11th of Kislev, 5785 | י״א בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » العدد » سِفْر العدَد الدرس الخامس والعشرون – الإصْحاح واحد وعشرين
سِفْر العدَد الدرس الخامس والعشرون – الإصْحاح واحد وعشرين

سِفْر العدَد الدرس الخامس والعشرون – الإصْحاح واحد وعشرين

Download Transcript


سِفْر العدَد

الدرس الخامس والعشرون – الإصْحاح واحد وعشرين

في الأسبوع الماضي كنا قد بدأنا للتَّو الإصحاح واحد وعشرين من سِفْر العدَد. ونرى في هذا الإصحاح اسْتِمْراراً مليئاً بالصُّعوبات في رحلة بني إسرائيل نحو أرض الميعاد، أرض كنعان.

كان مَلِك أدوم قد رَفَضَ السَّماح لهم بالمرور عبر أراضيه، وكان هذا الطَّريق هو المُفضَّل الذي كان سيَأخذ الشَّعب إلى شمال البحر المَيِّت مُباشرةً، حيث سيَعبرون نهر الأردن من الشَّرق لدُخول كنعان. بعد ذلك، هاجَم مَلِك عَراد بني إسرائيل، إلا أن بني إسرائيل هَزموه في نهاية المطاف، وأسَروا بعض مُدُنه ونَهَبوها وأعْطوا الغَنيمة للرَّبّ وفاءً لنذر. ولو نَظرْنا إلى الخريطة، لرُبَّما كان من المَنْطِقي أن يتَّجِه بنو إسرائيل إلى الشمال مُباشرة، عَبْرَ أراضي هذا المَلِك المَهْزوم، إلا أن ذلك كان سَيَتَسبَّب في مُواجَهتهم مع الفِلسطينيِّين في نهاية المطاف: وهو أمْر أراد الرَّب أن يَتَجنَّبوه بأي ثَمَن.

لذلك دَعونا نقرأ من الآية الرابعة ونَسْتَمِرّ حتى نهاية الإصحاح واحد وعشرين.

اقرأ سِفْر العّدَد الإصْحاح واحد وعشرين على أربعة حتى النِّهاية

الطَّريق الوحيد المَعْقول الذي كان مَفْتوحًا أمام موسى كان يُسَمَّى طريق بحر القَصَب، أو يام سوف. في المُصْطَلَحات الحديثة، كان هذا الطَّريق طريقًا سَريعًا يَسلكه الناس بِشَكلٍ كبير وهو بمحاذاة الطَّرَف الغرْبي من أدوم ويَنتهي عند أقصى الطَّرَف الشِّمالي لخليج العَقَبة، وهو أحد الإمْتدادات الصيِّقة للبحر الأحْمَر.

كان الطَّريق من بين أصْعَب الطُّرُق في الرِّحْلة البَرِّيّة بِأكْمَلها. كان حارًّا وَوَعِرًا وقاسِيًا. أولئك القادة الذين كانوا في مُقْتَبَل حياتِهم عندما غادَروا مصر أصْبَحوا الآن مُسِنِّين ومُرْهَقين من أربعينَ سنةٍ عاشوها كالبَدو. أولئك الذين كانوا مُسِنِّين عندما كانوا يَعيشون في مصر كانوا قد ماتوا ودُفِنوا. شكَّكَ بنو إسرائيل عَلَنًا في اخْتِيار موسى للذَّهاب حول أدوم، وهي رِحْلة ستُضيف شهرًا على الأقل عَبْرَ بعض أسوأ التَّضاريس التي يُمْكِن تَخَيُّلها. لم يَكُن عامةً بني إسرائيل أغْبِياء ولا جاهِلين؛ لم يَكُن هناك سَبَب عَمَلي وَجيه لِسُلوك هذا الطَّريق الشَّاق حول أدوم لأنهم كانوا يَعْلَمون جَيِّدا أن ميليشيا أدوم البَدَوِيّة لم يَكُن بإمْكانها أبدًا أن تَمْنَع جَيْش بني إسرائيل الضَّخم الذي يبلغ ستّمئة ألف رجلًا من المرور. إن اسْتِعْراض القُوَّة الذي قام به أدوم في وقت سابِق كان مُجَرَّد اسْتِعْراض للقُوَّة ورُبَّما كان خِداعًا. لم يُهاجموا بني إسرائيل ولم يَلْحقوا بهم أي نوع من الضَّرَر الذي تمَّ تَسْجيله.

لكن التَّهديد حَقَّق الأثَر المَرْجو منه. بل أكثر من ذلك، أدْرَكَ موسى القرابة الطبيعيَّة لبني أدوم ولم يَرْغب في إلحاق ضَرَرٍ جَسيم بقريبٍ قريب لهذا الحدّ. بعد أيام قليلة من تَحوُّلهم إلى الجنوب، أُصيب الشَّعب بالاكْتِئاب وخَيْبَة الأمَل والغَضَب، وتَكلَّموا ضدّ يَهوَهْ وموسى. إذا كانوا قد تَعَلَّموا أي شيء حتى الآن فهو أنه من الحماقة أن يتكلَّموا ضدّ موسى وأن يتخيَّلوا أن فِعل ذلك لا يَعني بأي حال من الأحوال أنه يَعني يَهوَهْ. عندما تَمَرَّدوا على وسيط الله، فقد تَمَرَّدوا على الله. لذلك لم يُجاهِروا بالتَّمَرُّد على موسى فَحَسْب، بل على الله الذي خلَّصَهم من اضْطِهاد المِصريّين.

الشَّكْوى هي الحِجَّة المُعتادة: كانت الأمور أفْضَل في مصر. لماذا عَكَّرْتَ صَفوَنا وأتَيْتَ بنا إلى هذا المكان الرَّهيب ثم سَمَحْتَ لنا أن نموت؟ ولكن هذه المّرَّة اتَّخَذوا خُطوة أخرى أكثر جُرْأةً في تَمَرُّدهم: قالوا إنَّهم وَصلوا الى حدّ كِرْه الطعام، المَنّ الذي كان الرَّب يقدِّمه لهم طوال الأربعين سنة الماضية. قالوا إنهم سَئِموا حتى الموت من الخبز الذي جاءَهم من السَّماء.

وردًّا على عَدَم الإمتِنان التّام هذا وعدم الثِّقة أرْسَلَ الرَّب حَيّات سامَّة لِتَلْدَغَهم، فَقَتَلَت الكثير من بني إسرائيل. هنا نرى أنه على الرَّغم من هذا التَّمَرُّد كان هناك بعض النُّضْج في فَهْم شعب إسرائيل؛ فقد أدْرَكوا على الفَور أن الحَيّات كانت بَلاءً إلهيًا عليهم وأن أَمَلهم الوحيد للنَّجاة كان التَّضَرُّع إلى موسى، وَسيطِهم، ليَتَشفَّع لَدى يَهوَهْ من قِبَلهم.

وأخيرًا فَهِموا أن مَوْقِف موسى لم يَكُن له مَثيل ولا يُمْكِن أن يُعاب. لم يَكُن هناك وُسطاء مُتَعَدِّدون، ولم يَكُن هناك حلّ ديمقراطي. بل أكثر من ذلك، أدْرَك الشَّعب المبدأ الحَيَوي الآخر للفِداء وغُفران الخطيئة: ضَرورة التَوْبَة.

آمُل أن تكونوا قد انْتَبَهتم جَيِّدا أثناء انْتِقالنا عبر سِفْر الخُروج، ثم سِفْر اللاويّين، والآن مُعظم الطَّريق عبر سِفْر العدَد، حيث انْكَشَف لكم أن الطُّقوس بدون تَوْبَة كانت غير فعّالة. يقول الله مِرارًا وتِكرارًا أن حالة القَلْب هي المُهِمَّة. لقد أوْضح مِرارًا وتِكرارًا أن الطُّقوس المُخْتَلِفة للتَّكْفير والتَّطْهير كانت مَسألة طاعة وليس سِحرًا؛ لكن الطُّقوس في حدِّ ذاتها لا تُحقِّق شيئًا. فالطُّقوس في حدِّ ذاتها، من دون الاعْتِراف بالخطأ، والثِّقة في القُدّوس الأقْدَس، والرّوح التائبة، ليست في الواقع سوى أعمال ميكانيكيَّة لا قيمة لها من أجل البرّ الذاتي. وأُريد أن أوضِح الأَمْر بِقَدَر الإمكان لكلّ من يَسْتَمِع (لأنه من المؤلم بالنسبة لي كيف تمَّ تَشويه وتَحريف تاريخ العبرانيّين وطُقوسهم والتوراة نفسها): لم يَكُن هناك اعْتِقاد عام بين العبرانيّين بأن الطّاعة الآليّة للناموس تَجلب علاقة سليمة وجَيِّدة مع يَهوَهْ. هذا المَفْهوم الخاطئ عن الإعتماد على الأعمال للحصول على البرّ الذي تُنْسِبه الكنيسة دائمًا إلى الشَّعب اليهودي لم يَكُن بِبَساطة هو القاعِدة في الثقافة الإسرائيلية. بل أكثر من ذلك، لم يَكُن هناك اعْتِقاد (بشكل عام)، أن مُكافأتهم على تطبيق الناموس كانت أكثر من مُجَرَّد إرْضاء الله. بالطَّبع لا يُمْكِنني أن أَنْكُر أن مِثل هذه الأفكار والمُمارسات لم تَكُن مَوجودة بين أقليَّةٍ من العبرانيّين، لكنّها لم تكن طُرُق المُعَلِّمين السّائدين أو أتْباع يَهوَهْ.

دَعوني أقول ذلك بطريقة أخرى: إن هذا الإعْتقاد (الذي يكاد يكون عالميًا داخل الكنيسة) بأن العهد القديم كان طريقة قائمة على الأعمال لِنَيْل الخلاص ولا تتطلَّب إيمانًا، ثم استُبدِلت لاحقًا بِفِداء قائم على الإيمان (يُسَمَّى العهد الجديد) الذي أعلن أن الأعمال سيِّئة أو غير ذات أهمِّيّة هو بِبَساطة غير دقيق وغير مُسنَد الى الكِتاب المُقَدَّس. أولاً، لم يَكُن الخلاص يعني للعبراني القديم ما يَعنيه لأتباع يَسوع. كان الخلاص بالنسبة لهم يعني أن بني إسرائيل سَيُصبحون قوّة عالمية، ومنها ستُصبح شرائع إله بني إسرائيل المِعيار العالمي للبَشَرِيَّة جَمعاء. كان الخلاص مُشابهًا لما حَدث لبني إسرائيل عندما خَرجوا من مصر: كان الخلاص بالنسبة لهم هُروبًا من ظلم ظالِم أرضي من أجل إقامة مَلَكوت الله على الأرض في كنعان. لم يَكُن هناك فِكر، ولا يزال كذلك، أنهم إذا أطاعوا الشَّريعة سيَذهبون للعَيش مع الله في السَّماء. يُطيع العبرانيّون الله لأنهم يُحِبّونه. يُطيعون شرائعه لأن أفضل شيء في الحياة بالنسبة لهم هو إرضاء الرَّب. أي نوع من المُكافأة الأبديّة لِكَونهم مُخلصين ليَهوَهْ هو أمْرٌ ثانوي.

الآن يُمْكِننا جميعًا أن نَنْظُر إلى العبرانيّين، تاريخيًا، ونَنْتَقِدهم بِدَرجة أو بأخرى لتركيزهم بِبُطء وثبات على خَلْق واتْباع تقاليد من صِنْع الإنسان (ما تُسمّيه الكنيسة اليوم عقائد الإيمان) بدلاً من المبادئ والشّرائع كما هي مكتَوبَة في الكُتُب المُقَدَّسة (وَبَّخَ يسوع شعبه على ذلك). ونحن كمؤمنين يُمْكِننا أن نَعرف يقينًا أنه على الرَّغم من مَحبَّتهم لله، إلا أن الكثير من اليهود رَفَضوا وسيطه وابنه، يَسوع، وهذا يُدِينُهم بطريقة تُحْزِن قلبي.

ولكن لأن المسيحيين قد قَبلوا وعَزَّزوا هذه النظرة المُشَوَّهة للطريقة التي يرى بها اليهود التوراة والتقليد واليهودية، فإننا لا نَتَّهِم زورًا شعبًا بِأكْمَله بالحماقة الدّينيّة والناموسيّة فحسب، بل نَتَّهِم زورًا أيضًا العهد القديم نَفسه (وبالتالي نَتَّهِم الله مؤلِّف الكَلِمَة) بتأسيس الجمود القانوني في المقام الأول (حتى ولو لفترة من الزَّمَنْ فقط كما هو التعليم المُؤَمَّن بالتوزيع الزَّمَني). أقول لكم اليوم بلا مُواربة أن هذا هو الباطِل الذي أفْسَدَ قَلْب الكنيسة لقُرون طويلة، وهمَّش الشَّعبَ نَفْسه الذي دوّن كَلِمَة الله المُقَدَّسة وحَماها والذي أنتج مُخَلِّصنا، وخَلَق نوعًا من العَداوة بين الكنيسة والشَّعب اليهودي (حيث يجب أن تكون هناك أُخُوَّة) تمامًا كما كان بين بني إسرائيل وأدوم (يعقوب وعيسو).

نعود إلى قِصَّتنا. لقد رأى موسى اعْتِراف الشَّعب بِخَطيئتهم ضدّ الله وكذلك تَوْبَة قُلوبهم، وهكذا كَوَسيطٍ لهم طَلَب من الله أن يَشفيهم. وهكذا نَصِل إلى واحدة من أصْعَب القِصَصْ وأكثَرُها إثارة للجَّدَل في الكِتاب المُقَدَّس: قِصَّة الحَيَّة النُّحاسيّة المُعَلَّقة على عَمود. ونقرأ أنه عندما نَظر بنو إسرائيل إلى هذه الحَيَّة النُّحاسيّة شُفيت لَدْغات الأفاعي. ما يَجْعل الأمْر أكثر صُعوبة هو أن يسوع نَفْسَه يَذْكُر هذه الحادِثة بل ويَعقُد مُقارنة بينها وبين صَلْبِهِ القادِم.

اسْتَمِعوا إلى الكَلِمات المَنْسوبة إلى يَسوع في يوحَنّا ثلاثة على أربعة عشر: الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد يوحَنّا ثلاثة على أربعة عشر: وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الحَيَّة فِي البَرِّيّة هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسان;

فماذا نأخُذ من حَدَث البَرِّيّة هذا؟ كيف تُقارَن هذه الحَيَّة البْرونْزِيَّة بمَوت المسيح؟ حسنًا، دعونا نرى أولاً ما يَقوله سِفْر العدَد عمّا حدث ولماذا.

قال يَهوَهْ لموسى أن يَصْنَع حيَّةً ناريَّة وأن يُعَلِّقها على عمود، وعندما يَنظُر إليها كل من لَدَغَتْهُ هذه الحَيَّة السّامة التي أَمَرَ بها الله من الحيّات السّامة فإنه يُشفى. لقد قيلَ لنا أن موسى امْتَثَلَ للأمِر، وصَنَع الحَيَّة إما من النُّحاس أو من البْرونز، وبالفعل بالنَّظَر إلى الحَيَّة شُفي أولئك الذين لُدِغوا؛ وهذا كل ما قيل. يجب أن يكون هذا على الفور تَحذيرًا لنا بألّا نقرأ أكثر ممّا هو مَوجود هنا، أو أن لا نتكَهَّن كثيرًا (كما حدث على نطاق واسع خاصة من قبل المَسيحيّين الوَثَنيّين).

دعونا نبدأ بِفَحص العِبارة عن العَمود والحَيَّة في اللّغة الأصلية: تقول العبرية أنه كان على موسى أن يصنع ساراف. وهنا تبدأ الصُعوبة. لأننا إذا انتقلنا إلى إشعياء سِتَّة على إثنين، نرى هذه الآية الرائعة:

الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد حَزْقِيال سِتَّة على إثنين: "وَقَف فوقه سرافيم، لكل واحد سِتَّة أجنحة، باثنين غطّى وجهه، وباثنين غطّى رِجلَيه، وباثنين طار".

ويا للدهشة! فإن كَلِمَة السرافيم السماوية في هذا المقطع هي نفسها الكَلِمَة العبرية ونفس التَّهْجِئة … "ساراف" كما هي الكَلِمَة المُسْتَخْدَمة لِما علَّقه موسى على العمود، والتي تُترجم عادةً بالثعبان الناري. إليك النِقْطَة المُهِمّة: الكَلِمَة العبريّة للثعبان أو الأفعى هي ناشاش. وفي كلِّ من سِفْر العَدَد واحد وعشرين على ثمانية وإشعياء ستة على إثنين، لم تُستخدم كلمة ناشاش بل فقط ساراف.

هل من المُمكن أن ما كان مُعلَّقاً على ذلك العمود لم يَكُن حَيَّة، بل شيء آخر بما أن مُصْطَلح ساراف غير مُحَدَّد بِدِقة؟ حسناً هذا غير مُحتمَل لأننا نَجِد في سِفر الملوك الثاني، ثمانية عشر على أربعة ذِكْراً آخر، في وقتٍ رُبَّما بعد خمسة أو سِتَّة قرون من حادِثة البَرِّيّة، لهذا الشيء بالذات. استمِع إلى الآية: الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد سِفْر الملوك الثاني ثمانية عشر على أربعة "هُوَ أَزَالَ الْمُرْتَفَعَات، وَكَسَّرَ التَّمَاثِيل، وَقَطَّع السَّوَارِي، وَسَحَقَ حَيَّةَ النُّحَاس الَّتِي عَمِلَها مُوسَى لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِلَى تِلْك الأَيَّام يُوقِدُون لَهَا ودَعَوها نَحُشْتَانَ.

والعبرية المُستعملة هنا للحيّة النُّحاسيّة هي نيشوشيث نشاش، نيشوشيث تعني البْرونز، وهنا نَجِد الكَلِمَة العبرية المُعتادة للثُعبان أو الحَيَّة وهي نشاش. إذَن هنا في سِفْر الملوك الثاني رواية مُستقِلَّة أن الشيء المَوضوع على العمود كان بالفعل على شكل حَيّة، أو على الأقل شيء يُشبه الحَيَّة.

ولكن هذه الحادِثة بِرُمَّتها مُزْعِجة للغاية لكل أنواع الأسباب، ليس أقلّها أن الحَيَّة هي الشكل الأساسي في الكِتاب المُقَدَّس لتمثيل الشَّيْطان من الإصحاحات الأولى من سِفْر التكوين حتى سِفْر الرؤيا. إذًا هل ما لدينا هنا هو تمثيل رَمْزي إلهي للشَّيطان مُعَلَّق على عمود (الذي يشفي بطريقة ما من لدْغات الأفاعي) ثم في العهد الجديد يُقارَن بتَجْرِبة المسيح على الصَّليب من قِبَل من ليس أقل من يسوع نفسه؟ ومع ذلك عندما قام حَزَقِيَّا بعد خمسة قرون بتَدمير العمود والحَيَّة تمَّت الإشادة به لفعله هذا؟

دعونا نتعمّق أكثر في هذا الموضوع من خلال فَهم ما هي المشكلة التي دَفعت حَزَقِيَّا إلى إنزال وتَدمير تلك الحَيَّة البرونْزية التي طالما كانت رَمْزا افتراضيًا لخِبرة بني إسرائيل في البَرِّيّة. هل فَعل حَزَقِيَّا أمرًا سيئًا أم أمرًا حسنًا بإزالتها؟ هل أرضى الله أم أنه لم يَكُن الأمِر مُختلفًا عن البَصْق على صليب المسيح؟

حسنًا، إليكَ لماذا فعل حَزَقِيَّا ما فَعَله: الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد سِفْر الملوك إثنان: ثمانية عشر على واحد: "وَفِي السَّنَة الثَّالِثَة لِهُوشَع بْن أَيْلَة مَلِك إِسْرَائِيل مَلَك حَزَقِيَّا بْنُ آحَاز مَلِك يَهُوذا". إثنان: كَانَ ابْن خَمْس وَعِشْرِين سَنَةً حِين مَلَك، وَمَلَك تِسْعًا وَعِشْرِين سَنَة فِي أُورُشَلِيم، وَاسْمُ أُمِّه أَبِي ابْنَة زَكَرِيَّا". ثلاثة: "وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيم فِي عَيْنَي الرَّبِّ حَسَبَ كُلّ ما عَمِل دَاوُد أَبُوهُ".

وَأَيْضًا كَمَا نَقْرَأُ فِي الآيَةِ ثمانية عشرة على أربعة… "لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل كَانُوا إِلَى تِلْكَ الأَيَّام يُوقِدُون لَها وَدَعَوْها "نَحُشْتَان".

كان العمود والحَيَّة قد أصبحا تِمْثالاً يَعْبُده بنو إسرائيل. كانوا يَحرقون البَخور لهما. لقد أصبحا موضوعًا مُهِمًّا للعبادة لدرجة أنهما أُطْلِقَ عليهما إسْم: نحشتان. ولكن كيف كان ما كان يَفعله بنو إسرائيل في أيام حَزَقِيَّا مُختلفًا اختلافًا جَوهريًا عما حَدَث في البَرِّيّة مع موسى بإرشاد من الله؟ بل أكثر من ذلك بما أن المسيح ساوى (بطريقة ما) بين صَلْبِه والحَيَّة النُّحاسيّة المَرفوعة على عمود؛ ألا نَعبد العمود ذاته، الصَّليب الذي رُفع عليه المسيح؟ ما هو الفرق بين العمود الذي أمَر الله أن يُنصَب وعليه الساراف في أيام موسى، وبين نفس العمود الذي استُخدِم كغَرَض للعِبادة في عهد حَزَقِيَّا، وبين العمود الذي استُخدِم لإعدام المسيح والذي يُستخدَم اليوم كغرض للعبادة أساسًا؟

أسئلة صَعبَة. لدى الحاخامات القُدَماء بعض التّفسيرات المُثيرة للإهْتِمام حول كل من الحَيَّة النحاسية والسِيرافيم التي تَحرس عَرْش الله. وأرجو أن تَضعوا في اعْتِباركم أن نفس الكَلِمَة العبرية (ساراف) تُستخدم بالضبط لنفس الكَلِمَة العبرية (ساراف) للحيّة على العمود هنا في سِفْر العدَد وللمخلوقات السماوِيَّة التي يُسمّيها المُتَرجمون السِيرافيم. ما يلي هو بشكل أو بآخر مُلخَّص لأفكار العديد من هؤلاء الحاخامات والحُكَماء، مع بعض من أفكاري الخاصة.

أولاً، دعونا نعيد النظر في إشعياء سِتة على إثنين: الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد أشعياء سِتّة على واحد "في سنة وفاة عزيا الملك، رأيْتُ السَّيِّد جالسًا على كرسي عالٍ ومُرتفع، وأذياله تملأ الهيكل. إثنان: السِرافيم واقفون فوقه، لكل واحد ستة أجنحة، باثنين يغطي وجهه، وباثنين يغطي رجليه، وباثنين يطير. ثلاثة: وهذا نادى ذاك وقال : قُدّوس، قُدّوس، قُدّوس رَبّ الجنود. مَجده مَلَء كل الأرض. أربعة: فاهتزَّت أساسات العتب من صوت الصارِخ، وامتلأ البيت دُخانًا. خمسة: فقلت: وَيْلٌ لي إني هَلكت، لأني إنسان نَجِس الشَّفَتَيْن، وأنا ساكِن بين شعب نَجِس الشَّفَتَيْن، لأن عَيْنَي قد رأتا المَلِك رَبّ الجنود. سِتَّة: فطار إليَّ واحد من السِرافيم وبِيَدِه جَمْرة قد أخَذَها بِمَلْقط من على المذبح. سبعة: ومَسَّ بها فمي وقال: إن هذه قد مَسَّت شفتيك، فانْتَزِع إثمك، وكُفِّرَ عن خطيئتك".

فماذا يُمْكِن أن نقول عن السيرافيم (بالعبرية ساراف) إنهم كائنات روحيَّة سماوِيَّة؛ لهم عدَّة أجْنِحَة؛ يَقِفون فَوْق الرَّب الجالِس على عَرْشِه، وهم مُقَدَّسون وأنْقِياء لدرجة أنه يُسمح لهم بأخذ الجَمْر ذاته من المَذْبَح السَّماوي. جزء من معنى مُصْطلح ”سيرافيم“ هو ”مُلْتَهب“ أو ”ناري“، وهو يأتي من هذا الارْتباط في إشعياء سِتَّة مع الفَحْم النّاري للمَذْبَح السَّماوي. لذلك يُنظر إلى السيرافيم، بحكم التعريف، على أنهم مَخلوقات نارِيَّة. تذكَّروا أن هذه كائنات روحيَّة لذا فإن كل ارْتِباط مع أي شيء مادي هو مجازي.

من هذا نرى أنهم قادِرون على الطَّيَران في الهواء (الأجْنِحة) وكذلك ذِهابًا وإِيَابًا بين السَّماء والأرض، ويُسمَح لهم بالوصول الأقْرَب إلى الله. حتى أنه سُمح لهم بِحَمْل الفَحْم المُطَهَّر من نار المَذْبَح السَّماوي الذي يَمْحو الإثْم ويَغْفُر الخطايا. السيرافيم مُقَدَّسون بشكلٍ مُذْهِل وأقْوِياء ومَمْنوحون سُلْطَة هائلة. وهم مُرْتَبِطون بالنار.

علاوة على ذلك إذا قارَنّا الأوصاف في الكِتاب المُقَدَّس للشيروبيم والسيرافيم نَجِد أنهما مُتطابقان بشكل عام. وقد اقترَحَ بعض الحُكماء أنهما ليسا سوى إسْمَيْن لِشَيْء واحد. في الواقع من المُرَجَّح أنه في حين أن الشيروبيم هو الإسْم الصَّحيح لِنَوعٍ مُعَيَّن من الكائنات السَّماوِيَّة، كان من المُحْتمَل أن يكون المقصود بساراف (أو سيرافيم) وَصْفًا أكثر من كَوْنِه ِصِفة من صِفات الشيروبيم، وهي النَّاريّ. يرى آخرون أنهما كائنان مُتَساوِيان في الرِّتبة؛ وأنَّهما في الأساس نفس النَّوْع من الكائنات ولكنَّهما أُعْطِيا مَهام مُخْتلِفة قليلاً. مَهْما كان الأمْر، فإن الشيروبيم والسيرافيم هما رتْبة خاصّة وأعلى من الكائنات السّماوِيَّة مما يُسَمَّى عادةً بالمَلائكة. إنَّهُم حُرّاس عَرْش الله وقَداسَته الشَّخصيَّة.

والآن علَيْنا هنا أن نُوَسِّع مَوْضوعَنا قليلاً ليَشْمُل الشَّيْطان. لقد قيل لنا أن الشَّيْطان بدأ كَكائن سَماوي رفيع المُسْتوى. وأنه كان من بين أجْمَل وأقوى الكائنات السماوِيَّة.

وكانت مَعْركة عَظيمة في السَّماء، وحارَب ميخائيل وملائكته التِّنّين، وحارب التِّنّين وملائكته، ولم يغلبوا ولم يوجد لهم مكان في السَّماء. وَطُرِحَ ذَلِكَ التِّنّين الْعَظِيمُ خَارِجًا، تِلْكَ الحَيَّة الْقَدِيمَةُ الَّتِي تُدْعَى إِبْلِيس وَالشَّيْطان الَّذِي يُغْوِي الْعَالَم كُلَّهُ، وَطُرِحَ إِلَى الأَرْضِ وَطُرِح مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ. (سِفْر الرؤيا إثني عشر على سبعة الى تسعة).

نَجد هذه العِبارة في أحد أسفار الأبوكريفا، ولكن هذه العِبارة نَفْسها نَجِدها أيضاً في سِفْر الرؤيا حَرْفيًّا تقريبا، الذي سَنَراه بعد قليل.

بعد ذلك، نَجِد هذا الجزء المُذهل في إشعياء أربعة عشر على إثني عشر: الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد أشعياء أربعة عشر على إثني عشر ""كَيْفَ سَقَطْت مِنَ السَّمَاءِ، يا كَوْكَب الصَباح، يا ابْنَ الفَجِر ؟ كَيْفَ قُطِعْت إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَم؟"! ثلاثة عشر "وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِك: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشَّمَالِ." أربعة عشر"أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَات السَّحَاب. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ." خمسة عشر"لكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ."

لدينا هنا بيان يُخبِرنا أن إبليس كان في السَّماء، كان رائعًا، لكنه طُرِح إلى الأرض بسَبَب رَغْبته في اغْتِصاب سلطة الله. لكنَّه لم يَذْهب من دون قِتال.

والآن، ها هي آية أخرى ونحن نَقْتَرِب على الأقل من تَجْميع بعض الأجْزاء معًا. هذه آيَةٌ مألوفة لِمُعْظمنا، فهي تتحدَّث عن تعامُل الله مع الشَّيْطان، الحَيَّة، نتيجة خِداعه لِحوّاء لِتَشْتَرِك في شَجَرة مَعْرِفة الخَيْر والشَّر. الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد سِفر التكوين ثلاثة على أربعة عشر: "فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّة: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِم وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوش الْبَرِّيَّة. عَلَى بَطْنِك تَسْعَيْن وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّام حَيَاتِك"؛

لاحِظوا الآن أن الحَيَّة (إبليس) قد لُعنت لأنه من ذلك اليوم فصاعدًا ستَزْحَف على بَطنها. من الواضح أنها كانت مُنْتَصِبة قبل هذا الوقت وإلا لما كان لِلَعْنة الزَّحْف على بَطنها معنى. ويجب ألا نَعْتقد أبدًا أن الشَّيْطان كان بِبَساطة أول حيَّة على كوكب الأرض. فالكِتاب المُقَدَّس يوضِح أن هذه ”الحَيَّة“ لم تَكُن تُشبه أي حيوان من حيوانات الحَقل أو أي كائن حَيّ آخر. لقد كانت فريدةً من نوعها؛ في الواقع، كان بإمكانها أن تَتكلَّم!

حسنًا. دعوني قول لكم معلومة صغيرة أخرى: مَقْطع آخر مألوف جداً لمُعظمكم.

الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد سِفْر الرؤيا إثنا عشر على سبعة: "وَحَدَثَت حَرْبٌ فِي السَّمَاء: مِيخَائِيل وَمَلاَئِكَتُه حَارَبُوا التِّنّين، وَحَارَبَ التِّنّين وَمَلاَئِكَتُه". ثمانية: وَلَمْ يَقْووا، فَلَمْ يُوجَد مَكَانُهُم بَعْدَ ذلِك فِي السَّمَاءِ".

إليكم الأمْر: بالإضافة إلى أنه يرْمْز إلى الشَّيْطان على أنه حيَّة، فإنه يَرْمُز إليه الآن على أنه تِنِّين. ومن الواضِح أن هذا هو الشَّيْطان، وكان أسمى من الملائكة لأنه يَتحدَّث حتى عن مَلائكته ومُحاربته مع ميخائيل الذي قرأنا عنه منذ دقائق قليلة.

إذن ما هو التِّنّين؟ حَسَنًا، أولاً، التِّنّين هو مخلوق أُسْطوري يعود تاريخه إلى الصّين القديمة. لا يبدو أنه جزء من ثقافة أو تقاليد الشَّرْق الأوْسَط. بالتأكيد، كانت هناك مخلوقات إلَهِيَّة أخرى في الشَّرْق الأوْسَط كانت بِشَكلٍ عام جزء منها إنسان وجزء منها وَحْش ولها أجْنِحة ولكنها لم تَكُن تنانين. كانت التنانين كلُّها وحوشًا، ولم يَكُن بها عُنْصر بشري.

وبما أن التنانين أيضًا أصبحَت جزءًا من الفولكلور اليوناني فقد اخْتَرع اليونانيون كَلِمَة خاصة بهم لهذا المَخلوق الخيالي، وهكذا لدينا الكَلِمَة اليونانية دراغون في العهد الجديد، والتي ننطُقها في اللغة الإنجليزية "دراغون".

والآن، ما الذي كان يدور في ذِهْن يوحَنّا عندما اختار الكَلِمَة المُترجمة "دراغون" في سِفْر الرؤيا؟ هل هو هذا المخلوق الأسطوري الذي يَنْفث النار والذي كان أي عبراني سيَعْتَبِرُه مَحْض خَيال، هذا إن كان يَعرفه أصلاً؟ لا يوجد أي سجل على الإطلاق أن اليهود كانوا يَعرفون ما هو التِّنّين، ناهيك عن إدراج صورة التِّنّين في أدَبهم. لذلك من المُسْتَبْعَد جدًا أن يكون هذا ما كان يدور في ذهن يوحَنّا. أظنّ أن يوحَنّا رأى شيئًا أكثر من ذلك في سياق ثقافته الخاصة (ثقافته العبرية الخاصة) التي لم يَكُن التِّنّين على الطِّراز الصيني جزءًا منها بالتأكيد. كان يوحَنّا اليهودي سيتصوَّر شيئًا أكثر على غِرار مخلوق تَوْراتي، وليس شيئًا يونانيًا؛ شَيء شِرّير، ناري، كائن روحي له أجْنِحَة ويُمْكِنه الطَيَران.

أرى علاقة مُثيرة للإهْتِمام بين السيرافيم المُجنّح الذي كان مُنْتَصِباً في السَّماء، والحَيَّة الأرْضِيَّة في جَنَّة عَدَن التي طُرِدت من السَّماء (التي كانت مُنْتَصِبة ولكنها لُعِنَت لتَزْحَف على بَطنِها)، والساراف الذي كان مَوضوعاً على العمود ومَحْمولاً عالياً في الهواء، والتِّنّين الذي هو الشَّيْطان، الناري، يَطير بأجْنِحَة، وله شكل حيَّة، والذي تم تَعريفَه في سِفْر الرؤيا على أنه الشَّيْطان.

أيُمْكِن أن يكون الكائن السَّماوي الذي طُرد من السَّماء كان سارافيم (سيرافيم)، وكان سارافيم مُتَمَرِّدًا وهو الذي صار مَعْروفًا على الأرض بإسْم الشَّيْطان؟ من المُثير للاهْتِمام أن يسوع قال هذا عن الشَّيْطان:

الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد إنجيل لوقا عشرة على ثمانية عشرة وقال لهم: "رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ."

في الكِتاب المُقَدَّس ما البَرْق إلا تمثيل آخر للنار. يُطلَق عليه أحيانًا نارًا من السَّماء. وبِعبارة أخرى، كان يسوع يقول بِشَكل أساسي: ”رَأَيْتُ الشَّيْطان يَسْقُطُ مِنَ السَّماء مِثْلَ البَرْق عبر السَّماء". ونحن نَعْلَم أن السيرافيم كان كائنًا سَماويًا ناريًّا.

وكما يَذكر سِفْر العدَد واحد وعشرين، فقد كان السِرافيم قد وُضِع على عمود موسى ورُفِع عالِياً. وأن التِّنّين المَزْعوم في سِفْر الرؤيا، والذي يُعرَف بأنه الشَّيْطان، له كل صفات الحَيَّة النَّاريّة وله أجْنِحة وقُدْرَة على الطَّيَران الخاصّة بالسيرافيم السَّماوي. والآن، هناك مَوضعان في الكِتاب المُقَدَّس يَقولان أن الكائن السَّماوي الذي طُرد من السَّماء كان شيروبيم. ولكن، كما قُلْت سابقاً، عندما تُقارن أوْصاف الشيروبيم والسيرافيم تَجدهُما مُتطابِقَيْن تقريباً، مع احْتِمال أن تكون مَهَامَّهما مُخْتَلفة، ومن المُحْتَمَل أن يكون السارافيم (الذي يُشير إلى الناري) ما هو إلا صِفَة من صِفات الشيروبيم.

دعوني أفاجئكم بشيء آخر غير مُتوقَّع. كان من الشائع في العَصْر القديم اسْتِخْدام تعويذات الحَشَرات أو الحيوانات السَّامة لمُواجهة لَدْغة أو لَسْعَة مَخْلوق سام. لذلك إذا لَدَغَك عَقْرَب قد يقوم السّاحِر بإجراء طُقوس عليك باسْتِخْدام رَمْز العَقْرب. ومن المُثير للاهْتِمام أنه في الوقت الذي نَجِد فيه أن هذه خُرافة مُثيرة للضَّحك، تَسْتَخدِم المؤسَّسات الطُّبِّيّة في العَصْر الحديث سَمّ مَخلوق سامّ لِحَقْن الشخص الذي تعرَّض للَّسْع أو اللَّدغ من أجل مُقاومة الأثَر السَّلبي للسَّم. إنه في الحقيقة نفس المبدأ إلا أن أحَدَهُما روحي والآخر جَسَدي في طبيعَته.

في مصر، بالإضافة إلى دَلالتها على السّلطة المَلِكيّة، كان يُنظَر إلى الحَيَّة كرَمْز للخَصْب والشِّفاء في آن واحد؛ هكذا كان يَنظر بَنو إسرائيل إلى الحَيَّة النَّاريّة. وفي الواقِع، كان الله قد أمَرَ بِصُنع الحَيَّة وَوَضْعها على العمود لِغَرَض الشِّفاء من لَدغات الأفاعي. لذلك فإن رؤية بني إسرائيل لرَمْز الحَيَّة على أنه شِفاء لهم من لَدغات الأفاعي كان سَيَبْدو أمْرًا عادِيًّا؛ وهو أمْرٌ لم يَكُن غريبًا على الإطِلاق.

إذن ماذا نَسْتَخْلِص من كل هذا؟ أولاً، لم يَكُن رَمْز السارافيم الذي وُضِع على العمود يَشفي بِحَدّ ذاته. لم يَلْمِسه الناس. لم تكن هناك طقوس تؤدّى به. لم تكن أداةً سِحْرِيَّة، لكنها كانت أداةً مألوفة. حتى المبدأ الخارجي لاستخدامه كان مألوفًا. ومع ذلك كان مُجَرَّد النظر إليه، في تَوْبَة وثقة، هو الذي يَشفي. ثانيًا، على الأقل، كان للسارافيم على العمود إيحاءات مسيحانيّة لأن يَسوع أعْطاه ارْتِباطات مسيحانيًا. وعلى الأقل، المَعْنى المسيحاني هو أنه كما أن السارافيم كان سيُسَمَّر على عمود ويُرفع في الهواء، كذلك كان يسوع، وبالتالي يَتَنبَّأ بِصَلْبِه. أما إلى أي مدى أَبْعَد من مُجَرَّد التَّشْبيه بأن يسوع كان يَقصد أن يُسمَّر على عمود هو مُجَرَّد تَخمينات مَحْضَة أدَّت إلى الكثير من الرُّموز.

والآن كانت هُناك بعض الأفْكار اللّاهوتية الأُخْرى المُثيرة للإهْتِمام حول هذا الأمْر، ولكن من الصَّعْب أن نُسنِد هذه الأفكار إلى أكثر من فئة التَّكَهُّنات. على سبيل المِثال أنه عندما وُضِعت الحَيَّة على العمود لم يَكُن الغَرَض في الحقيقة هو النَّظَر إلى الحَيَّة، بل النَّظَر من خلال الحَيَّة إلى السَّماء. وأن الأمْر نَفْسه كان في الأساس مع المسيح؛ وأن جَسَدَه (الجزء البشري منه) لم يَكُن هو الهَدَف الأساسي، بل كان النَّظَر بإيمان من خلال جَسَدِه نحو عَرْش الله السَّماوي. رُبَّما.

هناك تَعْليمٌ قِياسي آخر هو أنه كما أن الإنسان الذي يَموت في الخَطيئة يُخَلَّص بواسطة إنسان (يَسوع) يَموت على الصَّليب، كذلك الإنسان الذي يَموت من لَدْغات الأفاعي تُخَلِّصه (تشْفيه) حَيَّةٌ مَحْمولة على عمود. رُبَّما.

وثَمَّة أمْر آخر هو أنه بما أن الحَيَّة على العمود كانت مَصْنوعة من البْرونز، بل رُبَّما من النُّحاس، فلا بُدّ أن يكون لونُها أحمر. والأحمر يَرْمُزُ إلى الدَّم في الكِتاب المُقَدَّس. لذلك كانت نُبوءة لِسَفْك دم يسوع على الصَّليب بعد سنوات. أفَتْرَضِ أن هذا هو القَصْد المحْتَمَل.

يُمْكِنني أن أسْتَمِرّ وأَسْتَطْرِد لأن هذه هي مشكلة الرَمْزية والتَّكَهُّنات: يُمْكِن للمَرْء أن يَرْبُط أي معنى لِشَيءٍ ما من خلال أي نَوْع من التَّشابُه الشِّعري يُمْكِن للمَرْء أن يُفَكِّر فيه.

الرّوابط الوحيدة الثابِتة التي نراها من الكِتاب المُقَدَّس حول هذه الحادِثة الغَريبة هي أنه كانت ستتمّ معالجة الخَطيئة عن طريق نَوْع من الأشْياء التي أمَر الله بِتَسْميرِها على عمود ورَفْعِها في الهواء. في عَصْر موسى كان ذلك الشيء هو السارافيم والخَطيئة التي كان يتم التَّعامل معها هي تَمَرُّد الشَّعب. في عَصْر يسوع كان الِغَرَض هو جَسَده والخَطيئة التي كان يَتمّ التَّعامُل مَعها هي كل الخطايا. هناك عِلاقةٌ قَوِيَّةٌ أخرى هي أن النّاس كانوا يَنْظُرون إلى هذا الشيء على العمود ويَختبرون نوعًا من الشِّفاء. مرَّة أخرى في عَصْر موسى كان النظر إلى الحَيَّة النَّاريّة، وفي عَصْر يسوع كان النَّظَر إليه. وفي كِلَتا الحالَتَيْن كان الأمْر يَتطلَّب تَوْبَة ونوعًا من الثِّقة العميقة. أبْعَد من ذلك لسْتُ مُتأكدًا من أنه يُمْكِننا أن نُعَلِّق أهمِّيّةً أكْبَر بكثير.

في الواقع أجِدْ أن الجوانِب الأكثر إفادة وَوَاقعيّة في قِصَّة الحَيَّة النُّحاسيَّة هي العِلاقة المُسْتَنِدة إلى الكِتاب المُقَدَّس بين السرافيم (السرافيم السماوي)، وحَيَّة جَنَّة عَدَن (الشَّيْطان)، والسَّرَّاف (الحَيَّة النَّاريّة) على العمود، وتَنِّين سِفْر الرؤيا الذي طُرد من السَّماء.

اسْمَحوا لي أن أُنْهي هذا الجِزْء عن الحَيَّة النَّاريّة بهذه الفِكْرة: رُبَّما يكون الدَّرس الأكثر وُضوحًا الذي يُمْكِن أن نَسْتَخْلِصه من هذه القِصَّة يتعلَّق بالتَّطَوُّر التَّدْريجي الذي يَحْدُث في كثير من الأحيان من رَمْز أَمْر الله إلى عِبادَة الأوْثان. ليس هناك ما هو أوْضَح من أن الحَيَّة النَّاريّة التي كانت على العمود كانت بِتَعليمات إلَهية ولذلك كانت طاهِرة وصالِحة، والشَّيء الوحيد الذي كان بإمكان موسى والشَّعب أن يُطيعوه ويَنالوا الشِّفاء ليس بِسَبَب الجِّسْم المَعْدَني ولكن بِسَبَب طاعَتِهِم لله. ومع ذلك لا يوجد ما يُشير إلى أن هذا كان أكثر من حَلّ واحد لمَرَّة واحِدة لمُشكِلة فريدة ومُحَدَّدة؛ وباء لَدْغات الحَيَّات بسَبَب التَّمَرُّد. لم تَكُن الحَيَّة على العمود لتُصبح رَمْزًا عامًا أو تَعويذة تُستخدَم للشِّفاء العام.

لقد شَهدنا الله يَفعل ذلك في أوقات أخرى. ففي مَرَّةٍ من المرّات، أُمَرَ موسى بأن يَضرُب صَخْرة ليُخْرِج منها الماء. وفي مرّةٍ أخرى، أُمَرَ أن يتكلَّم إلى الصَّخْرة لتُنْتِج الماء. ولم يَكُن هذا يَعني أنه كان على موسى أن يَعْتَقد أن في كل مَرَّة يحتاج فيها بنو إسرائيل إلى الماء كان يَجِب عليه من تِلْقاء نَفْسِه أن يَبْحَث عن صَخْرة واعِدة، ثم يتحدَّث إليها أو يَضربها بِعَصا هارون ليُخْرِج الماء للناس. ولم يَكُن من المُفْتَرَض أن يَبْحَث بنو إسرائيل عن صخرة تُشْبِهُ تمامًا تلك التي خَرَج منها الماء، ولا كان من المَفْروض أن يتجمَّع الناس ويَطْلُبوا منها الماء، أو يُقدِّموا لها البَخور او يبدأوا بتأسيس عقيدة لِعِبادةٍ للصُّخور.

لقد رأيْنا أنه من الواضِح أن بني إسرائيل احْتفَظوا بالحَيَّة النُّحاسية أو الحَيَّة النَّاريّة على العَمود كأيْقونةٍ نَشِطة لمُدَّة خمسة قرون على الأقل بعد الخُروج. ليس هناك ما يُشير إلى أن الله قَصَد أن يقوم بَنو إسرائيل بذلك، وليس هناك ما يُشير إلى أنها كانت هناك حوادِث أخرى للشِّفاء تتعلَّق بذلك العمود والحَيَّة. ولكن بما أن الناس بَشَر، فقد تَمَنَّى بَنو إسرائيل أن يكونوا قد وَجَدوا تَعويذة سِحْريّة للشِّفاء كُلَّما أرادوا ذلك. كان الناس يَمْرَضون ويُصابون طِوال الوقت؛ وكما هو الحال اليوم، سَيَفْعَل الناس أي شيء تقريبًا لِيُخَفِّفوا من مُعاناتِهم ويَشْفوا أجْسادَهم ويُطيلوا حَياتهم. وهكذا احْتَفَظ العبرانيّون بالعمود الذي يَحمِل صورة الحيَّة البْرونزيّة، وفي النِّهاية بَدأوا في تَكريم وتَبْجيل العَمود والحَيَّة على أمَل أن يؤدّي تكْريمَهم لهما إلى الشِّفاء. كان الخَطأ في كل هذا هو أنَّهم كانوا يَعبدون الشَّيء بَدَلًا من الذي يَستطيع أن يُشفي بالفِعْل؛ يَهوَهْ، الذي ليس له شَكْل على الإطْلاق. لقد أدْرَك المَلِك ذلك حَزَقِيَّا أخيرًا ودَمَّر ما بَدأ كأداة إلَهِيَّةٍ مُرَخَّصة ذات اسْتِخدام واحد فقط؛ ولكن من خلال سوء الاسْتِخْدام أصْبَحَ أداة لا قيمة لها وغير إلَهية للعِبادة الكاذِبة والشَّعْوَذة وعِبادة الأوْثان.