11th of Kislev, 5785 | י״א בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » العدد » سِفْر العدد الدرس سبعة وعشرون – الإصحاحات اثنان وعشرون، ثلاثة وعشرون، أربعة وعشرون
سِفْر العدد الدرس سبعة وعشرون – الإصحاحات اثنان وعشرون، ثلاثة وعشرون، أربعة وعشرون

سِفْر العدد الدرس سبعة وعشرون – الإصحاحات اثنان وعشرون، ثلاثة وعشرون، أربعة وعشرون

Download Transcript


سِفْر العدد

الدرس سبعة وعشرون – الإصحاحات اثنان وعشرون، ثلاثة وعشرون، أربعة وعشرون

بدأنا الأسبوع الماضي بقِصَّة بِلعام وبالاق، وهي قِصَّةٍ استغرَقت ثلاثة فصول كامِلة من سِفْر العَدَد (اثنان وعشرون، ثلاثة وعشرون، أربعة وعشرون) لسَردِها. ونرى من تَوقيتِها، وبُنيتِها، وأسلوبِها أنها بالتأكيد رواية مُنمَّقة لحَدَث حقيقي ورواية اكتَسَبَت مكانة أسطورية بين العبرانيين وتَهدُف إلى إيصال بَعض المبادئ اللاهوتية الهامَّة.

اسمَحوا لي أن أكون واضِحًا عندما أقول رواية مُنمَّقة: هذه ليست قِصَّة خُرافية ولا تأتي من خيال شَخص ما. لكنَّها تَحتوي على عَناصر مُضافة لجَعل سَرْد القِصَّة لا يُنسى وبالتالي يَسهُل تناقُلها. يمكننا القول أنّ لها ”موضوعًا شعبيًا“.

الشيء الذي يَجب أن نَضعَه في الاعتبار هو أنّه في موضِعَين فقط في الكتاب المقدَّس نرى الحيوانات تتكلَّم: الحَيَّة في سِفْر التكوين والحِمار في سِفْر العدد وهما شخصيَّتان مُختلفتان في طبيعتِهما. كانت الحيَّة هي الشيطان نفسُه، ولم تكُن مَخلوقًا عاديًا أو حيَّة عادية أو ثُعبانًا عاديًا استحوَذ عليه الشرّير، بل إنّه من الواضِح أنّ حيَّة سِفْر التكوين هذه كانت كائنًا فريدًا تمامًا، ولم يكُن هناك مَخلوق من مَخلوقات الحَقل مُساويًا لحيَّة الشيطان.

من نَاحيةٍ أخرى، لم يكُن لِحِمار بِلعام مِثل هذا الارتباط الروحي أو المَكانة الروحية، ولم يكُن نِتاج خَلْقٍ إلهي خاص. لقد كان ببساطة حِمارًا عاديًا يُقال إنه نَطَق؛ ولم يَبْدُ على بِلعام أنه كان مُعجَبًا أو مُندهِشًا من ذلك. وأرى أنّ هذا هو أحد العَناصر الرئيسية في القِصَّة التي تُساعِدنا على إدراك أنه بِمرور الوقت أصبَحت الأحداث التاريخية الفِعليّة التي تَتعلَّق ببِلعام وبالاق وإسرائيل مُبالَغًا فيها واستُسلِمَت في النهاية للإستخدام الشرْق الأوسطي المُعتاد للحيوانات الناطِقة التي يُشاع استخدامُها في حكاياتِهم وتقاليدِهم.

وبعِبارة أخرى، هذا نوعٌ آخر (من الأنواع العديدة) من الوَسائل الأدبية المُستخدَمة في الكتاب المقدَّس، ولكن علينا أن نُدرِك أنها خُرافة عِبرية مُستنَدة إلى اللاهوت تمامًا كما يَفعل العبرانيون. إنّ ما أقولُه لك عن طبيعة هذه القِصَّة لا يُثير الجَدَل، فعلماء الكتاب المقدَّس القُدامى والمُحدِّثين مُتَّفقون بشكلٍ عام على هذا الأمْر.

في هذه القِصَّة، بالاق هو مَلِك موآب الحالي وبِلعام هو عَرّاف ونَبي وَثَني يَعيش في غرب بلاد ما بين النَهرين، في مكان يَقَع على الحدود بين سوريا وتركيا الحالية، على طول نَهر الفُرات العظيم. المَلِك بالاق لديه ثلاثة ملايين من بني إسرائيل على عَتبَة أراضيه، وهو قلِقٌ من أنّ جيشَه قد لا يَستطيع الدفاع عن مَملكتِه إذا كانت نوايا إسرائيل مُعادية. لذلك يقوم بالاق بِعَمَلِ شيء مُعتاد وطبيعي جدًا في ذلك العَصر: يَستأجر ساحرًا مُحترفًا لمُساعَدِته.

إنّ مِفتاح النَصر (كما يَعتقد بالاق) هو جَعْل الآلهة تَقِف إلى جانب بالاق وموآب، وتُحارِب ضدَّ إسرائيل. بمُصطلحات الكتاب المقدَّس، يُريد بالاق أن يَجعلَ شخصًا ما يُلقي لعنة على إسرائيل حتّى يَتمكَّن من هزيمتِها. وَقَع اختيار المَلِك لإلقاء اللعنة على إسرائيل على عَرّاف مَعروف اسمه بِلعام، وهو رَجُلٌ مأجور.

على الرُّغم من أنّ هذه القِصَّة ليسَت تاريخية وأقْرَب إلى الخُرافة العبرية في أسلوبِها، إلا أنّ كميَّة اللاهوت والنبوءة التي تَحتويها مُدهِشة. كما سنَرى أنها تَحتوي على إيحاءات مسيانية عَجيبة لا يُمكِن إنكارُها أيضًا.

ربما كان المَبدأ الأول الذي كشَفْنا عنْه في درسِنا الأخير هو هذا (وهو مبدأٌ مُهمّ جدًا): أن يكون المَرء موحى إليه من الله ليَتنبّأ له لا يعني أن يَكون له موقِف بار أمام الرَب. لقد استَخدَم الله الملوك والأنبياء الوثنيّين لتَحقيق مشيئته في الماضي، وسيَفعَل ذلك مرَّة أخرى. لقد أجرى يَهوَهْ اتصالاً مُباشرًا مع الوثَنيّين وأمَرَهم أن يقولوا أو يَفعلوا شيئًا، فأطاعوا. ومع ذلك لم يَتمّ افتداؤهم (خلاصُهم) ولم يُعلَن أنّ لهُم مكانة صحيحة لدى يَهوَه.

ما يَعنيه هذا هو أنّ النَبي الكاذب يمكِن أن يكون، في بعض الأحيان، دقيقًا. يُمكِن، في بعض الأحيان، أن يُعطى رؤية للمُستقبَل من الله نفسِه لكي يُحقِّق الرَب بعض الأغراض الغامِضة التي لا يعرِفُها إلا هو. هذا يُصعِّب على المؤمِن الحُكم على مَن هو رَجُل الله، مُقابل من هو بَعيدٌ عن الله ومع ذلك يبدو ظاهريًا أنّه في شَرِكةِ معه. أتمنّى لو كان بإمكاني أن أُعطيك قائمة مَرجَعية لَطيفة لكيفية التَحديد، لكنني في نَفْس القارب مع جميع المؤمنين الآخرين. وهذا يَعني أنني (وأنت) بحِاجةٍ إلى دِراسة كُلّْ كَلِمة الله لأتمكَّن من التَعرُّف على طُرُق الله النَقيّة مُقابِل الطرُق الأخرى التي تُحاكي طرُقَه إلى حدٍ ما فقط ولكي نتمكَّن من التَعرُّف على أنماطِه الإلهية مُقابِل تعاليم البَشر التي تَستخدِم كل الكَلِمات الطناّنة الصحيحة وتُعطينا مشاعر دافئة لطيفة.

تَذكَّروا: لقد قيل لنا أنّ الشيطان (أكثر الكائنات شرًا في الوجود) يمكنُه أن يَتنكَّر في هيئة ملاك نور. لذلك يمكن أن يَنخدِع الشخص لدرَجة أنّه يَعتقد بصُدق أنّ الله يَمْسَحَه، بينما هو في الواقع يُستخدَم كأداة مُزيَّفة من قِبل الشرّير (أو على الأرجح أنه اتَّبَع مَيلَه الشرير الداخلي). لذلك لِمُجرَّد أنّ الشخص يَقول كل الأشياء الصحيحة وَيدَّعي أنه يَتحدَّث باسم الرَب، لا تَفترض أنه كذلك. هذا هو الاختبار للشخص الذي يَدَّعي أنّه نَبي يَهوَه: إذا كان مُخطئًا، فهو ليس نَبي الله. عندما أستخدِم كَلِمة النبي هنا، فإنني أعني شخصًا يتنبَّأ بحَدَث لم يَحدُث بَعد أو يتنبأ بالمُستقبَل. النَبي بهذا المعنى هو أيضًا الشخص الذي يقول إنّ الرَب جاء إليه وأعطاه كَلِمة ليوصِلها لك. اليَوم (وأحيانًا في العَهد الجديد) يُستخدمَ مصطلح نَبي ليَعني مُعلِّم الكتاب المقدَّس (وصَدِّقوني أي شخص يُعلِّم سيُخطئ من وقت لآخر). ولكن النَبي الكتابي (خاصة في العَهد القديم) هو الرائي، السائر بسِراط مُستقيم مع الرَب، والذي ”يرى“ لأنه قد أُعْطيَ رسالةً مُباشرةً من الله. لذلك لا يُمكِن أن تكون تلك الرسالة خاطئة.

دعونا نَستكمِل قِصَّة بِلعام وبالاق بإعادة قراءة جُزء من سِفْر العدد اثنان وعشرين.

إعادة قراءة الأعداد اثنان وعشرين من الآية تسعة إلى خمسة وثلاثين

على طريقة السَرد القِصَصي العبري المُعتاد في الآية تسعة، يَسأل يَهوَه بِلعام العَرّاف الوثَني سؤالاً بلاغيًا: ”من هؤلاء الرجال الذين مَعكَ، وماذا طَلبوا مِنْكَ أن تَفعل"؟ الله، بالطبع، يَعرِف ما يجري هنا ولكن هذا يؤسِّس لحوار مُباشر بين العرَّاف الوثني بِلعام وإله العبرانيين. لقد ظَهر يَهوَهْ ثلاث مرات في الكتاب المقدَّس لغَير العبرانيين ليُحذِّرهم من فِعل ما يَنْوون فِعلَه بشعبِه المُختار: المرَّات الثلاث مُسجَّلة في التوراة. الأولى مع المَلِك أبيمالك عندما كان ينوي أخْذ زوجة إبراهيم، سارة؛ والثانية مع خال يَعقوب من جِهة أمِّه، لابان (وهو مِثل بِلعام، من بلاد ما بين النهرين)، الذي كان على رأس جَماعة كانت تُلاحِق يعقوب وعائلته أثناء هروبِهم من سيطرة لابان.

يَروي بِلعام بصُدقٍ ما حَدَث في الأيام القليلة الماضية من حياتِه وهو أنّ هؤلاء الرجال جاءوا إليه طالِبين منه أن يأتي معهم ليَلْعَن جيشًا من الناس خَرَج لتوِّه من مِصر؛ وكان الغَرَض النهائي من اللعنة هو أن يَتمكَّن المَلِك بِلعام من هزيمة هؤلاء الغُرباء (الذين كانوا يَفوقون جيشه عددًا) في المَعركة. ولكن يَهوَهْ يُعاكس نيَّة مَلِك موآب بإخبار بِلعام أنه لا يَستطيع أن يَلْعَن هذا الشعب (إسرائيل)، لأنّه مُبارك.

والآن ماذا يَعني هذا بالضبط أنه لا يمكن لَعْنَه لأنّه مُبارَك؟ هذا يُشير إلى سِفْر التكوين والعهد الذي قَطَعه الرَب مع إبراهيم، والذي انْتَقَل بعد ذلك إلى إسحاق، ثم انتقَل أخيرًا إلى يعقوب الذي يُدعى إسرائيل. هذا العَهد يُطلَق عليه دائمًا اسم البَرَكة، والرَب يقول في جوهَره: واحد) إنه من المُستحيل تمامًا أن يَلعَن ما بارَكه من الناحية الرّوحية؛ وبعبارة أخرى، لا يُمكِن لأحد أن يَنقُض ما قرَّره يَهوَه. واثنان) من معنى مادي دُنيوي، أن يُلْعَن شعب الله بمحاولة إعاقة أو إيذاء شعبِه المُبارك سيَجلِب العقاب الإلهي على من يقوم باللَّعن. نصيحة الله: لا تَفعل ذلك.

على الرُّغم من أنّ بِلعام كان يُفكِّر في أن يَذهب مع هؤلاء الرجال، ويقومْ بحُفنَة من التَهويل ويَلعَن بني إسرائيل، ثم يعود إلى بيتِه بكَومة من المال مُقابل جهودِه، إلا أنّ بِلعام لم يكُن أبدًا سيَبقى في الجوار ويكون جزءًا من المَعركة. لم يكُن بِلعام، على حدّ عِلْمنا، رَجُلًا عنيفًا. لم تكُن لدى بِلعام أي نيَّة لاضطهاد بني إسرائيل أو إلحاق الأذى الشخصي بهِم؛ لقد طُلِب من بِلعام أن يتدخَّل من قِبَل مَلِكٍ قَدَّم قِصَّةً جَيّدةً وَوَعْدًا أفضَل بالمال؛ وَوِفقًا لأخلاقيات تلك الفترة، كان بِلعام ليَفعَل ما طُلِب منه ثم يَسحَب يَدَه من كل ما يترتَّب على ذلك لأنه في النهاية لم يكُن سوى مُرتزَق من نوع ما. لم يكُن مؤيّدًا لموآب أو مُعاديًا لإسرائيل شخصيًا. لم يكُن لديه أي مصلحة في هذه المَعركة ولا مَصلحة حقيقية في النتيجة. لقد كان يقوم فقط بعَمَلِه كعرّاف مُحترِف ولم يكُن لديه أجَنْدة شخصية أو (كما رأى) نيَّة شريرة. كان بِلعام يحاول أن يكون مُحايدًا أخلاقيًا: نوعًا ما مِثل الأمم المتحدة.

المُشكلة هي أنه بالنسبة ليَهوَه لا يوجد شيء اسمه الحياد الأخلاقي؛ هذه الحالة هي من نَسج خيال البَشر الخَصب. عَلاوةً على ذلك، كل ما يَفعله المَرء لإعاقة أو إيذاء شَعب الله هو إساءة إلى الله بِغَضّ النظَر عن الدور الذي قد يَلْعَبُه المرء في ذلك. بالنسبة للآب إمّا أن يكون الإنسان مع أو ضِدّ؛ كما قال يسوع، إما أن تكون معي أو ضِدّي. ليس هناك حَلٌّ وسط. هكذا هو الحال مع لَعْن إسرائيل: عدم الاعتِراف بِبَرَكة إسرائيل التي لا يُمكن المَساس بها هو مُطابِقٌ في نَظَر الله لِلَعْن إسرائيل بشكلٍ فَعّال. لا يُمكِن لبِلعام أن ”يقوم بِعَمَلِه“ من أجْل بالاق ثمّ يُغادِر ويُبرئ نفسَه من المسؤولية.

كونُه رَجُلاً روحياً وإدراكاً منه أنه بالتأكيد قد وَاجه إلهاً ما، يُخبِر بِلعام الوَفد الذي أرسَلَه بالاق أنه لا يَستطيع الذهاب معَه لأنه، وأقتَبِس: ”لن يَدَعني يَهوَهْ أذهَب مَعَكُم“. هذا صحيح؛ على الرغم من أنّ مُعْظَم كُتبِنا المقدَّسة ستقول ”الرَب لن يَدَعني أذهَب“ أو شيء من هذا القبيل، إلا أنّ العِبرية الأصلية تَستخدِم اسم الله الحقيقي. قال الرَب لبِلعام (ساحر وثني) اسمَه الرَسمي الشَخصي. لكن افهَموا أنّ هذا لم يكُن يعني بالنسبة لبِلعام أن يَهوَهْ هو إلهُه الوحيد، ولا إله عائلته، ولا الإله الوحيد في الوجود. كلّ ما في الأمْر أنّ هذا الإله بالذات، الذي كان على الأقل واحدًا من الآلهة التي كانت لها مَصلحة في العِبرانيين، قد أوضَح لبِلعام ما يجب عليه فِعلُه وما لا يجِب عليه فِعلُه، وكان هذا جيدًا بما فيه الكفاية بالنسبة له.

لا الإنسان ذو النوايا الشريرة ولا الشَيطان بإغراءاته يَستسلِم ويَذهَب بعيدًا ويَتوقَّف عن إزعاج شَعب الله مرةً أخرى، لمُجرَّد أّنَّهُ رُفِضَ مَرّةً واحدة. لذلك عندما عَلِم المَلِك بالاق أنّ بِلعام رَفَض عَرْضَه، حاوِلَ مرَّة أخرى. وفي هذه المرَّة أرسَلَ مُمَثَّلين شخصيين أعلى مَكانة من الذين ذهبوا من قَبِل ليُحاولوا إقناع بِلعام بالمَجيء. يقولون لبِلعام أنهم سيَزيدون العَرْض النَقدي.

يوضِح بِلعام أنّ الأمْر لا يتعلَّق بالمال، وأنه لا يَرْفُض لمجرد الحصول على أَجْرٍ أعلى.

ثمّ بينما تَزداد القِصَّة توتُّراً، نَجِد بِلعام في الآية الثامنة عشرة يَشرَح أنه يَخضَع لأمْر (ومرَّة أخرى أقتبِس من العِبرية الأصلية)، ”يَهوَهْ إلوهيمي“. حسناً، أي شخص يَسمَع هذه القِصَّة أو يَقرأها ويَدرُسها كما نَفعل نحن الآن يجب أن يَستنتِج أنّ بِلعام كان من الذين يؤمنون بالله وأنه كان له وَلاء ليَهوَه. ولكن مع استِمرار القِصَّة (وفي أسْفار أخرى من الكتاب المقدَّس حيث يُضاف المزيد من التَفاصيل) يتمّ التأكيد أنّ بِلعام كان بِبَسَاطة روحانيًا؛ وبالتأكيد كان يُؤمِن بيَهوَهْ كما يُؤمِن بعدد غير مَعروف من الآلهة الأخرى. في الواقع كان بِلعام في الواقع يَتَباهى هنا. لقد كان يُحاول أن يُثير إعجاب هذا الوَفد من كِبار المسؤولين الحُكوميين من موآب بعَلاقتِه الحَميمة وتأثيرِه في عالم الآلهة غير المَنظور، وبشكلٍ خاص مع الإله ذات الصِلة بمُشكلة بالاق: إله بني إسرائيل. كان بِلعام بائعًا جيدًا جدًا.

وكونُه بائعاً جيداً كان مُهِمّاً ليس فقط مع زَبائنه، بل أيضاً مع الآلهة التي كان يَتعامَل معَها في مِهنَتِه. لذلك في الآية تسعة وعشرين يَقول بِلعام (الذي كان يُريد حقًا هذه العَمَلية وفِدْية المَلِك التي تُرافقُها) للمَجموعة الثانية من الرِجال أن يَبيتوا الليلة، وأنه سيَستشير الله في هذا الأمْر مرة أخرى. يقول: ”دعوني أعرِف ماذا سيَقول الرَب أيضًا“. بِلعام مُعتاد على المساومَة. إنه مُعتاد على أنْ ”تُغيِّر الآلهة رأيَها“. فلماذا يَكون يَهوَهْ هذا مُختلفًا؟ في الواقِع هذا الإجراء الكامِل للتفاوُض مع الآلهة هو أساس العَرَّافة. تَستمِرّ المفاوضات مع الإله المَعني حتّى يتم الحصول على الفأل المأمول. كان شعار العرَّافين هو ”إذا لم تَنجَح في البداية، حاوِل مرة أخرى“.

لاحِظوا أيضاً أنه بَيْنَما في الجزء الأول من هذه القِصَّة جاء الرَب إلى بِلعام بشِكْلٍ غَير مُتوقَّع وبطريقةٍ ما كان فيها بِلعام مُستيقِظاً وواعياً تماماً، فإنّ بِلعام الآن سيُحاوِل استدعاء الله بالطريقة المَعروفة عند العرَّافين: حُلُم أو رؤيا غير واعية. ومن المُثير للاهتمام أن يَهوَهْ لم يُخيِّب أمَلَه.

والآن اسمحوا لي أن أشير إلى أنَّ تَلقّي شيء من الرَب بشكلٍ عام في الحلٌم كان يُعتبَر طريقة غير مُتقدِّمة للإلهام الإلهي مُقارنةً بما اختبَره أنبياء الرَب المُعيَّنين. ليس الأمْر أنّ الحُلم كان شيئًا يجب أن يُنظَر إليه باستخفاف، لكنَّه كان يَتضاءل بالمُقارَنة مع نوع الاتصال الواعي الكامِل الذي اختَبَره أنبياء الرَب (وكان هناك عدَد قليل جدًا من الأنبياء من هذا النوع). يُخبرُنا الكتاب المقدَّس عن الاتصال الكامِل لأولئك الذين كانوا أنبياء الله. لهذا السَبب أشَرْتُ سابقًا إلى أنّ لَقَب ”نَبي“ يمكن أن يُستخدَم بطريقتَين مختلفتَين جدًا، على مستويَين مختلفَين جدًا من العلاقة الحميمة مع الله: النَبي الذي يتمّ اختيارُه ليَكون لسان حال الله الشخصي على مَدى فترةٍ زَمنيةٍ طويلة، فيأتي بِوَحي مُباشَر وجديد من الرَب. والنوع الثاني مِثل ما يَرِد في العهد الجديد وعبارة عن شخص يُعلّمِ كَلِمة الله (إلى حدٍّ ما يُفسِّر أو يُقدِّم شرْحًا لما سبَق أن قَدَّمه كَتَبة الكتُب المقدَّسة). بشكلٍ عام ما يُشبه هذا النوع من الأنبياء إلى حدٍ كبير هو المُعلِّم.

تقول الآية عشرون أنّ الله قد جاء بالفِعل إلى بِلعام في حُلمٍ وأخبَرَه أنه لا بأس الآن أن يذهَب مع هذه الفِرقة من موآب إذا طُلِبَ منه ذلك. ولكن سرعان ما نَجِد أنّ الله لا يَرضى أن يَذهَب بِلعام إلى بالاق. لدينا هنا مِثال واضِح على أنّ الله يَعمَل ضُمن إرادة الإنسان الحرَّة. كان بِلعام عازمًا على الذهاب. كان بِلعام عرافًا لا يَعرِف إلا طريقة كلّ العرَّافين؛ وهذا يَعني التفاوُض مع إله مُعيَّن حتى يحصُل على ما يريد. دعونا نُفكِّر في هذا الأمر. لماذا ذَهَب بِلعام إلى بالاق رُغم إصرار الرَب على أنّ بِلعام لا يجِب أن يفعَل ما استأجَره بالاق ليفعَله؟ هل نَفهَم من ذلك أنّ بِلعام أراد ببساطة أن يوصِل شخصيًا الأخبار السيئة إلى بالاق بأنه لا يَستطيع أن يلْعَن إسرائيل؟ أن يُسافِر بِلعام أكثر من مائتي ميل، ماشيًا وأحيانًا راكبًا على ظَهْر حِمار، فقط ليَعود إلى بيتِه خالي الوفاض لأنه لم يَقبَل الوظيفة؟ لا يمكِن أن يكون ذلك واقعيًا؛ لم يكُن بِلعام قد انتهى من التفاوُض مع يَهوَه. على كل حال، لقد حَصَل بِلعام الآن على إذِنٍ من يَهوَهْ على الأقَلّ بالذَهاب إلى بالاق؛ وبالتأكيد ستكون الخطوة التالية هي أنّ الرَب سيُعطي بِلعام مُهلة فيما يَتعلَّق بلَعْن إسرائيل. أخبِرني: ألا نَميلُ أحيانًا إلى فِعل ذلك؟ نحن نَعلَم جيدًا أنّ إرادة الرَب هي أن نفعَل شيئًا ما أو لا نَفعَلَه، ولكننا نَمضي قُدُمًا في خطّتِنا على أي حال؟ نحن نَعلَم بطبيعتنا أنّ يَهوَهْ من غَير المُحتمَل أن يَضرِبَنا في مُنتصَف كل ما نَفعلُه. وفي كثير من الأحيان، لا تسوء حالنا كثيرًا، ونُحقِّق ما عَزَمْنا على فِعْلِه. وفي أحيانٍ أخرى، تَسير الأمور بشكل فَظيع ونُدرِك أنه كان ينبغي علينا أن نَستمِع إلى الرَب طوال الوقت. هذا هو تأثير الإرادة الحرَّة واستخدامِنا لها بطريقة لا تَنسجِم مع الله.

وهكذا نَجِد بِلعام راكِبًا على حِمارِه الأنثى، مُتَّجهًا نحو موآب، يرافِقُه مُساعدان. وفجأة يَظهَر الله في صورة ”ملاك يَهوَه“. ومن المُدهش أنّ بِلعام لا يرى ملاك الرَب ولكن الحِمار يراه. الآن نَتعلَّم شيئًا آخر عن بِلعام: إنه أعمى روحيًا تمامًا. إنه لا يَستطيع أن يرى ملاك الرب الواقف في طريقِه. حِمارُه هو الذي رأى الرَب، لَيَنْحَرِف عن الطريق ويَنزِل إلى الحقول، خائفًا من هذا الشَبح الذي يحمِل السيف. إنّ بِلعام الذي يُفترَض أنه روحاني عظيم غافِل تمامًا عن سبب تَصرُّف حمارتِه، ولذلك يَضرِب الحِمارة ليُعيدها إلى الطريق.

وعلى بُعد بضعة أقدام يَتمركَز الرَب في بُقعَة ضَيّقة جدًا من الطريق تَشمَل سياج (أي جِدار من الحِجارة المُكدَّسة) على جانبَي الطريق. تُحاول الحِمارة، وهي خائفة، أن تَبتعِد عن الظهور الملائكي المُخيف وبذلك تُمسِك بقَدَم بِلعام بين جانبها والسور الحَجَري. لم يعُد بِلعام غاضبًا فحَسَب بل يَتألَّم أيضًا، لذلك يَضْرِب الحِمارة ليَجعلَها تُفلِت قَدَمه ويواصِل المسيرة.

بَعد بضعة أقدام أخرى أصبَح الطريق ضَيّقًا جدًا بحيث لم تَستطِع الحمارة أن تَلتَفّ حول مَلاك الرب، فدفاعًا عن نفسها ثَنَت رُكبتَيها وسَقَطت على الفور. فَقَدَ بِلعام أعصابَهُ تمامًا وبدأ يَضرِب الحمارة المِسكينة الخائفة التي فَعَلت الشيء الوحيد الذي كان بإمكانها فِعلُه في ظِلّ هذه الظروف.

والآن دعوني أخبرُكم أنّ الحيوانات التي تَتصرَّف بغرابة كانت نذيرًا حتّى للسَحَرة المبتدئين. إنّ تَجاهُل بِلعام التامّ لسُلوك هذا الحيوان يَعني إظهار تَصميمِه المُطلَق على فِعل ما كان قد عَزَم على فِعلِه: عصيان الرَب والحصول على ذلك المال من خلال لَعْن إسرائيل.

أفترِض أنني أستطيع أن أتوقَّف وأُخْبِرَكُم ببعض الحكايات اللطيفة عن كل هذا الأمْر، وما يَعنيه هذا بالنسبة لنا؛ لكنني لا أعتقد أنني بِحاجة إلى ذلك لأننا جميعًا نُفكِّر الآن: عَجَبًا، كم مرَّة حاولتُ أن ألتَفّ حول الرَب أو من خلاله، ولم يَجلِب لي ذلك سوى الألَم والحُزن. ها هو سوء استخدام إرادتِنا الحُرَّة مرة أخرى.

بَقِي بِلعام أعمى تمامًا بشأن ما كان يَحدُث في الواقع، فسَمَح الرَب للحِمارة بالكَلام: لتَسأل بِلعام لماذا يَضرِبُها. وبعبارة أخرى، يا غَبي، ألا يمكنُك أن تكتشِف أنّ شيئًا غير عادي يحدُث هنا؟ ألمْ أتصرَّف هكذا من قَبْل؟ ألم أكُن خادِمة أمينة صالِحَةً لك؟ ويَعترِف بِلعام أنّ الحمارة لديها وجهة نَظَر.

وفجأة الآن وبعد أن استَحوذ يَهوَهْ على انتباه بِلعام عن طريق حِمارته الناطِقة، يرى بِلعام ذلك الشخص المُخيف الذي يَحمِل السيف واقفًا أمامَه، فيَسقُط بِلعام على الأرض في ذُعر وفَزَع. يسأل الرَب بِلعام عن سبب معاملتِه السيئة لحِمارته، لماذا يَستمِرّ في مُعاملة حمارتِه بهذه الطريقة السيئة؟ ويُشير إلى أنه، في الواقع، لولا أنّ الحِمارة كانت تَفعَل الشيء الصحيح، لكان الرَب قد استخدَم ذلك السَيف على بِلعام! وليس على الحِمارة.

لقد أخبرتُكم الأسبوع الماضي أنّ هذا كان كتابًا مقدَّسًا داخل كتابٍ مقدَّس!

حسنًا أيها الأزواج والزوجات والآباء والأمَّهات والأبناء، هل فهمتُم ما حَدَث للتو؟ هل أراد أحدُكُم يومًا ما شيئًا بشدّة ورَفَضَ الآخر؟ هل عَلِمتُم أنّ قُبول تلك الوظيفة الجديدة (على الرُغم من أنها تَعني الانتقال) أو بَيع المنزل (على الرغم من أنّ العائلة كانت سعيدة في مَكانِها) أو شراء تلك السيارة الجديدة (على الرُّغم من أنه لم يكُن هناك أي عَيْب في السيارة القديمة) كان هو الشيء الصحيح الذي يَجب القيام به، لكن زوجتَك أو والدَك أو والدَك لم يوافِق على ذلك الأمر برُمَّته؟ أنا لا أقول إنّ الشخص الذي يَتصرَّف كحاجِز طريق هو الشخص الذي يَتمتَّع بحُسن التقدير. ما أقولُه هو أنه عندما يَحْدُث شيء كهذا، قد يَكون من الحِكمة التوقُّف والتريث. تَوقَّف وابحَث عن الرَب. ربما تكون المشكلة مُجرَّد ردَّة فِعل الزوج أو أحد الوالدَين الذي لا يُحبّ التَغيير، أو الشخص الذي يريد دائمًا أن يَتحكَّم بالآخر؛ أو ربما… فقط ربما يكون الرَب يَستخدِم ذلك الشخص المُتعنت ليوقِف شيء لا يريده أن يَتمّ، لكنَّك أعمى تمامًا عن كل ذلك. وهو يحاوِل أن يُخلِّصك إما من خطأ فَظيع لا يمكِن لرغباتِك الجامِحة والأنانية أن تتقبَّله؛ أو ربّما يُخلِّصك من تأديبِه (الذي يُفضِّل البعض منّا أن يُصدِّق أنه لا يَستخدمُه أصلاً).

في الآية اثنان وثلاثين، يُكرِّر الرَب أنه يرى أن ما يَفعلَه بِلعام في ذهابِه إلى بالاق هو أَمرٌ بَغيض. فيَرُدّ بِلعام، ولكنّه لا يزال لا يَفهم الأمْر: يقول: ”يا رَب لقد أخطأتُ كثيرًا في عدَم رؤيتِك في الطريق! لقد أخطأتُ بضَرْب حمارتي ضرْباً مُبرِحاً! أنا فقط لا أعرِفُ ما الذي أصابَني. وإن كنتَ ما زلتَ غير راضٍ عن ذهابي إلى بالاق، فلن أذهَب“. لا تزال غير موافِق؟ لقد أخْبَرَه الرَب للتو أنّه وَجَد ذهابَه إلى بالاق بغيضًا. بِلعام يَتملَّق ويَتذلَّل ويُحاوِل التلاعُب. يا إلهي، يا رَب، ربما ليس الأمر أنك لا تُريدني أن أشتري سيارة دَفع رباعي جديدة، بل أنَّك لا تُريدني أن أشتَري سيارة تويوتا حمراء جديدة. هل سيَكون الأزرق أفضَل؟ ربما فورد؟ أوه هذا يبدأ حقاً بالتشبُّه بحياتِنا، أليس كذلك؟

إنّ الرَب، خالِق الإرادة الحرَّة، يَسمَح لبِلعام بأن يَستمِرّ في مُمارَسة إرادتِه ويذهَب إلى موآب؛ ولكن يُذكِّره، بألا يقول شيء غير ما أمَرَه به. يَفرَح بِلعام ويذهَب للقاء المَلِك بِلعام.

دعونا نقرأ المزيد.

أَعِد قراءة العَدَد، الإصحاح اثنان وعشرون الآية ستّة وثلاثين – النهاية

حسنًا سَمِع الملك بالاق بقُدوم بِلعام، كان مُتلهِّفًا جدًا ليجعَلَه يَمضي في مُهمَّتِه في لَعْن إسرائيل لدرَجة أنه سافَر إلى الحدود الشمالية لموآب لاستقبال بِلعام. وكما يَفعَل من لَه مِثل هذه الأهمية المَلَكية، يوبِّخ بِلعام ويسأل عن سبب تأخُّرِه في قبول عرضِه هذا؟ فيقول: ألا تَعتقد أنني سأدفَع لك؟ يقول بِلعام، وقد كان حَذِرًا بسبب حادثة الحِمار، إنه ما دام هنا لا يَستطيع أن يَفعَل شيئًا سوى أن يتكلَّم بما يأمُره الله أن يَتكلَّم به.

ولكن المَلِك بالاق لم يرتَدِع؛ فأعَدَّ وليمة كبيرة على شَرَف هذا الساحِر الذي سيُساعدُه في صَدّْ بني إسرائيل. اسمحوا لي أن أشير إلى أنه كان الاعتقاد القَديم أنه إذا وافَقَ العرّاف على لَعْن شخص ما، وفَعَل ذلك، فلا شكَّ أنّ اللعنة كانت فَعّالة. وكان كلٌ من اللاعِن والمَلعون يَعتَقِدان ذلك. إذًا لم يكُن قَلَق بالاق هو ما إذا كانت هذه اللعنة سَتنجَح، بل هل كان بِلعام سيَفعلُها بالفِعل بالنَظَر إلى موقِفه المُتردِّد (حتّى هذه اللحظة على أي حال). لا شكّ أنّ عَقْل بالاق شرْق الأوسطي كان يَعتقد أنّ هذا كلَّه كان ببساطة طريقة بِلعام لرَفع السِعر.

وبَعد البروتوكول المُناسب لتَناوُل الطعام مع هذا الساحر الرافديني الشهير، اصطَحَب بالاق بِلعام إلى تلَّةٍ عالية يُمكنهُما من خلالها رؤية بَعضٌ من شَعب إسرائيل في مُعسكَرِهم. كان المَكان الذي ذهَبوا إليه يُسمّى باموث-بَعل، وهذا يعني مَذبح أو مكان مُرتفِع للإله بَعل. لم يَفعلوا ذلك بدافِع الفُضول للنَظر إلى كل هؤلاء العِبرانيين: لم تكُن اللعنة فَعّالة إلاّ عندما يكون الشخص أو الشيء المَلعون يَرى من يُلقي باللعنة. لهذا السبب كان من الضَروري أن يَأتي بِلعام إلى موآب في المَقام الأول وإلا كان من المُمكِن ببساطة أن يَكون مَبعوثو بِلعام قد حُمِّلوا بالذَهب والفِضّة، وأخَذوها إلى كرميش حيث كان يَعيش بِلعام، وأدّى بِلعام طقوسَه من بَيتِه.

لنَنتقِل إلى الإصحاح ثلاثة وعشرين.

أَعِد قراءة سِفْر العدد الإصحاح ثلاثة وعشرين الآية واحد إلى اثني عشرة

لم يكُن الرَقم سبعة عدَد إلهي ذي الأهمية الكبيرة اختراعاً ولا حِكراً على إسرائيل وحدَها. لقد كان رَقمًا شائعًا ومُستخدَمًا في الطقوس في جميع أنحاء العالَم المَعروف.

استمِعوا إلى هذا المُقتطَف القصير من لَوح طيني عُثر عليه من العَصر البابلي القديم (في زَمن إبراهيم): "عند الفَجر، في حضرة إيا وشماش ومردوخ (جميع الآلهة البابلية)، يجب أن تَنْصِبوا سبعة مذابح، وتَضعوا سبعة مباخِر من السرو، وتَصُبّوا دم سبعة من الغَنم . يُشير ابن عزرا إلى أنّ الرَقم سبعة يُستخدَم كثيرًا في التقويم الطقوسي عند العبرانيين: سبعة أيام في الأسبوع، شباط اليوم السابع، الأسبوع السابع (شافوت) وسبعة سنوات (السنة السَبتية)، وسَبعة أشهر للأعياد التوراتية الخاصّة، وسبعة رشّات من دم العِجل نحو خيمة الاجتماع، وهكذا دَواليك. الرَقم سبعة كرَقَمٍ عِبادي له أهمية خاصّة وكان شائعًا في جَميع أنحاء الشرق الأوسط: لقد وَضَع الرَب الإله الرَقم سبعة كنَمَطٍ مُهّم منذ أن خَلَق السماوات والأرض. إنّ تَحريف البشر لعِبادتهِم، وتَبنّيهم لآلهة زائفة، وتَحريفِهم للطقوس وإساءة استخدامِها، لا يَعني أنهم نَسوا كل ما عُلِّم لنوح ثم تَوارثوه، بل استَخدموه كأساس لصياغة دياناتِهم الخاصّة.

ولذلك، فإنّ الطقوس التي نَجِدُها في بداية الإصحاح الثالث والعشرين هي ما يُمكن توقُّعه من ساحر من بلاد ما بين النَهرين مِثل بِلعام: سبعة ثيران وسبعة كباش ذُبِحت على سبعة مذابح، مثلما قرأنا للتو من ذلك اللوح الطيني القديم.

بعد أن ذُبِحت الحيوانات وأُحِرقت أجسادُها على المذابح، طَلَب بِلعام من المَلِك أن يَقِف بجانب المَذابح بينما يَذهَب ليتحدَّث مع يَهوَه. يُخبِر بِلعام الرَب أنه قد ذَبَح على المَذابح السبعة، وبطبيعة الحال لا يَرُدُّ الرَب لأنه بالتأكيد لم يأمُر بِمِثل هذا الأمْر. وبدلاً من ذلك، يَتجاهل الرَب محاولة بِلعام للاسترضاء ويأمُر بِلعام بالعودة إلى بالاق ونقْلِ كلامِه.

فيَعود بِلعام إلى حيثُ كان المَلِك واقِفًا عند المِحْرَقَة، حيث كانت حاشيتُه أيضًا، ويَنطُق بما كان بالاق يَظنّ أنه يَنتظرُه.

باختِصار، يَقول بِلعام أنّه على الرُّغم من أنّ المَلِك بالاق أحضَرَه إلى هنا ليَلعَن إسرائيل، لا يُمكِن لأي إنسان أن يَضَع لَعنة خارقة للطبيعة على ما بارَكه يَهوَه. وبقدْر ما أغضَب ذلك مَلِك موآب، فإنّ بِلعام يَمضي في التنبّؤ بمُستقبل مَجيد لإسرائيل. إنّه يُعيد بشكلٍ أساسي وَعْد الله لإبراهيم في أنّ العبرانيين سوف يَتكاثرون بأعداد لا تُحصى.

ولكن هناك شيء آخر يُقال أيضًا يوضِح بإيجاز نُقطة ناقَشناها في هذا الصَّف في مُناسبَات عديدة: هناك إسرائيل، وهناك الجَميع. أو كما جاء في الآية تسعة، ” نعَم، شَعب سيَسكُن وحَده (أو مُنفرداً)، ولا يُحسَب من بين

الأُمَم“. للمراجَعة: ما يقولُه هذا هو أنّ شعباً سيَسكُن مُنفرداً (أو مُنفصلاً) ولا يُحَسب من بين الأمم. هنا نرى أنه تمّ إجراء انتقال مُهمّ: يُشار إلى إسرائيل من الآن فصاعداً من الناحية التوراتية على أنَّه ”شعب الله“، ”أميم“؛ وكل الشعوب الأخرى على هذا الكوكب (الأمَم) تُدعى ”الأمم“، غوييم. لم تَعُد كَلِمة”غوييم “ تعني فقط الأمم بشكلٍ عام، بل تَعني الآن على وَجْه التحديد الأمميّون أو الأمم غير اليَهود. لم تَعُد تَشمَل الشَعب العبراني أو الأمَّة العِبرانية.

إذًا ها هو الرائي الأُمَمي الذي أُمِر بأن يوضِح للبشرية جَمعاء أنّ إسرائيل مُختلفة تمامًا عن الجميع في نَظَر يَهوَه، ليست أفضَل من الأمم بل بالأحرى مُتميِّزة عن الأُمَم. حتّى المُفردات القياسية لتَسمية إسرائيل أمة لم تَعُد تَنطبِق حتّى على المُفردات المُتعارَف عليها في تَسمية إسرائيل أمَّة، هكذا يرى الرَب مُختاريه مُنفصلين عن بَقية البشر. ولِيُتوِّج كل ذلك يقول بِلعام أنّ البَرَكة ستَكون له (وفي الجوَهر لكلِّ البشر) إذا استطاعوا بطريقة ما أن يَجدوا البِرّ في عينَي إله العبرانيين، ويموتوا في تلك المَعرِفة بالبَرَكة.

لم يكُن هذا بالضبط ما تَوقَّع بالاق أن يَسمعَه. ومن الواضِح أنّه مُحبَط ومَذهول يقول لبِلعام: ”ما الذي فَعلتَه بي؟ لقد أحضرتُك إلى هنا لتلعَن أعدائي (إسرائيل)، وبدلاً من ذلك باركْتَهُم!“. فيَرُدّ بِلعام ”لا يمكنني أن أقول إلا ما يقوله لي يَهوَه، لقد أخبرتُك بذلك عندما جئتُ إلى هنا.

بالطبع أدَرَك المَلِك بالاق بالطبع أنّ بِلعام الذكَي يَرفَع الرهان مرة أخرى، ولذلك قال له: ”حسنًا لنَذهب ونُجرِّب تلَّةً أخرى لتَلعَن إسرائيل مِنها. ربما يمكنُك أن تَنجَح هذه المرَّة.

دعونا نتوقَّف هنا ونُكمِل الأسبوع القادم.