سِفْر العدَد
الدرس واحد وثلاثون – الإصحاحان ثمانية وعشرون وتسعة وعشرون
بدأنا في الأسبوع الماضي هذه الوِحدة المُكوَّنة من إصحاحين من سِفْر العدد ثمانية وعشرين وتسعة وعشرين التي عَنونَتُها ”تقويم الذبائح العامَّة“. هذان الإصحاحان هما إصحاحان يمكن أن يَجعلا أعيُنَنَا تَتدلّى ورؤوسنا تتمَايل بينما نُحاوِل أن نبقى مُتيقّظين ومُركِّزين على ما مُحتواها. أظنّ أنّ رَدّ فعلِنا غَير المُبالي يَعني أننا نرى أنّ المَوضوع لا علاقة لنا به، أو أنه مُخَصَّص فقط لزَمَن قديم، أو ربما غير مَفهوم عَمليًا لعقولِنا الغربيّة في القرْن الحادي والعشرين. أؤكِّد على كَلِمة ”غربيّة“ لأنّ القرابين والطُقوس في خِدمة الآلهة ليست شيئًا من العُصور الغابِرة، بل هي حاضِرة ولا تزال تحدُث في معظم أنحاء العالَم بين مُعظم الديانات الأخرى غَير اليهودية والمَسيحية.
يَجعَل الكتاب المُقدَّس التَضحية جوهَر العبادة الصَحيحة ونُقطة ارتكازِها والكنيسة (بِحَقّ) تَجعل ذبيحة يسوع النُقطة المِحورية لعبادة المؤمنين؛ ومع ذلك عندما يَتعلَّق الأمْر بمَوضوع مشاركتِنا نحنُ في الذبيحة والطقوس فإنّ أعيُنَنا غافِلة ولا نعرِف حقًا ما تَعنيه هذه الكَلِمات. أنا لا أقترَح أن نُعيد تقديم الذبائح الحَيوانية (على الرُغم من أنّ الإصحاحات اللاحقة من سِفْر حزقيال توضِح أنّه مع الهَيكل الجديد وعودة المَسيح سيحدُث ذلك)؛ ومَع ذلك، أرى أنّه لا يُمكنُنا حتّى أن نَبدأ في فَهْم عُمْق معنى نظام الذبائح الذي أمَرَ به الله والقائم على التوراة والمُصرَّح به إلّا إذا اعتَرفْنا بأنّه صالِح وجيِّد ويَستحقّ الفَهْم.
قال أحَد المُعلِّقين العِبريين المعاصرين، دبليو جي بلوت، ما يلي حول مَوضوع طقوس الذبائح التَوراتية "ما الذي يَعتبره المُحدّثون بِدائيًا‘ في مِثل هذه الطقوس؟ ممّا لا شَكّ فيه أنّ أصول التَضحِيَة قَبل التوراة تَعود إلى المُعتقدات بأنّ الآلهة ترغَب في تناوُل الطعام لاستهلاكِها، لكنّ التوراة نفسِها لم تَعُد تعطي أي مُبرِّر لاستمرار مِثل هذه المُعتقدات، والمزمور خمسين يَتبرّأ منها صَراحةً. على الأرجَح أنّ الطبيعة العَلَنية لعَملية الذَبْح القديمة مُنفِرَة بالنسبة للأذواق الحالية. إننا نفضِّل إخفاء هذه العَمَليَّة خَلْفَ جُدران المَسالخ حيث تُقتَل الحيوانات بطريقة لا تَقُل دَمَويّة، من دون أن يَشهَد المستهلك على دورة الحياة والموت التي تدخُل في غذائه المُمْتع. وعَلاوةً على ذلك، حتّى عندما نُشارك الآخرين في الطعام، فإننا لا نشعُر عمومًا بأيٍ من المَشاعر الجَديرة بالاهتمام، والّتي عادة ما كانت تُوَلِّدُها الذبائح القديمة. في المَعنى الجذري للكَلِمة، نحن لا ”نُضحّي“ (أي لا نُقدِّس) أي شيء عندما نأكُل. هذا لا يَعني أنّ عصرَنا هذا يجب أن يَكون مُستعِدًّا لإعادة النَظَر في الذبيحة العبادية. عندما يُنظَر إليها في سياقِها الخاص، فإنّ الترتيب التوراتي للتَقدمات الحيوانية كان شَكلاً حقيقيًا من أشكال العبادة التي لا يمكن رفضُها بسرعة بأحكامٍ مُعاصرة مُتحيِّزة“.
منذُ بعض الوقت، أخبرَنا الحاخام باروخ، أخونا العزيز ومُعلِّمنا من إسرائيل، أنه عندما يُعاد بناء الهيكل في أورَشليم (وهو ما سيحدُث)، وعندما تَبدأ الذبائح الحَيوانية مرَّة أخرى (وهو ما سيحدُث)، فإنه على عَكْس الاعتقاد السائد إلى حدٍ ما بين المَسيحيين الأمميين بأنّ يَهوَهْ سيَنظُر إلى هذه الذبائح الطَقسية على أنها صَفعة على الوَجه، رُبَّما ستَكون هذه الذبائح إحياءً لما فَعَلَه يسوع. عَلاوةً على ذلك، ليس على المَسيحيين أن يَعتَبِروا هذه الذبائح المُتجدِّدة بديلاً عن دَم المُخلِّص الكفّاري ولكن اعتبارِها احتفالاً بعيد الفِصح. أن نرتشِف مِلعَقة صغيرة من الخَمر أو عَصير العِنب ونبتلِع لُقمة صغيرة من الفطير ونَعتقِد أنّنا من خلال هذا قد اكتسَبنا فَهْمًا شاملاً لتَضحيتِه التي لا مَثيل لها (وهي ذبيحة تمّ التمهيد لها بالتَفصيل في النِظام اللاوي للتَضحية) هو سوء تَقدير كبير وساذَج من جانبِنا. ودراستُنا الدؤوبة للتوراة، بقيادة حِكمة الروح القُدُس، هي وحدُها التي ستُعالج لنا ذلك.
لقد قُمْت في المرَّة السابقة بإنشاء مُخطَّط لكُم لخَّصْت فيه الأنواع الأربعة العامَّة للذبائح: العُلى، والحتات والعشام والشلاميم. لن نُعيد قراءة الإصحاح ثمانية وعشرين بأكملِه (ولكننا سنُعيد قراءة بعضه)، لذا سأحاوِل أن أضَعَ لكم إطارًا أسهَل قليلاً لجيلِنا الحديث لفَهْم المعنى الأساسي للذبائح وهَيكَل الذبائح اللاوية والأعياد التوراتية بشكلٍ عام.
اقرأ سِفْر العدد الإصحاح ثمانية وعشرين: من الآية تسعة – النهاية
يبدأ الإصحاح ثمانية وعشرون، الآية واحد، بالإشارة بأقوى لُغة مُمكنة إلى أنّ الطقوس والذبائح والأعياد التي أمَرَ بها الرَب لا يجِب أن تُتَّبع فحسْب، بل يجِب أن تتمّ بدقَّة وبالكامِل بالطريقة والوَقت والوَتيرة التي حَدَّدها. هناك القليل من الخَيارات، وعندما تَكون هناك خيارات فَغالبًا ما يَكون الأمْر مُتعلِّقًا بإعطاء مُخصَّصات للفُقراء الّذين قد لا يستطيعون شِراء أحد الحيوانات الأغلى ثَمَنًا كذبيحة. من المُتعارَف عليه في الكنيسة الحديثة والمُسترخية أن تَسمَح للفقراء أو المُثقلين بالديون ألا يقدِّموا شيئًا كتَقدِمةِ عُشور للرَب؛ ولكن في نَمَط نظام الذبائح يَفرِض الرَب أن يُقدِّم الجميع ذبائح، حتّى وإن كانت (في بعض الأحيان) صغيرة.
وهكذا نَجِد بنو إسرائيل واقفِيِن على عتَبَة قرون من الوَعد، يُخيِّمون شرْق نهر الأردن ويَتوقون بفارِغ الصَبر لدخول أرْض الميعاد، أمّا واجِبُهم الأول والأهمّ هو إقامة هذا التَقويم للعِبادة العامَّة لإله إسرائيل من أجْل إقامة خطوط اتِّصال وشَرِكة بينَهُم وبين يَهوَه.
في هذَين الإصحاحَين نتلقَّى قائمَة طويلة بالمُناسبات الّتي يَجب أن تُقدَّم فيها الذبائح، ومَعها نوع الذبائح وعددُها. يجب تَقديم الذبائح يومِيًا وفي يوم السبت (السبث)، وبالإضافة إلى ذلك هناك ثلاثين يومًا في كلِّ سَنة مُخصصَّة لذبائح طَقسيّة خاصّة.
بالنَظَر إلى هذا الرَسم البياني الذي أعْدَدْتُهُ لكُم، يمكنكُم أن تروا عددًا من السِمات المُميَّزة المُتعلقِّة بمناسبات التَضحية هذه. لقد قام يعقوب ميلجروم بِعَمل رائع بتَلخيص هذه الفروق لذا سأقتبِس منه بدلاً من مُحاولة تَحسينها:
واحد- القرابين تَراكُمِيَة؛ أي أنّ القرابين الخاصّة بالسَبت والأعياد هي إضافة إلى القرابين اليوميَّة؛ وقرابين رأس السنة الجديدة. وبالتالي إذا صادَف رأس السنة الجديدة يوم سَبت، تُقدَّم كل القرابين التالية: أ) القرابين اليَوميّة بالإضافة إلى، ب) قرابين السَبت بالإضافة إلى، ج) قرابين القَمَر الجديد، د) بالإضافة إلى قَرابين رأس السَنَة.
اثنان- المَبدأ التَنظيمي للتقويم هو حَسَب الترتيب التنازُلي للتواتُر: اليَومي، ثم السبت، ثم رأس السَنة القَمَرية. ثم تَتبعُها ذبائح الأعياد بالتَرتيب التقويمي، بدءًا من عيد الفِصح.
ثلاثة- جميع القرابين المَذكورة هي من الحيوانات الذكور: الثيران والكِباش والحِملان كقرابين مِحرَقة (قرابين عُلى) والماعِز كقرابين تَطهير (قرابين حتات).
أربعة- إنّ ترتيب القرابين وَصْفي ولَيْسَ وتَوجيهي. في المُمارسة الفِعلية، يتمّ ذَبْح ذبيحة التَطهير قَبل المِحرقة الإضافية.
خمسة- إنّ العدد سَبعة ومُضاعفاتِه (أربع عشر مَضروباً في سبعة) بارز جداً في عدَد الحيوانات المُقدَّمة.
ستّة- بالإضافة إلى تَكرار الرَقم سبعة في ما وَرَد في العددَين ثمانية وعشرين وتسعة وعشرين، هناك تَكرارات أخرى للرَقم سبعة: الأعياد التوراتية السبعة، وأعياد الفطير السَبعة وعيد سكوت، والأعياد التي تَحْدُث في الشهر السابع، وأيام الأعياد السبعة (بالإضافة إلى السبت) التي يُحظَّر فيها العَمَل. بل أكثَر من ذلك لدينا الثيران المَطلوبة لعيد سكوت، وعدد الثيران المَطلوبة لعيد سكوت سَبعين (سبعة ضَرْب عشرة)، وعدَد الحملان في عيد سكوت سبعة ضَرْب سبعة ضَرْب اثنان، وعدد الكباش أربع عشرة (سبعة ضَرْب اثنان)، وعدد الماعز المَطلوب هو سبعة.
لطالما سُمّيَت التقدِمة اليوميَّة بالعِبرية "تميد" وكان الكهنوت يُقدِّم الحيوانات ويَذبحُها الكهنة ويُقدِّمونها مِحرقة. وكانت التَقْدِمَة اليومية تُقدَّم على المذبح البرونزي العَظيم في خيمة الاجتماع وبعد ذلك في الهَيْكل كلَّ صباح وكل مساء دون انقطاع، وكانت تتألَّف من خروف بالإضافة إلى ذبيحة حبوب تُسمَّى المينشا وتَقْدِمَة إراقة خَمْر. كان بنو إسرائيل يَعتبرون التميد أمْرًا حاسمًا لوجودِهم؛ وأنّ مراعاتَها تُبقي أسوار أورشليم قائمة ومَحميَّة من الرَب.
اسمحوا لي أن أذكِّرَكم بشيء يمكن أن يَكون مُربِكًا: المُصطلح الأكثر شيوعًا للذبيحة هو ”مِحرقة“؛ ولكنَّنا نَحتاج حقًا إلى مُراجعة ذلك. تكمُن المشكلة في أنّ الكثير من الدراسات غَير المُتقنَة إلى حَدٍ ما قد تَرجَمت ذبيحة عُلى المُحدَّدة جدًا على أنها ”مِحْرَقَة“، ولكن الحقيقة هي أنّه كانت هناك عدة أنواع من الذبائح، لكلِّ منها غرَضُه الإلهي الخاص واسمُه الخاص، على الرّغم من أنّ كلّ الذبائح تُحرَق على المذبح. وبالتالي فمِن التبسيط المُفرَط أن نُطلِق على كل الذبائح اسم المِحرقة. تتألَّف الذبيحة اليَومية، التميد، من العُلَى الذبيحة التي يُساء تَسمِيَتُها عادةً بالمِحرقة) والمينْشا) ذبيحة الحبوب.
الآن لا يمكِن نفي أنّ جميع ثقافات عَصر الكتاب المُقدَّس تقريبًا كانت تُقدِّم الذبائح للآلهة، وكجزء من هذا النِظام كانت تُقدِّم الطعام للآلهة. في عقول وأغراض هذه الثقافات الدينية الغامِضة كان الهَدَف الأساسي من الطَعام هو إطعام تلك الآلهة. وهكذا كانوا يُقدِّمون عادةً ثلاث ذبائح يَومية (بشكلٍ أساسي الفطور والغداء والعشاء). لم تكُن هذه هي النظْرة العبرانية. في الواقع كانت وجهة نَظَر مُعاكِسة تقريبًا لأنّ هَدَف بني إسرائيل كان تَقديم الحيوانات والحبوب (الطعام) ليس كقوت لإلههم يَهوَه، بل كاعتِراف بأنّه هو الذي يُقدِّم لهُم هذا الطعام.
الآن في الآية سبعة نَحصُل على تعليمات مُثيرة للاهتمام فيما يتعلَّق بنوع الإراقة التي تُقدَّم ليَهوَه. في كثير من الأحيان، ربما بسبب الفَهمْ الحديث لمَدى خطورة الإدمان على الكحول على مُتعاطيها وعلى العائلة، تُنكِر الكنيسة أنّ الخَمْر (الذي يَحتوي على الكحول) قد شرَّعهُ الرَب لهذه الطقوس المُقدَّسة. لذلك يُقال عادةً أنّ النبيذ التوراتي هو مجرَّد عصير عِنب. هذا ببساطة غير صَحيح. يايين هي الكَلِمة العبرية القياسية للخَمر؛ أي النَبيذ. كان اليايين نبيذًا قليلَ الكحول نسبيًّا، وكان يُستخدَم ليس فقط في بعض الطقوس بل أيضًا للشُرب اليَومي خاصةً مع الوَجَبات. ومع ذلك كان هناك شَراب أقوى منه يُسمَّى شيخار، وكان يُستخدَم عادةً من أجل الانتشاء أو السُكْر الشديد، ولكن كان هناك في الواقِع بعض الاستخدامات الطقْسية التي أذَنَ بها الله استخدام الشيخار. في الواقع، غالبًا ما تُترجَم الكَلِمة العبرية شيخار (بشكل صحيحٍ) في أناجيلنا على أنها ”شراب قَوي“. كان من المُمكِن أن تُشير إلى أيٍ من المَشروبات الكحولية التي كان مستوى الكحول فيها أعلى بكثير من اليايين (نَبيذ المائدة). في بعَض الأحيان كان الشيخار عِبارة عن بيرة قويَّة أو جِعَة مَصنوعة من الحبوب. يُشير المُصطلح التوراتي ”النبيذ القديم“ إلى العِنَب المُخمَّر؛ النبيذ الذي تُرِك ليَتَخَمَّر أكثر من المُعتاد (لذلك كان أقدَم من النبيذ العادي) وبالتالي كان يَحْتوي على نسبة كحول أكثر. النبيذ القديم هو الشيخار.
وكما ذَكرتُ للتو، فإنّ تقديم الإراقة الذي كان من المُقرَّر أن يُصاحِب التميد مرَّتَين يوميًا مُحدَّد هنا بأنه شيخار، ليس فقط نبيذًا بل نبيذًا قويًا. أنا أعرِف أنه كان نبيذًا وليس جِعة لأنه لا يوجد في أي مَكان في الناموس إشارة إلى استخدام شيء غَير العنب كمَصدر لهذا النوع من التقدِمَة، وذلك بسبب الرَمزية المطلوبة للفَرَح.
هناك حقيقة أخرى مُثيرة للاهتمام عن شُرب الخَمر وهي أنه كثيرًا ما يُقال إنّ الكهنة لم يَكونوا يَشربون اليايين (نبيذ المائدة) مُباشرةً قَبل أن يبدأوا وقت خِدمَتِهِم الرَسمية في الهيكل. في الواقِع لم يكونوا مَمنوعين من شُرْب نبيذ المائدة، بل كانوا مَمنوعين من شُرب الشيخار، وهو شراب مُسكِّر أقوى، خلال تلك الفترات الزمنية. لا يَجوز للعلمانيين العبرانيين الذين نَذَروا نِذر الناذِريّن أن يَشربوا اليايين أو الشيخار. لذا فإن الأَمْر بالنسبة للناذري هو أنه مَمنوع تمامًا من شُرْب المشروبات الكحولية أكثر من كونِه مَمنوعًا من شُرب الخَمر بالتحديد.
في الآية تِسعة تمّ تَحديد ذبيحة يوم السبت: كِبشان مع ذبيحة الحبوب. هذا بالإضافة إلى التَمِيد اليومي، وبالإضافة إلى أي مُناسَبة أخرى قد تكون صادَفت هذا السبت بالذات.
في الآية الحادية عشرة تَبدأ مُناسبة القَمَر الجديد، الذي كان يُمثِّل بالنسبة لبني إسرائيل نِهاية شهر وبداية الشهر التالي. لقد كان عيدًا شهريًا مُهمًّا تَحتفِل به جميع عائلات بَني إسرائيل، ويُمكِن ملاحظة أهميّتِه من خلال العدَد الكبير من الذبائح التي كانت تُقدَّم: سبعة كباش: وهو ما يُساوي عدد أهمّ الأعياد التوراتية. تَقدِمة الإراقة هي الخَمر، النبيذ العادي: يايين.
إنّه الوَقت المُناسب للإشارة إلى شيء أعتقِد أنّ له أهميَّة كبيرة. فكما حاضَرْنا أنا والحاخام باروخ، فإنّه مع قدوم الهيكل الجديد إلى أورَشليم، سيَتمّ تَجديد العبادة القُربانية. إنّ النظام القُرباني المُتجدِّد يُستدعى بشكل أساسي في سِفْر حزقيال ويَعترِف به العبرانيون والمسيحيون عمومًا كإطار زَمَني لنِهاية الزمان والمَلكوت الألفي. لذلك فإنّ السؤال الذي يُطرَح عادةً هو التالي: هل الذبائح المُتجدِّدة التي ليست بعيدة جدًا في المُستقبل أمرٌ جيد أم أمْر سيء، بالنَظَر إلى حقيقة أنّ نِظام حزقيال يبدأ قَبل عودة المسيح مُباشرةً، ويبدو أنه يَستمِرّ في مملكتِه الجديدة، تلك التي يُسمّيها المَسيحيون المَلكوت الألفي؟ لقد قُمنا بالفِعل بتَغطية ذلك إلى حد ما، وأنا أتَّفِق بشكلٍ عام مع الحاخام باروخ على إمكانية اعتبار الله لهذا النِظام القُرباني على أنّه جيد ومَطلوب. سنَجِد مُشكلة واحدة في نظام الذبائح المُستقبلي في حزقيال وهي أنها مُعدَّلة إلى حدٍ ما مُقارنةً مع النظام الذي نَجِده في التوراة كما قد يتوقَّع المرء لأنّ النِظام الذي نتلقَّى التَعليمات بشأنه في التوراة هو قَبل المَسيح، بينما النظام الذي نتلقَّى التعليمات بشأنِه في حزقيال ليس فقط بَعد موت يسوع وقيامتِه بل يَحْدُث عند عودتِه. لذلك تَختلِف الظروف اختلافًا كبيرًا خاصّةً في الجانب الروحي للأشياء.
هذا التَحوُّل في تَفاصيل بعض عَناصر نظام الذبائح هو أمرٌ رأيناه بالفعل في التوراة. أثناء وجود بني إسرائيل في البَرِّيَة كان من الصَعب الحُصول على أشياء مِثل الخمر والثيران والحبوب (خاصةً بكميَّات كبيرة)؛ ولكن بمُجرَّد دخول إسرائيل أرض كنعان واستقرارِها هناك ستَكون هذه الأشياء مُتاحة بسهولة. لذلك وَضَع الله مُتطلِّبات الذبائح قَبل الغزو في سِفْر الخروج (وإلى حدٍ ما في سِفْر اللاويين) بينما يَميل سِفْر العدد إلى التعامُل في الغالِب مع الوقت الذي يَلي غزو إسرائيل لأرض كنعان.
إنّ إحدى الاخْتلافات اللافتة للنَظَر بين نظام حزقيال المُستقبلي ونظام التوراة في عَهد موسى هو أنّه في حين أنّ الكهنوت هو الذي يقدِّم التَمِيد اليَومي (مِحرقات الصباح والمساء) في نُسخة التوراة من نظام الذبائح، فإنّ المُصلّين هم الذين يُقدِّمون التَمِيد في نُسخة حزقيال. وبينما نرى في الآية الخامسة عشرة من سِفْر العدد ثمانية وعشرين أنه يجِب أن يكون هناك حتات، ذَبيحة تطهير، تَتماشى مع الاحتفال برأس السَنة الجديدة وكذلك مع جَميع ذبائح المُناسَبات الخاصة الأخرى (باستثناء يوم السبت)، نَجِد أنّ الحتات غير موجودة على الإطلاق في إجراءات حزقيال المُستقبلية لتَقديم الذبائح في هذه المُناسبات.
لن نَخوض في كل الاختلافات بين نِظام الذبائح في التوراة مُقارنةً بالنظام في حزقيال لأنّ هذا مَسعَى عميق جدًا قد يَستلزِم أسابيع.
ومع ذلك عندما تَرى هذه الاختلافات يمكنُكَ أن ترى الأهمية في هذه الاخْتلافات. يَقول بعض العُلَماء ببساطة أنّ الاختِلافات ما هي إلا خَطأ وتَضارُب. لكنّي أعتقِد أن الأمْر يَتعلَّق بانخفاض أهميَّة الكهنوت في حزقيال (خلال نهاية الأزمِنة، زَمَن مَملكة الألف سنة) والأهمية الأكبَر والمَركزيّة للكهنوت في التوراة. أعتقِد أنّ للأَمْر عِلاقة أيضًا بحقيقة أنه مُنذ مجيء المسيح لم تَعُد هناك حاجة إلى تَكفير إضافي غير دَمِه (نور). في نظام الذبائح في التوراة، كانت الوظيفة الرئيسية للكَهنة هي تَقديم الذبائح كوسيلة للتَكفير عن إسرائيل. إذًا بينما كان دَور الكهنة في التوراة وحتَّى موت يسوع وقيامتِه هو أداء الطقوس التي لا غِنى عنها للتكفير عن خطايا الشَعب، فإنّ أسلوب الكَهنوت في نِظام حزقيال الكهنوتي ربما كان أقْرَب إلى خِدمة مُستمرَّة لتَخليد ما فَعَله الله، خاصةً فيما يتعلَّق بذبيحة يسوع المَسيح لجَلْب الخلاص.
دعونا نُكْمِل، ولكن دعوني أقول إنّ هذا الجزء الأخير عن الاختِلافات بين حزقيال والتوراة فيما يتعلَّق بالذبيحة هو رأيي ولا أضَعَه أمامكُم كحقيقة لا جِدال فيها.
في الآية السادسة عشرة نرى ذبيحة الفصح والخُبز الفَطير. هذه المَسألة المُتعلِّقة بِعيد الفِصح وعيد الفَطير يُمكِن أن تكون مُربِكة جداً خاصة بالنسبة للأمَمي، لأنه يبدو أنهما مُتلازِمان. إنّ كونَهما أصبحا مُلتصِقَين ولا يمكن فَصلُهما عن بَعضِهما البعض لم يكُن مُقرَّرًا في التوراة في وقت مُبكِر، ولم يُصبحا كذلك إلا بدافع التطبيق العَمَلي والتقليد بَعد بضع سنوات.
بدأ عيد الفصح كحدَثٍ ليومٍ واحد. أما عيد الفَطير، أو "ماتزا" فيبدأ في اليوم التالي لعيد الفصح وهو عيد يَستمِرّ لمدةَّ سَبع أيام. بما أنّ عيد الفصح (بساخ) قد اندمَج في النِهاية (في زَمن سِفْر التثنية) مع عيد الفَطير، فغالبًا ما يتمّ التَحدُّث عنه اليوم على أنه عيد الفِصح الذي يستمرّ لمُدَّة ثَمانية أيام، أو بالتناوُب، عيد الفطير الذي يَستمرّ لمُدَّة ثمانية أيام. لقد أصبَح عيد الفِصح وعيد الفطير مُصطلحَين قابلَين للتَبديل على الرّغم من أنّ ذلك غير دقيق من الناحية الفنِّية والكتابيّة.
في الفَرائض الأصليّة لعِيد الفِصح وعيد الفطير بشكل مُنفصِل، كان عيد الفصح في الرابع عشر من شهر نيسان (أبريل)، وكانت أيام عيد الفطير السَبعة تبدأ في الخامس عشر من نيسان وتَنتهي في الحادي والعشرين من نيسان.
في الأصل كان عيد الفِصح نوعًا من الاحتفال العائلي الخاص؛ كان يَتُمّ ذَبح خروف الفِصح (أو الأفضل، كِبش الفِصح) وذبحِه وأكلِه من قِبَل العائلات في منازلِهِم (لم يكُن من الضروري أن يَقوم الكاهن بأي جزء من الطقوس). في الواقع تذكَّر أنّ إحدى مُتطلِّبات عيد الفصح هو أن يَتمّ شِواء الكبش على النار كطريقة وحيدة مُعتَمَدَة لطَهيِه. لماذا على النار؟ ربما لأنها كانت تُحاكي ذبيحة مِحرقة على المَذبَح؛ ولكن في حين أنّ مُعظم قرابين مَذبح الهيكل كانت تُحرَق بالنار تمامًا، فإنّ ذبيحة كِبش الفِصح الخاصّة في المَنزِل كانت تُطبَخ بالنار لتكون طعامًا لبني إسرائيل. لاحِظوا أنني قلتُ احتفالاً منزلياً خاصاً فيما يَتعلَّق بعيد الفصح؛ ما كنّا ندرُسُه في الإصحاح ثمانية وعشرين وقريباً تِسعة وعشرين، هي ذبائح عامَّة؛ ذبائح كانت تتمّ في الهيكل ويُشرِف عليها الكهنة. ومن ناحيةٍ أخرى، فإنّ عيد الفِصح، كما نَرى هنا في سِفْر العدد، يَشمَل ذبائح رسميَّة عَلَنية تَتمّ في الهيكل ويُقدِّمُها الكهنة. لذا كان هذا يَعني أنه كان على الناس أن يَقوموا برِحلة حَجّ إلى أورشليم (أو في الأزمِنة السابِقة إلى موقِع خيمة الاجتماع) من أجل الامتِثال.
والآن لأن العِيدَيْن اندمجا في عيدٍ واحد، كان الناس يُحضِرون خراف الفِصح معهُم إلى الهيكل ليذبَحَها الكاهن لأنّه كان عليهم أن يَكونوا هُناك في عيد الفِصح على أي حال. لقد أصابوا عُصفورَين بحِجرٍ واحد. لا يَختلف الأمْر أيضًا عن فِكرة أنّ المسيحيين (الأمَميّين) لمئات السِنين كانوا يُفضِّلون عادةً الزواج في الكنيسة. لا يوجَد على الإطلاق أي أمْر من الكِتاب المُقدَّس بأن يَحدُث ذلك هناك ولكن في طريقة تَفكيرنا ذلك يُضيف عُنْصُرا الوقار والروحانية على الزِفاف. كانت الفِكرة نفسُها مع خَروف عيد الفِصح: ليس مَطلوبًا أن يُذبَح تحت إشراف كاهن، ولكن يبدو أنّ ذلك يُضفي بعض القداسة الإضافية على المُناسَبة. ونتيجةً لذلك وُضِعت في نهاية المَطاف أفران عامَّة لشَوي الخِراف في جميع أنحاء أورَشليم لتَمكين أولئك الذين يَجلِبون خِرافَهم إلى هناك من شَوْيِها وأكلِها بعد أن تُقتَل طقسياً في الهَيكل (مرَّة أخرى، ليس شَرْطاً من شروط التوراة بل مُجرَّد لُطْف).
لاحِظ أيضًا التأكيد على أهميَّة عيد الفطير من خلال طَلَب نَفْس القدْر من الذبائح الإضافية في كلِّ يوم من أيام الفطير السَبعة.
في الآية ستّة وعشرين تمّ تَحديد مُتطلِّبات الذبائح لعيد الأسابيع. تُدعى هذه المُناسَبة اليوم "شافوعوت" عند العبرانيين أو عيد العنصَرة (كَلِمة يونانية) عِند المسيحيين. يأتي هذا العيد بَعد سبعة أسابيع زائد يوم واحِد (خمسين يومًا) من عيد ماتزا. بما أنّ جميع هذه الأعياد تَعتمِد على الزِراعة، فقد كان يُحتفَل بعيد شافوعوت في خِتام حَصاد الشعير، الذي كان أيضًا بداية حَصاد القَمح. كان عيدًا صَيفيًا وعِيدًا عامًّا أيضًا، ممّا يَعني أنه كان يَتطلَّب رِحلة إلى الهيكل، وتوجَّب على الكهنة تَقديم ذبائح. من المُثير للاهتمام أنّ هذه حالةٌ أخرى من تِلك الحالات التي حُذِف فيها شَرْط الحَج إلى الهيكل من بروتوكول حزقيال للذبيحة في نِهاية الأزمان والملكوت الألفي رُبَّما بسبب تراجُع دور الكهنة وهدفِهِم في ذلك العَصر وحقيقة أنّ المَسيح حاضِر على الأرض.
وكما هو الحال في أعياد رأس السَنَة الميلادية وفي كلِّ يَوم من أيام عيد ماتزا، كان مَطلوبًا نفس العدَد من الذبائح في عيد الشافوعوت.
لِنَنْتَقِل إلى سِفْر العدد الإصحاح تسعة وعشرين.
اقرأ الأصحاح تسعة وعشرين من سِفْر العدد تسعة وعشرين كلِّه
حسناً. سَنتناول فقط النِقاط البارِزة في هذا الإصحاح لأنّ كلّ التَفاصيل المُتعلِقَّة بأنواع الذبائح المُختلِفة قد سَبَق وتَناولناها بِعُمق في سِفْر اللاويين. سأفترِض أنّكُم تَعرفون مُعظم التفاصيل وإذا لم تكونوا تَعرفونَها، يمكنكُم العودة ودراسة أقراص اللاويين المُدمَجة.
يواصِل هذا الإصحاح تَفصيل التقويم المُقدَّس للذبائح العامَّة، ولكننا سننتقِل إلى الشهر السابع المُقدَّس من السَنة. لدينا في الأساس ثلاثة أعياد مُقدَّسة في الشهر الأول من السَنة، وثلاثة أعياد مقدسة في الشهر السَابع من السنة، وعيد واحد بين الشهر الأول والشهر السابع.
وفي الآية واحد من الإصحاح تِسعة وعشرين يأمُر الرَب أن يكون اليَوم الأول من الشَهر السابع مُناسَبة خاصّة؛ مناسَبَة يُنفَخ فيها البوق. في العِبرية نقول إنَّه يوم التيرواح (يوم النَفْخ في البوق). لذلك أصبَح يُعرَف باسم عيد الأبواق.
لِفَهْم ما تَدُلّ عليه هذه المناسبة الخاصّة نُفكِّر في دلالة الرَقم ”سبعة“. فكِّروا في كيفية عَمَل الأسبوع: من الواضِح أنّ اليَوم الأول من الأسبوع يَبدأ كل أسبوع وليس فيه أيّ شيء خاصّ (لا تُوجَد احتفالات مُخصَّصة لهذا اليَوم)، ولكن اليوم السابع مُميَّز جدًا لأنه يوم السبت، وهو يَوم مُقدَّس بشكلٍ خاص عند الرَب. حسنًا، الشهر السابع هو مِثل شهر السبت. ليس أنّ الشهر السابع هو شَهر راحة كامِل ولكنَّه هو الدورة السابعة للقَمر بحَسَب بداية السَنَة التقويمية الدينية؛ إنَّه الشهر السابع مُنذ بداية الشهور، ولذلك فَهو شَهر مُقدَّس بشكل خاصّ. لذا فإنَّه يَتبَع النَمط الإلهي الثابِت، ولليوم السابع أهميَّة خاصّة.
يُطلَق على اليَوم الأول من الشهر السابع أيضًا اسم روش هاشاناه، أي رأس السَنة؛ إنه رأس السَنة اليَهودية. ولكن نَظَرًا لأنه أيضًا اليوم الأول من الَشهر الجديد (أو القَمَر الجديد)، فإنه يَحمِل أيضًا أهميَّة إضافية.
تُشير مُعظم التقاويم البابلية القديمة إلى أنّ الشهر السابع من السَنة هو بشكلٍ عامّ الشهر الأول من السَنة الزِراعية؛ بل وأكثَر من ذلك فإّن سنة اليوبيل التي تَمتَدّ خمسين سنة التي أمَرَ الله بها تَبدأ في رأس السَنة في روش هاشانا، ولأنه يومٌ مقدَّس بشكل خاص، فإنّ له سِلسلة ذبائح خاصَّة به، تُضاف إلى ذبائح رأس السَنَة العادية.
بَعد عشرة أيّام، في اليوم العاشر من الشهر السَابع، تتحدَّث الآية سبعة عن مُناسَبة مُقدَّسة أخرى؛ عيد توراتي آخر أَمَر به الله. ربما يكون هذا العيد هو أكثر الأعياد الَسبعة رَزانةً وفَرَحًا في الوقتِ نفسِه، يوم كيبور، يوم التَكفير. هذا هو اليوم الوحيد في السنة الذي سَمَح فيه يَهوَهْ لرئيس الكهنَة بالدخول إلى قُدس الأقداس في الحَرَم المُقدَّس.
وكان الغرَض من هذا الدخول هو إحضار الدَم لرشِّه على كُرسي الرَحمة وغطاء تابوت العهد وعلى مَناطق أخرى من الهيكل لتَطهيره وتَنقيتِه من الدَنَس الذي عانى منه مَسْكَن الله من مُخالَطة البشر على مدى سنة كامِلة. يقتصِر الاحتفال على الهيكل نفسِه ويَقوم به رئيس الكهنة فقط. لا يَذهب العبرانيون العاديّون إلى الهيكل في هذا اليوم.
ولعدَّة أيام تَسبِق يوم كيبور كان الناس يَصومون ويُصلّون وَيتأمّلون في خطاياهُم أمام يَهوَه، ولكن في يوم كيبور يتمّ التَكفير عن خطاياهُم، ويُغفَر للشعب، ويُمكنهم المَضي قُدُمًا في السنة الجديدة دون أن تَكون خطاياهُم مُعلَّقة فوق رؤوسِهم.
إنه وَقت إنكار الذات؛ لا طَعام، ولا شراب، ولا كَسْب من العَمَل، ولا حتّى أي نشاط جِنسي. الأيام العشرة التي تربِط بين اليوم الأول من الشهر السابع، روش هاشاناه، رأس السنة اليهودية، واليوم العاشِر من الشهر السابع، يوم التكفير، تُسمَّى أيام الآلام المُقدَّسة. ومع ذلك، مع وجود هذين العِيدَيْن المؤثّرَين والمُهمَّين للغاية في الشهر السابع، هناك عيد آخر يأتي سريعًا: العيد الأعظَم.
هذا هو العيد الذي يَبدأ الحديث عنه ابتداءً من الآية الثانية عشرة: عيد سوكوت، المَعروف أيضًا باسم عيد المَظال أو عيد الأكشاك. هذا هو العيد الثالث والأخير من أعياد الحَجّ حيث يجِب على الذَكَر، في سِنّ الرُشد، أن يَذهب إلى الهيكل للاحتفال والتَضحية. كان هذا العيد القائم على الزِراعة يُمثِّل نهاية السنة الزراعية عندما يَتمّ جَمْعُ آخر ما تَبقّى من حصاد الحَقْل قَبل انتظار الزَرْع ثمّ المَطَر لتبدأ الدورة من جديد.
إنّ كَمّية ونوع الذبائح المَطلوبة لهذا العيد تُخبِرُنا عن مدى أهميّتِه: حيثُ يتمّ تقديم خمسة أضعاف عدَد الثيران وضُعفَي عدَد الحِملان والكباش للتَضحية خلال أيام عيد سكوت الثمانية هذه مُقارَنةً بأيام عيد الماتزا. في الظاهِر، في هذا العيد يقدِّمون الشُكر للرَب على رِزقِهم في السنة السابقة؛ ولكن في باطِن الأمْر يتعلَّق بالجَمْع النهائي ليس للحبوب، بل لجميع الذين أعطوا قلوبَهم ليسَوع ووثقِوا بالله تعالى. لقد أدرَك الحُجّاج الذين جاءوا إلى أمريكا هذا الأمْر وصاغوا عيد الشكر. نعم إنّ عيد الشُكر لدينا هو عيد ديني في جوهَرهِ، ولكنّنا لم نَعُد نعرِف ذلك أبدًا، أليس كذلك؟
على الرُّغم من أنَّنا نَقول إنّ عيد سكوت هو عيد مؤلَّف من ثمانية أيام إلاّ أنّه في الواقِع سبعة أيام فقط؛ فهو سَبعة أيام من عيد المِظال يَتبعُه مباشرةً يوم سبت إضافي وهو أيضًا يوم للتَجمُّع والشِركة في احتفال ديني.
هذا العيد له جَدول زَمني فريد جدًا لطقوس الذبائح: يَبدأ في اليوم الأول بتَقديم ثلاث عشر ثورًا (أغلى الحيوانات) ثمّ على مَدى سبعة أيام يتمّ تَخفيض الذبيحة بِثَوْرٍ واحد كل يوم. لذلك في اليوم الأول من عيد سكوت يتمّ التَضحية بـثلاثة عشرة ثوْرًا، وفي اليَوم الثاني يتمّ التَضحية باثني عشر ثورًا، وفي اليوم السابِع من عيد سكوت يتمّ التَضحية بـسبعة ثيران. تَبقى جميع كميَّات الأضاحي الأخرى والحبوب والنَبيذ ثابتَة طوال الوقت.
لماذا ثلاث عشرة ثوراً؟ عادةً عندما يَكون لدينا ذبائح نِيابةً عن كل إسرائيل يَكون العدَد اثني عشر. يَدُلّ عدَد ثلاثة عشرة برأيي على أسباط إسرائيل الإثني عشر بالإضافة إلى سِبط لاوي، السِبط الكَهنوتي.
تذكَّروا أنّ الرَب قد فَصَل سِبط لاوي عن إسرائيل لخِدمة خاصَّة لَه ولم يكُن مَحسوباً ضُمن إسرائيل. ولكن لدينا هنا إعادة تَوحيد لاوي مع إسرائيل، وهو أمرٌ سيَحدُث على الأرجَح في المَلكوت الألفي.
وبالطَبع، عندما نَجمَع عدَد الثيران التي ذُبِحت على مدى الأيام السبعة كلِّها، فإنّ العدد يَصِل إلى سبعين: سبعة ضرْب عشرة. ها هو الرَقم سبعة مرة أخرى. يقول الحاخامات أنّ الرقم "سبعين" يُمثِّل جميع أُمَم العالم. أليس هذا مُدهِشاً؟ يقول التقليد الحاخاميّ إنّ أعظَم الأعياد، أي آخر الأعياد، له عُنصُر مهمّ يَشمَل العالَم بشكلٍ عام وليس فقط العِبرانيّين.
من وجهة نَظَر نَبَوية، يُمثِّل عيد المَظال ذلك الوقت الذي يَجمَع فيه الرَب المؤمنين في نهاية الأيّام. إنّه ذلك الوقت الذي يَجمَع فيه الرَب كلّ من هُم لَه، ويُهلِك البقيّة، وهو المَدخَل إلى عَهد المسيح الذي يَمتَدّ لألف عام والذي نُسمّيه عادةً المَلكوت الألفي. إنّ فَهْمَنا لذبائح الرَب المُقدَّسة وأعيادَه التوراتية المُقدَّسة، وكل ما حَدَث وسيَحدُث في المُستقبَل القريب، سيَجعلُنا نَفهَم أكثر.
سنبدأ الأسبوع القادِم في دِراسة الإصحاح ثلاثين من سِفْر العدَد.