11th of Kislev, 5785 | י״א בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » العدد » سِفْر العدد الدرس خمسة – الإصحاحان أربعة وخمسة
سِفْر العدد الدرس خمسة – الإصحاحان أربعة وخمسة

سِفْر العدد الدرس خمسة – الإصحاحان أربعة وخمسة

Download Transcript


سِفْر العدد

الدرس خمسة – الإصحاحان أربعة وخمسة

القصة الأساسية في سِفْر العدد أربعة هي ما يُطلَق عليه عادةً اسم إحصاء اللاويين الثاني. المعلومات واضِحة ومُباشرة، لذلك لن نُطيل الحديث هنا. ويَختلِف هذا الإحصاء عن إحصاء اللاويين السابق الذي أجْراه الله بنفسِه، في المَقام الأول أنه في هذا الإحصاء الجديد كان النطاق العُمري الذي سيتمّ إحصاؤه من ثلاثين سنة إلى خمسين سنة….. نِطاق عُمري ضَيّق يبلُغ عشرين سنة (أحصى إحصاء اللاويين الأول الذكور من عُمر شهر واحد وما فوق) والسبب (وإن لم يُذكَر على وَجه التحديد) في تحديد هذه الفئة العُمْرية بالذات هو الطبيعة الثقيلة لهذا العَمَل الذي يتضَمَّن حَمْل أشياء وقُطَع مقدسة والقيام بمهام الحراسة. الفِكرة هي أنّ هؤلاء الرِجال يجب أن يكونوا على قَدَر كبير من المسؤولية والنُضج العاطفي حتى يؤدّوا وظائفهم بتَفانٍ مُطلَق، ويجب أن يكونوا قادرين جسدياً على رَفْع الأشياء الثقيلة والدفاع عن الحَرَم في القتال بالأيدي إذا لَزِم الأمْر.

إقرأ سِفْر العدد أربعة بأكملِه

القَبَليّة هي ثقافة الكتاب المقدس، وحتى نتمكَّن من استيعابها والتعامُل معها سيَفوتُنا الكثير مما يحدُث في الروايات العديدة التي تُشكِّل الكتاب المقدس. في حَضارتنا الغربية عادةً ما تكون طُرُق القَبَليّة إما غير مَعروفة لنا على الإطلاق أو يُساء فهمُها بشكل رهيب. من المُهمّ أن نُدرِك أنّ القَبَليّة محايدة أخلاقياً؛ فهي ليست جيدة ولا سيئة في حدّ ذاتها. كانت القَبَليّة بُنية مُجتمعية طبيعية جدًا لعالَم قديم. لقد كانت القَبَليّة هي البُنية المُجتمعية السائدة في جميع أنحاء العالم حتى العصور الوسطى في أوروبا، لأنها كانت قائمة على الروابط العائلية وكانت رابطة الدَم دائمًا غريزية وبديهية وقويّة للبشرية.

وبِحلول العصور الوسطى تَحوّلت البُنية المُجتَمَعِيَة الأوروبية إلى مزيج من الهويّة الدينية والقومية، وبالتالي بدأت القَبَليّة تتَراجع في ذلك الجزء من العالم. في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر حَدَث تَحوُّل آخر في أوروبا والعالَم الجديد بتوجيه من قادة وفلاسفة الفَترة التي يُسمّيها التاريخ الآن بالتنوير، حيث أصبحت الهَوية الدينية موضِع تساؤل واستُبدلِت بوجهات نَظَر إلحادية والرغبة في حكومات علمانية بَحتة وبُنية مُجتمعية قائمة على الاقتصاد وليس على المُعتقدات أو الدماء المُشتركة.

تَكمُن المشكلة في أنّ عَصر التنوير اتَّجه أيضًا إلى تفكيك الروابط العائلية (الروابط العائلية هي جوهر القَبَليّة)، وبالتالي أصبحت المجتمعات الغربية اليوم عبارة عن تَجمّعات وشبكات فَضفاضة من الوَحَدات العائلية الصغيرة التي يُسميّها علماء الأنثروبولوجيا بالعائلات النووية، أي أنّ مفهوم الأُسرة أصبح يُعاد تعريفه على أنه يَتَكَوَّن بشَكل عام من الأم والأب وأبنائهما المُباشرين ولا يُشير مصطلح الأسرة النووية إلى اختراع القنبلة الذرّية. إلا أنه يُقدِّم لنا توضيحًا جيدًا: فكما أنّ الذَرَّة في حالتها الطبيعية لها مَركز يُسمّى نواة تدور حولها إلكترونات وبروتونات، فإنّ وحدة الأُسرة الغربية الحديثة الجديدة تُشبه الذرَّة التي جُرِّدت من إلكتروناتها وبروتوناتها ولم يَبقَ منها سوى تلك النواة. وضُمن هذا التعريف الجديد للأُسرة في الغرْب، عادةً ما تقتصِر الحقوق القانونية للأسرة على علاقة بين جيلَين. فالأجداد يُعتبَرون غُرباء؛ أمّا العَمّات والأعمام وأبناء الأعمام، فَهُم الآن من الناحية القانونية (وفي معظم الحالات من الناحية العَمَلية) أقارب ”بعيدين“ لا تربُطُهم سوى أقلّ صِلة بالعائلة النوَوية الشخصيّة.

وبالطبع نحن جميعًا نُدرِك أنّ تطورًا آخر في العلاقات الأُسَرية يَجري على قَدَم وساق في الغَرب، وهو ما يَنفي الحاجة إلى الالتزام الطويل الأمد أو الروابط بين الأفراد، أو حتى وجود الأم والأب كرئيسَيْن للأُسرة، أو الرَغبة في وجود روابط الدم. فالوِحدة الاجتماعية الأحدَث في العَصر الحديث التي يتّم الدعوة إليها وتَشريعها في دائرة تتَّسِع باستمرار في العالَم المُتقدِّم هي في الأساس أقرَب ما تكون إلى عقلية القَطيع حيث يَختار الأفراد غير المُرتَبطين وغير المُلتزمين في الغالب التجمّع معًا لفترة وجيزة لتَلبيةِ بعض الاحتياجات الفورية أو المُتوسِّطة من الرِفقة أو الحماية الجماعية، أو ربما ميزة اقتصادية مُتصوّرة.

وبعِبارة أخرى، نحن اليوم بَعيدون كل البُعد عن القَبَليّة لدرجة أنه يكاد يكون من المُستحيل على عقولنا أن تَستوعبَها، وبالتالي نراها على الفَور كمؤسّسة سَلبية أو مُتخلِّفة. ولكن قد يُفاجئك أن تَعرف أنه على الرغم من الجهود الجَبّارة التي تَبذُلُها الأمم المتحدة والحكومات الأكثر قوّة في العالم، إلا أنّ معظم العالَم اليوم لا يزال قَبَليًا وبالتالي فإنّ أحد مَصادر الصِدام العديدة التي نَراها بين الإسلام واليهودية والمَسيحية يَتعَلّق بالعقلية القَبَليّة القائمة على الأُسرة والعقيدة البَحتة، مُقابل المُجتمع الغربي الذي يدور حول الفَرْدية والنسبية الأخلاقية.

ما أقصده هو أنّه لفَهم الكتاب المقدس علينا أن نَفهَم البُنية والعقلية القَبَليّة، والوِحدة المُجتمعية الأكثر تأثيرًا داخل الثقافة القَبَليّة هي العشيرة، والعشيرة هي عائلة كبيرة مُمتدّة ، غالبًا ما تُكوّن اقتصادها وحكومتها الخاصة إذا نَمَت بشكلٍ كبير بما فيه الكفاية مع مرور الوقت وتَعُود هويّة العشيرة دائمًا إلى مؤسّسها الذي سُميت العشيرة بإسمه؛ فولاء أفرادها للعشيرة لا يمكن انتهاكُه ويمكن أن يَمتدَّ لقرون. علاوةً على ذلك، من المُعتاد أن تُصبِح بعض العشائر مُهيمِنة داخل القبيلة، بينما تُصبح العشائر الأخرى أقل شأناً أو تابعة أو حتى تَنقرِض أو تَندَثِر أو يَتّم استيعابها من قِبل العشيرة المُهيمِنة. هكذا عندما نَسمَع بمصطلح ”الحرب القَبَليّة“ اليوم (وفي العصور القديمة) فإنّ ما يحدُث في أغلب الأحيان ليس قتالاً بين قبيلتَين، بل قتالاً بين العشائر التي تُشكِّل القبيلة الواحدة. في القَبَليّة هناك معركة لا تنتهي أبدًا من أجل التفوُّق العشائري؛ داخل القَبَليّة مَكانة كل عشيرة هي كل شيء ويَكمُن في نصوص كتابنا المقدَّس هذا الصراع القَبَلي من أجْل الهيمنة. ضَعْ هذا في الإعتبار خاصة ونحن نَدرُس التوراة وأسفار العهد القديم ويَظهَر في المقدمة والوسط هنا في سِفْر العدد.

في سِفْر العدد أربعة، أول عشيرة للاويين يتم إحصاؤها في هذا الإحصاء الجديد هي القهاتيون. وهذا يَختلِف عن الإحصاء الأول لأنه في الإحصاء السابق كانت عشيرة جرشون تُعَدّ أولاً لأنّ جرشون كان اليُشير والسبب المحتمل لإعطاء الأولوية للقهاتيين في هذا الإحصاء هو أنّ هذه العشيرة كانت تَنقُل أكثر الأشياء قداسة، وبالتالي أكثرُها خطورة. بالإضافة الى ذلك، فإنّ هارون وموسى (بصِفتِهما قائدين ليس فقط للاويين بل لكُلّ إسرائيل) كانا يَنتميان إلى عشيرة القهاتيين، لذلك أعطى هذا مَكانة قَبلَية كبيرة للقهاتيين.

الآن فيما يَتعَلّق بالمكانة القَبَليّة بين مختلف عشائر اللاويين، لن نَخوض في ذلك الآن، ولكن أريدك أن تَعرِف أنه بمرور الوقت سيَتغيَّر ترتيب الأسبقية بين عشائر اللاويين، حتّى أنّ بعض الواجبات ستَنتقِل من العلمانيين إلى اللاويين، ثم من اللاويين إلى الكهنة، وهذا الأمر يُزعِج بعض عُلَماء الكتاب المقدس كثيراً لأنهم يَخشون أن تكون المعلومات التي نَكتشِفُها في الأسفار اللاحقة من أسفار العهد القديم والتي ترسُم أحياناً صورة مُختلفة للكَهْنوت هي أخطاء أو تَحريفات خطيرة لغَرَض سياسي أو تَناقضات فيما يَتعَلّق بهذه التغيُّرات في كيفية عمل الكهنة واللاويين. أنا شخصيًا أجِدْ أن ذلك يَجعَل الكتاب المقدَّس أكثر قابلية للتصديق، لأنه على الرغم من أنّ بَني إسرائيل كانوا يُطوِّرون ببطء ثقافة مُختلِفة عن بقية العالم، إلا أنهم لم يَبدأوا العيش على كوكب مُختلِف. على مرِّ القرون، كل شيء، بدءًا من تَغيُّر أنماط الطقس إلى التقدُّم التكنولوجي إلى تقلُّب التركيبة السُكّانية المُجتمعية إلى أشياء ملموسة أكثر بساطة، مِثل إلغاء خيمة الإجتماع واستبدالِها بهيكل دائم، وحتى ماهية الأمّة التي كانت تَحكُم بني إسرائيل في أي وقتٍ من الأوقات (آشور، بابل، الرومان، إلخ)، تَجعَل أنه لا بد أن تَتغيَّر الطريقة الدقيقة التي كانت تُؤدّى بها الطقوس والاحتفالات (أو حتى يمكن أن تُؤدى بها)… والأشخاص الذين كانوا يَقومون بها. إذا كنّا سنَقرأ أن هذه الأشياء لم تتغيَّر أبدًا على مَدى أربع عشرة أو خمس عشرة قَرنًا منذ اللحظة الأولى التي تمّ تقَديمُها فيها لأول مرة، فلن تكون أخلاقية أو حقيقية، عادةً من خلال الشعور الغَريزي أو التَقييم السريع غير الرَسمي، لأن هذه ليست الحياة الواقعية.

على سَبيل المثال، يُمكِن للناس اليوم أن يَتجادلوا حول ما هي القواعد الصحيحة للطعام الحَلال؛ ولكن في الواقع لا يَستطيع أحد أن يَتبَع قوانين الطعام الحلال تمامًا كما هو مَنصوص عليه في التوراة لأنه لا يوجد مَعبد لتخصيص أجزاء من اللحوم ولا كَهْنوت للإشراف على الذَبح. لذا فإننا نبذُل قُصارى جُهدنا في ظِلّ الظروف الحالية. لا توجد حقول وأراضٍ زراعية أعرِفُها في أمريكا يتم تَنظيمها بواسطة قوانين السَبت واليوبيل، وبالتالي، فإن ما يَنمو على الأرض ولا يتم تَنظيمه بهذه الطريقة ليس حلالًا وِفقًا للكتاب المقدس. في الواقع، لا يَتْبَع سوى القليل جدًا من الطعام المَزروع في إسرائيل الشريعة بطريقة تَجعلُه حلالًا وفقًا للكتاب المقدس. يمكننا أن نَتجادل حول كيفية الاحتفال بالمَهرجانات التَوراتية المُختلفة المطلوبة ولكن على الأقل بالنسبة لثلاثة منها والتي تَتطلَّب الحَجّ إلى الأرض المقدَّسة لتكون فَعالة، لا يمكننا القيام بها تمامًا كما هو مَنصوص عليه مهما كان الأمْر، لأن الهدَف الرئيسي من الذهاب إلى القُدْس كان العبادة والتَضحية في الهيكل، وليس مجرد زيارة مدينة القُدْس. إنّ بعض الطقوس مِثل مراسم سكْب الماء، التي يُمْكِن القيام بها إلى حدٍّ ما، مَطلوب القيام بها فوق المذبح العظيم الذي لم يَعُد موجودًا. هذه مُجرَّد أمثِلة قليلة يواجهُها اليهود اليوم (ونواجهُها نحن كمؤمنين) في محاولة التعامُل مع قواعد الكتاب المقدَّس التي لا يمكن إنجازُها كما هو مَنصوص عليه بسبب ظروف خارجة عن إرادتنا في الغالِب. وهذا ما واجَهَه بنو إسرائيل أيضًا مع مرور السنين بعد جَبَل سيناء.

لذلك لا تَدَع بعض هذه التغييرات التي سنَجدُها حتّى ونحن نَنتقِل من سِفْر العدد إلى سِفْر التثنية، يُربِكك. هذه التغيَّرات في الظروف لم تكُن مفاجأة ليَهوَه، وكل ما يَتعَلّق بالطبيعة الدقيقة للطقوس المقدَّسة المطلوبة كان يدور حول التعليم والطاعة …. وليس بعض الطبيعة السِحرية أو الصوفية لحرَكات اليدضين أو استخدام الآنية الذهبية بدلاً من الآنية النحاسية أو قوّة حَرْق البَخّور أو ما إذا كان نوع من الطعام بالضرورة صُحّي أكثر من نوع آخر، وهكذا.

عندما نَنتِقل إلى الآية الخامسة نَجِد أنّ الأشياء المقدَّسة وأثاث خيمة الاجتماع كانت مقدَّسة للغاية بحيث لا يمكن للاويين التعامُل معها مُباشرةً. لذلك كان يجب أن يتم تَغليفها وتوضيبها من قِبل الكهنة ، ثم تُنقَل إلى رعاية القهاتيين للنَقل بحيث لا تَلمِس أيدي أولئك، الذين لم يكونوا في مكانة مقدسة عالية بما فيه الكفاية شيئاً مُقدَّساً.

على سبيل المِثال: نرى أنّ الحِجاب الداخلي للحَرَم المقدَّس كان يجب أن يُنزِله الكهنة، ثم كان يُستخدَم لتغليف تابوت العهد. ثم أُضيفت فوق ذلك طبقة مُقاومة للماء من جلود خنازير البَحْر (على الأرجح) وكانت الطَبقة الأخيرة من الحَزمة عبارة عن قِماش أزرق نَقي خاص، ثم أُدخِلت أعمِدة لحَمْل الحمولة الثمينة. أكْمَل الكهنة كل هذه التحضيرات قَبل تَسليمها إلى القهاتيين الذين سُمِح لهم فقط بالتعامُل مع الغرَض المقدَّس عن طريق لَمْس أعمدة الحَمل. في الواقع سنقرأ في وقتٍ لاحق في الكتاب المقدس عن حادثتَين مختلفتَين عندما كان التابوت يُنقَل وبدا أنه على وشك السقوط؛ فمَدَّ شخص غير مُصرَّح له بذلك يده ليُثبِّته…. ومات على الفور.

بعد ذلك كان من المُقَرَّر أيضًا أن يوضَع فوق مائدة خُبز التَقدِمة قماش أزرق توضَع عليه الأواني المختلفة التي كانت تُستخدَم في الخدمات الطقسية، بالإضافة إلى مَجموعة جديدة من أرغِفة الخُبز الإثني عشر التي كانت مُصمَّمة لوضْعِها. ثم تُغطّى المائدة كلهُّا بغطاء من القماش القرمزي (الأحمر)، ثم توضَع فوقها طَبقة مقاوِمة للماء من جلود خنازير البَحر. كان للمائدة حَلقات مُثبّتَة عليها، كما كان تابوت العهد، ثم أُدخِلت أعمدة في الحَلقات لحَمْلِها، والآن أصبحت جاهزة لنَقِلها إلى رعاية القهاتيين.

العُنصر التالي الأكثر أهمية كان الشَمعدان والأدوات المُختلفة المُستخدَمة للإعتناء به؛ وكان يتم لفُّها بقطعة قماش زرقاء وتوضَع فوقَها بعض جلود الخنازير لحَفظِها جافة، ثم توضَع على إطار خشبي خاص للنَقْل.

في الآية الحادية عشرة كان مذبح البَخّور الذهبي الذي كان مَوضوعاً أمام الباروخيت (الحِجاب الداخلي بين المَكان المقدس وقدْس الأقداس) قد فُرِش عليه قماش أزرق، ثم غُطِّيَ مرة أخرى بغطاء أكثر مقاومة للماء. بعد ذلك كانت أواني الخِدمة المُتبقّية التي كانت تُستخدَم داخل خيمة الاجتماع تُغلَّف بقطعة قماش زرقاء وجلود خنازير البحر لتوفير أقصى قدر من الحماية.

والآن بعد أن يَقوم الكهنة بتعبئَة جميع الأغراض المُستخدَمة داخل خيمة الاجتماع، تَنتقِل النصوص إلى الأشياء الموجودة خارج الخيمة التي كانت موجودة في الفناء؛ وتبدأ بمذبح المِحرقة.

بعد إزالة الرَماد من المذبح يوضع فوقه قُماش أرجواني اللون. وعلى ذلك توضَع جميع الأشياء المُستخدَمة في خدمة المذبح والعناية به مِثل مَلقط النار وأحواض الدم وما إلى ذلك وفوق ذلك يوضَع المزيد من جلود خنازير البحر.

يتمّ الآن تسليم جميع الأغراض المُقدَّسة بعد تغطيتِها وتجهيزِها من قِبل الكهنة إلى عشيرة القهاتيين لنقلِها. لن يتمّ لَمْس أي من هذه الأغراض….. ولا حتى أغطيتِها….. من قِبل القهاتيين، فعقوبة هذه المُخالفة هي الموت الفوري. بل إنّ معظم الأغراض الكبيرة كانت لها حَلَقات حديدية تُدخَل فيها أعمدة، أما الأغراض الصغيرة فكانت تُحمَل فوق إطار من الخَشَب.

تُخبرُنا الآية السادسة عشرة أنّ الكاهن، إليعازر، هو المُشرِف على اللاويين فيما يَتعَلّق بنقْل جميع الأشياء المقدَّسة. كذلك تَحدَّث الرَب إلى موسى وهارون مُخبِراً إياهما أنّ الإشراف على القهاتيين يجب أن يكون كاملاً لأن وَظيفتهم خطيرة جداً بحيث لا يمكن تَرْك أي شيء للصُدفة. فنَظرة واحدة إلى قِطعة أثاث مُقدَّسة غير مُغطاّة يمكن أن تكون قاتلة لأي مُتفرِّج غير مُصرَّح له. بدأنا نفهَم الآن لماذا أصَرّ الله على أنّ الرِجال الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والخمسين عامًا هم فقط الذين يَستطيعون القيام بهذه المُهِمَّة؛ فالرجال الأصغر سِنًا قد يَتهاونون في أداء واجباتِهم ويجدِون أنفسهم في عداد الموتى، ويكون قد تمّ الاعتداء على قداسة الله.

والآن سيُعاد إحصاء عشائر جرشون، وكان الإحصاء يَشمل فقط الذكور الذين تتراوح أعمارُهم بين الثلاثين والخمسين عامًا. وهذه الفئة العُمرية هي التي ستَتعامل مع العناصر التي تم ذِكْرها من قَبل: في المقام الأول، الأغطية المُختلفة للخيمة المُقدَّسة. ويجب أن يكون هؤلاء الرجال تحت الإشراف المُباشَر لإبنٍ آخر من أبناء هارون، وهو إيثمار.

تَرِد أوامِر مُماثلة في الآية تسعة وعشرين لعشائر مراري وهم أيضًا تحت إشراف إيثمار.

ابتداءً من الآية أربعة وثلاثين نحْصُل على نتيجة هذا الإحصاء الأخير ونَجِد أنّ عدد رجال القهاتيين كان ألفان وسبعمئة وخمسين رَجُلاً من الفئة العُمرية من ثلاثين الى خمسين سنة، وكان عدد رجال عشائر جرشون ألفين وستمئة وثلاثين ، أما عدَد رِجال عشائر مراري فكان عددُهم ثلاثة آلاف ومئتين ……. فيكون المجموع ثمانية آلاف وخمسمئة وثمانين.

من المُثير للإهتِمام كيف نُشاهد مبدأً أساسياً من الله….. التقسيم والإختيار والفَصْل ….. يحدُث في العديد من الطرُق المتوازية. قسَّم الله وفَصَل جميع سكان العالم إلى مجموعتَين: العبرانيين والأمميين. هؤلاء العبرانيون … الآن أمّة إسرائيل…… انقسَموا أيضًا إلى مجموعتَين: الأسباط الإثني عشر وسبط لاوي. وقد رأينا مؤخرًا انقسام سبط لاوي إلى مَجموعتين، الكهنة وغير الكهنة، اللاويين. في عملية التقسيم والإختيار والفَصْل هذه، لم يتمّ ذِكر أي ميزة على الإطلاق لسبب كَون سلالة معيّنة من الناس ذات مكانة مقدَّسة أعلى من أخرى. لم يكُن هناك شيء خاص بطبيعتِه لدى إبراهيم أو إسحاق أو يعقوب ولم يكُن هناك شيء خاص بطبيعتِه في سِبط لاوي ولم يكُن هناك شيء مُتميِّز بشكلٍ خاص في أحفاد هارون (الذين كانوا كهنة إسرائيل) أكثر من أي من أبناء لاوي الآخرين. ببساطة، ولأسباب خاصة به، اختارَهُم الله.

إنّ أفضَل ما يمكِن أن يُقال عن الشخص أو المجموعة التي انقسَمَت عن الآخرين وخُصِّص لها مستوى خاص من القداسة فوق كل الآخرين هو أنّ ذلك الشخص أو المجموعة قَبِلَت العَرْض. هذا يا أصدقائي الأعزاء هو النَمط الذي ينطبِق على أولئك الذين تم تَعيينهم اليوم كمؤمنين مُخلَّصين. نحن لسنا أفضل من أي شخص آخر. نحن لم نَفعَل شيئًا لنكسِب أو نَستحِقّ هذه الميزة. لم نعِش حياة أفضل. لقد عُرِض علينا بنعمة الله هذا الخلاص الذي جاء على ظَهر يسوع المسيح، وعندما قُدِّم لنا هذا العَرض قَبِلنَاه ببساطة. بقُبولِنا له خُصِّص لنا مستوى خاص من البِرّ والقداسة فوق كل الآخرين على كوكبِنا. إنّ خلاصَنا في يسوع هو لُغزٌ ”لماذا أنا“ كما كان لُغز لماذا إبراهيم وليس شخصًا آخر ….. لماذا إسحاق وليس إسماعيل ….. لماذا يعقوب وليس عيسو …… لماذا سبط لاوي وليس أحد الأسباط الآخرين ……. لماذا سلالة هارون بدلاً من أحَد إخوتِه؟

لكن الأمْر كذلك لأنها مشيئة الله. إسرائيل أمّة مُختارة بالكامل لله وبقيّة العالم ليس كذلك. على هذا النحو فإنّ بَني إسرائيل (الذين نُسميّهم اليوم ”اليهود“) وُلِدوا في مكانة خاصة أعلى من تلك التي وُلِدنا فيها أنا وأنت (كأمميين). أُعْطِيَت قبيلة لاوي مكانة مقدسة أعلى من بقية بَني إسرائيل وأُعْطِيَت سلالة هارون الكهنوتية مكانة مقدَّسة أعلى من العائلات والعشائر الأخرى التي تُشكِل اللاويين، وعشيرة إليعازر (أحد أبناء هارون) أُعطيت أعلى مكانة مقدسة باعتبارها سلالة رؤساء الكهنة.

لقد رأينا في الأسبوع الماضي أنّ عشيرة اللاويين من قهات قد أُعْطيت أيضًا مكانة أعلى قليلاً من باقي عشائر اللاويين العاديّين غَير الكهنة. لذلك أُسنِد إليهم شَرَف نَقْل أقدس الأشياء في خيمة الاجتماع.

هناك بَعض المبادئ الأخرى المَنسوجة في سِفْر العدد التي سنَجِد بولس يَشرحُها في العهد الجديد، خاصة في واحد كورنثوس إثني عشرة وثلاثة عشرة. أحدهما هو أنّ يَهوَه يُطالب بالنظام وليس بالفوضى، وبالتالي فهو يَخلُق تراتبية في السُلطة. لماذا؟ لأن هذا هو نَمطُه، ونَتعلَّم في الكتاب المقدس أنه حَتّى السماء نفسها مَبنيّة على التسلسل الهَرَمي، لذلك من الطبيعي أن يَتبَع العالَم المادي نفْس النمط إلى المستوى الذي يَستطيعه العالم المادي. كل الحياة البشرية لها قيمة؛ لكن الله يُعطي قيمةً أعلى وأقلّ لمُختلف البشر لأغراضِه، تمامًا كما يُعطي مكانة أدنى وأعلى لخُدّامِه الروحيين، الملائكة والشيروبيم. هناك مجموعة متنوعة من الخدمات المُتاحة للرَب يمكن القيام بها (الكثير منها)، ولكنها كلُّها لِغَرَض خدمة نفس الإله. استمِع إلى بولس، بإيجاز، الكتاب المقدس الأمريكي القياسي الجديد واحد كورنثوس أربعة على اثني عشرة : " فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرَّبَّ وَاحِد وَأَنْوَاعُ أَعْمَال مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ، الَّذِي يَعْمَلُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ. وَلكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَة".

وكما أنّ بَني إسرائيل هُم جماعة ذات هيكل مرتَّب من الله، كذلك جَسد تلاميذ يسوع المؤمِن هو هيكل مُرتَّب إلهياً. استَمِعوا إلى بولس مرة أخرى في واحد كورنثوس ثمانية وعشرين على إثني عشرة: "فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنيسَةِ: أَوَّلًا رُسُلًا، ثَانِيًا أَنْبِيَاءَ، ثَالِثًا مُعَلِّمِينَ، ثُمَّ قُوَّاتٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ، أَعْوَانًا، تَدَابِيرَ، وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَة." تسعة وعشرون: "أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ رُسُلٌ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَنْبِيَاءُ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ مُعَلِّمُونَ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَصْحَابُ قُوَّاتٍ؟". ثلاثون: "أَلَعَلَّ لِلْجَمِيعِ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يُتَرْجِمُونَ؟"، إذاً المبدأ الثاني الذي يَتداخل نوعًا ما مع المَبدأ الأول هو أنّ الأَمْر يَتطلّب مهارات مختلفة ووظائف مختلفة، يَعملون معًا لأداء وظائف مُختلفة لتكوين جماعة كاملة ومتكاملة. من الطبيعي أن نَجِد هذا المبدأ الذي يَتناوله بولس في العهد الجديد لأنه ليس سوى التوراة التي نُقِلت إلى الأمام في ضوء مجيء يسوع المسيح.

فالله كَلَّم موسى، الذي حَمَل تلك التعليمات إلى هارون، الذي حَمَلها إلى الكهنة الذين حمَلوها إلى الشعب. وبما أنّ هناك مجموعة مُتنوِّعة من المَهام التي كان يجب القيام بها، فقد كانت هناك أيضًا مجموعة مُتنوِّعة من المكاتب التي أُنشئت للسَهَر عليها. فالكهنة خُلِقوا ليكونوا حَفَظة ومُعلّمي الشريعة، واللاويون كانوا الشُرطة وخدّام الكهنة. حتّى بين الكهنة واللاويين كانت الوظائف مُقسَّمة بعناية إلى وَحدات مُحدَّدة: كان البعض يَعتني بأجزاء مُعيَّنة من الأثاث المقدَّس، والبعض الآخر يَحمِل النباتات وأوتاد الخيام، والبعض الآخر يقوم بمَهمة الحراسة، وهكذا دَواليك. نعم كان البعض يَحتلّ مكانة أعلى من البعض الآخر؛ ولكن كان لكلٍّ منهم دور حاسم يؤديه ولم يكُن هناك دور وضيع إلا في أذهان الناس.

هكذا هو الحال مع جَسد المسيح اليوم. لا أحد يُستبعَد ولا أحد يُعطى ترخيصًا؛ كل شخص له واجبَه. لا يوجد مؤمن واحد تم تَجاوزه من أجل موهبة روحية. أن يَختار المرء أن يتجاهل مهمّتَه ويَجلِس على الهامش لا يعني أنه ليس لديه هدف يَنتظرُه. يمكننا أن نتذمَّر بقدْر ما نشاء من أنّ الكنيسة ربما تكون مُعطَّلة وفيها خَلَل ونُشير إلى ما يفعله الآخرون من أخطاء، لكن على الأقل هم يَتصرّفون؛ على الأقل يَقفون في المَلعب ويضرِبون ضرَباتهم. إنّ النظام الذي وَضَعه الله لشعبه ليتبعَه لا يَتعَلّق بنسبة عشرة بالمئة من العَمل وتسعين بالمئة من المراقبة. العبادة والسَير مع الله هي رياضة احتكاك؛ إنها خطيرة ويمكن أن تَتأذى. إذا لم تَتعرَّض للضَرب والكدمات إلى حدٍّ ما، فربما تكون امتَنَعْت عن المُشاركة لفترة طويلة جدًا.

لم يتمّ التسامُح مع هذا النوع من السَلبية في أيام موسى أو في أيام المَلِك داوود أو في أيام يسوع. لا ينبغي لنا أن نَعتقد أن يَهوَه سيَسمَح لنا بالإفلات من العقاب الآن وبألّا نَتوقَّع أي عواقب.

لننتقِل إلى سِفْر العدد الإصحاح الخامس.

الإصحاح الخامس من سِفْر العدد

إنَّ الإصحاح الخامس من سِفْر العدد هو نوع آخر من المُغامرات في الكتاب المقدَّس، والذي يبدو للوهْلة الأولى وكأنه يتضمَّن تكرارًا وبالتالي لا يوجد ما يمكن اكتسابُه منه. دعوني أقول قَبل أن نقرأ هذا الجزء من التوراة أنّ هذا ليس تكرارًا بقَدْر ما هو كشْف تدريجي. وهناك الكثير مما يمكِن اكتسابه حتى من أوّل فَقْرَتَين حتى أننا قد نَقضي شهرًا في هذا الإصحاح ولا نكاد نَتعامل معه بطريقة سَطحية للغاية فقط. من المؤكد أننا لن نَقضي كل هذا الوقت في الإصحاح الخامس، لكنني أريدُكم أن تُدركوا أهميته.

إذا أردنا أن نُعطي اسماً لهذا الإصحاح، فقد يكون من المناسب أن نُسمّيه ”تطهير المخيّم من النَجاسة“. والآن بما أنّ خيمة الاجتماع هي جزء من حياة بني إسرائيل اليومية، وبالتالي حضور الله بينهم مؤكَّد، فمن الضروري أن تُحفَظ قداسة منطقة خيمة الاجتماع بأكملِها ….. الخيمة وفنائها ….. خالية من النجاسة أو الدنَس.

لقد ناقشنا مَوضوع الطاهر والنجس، والمقدَّس والعادي في الدروس السابقة ولكن بما أنه قد مضى وقت طويل سنُراجِع هذه المُصطلحات في الوقت المناسب. فقط كُن على عِلْم أنّ الطاهر والنجس والمقدَّس والعادي ليسا طريقتَين مختلفتَين للتعبير عن نَفْس الشيء؛ فكلٌّ منهما يَدلّ على شيء مُختلف قليلاً.

من الأفضل دائمًا قراءة الإصحاح بأكملِه ككلّ حتى يكون السياق واضحًا. دعونا نَفعَل ذلك ومن ثم قد نُعيد قراءة بعض الأجزاء أثناء استعراضِنا للدَرس.

اقرأ فَصْل الأعداد الإصحاح الخامس بأكمله

يقول يَهوَه إنّ الأشخاص التالي ذِكْرَهم غير مُرحَّب بهم للإقامة بين شعبِه، ثم يُقسِّمهم إلى ثلاث فئات. في العبرية هذه الفئات هم الأشخاص الذين، واحد) يُعانون من الجذام، أولئك الذين يُعانون من مَرَض جلديّ؛ إثنان) شخص مُصاب بالزاف …… إفرازات من الأعضاء التناسلية؛ ثلاثة) أي شخص هو طامي نيفيش………. نجِسْ بسبب لمس جثة إنسان.

في الأساس هذه هي ثلاث أنواع خطيرة جدًا من النَجاسة الطقسية، وكل منها يَتطَلَّب فترة سبعة أيام من التطهير الطقسي بعد التأكُّد من زوال الحالة التي هي سبب النجاسة. وسواء كان هؤلاء الأنجاس الطَقسيين ذكورًا أو إناثًا، يجِب إخراجُهم من جَماعة إسرائيل ووَضَعهم خارج المُخيَّم. افهموا ما يَعنيه ذلك: العزْل. بمجرد أن يتمّ تطهير النجاسة الطقسية ….. إذا تمّ ذلك على الإطلاق … يَجوز لهذا الشخص أن يَستأنِف حياتَه بين الجماعة. ولكن حتّى ذلك الحين، يتم فَصْل هذا الشخص عن الجميع. عادة ما كان يعيش المَنبوذون في كهوف أو خيام خارج القرية أو المدينة.

وتَذكُر الآية الثالثة سَبب هذه الطريقة القاسية في التَعامل مع هؤلاء الأشخاص التُعساء: أ) حتى لا تُنجِّسْ حالتُهم النجسة الآخرين في مُخيّم بني إسرائيل، ب) لأنّ وسط مخيّم بني إسرائيل هو المكان الذي يسكُن فيه الله؛ وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك شيء نَجِس قريب منه. وتقول الآية الرابعة إنّ بني إسرائيل أطاعوا يَهوَهْ في هذه التعليمات.

ربما من بين جميع المواضيع التي ناقشناها في دَرْس التوراة، الطاهر والنجس….. التي تَشمُل أيضًا فئة الحلال وغير الحلال…. هو الأصعب في فَهمِه بالنسبة للعَقل الغربي الوثني في القَرن الحادي والعشرين؛ وخاصة بالنسبة لشخص تلقَّى تعليمه في بيئة كَنَسيَّة تقليديّة حيث قام القساوسة والمُعلِّمون بعَمَل سيء في شَرْح معنى كل ذلك، وما قد يكون له علاقة بالمؤمنين المُعاصرين. عادة، كما يَعلَم معظمُكم، يتمّ رَفْض المَفهوم بأكملِه باعتباره غير ذي صلة بالمَسيحيين المُعاصرين على الإطلاق، وبالتالي فإنّ مجرد التَطرّق إليه مَضْيِعَة للوقت.

الدناسة الطقسية (التي هي نفْس الشيء مثل النجاسة الطقسية) كانت ولا تزال مُشكلة خطيرة جدًا بالنسبة لأولئك الذين يَعبدون إله إسرائيل، ولكن تَمّت مناقشتها بالتفصيل في العَهد القديم على عكْس العَهد الجديد. لماذا؟ اسمحوا لي أن أجيب على هذا السؤال بسؤال: لماذا يُكرِّر يسوع أو الرُسُل كل ما كان قد تأسّس بالفِعل منذ زمن طويل كأساس للعبادة والطاعة الصحيحة ليَهوَه؟ لقد كان يسوع هو الكَلِمة، ولم يكُن عليه أن يُعيد التحقُّق من صحة كَلِمتِه. لم يأتِ ليُدافع عمّا كان مُثَبَّتاً بالفِعل.

ما يَجعل النجاسة الطقسية خطيرة للغاية هو أنها مُعدية؛ مُعدية روحياً. عندما كان يوضَع شخص ما خارج المخيم مُصابًا ب"التزاراعات"، الجذام، (مَرَض جلدي عادة ما يُترجَم خطأً على أنه الجذام، ولم يكُن الجذام موجودًا بين بني إسرائيل إلا بعد بابل) لم يكُن ذلك حتى لا يُصاب شخص آخر بهذا المرَض في حدِّ ذاته، بل لأنهم كانوا يَفعلون ذلك لأن الشخص المُصاب بالجذام كان يُهدِّد بتنجيس الآخرين بطريقة روحية، وبالتالي حرمانِهم من الوصول إلى الله.

لذلك كان المَرض الجلدي أو الإفرازات التناسُلية أو مُلامَسة جثّة مَيت (من بين أمور أخرى)، بالنسبة لبَني إسرائيل، كلُّها تَرقى إلى نفْس الشيء تقريبًا؛ الانفصال عن الله وعن جماعة الله لمدَّة تتراوح بين بضعة أيام إلى الأبد. وبصراحة، هذا هو بالضبط ما كان من المُفترَض أن يوضِحه.

كانت المُشكلة هي أنّ الشخص النَجِس طقسيًا كان يُمثِّل خطرًا على نفسِه أو على نفسها لأنه إذا اقترَب من الله في تلك الحالة فإنه سيَهلَك. وكانوا يُشكِّلون خطرًا على المُجتمع بأسرِه لأن النجاسة كانت قابلة للإنتقال. فالشخص الطاهر الذي يلمِس شخصًا نجسًا قد يُصبِح هو نفسه نجسًا؛ ليس مريضًا بل نجسًا.

يمكِن للشخص النجِس أن ينقُل نجاسته إلى أشياء مِثل الأطباق والأواني أو حتّى الكرسي الذي يجلِس عليه أو السرير الذي ينام عليه. وبعد ذلك بمجرد أن يُصبِح ذلك الشيء نجسًا يمكن أن يُنْقِل نجاسته إلى شخص طاهر، دون أن يدري، يأتي ويجلِس على ذلك الكرسي أو يَستلقي على ذلك السرير أو يستخدِم ذلك القَدْر ليَطبُخ فيه.

الآن أعلم أن العديد منكم يَشعرون أنّ مِثل هذا الحديث عن أن يُصبح الإنسان غير طاهر من لَمْس شخص أو شيء ما، يجب أن يكون عن قبيلةٍ مُتخلِّفةٍ تعيش في غابة عميقة في غينيا الجديدة أو أستراليا وليس عن شَعب يَهوَه. في الظاهر يبدو ذلك وكأنه سِحر وشعوذة وخُرافة في أسوأ صُوَرِها. لكن هذا هو الوقت المناسب لتذكيركم بأنه في حين أنّ كل قانون من هذه القوانين كان حقيقيًا ومُطلقًا، وأنّ الله كان يَقصُد تمامًا أن يتمّ إطاعته بدقَّة، إلا أنها كانت أيضًا في نفْس الوقت بمَثابة عَرْض مادي وأداة تعليمية مُصمَّمة للكَشِف تدريجيًا عن أعمق الحقائق الروحية وأكثرها أهمّية.

لقد أجريَت مُناقشة رائعة مع الدكتور روبرت ماكجي، مؤلِّف كتاب "البحث عن الدلالة"، حول طبيعة الحقائق الروحية وكيفية التَعبير عنها بالكَلِمات واتَّفقنا على أنه في أفضل الأحوال، فإنّ الكَلِمات أو الصوَر اللفظية، أو حتى الرسومات والرسوم التوضيحية، لا تَفي بإيصال الأعماق اللانهائية أو الارتفاعات السَماوية لمبادئ الله وقوانينِه إلى البشر. والسبب في ذلك بسيط، ولكنه عميق: يَهوَهْ روح بينما نحن جَسَد. قد يكون للعالَم الروحي حدود، ولكن أياً كانت هذه الحدود فهي هائلة للغاية مُقارَنَةً بقيودِنا الجسدية الشديدة، وربما يكون من الأفضل تَبسيط الأمر والقول إنّ العالَم الروحي ليس له حدود. وبغض النَظَر عما إذا كنا مُخلَّصين أم لا، فإننا كبَشر نعيش في عالمٍ رباعي الأبعاد من الطول والعرْض والارتفاع والوقت. الكَلِمة البشرية…… سواء كانت فِكرة أو مَنطوقة أو مَكتوبة. يَقتصِر وَصفُه على نحو ملائم على الأشياء التي تَعمل في نفْس الأبعاد الأربعة التي نَعيش فيها. أما الروح فهي بُعْد خامس أو "بُعد آخر"، إنْ شئت. إنها شيء خارج قُدرَتِنا على الفَهم أو التعريف. والروح ليست الأبعاد الأربعة الأولى بالإضافة إلى بُعد آخر، بل هي بُعد آخر تمامًا غير الأبعاد الأربعة التي نُدرِكُها. فلا شيء مَصنوع من مادة رُباعية الأبعاد. أنت، أنا، الكرسي الذي نجلِس عليه، المَبنى الذي نسكُنه، الكتب المقدسة التي نقرأها والكَلِمات الموجودة على تلك الصفحات …. المادي …. يمكن وَصْف ما هو من البُعد الخامس بشكل كامل أو حتى التفكير فيه بشكل معقول. الروح.

لذلك نحن نبذُل قصارى جُهْدِنا. لدينا بعض الفَهم عن الله، ولكن القليل جدًا في الحقيقة. إنه لا يُجيب على كل أسئلتنا لأننا لا نَملِك القُدرة على طرْح السؤال المناسب أو فَهم الإجابة الكاملة. لذلك عندما يَتعَلّق الأمْر بخيمة الاجتماع والطقوس والإجراءات المُختلِفة التي تتّم فيها والكهنوت والأعياد التوراتية التي ليسَت كلُّها سوى صُوَر مَحدودة للغاية للمبادئ الروحية، يجب ألاّ نَعتقِد أنّ النموذج المادي هو كل ما هو موجود أو أنه كافٍ تمامًا. مع ذلك لا يجِب أن نَعتقِد أيضًا أنّ النموذج المادي غير صحيح أو لا يَستحِق المُلاحظة، بل هو فقط غير مُكتمِل مقارنةً بالشيء أو المبدأ الروحي الأصلي الذي يُظهِره أو يُنذِر به.

الآن، فيما يَتعَلّق بمبدأ النجاسة الطقسية ومُخيّم بني إسرائيل، كان الخَطر والقلَق في نهاية المطاف هو أنّ نجاسة الشعب المُستمِرّة ستُنجّس المُخيّم، وسيُصبِح المخيّم نجِسًا إلى الحدّ الذي يَجعَل الله لا يعيش فيه بين شعبه. كانت هناك مُقايضة واضحة جدًا: سيَبقى الله بين شعبِه فقط طالما كان شعبه دقيقًا في الحفاظ على طهارة المُخيّم طقسيًا. دعونا نستوعِب هذا في دقيقة واحدة: كان على شعب إسرائيل، شعب الله، التزامات مُحدَّدة إذا أرادوا أن يسكُن الله في وَسَطِهم. وسأقول لكم بشكلٍ لا لِبْس فيه أنّ هذا النَمط من الالتزام تجاه يَهوَهْ باقٍ، كما هو الحال مع جميع أنماطه السماوية؛ لدينا التزامات تجاه الله إذا أردنا أن يَسكُن معنا. قد لا تكون هذه الالتزامات مُتعلِّقة بالطقوس بقدْر ما هي مُتعلِّقة بالإيمان، خاصةً منذ مجيء يسوع. ولكن كما قال يعقوب، الإيمان بدون أعمال هو إيمان ميت. اسمحوا لي أن أعيد صياغة ذلك بمُصطلحات حديثة: الإيمان المزعوم الذي لا ينتُج عنه خدمة مَلموسة لله بأي وسيلة يوَجِّهُها هو، هو إيمان غير موجود في الواقع.

بما أنّ القُرْب من الله هو أمرٌ خطير بطبيعته، فقد تمّ اتّخاذ العديد من التدابير الوقائية بدءًا من الكَهْنوت المُطهّر بدقّةٍ شديدة، الذين كانوا الوحيدين المَسموح لهم بالاقتراب من يَهوَه. ونُشِر حراس لاويون لإبعاد الأشخاص غير المُصرَّح لهم وإعدام أولئك الذين يُصرّون على محاولة الاقتراب؛ وتمّ وَضْع نظام للتعامُل مع النجاسة الطقسية يتضمَّن إبعاد الأشخاص النجسين من المنطقة، ثم، في معظم الحالات، جَعَل النجس طاهرًا مرة أخرى حتى يَتمكَّن من التَمتُّع بحضور الله في حياته.

هذا مَبدأ آخر لم يُبطَل أبدًا بالطبع. كان المؤمنون مطالَبين دائمًا باتخاذ تدابير وقائية حتى لا يَجلِبوا الفُسق، وهو السلوك النجس. وبما أنّ يَهوَه يسكُن معنا (خيمة إجتماع العصر الحديث)، فلا ينبغي لنا أن نَسمَح للنجاسة بالدخول إلينا لأن هذا يُقرّبُها منه. لا ينبغي لنا أن نرتبِط بالبغايا أو ننخرط في أي نوع من الجِنس غير الأخلاقي. لا يَنبغي لنا أن نُدنِّس أنفسنَا بالسُكَّر المُفرَط. لا ينبغي لنا أن نعبُد آلهة زائفة أو أصنامًا أو رموزًا لا قيمة لها. يجب أن نتخِّذ موقِف اللاويين بينما نبقى مُتيقِّظين ونَطْرُد كل خَطَر يُهدّد قداسة الله الذي مَنحنَا نِعمة حضورِه.

لكن البشر لا يَستطيعون تجنُّب النَجاسة، وهذا الواقع يعود إلى سقوط آدم وحواء. ربما كان السبب الرئيسي ليوم كيبور، يوم التكفير، هو أنّ رئيس الكهنة يَستطيع أن يُزيل كل النجاسة من الحَرَم (مَسكَن الله الأرضي) التي تراكمت خلال السنة السابقة. إنّ مُجرَّد وجود البشر، من بَني إسرائيل العاديين والكهنة، باستمرار في الحَرَم وحولِه، كان يعني أنّ عدم الكمال وبالتالي الخطيئة والنَجاسة كانت موجودة ……….. وكانت تُدنِّس المكان، حتّى رئيس الكهنة لم يكُن يُنظَر إليه على أنه كاملًا: لقد أُعْلِن فقط أنه صاحِب المنصِب الكَهْنوتي الأعلى، ومُخَوَّل بأداء بعض الوظائف الحيوية لخدمة الرَب.

سنُتابِع هذا الموضوع في الأسبوع القادم.