سِفْر العدد
الدرس الثامن عشر – تكمِلة الإصحاح الخامس عشر
نُكمِل اليوم في الإصحاح الخامس عشَر من سِفْر العدد؛ وفي لِقائنا الأخير دَرَسنا إحدى تلك الكَلِمات العِبرية الصغيرة، ولكن المُهمَّة، التي لها الكثير من الدلالات الهامَّة بالنسبة للمؤمِن. لقد دَرَسنا بالضبط ما يَعنيه مُصطلَح غير العِبري أو بالجمع، غيريم، بمعناه الكامِل. وهذا لأنه يُترجَم دائمًا إلى أجنبي أو غريب؛ وكِلا هاتَيْن الكلمَتَين تُعطياننا فكرة ناقِصة، إن لم تكُن خاطئة تمامًا، عن مَاهية الغِير. لا تكمُن المُشكلة في سوء التَرجمة، المُشكلة هي أنه لا توجد كَلِمة واحدة أو مُصطلح أو عبارة بسيطة يمكنُها أن تَنقُل لنا مفهوم الشرق الأوسطي والتوراتي المُعقَّد لما تَرقى إليه كَلِمة "غير".
وما وَجدْناه هو أنّ الغير، في أبسط مَعانيه، هو الأجنَبي المَحْمي وكَلِمة ”مَحمي“ هي المِفتاح. في معظم الأحيان في الكتاب المقدَّس يكون الغير هو الأجنبي إلاّ إذا كان السياق يتحدَّث مباشرَةً عن شخص عبراني. أي أنّ الغير هو شخص وُلِد في ثقافة أخرى أو قَبيلة أخرى وقرَّر (لأي عدَد من الأسباب) أن يلتحِق بقبيلة أخرى مؤقتًا أو على المَدى الطويل. وقد وافَقتْ تلك القبيلة الجديدة على السَماح بهذا الارتباط، والسَماح للغير بأن يُصبِح جزءًا من مُجتمعها.
كان الغير مَحكومًا بالعديد من العادات والحدود والقواعِد المَفهومة جيدًا التي تُشكِّل وتُوَجِّه حَياتَه وسُلوكَه كعَضو في المُجتمع الذي انضمّ إليه. والكتاب المقدَّس لا يُكلِّف نفسَه عناءَ أن يَشرَح لنا الخصائص والحدود العامَّة التي يجِب أن يَلتزِم بها الغير (من المُتوقَّع أن نَعرِفها)، ولكنّ التَوراة تُخبِرُنا ببعض التفاصيل المُتعلِّقة بالسلوك المَطلوب من الغير المَحمي داخل المُجتمع الإسرائيلي.
باختصار، لا يمكن للأجانب أن يَمتلكوا أرضًا، وبالتالي فَهُم عمومًا عُمّال لدى الآخرين، أو لديهم تِجارة مُحدَّدة جدًا يَكسَبون منها رِزقَهم. وعَلاوةً على ذلك، فَهُم تحت حماية وسُلطة القبيلة أو العشيرة التي يَنتمون إليها. على الغَير المَحمي أن يتبَع عادات العشيرة أو القبيلة وقانونَها المَدني ولا يُسيء إلى إله القبيلة (وعادةً وليس دائمًا ما يَعبُد إله أو آلهة القبيلة المَقبولة فقط). فالغيريم ليسوا عبيدًا أو غير أسوياء، وليسوا بالضرورة طبقة دُنيا ولكنهُّم مواطنون من الدرجة الثانية بامتيازات أقل في المُجتمع الذي يَعيشون فيه الآن. إذا بَقي غير لفترَة طويلة بما فيه الكفاية فسيتم دَمجُه في عائلة مُضِيفيه (عادةً عن طريق الزواج من أحد أفراد القبيلة أو العَشيرة) وخلال جيل أو جيلَيْن لا تعود صِفة "الأجنبي المَحْمي" تَنطبِق عليه.
يَتعلَّق اهتمامُنا في الغالِب بماهية علاقة الغير الذي يأتي للعَيش مع إسرائيل. بالنسبة لهؤلاء الغيريم بالذات يُعطي الرَب إرشادات مُحدَّدة للغاية: أولُّها أنه يجِب عليهِم الالتزام بأوامِر التَوراة التي تُحظِّر أشياء (تُسمّى الوصايا السلبية)، وفي معظم الحالات يمكنهم المُشاركة في الأوامِر التي تَتطلَّب القيام بأشياء مُعيَّنة (الوصايا الإيجابية). ولكن، عندما اختاروا المُشاركة في بعض الوصايا الإيجابية، مِثل الاحتفال بالأعياد التوراتية….. كان عليهم أن يَفعلوا ذلك بدقَّة وِفقًا لناموس موسى.
هذا كلُّه يقودُنا إلى ما أعتبرُه السؤال الأهم في هذا القِسْم من سِفْر العدد: هل الأمميون الذين انضَموا إلى ما يُسمّيه بولُس إسرائيل الحقيقية، أو إسرائيل الله، أو ملكوت الله، هم مؤمنون أمَميّون "غير" بين بَني إسرائيل وعهودِهم؟ هل هذا ما يحاوِل أن يشرحَه لنا سِفْر العدد؟
وما وجَدناه في رسالة أفَسُس اثنان هو أننا نحنُ المسيحيين لسنا مُصنَّفين كأممييّن، نحن لسنا مواطِنين من الدرَجة الثانية في إسرائيل الحقيقية، وليس الإسرائيليون الطبيعيّون مواطنون من الدَرجة الأولى (اليَهود في عصرِنا الحديث).
اقرأ أفَسُس الإصحاح اثنان الآية الحادية عشرة إلى الثالثة عشرة والتاسعة عشرة إلى الثانية والعشرين
يوضِح الرَب، من خلال بولُس، أنه في وقت من الأوقات كان الأمميّون أبعَدْ من إسرائيل الحقيقيين أكثَر ممّا هُم "الغيريم" بَعيدون. كنّا كالعَدَم. ولكن الأمميّون الذين لم يَختاروا أن يرتبِطوا بإسرائيل كغير، فكانوا بَعيدين تمامًا عن الحياة القومية لإسرائيل وبَعيدين عن عهود إسرائيل. ولكن من خلال الثِقة في يسوع اقتَرب المؤمنون الأمميّون وأصبحوا الآن أعضاء كامِلين في إسرائيل الحقيقية، في المَثَل الأعلى الإلهي لإسرائيل كمَلكوت الله النقي والمقدَّس. ليس كغير، بل كمواطِنين من الدرَجة الأولى.
لاحِظوا شيئًا أدْرِكْ أنّ الكثيرين مِنكم قد سَمعوه منّي في مُناسبات عديدة، ولكني أريد أن أكرِّرَه من مَنظور آخر: مِثلما يجِب على المُهاجِر إلى الولايات المتحدة الأمريكية أن يَمُرّ بمراسِم القَسَم ليُقسِم بالولاء لدستور الولايات المتَّحدة والالتزام بمبادئه، كذلك يجِب على الأجنبي في إسرائيل أن يُقسِم بالولاء لدستور إسرائيل، لعهود الله التوراتية التي قَطعَها الله مع إسرائيل. والآن عندما أقول دستور إسرائيل فأنا لا أتحدَّث عن الدستور السِياسي لدولة إسرائيل الحديثة كما وضَعَه الإنسان بعد الحَرب العالمية الثانية. أنا أتحدَّث في المقام الأول عن العهود الإبراهيمية والموسَوية لأنّ هذا ما يُشير إليه بولُس؛ ففيها تأسيس مَلكوت الله على الأرْض مع إسرائيل كمَجموعة أساسية من الناس الذين سيُحقِّقونه، بالإضافة إلى مُتطَلِّبات العُضوية، والقواعد واللوائح، وهَويّة المؤهّلين للعُضويّة.
أودُّ الآن أن أخبِرَكم بشيء خَطَر ببالي مؤخرًا، ويُمكنُكم أن تُفكِّروا به كما يَحلو لكُم. يُحذِّر بولُس باستمْرار الأمميّين الذين يَرغبون في الوثوق بيسوع وعِبادتِه، أنه ليس من الضروري أن يَتحوَّلوا ويُصبِحوا يهودًا ليَعبدوا المسيح… ولكن القيام بذلك هو في الأساس مُضاد للإنتاجية. يَستخدِم بولُس للإشارة إلى هذا التحوُّل عبارات مِثل "تحت الناموس"، أو "تَخضَع للناموس" ويَنصَح الأممي بِعَدَم إخضاع نفسه للناموس.
والآن، افهَموا أنّه في كل حالة من الحالات التي يتحدَّث فيها بولُس عن عدم وَضْع الأمميين أنفسِهم ”تحت الناموس“، فإنّ بولُس لا يتحدَّث عن طاعة أوامِر التَوراة ولكنّ القضيّة التي يُعالِجها هي ما إذا كان شَرْط حصول المؤمِن على العُضوية…. لكي يُصبح تلميذًا وعابِدًا ليسوع وبالتالي يُصبح جزءًا من عائلة الله، هو أن يُصبح يهوديًا أولاً، وهو ما يَعني بحُكم التعريف قُبول الناموس، والذي يَتضمَّن بالطبع خِتان الذكور. أي أنّ طاعة الناموس كانت الخطوة الأولى في كيفية اكتسَاب المَرء عُضوية بين مجموعة المؤمنين. ولذلِك، يقول بولُس بشكلٍ قاطعٍ لا. ولكن عندما يُخلِّص المَرء عن طريق الإيمان بيسوع، فإنّ طاعة الناموس كطريقة للسلوك اللائق لِمَنْ خُلِّص هي مسألة أخرى.
حسنًا. بعد أن توضَّح الأمْر والتشعُّبات العديدة لما يَعنيه أن يكون المَرء غير، فإنّ جِزءاً من السَبب في أنّ بولُس لا يريد أن يَقبَلَ الأمميون الناموس، أي أن يُصبحوا يهوداً ويبدأوا بممارسة اليهودية التَقليدية، هو واحد) لأنّ هذه ليس وسيلة الخَلاص، واثنان) إذا كان الأممي يَقبَل الناموس ولو كجُزء من مُحاولة لتحقيق الخلاص، فإنّ هذا الأممي السابق (الذي أصبَح يهودياً الآن) قد وَضَع نفسه في موقِف غريب جداً مع الله. كما تَرون، كما نَاقشنا في الأسبوع الماضي، فإنّ الله نفسَه قد صَنَّف بني إسرائيل على أنّهم غيريم يَعيشون معه (على الرُغم من أنّ يَهوَهْ من ناحية يَدعو إسرائيل ”شعبي“ ومن ناحية أخرى لا يزال يَرى بني إسرائيل هؤلاء غيريم له). لهذا السَبب لا يتحدَّث العبرانيون مُنذ عَهد موسى فصاعدًا عن امتلاك أرض الميعاد. يقول الله، أنا أملِك الأرْض، وأنتُم مجرَّد مستأجرين وحائزين لها. أنتم، يا بَني إسرائيل، أنتُم غيريم معي أنا الرَب، كما أنّ الغُرَباء الذين يَعيشون بينَكم هم غيريم لكُم. أنتُم أيها الغيريم لديكم حقوق، وأنتم تَحتَ حمايتي (يقول الله)، لكنَّكم لستُم على قَدَم المساواة معي، ولم تَبْلُغوا مكانة مواطِنين من الدرجة الأولى في مَلكوت الله.
ومَع ذلك، بعد مئات السنوات، نَجِد في أَفَسُس اثنان بولُس بقول إنّ الأممي الذي يُصبح مؤمنًا بيسوع ليس غير لله، بل مواطِنًا كامل الأهليّة في إسرائيل الحقيقية، الذي يُعرَّف عنها بأنّها مَلكوت الله الروحي. إذًا، المَعضِلة التي يُحاول بولُس أن يشرَحها لجمهورِه الذي معظمُه من الأممييّن هي هذه: الأُمَمي الحائر، يَضَع نفسَه تحت الناموس (كَوَسِيلة للخلاص) يَنتهي به الأمْر فِعليًا إلى أن يَجعَل نفسه غير لله. هذا الأُممي يكتسِب نفْس المكانة التي كانت لدى إسرائيل دائمًا…..وهي المَكانة التي يولَد فيها كل يَهودي غير عند الله. لكن الأُممي الذي َيثِق بالمسيح كوسيلة شَرعيّة وَحيدة للخلاص، يُصبِح مواطِنًا كامل الأهلية في مَلكوت الله مع كلّ الحقوق والامتيازات المُرتبِطةِ به. في الجَوهر، الأُممي الذي كان كالعَدَم، يَقفِز فوق مكانة العبراني (غير المؤمِن)، ويُصبِح على الفور (مع اليهود الذين قَبِلوا مسيحَهم) مواطِنًا من الدرَجة الأولى في ملكوت الله الإلهي. والسؤال الذي يَطرُحه بولُس هو: لماذا، أيها الأُمَمي، لماذا تريد، أن تحصُل على مَكانة الدرجة الثانية كأُمَمي بينما يمكنُك أن تحصُل على مكانة الدرجة الأولى كمُواطِن في السماء؟ وفي الواقع، يُقدِّم بولُس نفْس الحِجَّة في كتاباتِه الأخرى إلى الشعب اليهودي. أي أنّ بولُس يقول، ”يا يَهود، لماذا لا تَقبلون يسوع كمَسيح، وتَرتفعون من وَضعِكم القانوني الحالي (الوَضْع القانوني الذي وُلِد فيه معظمُكم) كغيريم عند الله، لتُصبحوا مواطِنين من الدرجة الأولى مع الله، في مَلكوت الله؟
والآن، افهَموا: كل هذا وارِدٌ في قواعد وفرائض العهود التي قَطَعَها الله مع إسرائيل. هذه القُدرة لليهودي على رَفْع مكانتِه من غير إلى مُواطِن من الدرجة الأولى في مَلكوت الله، وللأُمَمي أن يَرتفِع وَضعُه من لا شيء أساسًا إلى مواطِن من الدَرجة الأولى في مَلكوت الله، مُمكِنة فقط بموجَب شروط عهود إسرائيل. لا يُصبح الأُمَمي عضوًا في ملكوت الله إلا بموجَب عهود إسرائيل مع الله. وبالطَبع هذه العهود كلُّها تتحدَّث عن المسيح وتُشير إليه.
هل تَفهمون هذا؟ لا يتحدَّث بولُس عمّا إذا كان من الجَيِّد أن يكون الإنسان مُطيعاً للتوراة، الناموس، أم لا (إنه يُعالِج هذه المسألة مُباشرةً في رسائل أخرى حيث يَقول أنّه من الجيّد والأفضَل للمؤمِن أن يُطيع التَوراة). لاحقًا، اذهَبوا إلى رومية اثنان، واقرأوا على سبيل المِثال بولُس الفَصْل الثاني الآية الثالثة عشرة حين يقول: إِنَّ عَامِلِي النَّامُوسِ سَيَنَالُونَ البر. والفصل الثاني الآية الثالثة عشرة…. الأمميون الذين يفعلون ما يتطلبه الناموس سيُعتبرون أبرياء، والفصل الثاني الآية خمسة وعشرين إلى ثمانية وعشرين: الذين يحفظون الناموس سيُدينون أولئك الذين لا يفعلون. يتحدَّث بولُس عن السلوك والاستِجابة لله، وليس كيف يَخلُص المَرْء. لا يتحدَّث بولُس عن كيف يُصبِح الأُمَمي عضوًا في مَلكوت الله، بل عن كيفية عَيش المَرء حياتِه بعد ذلك. ولكنه يقول أيضًا أنّ الطاعة للتوراة (الناموس) هي الاستجابة المُناسِبة للشَخص الذي يَخلُص على يَد المَسيح اليهودي.
والآن بعد أن أكَّدْنا مرَّة أخرى لماذا لا يَزال العَهد القديم بشكلٍ عام، والتَوراة بشكلٍ خاص، مُهمًا للغاية بالنِسبة للمَسيحيين، دعونا نَنتقِل قليلاً في سِفْر العدَد الخامس عشر.
اقرأ العَدد الخامس عشر الآية السابعة عشرة إلى – النِّهاية
هذا القُسْم الذي يتحدَّث عن تخصيص بعضَ الخُبز الذي يُصنَع لله بعد دخول الشعب أرض الميعاد مُثيرٌ للاهتمام ومُفيد للغاية. تذكَّروا: على الرُّغم من أننا قد نواجِه صعوبة في تحديد أيٍ من وصايا التَوراة لا يزالُ علينا أن نُطيعَها حَرفيًا، وأيضًا كيف نُطيعها بطريقة عَمَليّة في مُجتمعِنا الغربي الحديث (وبالطبع مع الأخْذ في الاعتبار مَجيء المسيح)، فإنّ الله يَضَع أنماطًا غير قابلة للتَغيير، علينا أن نَتعلَّمها ونَعرِفها ونُطبِّقها في حياتنا إلى الأبد.
وما يَجري الحديثُ عنه ابتداءً من الآية السابعة عشرة، هو أوَّل عَجين الخُبز الذي يُصنَع بانتظام في كل بَيت إسرائيلي. والتعليمات هي أنّ أول كل دُفعة من الخُبز تُعطى للكاهن. إنه جزء مقدَّس.
هذا يَنطلِق من مَبدأ البواكير أو بِلُغَة مألوفة أكثر، باكورة الثِمار. أي أنّ أوَّل كل شيء يَنتمي إلى الله؛ أوَّل أولادُكم الذكور (المُسمّى بالبِكْر)، وأوَّل مَحاصيلكم (المُسمى بالبكوريم)، وأوَّل عجين خُبزِكم (المُسمّى بالشلح).
الآن، الأمر المُثير للاهتمام هو أنه عادةً ما كان المزارعون وحدَهُم هم الذين يَستطيعون المُشارَكة في تقديم أولى ثمار الفاكِهة الأكثر شيوعًا، لأنَّهم هم الذين يَزرعون المَحاصيل، وبالتالي كان مَطلوبٌ مِنهم تَقديم أولى مَحاصيلهم كتَقدِمة. ما يفعلُه هذا الأمْر هو نَقْل القدرة على تقديم قرابين البواكير من الحَقْل إلى كل بيت عبراني. كان كلّ بَيت عبراني يَخبُز خُبزًا، وكان هو الطعام اليومي الأساسي، مع اشتراط تَقديم جُزء من عَجين الخُبز إلى الله، أصبَح بإمكان كل بَيت عبراني المُشاركة المُباشَرة في تقديم البواكير بشكل مُنتظِم.
هذه العادة في تقديم بعضٍ من عجين الخُبز المنزلي المَخبوز أصبَحت عادةً راسِخة في إسرائيل لدرَجة أنّ التلمود يُخبِرنا أنه حتّى بعد تدمير الهَيْكل، كانت المرأة تَأخذ قِطعة صغيرة من عَجين الخُبز وتُلقيها في النار كنوع من التَقدمة الصَغيرة في ذِكرى هذه الوصيَّة.
والآن، دعوني أقتبِس لكُم قولاً من بولُس، سمِعتُموه مني عِدَّةَ مرَّات، ولكنَّكم الآن ربَّما تَفهمون بشكلٍ أفضَل لماذا اختار الكَلِمات التي اختارَها.
عن ترجمة الكتاب المقدَّس رومية الإصحاح الحادي عشر الآية السادسة عشرة وَإِنْ كَانَتِ الْقِطْعَةُ الأُولَى مِنَ الْعَجِينِ مُقَدَّسَةً فَالْكُتْلَةُ أَيْضًا مُقَدَّسَةٌ، وَإِنْ كَانَ الأَصْلُ مُقَدَّسًا فَالأَغْصَانُ أَيْضًا.
كان بولُس ببساطة يَستخدِم اللغة الشائعة التي تحدَّث بِها كل بيت في إسرائيل تقريبًا وذلك عن سبيل التَوضيح. لقد كان يُشير مباشرةً إلى مبدأ البواكير، وإلى القوانين وعادَة تقديم قِطعة من عَجين الخُبز كتَقدِمة، والتي بدورِها تُقدَّس ما تَبقّى من الكُتلة الكبيرة من عَجين الخُبز.
ولكن عندما نَصِل إلى الآية اثنين وعشرين من سِفْر العدد الخامس عشر، يتغيَّر الموضوع بأكملِه. هنا ندخُل في المنطقة الشائكة لما يُسمَّى بالخطايا غَير المقصودة. أي أن يرتكِب شخصٌ ما انتهاكًا لوَصيَّةٍ من وصايا الله من دون قَصْد، وغالبًا ما لم يكُن يعرف حتّى أنّه فَعَل ذلك.
ومع ذلك، فإنّ هذا القُسم يُقارِن أيضًا بين ما هو مَطلوب من الشخص الذي يَرتكِب هذا النوع من الخَطيّة غير المُتعمَّدة، وما يحدُث عندما يرتكِب الشخص خطيةً مُتعمَّدة. وغالبًا ما يُشير الكتاب المقدَّس إلى هذا النوع المَقصود من الخطيئة بـ ”المُتعمَّدة“. وهي ما يَعتبرُها الرَب وقِحة بشكل صادم وبلا عُذر.
يتمّ الحَديث عن كلٍ من هاتَين الفئتَين من الخطيئة (غير المَقصودة والمُتعمَّدة) في سياقَين رئيسيَين: الخطيئة التي تَرتكِبُها الجماعة كلُّها……خطيئة وَطَنية.. وخطيئة يَرتكبُها فَرْد. اسمحوا لي هنا أن أذكِّرَكُم أنه عندما تَتحدَّث التَوراة عن ”الجماعة كلِّها“ أو ”المجموعة كلِّها“، فإنها تتحدَّث تِسع مرّات من أصْل عَشْرِ مرّات عن قادة وشيوخ إسرائيل… وليس عن كل فَرْد من عامّة الناس. فكِّروا في ذلك للحظة.
على الرُغم من أنّ اختيار القادة في إسرائيل القديمة لم يكُن يتُّم بطريقة ديمقراطية، إلا أنّ عُنصُر الموافَقة من قِبل الشَعب كان مَطلوبًا. على الرُّغم من أنّ الهيكل الحكومي في إسرائيل القديمة لم يكُن نظامًا قائمًا على صَوت واحد فقط، إلا أنّه كان نظامًا قائمًا على أساس تَمثيلي، مُشابِهًا في مفهومِه لنظامنا الأمريكي. كان الزعماء والشيوخ يُمثِّلون المصالح المُتنوِّعة لمُختلف القبائل، وبالتالي كان يتمّ التعامُل مع مَصالح شعب كلّ قَبيلة من تلك القبائل. القائد الذي لا يَحظى بشعبيّة كبيرة لم يَستمِرّ طويلاً.
والآن، إذا كان الله قد حَمَّل شعب إسرائيل مسؤولية قُبول ما يُقرِّره قادة وشيوخ إسرائيل (أي أنّ القادة والشيوخ كانوا يُمثِّلون إرادة الشعب)، فإنّني أتساءل كيف يَنظُر الرَب إلى مواطِني أمريكا حيث عَمَليّة تأكيد القيادة في أيدينا أكثر بكثير ممّا كانت في العصور التوراتية.
كمْ أودُّ في كثير من الأحيان أن أنفصِل عما قرَّرَته قيادتُنا المُنتخَبة: السماح بالإجهاض عند الطَلب، والاحتفال بالمِثلية الجنسية، ومُطالبة إسرائيل بالتَخلّي عن بعض ميراثها من الأرض لتَحقيق شَرْقٍ أوسطٍ أكثر هدوءًا وخِدمة احتياجاتنا من إمدادات النَفط غير المُنقطِعَة. ولكن تَبقى الحقيقة أنني (وكلّ واحِد منكُم) مسؤول أمام الله عن هذه الإهانات تِجاهه من الناحية التوراتية. وهذه المسؤولية تَندرِج تحت سياق ”الجماعة كلِّها“. افهموا: إنّ مصطلح ”الجماعة كلِّها“ ليس مُصطلحًا دينيًا فقط، بل هو مُصطلح وَطني، ويَنطبِق علينا لاهوتيًا بنَفْس القوَّة التي كان يَنطبِق فيها على إسرائيل القديمة.
بما أنّ المسؤولية القَوميّة (وما يتْبَعُها من بَرَكات قوميّة أو لَعْنات قومية) فهي إحدى مبادئ الرَب الأساسية التي نَجدُها هنا في سِفْر العدد الخامس عشر. وشَرْط التعامُل مع الخطيئة غير المَقصودة للأمَّة (يَعني عمومًا قيادة الأمة ولكن أيضًا الذنْب بالتَبَعيّة لعامّة المواطنين) يَتخلَّله تَقديم ذبيحة تكفيرٍ عندما تُصبح تلك الخطيئة معَروفة وواضحة. ويتألَّف القُربان من ثور كذبيحة عُلى، مَصحوبًا بذبيحة مينشا المُتعارف عليها، وذبيحة وقُربان الحبوب وإراقة الخَمر. بالإضافة إلى ذلك، يجب تقديم تيْس ذَكَر من الماعز كتَقدِمة حتات، والتي تُتَرْجم عادةً على أنها ”ذبيحة الخطيئة“، ولكن أعْتقِد أنّ تَرجمتها الأدقّ هي ”ذبيحة التطهير“.
يُرجى مُلاحظة بعض الكَلِمات الرئيسية في الآية خمسة وعشرين: ”وَيُكَفِّرُ الْكَاهِنُ عَنْ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَسيُغْفَرُ لَهُمْ“. كان غُفرانٌ من نوعٍ ما متاحًا بالفِعل لِبَني إسرائيل القُدماء بمشيئة الله. في لُغَّتنا الحديثة، وطريقة تَفكيرنا الغربيّة، سيكون من الأفضل لنا أن نأخُذ هذه العبارة عن الغُفران على أنّها تَعني ”قد يُغفر لهم“، بدلاً من ”سيُغْفَر لهم“. لأن الرَب قد وَضَع العديد من المبادئ المُتعلِّقة بالمَغفرة وكلُّها تَنطبِق ويجب أن تتحقَّق جميعُها لكي يرحَمَهُم. على سبيل المِثال، يجب أن تتوافَر التوبة والنَدَم. ليس للطقوس القُربانية في حدِّ ذاتها صِفة خارقة للطبيعة َتفرُض الغفران من الله، بل الطاعة الصادِقة للوصيَّة القربانية هي المُهمَّة. الجزاء المتوارَث أيضًا مُهمّ فقد تُعفى أمّة من العقاب إذا اختارَ الله ذلك، ولكن ذَنْب الخطيئة يبقى، وغالبًا ما يتمّ ببساطة نَقْل الجزاء المتوارَث إلى الجيل التالي.
لاحِظ الآية ستّة وعشرون حيثُ يوضَّح تمامًا أنّ الغفران الذي قد يَمنحُه الله لإسرائيل يَنطبِق على كلٍّ من بني إسرائيل والغير (الأجانب المَحميّين) الذين يَعيشون بين بَني إسرائيل.
بَعد ذلك يتم التعامُل مع الخطايا غير المَقصودة للفَرد. لا يُطلَب من الفَرد أن يأتي بذبيحة عُلى ومينشا، ولكن يُطلَب منه أن يأتي بذبيحة حتات (ذبيحة تَطهير)، على الرُغم من أنها أقلّ قيمة من الذبيحة المَطلوبة للأمّة ككُلّ. يجب على الفَرد إحضار أنثى الماعز إلى الكاهن للتَضحية بها. ومن المُثير للاهتمام، أنّ على الغير أن يفعَل الشيء نفسَه. فإذا أخطأ الغير عن غَير قَصْد يَجب عليه أيضًا أن يُقدِّم ذبيحة تكفير. ومع ذلك، دعوني أذكِّرُكم أنّ العَدد الهائل من الشرائع التي قد يُخالِفها الغير عن عَمْد كانت أقل بكثير من تلك التي يَتعرَّض لها الإسرائيلي. وكان هذا لأن الغير كان مُلزَمًا فقط بإطاعة الوصايا التَحريمية (السَلبيّة) في الناموس. ولكن بما أنه كان مَسموحًا للغير أيضًا بأن يَلتزِم ببعض الوصايا الإيجابية إذا اختار ذلك (مِثل الالتزام بأيام الأعياد ومُعظم الغيريم كانوا يفعلون ذلك)، فقد كان عليه أن يَفعَل ذلك بشكل صحيح. لذا، من المُحتمل أنّ الكثير من الغيريم أخَلّوا بالجوانب الأكثر صَرامة في أحد الشعائر من دون أن يَقصدوا ذلك، وعندما كانوا يُبَلَّغون بذلك كان على الغيريم أن يَذبحوا ذبيحة من النِعاج.
هنا تَظهَر المُتطلِّبات والعواقب الأكبر المَذكورة في هذا القُسم. ابتداءً من الآية ثلاثين، يتمّ التَطرُّق إلى حالة الشخص الذي يرتكِب خطيئة ”التمادي“. ونَجِد أنّ هذه الشريعة تَنطبِق بشكل متساوٍ على الإسرائيلي أو على الغير، ويُطلَب من الغير عادةً إطاعة عدَد أقَلّ من الوَصايا، وبالتالي كان هناك عدَد أقلّ من الوصايا التي يُمكنُه أن يُخالِفهَا). ونُلاحظ عدم تشريع أي ذبيحة تَكفير لمَن ”يتحدى“ كَلِمة الله. وبِعِبارَةٍ أخرى فإنّ الشخص الذي يرتكِب خطيئة التمادي ليس مَعذورًا من ذبيحة تَكفير، ولكن لا تُتاح له أي ذبيحة تَكفير. لذلك ليس هناك رَحمة، بل قَصاص إلهي فقط. والعِقاب مَعناه بالعِبرية، كاريت، والفِكرة من كاريت هي أنّ العقاب لا يُنفِّذه البشر عادة، أي أنّ المُذْنِب لا يُرجَم، ولا يُسجَن، ولا يُعاقَب من قِبل مواطني إسرائيل (مع أنه إذا ادُّعيَ أنّ وَحيًا مباشرًا من يَهوَهْ يَأمُر بتنفيذ هذا العِقاب، فقد يكون ذلك). بل إنّ الله وبطريقةٍ خارِقة للطبيعة، يَتولّى المُعاقَبة. قد يعني الموت بعُمْر الشباب. يمكن أن يَعني الموت بلا أولاد وبالتالي إنهاء سُلالة عائلة الرَجُل (ربّما كان هذا أكثر عِقاب يُخشى منه في العَصر التوراتي). ولكن يَعني أيضًا أن يُصبِح المَرء أقلّ رَخاءً، بصحة سيّئة أو مُرهَق. أمّا توقيت حدوث آثار هذا العِقاب فقد كان الرَب وَحدَه يعْلَمُه. لذلك كان المُذنِب يَتجوَّل دائمًا وفوقَه هالة القصاص الإلهي من دون أن يَعرِف متى سيَقَع عليه العقاب الأبدي.
الآن كما يُمكِن للمرء أن يَتوقَّع، على مَرّ القرون تفاوتَت ماهية الكاريت بين العبرانيين المُعاصرين والقدماء. فبِحلول زَمن الحاخام العظيم موسى بن ميمون (الرام بام) في القَرْن الثاني عشر الميلادي، كان الاعتقاد السائد هو أنّ الكاريت يَشمُل الموت المُحتمَل للروح بحيثُ تُصبِح الحياة الروحية الآخرة مُستحيلة. أمّا اليوم فالكاريت كما هو مُتعارَف عليه في اليهودية عادةً ما يُعرَّف بأنه الطَرْد من الكنيسة، أو حُكْم الإعدام الذي تَفرِضه السُلُطات المَدَنية. بِغضّ النَظَر عن ذلك، يمكننا أن نَفهَم أنّ الكاريت أمرٌ خطير ولا يَنطبِق إلا على أكثَر الأفعال المُشينة والمسيئة للرَب. ونحن على وَشَك أن نحصُل على مِثال معروف جداً عن خطيئة التمادي التي لا تَتوافر فيها إمكانية التَكفير.
تَروي الآية اثنان وثلاثون قِصّةَ رَجُلٍ خرَج ليجمَع الحَطَبَ يوم السبت. أُلقِيَ القبْضُ على الرَجُل، وأُحضِر أمام موسى، ويبدو أنّ موسى لم يكُن واضحًا في كيفيّة الحُكم على الأَمْر لأن نهاية الآية الرابعة والثلاثون تقول: ”.. لأنه لم يكن قد تم تحديد ما يجب أن يُفعل به“.
فاستشار موسى الله، فأعطاه الله جوابَهُ: الإعدام رَجْماً بالحِجارة. أُخِذ الرَجُل خارِج المُخيِّم، ورُجِم حتّى الموت. يا للعَجَب.
ما الذي حَدَث هنا حقًا؟ ما الخطأ الذي ارتكَبَه هذا الرَجُل؟ لماذا لم يَعْرِف موسى ماذا يَفعَل؟ ولماذا يجِب إعدام الرَجُل؟
السؤال الأول الذي يَجِب أن نطرَحَه هو ما هي شريعة السبت وعلينا أن نَبحَث في سِفْر الخروج عن الإجابة: عن ترجمة الكتاب المقدَّس الأميركية النموذجية الجديدة، خروج الإصحاح خمسة وثلاثون الآية اثنان "لِسِتَّةِ أَيَّامٍ يُعْمَلُ عَمَلٌ، وَأَمَّا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ فَيَكُونُ لَكُمْ يَوْمٌ مُقَدَّسٌ، سَبْتُ رَاحَةٍ تَامَّةٍ لِلرَّبِّ، مَنْ عَمِلَ فِيهِ عَمَلاً يُقْتَلُ. ثلاثة ” لاَ تُوقِدُوا نَارًا فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاكِنِكُمْ يَوْمَ السَّبْتِ“.
إذَن، من الواضِح أنّ مَسألة جَمْع الحَطَب مُرتبِطة بالوصيّة السَلبية القائلة بأنه لا يَجوز إيقاد النار يوم السَبت. ولكن الرَجُل لم يُضبَط وهو يوقِد نارًا (أي يُشعِل نارًا)، بل ضُبِط وهو يَجمَع الحَطَب من أجْل النار. ربما كان هذا هو السبب الرئيسي الذي جَعَل موسى يحتار، ومع ذلك كان يَعْرِف أنّ الاحتمال الواضِح لوجود انتهاك خَطير كان موجودًا.
إذن فالمَسألة تدور حول النِيّة. هل كان مُجرَّد جَمْعُ حَطَبٍ ليوم آخر؟ هل كان ينوي تمامًا استخدام الحَطَب الذي جَمعَه لإشعال النار يوم السبت؟ هل كان جَمْعُ الحَطَب ”عَمَلًا“ وبالتالي مَحظورًا بشكلٍ عام؟
حسنًا، وَجَد الحاخامات الإجابة على هذه المعضِلة الصغيرة المُثيرة للاهتمام في قِصّة جَمْع المَنّ. لقد وجَدوا أنّ القوانين المُتعلِّقة بِجَمْع المَنّ واستخدامِه هي تَشبيه واضِح لمسألة جَمْع الحَطَب للنار. قيل لِبَني إسرائيل أنّ كل ما سيَحتاجون إليه من المَنّ في يوم السبت يجب أن يُجمَع ويُطبَخ ويُعَد قَبل السبت. وقيل لهم أيضًا أنه في يوم السبت يجب ألا ”يُبارِحوا مكانَهم“. وبعبارة أخرى لم يكُن عليهمِ أن يَذهبوا في رحلة، لم يكُن عليهم أن يذهبوا إلى مَكانٍ ما؛ لم يكُن عليهِم أن يُجهِدوا أنفُسَهم إلى أي درَجة كبيرة.
إذن، كما كان جَمْعُ المنّ يوم السَبت مَحظورًا، لأنّ أكْلَ المَنّ الذي جُمِع يوم السبت مَحظور، فكما أنّ جَمْع الحَطَب يوم السبت مَحظور لأنه يدُلّ على نيَّةٍ مُسبَقة لإشعال النار يوم السبت. والفِعلان المُتمثِّلان في جَمْع الحَطَب أولاً ثم إشعال النار كِلاهُما مطلوبان لإشعال النار.
لذلك فإنّ الفِعلَين مُتلازِمان والله يَعتبِر انتهاك يوم السبت على قَدَم المساواة مع انتهاك يوم كيبور…..يوم الغفران ، هذان اليومان يُشكِّلان أعلى وأسمى شعائر الأيام المُعيَّنة.
ولكن كما رأينا قَبل بِضع آيات فقط، فإنّ عِقاب الخطيئة ”السامية“ مِثل هذه الخطيئة هو القصاص الإلهي الكاريت. فلماذا رُجِمَ الرَجُل حتّى الموت على يد رجال آخرين؟
هنا نَجِد مبدأً آخر مُثيرًا للاهتمام: الرَجْم هو موت قضائي ناتِج عن انتهاك القانون المَدَني. أما الرَجْم هو عقاب إلهي أتى به الله بسبب انتهاك القانون الديني (مع أنّ المَدني والديني من وِجهة نَظَر روحية بالطبع، مُشابِهان). أصبح الرَجُل الذي كان يَحمِل الخَشَب خاضِعًا لكِلَيهِما! وهكذا كان من المُقرَّر أن يُعدَم (يُرجَم) من قِبل الشعب، ممّا تَسبَّب في موتِه الجسدي…. وبعد ذلك، كان يَتُمّ فَصلُه، كاريت، من قِبل الله، الموت الروحي. إذن ما نَجدُه هو أنه بالنسبة للخطايا ضِدّ الله، هناك عِقاب مزدوج: أولاً ستُواجِه عقابًا قضائيًا قانونيًا، ثم ستواجِه عقابًا إلهيًا. هنا في التَوراة، في سِفْر العدد، لدينا المبدأ الذي تَمسّكَت به الكنيسة في مُعتقداتنا الأساسية: هناك حياة جَسدية وموت جسدي، وهناك حياة روحية ومَوت روحي. وما يُخلِّصنا مِنْهُ المسيح هو الموت الروحي، وليس الموت الجَسدي الذي يَتعرَّض له جميع البشر بِغَضّ النَظَر عن وضعِهم أمام الله.
والآن، هل هذا النَوع من الموت المزدوج ما زال موجوداً للمؤمن؟ هل المَوت الروحي مُمكِن للمؤمن؟ حسناً، هناك بالتأكيد تَلميح قويّ إلى أنّ هذا الاحتمال وارِد. استَمِع إلى الرِسالة إلى العبرانيين الفَصل العاشر الآية ستة وعشرين عن تَرجمة الكتاب المقدَّس الأميركية النموذجية الجديدة، لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نَمْضِي فِي الْخَطِيَّةِ مُتَعَمِّدِينَ بَعْدَ قَبُولِ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، لاَ يَبْقَى بَعْدُ ذَبِيحَةٌ عَنِ الْخَطَايَا، سبعة وعشرين، بَلْ تَوَقُّعُ دَيْنُونَةٍ مُرْعِبَةٍ وَغَضَبُ نَارٍ تُبِيدُ الْخُصُومَ.
هذه الآية في سِفْر العبرانيين هي إعادة ذِكْر للناموس فيما يتعلَّق بالخطيئة المُتَعمَّدة أو التمادي. لن ندخُل في جدالٍ اليوم، حول ما إذا كان هذا مُمكنًا للمؤمن في المَقام الأول أم لا. النُقطة الأوسَع التي أرَدتُ أن أوضِحَها هنا هي أنّ المفاهيم القديمة عن الخطايا المُتعمَّدة مُقابِل الخطايا غير المُتعمَّدة وعواقِبُها كانت موجودة وراسخة في أيام المسيح وفي زَمن العَهد الجديد، وهذا المَقطَع في سِفْر العبرانيين هو إشارة مُباشرة إلى تلك المفاهيم ومن الواضِح أنّها تَنطبِق على المؤمنين، يهوداً كانوا أم غير يهود.
المَوضوع الأخير في هذا الإصحاح هو ما تُسمّيه معظم الأناجيل ”الطَرَف“ أو ”شرابات“، وتُسمّيه الترجمة السبعينية، الترجمة اليونانية، ”هِم“. في العبرية، الكَلِمة هي ” تززيت “.
في الأسبوع القادِم، سنُكمِل الإصحاح الخامس عشر بمُناقشة كَلِمة ”تززيت“ ثمّ نَنتقِل إلى سِفْر العدَد السادس عَشر.