولئك الَّذين حاوَلوا أن يَحِلّوا محلّ الوسيط أو صَمَّموا على الالْتِفاف حول وسيط الله المُعَيَّن لم يُرفَضوا فقط؛ بل تم تَدْميرُهم دون أي أمل في العودة.

وُصولُنا الوحيد المُمْكِن إلى الله هو عن طريق يسوع وسيطنا. يَجِب أن نأتي إلى يسوع قبل أن نتمكّن من الاقتراب إلى الله (لا، أنا لا أنسى أن يسوع هو الله، ولكن هذه مسألة أخرى غامِضة). موسى هو الذي مَسَح الكَهَنَة الأصليّين باسم الله. والمسيح هو الذي يَجِب أن يَمْسَحْنا بالروح القُدُس، الذي هو بمثابة تفويض رسمي لنا للتَّقَرُّب إلى الله. ولكن حتى في هذه الحالة، هناك حدود لِمدى القُرب المَسموح لنا به في وضْعِنا الحالي. فبالرغم من أنه قد مَنَحَنا أرواحًا جديدة وطاهرة، إلا أن هذه الأَجْساد لا تَزال مَصنوعة من مادةٍ فاسِدة.لا تزال عُقولُنا تَحمل ميولاً شرّيرة. لذلك يُقال لنا عن الوقت الذي سَنَحْصل فيه على أجساد جديدة مَصْنوعة من مادة غير فاسِدة وأذهان جديدة لن تتذكَّر الأيام السّابقة؛ عندئذٍ سنكون قادِرين على الاقتراب أكثر من الآب.

الآن لا أستطيع أن أقول لكم ما إذا كان كَتَبَة العهد الجديد قد رأوا بِبَساطةٍ علاقةٍ مباشَرة بين قُدْرَة الكَهَنَة اللاويّين على الاقتراب إلى الله، ثم مع مَجيء يسوع القُدْرَة الجَديدة لِعامّةِ الناس (العِبرانيين أو الوَثنيين) على الاقتراب إلى الله بواسطةِ المسيح، وبالتالي من هذا الفهْم اسْتَخْلَصوا تَشبيهًا بأننا نحن تلاميذ يسوع ”مثل الكَهَنَة“ في هذا الصَّدَد. أو قد يكون الله يَنظُر إلينا فِعليًا وحَرْفيًا على أننا كَهْنُوتُه ”الجديد“ والمُتَحَوِّل. كل هذا مفتوح للمناقشة.

ولكن ما يُمْكِنني أن أُخبِركم به هو أن النَّمَط الخاص بالطريقة التي يُسمح للمرء أن يَقترب بها من الرب قد تم وَضعه منذ زمن طويل، وتفاصيل هذا النَّمَط مشروحة هنا في التوراة.

لِنَنْتَقِل إلى سِفْر العَدَد سبعة عشر.

اقرأ سِفْر العَدَد سبعة عشر على واحد الى خمسة عشر

تحت كَوْمة من البقايا البَشَرية المُتَفَحِّمة كان هناك أكثر من مئئتَي إناءً نحاسيًا من النار تعود لأولئك المُتَمَرِّدين الذين افْتَرَضوا أن يَتجاهلوا شرط الله بأن الكَهَنَة وَحدهم هم المسموح لهم بتقديم البَخور له. ولكن لدينا مُشكلة؛ فكما أن إزالتها من أرض الحَرَم يُمْكِن أن تُدَنِّس الأشياء المُقَدَّسة، فإن الأشياء العاديّة التي لم تَكُن مُخَصَّصة لأغراضٍ مُقَدَّسة يُمْكِن أن تَتعارض مع القداسة بتقديمها ليَهوَهْ. إن الأمْر يُشبِه إلى حدٍّ كبير مبادئ الطّاهِر والنَّجِس حيث يُمْكِن أن تَنْتَقِل النَّجاسة من شيءٍ أو شخصٍ إلى آخر مثل الفيروس المُعدي.

لذلك يأمُر الرب موسى أن يأمُر أليعازر الكاهن أن يقوم بالمُهِمَّة غير السّارة إلى حدٍّ ما في غَرْبَلَة كل تلك الأجساد المُتَفَحِّمة وإزالة تلك القُدور النارية الذائبة التي أصبحت مُقَدَّسةً عن طريق تقديمها لله في حَضرته. لاحِظوا في الآية الثانية أنه كان يَجِب إزالة الفحم المُستَخدَم في أواني النار الخاصة بأولئك المُتَمَرِّدين من المنطقة (المنطقة هي فناء خَيْمَة الإجتماع)؛ وذلك لأن الفحم لم يَكُن مأخوذًا من مَذبح ذبائح المَحرَقة العظيم (الذي كان شرطًا للتَقْدِمات التي كانت تُقدَّم للرب والتي كانت تتضمَّن النار). لقد كان هذا الفحم من الفحم العادي الذي أحْضَرَهُ كل واحد من المُتَمَرِّدين من نيران مُخيّماتهم الخاصة. لذلك كان يَجِب أخذ هذا الفحم من المنطقة المُقَدَّسة والتخلص منه.

ولكن كان لا بدّ من التّعامل مع أحواض النار التي اكتَسَبَت قَدْرًا من القداسة التي لم يَكُن مُصرَّحًا لهم بامتِلاكها، بطريقة أخرى. كان الحلّ هو دَقُّها في غطاء لِسَلَّة النار في المذبح. وقد خَدَم ذلك غَرَضَيْن: واحد) كان يَخدُم الغرض العَمَلي المُتَمَثِّل في إبقاء جَمْر المذبح ساخنًا طوال الليل؛ وإثنان) كان بمثابة تذكير للشعب بما يَحدث عندما يَتعدَّى شخص غير مُصَرَّح له على المنطقة المُقَدَّسة. وهكذا نرى نَمَطًا آخر يَظهر: غالبًا ما يَضع الله الفرائض والأنظِمة كتَذكير لشعبه لكي يطيعوه. لماذا كان على الناس أن يَرتدوا "التززيت " (قمصان الصلاة)؟ لقد كانت النتيجة المُباشرة لحادِثة الرَّجُل الذي جمع أعوادًا لإشعال النار يوم السبت، ودَفَعَ الثَمَن النهائي: خِسارة حياته الجسديّة والرّوحيّة على حدٍّ سِواء. لقد أَخْفَقَ ذلك الرَّجُل في مُراعاة إحدى الأوقات التي حدَّدَها الله، وأمَرَ الرب بالتززيت كوسيلةٍ مُساعِدَةٍ بَصَريَّةٍ لِمُساعَدَة الآخرين على تَجَنُّب نفس المصير.

إذ كان على كل بني إسرائيل أن يأتوا بانْتِظام إلى خَيْمَة الإجتماع مع ذبائحهم، كانوا يَرون غَطاء المَذْبَح المَصْنوع من أواني النار لأولئك المُتَمَرِّدين الذين احْتَرقوا بِسَبَب اسْتِخفافهم بِكَهْنوت الله وتُذَكِّرُهم بما حَدَثَ. كان من شأنِه تَذكير الناس بما يحدُث عندما يَتجرّأ مُجَرَّدُ بَشَرٍ على إعلان من أو ما هو مُقَدَّس خارِج ما يُعلِنه الله.

ولكن ألا تَعْرِفون ذلك: حتى مع الرائحة النَتِنَة لتلك الأجساد المُحْتَرِقة العالِقة في الهواء، فإن الكثير من مُجتمَع بني إسرائيل لم يَفهموا الأمْر بعد، ولذلك أقاموا مَسيرةَ احِتِجاج ضدّ موسى وهارون. كان يُمْكِن أن يكون ذلك مُضحِكًا للغاية لو لم يَكُن مُتهوّرًا وخطِرًا وقليل الاحترام إلى هذا الحدّ. يقولون لموسى وهارون، ”لقد جَلبتُم المَوْت على شعب الله“. مُدْهِش. ولكن كما حاولْتُ أن أُبَرْهِن في مناسبات عديدة أنه يَجِب أن نُدرِك أن هذا الشعب الإسرائيلي كان في ذلك الوقت مِصْريًا في تَفْكيره أكثر من كَونه عبرانيًا. كلّ الشَّرْق الأوْسَط يؤمِن بالسَّحَرة والكَهَنَة الذين لم تَكُن وظيفتهم خِدْمَة آلِهتهم بقَدر ما كانت وظيفتهم مَعرِفة كيفية التَّلاعُب بتلك الآلهة لأغراضهم الخاصة. وكان الأمْر نفسه في مصر حيث كان يُعتَقَد أن الكاهن أو الساحر البارع يستطيع أن يَجعل إلهًا أو آخر يُنفِّذ أوامره. وشكَّل هذا الفِكْر الكثير من أساس تفكير العِبرانيين عن الله في تلك الحَقَبةِ أيضًا. لذلك على الرغم من أن الناس كانوا يَعلَمون جَيِّدًا أن موسى وهارون لم يُشعِلا النار شخصيًّا في أولئك المِئَتَيْن وخمسين رَجُلًا من القادة عند بوّابة خَيْمَة الإجتماع، ولم يتسبَّبا بأنفسهما في إحداث انشقاق عظيم في الأرض ليشقّها ويَبْتَلِع كل هؤلاء الرجال وعائلاتهم، إلا أنهم كانوا يَعتقدون أن موسى وهارون قد تلاعبا بالله ليَفعل ذلك من أجْلِهم. كما تَعْلَمون، مثل اسْتِئجارِ قاتِلٍ مأجور سَماوي. وللأسف، كان لا بدّ من دَرْس آخر.

مَرَّة أخرى تَمَرَّد الشعب، ومَرَّة أخرى يَظهر حُضور الله ويُعلِن عَزْمه على إبادة هذه المجموعة الكبيرة من المُحْتَجِّين. هل كانت خِطّة الله لإبادة كل بني إسرائيل؟ لا؛ فقط المجموعة الكبيرة من أولئك الذين شَعَروا أنه كان ظُلمًا مِن يَهوَهْ أن يُهلِك المِئَتَيْن وخمسين في خَيْمَة الإجتماع، وكذلك المئات، أو ربما الآلاف، الذين سَقطوا في شقٍّ عظيم في الأرض. ومَرَّة أخرى سَقط موسى وهارون على وجْهَيْهِما (وهذا يدلّ على الصلاة) وتَضرَّعا إلى الله ألا يُهلك ما يُحتَمل أن يكون عشرات الآلاف من الناس. ومَرَّة أخرى يقول الله لموسى وهارون أن يَنفصِلا عن هؤلاء الناس لأنه سيكون هناك قَصاص إلهي.

لماذا يَسْتَمِرّ الله في إخبار موسى وهارون أن ”يَنْفَصِلا“ عن جماعة أولئك الذين يُخَطِّط لمُعاقبتهم؟ هل سيَمحو الله الصّالحين مع الأشرار؟ الجواب: بالتأكيد! هل يَصْدِمُك ذلك أو يُزْعِجُك قليلاً؟ هل تُصدِّق ذلك؟ حسنًا، آمُل بالتأكيد أنك تُصَدِّق. لدينا مثال تِلْوَ الآخر على ذلك في الكَلِمَة. الطريقة التي يعمل بها الأمْر هي: الأبْرار سيتأثَّرون بنفس فَيْض الغَضَب أو الكارثة الطبيعية التي تُصيب الأشرار، إذا لم يَفصِلوا أَنْفُسهم عن الأشرار.

في سِفر التَّكوين، بقَدر ما كان لوطْ فاسدًا في تفكيره كان لا يزال يُعتبَر بارًّا بما فيه الكفاية حتى لا يُحسَب من بين الأشرار في سدوم. مع ذلك، كان على لوط أن يُجَرّ حرفيًا من المدينة بواسطة ملاكَيْن لأنه لو لم يفعل ذلك لكان قد دُمّر عندما دُمِّرت المدينة بنار من السماء. لم تًنْفصِل زوجة لُوط عن المدينة بما فيه الكفاية (مع أنها أُعْطِيَت تلك الفرصة)، ولذلك عندما توقَّفَت لتنظر إلى الوراء وتَحنُّ إلى ما تَرَكَتْهُ وراءَها تَحوَّلَت إلى عَمود مِلح.

عندما قرّر الرب أن يُدَمِّر الأرض في طَوَفان عظيم، أَمَرَ نوح أولاً أن يَبني سَفينة لإنقاذ عائلته. كان الطوفان عشوائيًا تمامًا؛ فقد قَتَل الجميع.

لم يَنجُ إلا أولئك الذين اخْتاروا طاعة الله وفَصَلوا أنفسهم عن الأشرار.

بالعودة إلى مصر، طاف الله في جميع أنحاء مِصر وقَتَل كل بِكر من كل إنسان وكل حيوان. لم يَهمّ ما إذا كان البِكْر عِبرانيًا أو مِصريًا أو سوريًا أو عَرَبيًا أو أيًا كان. لم يَكُن يَهمّ ما إذا كان هذا بِكرًا صالِحًا أو شِرّيراً. إن كنتَ بِكراً ستَمَوت. لقد وَفَّر الله وسيلة لأولئك الذين وَثِقوا به بما فيه الكفاية لفَصْل أنفسهم عن الكارثة الوطنية. كان عليَهم أن يَرْسموا دم الحَمَل على أعْمِدة أبواب بيوتهم. وإذا ما فَعَلوا ذلك كان الدَّم بمثابة حاجِز (خطٍّ فاصل) بينهم وبين الآخرين وهكذا تمّ تجاوُزهم.

نحن كمؤمِنين عندما نَبقى مُتَعلِّقين بالطُّرُق الشِّرّيرة والأشرار في هذا العالم، فإننا نُعَرِّض أًنْفُسنا لخَطَر كبير بأن نكون أضرارًا جانِبيّة عندما يُدينُ الله العالم. اسْمَحوا لي أن أكون واضِحًا: أعني بكَلِمَة ”مُتَعلِّقين“ ”مُتماثِلين“. أي أننا نَتماهى مع طُرُقهم وتفْكيرهم؛ نَتَّفِق معها. هل يُمْكِنك أن تكون مؤمِنًا ومع ذلك تتَّفِق مع الكثير من طُرُق العالم؟ بالتأكيد يُمْكِنك ذلك ونحن نرى ذلك كل يوم. لكن ما يَشرحه الرب هنا ليس أننا من المُفترَض أن نَنطلِق ونُنْشئ مُجْتمعات مسيحية حَصريّة بِمَعزَل عن كل المُجْتَمَعات الأخرى؛ بل أن علينا في كل مَرَّة أن نٌظهِر بأفعالِنا ما إذا كنا نَقِف مع العالم أو نقِف مع الكَلِمَة، علينا أن نكون على اسْتِعداد لفَصْل أًنْفُسنا أو المُخاطرة بالعواقِب الإلهيّة. وفي حال لم تَكُن قد لاحَظْت، فإن هذا الأمر أصبح أصْعَب وأصْعَب. كلَّما كنا مُطيعين أكثر كلما وُصِفنا بالمُتَعَصِّبين والأصوليّين. يتم الاسْتِهزاء بنا ويقال لنا أننا مُتَخَلِّفون وجَهَلة. ولكن في الآوِنة الأخيرة بدأ يُنظر إلينا على أننا خَطِرون…. حتى هنا في أمريكا. نحن لسنا مُتسامِحين بما فيه الكِفاية. إذا تَحَدَّثنا ضد الإجْهاض والمِثْلِيَّة الجِّنْسية، فنحن مَليئون بالكَراهية. إذا لم نوافق على تخلّي بني إسرائيل عن ميراثهم للفلسطينيّين، فنحن صهايِنة مَهْووسون يُهَدِّدون السَّلام العالمي.

هل ستَسْتَجيبون عندما يَدعوكم الله إلى الانْفِصال؟ أم ستظلّون مُتماثِلين مع كل الطُّرُق المألوفة والمُريحة للأغلبيّة؟ أُناشِدكم أن تَتراجَعوا عن أي تحديد يَصِف به الله الأشرار، لأنه في أي لحظة يُمْكِن أن تقع الدَّيْنونة وقد تكونون من المُتَفَرِّجين الأبْرياء.

في الأسبوع القادِم، سنُشاهِد الدَّيْنونة تقع على جماعة أولئك الذين تَماهوا مع قورح وداتان وأفرايم.