11th of Kislev, 5785 | י״א בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » العدد » سِفْر العدد الدَرس ثمانية وعشرون – الإصحاحان ثلاثة وعشرون وأربعة وعشرون
سِفْر العدد الدَرس ثمانية وعشرون – الإصحاحان ثلاثة وعشرون وأربعة وعشرون

سِفْر العدد الدَرس ثمانية وعشرون – الإصحاحان ثلاثة وعشرون وأربعة وعشرون

Download Transcript


سِفْر العدد

الدَرس ثمانية وعشرون – الإصحاحان ثلاثة وعشرون وأربعة وعشرون

نُواصِل قِصَّة بلعام وبالاق، وهي قصّة لاهوتية في حدِّ ذاتها تَرِد فيها بعض المبادئ الكتابية الحاسِمة التي سيُعتمَد عليها كمادَّةٍ تأسيسية في بقيَّة الكتاب المقدّس. نذكُر منها أنّ النبي الكاذب يمكن أن يكون مُحقًا في بعض الأحيان، بل إنّ الله نفسَه قد يستخدِمْ هذا النَبي الكاذب لأغراضِه، ويكون على اتصال مُباشر مَعه.

لقد كان بلعام نبيًا كاذبًا بكلِّ ما تَحمِلُه الكَلِمة من معنى: كان عرافًا ورائيًا وساحِرًا. وكونُه كان يعرِف إله إسرائيل كان أمْرًا متوقَّعًا لأنه كان يعمَل في دائرة الآلهة. نحن نتذَّكر في هذه القصَّة أنّ الشرير يَستطيع التزييف والتقليد وجَعْل الأمور تبدو كما لو كان ما يحدُث هو بَرَكة من يَهوَه، بينما هو في الحقيقة: خِداع.

ناقشْنا في الأسبوع الماضي حادِثة بلعام وحماره، الحِمار الناطق الذي كان يَستطيع أن يرى ملاك الرَب الواقِف في طريقِه، ولكنّ بلعام لم يَستِطع رؤيته لأنه على الرغم من درايتِه وقُربِه من العالَم الروحي، إلا أنه كان في الواقع أعمى روحيًا. لقد تم إظهار دروس عَظيمة هنا بما في ذلك حقيقة أنه عندما يَبدو طريق رغباتنا مَسدودًا في بعض الأحيان، فقد يكون هناك سبَب إلهي لذلك. والإنسان الحكيم يتوقَّف ويبحَث عن الرَب، من دون الجَزْم أنّ العائق هو بالضرورة المُشكلة.

ورأينا أيضًا أنّ الرَب لا يتدخَّل في إرادتنا الحرَّة إلا إلى هذا الحَدّ. قال يَهوَه مِرارًا وتكرارًا لبلعام أنه لا يَريده أن يذهَب إلى المَلِك بالاق مَلِك موآب ويلعَن إسرائيل. ومع ذلك، استمَرّ بلعام في العودة إلى الله، آمِلًا في كل مرَّة أن يتمكَّن من إقناعِه بتغيير رأيه؛ لم يكُن بِلعام ليَقبَل ”لا“ كإجابة. افهَموا ما يلي: كان تفاوُض الساحر مع الإله هو الطريقة المُعتادة للعرَّافة، ولم يكُن لدى بلعام أي مَفهوم لما يجِب فِعلُه وكيفية التواصُل مع الرَب بِغَير التي كان يَعرِفها. وهكذا، سَمَح يَهوَه لبلعام أن يَتبَع إرادتَه الحرَّة على الرُّغم من أنّ ذلك وَضَعَه على خلاف مع الإرادة الإلهية؛ ومع ذلك، حقَّق الله مَقصَدَه؛ بألا تُلعَن إسرائيل، وأكّد البَرَكة التي أعلنَها منذ زمنٍ طويل على إسرائيل.

ولذلك، نرى مبدأً إلهيًا تأسيسيًا آخر راسِخًا: سيُحقِّق الرَب خطّتَه بأعجوبة من خلال إرادة البَشر الحرَّة. ربما يكون هذا لُغزًا عظيمًا مِثل الخَلْق أو الخَلاص: كيف يُمكِن للرَب أن يُحقِّق مَشيئته من خلال إرادة الإنسان الحرَّة تمامًا، وفي أغلَب الأحيان تَكون إرادة هذا الإنسان الحرَّة ضدَّ خطَّة الله؟ لا نرى ذلك في الكتاب المقدَّس فحسب، بل نَراه أيضًا كمؤمنين في حياتِنا الخاصّة بشكل يَومي تقريبًا. بينما ننظُر من حولِنا، في فَتَرات حياتِنا القصيرة، نرى العالمَ يَسير بلا هوادة نحو نهايةٍ حددَّها الرَب مُسبقًا، ومع ذلك فهو يَستخدِم الإرادة الحرَّة وخُطَط كلٍّ من الأشرار والأبرار لتَحقيق كل ذلك، ولا يتدخَّل بالقوَّة إلا في حالات نادرة.

دعونا نُعيد قراءة سِفْر العَدَد الإصحاح ثلاثة وعشرون الآية الثالثة عشرة حتى النهاية.

اقرأ العدد الإصحاح ثلاثة وعشرون الآية الثالثة عشرة حتى النهاية

ما قرأناه للتوّ هو العرَّافة الثانية من الله في هذه القِصّة كما ورَدَت على لِسان بلعام. العرَّافة الأولى التي درَسناها الأسبوع الماضي في الآيات الأولى من العَدد ثلاثة وعشرين عَبَّرت بشكل أساسي عن وَضْع إسرائيل الحالي (أي أنّ إسرائيل كانت مُبارَكة من قِبل الله فوق جميع الأمم الأخرى، لدرَجةٍ أنّه لم يكُن من المُمكن اعتبارُها حتّى واحدة من الأمم بالمعنى الشائع لها). في تلك النبوءة الأولى، يَرى بلعام كَيْف أنّ إسرائيل مُبارَكة ومُتميّزَة، ولذلك يأمَل أن يَستطيع، بطريقة غير مُحدّدَة، أن يُشارك في بَرَكة إسرائيل. يُنهي بلعام تلك العرَّافة الأولى بقولِه: "ليتَني أموت موت المستقيمين ولِيَكُن مصيري كمصيرِهم."

اسمحوا لي أن أذكِّركُم بأن هذه ”البَرَكة“ لإسرائيل ما هي إلا طريقة أخرى لإعادة ذِكْر العَهد الإبراهيمي. من المُهمّ أن نفهَم أنّ ما يقصِدُه بلعام بهذا القول (على الرُّغم من أنه لم يكُن ليفهمه تمامًا)، هو أنه يودّ أن يَكون مشمولاً بِبَرَكة إسرائيل التي هي العَهد الإبراهيمي. وبالطبع فإنّ السؤال الذي يَطرَح نفسَه بالنسبة لنا هو: كيف يمكِن لغير الإسرائيلي (الوثني) أن يكون مشمولاً بِبَرَكات العَهد الأكثر خصوصيَّة لإسرائيل مع الله؟

تلك كانت واحدة من عدة مرات عَبَّر فيها الوثنيون في الكتاب المقدس عن رغبتهم في أن يكونوا تحت غطاء وفوائد عهود إسرائيل. مِثال لاحِق وربما الأكثر شُهرة هو عن (الامرأة غير اليَهودية)، التي عَبّرَت في روث الإصحاح واحد الآية ستّة عشرة عن رغبتِها في أن تنضَمّ إلى عهود إسرائيل مع الله: شَعْبُكَ شَعْبِي وَإِلَهُكَ إِلَهِي. بالمناسبة، لاحِظ التطابُق المثير للاهتمام بين قِصَّة روث وقِصَّة بلعام/بالاق التي ندرُسُها: المَلِك بالاق كان مَلِك موآب، وروث كانت موآبيةً (بالطبع التطابُق "بالصُدفَة").

الآن في هذه الوَصية الإلهية الثانية (التي تَمَّت من خلال بلعام) هناك نُقطة مَركَزية في قِصَّة العرَّاف الرافديني ومَلِك موآب بأكملِها وهي: بينما تَستخدِم كل الديانات الأخرى (كلُّها كاذِبة) السِحر والشعوذة لاكتشاف إرادة الآلهة، فإنَّ إله إسرائيل يُعلِن إرادتَه بواسطة أنبيائه. ويَهوَهْ يفعل ذلك عن طريق الوَحي المُباشَر، وليس عن طريق الطوالع السِحرية كما كانت المُمارسة العالَمية في هذا العصر.

لقد مُنِح العبرانيون مَوْرِدًا عظيمًا لم يكُن لدى بقية العالَم: الوَحي المباشر. أمّا بقية العالم، ولأنهم كانوا قد تَخلّوا عن طاعة الخالِق وكانوا في جوهَرِهمِ يَعْبُدون الشرير، فقد كانوا يُحاولون بوسائلِهم الخاصة اكتشاف إرادَة آلهتِهم الكثيرة. لم يترُك إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب البَشر الذين يَسعون وراءه في هذا الموقِف. يَسكُنُنا الروح القدس من أجل الاتِصال المُباشر بإله الكَون؛ ولدينا كَلِمة الحَقّ بين أيدينا ونحن ندرُسها اليوم. ليسَت وظيفتُنا أن نحدِّد ما هو حقّ وما ليس حقًا في كُتُبِنا المقدَّسة لأنها كلُّها حَق؛ وظيفتُنا هي أن نقبَلها كلَّها كحَقّ، وأن نُطيعَها. التَحدي الذي يواجهُنا هو أيضًا أن نكتِشف كيف نُطبِّق الحَق في حياتنا وعلاقتِنا مع الخالِق. ليس علينا أن نتساءل كيف بدأ العالَم، أو مِن أين جاء البَشر، لأنه قيل لنا ذلك. ليس علينا أن نتساءل عن مُستقبلنا أيضًا، لأنه قيل لنا ذلك أيضًا. وكما قال صديق عزيزٌ لي في مقال نُشِر مؤخرًا في إحدى المَجلاّت ” الرِجال الذين يَختارون أن يؤمنوا بأنه "في البدء خَلَق الله السماء والأرض" لديهم أساس لفَهْم أساس الحياة وغرضِها وكيفية إتمامِها. أمّا الرِجال الذين يَختارون رَفْض هذه المَقولة فيَمضون في الحياة مِثْلَ رجل أعمى في غرفة مُظلمة، يَبحثون عن قطَّة سوداء ليست موجودة؛ لا يَعرفون أبدًا من أين أتوا، وإلى أين هم ذاهبون، أو كيف يَعيشون بين هاتَين النهايتَين“.

أنبياء الله هم نِهاية البشائر السِحرية لمَن يَثقون به. كانت إسرائيل في المَراحل الأولى من مَعرِفة هذه الحقيقة، والشخص الذي كان الله يَستخدِمه في هذه اللحظة ليبثّ إعلانِه، وهو وثني اسمُه بلعام، لا يعرِف هذا المغزى تمامًا. والآن، اسمحوا لي أن أشير إلى فِكرةٍ قَبْلَ أن يُشير أحد هنا إليها بالنيابة عني، أنه كان مَسموحًا بالفِعل بأدوات العرَّافة لإسرائيل لفَترة من الزَمن: الأوريم والتثميم، التي كان يَلبِسها رئيس كهنة إسرائيل على رِدْع صَدرِه. ومع ذلك، لم تكُن مَهمَّة هذه الحجارة تَحديد الحقيقة: بل كانت تُشير إلى إرادة الله في أمْر ما حيث كان الخيار من عِند الله. لا أعرِف كيف عَمِل هذان الحَجَران بالضبط، وهناك الكثير من الخِلاف بين حكماء العبرانيين الكبار حول هذا الأمْر؛ ولا يمكنني (على وَجه اليقين) أن أخبرَكُم لماذا سَمَح الله بِمِثل هذا الأمْر. ومع ذلك، فإنّ تَخميني هو أننا سنَرى في كثيرٍ من الأحيان أنّ الله سَمَح (بل وأمَر) لإسرائيل باستِخدام طقوس أو أداة تُشبِه إلى حدِّ كَبير طقوس أو أداة يَستخدِمُها الوثنيون. وأعتقدُ أنّ السَبب في ذلك هو أنّ إسرائيل كانت ستُصاب بالارتباك التامّ لو أنّ الرَب طَلَب منها أن تتخلّى على الفور عن كلِّ الجوانب الثقافية المألوفَة في العالَم المَعروف (الجوانب الثقافية التي كانت تَعيش وِفقَها بشكل عام) لصالِح طَقس جديد وفَريد تمامًا.

من المؤكَّد أنّه في الناموس (التوراة) الذي سُلِّم على جبل سيناء، كان قد تَمّ رَسْم ثقافة جديدة وفريدة من نوعِها لملكوت السَماوات، ولكن لم يكُن هناك طريقة لتَبنّي إسرائيل على الفور لكلّ جانب من جوانبها، وكان الرَب يَعرِف ذلك جيدًا عندما أعطاها إياها. نحن كمؤمنين مُعاصرين في وَضْعٍ مُماثِل، يمكننا فقط أن نَنمو بسرعة كبيرة، ولا يُمكِن للكنيسة (التي تتكوَّن من ثقافات متنوِّعة كثيرة) أن تَستوعب الكثير. وهكذا، يَكشِف الله لنا تَدريجيًا الأمور عندما يَحين الوقت المناسب. يُدهشني أنّ نفْس الشيء الذي أعلنَهُ بلعام قَبل ثلاثة آلاف وثلاثمئة سنة، وما أعلنَتْه روث بعد مائتي سنة أو نحو ذلك (هذا المَفهوم أنه إذا أراد الوثنيّون أن يكونوا مَشمولين في بَرَكة الله للبشرية فيَجِب أن يَتِمّ ذلك عن طريق العَهد الإبراهيمي لإسرائيل)، لتوِّها بدأت شريحة مُتنامية ولكن ضئيلة من الكنيسة في استيعابِه.

يقولُ يَهوَهْ إنّ علاقتَنا مَعه مَبنيَّة على عهود إسرائيل وما انبثَق عنها؛ ومع ذلك، في غضون سنواتٍ قليلة بعد مَوت يسوع وقيامتِه، خَلَقَت الكنيسة تعاليم تُنْكر هذا الأمْر بالذات. الآن فقط، اليوم، مع عودة إسرائيل إلى أرضِها، بدأت حَرَكة داخل الهيكليّة تَتراجع عن هذا اللاهوت الضالّ. ولكن، كان لا بدَّ من انتظار تَوقيت الرَب ليبدأ رَفْع العمى الذي أصابَنا.

في الآية الثالثة عشرة، يُقرِّر المَلِك بالاق أنّ مكانًا آخر قد يَدفَع بلعام إلى لَعْن بني إسرائيل. لقد اختار مَكاناً يُسمّى ”سديه-زوفيم“، والذي يَعني حَرفياً ”جَبل الحُرّاس“. هذا المكان عِبارة عن نقطة مُراقَبَة، ولكن استخدامَه الأساسي هو كَنُقطة مُراقبة فَلَكيّة ومَكان لمُراقبة تحليق الطيور: النجوم والطيور كلاهما من علامات ذلك العَصر. وبما أنّ هذا المَكان هو أيضًا ”مكان مُرتفِع“، فقد بُنيَت فيه المذابح وعُبِدت فيه الآلهة لأنّ الآلهة كانت تُعبَد عادةً على قِمم التلال. وهذا لا يَختلف عن الطريقة التي بُنيَت بها الكاتدرائيات على مَرّ العصور حيث كانت في الغالِب أعلى المباني، لذلك كانت الكاتدرائية أيضًا بمثابة بُرج مراقبة مَحلّي، ومكانًا يُستدعى منه المُصلّون للعبادة (وفي النهاية كانت تُوضَع فيه الأجراس)، وبسبب قوَّتِها المِعمارية، كانت في الغالِب مكانًا مقدَّسًا للمدينة المُحاصَرة.

يُشير بالاق إلى أنّه من المَوقِع الأوّل على قِمَّة التَلّ الذي أُخِذَ بلعام إليه، لم يكُن بالإمكان رؤية سوى جزء من مُعسكَر بني إسرائيل الهائل؛ ولكن من هذا المَكان الثاني، كان يُمكن رؤية جزءٍ أصغَر بَعد. كان الاعتقاد أنّ بلعام كان مرعوبًا وربما كان لَعِنْ عدَد أقلّ من الناس قد يكون أكثر ملاءمة له. ويَتضمَّن هذا كلُّه الأمَل في أنّ الإله الذي كان يَتعامل معه بلعام قد يَجِد الظروف أكثر ملاءمة ليَمنَح مَلِك موآب طَلَبه بِلَعْن إسرائيل.

كانت نتيجة المُحاولة الثانية بِنَفْس القَدْر من السوء بالنسبة للمَلِك بالاق كما حَدَث في المحاولة الأولى: مرَّةً أخرى يَتبَع بلعام تعليمات يَهوَهْ ليُبارك….ولا يَلعَن شعبَه، إسرائيل. لاحِظ أيضًا أنّ الرَب يتوجَّه بالكلام للمَلِك، قائلاً اسمَع يا بالاق. وعلى الفور يتمّ إعلان مبدأ إلهي آخر: الرَب ليس مُتقلِّبًا. إنه لا يقول أشياء ثم لا يُنفِّذها. إلى جانب ذلك، يَرِد في الآية التاسعة عشرة، أنّ ابن آدم، أي ”ابن الإنسان“ الإنسان أو البشري البَسيط، لا يَستطيع أن يُغيِّر رأي الرَب دائمًا.

افهموا أنّ هذا كان غريبًا جدًا بالنِسبة لكلٍّ من بلعام وبالاق. أي إله لا يُغيِّر رأيه باستِمرار؟ التقلُّب هو طبيعة الآلهة بل أكثر من ذلك كان ذاك هو العَصر الذي كان يُنظَر فيه إلى معظم الملوك على أنّهم تَجسيد لهذا الإله أو ذاك؛ لذلك فإنّ إعلان الرَب أنّه ليس ابن آدم يُغيِّر الموقِف.

والآن بَعد أن حدَّد يَهوَهْ بوضوح بعض الجوانب الهامَّة من طبيعتِه وشخصيتِه، يوضِح الرَب من خلال بلعام (مرَّةً أخرى) أنّ ما يُبارِكه لا يُمكِن لأي إنسان أن يَعكُسَه، لذلك فإنّ إسرائيل في مأمَن، وعلى موآب أن يَبتعِد حقًا.

وسُرعان ما يتأسَّس مَبدأً لاهوتي آخر في الآية ثلاثة وعشرين: لم يَخلُق الرَب السِحر ولا يَسمَح بالعرافة كوسيلة مَقبولة لشعبِهِ للتعامُل معه. ببساطة لا وجود له داخِل إسرائيل. هذا تَعبير عن شريعة الرَب ومِثاله الِمثالي، وليس عن الواقِع. لأنّه في الواقع كان العبرانيون يَتحوَّلون باستمرار إلى العرَّافة وعِبادة الأصنام، وبسبب هذا الرَجَس، كانت تَنزِل عليهم تأديباتٌ إلهية رَهيبة.

يَنتهي الإصحاح بِوَصْف إسرائيل بأنّ لها قوَّة وشراسة الأسد (وهو تَشبيه شائع في تلك الحَقَبَة)، ويَصِف إسرائيل شِعريًا بأنها كانت تدمِّر أعداءها.

حسنًا، المُحاولة الثانية لِلَعن إسرائيل لم تكُن أفضل من المرَّة الأولى، أليس كذلك؟ لقد كانت البَرَكة هذه المرَّة أكثر قوّة ووضوحًا. ومن الواضِح أنّ بالاق يقول لبلعام مُضطربًا: ”إن لَمْ تلعَنهُم من أجلي، فعلى الأقلّ لا تُبارِكهم!“ ويُكرِّر بلعام أنّ لا خَيار له في هذه المَسألة.

المَلِك بالاق (غير المُعتاد على عدم تَنفيذ الناس لأوامِره) لا يَستسلِم ويَطلُب من بلعام المحاولة مرَّة أخرى، ويَتطوَّع ليأخُذ بلعام إلى مكانٍ آخر إلى قمّة بيور. سنَجِد في الإصحاحات اللاحقة أنّ هذا بالطبع مكان مُرتفِع وثني آخر مُكَرَّس لِبَعل. وكما طَلَب الرَب من بلعام في عدد من المناسبات ألاّ يذهَب إلى بلعام، فَقد قيل لبالاق في عَدد من المناسبات أنّ الله لن يُغيِّر رأيه ويلْعَن شعبَه. يَعمَل العَقل الوثني مُجددًا في ذلك العَصر؛ ويَعتقِدُ المَلِك بالاق أنّه قادر على أن يتلاعَب بالآلهة وأنه رُبَّما يَحتاج فقط إلى استرضاء هذا الإله أكثر قليلاً.

لذلك ذهبا إلى قمَّة بيور، وُضِعت على المذابح السبعة الموجودة هناك سبع ذبائح وتَكرَّر كلُّ هذا الجُهد غير المُجدي من جديد.

اقرأ سِفْر العدد أربعة وعشرون بكاملِه

ظنَّ بالاق، أنّ الثالثة ثابتَة ولكن لم يكُن الأمر كذلك؛ استدرَك بلعام الأمْر. وأخيرًا أدرَك بلعام أنّ الرَب يريد أن يُبارِك إسرائيل، فتوقَّف بلعام عن تكهُّناته وبَحثِه عن الطوالِع. وأينما كان هذا المَكان بالتحديد الذي ذهبا إليه، يبدو أنّ بلعام وبالاق كانا يَستطيعان رؤية مُعظَم المُعسكَر الإسرائيلي؛ ومن المؤكَّد أنّ هذا ما كان يَدور في ذِهن بلعام لأنه بِحَسَب فَهْم الناس آنذاك، لا يمكن لَعْن إلا ما يمكن رؤيتُه.

ما يَحدُث بعد ذلك مُختلف قليلاً. لقد قيل لنا حتى الآن أنّ الرَب الإله وَضَع الكلام حَرفيًا في فَم بلعام. ولكن هذه المرَّة، حلَّ روح الله على بلعام، وهكذا تكَلَّم بلعام ليس بما أمَرَه الله أن يَتكلَّم به، بل بما يَعرِفُه بلعام الآن أنه الحقيقة والواقِع. هل ترى الفَرْق؟ إنّ ما ندرُسه هنا أوسَع قليلاً مما نَجدُه في العَهد الجديد حيث يُعلَّم الإنسان الذي يَحلّ عليه روح الله دَرْساً أو يُعالِج مشكلة، ويقوم بالتعليم و/أو الإرشاد بكَلِماتِه الخاصة. كان الرَب قَبلْاً يتحكَّم حَرفيًا في فَم بلعام، أو يَهمِس الكلام في أذن بلعام، ولم يكُن هناك مجال له للتعبير عن نفسِه.

لذلك (وأرجو أن تسمَعوا هذا) خاصةً فيما يتعلَّق بِرُسُل العهد الجديد حيث لا نَحصُل على كَلِمات كامِلة، ولكننا نَحصُل على مبادئ كاملة. إنّ شخصية كلِّ الرُسل تنعكِس في ما يقولونَه، والكَلِمات التي يَتكلَّمون بها تَعكِس ما في عقولِهم. الآن درَّب الرَب عقولَهم لذا فإنّ ما يَتكلَّمون به كمَبدأ لاهوتي هو الحقيقة المُطلَقة. لكن هذا لا يعني أنهم يُفسِّرونه بطُرُق مُذهِلة.

تَكلَّم يسوع المسيح بطُرُق مُذهِلة. لقد تكلَّم يسوع المسيح بكَلِمات قوية وكامِلة ومؤثِّرة لدرَجة أنّ الناس تَعجَّبوا منها وذُهِلوا منها. قيل: ”لم يتكلَّم إنسان قطّْ بمِثل هذا الكلام“. لم يكُن الحواريّون بِمثْل فصاحَة يسوع لأنهم لم يكونوا إلهًا مِثل مُخلِّصنا. لقد استطاع يسوع أن يَتجاوَز ما لا يُمكِن تَفسيرُه وجَعلُه مَفهوماً لأولئك ”الذين لهُم آذان صاغية“ (وهي عبارةٌ استخْدَمَها كثيراً).

أُعَلِّق هنا لأنني أريدُكم أن تَفهَموا كَم هو غير صحيح أن نتعلَّق بكُلّ كَلِمة لبولُس أو بُطْرُس كما لو كان يسوع يَتكلَّم. إنّ تَشريح جُمَلِهما وحتّى التظاهُر بأنّ كلامَهما كان خارج سياقِهما وثقافتِهما هو ما أدّى إلى اختِلاف العقائد على نِطاقٍ واسِع داخل الكَنيسَة. كان على الحاخام بولُس المُدرَّب تدريبًا عاليًا على وَجه الخصوص مُهِمَّةً صَعبة في محاولة أن يَشرَح لليَهود أنّه على الرُّغم من أنّ التوراة ظَلّت سليمة تمامًا، إلا أنّ مجيء يسوع رَفَع مَعناها إلى مستوى أعلى من أي وقت مَضى. حاولَ أن يَشرَحَ للأمميّين الأمور السَماوية. بالنسبة لغَير العبرانيين الذين لَم يَستفادوا من النشأة بين شعب الله، تَكلَّم بولُس بأمور لا يَعرِف عنها هؤلاء الأمميّون شيئًا، لكن أي طِفل يهودي كان سيَعرِفُها لأنه بدأ دراسة التوراة في سِنّ الخامسة أو السادسة. سيَكون الأمْر أشبَه بمُحاوَلة تَعليم الجَبْر لطلاّب لم يَتعلَّموا حتّى أساسيات الرياضيات.

ثمّ حاوَل بولس أن يُحدِّد لليهود والوثنيّين على حدٍ سواء ما يَعنيه مجيء المسيح وكيفيَّة تَطبيقِه على حياتِهم. لقد مَرَّ بولُس بتقلُّبات صَعبة في محاولة تَكوين عبارات وأفكار لشَرْح ما لا تَستطيع الكَلِمات المُجرَّدة أن تَشرَحه، وهي أمور ما زِلنا جميعًا نُعاني منها. أشياء مِثل ما يحدُث بالفِعل عند خلاصِنا، وما هو الأمْن الأبدي، وأعمالُنا بما يخصّ علاقتَنا مع الله. ومع ذلك كانت هذه هي مُهِمَّتُه الإلهية الصَعبة. وخلافاً لأنبياء العَهد القديم أو أشخاص مِثل بلعام (الذي كان الرَب في البداية يضَع في فَمِه الكلام الإلهي) فإنّ كلام بولُس كان عموماً كلامُه هو نفسُه رغم أنّ الله أوحاه به.

إذَن في مَلحمةِ بلعام نرى وَجهان للقِصَّة: نرى أمثلِة على الإلهام وأمثِلة على الوَحي. من جِهة نرى نوع النَبي في العَهد القديم الذي وُضِع كلام الله في فَمِه عن طريق الوحي المُباشر والواعي من الرَب. ومن جهة أخرى لدينا نوع في العهد الجديد، مُعلِّم الكَلِمة، الكَلِمة بمعنى (نوع من الكتاب المقدَّس، إن صح التعبير) التي سَبَق أن أُعْطيت للإنسان من قِبَل آخرين سبقوه؛ أو هي نتيجة لأمورٍ عَلَّمه إياها الرَب؛ مُعلِّم يَستلهِم من الحقّ الإلهي الكامِل ولكن كلامُه هو كلامُه هو، وبالتالي ليس دقيقاً تماماً.

كل ما قُلتُه للتو عن كَلام بلعام يؤكِّده ما جاء في الآية ثلاثة عندما تبدأ بما يلي: ”….هذا كلام (أو كَلِمة) بلعام من رَجُل قد فُتِحت عيناه ليَسمع كلام يَهوَه…. تقول بعض الكتب، كالكتاب المقدس اليهودي مَثلاً، الآية أربعة أنّ هذا هو كلام ”الذي سَقط“. هذا يُعطينا حقاً فِكرة خاطئة لأن هذا يَعني عِند الإنجيليين ”مَن أخطأ“؛ وما يعنيه هذا حقاً هو ”من سقط ساجداً أمام الرب“ في العبادة.

ثم في الآية أربعة نَعود إلى ما قَبل موسى؛ إلى زَمن قَبلَ أن يُخبرنا الرَب باسمِه الرَسمي الشخصي. يَعود بنا إلى زَمن كان الناس يَعرفون الله باسم الشدّاي. استخدَمت نسخة الكتاب المقدس اليَهودي الكلمة المُناسبة؛ بينما معظم النسخ تستَخدِم كَلِمة ”القدير“ أو شيء من هذا القبيل. تذكَّر أننا نعرِف الآن (بسبب الاكتشافات الحَديثة جدًا) أنّ إل شداي تعني ”إله الجَبل“؛ وبالطَبع هذا هو السياق الدقيق لقِصَّتنا في هذه النُقطة. بَعد كل شيء، هذه هي قمَّة الجَبَل الثالثة التي تم اصطحاب بلعام إليها لكي يُلقي لَعنَة على إسرائيل.

في الآيات العديدة التالية يُعلِن بلعام كم أنّ الرَب راضٍ عن إسرائيل؛ كم هُم أقوياء فيه وأنهم سيُصبِحون أكثر مما هُم عليه الآن، وأنَّ الرَب لن يتوقَّف أبدًا عن حراستِهم ومباركتِهم. وفي الآية تسعة، نَجِد الرسالة التي تكرَّرت كثيراً في هذا الصَف، والتي يجب أن تتكرَّر كل يوم في الكنيسة: طوبى للذين يُباركونَكم وملعونون هم الذين يلعنونَكم. لقد سمعتُ أن استخدام الكتاب المقدَّس لعبارةِ ”طوبى للذين يباركونكم وملعونون هم الذين يلعنونكم“ ليس لإسرائيل والشعب اليهودي لأنها تَنطبِق فقط على عائلة إبراهيم المُباشرة ولم تكُن إسرائيل قد خُلِقت بعد. لكن من الواضِح هنا أنّ هذه الكَلِمات نفسُها تَنطبق مُباشرة على أمَّة إسرائيل كلِّها، أليس كذلك؟ لا يُمكِن أن يَكون هناك أي شَكّ بشأن هَوِيَّة الجماعة المَحميَّة (إسرائيل) والتَحذير الموجَّه إلى (الأمَم)، لذلك اكتُب رَقم هذه الآية في مَكانٍ ما في المرة القادمة التي يُحاوِل فيها شخص ما أن يُجادِلك في هذا الأمْر.

حسنًا غَضِبَ المَلِك بالاق جدًا. حدَّق في وَجه بلعام، وصفَّقَ بيدَيه معًا باشمئزاز، طَلَب من بلعام أن يَرحَل خالي الوفاض لأنّه لم يَفعَل ما استؤجِر من أجلِه، لَعْن إسرائيل. افْهَم أنّ هذه ضَربة خطيرة للغاية لبالاق. سيَتعيَّن عليه الآن أن يُحارِب إسرائيل (إذا ما قرَّر أن يحاربَها على الإطلاق) من دون أن يُضعِف إسرائيل بلعْنِها و/أو تَخلي إلهها عنها.

ازدادَ الأمر سوءًا بالنسبة للمَلِك بالاق، لأن بلعام لم يَكتفي بِعَدَم لَعْن أعداء موآب بل بارَكَهم أيضًا، ومَضى ليَصِف المصير البائس الذي يَنتظر شعب موآب وغيرِه من الأمم شَرق الأردن وفي أرْض كنعان. مرَّةً أخرى الكَلِمات هي كَلِمات بلعام المنطوقة من فمِه بوَحي من الله.

هذه الكَلِمات تَحمِل رجاء مَسيحياً عجيباً في ثناياها، وستَحدُث في المُستقبَل بالإضافة إلى انتِصارات إسرائيل العَسكرية القادمة قريبًا. يقول مَبدأ كِتابي رئيسي في الكتاب المقدَّس أنّه في كثيرٍ من الأحيان عندما تُعلَن النبوءة لا تَحدُث مرَّة واحدة، بل مرتين، وثلاث مرّات. إنّها تَحدُث في المستقبل القَريب، ومرَّة أخرى في المستقبل البعيد، ويمكن أن تَحدُث في وقت وسيط؛ وهذا هو الحال خاصّةً فيما يتعلَّق بالنبوءات المُتعلِّقة بمجيء المسيح. وهكذا نحصُل على كَلِمات مألوفة لنا: ” يَطْلُعُ نَجْمٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وصَوْلَجَانٌ يخرج من إسرائيل…“ غالباً ما يُشار إلى الملوك كنُجوم في الشرق الأوسط القديم. هذا المَلِك من يعقوب سيُلحِق ضرراً بالغاً بسكّان موآب (اسمُها اليَوم عن مملكة الأردن). سيؤخذ أدوم أسيراً. وسيُاد العماليق إلى الأبد.

تسبِّب لنا الآية السابعة عشرة مُشكلة في محاولة تَحديد من هو ”سيث“ أو ”شيت“ هذا. تقول أحدَث المِنح الدراسية أنه يجِب تَرجَمتُها على أنها شوت، ش-و-ت. بالتأكيد هذا لا يُشير إلى العائلة المباشَرة لآدم وحواء. بل هناك بعض الاكتشافات الحديثة للوَثائق المَصرية التي تتحدَّث عن شَعب في مِنطقة موآب في نَفْس هذا الإطار الزَمني تقريبًا يُطلَق عليهم اسم ”شوتو“؛ من المؤكَّد تقريبًا أنَّهم هُم المُشار إليهم.

في الآية الثامِنة عشرة، تُعرّف ”صير“ و”أدوم“ على أنَّهما مَكان واحد لأنّ ”صير“ تقَع داخِل ”أدوم“.

والآن ابتداءً من الآية عِشرين تَتغيَّر الأمور قليلاً؛ فبينَما كان الجَيش الإسرائيلي سبَب زوال أدُوم وموآب وشوت، فإنّ زوال الأمَم العديدة المَذكورة بشكلٍ عام لا يُعزى إلى عَمَل عَسكري من قِبل العبرانيين. ولذلك، علينا أن نَعتبِر ذلك دينونة إلهية جاءت بوَسائل أخرى، مِثل الأُمَم الأخرى. يَصعُب تحديد معظم أسماء الشعوب والأماكن المُستخدمَة هنا: يُعتقَد أنّ كيتم هي جزيرة في البَحر الأبيض المتوسِّط. آشور قد تَعني أو لا تَعني الإمبراطورية الآشورية، على الرُّغم من أن آشور ستُستخدَم فيما بعد للإشارة بالتأكيد إلى آشور (العِراق اليوم). من المُحتمَل أنها قبيلة صغيرة عاشت لفَترة من الزَمن في النَجف.

يُعتقَد حاليًا أن ّالكيتم على الأرجَح اسم قديم جدًا للفلسطينيين، وأنّ هؤلاء الناس أنفسُهم يُطلَق عليهِم أيضًا اسم "شعوب البَحر" لأنّهم أتوا من الغَرْب عن طريق البَحر الأبيض المتوسِّط. وحوالى عام ألف ومئتين قَبل الميلاد، تُشير سِجلاّت المَصريين إلى أنّ شعوب البحر هاجموا سَهل كنعان الساحلي، ثم انتقَلوا جنوبًا وهاجَموا عابر في الجزء الأعلى من سيناء. لذا، من المُحتمَل جدًا أن يكون هذا تنبؤًا بمَجيء الفلسطينيين المتوحِّشين، الذين سَيَكونون مَصدر إزعاج رهيب لجميع جِيرانهم وفي النهاية لإسرائيل.

تَنتهي مَلحمة بلعام وبالاق بافتراقِهما وعودة كلٍّ مِنهما إلى وطنِه.

أود أن أختتِم هذا الأسبوع بفِكرة؛ فِكرة أعرِف أنّ الكثيرين مِنكُم يقبلونَها بالفِعل ولكن آخرين ليسوا مُتأكِّدين منها. أعتقِد أنّ قصة بلعام وبالاق هي قصَّة نَبَوية عن الكنيسة الأممية. بلعام وثني. إنّه رَجُل روحاني؛ في الواقع هو رَجُل مؤمِن بالله؛ أي أنه يؤمِن بإله إسرائيل ويَهتمّ به تماماً. إنه يَسمَع من إله إسرائيل ويَعرِف إله إسرائيل. ومع ذلك فهو لا يَستطيع أن يَحمِل نفسَه على نَبِذ تراثه الطويل من التقاليد والعادات الوثنيّة التي تَتعارض مع التوراة وغيرِها من الوصايا الكتابية ليَهوَه.

بلعام هو أُمَمي ذو توجُّه روحي يعرِف أنّ لإسرائيل إلهًا قويًا، وقد أُعطي تعليمات شخصيَّة من هذا الإله حول ما يجب أن تَكون عليه علاقتُه بإسرائيل (علاقة اتحّاد معَها ومباركتَها بناءً على عهود الله). لقد أوضَح الله لبلعام أنه قد بارَك إسرائيل بالفِعل (إنها صفَقة مُنتهية) وعلى هذا النَحو لا يمكن لأي إنسان أو أمَّة غير أممية أن تنقُضَها. ولن يتوقَّف الله أبدًا عن رؤية إسرائيل كشَعب مُبارَك. لن يَلعَن إسرائيل إلى الأبد، وسوف يُعارِض كلّ من يحاوِل أن يلعَن شعبَه.

يُخبِر الله بلعام أنّ إسرائيل يَنتظرُها مُستقبل مجيد لأنها مُبارَكة من الله. يقول بلعام إنّه يريد أن يَموت في البِّر الذي مَنَحه يَهوَه لشعب إسرائيل.

ومع ذلك يُحذِّر يَهوَه بلعام مرارًا وتكرارًا وهو يُسافِر إلى موآب ليَقوم بخدمة عدو الله، مَلِك موآب. بطريقة ما هناك انفصال فِكري (يَصِفُه بلعام بأنه نوع من العَمى الذي اختفى أخيرًا) حيث لم يَستطِع أن يَستوعب أنه لا يَستطيع أن يقوم بخِدمة أمّة وثنيّة هَدَفُها إضعاف أو إيذاء إسرائيل، وفي نَفْس الوقت يُكرِّم إله إسرائيل بشكل صحيح ويكون في وئام مع إله إسرائيل. لكن هذا لم يَمنَعْهُ من المحاولة في مناسبات عديدة.

بلعام هو نَموذج رائع للكنيسة التي يُسيطِر عليها الأمميون، هل ترى ذلك؟ تقول الكنيسة المؤسسية السائدة أنّ إسرائيل لم يعُد لها مُستقبل مَجيد، بل إنّ هذا المستقبل المَجيد يَنتمي الآن إلى الكنيسة الأمميّة. تقول عقائد الكنيسة الأكثر انتشارًا أنّ الله قد تَخلّى عن إسرائيل، ورَفَض شعبَه إلى الأبد، ولَعَنه وباركَنا نحن المؤمنين الأمميين بدلاً منْه. والكنيسة مُخطئة للغاية في هذا الأمْر. أيها الإخوة والأخوات في المسيح، مِن الحماقة أن نَظُنّ أنّنا نَستطيع أن نَفعل أي شيء سوى العَمَلَ على مُبارَكة إسرائيل. لم تُتَح للمؤمنين دائمًا فرصة واضِحة للقيام بذلك، ولكننا نَفعل ذلك الآن. لم تُولَد إسرائيل من جديد كأمة إلا قَبل ستّين عامًا فقط، لذلك لم تكُن هناك أمَّة إسرائيل لنُحبَّها وندافِع عنها. من الواضح أنه خلال قرون من التَشتّت اليهودي (خاصةً قَبل ولادة إسرائيل من جديد) كان يجب أن يكون واجِب الكنيسة الواضح أن تقِف معها وتصادِق تلك العائلات اليهودية عندما كانت في أمَسّ الحاجة إلينا، لكننا لم نفعَل.

لا يجِب أبدًا أن نُساعد أو نُقدِّم الدعم المعنوي وبالتالي نُقَوّي أعداء إسرائيل الألدّاء (كما كان يقصد بلعام أن يَفعَل) ونُسمّي ذلك إنصافًا أو محبّة وعَطفًا، ونَعتقد أنّ هذا بطريقة ما ليس لَعنًا لإسرائيل. لم يكُن بلعام ذاهبًا لإلحاق الأذى بإسرائيل شخصيًا، بل كان ذاهبًا فقط لمُساعدة عدوّ إسرائيل (موآب) ثم يَعود إلى بيتِه. أخبَرَه الله أنه إذا فَعَل ذلك، فسيُضطر إلى قتلِه.

لا يُمكننا إرسال إمدادات وأموال للفلسطينيين، أو مُمارسةُ ضَغط سياسي على إسرائيل نيابةً عَنهم، ثم ندَّعي بطريقة ما أنّ إله الكتاب المقدَّس يُقِرّ ذلك كقضيّة جديرة ومقدَّسة. لا يَجِب أن ننضمّ إلى الكَلِمة العِلمانية لدفَع إسرائيل إلى تَقسيم الأرض التي عَهَد بها الرَب لهم، أو الإصرار على أن تَتنازل إسرائيل للمُسلمين عن المكان الذي سيَطأ فيه مَسيحُنا مرة أخرى عندما يَعود من السماء، أو السَماحِ للإسلام بالحفاظ على مَزار وثني ومَركز عبادة حيث كان هيكل الله موجودًا وسيَعود مرة أخرى، ثم نقول أنّ نيَّتنا الصادِقة هي السلام، فإنّ القيام بكل هذه الأشياء يجب أن يكون صحيحًا في نَظَر ربِّنا.

إذا كان بإمكان بلعام أن يَستيقظ ويَرى النور، فيُمكِن ذلك للكنيسة أيضًا. إذا كان بلعام يَستطيع أن يَفهم أخيرًا أنّ إسرائيل ليست مِثْلَ الأُمَم، وأنّ الله ليس إنسانًا يُغيِّر رأيه، وأنه عندما يَقطَع وعْدًا أو عَهدًا فإنه سيَفي به، وأنَّ الرَب نفسَه سيَلعَن كلّ من يَلعَن شَعْبِه الخاص، إسرائيل، هكذا أيضًا يَستطيع إخوتنا أن يَفهموا ذلك أخيرًا. لنقُم بدورِنا لنرى أنّ هذا سيَحدُث قريبًا.