سِفْر العدد
الدرس الرابع عشر – الإصحاح الثاني عشر
سمِعْنا في سِفْر العدد الإصحاح الحادي عشر عن التمرُّدات العامّة لشَعبِ إسرائيل والأجانب المُقيمين (أولئك الذين كانوا يُسافرون مع إسرائيل، ولكنهّم لم يَرغبوا في أن يكونوا من بني إسرائيل)، الذين كانوا يَعيشون في ضواحي المُخيَّم واتُّهِموا بالتَحريض على بعض التمرُّدات.
في سِفْر العدد الثاني عشر، يُحزِنُنا أن نرى المُقرَّبين من موسى يَتذمّرون ويَتمرّدون أيضًا: هارون، رئيس الكَهَنة (أخو موسى)، ومَريَم (أُخت موسى) زَعيمة نِساء إسرائيل.
لاحِظ بينما نَقرأ سِفْر العدد الثاني عشر، فسنَرى بعض الأنماط الهامَّة التي ستَظهَر من خلال موسى، والتي ستَنتقِل مع الوقت إلى يسوع المسيح. موسى هو وَسيط لله مع البَشرية، ويَسوعْ كذلك.
اسمحوا لي أن أُعلِّق على كَلِمة ”وسيط“، لأنّ لها مَعنى مُحَدَّدًا للغاية. أحيانًا تَسمَع أو ترى كَلِمة ”وسيط“ تُستخدَم كمُرادِف لكَلِمة ”مبعوث“. هذا مَقبول تمامًا من وِجهة نَظَر تِقَنِيَّة، ولكن له أيضًا تَداعيات اللاهوتية والرّوحية بحيث يَجِب أن نُقرِّر ما إذا كان يسوع وَسيطًا أو مَبعوثًا. هذه واحدة من تلك الكَلِمات التي يجب على المَرء أن يَنتبه إليها عندما تَتم مُناقشة عقائد طائفة أو دِيانة ما؛ لأن هناك هوَّة شاسِعة وحَرِجة تَفصِل بين الوسيط والمَبعوث.
اسمحوا لي أن أشير إلى أنّ هذه القَضية قديمة، وقد نُوقِشت كثيرًا قَبْل مَجيء يسوع إلى العالَم بوقتٍ طويل. وقد تَمحوَرَت هذه القضية حول طبيعة كَلِمة الله…..الذي تُدعى أيضًا لوغوس باليونانية وبِإِسم ميمرا بالعِبرية…. وما هو جوهَرُه، هل كان وسيطًا أم كان مَبعوثًا؟ وهل كان مُصطلح ”الكَلِمة“ مُجرّد طريقة أخرى للتَحدُّث عن الصِفة الإلهية للحِكْمة (ولكن هذه مَسألة لمناقشة أخرى)؟
الفَرْقُ الأساسي هو أنّ الوسيط هو كائن في مُنتصف الطريق بين الله والإنسان. بعبارة أخرى، المبعوث ليس الله، لكنه أيضًا ليس إنسانًا. إنه شيء آخر تمامًا. قد يُنظَر إلى الملائكة على أنّهم أمثِلة عن المَبعوثين، هم ليسوا بشرًا، لكنهم أيضًا ليسوا آلهةً، هم شيء آخر تمامًا. الملائكة في رأيي هُم بالفِعل ”مبعوثين“. وفي الواقع، سنَرى العديد من الإشارات إلى كائنٍ روحي غير مُحدَّد المعالِم في الكتاب المقدس يُسمّى ”ملاك الرَب“. وتَختلف الحِجَج بين العلماء فيما إذا كان ما يُشير إليه هذا هو مجرَّد مَلاك عادي بمُهمَّة خاصّة، أو ربما يكون ملاك الرَب هذا ما هو إلا مَظهر آخر من مَظاهر الله نفسه المُتعدِّدة، أو حتّى مُجرَّد اسم آخر للكَلِمة، اللوغوس، الميمرا.
ومع ذلك، فإن الوسيط ليس كائناً وسيطاً؛ الوسيط ليس نوعاً آخر من المخلوقات التي تحتل مرتبة أو مكانة تقع بين اثنين آخرين. لذلك فالمَلائكة ليسوا وسطاء. من الناحية الكِتابية يمكن أن يكون الوسيط إنسانًا أو يُمكِن أن يكون الله…… لكنَّه لا يُمكن أن يكون مَخلوقاً وَسطاً (لا إنساناً ولا إلهاً). إنه وَكيل أو شخص يقوم بتَنفيذ التَعليمات، لكنّه ككائن يَتساوى مع الله أو الإنسان. الوَسيط هو تَكليف أو حتى صِفة أو سِمة لشخص أو شيء ما. كان رئيس كهنة إسرائيل، هارون في سِفْر العدد، وسيطًا. وكذلك كان موسى. وبما أنّ العهد الجديد يوضِح أنّ يسوع هو رئيس كهَنَتِنا ووَسيط العَهد الجديد تمامًا كما كان موسى وَسيطًا للعَهد السابق (في جَبَل سيناء)، يمكننا استخدام نَمَط ومثال موسى لمُساعدتِنا على فَهْم دَور يسوع مَسيحنا بشكلٍ أفضل.
لذلك يُمكنك أن ترى لماذا من المهمّ أن نميِّز (خاصةً عندما يَتعلَّق الأمْر بيسوع) ما إذا كان وسيطًا أو ما إذا كان مَبعوثًا. هل كان يسوع إلهًا، أم كان إنسانًا، أم كان نوعًا مَبعوثًا؟ كان موسى وسيطًا. لم يكُن مَخلوقًا مُصَمَّمًا بشكلٍ خاص، في مُنتصف الطريق بين إله وإنسان. لذلك لم يكُن يسوع كائنًا مَبعوثًا، يَقِف بين الإله والإنسان.
حسناً. دعونا نَقرأ سِفْر العدد الثاني عشر، ونَتعلَّم المزيد عن وَكيل الله الخاص، الوَسيط موسى.
اقرأ عدَد الثاني عشر الفصل الثاني عشر كلِّه
يَتحدَّى رئيس الكهنة هارون وأختُه النَبيّة مَريَم منصِب موسى وسُلطتُه. وتُخبرنا الآية واحد أنّ الحافِز على تمرُّدِهما كان زوجة موسى. يُشار إلى زوجة موسى هنا في العديد من الأناجيل بما في ذلك نُسخة الكتاب المقدس اليَهودي باسم ”تلك المَرأة الإثيوبية“. بعض النُسخ تقول ”تلك المرأة الكوشية“. ما هو الصَحيح وما الفَرق؟ يأتي الخِلاف من كَون المَرء يَعتقد أنّ إثيوبيا في شمال أفريقيا هي بالفِعل المِنطقة التي أسَّسها كوش، أَم أنّ مِنطقة كوش هي في الواقع المِنطقة التي تَضُمّ مِديان؟ في الواقع، الكَلِمة العبرية الأصلية هي كوشيث، والتي تَعني حَرفيًا كوشيت.
فماذا كان لدى هارون ومَريَم ضدّ زوجة موسى، المرأة الكوشية؟ لم يُخبِرنا أحد. إذا أخَذْنا هذه الآية في ظاهِرها، فرُبَّما كانت مُشكلة عِرقية. لقد كان هناك الكثير من التَكهُّنات من قِبل الحاخامات والحكماء والعُلماء حول المَقْصود بكَلِمة ”الكوشية“ كما هي مُستخدَمة في هذه الآية. من المُؤكَّد أنها تُشير إلى شجرة عائلة كوش، الذي كان عضوًا في سُلالة حام المَلعونة. ونحن نَعلم أنّ الكوشيين كانوا أناسًا ذوي بشرة سَوداء، وعادةً ما يَتمّ تحديدُهم كمُنْتَمين لأثيوبيا القديمة (ولكن لا يَتّفِق جميع العلماء على ذلك). لكن كلّ هذا يُمثِّل مُشكلة.
لأنه قيل لنا في سِفْر الخروج أنّ موسى كان مُتزوجًا من تسيبورا، وهي امرأة مديانية. كان المديانيون والكوشيون قَبيلَتَيْن مُنْفَصِلتَيْن، ولم يكُن المديانيون نوعًا من السود.
هناك نوعان من التَحليلات حول هذه المَسألة: أولاً، أنّ الكوشيين ربما كانوا يَحتلّون مِديان في هذه المَرحلة من التاريخ، وليس إثيوبيا بعد. والثاني، هو أنّ المرأة المُتحدَّث عنها هنا هي زوجة أخرى لموسى وليست تسيبورا زوجة موسى الأولى. أخشَى أنّ كِلا الأمرَين تَكهُّنات مَعقولة بدرجة أو بأخرى. ومع ذلك، فإنّ لا إشارة أخرى لهذه الزوجة الكوشية في كلّ الكتاب المقدس للتَلميح إلى إمكانية زواج موسى من أكثَر من زوجة واحدة، لذلك لستُ مُقتنِعًا جدًا بأنّ الأمْر كان كذلك.
ما أصبَحَ أكثر وُضوحًا بمرور الوقت هو أنه في مَرحلة مُبكِرة جدًا من التاريخ أصبَحَ مُصطلَح الكوشيين تَعريفًا عِرْقيًا أكثَر ممّا هو قَبَلي. وبعِبارة أخرى، بينما نُدرِك أنّ البَشر السود بشكلٍ عام يَنحدرون من أفريقيا، فإنّ المُصطلح الأنثروبولوجي العِلمي لهم، الزنوج، لا يُحدِّد قَبيلة مُعيَّنة بل عِرْقًا بلَون البشرة كخاصية أساسية. ومع ذلك، تُظهِر دراسة الحِمض النَوَوي من الناحية الفَنيّة أنّ جميع الأشخاص ذوي البشرة السوداء لديهم سُلالة أسْلاف مُشترَكة قديمة، وبينما لم يتمّ تَحديد الشخص الأسود الأول في المُجتمع العِلمي فإنّ الكتاب المقدس يُشير إلى أنه ربما كان كوش (ربّما كان حام والِدَهُ). وبالتالي لا يُمكِن التَكهُّن بأنّ زوجة موسى تسيبورا كانت بالفِعل ذات بَشرة داكنة جدًا، والتي كانت توصَف من الناحية العِرقية بأنها كوشية ولكن من الناحية القَبَلية بأنها مِديانية. كان المديانيون عادةً من ذوي البشرة الداكِنة، ولكن المَلامح الجَسدية الأخرى كانت مُختلفة عن الشَعب الأفريقي حتى لا يتمّ تَحديدُهم كقبيلة من السود عِرقيًا. ولكن كما تَعلَّمْنا، كان التزاوج العِرقي والقَبَلي أمْرًا معتادًا وطبيعيًا تمامًا، لذا لم يكُن ليفاجئ أحدًا في ذلك العَصر أنّ امرأة سمراء البشرة جدًا تَنتمي إلى قبيلة مدياني.
وبِغضّ النَظَر عن احتمال أنْ يكون لموسى زَوجة ثانية، وهي امرأة كوشية، فقد تَساءل البَعض عن السَبب الذي جَعَل هارون ومَريَم يُعبِّران عن هذه الصَدمة من اختيار موسى لتسيبورا زوجة له (إن كانت هي المَقصودة هنا)، بما أنه تَزوَّجها قَبل ذلك بوقت طويل، قَبل الخروج من مصر. ولكن، يُمكن حَلّْ هذه المشكلة بسهولة لأنه قيل لنا صراحةً أنّ تسيبورا لم تُرافِق موسى إلى مصر، بل ذهبت لتَلحَق به في مَسيرة إسرائيل في البَرّية. لذا، فمِن المُمكِن أن يكون هارون ومَريَم قد التقيا بالمَرأة للتو، ووَجدا أنها ليست عبرانية، ولا حتى سامية،ولذا كانت غَير مقبولة بالنسبة لهما. أنا أميل إلى هذا الاتِّجاه. بعْدَ كل شيء، كان تَمَرُّد غير العبرانيين، الأُدباء المُقيمين، (سِفْر عدد الحادي عشر) قد حدَث للتو وتَسبَّب في الكثير من الموت والدمار داخل مُخيَّم إسرائيل. لذا، أن يَظْهَر موسى مع زوجة غير عبرانية….. حتّى غير سامية، كان يمكن أن تَكون قَضيّة حَسّاسة في هذا الوقت.
آه. ولكن السَبب الحقيقي لتَمرُّد مَريَم وهارون لم يكُن زوجة موسى على الإطلاق، بل كان السَبب الحقيقي هو غِيرتُهُما من علاقة موسى الوثيقة بالله. وكما قالا في الآية اثنان: ”أَلَيْسَ اللهُ قَدْ تَكَلَّمَ بِوَاسِطَتِنَا أَيْضًا“.
يقول الحَاخامات الكِبار إنّ موسى لم يَسمَع هذا التَذمُّر من إخوته لأنه لم يكُن مُوجَّهاً إليه؛ ولكن الله سَمِع. ولهذا السبب لا نرى أي إشارة إلى أنّ موسى ذَهَب إلى الله ليُخبِره بمُشكلة وشَكوى هارون ومَريَم، كما فَعَل مع الشكاوى السَابقة من عامّة بَني إسرائيل. ويُتابِع النصّ ، في الآية ثلاثة، بإعلامنا جميعًا أنّ التُهم التي يَنطوي عليها تَذمُّرهم كانت باطِلة؛ وأنّ موسى لم يَفعَل شيئًا خاطئًا، ولم يكُن يرى نفسه مُمَيَّزًا أو مُنعزِلاً، وفي الحقيقة كان ”أكثَر الرجال تواضُعًا في كل الأرْض“.
لقد قلتُ للتو أنّ النَصّ يقول إنّ موسى كان مُتواضِعًا. قد تقول أناجيلكم ”وديعًا“. الكَلِمة العبرية هي ”أناف“ وغالبًا ما تُترجَم إلى ”وديع“، خاصّةً في إنجيل لوقا وبعض النُسخ القديمة الأخرى المَبنيّة على النصوص اللاتينية. وَديع ليست بالضَرورة خَاطئة. ومع ذلك، فهي كَلِمةٍ عفا عليها الزَمن في لُغتنا الحديثة، ولذلك نَجِد صعوبة في تَمييز معنى ”وديع“. أعتقد أنّ كَلِمة ”متواضِعْ“ هي أفضَل كَلِمة في مُفرداتِنا الحديثة للتَعبير عمّا تَعنيه. هذا النَوع من التواضُع الذي يمكن أن يَجِدَه المرء في شخص فقير جدًا، يَعرِف أنه يَملِك قوة وقدرة محدودتَين جدًا على التَحكُّم في حياتِه. ونعَم، حتّى في العَهد الجديد القائم على اللغة اليونانية، حيث نَرى المَسيح يقول إنّ ”الوُدعاء يَرِثون الأرض“، يُمكنك أن تَستبدِل كَلِمة وُدَعاء بما يلي: ”المُتواضعون يرثون الأرض“. والفِكرة هي أنّ قادة العالم لا يُحدَّدَون وِفق خُططهم العظيمة وغرورِهم الكبير وجيوشِهم الضخمة وهؤلاء هم الذين سيَحكُمون الكوكب والناس في النهاية (مع أنهم بالتأكيد يَعتقدون أنهم سيَفعلون ذلك). بدلاً من ذلك، فإنّ الناس العاديين، الذين لا يَملكون أي قوة أو جُنون العَظَمَة، هم الذين سيَحكُمون مع المسيح. وفي وقتٍ لاحق، سأوضِح لكم أيضًا أنّ مُصطلح ”الوُدَعاء“ أو ”المُتواضعين“ في أيام المسيح، كان مُصطلح يَميل إلى الإشارة إلى مَجموعة أكثر تحديدًا من الناس، كما هو مُحدَّد في مَخطوطات البحر الميت.
يَستدعي الرَب هارون ومَريَم، ويَستدعيهما وموسى إلى الخيمة لأنه يَجب التعامُل مع هذا الأمر بطريقة قانونية. ولكن يبرُز هنا سؤال يُثير بعض القضايا المُثيرة للاهتمام: عن أي خيمة يَتحدَّث؟ يُطلَق عليهما في بعض الأحيان اسم ”أوهيل مود“، أي خَيمة الاجتماع. كانت الخيمة (أو الخيمَتان) هما المكان الذي يَلتقي فيه الله بالإنسان. كانت هناك خيمة في ضواحي المُخيَّم التي تمّ الحديث عنها في الإصحاحات السابقة.
عن الكتاب المقدس اليهودي، سِفْر العدد الإصحاح الحادي عشر الآية الثالثة والعشرين فأجاب أدوناي موسى:
أجَابَ أَدُونَاي مُوسَى: «هَلْ قَصُرَتْ يَدُ أَدُونَاي؟ الآنَ سَتَرَى إِنْ كَانَ سَيَحْدُثُ مَا قُلْتُهُ أَمْ لا!». الأية أربعة وعشرون : فَخَرَجَ مُوسَى وَأَخْبَرَ الشَّعْبَ بِمَا قَالَهُ أَدُونَاي. ثُمَّ جَمَعَ سَبْعِينَ مِنْ شُيُوخِ الشَّعْبِ وَوَضَعَهُمْ حَوْلَ الْخَيْمَةِ. اللآية خمسة وعشرون : فَنَزَلَ أَدُونَاي فِي السَّحَابِ وَتَكَلَّمَ مَعَهُ، وَأَخَذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي عَلَيْهِ وَوَضَعَهُ عَلَى السَّبْعِينَ شَيْخًا. فَلَمَّا حَلَّ الرُّوحُ عَلَيْهِمْ تَنَبَّؤُوا، وَلكِنْ لَمْ يُعَاوِدُوا ذَلِكَ. الآية ستّة وعشرون : وَكَانَ رَجُلانِ بَقِيَا فِي الْمُخَيَّمِ، أَحَدُهُمَا اسْمُهُ أَلدَادُ وَالآخَرُ مِدَادُ، فَحَلَّ الرُّوحُ عَلَيْهِمَا . كَانَا مِمَّنْ كُتِبَ أَسْمَاؤُهُمْ لِلذِّهَابِ إِلَى الْخَيْمَةِ، لَكِنَّهُمَا لَمْ يَخْرُجَا، فَتَنَبَّأا فِي الْمُخَيّم.
وكانت هناك أيضًا خَيمة تَقَع في وَسط المخيم حيث يَعمَل الكهنوت.
عن الكتاب المقدس اليهودي، سِفْر العدد الإصحاح اثنان الآية واحد : وقال أَدُونَاي لموسى وهارون: اللآية اثنان "يَنْبَغي لِشَعب إسرائيل أن يُخَيِّمُوا حَسب عَشائِرِهم، كلُّ رجلٍ تحت رايته وتَحْت رَمْز عشيرته؛ يُخَيمون حول خيمة الاجتماع، ولكن على مسافة. اللآية الثالثة : " الذين يُخيمون على الجانب الشرقي نحو شروق الشمس يكونون تحت راية محلة يهوذا؛ يُخيمون حَسَب فرقهم. القبيلة والقائد والعدد كالتالي: يَهوذا: نَحشون بن عميناداب، أربعة وسبعون ألفًا وسُتمائة ، يساكر: نَتنئيل بن صوعر، أربعة وخمسون ألفًا وأربعمائة، زَبولون: أليآب بن حيلون، سبعة وخمسون ألفًا وأربعمائة. المجموع: مائة وستة وثمانون ألفًا وأربعمائة. هذه المجموعة هي التي تنطلق أولًا."
يَقول مُعظم العلماء المَسيحيين الأُمَمِيوّن أنّها كانت نَفْس الخيمة، إلا أنه في وقتٍ ما انتقَلت الخيمة التي تَواجدَت على الأطراف إلى وَسط المُخيّم. تقول المصادر الحاخامية القديمة أنَّهما كانتا بالفعل خيمتَين منفصلتَين لغرضَين مُنفصلَين.
لقد قيل لنا بوضوح أنّ خيمة البَرّية هي الخيمة التي كانت في الوَسَط وأحاط بها اللاويّون على مقرُبة ثم القبائل الأخرى التي تُشكِّل دائرة خارجية. عندما نُلقي نظرة فاحصة على الكتاب المقدس نَجِد بعض الاختلافات الواضِحة في كَيفيّة حدوث اللقاء بين الله والإنسان، وذلك بِحَسَب الخيمة التي حَدَث فيها اللقاء. فقط في الخيمة الكهنوتية، المُتواجِدة في البرّية نفسها، كان موسى وحدَه يَسمَع صَوت الله (بينما كان موسى داخل المكان المقدس)، وفي بعض الأحيان كان هارون يَسمَع صوت الله وَحَدَث ذلك فقط عندما كان هارون في الفِناء وليس داخل الخيمة.
كان بإمكان أي شَخص (وليس موسى وهارون فقط) أن يَطلُب وَحْيًا من الله في الخيمة الواقِعة على مَشارف المُخيَّم.
عن الكتاب المقدس اليهودي، خروج الإصحاح ثلاثة وثلاثين الآية سبعة كان موسى يأخذ الخيمة وينصبها خارج المخيم، بعيدًا عن المخيم. وكان يسميها خيمة الاجتماع. كان كل من يريد استشارة أدوناي يخرج إلى خيمة الاجتماع خارج المخيم.
الآن، السؤال الحقيقي في كلِّ هذا هو: أين كان التابوت؟ هل كان في الخَيمة الخَارجية، أم في الخَيمة المَوجودة في وَسَط المُخيَّم؟ الحِجّة المُعْتادة هي أنه كان يَجِب أن يَكون في خيمة البَرّية في وَسَط المُخيَّم. ومع ذلك نَجِد أنّ يوشع/يشوع كان مُتمركِزًا بشكل دائم داخل الخَيمة الخارجية (ربما كحارِس)، ونَجِد نَفْس الشيء مع صموئيل بعد مئات السنين. لقد كان حُضور الله دائمًا داخل خيمة، وعلى حدِّ عِلمِنا كان دائمًا فوق التابوت؛ ولكن هناك الكثير من الشُكوك حول ما إذا كانت هناك خَيمة واحدة فقط مُصرَّح بها للتابوت أم لا.
من المؤكَّد أنّ التابوت كان يَحتاج دائمًا إلى مَأوى بعيدًا عن أنْظار أي إنسان، بما في ذلك موسى ورئيس الكهنة (باستثناء مَرَّة واحدة في السنة في يوم الغُفران). بالمناسبة، لم يَدْخُل موسى إلى المَكان الأقدَس ليَتواصَل مع الله؛ فقد بَقي خارج الباروخيت، وهو الحِجاب الداخلي الذي يَفصُل المكان المقدَّس عن قُدْس الأقداس.
أظُنّ أنّ التابوت كان يَتحرَّك ذهابًا وإيابًا بأَمْرٍ من الله أو بأمْرٍ من موسى، على الرغم من أنه لم يُذكَر شيء من هذا القبيل على وَجه التحديد. ولكن هناك شيء واحد يبدو واضحًا: ليس بالضرورة (كما يُعلَّم عادةً) أنّ المَكان الوحيد المأذون به إلهيًا لتابوت العَهد كان في خيمة الاجتماع. من الواضِح أنّ الرَب على ما يبدو كان بإمكانِه أن يُحدِّد إلى حدٍ ما على أساس كل حالة على حِدة أين كان يَكون.
في المُستقبَل، نَجِد المَلِك داود يَدعو لإحضار تابوت العهد إليه في أورَشليم. في البداية يَذهَب التابوت إلى منزل لاوي الشَخصي الذي يُطلَق عليه اسم عابد-إدوم، ثمّ بَعد ذلك بمرور الوَقت كان يوضَع في خيمة أقامَها داود في أورَشليم خصيصًا له. من المؤكَّد أنّ هذه الخَيمة لم تكُن خيمة البَرِّية، وقد قيل لنا على وَجه التَحديد أنّه نتيجةً لوجود التابوت في بيت عابد-إدوم فقد تبارَكَتْ أُسرتُه بأكملِها؛ ولا توجَد أي نَتيجة أو بيان سَلبي عن نَقْل داود للتابوت فيما بَعد إلى خيمةٍ بَناها له. إذًا هناك الكثير من الغُموض حول هذا الأمِر، ويجب أن نكون حَذِرين أيضًا من التَشدُّد في هذا الموضوع.
على أي حال، الله غاضِب تمامًا من أُخت موسى وأخاه لأنهما شَكَّكا عَلانية في مَكانة موسى عند الرَب، والآن سيَتعامَل الله مع الأمِر بطريقتِه. موسى هو المُتّهَم، وهارون ومَريَم هما المُتّهِمان، لذلك يجب أن يكون الجميع حاضِرين أمام ديَّان الكَون العظيم، يَهوَه. وفي الآيات الأربع التالية يَتحدَّث الله مُباشرةً إلى مَريَم وهارون. في الواقع، يقول لهما ”تقدَّما واسْمَعا كلامي“. أي أنّ المُتّهمَين، المُتمرّدَين، مُنفصلَين عن موسى؛ حتى أنّ بعض الشروح العِبرية تُشير إلى أنّ موسى لم يَسمَع ما قاله يَهوَهْ لهارون ومَريَم لأنه كان حديثاً خاصاً.
ما قيل هو مَزيج من المَديح والتَبرئة لموسى، إلى جانِب تَوبيخ صَريح قاسٍ لمَريَم وهارون. ويقول الله تعالى أنّ موسى يَندرِج في طَبقَة خاصّة به وأنّ موسى فريدٌ من بين جَميع البَشر على وَجْه الأرض. وبعبارة أخرى، إنّ هارون ومَريَم، بِبَساطة لا يَرقَيان إلى مَرتبة موسى. في الواقع، لا يوجد شخص آخر على قَيد الحياة يَتنفَّس الهواء العليل الذي يَتنفَّسُه موسى.
هذا هو معنى الخطاب في الآيتين ستّة وسبعة حيث يوضِح الله أنه عندما يُقرِّر أن يَجعل رَجُلاً (أو امرأة) نَبيًّا من أنبيائه، فإنه يَفعَل ذلك من خلال تَعريفه بنفسِه لذلك الشخص عن طريق الرؤيا. يَتحدَّث الله إلى الشَخص في حُلم. ولكن، عندما يَتعلَّق الأمْر بموسى، يَتعامل مَعه يَهوَهْ بطريقة مُختلِفة تمامًا؛ فالله يَتعامَل معه وجهًا لوجه، في حديث مَسموع وليس عَبْر ألْغاز. علاوةً على ذلك، يُظهِر الله لموسى من نَفسِه أكثر مما يُظهِره لأي إنسان آخر.
في الواقع، حيث يَقول كتابنا المقدَّس ومُعظَم الكتُب المقدَّسة الأخرى إنّ الله يُكلِّم موسى ”وَجهًا لوجه“ وبالعِبرية "بي-ال-بي"، فإنه يقول حَرفيًا "فمًا لفم". في العبرية، استِخدام مُصْطَلح ”وَجه“ يعني ”حُضوريًا“. لذا، على الرُّغم من أنه صحيح أنّ الله وموسى يَتحدَّثان ”وَجهًا لوَجه“، إلاّ أنّ هذه الآية تُشير إلى شيء آخر: أنّ التَواصل يَرقى إلى مُستوى الوَحي المُباشر، بينما موسى واعٍ تماماً، ويُمثِّل مفهومًا أنّ هناك حوارًا مُتبادَل.
دعونا نُحلِّل هذا الأمْر أكثر قليلاً. لقد أُعطي موسى مَكانة غير مَسبوقة بين البَشر؛ فهو يَخدُم الله سبحانَه وتعالى بطريقة مُباشَرة، وبالتالي فإنّ الله سبحانه وتعالى يَتعامَل مع موسى بطريقة مُباشرة. يَخلُق الله أنبياء (مَريَم) ورؤساء كَهَنة (هارون) بطريقة غير مُباشرة. لقد وَضَع القوانين والفرائض التي كان من المُقرَّر أن يُنفِّذها البَشر لتأسيس خَطّ رؤساء الكهنة العِظام، واخْتار كل رئيس كَهَنة يَخلُفُه في السُلطة. الرَب يُكرِّس الأنبياء من خلال الاستِبصار، عن طريق الوَحي برؤى عن نفْسِه وإعلان أنّ ذلك الشخص هو نَبيُّه، في العَقل الباطِن للشَخص المُختار. بَعْدَها، يُعطي ذلك النَبي الرسائل التي يريد أن يَنقُلها إلى البشر، لكنَّه يَفعَل ذلك عن طريق التَعامُل مع هؤلاء الأنبياء بطريقة غامضة في الرؤى والأحلام.
لكنّ الأَمرَ مُختلِف مع موسى. مع موسى، يكون الاتصال مع الله أقرَب ما يَكون بين الجَسدي والروحي. يُجري الله مُحادثة مع موسى تمامًا كما نُفكِّر أنا وأنت في المُحادثة، الحوار. أنا أقول شيئًا، وأنت تَرُدّ. أنت تُقدِّم اقتراحًا، وأنا أُجيب. أطرَح سؤالاً، فتُعطيني الإجابة. أقول إنني لا أفْهَم، فتَشرَح لي. يَحدُث أخْذ وعطاء، تَبادُل للمَعلومات. هذا ما جرى بين موسى والله. طبعًا كان الله هو الأعلى وموسى خاضِعًا، لكن المَفهوم الكامل هو أنّ الله يُمْكِن أن يَتأثّر بموسى وأنّه بحسَب مشيئتِه، الله يَستسْلِم أحيانًا لموسى.
بل أكثَر من ذلك، يوضِح يَهوَهْ أنه جَعَل موسى مَسؤولاً عن ”جميع أهْل بَيتِه“. لِنَكُن واضِحين ما يَعنيه الله بهذا. بيت الرَب، على الأقل على الأرض، هو إسرائيل. لقد أسَّس الرَب بَيتَه بِخَلْق إسرائيل كشَعب مُخصَّص له.
جَعَل يَهوَهْ موسى مَسؤولاً عن هذا البيت عن طريق الإعلان. بعبارة أخرى، كان موسى مُجرَّد إنسان عادي من لَحم ودَم. لم يكُن أفضَل أو أسوأ من أي إنسان آخر. ولكنّ الله قَسَّم موسى واختارَه وفَصَله عن كُلّ البشر الآخرين لأسبابِه الخاصّة، ثم أعلَنَ أنّ موسى هو سَيِّد أهْل بيتِه، تمامًا كما أعلَن فَرعون أنّ يوسف هو سيِّد كل أهْل بيتِه في مصر. موسى يَحمِل سُلطان الله تمامًا كما كان يوسف يَحمِل سُلطة فرعون وسُلطانَه في مصر. ومع ذلك، لم يكُن موسى هو الله سُبحانه وتعالى، كما لم يكُن يوسف فرعون مصر.
فَهِمَ هارون ومَريَم مَكانة موسى، وأنه على عَكْس رئيس الكهنة لا يوجد تَسلسُل وِراثي مُحدَّد مُسبَقًا، ولا يوجد تصويت أو موافَقة من الشَعب ليُقرِّر من هو المَسؤول عن بَيت الله ، إسرائيل. لا توجد ديمقراطية هنا.
الله يُعلِن غَضَبَه على أولئك الذين يَجرؤون على التَحدُّث ضِدّ وسيط عَيّنَه الله مِثل موسى ويُعلِن أنّ هناك ثَمنًا يجب دَفعُه مُقابِل التَمرُّد عليه.
كان الثمن، أُجرَة هذا التَمرُّد، هو أنّ مَريَم أصيبت بالبَرَص حَسَب ما يَرِد في معظم الأناجيل. خطأ. لقد أصيبت بتزراعت. في الواقع كان تزارعت مَرَضًا جلديًا، لكنَّه لم يكُن الجذام. لم يكُن الجذام مَعروفًا في ذلك الجُزء من العالَم حتى مئات السنين في المُستقبَل.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الكَلِمة العِبرية المُستخدَمة هنا، تزارعت، لا تُشير إلى مَرَض مُعيَّن. فقد كانت هناك عدّة مستويات وأنواع مُختلفة من تزارعت التي تَراوحت بين البَسيطة والخَطيرة جدًا. لكن المِفتاح لِفَهْم مُصطلح تزارعت هو أنه مَرَض روحي. إنه المَظهر الخارجي لحالة المَرء الباطنية والخَفية. إنه أمْر إلهي، حيث إنّ التزرات هي عِقاب أو إجراء تأديبي للفَرد، وهو أمْر إلهي.
وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لعُقُوبَةٍ عَلَى هَارُونَ. لا أدري لماذا. ولكن، ليست هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها هارون يَنقاد بسهولة إلى الخطيئة؛ لقد فَعَل ذلك عندما طَلَب منه الشَعب أن يَصنَع العِجْلَ الذهبي، وقد فَعَل ما طلبَه (وإن كان على مَضَض). هذا تَذكير جيّد لنا جميعًا أنّه على الرُغم من أنّ هارون كان رئيس الكَهنة، إلا أنّه كان لا يَزال مُجرَّد إنسان. لم تكُن طبيعته الخاطئة أقلّ أو أكثَر من أولئك الذين تَحتَه. لم يكُن لديه مَيلُه الشِرير.
كانت الإغراءات لا تَزال توضَع في طريقِه كما هي الحال بالنسبة لنا نحنُ المؤمنين المُعاصرين. وكان يَفشَل من وقتٍ لآخر (مرة أخرى مثلنا نحن المؤمنين المعاصرين)، بِغَض النَظَر عن نِيّتِه في عدَم الفَشَل.
بإيجاز، انظروا إلى النَمَط الذي وُضِع هنا في موسى؛ نَمَط قيام المسيح.
واحد. سيَتمّ الإعلان عنه أو بَثّه في الوجود.
اثنان. على الرُّغم من أنه كان، من ناحية، بَشريًا، إلا أنّ مَركزَه كمَسيح لم يكُن له نَظير بَشَري.
ثلاثة. كان من المُقرَّر أن يكون المسيح سيّد الله المُؤتمَن على أهْل بيته أجمَعين. ومن هُم أهْلُ بَيت الله؟ إسرائيل……. وكلّ من سيَنضمّ إلى إسرائيل عن طريق تِلك العهود المُعطاة لإسرائيل. أُعطيَ يسوع كل سُلطان الآب على البشر.
أربعة. سيأتي البشر ضِدّ المسيح، ويقولون إنّ هذا الرَجُل ليس مُختلفًا عنهم. وأنَّهم قريبون من الله، وأنَّهم يَسمعون من الله، وأنَّ مكانتَهم عند الله مِثل مكانة يسوع.
خمسة. أنه بقَدر ما كان أنبياء الله المَعْنِيّون عظماء وكان رئيس الكهنة مُهِمًّا، فإن هذا الوسيط كان فوقهم جميعًا.
ستّة. أنّ الوسيط العَظيم سَيَكون فيه روح الله، وإنْ كان في غيرِه روحُ الله فلا بد أن يكون مُستمَدًّا من جَسَد موسى، ومن بعدِه يسوع.
سبعة. سيكون المسيح مُتواضِعًا ووديعًا. لن يأتي كقائد عالَمي عظيم، يَسعى ليَحكُم الجميع بسُلطانه الخاص. بل سيكون بالأحرى قائدًا مُتردِدًا، ولكن راغبًا دائمًا في الخضوع لإرادة الآب.
ثمانية. لن يكون المسيح كائنًا مَبعوثًا، بل سيكون وَسيطًا وشفيعًا. لم يكُن كائنًا من نوع آخر، بل كان إنسانًا بالكامل. ومع ذلك، كان إلهًا بالكامل. ليس مَصنوعًا من الاثنين، ولا نُصْفًا من كلٍ من الإنسان والإله، مِثل الملاك. اسمحوا لي أن أؤكِّد أنّه في حين أنّ سِمة الوسيط/الشفيع التي كانت لموسى قد تَحققَّت بالكامل في يسوع، إلا أنّ جانب كَون المسيح إلهًا بالكامِل وإنسانًا بالكامِل كان فريدًا تمامًا ليسوع. هذا شيء لم يَتّصِف به موسى، لأنه لم يكُن هناك سوى شخص واحد فقط بهذه الصِفة الغامضة.. وهذا الشخص هو المسيح يسوع.
ثم، في الآية الحادية عشرة، نَتعرَّف على جزء آخر من النَمَط الذي سيُثبَّت في موسى ويُتبَع في المسيح: هارون، مع أنّ الله حاضِر معه، يَطلُب الغفران لخطيئته من موسى! يقول هارون لأخيه موسى ”يَا رَبِّ لَا تُؤَاخِذْنَا بِخَطِيئَتِنَا الَّتِي أَخْطَأْنَا بِهَا“. عَجَباً! بماذا كان يُفكِّر هارون؟ إنه ينادي موسى: ”يا رَبي“، ويَطلُب من موسى ألا يحسِب لهم تَمرُّدَهم خطيئة؟ صَدِّقني: هذا مُختلف عمّا إذا أنا أو أنت طلبْنا من شخص أَسَأْنا إليه أن يَغفُر لنا.
هارون لا يَطلب من موسى أن يَقبَل اعتذارَه، كأخ،. نحن نُسيء إلى الناس، ولكننا نُخطئ في حَقّ الله.
أليس هذا بالضبط ما يجب أن نَطلُبَه من يسوع؟ ألسنا نطلُب من يسوع: ”يَا سَيِّدُ، لاَ تَحْسِبْ عَلَيْنَا مَا أَخْطَأْنَا بِهِ إِلَى الآبِ“؟
لقد فَهِم هارون أخيرًا. لقد فَهِم الآن مكانة موسى السامية. لقد فَهِم أنّ موسى كان وَسيط الله المُعيَّن وشفيعَه. وبينما لم يكُن موسى، في حدِّ ذاته، هو من يقوم بالغُفران (كان "أبا" الآب)، لم يكُن هناك اقتراب من الله إلا من خلال موسى. وكلّ ما قرَّره موسى في أمرٍ ما، وتَحدَّث به إلى الشعب على أنّه قرارُه، فقد تمّ ذلك بقوة وسُلطان الآب القدير.
نحن نُصلّي بواسِطة وسيطِنا، يسوع، إلى الآب. نحن لا نُصلّي إلى الوسيط كمَصدر للقوة والسُلطان. يقول يسوع إنّ كلّ القوة والسُلطان أُعطيَتا له؛ إذًا، من الذي أعطى يسوع تلك القوَّة والسُلطان؟ يَهوَهْ، الآب. عندما سَأَلْنا يسوع فقط كيف يجب أن نُصلّي، وقد حَدَث هذا بعد أن أَوْضَح أنه الله…… قال يجب أن نُصلّي ال”أبانا“. ويسوع نفسُه صلّى ال”أبانا“. يسوع كان الله. لقد مارَس قوة وسُلطان الآب يَهوَه….. ومع ذلك، فهو ليس الآب.
يسوع الكَلِمة هو الله الابن. لا تَطلبوا مني أن أجعَل هذا الأمر أسهَل للفَهم، لأنني لا أستَطيع. هذا يتْرُك لنا جميعًا لُغزًا كبيرًا؛ ولكن، أعتقد أننا يجب أن نَقبَل هذا على أنه اللّغز المُدهش الذي هو عليه لأنه لو كان مَفهوماً تماماً في عقولِنا….. بِشَكل عقلاني ومَنطقي وعِلمي…… أين الحاجة للإيمان؟ لقد حاولَت البشرية أن تَضَع كل أنواع النَماذج وتَستخدِم كل أنواع الكَلِمات والعِبارات البشرية لوَصْف علاقة الآب والابن والروح القُدس (وربما بعض التَجلِّيات الأخرى لله مِثل مَلاك الرَب)
وهذه المُحاولات فاشلة لدرجةٍ أنها تُرسِلنا حتمًا إلى مُطاردات غير مَحسوبة تؤدي إلى عقائد غَريبة. دعونا فقط نُلاحظ نماذج المسيح من خلال يوسف وموسى. نَقبَل ما قالَه يسوع عن علاقتِه بالروح القدس وبالآب…. ونَستوعب ذلك، ونَتْرُك الباقي جانبًا.
إذن في الآية الثالثة عشرة، موسى كَوسيط يَستَلِم طَلَب هارون المُتمثِّل في شفاء أُختِه مَريَم من التزارت الإلهية التي تُعاني منه بسبب غَضَب الرَب.
أستطيع أن أقول لكم بثِقة تامّة أنّ مَريَم شُفيَت على الفَور على الرُغم من أنه لم يَتُمّ تَفصيل ذلك على وَجه التَحديد. كيف أعرِف أنّ هذا كان هو الحال؟ بسبب القوانين اللاويَّة المُتعلِّقة بالنجاسة وطقوس التَطهير. يُجيب يَهوَهْ على طَلَب موسى بقَوْله: ”فَلْتُحْجَبْ عَنِ المخيّم سَبْعَةَ أَيَّامٍ“. لا تَدَع الجزءَ الخاص بـ ”إذا بَصَق أبوها في وجهِها“ يَجعلُك تتوهَّم. يعني ببساطة أنه إذا وَجَد والد المرأة عيبًا في وجهها، وأهانَها بسبب طيشِها، فإنه يُرسِلها بعيدًا عنه لفترة من الزمن.
لاحِظ المُقارنة التي أُجرِيَت بين المولود مَيتًا (في الآية الثانية عشرة) …. الذي مات في الرَحم لأي سبب كان….. والتزرات التي أصابَت مَريَم. كان هذا التزرات نوعًا من المَوت، تمامًا مِثل موت الجَنين الذي لم يولَد بعد. ومع ذلك، فإنّ حالة مَريَم لا تُقارَن بموت الجنين لأن مَريَم كانت في خَطَر الموت الجسدي بسبب المرض، وبشكل عام، لم يكُن تزارعت (على الرغم من أفلام هوليوود الكثيرة التي تقول عَكس ذلك) مرضًا مُميتًا، على الرغم من أنه كان مُشَوِّهًا في كثير من الأحيان. أمّا المُقارنة فَحدثَت لأنّ الموت الحقيقي من الناحية التوراتية……الموت الحقيقي…. هو الانفصال عن الله. والشريعة اللاوية كانت تُعتبَر الشخص الذي كان نجسًا طقسيًا مُنفصِلاً عن الله. كان، في جوهَرِه، في حالة موت روحي. كانت روحُه مَيتة ومُتعفِّنة كجَسد المولود مَيتًا. وكانت الحالة الجلدية المُسمَّاة ”تزارعت“ مجرَّد مَظهر خارجي لذلك الموت الداخلي والتَعفُّن.
لذا، واجهَت مَريَم الإجراء المُعتاد لأي شخص أُصيب بالتزارات…… الذي كان يجِب أن يوضَع خارج المُخيَّم لأنه كان نَجِس طقسيًا؛ لأنّه كان مُنفَصِلاً عن شعب الله. وُضِعت مَريَم خارج المُخيَّم لمدَّة سَبعة أيام. وإليكم كيف عَرَفت أنّ الله شَفاها على الفور: لا تَبدأ فترة التطهير الطقسي العادية للشّخص المُصاب بالتزارات (سبعة أيام) حتى يَتخلَّص هذا الشخص من أي علامات للتزارات. هذا هو المبدأ، القانون…. الذي يَنطبِق على كل طقوس التطهير تقريبًا.
يجب أن يَزول سَبب النَجاسة الطقسية قَبل أن تَبدأ فترة التطهير المُقرَّرة.
عَلاوةً على ذلك، فإنّ هذا المَشهد كلُّه يُشبه إلى حدٍ مُخيف ذلك الوقت الذي التقى فيه موسى بالله لأول مرَّة وأراد بَراهين حول من هو الله، وما مَدى قوّةِ الله. تَذكَّروا أنّ يَهوَه طَلَب من موسى أن يَضَع ذراعَه داخل عباءته، وعندما أخرجَها كانت ذراعُه بيضاء من التزارات. ولكن، عندما أمَرَه الله أن يُعيد ذراعه المريضة إلى داخل عباءته، كان الشفاء فوريًا وكامِلاً. والأَمْر نفسه يَنطبِق على أخت موسى، النبية مَريَم، فقد مَرِضت بالتزرعات، لتَكشُف عن حالتها الداخلية الخاطئة التي أدَّت إلى اتّهامِها غير المقبول لموسى، ولكن الرَب شفاها في الحال بمجرد أن تمّ تَوضيح الأمر.
بسبَب مكانة مَريَم العَظيمَة في مُجتمع إسرائيل، بَقِيَ جميع بني إسرائيل في حزيروت، حيث كانوا يُخيِّمون حتى انتهَت فترة تَطهير مَريَم التي استمرَّت سبعة أيام.
لم يكُن هذا سَهلاً، فقد دَفَع جميع بني إسرائيل ثَمن خطيئة مَريَم وتَمرُّدِها بتأخير رحلتِهم إلى أرض الميعاد أسبوعًا. أولئك منّا الذين همْ قادة أو مُعلِّمين أو رُعاة أو أنبياء يَحتاجون إلى أن يَفهموا أنه عندما نُظهِر الخطية يمكننا أن نؤذي أولئك الذين نَقودهم ونُعلِّمُهم ونُعيَّن لرعايتِهم. عندما نُصبح مُتعجرفين ونُعلِّم التكهنات على أنها حقائق، أو تَعاليم الرجال على أنها حقيقة الله، أو نَتنبأ بتنبؤات من عقولِنا وليس من الله، فإننا لا نرتكِب الخطيئة فحسْب، بل نُعيق أولئك الذين نحن مسؤولون عن خدمَتِهم. وسَنتَعرَّض للمُساءلة.
يَنتهي الإصحاح بإخبارِنا أنه بعد مرور ذلك الأسبوع انتقَلت إسرائيل من حزروث إلى باران وهي برِّية صَحراوية. من المُحتمَل أن يكون المكان الذي خيَّموا فيه بعد ذلك للإقامة الطويلة هو قادش.
سنَبدأ الإصحاح الثالث عشر في المرَّة القادمة.