11th of Kislev, 5785 | י״א בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » العدد » سِفْر العدد الدرس التاسع عشر – خاتمة الإصحاح الخامس عشر
سِفْر العدد الدرس التاسع عشر – خاتمة الإصحاح الخامس عشر

سِفْر العدد الدرس التاسع عشر – خاتمة الإصحاح الخامس عشر

Download Transcript


سِفْر العدد

الدرس التاسع عشر – خاتمة الإصحاح الخامس عشر

سنُكمِل اليوم في الإصحاح الخامس عشر من سِفْر العدد ونَختُمُه. ربما كانت أبرَز أحداث الأسبوع الماضي هي مُناقشة موضوع الرَجُل الذي أُعْدِم بسبب جَمْعِه العصي والحَطَب يوم السبت. واكتشفْنا أنّ الرَجُل كان في الواقع خاضِعًا لعقوبتَيْن: الأولى، عقوبة قَضائية مَدَنية لانتهاكِه شريعة السبت، وكانت تلك العقوبة هي المَوت الجسَدي بالرَجْم. والعقوبة الثانية كانت ذات أساس إلهي؛ أي أنّ الله هو الذي أنْجزَها وتُسمَّى بالعبرية كاريت ومَعناها "قَطْع".

ما تُظهِره هاتان العقوبتان معًا هو المَبدأ المسيحي الأساسي الكامِن وراء المبدأ الذي يَقول بأننا كبَشَر نتألَّف من عُنصرٍ جسدي وعُنصرٍ روحي. عادةً ما يترُك الله البشر (عن طريق قوانينِه وَوصاياه الأخلاقية) والحكومات البَشرية تتعامَل مع الجانِب المادّي للعِقاب على الانتهاكات أو القَوانين الأخلاقية. لكنّ إنزال العِقاب على المُكوِّن الروحي للبَشر هو بِيَد الله وَحْدَهُ لأنّه في النهاية هو العَمَل الأكثر تدميراً ودواماً، وبالتالي لا يُمكن أن يكون شيئاً مَوثوقاً به في دينونة البَشر فقط. من الشائع أن تُطرَد من كنيسة أو مؤسسة دينيَّة ولكن هذا مُجرَّد عَمَل دنيوي مادي رُغْمَ ما قد يَدَّعيه قادة الجَماعة، فالله وَحْدَهُ هو الذي يَملِك سُلطة "قَطْع" العلاقة (وهو ما يَعنيه الكاريت) بِينَكَ وبينَه، وهذا الحَلّ يَتم روحياً وليس بأمْر أو إعلان من إنسان.

نَنتقِل اليوم إلى أداة أوعَزَ بها يَهوَهْ لغَرَض صريح هو مُساعدة البشر على تَجنُّب هذه الأخطاء عندما يَتعلَّق الأمر بطاعة شرائعه. وهذا الجِهاز هو، بالعِبرية، تزيتزيت. هناك أكثر مما تراه العَين، أو مما يُقال في هاتَين الآيتين هنا في سِفْر العدَد.

دعونا نُعيد قراءة هذا المَقطع القَصير من سِفْر العدد الخامس عشر عن تِزِيتزيت والغرَض مِنه. أَعِد قراءة العدد الخامس عشر الآية سبعة وثلاثين – النِهاية

في أقدَم عصور الثقافة العِبرية، كانت تزيتزيت تعني حَرْفياً بشَكل أو بآخر ”خِصلة شَعر“؛ في الواقع، تُشبِه تزيتزيت خُصلة الشَعر. وفي المُصطلحات الحديثة، تُشبِه إلى حدٍ كبير ما يُمكِن أن نُسمّيه شرابة. ولكن، بالطبع، في العصور القديمة، كانت الشرابات في البداية مُجرَّد خصلات مُزخرَفة. وكما هو الحال مع العَديد من هذه الأنواع من الأشياء التي نَجِدُها في التوراة، لم يكُن مَفهوم التزيتزيت اختراعًا جديدًا تمامًا، بِقَدْرِ ما كان تَطوُّرًا وتَحوُّلًا لشيء كان موجودًا بالفِعل. تُظهِر النقوش والصور القديمة من مَناطق مُختلفَة في آسيا أنّ ارتداء الشرابات على المَلابس كان مُنتشِرًا على نطاق واسِعٍ إلى حدٍ ما. الغَرَض العِبري من الشرابات، التزيزيت، فريد من نوعِه ومَذكور في سِفْر العدد الخامس عشر الآية تِسعة وثلاثين: عندما يَنظُر بنو إسرائيل إليها، تُذكِّرُهُم بوصايا الله. وهكذا نرى كيف تَرتبِط هذه التعليمات بقِصّة الرَجُل الذي جَمَع الحطب. كان القَصْد من التزيتزيت أن تَكون تذكيرًا دائمًا بأنّ فرائض الله يجب أن تُطاع، حتى لا يرتَكِب بنو إسرائيل خطايا ضدّ الرَب وبالتالي يَتعرَّضون لِلَعْنةِ الشريعة.

إنّ الغالبية العظمى من التَفاصيل المُتعلِّقة بكيفية صُنْع التزيتزيت وارتدائِهِ هي تقليد. نَحصُل على التعليمات الكتابية الأساسية هنا في سِفْر العدَد الخامس عشر، وهناك القليل جداً ممّا قيل عن هذا المَوضوع. ومع ذلك، إذا أردْنا أن نفهَم، اليوم، أهميّة التزيتزيت، يجب أن نَبدأ بفَهْم ما فَهِمه كَتَبة العهد القديم: أنّ ما كان يُلبَس على طَرَف الثوب أو على طَرَفِه كان مؤشراً على مَكانة المرء في المُجتمَع. حتّى أكثَر من ذلك…..الآن يُرجى الانتباه جيدًا إلى هذا الأمْر: كان يُنظَر إلى طَرَف الثوب على أنّه امتداد لشَخصية الفَرْد وسُلطتِه. كانت الزَخْرَفَة رَمزًا شائعًا للمَكانة في العصر التوراتي، في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وحتّى في العُصور السابقة إلى حدٍ ما.

والآن، قد تَسخَرون وتقولون إذًا هَدب الثوب هو رَمز للمَكانة الاجتماعية ، كامتدادٍ لشَخصية المَرْء؟

بالتأكيد، نحن نَفعَل الشيء نفسَه ولكن بطُرُق مُختلِفة في كلّ ثقافة من ثقافات العالَم. في أمريكا بشكلٍ عام، نحن نَعتقِد أنّ السيارة التي نَقودُها أو ماركة الملابس التي نختارُها تقول شيئًا ما عن شخصيّتِنا الداخلية. وغالبًا ما يُلصِق المَسيحيون على سياراتِهم مُلصقات على السيارات وشارات دينية مُختلِفة كوسيلة أخرى لشرح شيءٍ ما عن مُعتقداتنا أو نَرتدي الصُلبان، أو نجوم داوود، أو ذلك الرَمز المُكوَّن من ثلاثة أجزاء، أو غيرُها من الأشياء التي ما هي إلاّ امتدادات مرئية لشخصيّاتنا. بالطَبع بعض الناس يؤمنون مَثَلاً بشِعارات ميداليات القدّيس كريستوفُر، وأساور "ماذا كان يسوع ليَفعَل"، وما إلى ذلك. لعِب طَرَف الثوب دَوراً مُماثلاً في العصور القديمة. إذ تُشير الوَثائق الأكادية القديمة إلى أنّ الزَوج الذي يَقطَع طَرَف ثوب زوجتِه فإنّه بذلك يُطلِّقها. وقد يَتلو الساحر تعويذة على قِطعة مَقطوعة من هَدب الثوب المَقطوع من شخص مَمسوس من الشيطان، لدرجة أنّه كان يُعتقَد أنّ هَدب الثوب هو امتدادٌ حَرْفي لذلك الشخص.

وبالطبع نَجِد العديد من الإشارات إلى طَرَف الثوب في بعض القِصص التوراتية الأكثر شهرةً (رغم أننا نحن المَسيحيين في الحقيقة كان لدينا بعض المَفاهيم الغريبَة إلى حدٍ ما لما كان يُشار إليه بحيث لو استمعَ أحد من أهْل الكتاب المقدس إلى آرائنا حول هذا الموضوع لبدأوا في الضَّحك).

سنَصِل إلى واحدة من تلك القِصص بعد قليل؛ ولكن علينا أولاً أن نَفهَم أنّ أطراف الثياب كانت لها قوَّة قانونية فِعلية منذ آلاف السنين. فقَد كانت أكثر من مُجرَّد رموز للمَكانة الاجتماعية؛ كانت تُمثِّل هويّة شرعية في كثير من الحالات. وهكذا كان الملوك والقادة الكبار جدًا قد يَرتدون شرابات مُعقَّدة للغاية تَتضمَّن غالبًا استخدام اللون الأرجواني. كان اللون الأرجواني، ولا يَزال، رَمزًا للملوك في مُعظم ثقافات الشرق الأوسط والشَرق الأقصى، وأصبَحت مُمارسة استخدام اللون الأرجواني كَلَون مَلَكي في جميع أنحاء العالَم تقريبًا مع مرور الوقت.

في الواقع، تُشير السِجلاّت المَكتوبة التي عُثِر عليها في بِلادِ ما بين النهرين إلى أنه كان مَطلوبًا من العَرّاف أو الحَكيم الذي يخدُم المَلِك ليس فقط أن يُخبِر المَلِك برؤياه أو حُلْمِه النَبَوي، ولكن كان عليه أن يَكتُبَها. وبمجرَّد كتابتِها كانت الوثيقة تُقدَّم إلى المَلِك مع خُصلةٍ من شَعر رأس ذلك الرائي نفسه، بالإضافة إلى قِطعة من طَرَف ثوبِه. كان هذا يُعادِل شهادة خطيّة مُحلَّفة وموثَّقة وتُشير إلى صُدْق ما تمّ تَسجيلُه.

لذلك نَرى في التزيتزيت مَزْجٌ بين عنصرَين رمزيَين قديمَين: ”خِصلة الشَعر“ مع ”طَرَف الثوب“. ولكن علينا أيضًا أن نُدرِك أنّ الملوك والأرستقراطيين هم الذين كانوا يَتزيَّنون بأطراف الثوب المُتقَنة في المَقام الأول.. وليس عامَّة الناس. أما بالنّسبة لعامَّة النّاس، لم ْيكُن الشخص العادي بحاجة إلى إظهار مكانتِه ولا يمكنُه تَحمُّل تكاليف ذلك. لذلك يجب أن نُضيف إلى المُعادَلة أنّه في العالَم القديم كان مَفهوم الأهداب كوسيلة لإظهار المَكانة (التي تطوَّرت بتَوجيه من الله إلى التزيتزيت) يُعتبَر أيضًا بشكلٍ عام مُؤَشِّرًا على المُلوكية والُسلطة القانونية.

والآن، دعونا نُطبِّق هذا الأمْر على التزيتزيت العبري .

في الأساس، التزيتزيت ما هو إلا امتداد للِّباس. لاحِظ أنّ التزيتزيت يُرتَدى على طَرَف الثوب وعادةً ما يَدلّ ذلك على وجودِه في مَكان خارجي، مَرئي. ولكن لا تَقبَل جميع الطوائف العِبرية ذلك ويَرتديها الكثيرون تحت الثوب الخارجي.

والكَلِمة العبرية التي تُتَرجَم عادةً إلى زاوية (كما في زاوية الثوب) هي كنف وكنف تعني بشكل أصَح ”الطرف“ أو ”الجَناح“. الفِكرة هي أنّ الشرابة هي طَرَف أي ثوب، لذا فإنّ الأمْر لا يعني أنّ التزيتزيت تُمثِّل طَرَف الثوب مباشرةً، بل إنّ التزيتزيت يجب أن تكون مُلتصِقة بطَرَف الثوب على الرُغم من أنّ كيفية تَجسيد الشَكل اختلَفت على مَرّ القرون.

هناك قِصّة في سِفْر التوراة عن داود وشاول توضِح معنى طَرَف الثوب في العالَم القديم على الأقل في أوائل عَهد ملوك إسرائيل. فقد قرَّر شاول، مَلِك إسرائيل المُضطرِب عقليًا، أن يَقتُل داود، فهَرَب داود مع فِرقةٍ مُكوَّنة من حوالى ستمئة رَجُلٍ من الجزء الشمالي من إسرائيل، إلى المَناطق الصَحراوية الجَنوبية من إسرائيل. تُسمَّى تلك المِنطقة اليوم عين جَدِي، بالقُرب من البحر المَيت.

دعونا نقرأ القِصّة من صموئيل الأول الإصحاح أربعة وعشرين. اقرأ صموئيل الإصحاح أربعة وعشرين من الآية واحد على ثمانية.

كان داود ورِجاله يَتجنَّبون الدَوريات التي كان شاول يُرسِلها للعثور على داود بالاختباء في العديد من الكُهوف التي تَملأ الجبال القاحِلة التي تُحيط بعين جَدِي المُجاوِرة للبَحر المَيت. يُخبرُنا الكتاب المقدَّس بتفاصيل مُصوَّرة إلى حدٍ ما أنّ شاول دَخَل إلى كهفٍ لقَضاء حاجتِه؛ غَير مُدرِك أنّ هذا الكهف هو نفْس الكهف الذي كان يَختبئ فيه داود ورجالُه في الوقت الحالي!

وبينَما كان الملك شاول في حالة تَلبُّس، تَسلَّل داود من خَلْف شاول، وقَطَع بعناية جزءًا من طَرَف ثوب شاول. وفي وقتٍ لاحِق كان داود نادِمًا (بشكل غريب) على فِعلتِه هذه، وقال لرجالِه: ”حاشا للرَب أن أفعَل مِثل هذا الأمْر“. لاحقًا بعد ذلك عندما تمكَّن داود من إجراء مُناظرة مع شاول (في واحدة من لَحظات شاول النادرة الطبيعية)، رَدَّ المَلِك شاول على فِعْل داود بقَطْع طَرَف ثوبه بقَولِه: ”الآن عَرَفتُ أنك ستُصبح مَلِكًا“. يا لها من مجموعة ظروف غريبة، وردود أغْرَب.

إنّ المِفتاح الكامل لهذه القصَّة هو فَهْم المسألة الحقيقية جدًا لرَمز السُلطة الذي يَكمُن في هدب ثوب شاول. بل إنّ الأمْر لا يَختلِف كثيرًا عن المَسألة عندما تآمَرت دليلة على قَطْع خصلات شَعر شمشون. بالنسبة لشَاول، ولداود، ولكلِّ واحدٍ في تلك الحَقَبة، كان هدب الثوب أكثر من مُجرَّد رَمز، بل كان امتدادًا لشاول. كانت امتدادًا لشخصيّتِه وجوهرِه المَلَكي.

وبِقَصِّ داود لتلك القِطعة من الرِداء خلسةً، رأى شاول في ذلك نَقْلًا إلهيًا للسُلطة المُلْكية من نفسِه إلى داود. ولمُواصَلة تَشبيه ذلك بِشَمشون، بإزالة تلك الخصلات من الشَعر….شرابات شمشون، إذا صَحّ التَعبير، فقد شمشون علاقته بالسلطة والقوة الإلهية بل أكثر من ذلك، فكما أنّ قِطَع خصلات شَعر شمشون كان يُمثِّل كاريت…..قِطَع من الله، كذلك رأى شاول أنّ طَرَف ثوبِه يُمثِّل انقطاعَه عن مكانتِه الإلهية كمَلِك إسرائيل.

تَحمِل التزيتزيت معنىً عظيمًا فهي مَصنوعة من نوعَين مُختلفَين من المَواد؛ الكتَّان والصوف. كان يجب أن يكون لكُلّ تزيتزيت خَيط واحِد من الصوف، مَصبوغَ باللون الأزْرق المَلَكي أو الأرجُواني المَلَكي، في الوسط ومُحاط بالعديد من خيوط الكتان الأبيض. يُطلَق على هذا الخَيط الواحِد من الصوف الأزرق اسم” تيخليت“، وهو مِفتاح معنى التزيتزيت لأنه يُشير إلى النُبْل.

لماذا كان اللون الأزرق المَلَكي أو الأرجواني المَلَكي يُعتبَر ”مَلَكيًا“؟ لأنّ الأرجواني كان صَبغة صَعبة للغايَة، وبالتالي مُكلِفة للغاية. ونتيجةً لذلك لم يكُن بمَقدور أحَد سوى الملوك والأثرياء تَحمُّل تَكْلفَتِه. في سِجلاّت الرومان التي يَرْجِع تاريخُها إلى عام مئتَين قَبْل الميلاد، تمّ دَفْع ما يُعادل في العَصر الحديث مئة ألف دولار أمريكي مُقابِل ما يُعادِل رطل واحد (حوالى أربعمئة جرام) من هذه الصَبغة الأرجوانية.

والسَبب في ذلك هو أنّ أفضَل نوعية من الصَبغة الأرجوانية كانت تُستخرَج من مَخلوق بَحري صغير يُسمَّى حلَزون الموريكس. ولكن، استَغرق الأمْر حوالى اثني عشرة ألفًا من هذه القَواقع لإنتاج أقَلّ من جْرامَين من هذه الصَبغة الأرجوانية. بالتأكيد، وبسبب الطَلَب، لم يمْضِ وقتٌ طويل قَبل أن يَتُمّ تَطوير صَبغة أرجوانية رَخيصة جدًا، وإن كانت أقَلّ جودة بكثير، ولكن لمْ يكُن الأرستقراطيون والملوك ليَستخدموها أبدًا، وحَظَّر الحاخامات استخدام هذه الصَبغة الرديئة في صُنعْ تيخليت.

لنتوَقَّف الآن ونُفكِّر للحظة: يَقول الحاخامات أنّ التزيتزيت كان يجِب أن يُصنَع من خليط من الصوف والكتَّان؛ هل يُذكِّرك هذا بشيء؟ انظُر، من المثير للاهتمام في سِفْر اللاويين وفي سِفْر التثنية أنّ الرَب يأمُر العبرانيين ألا يلبِسوا ثيابًا مَصنوعة من خليط من أنواع مُختلِفة من الخيوط. الكتّان (الذي يأتي من نَبتة الكتّان) والصوف (الذي يَأتي من الخَروف) لم يكُن من المَسموح أبدًا أن يُستخدَما في نفْس قِطعة المَلابس. ومع ذلك فإنّ التزيتزيت هنا مَصنوع من ذلك الخليط المُحرَّم، والذي يُسمَّى بالعبرية شعتنيز. الآن بالتأكيد لم يُذكَر صُنْع التزيتزيت باستخدام الشعتنيزمَزيج من الصوف والكتّان على وَجه التحديد في الكتاب المقدَّس. لكنّ الحُكماء العبريين القُدماء (ولاحقًا الحاخامات) دعوا على وَجْه التَحديد إلى الشعتنيز مُدَّعين أنّها كانت كذلك منذ أيام موسى.

منذ وقت ليس بِبعيد، عُثِر في كهف في إسرائيل على بَعض التزيتزيت القديمة، سَليمة إلى حدٍ كبير، تَعود إلى عَصر ثورة بار كوخبا (حوالى عام مئة وخمسة وثلاثين ميلادي)؛ وقد أثبَتَت هذه التزيتزيت استخدام التيخليت الصوفي مع خيوط الكتَّان البيضاء.

إليكَ الآن ما هو مُثير للاهتمام: هناك سَببان يُقدِّمهما الله لعَدم سماحِه لِبَني إسرائيل بارتداء ثياب من خيوط مُختلَطة: واحد) أنها تَرمُز إلى التفل، التشويش. و، اثنان) الكَهنة فقط هم المَسموح لهم بارتداء ثياب من خيوط مُختلَطة. وبعبارةٍ أخرى، فإنّ خَلْط الخيوط مَسموح به فقط للملابس الكهنوتية.

والآن اسمحوا لي أن أوضِح لكُم قيمة التشاور مع أصدقائنا اليَهود، وخاصةً عُلَماء اللغة العِبرية، عندما يَتعلَّق الأمْر بِفَهم بعض مَقاطع العَهد القديم في سياقها الصحيح. اسمحوا لي أن أقرأ لكُم واحدة من أكثر الآيات المُترجَمة بشكل سيء في الكتاب المقدَّس. اقلِبوا أناجيلَكم إلى سِفْر التثنية الإصحاح اثنان وعشرون الآية تسعة، لأنكم ستَحصَلون على قراءات مُختلفة من نُسَخ مُختلفة.

ترجمة الكتاب المقدس الأميركية النموذجية الجديدة، سِفْر التثنية الإصحاح اثنان وعشرون الآية تسعة: لاَ تَزْرَعْ كَرْمَكَ بِنَوْعَيْنِ مِنَ الْبَذْرِ لِئَلاَّ يَتَنَجَّسَ كُلُّ مَا زَرَعْتَهُ مِنَ الْبَذْرِ وَزِيَادَةِ الْكَرْمِ.

الأمْر بسيط بما فيه الكفاية إلا أنّ هناك مُشكلة في الكَلِمة الأخيرة في هذه الآية. فالكَلِمة التي تُرجِمت على أنّها ”يتنجَّس“ غير صحيحة على الإطلاق. الكَلِمة العبرية المُترجمة هنا هي ”قادش“ وقادش لا علاقة لها على الإطلاق بالتنجيس. في الواقِع هي عَكْس ذلك تمامًا قادش تعني مكرَّس، مُقَدَّس. من بين عشرات وعشرات المَرّات في الكتاب المقدَّس التي استُخدِمت فيها كَلِمة ” قادش “، هذه هي المرَّة الوحيدة التي اختار فيها عُلماء المسيحية أن يَجعلوا هذه الكَلِمة تعني عَكْس معناها المُعتاد والدقيق: مقدَّس. عُلماء اليهود يَفهمون ما يَجري هنا بشكلٍ أفضل، ولذلك فإنّ ترجمة يونغ الحَرْفية تَستخدِم، بدلاً من "يتنجَّس"، يَنفصِل (وهي أقرَب بكثير ولكنها لا تزال لا توصِّل المعنى المَقصود تمامًا).

وبعبارةٍ أخرى، فإنّ مُشكلة زَرْع نوعَين من البذور معًا (مُماثل لخَلْط نوعَين من الخيوط معًا) هو أنّ القيام بذلك يَجعلُها مقدَّسة، وبالتالي لا تَصلُح إلا لخِدْمة الهيكل، والتي يمكِن أن يقوم بها الكَهنة فقط. هذا ليس مَذهَب توم برادفورد. يَتَّفِق راشي وابن عزرا وغيرهُما من كبار الحكماء العِبريين تمامًا على هذه النِقطة. والآن هل هُم على حَقّ في تَفسيرِهم؟ حسنًا، لا أعرف إن كان بإمكانِنا التأكُّد تمامًا ولكن الأكيد أنَّهم يَستندون إلى قراءة حَرْفية للكتاب المقدَّس وفَهْمِهم الذي لا مَثيل له للطقوس العبرية.

في سِفْر الخروج تسعة وثلاثين الآية ثمانية وعشرين وتسعة وعشرين، أثناء وَصْف وشاح الكهنة العاديّين وعَمامة رئيس الكَهنة أو الطاقية الكهنوتية، يقول سِفْر خروج تسعة وثلاثين الآية ثمانية وعشرين: وَالْعِمَامَةُ مِنَ الْكَتَّانِ النَّاعِمِ، وَالْقَلَنْسُوَةُ الْمُزَيَّنَةُ مِنَ الْكَتَّانِ النَّاعِمِ، وَالْقَلَنْسُوَةُ مِنَ الْكَتَّانِ النَّاعِمِ، وَالسَّرَاوِيلُ مِنَ الْكَتَّانِ الْمَبْرُومِ النَّاعِمِ، تسعة وعشرين، وَالْوِشَاحُ مِنَ الْكَتَّانِ الْمَبْرُومِ النَّاعِمِ، وَالزُّرْقَةُ وَالأُرْجُوانُ وَالْقُرْمُزُ صَنْعَةُ الْحَائِكِ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى.

المِفتاح هو النِصف الثاني من هذه الآية المُزدوجة، حيثُ بعد قولِه: مِنَ الكَتَّانٍ المَبْرُومٍ النَاعِمٍ ،يُدرَج حَرف "و" قَبْل وَالزُّرْقَةُ وَالأُرْجُوانُ وَالْقُرْمُزُ “، فاصلاً الكتَّان الناعِم عن الكتَّان المُلوَّن. عندما يَنظُر المرء إلى جميع صياغات الناموس المُتعلِّقة بصُنع الثياب الكهنوتية، يَجِد بناءً غريبًا للكَلِمات يَخرُج عن المألوف وعن جميع الأوصاف الأخرى لكيفيَّة صُنْع الثياب الكهنوتية. لذلك قال الحاخامات القدماء أنّ هذا يُشير إلى أنّ المادّة الزرقاء والأرجوانية والقرمزية ليسَت من الكتَّان، بل هي في الواقِع مادّة أخرى وهذه المادّة يجب أن تَكون الصوف لأنّها كانت المادَّة الوحيدة الأخرى التي كان يَستخدِمُها العبرانيون عادةً في صناعة المَلابس.

الآن أنا وأنت يُمكننا أن نُجادل ضِدَّ هذا الأمْر إذا أرَدْنا ولكن تَبقى الحقيقة أنّ أقدَم الترجوميات وغيرُها من الوثائق العبرية القديمة المَعروفة تُشير بوضوح إلى أنَّهم كانوا يَصنَعون زنانير الكاهن وغَطاء الرأس الكبير لرئيس الكهنة على أساس هذا المَبدأ باستخدام مادّتَين مختلفتَين.

لماذا اعتقَدَ الحاخامات أنّ الكهنة يَستطيعون فِعل ذلك بِعَكْس بَني إسرائيل عمومًا؟ لأن الله قد فَصَل قبيلة لاوي بأكملِها عن إسرائيل. من الناحية الفَنيّة لم يَعُد اللاويون من بَني إسرائيل. في الواقِع بَعد هذا الفَصْل لللاوي عن إسرائيل فصاعدًا، يقول الله أنه كما أنّ بَني إسرائيل هُم غيريم (أجانب محميون) بالنسبة له، كذلك اللاويون غيريم (أجانِب) بالنسبة لِبَني إسرائيل. لقد كان الكهنة مُختلفين عن عامَّة بني إسرائيل، وهذا أمْر يَستنِد إلى الكتاب المقدَّس بشكلٍ كامِل وواضِح كما أوضَحْت لكُم عِدّة مرَّات في الدروس الأخيرة.

إذَن لماذا خُضْتُ هذا الشَرْح الطويل؟ لأنّ التزيتزيت هو استثناء من نَهي التوراة عن لِبْس الأقمشة المُختلَطة وهو استثناء لأنّ التزيتزيت بِحَسَب الحاخامات مِثل الملابس الكهنوتية الخاصة التي لا يُسمَح لأي إسرائيلي عادي بارتدائها، وإلا أصبَحَت ملابِسُهم مقدَّسة وهذا غير مَسموح به.

تُمثِّل التزيتزيت حقيقة أنّ الله قد أعلَن أنّ جميع بني إسرائيل مقدَّسين، بشكلٍ أو بآخر ويقولُ سِفْر اللاويين التاسع عشر لإسرائيل، ”تكونون مُقدَّسين لأني أنا الرَب إلهُكُم مُقدَّس“.

لذا فكما أنّ غطاء الرأس الخاص بالكاهِن الأكبَر هو الشعتنيز (المصنوع من مادَّة مُختلَطة) الذي هو بالتالي مُقدَّس، كذلك وِشاح الكاهن العادي وغطاء التزيتزيت الذي يلبِسُه بنو إسرائيل العاديون على طَرَف الثوب. انظروا إلى هذا التسلسُل الهَرَمي المُدهِش الذي تم إعدادُه: يُغطَّى رئيس الكهنة بـ ” الشعتنيز“، وخَصْر الكاهن العادي، أو وَسَط جسدِه، يُغطَّى بـ ” التزيتزيت “، والشخص العادي يَلبِس الشعتنيز على شكل التزيتزيت بين ركبتَيه وكاحلَيه.

الأعلى، والأوسط، والأدنى، هذه تَدَرُّجات (مستويات مُختلفة) من القداسة وهذا السَماح (وصيَّة الله في الواقِع) لعامَّة بَني إسرائيل بارتداء التزيتزيت هو خُلاصة التعليمات بأنّ إسرائيل يجب أن تكون ”مَمْلكة كهَنة وأمَّة مُقدَّسة“.

لقد رأينا هذا النَموذج من ”التدرُّجات“ أو مستويات القداسة من قَبل. أحَد النماذج الرئيسية هو الهَيكل حيث لدينا أعلى درَجة من القداسة مَوجودة في حُجرَة قُدس الأقداس، والمستوى الأوسط من القداسة في حُجْرة المكان المقدَّس، والمستوى الأدنى (ولكن لا يزال مُقدَّسًا) في البِلاط الخارجي حيث يَجتمِع شعب الله العادي (أعضاء إسرائيل). هذا هو النَمَط المُتَّبع، وبالتالي يمكننا أن نَتوقَّع أن نرى هذا النَمَط ينعكِس ويَتجلَّى في عدد من الطرُق في الكتاب المقدَّس.

بإضافة خَيط الصوف الأزرق التزيتزيت الذي يَدُلّ على المُلوكية (بإضافته إلى خيوط الكتَّان الأبيض المُحيطة به التي تَدُلّ على الكهنوت) يتمّ الجَمْع بين الاثنَين. كل إسرائيلي يلبِس قَدْرًا رَمزيًا من القداسة؛ كل إسرائيلي فيه قَدْر من الكهنوت؛ كل إسرائيلي قد تم تَخصيصه، بقَدْر أو بآخر، لخِدمة الله.

أما فيما يَتعلَّق بالمسألة الأكثر عمليَّة حول كيفية ارتداء التزيتزيت، فلا شكَّ في أنها كانت في الأصْل مُرتبِطة بالمَلابس العادية اليومية على مستوى الأطراف، في الأسفَل. وأظنُّ أنها كانت تَتّسِخ أو تَدوس عليها الأقدام، أو تُنزَع بسهولة، أو أي شيء آخر. لذلك مَع مرور الوقت تمّ تطوير ثوب مُنفصِل كان يُسمَّى الطاليث؛ كان الطاليث هو الذي يَحمِل التزيتزيت وكان الطاليث عبارة عن قِطعة قماش مُستطيلة الشَكل بها فُتحة رأس في المُنتصف، كانت تُلبَس عادةً تحت الخَصْر مباشرةً من الخَلْف والأمام. كانت الشرابات، أي التزيزيت، تُعلَّق على الأطراف الأربع لهذا الطاليث وكان هذا الطاليث نوعاً ما ثوباً وسَطياً؛ لم يكُن لِباساً داخلياً بالكَامل، ولكن عادةً ما كان يُرتدى فوقه ثوبٌ خارجي مِثل المِعطف، ولكن كانت تُترَك أطراف الطاليث (مع التزيزيت المرفق) ظاهرة.

فيما بَعد، قام بعض العبرانيين (وليس كلُّهم) بتَعديل الطاليث بشكلٍ أكبر حتّى أصبَح ثوبًا مُنْفَصِلاً نُسمّيه الآن شال الصلاة، وهو أشبَه بغِطاء رأسٍ كبيرٍ أو كِشك صلاة مَحمول. وكانت التزيتزيوت (جَمْع) تُعلَّق على الأطراف الأربعة لشال الصلاة.

واعتمادًا على الطائفة، فإنّ التزيتزيت والطاليث اليوم عِبارة عن مَزيج أو آخر من كل ما سَبَق. وكما ذَكرتُ سابقًا فإنّ بَعض الطوائف تَرتديها مَكشوفة بينما يَرتديها البَعض الآخر تحت ثيابِهم الخارِجية.

لذا، عندما تَقول طاليث ليَهودي فاعْلَم أنه قد لا يُفكِّر في ”شال الصلاة“ على الإطلاق. قد يكون يُفكِّر في ذلك الثوب الأوسَط، الذي غالبًا ما يَرتديه تحت مِعطفِه، والذي يَشبِك التزيتزيت به.

هذا السيناريو الذي ناقشْناه للتو كان مَعمولاً به بشكلٍ كامل في أيّام يسوع، ويوضِح الكتاب المقدَّس أنّ يسوع كان يَرتدي التزيتزيت (وهذا ما تُسمّيه مُعظم ترجمات العهد الجديد بالهَدب). اسمحوا لي أن أقتبِس لكم بعض المَقاطع:

إنجيل متى الفصل تسعة الآية عشرين وَإِذَا امْرَأَةٌ كَانَتْ تُعَانِي مِنْ نَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، تَقَدَّمَتْ مِنْ وَرَائِهِ وَلَمَسَتْ هُدْبَ رِدَائِهِ. واحد وعشرين، لأَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ فِي نَفْسِهَا: ”إِنْ لَمَسْتُ ثَوْبَهُ فَقَطْ أَبْرَأُ“.

إِنْجِيلُ مَتَّى الفصل أربع عشر الآية أربعة وثلاثين، وَلَمَّا عَبَرُوا جَاءُوا إِلَى جِنْسَارِيَةَ. خمسة وثلاثين، وَلَمَّا عَرَفَهُ رِجَالُ ذلِكَ الْمَكَانِ أَرْسَلُوا إِلَى كُلِّ تِلْكَ النَّاحِيَةِ الْمُحِيطَةِ وَجَاءُوا إِلَيْهِ بِجَمِيعِ الْمَرْضَى، ستة وثلاثين، وَابْتَدَأُوا يَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسُوا هُدْبَ ثَوْبِهِ، فَكُلُّ مَنْ لَمَسَهُ شُفِيَ.

الآن يُمكننا أن نَتجادَل بشكلٍ معقول حول ما إذا كان هَدب ثوب يسوع (التزيتزيت) كان على شال الصَلاة أو مُتّصلاً بثوب وَسَطي أو يَقَع في أسفَل الرِداء الذي كان اللباس النَموذجي للناس في ذلك العَصر. ولكن ما لا يُمكِن الجدال فيه هو أنّ هذه ”الهدبة“ كانت التزيتزيت.

لا يوجَد أي سِجِلّ على الإطلاق لأي نوع آخر من ”الأهداب“ التي كان العِبرانيون يَرتدونها عند الأطراف (باستثناء اليهود الهيلينيين من الطبَقات الراقية الذين تَبنّوا الأساليب الرومانية).

دعوني أشير أيضًا إلى شيء آخر: هذه المُمارَسة لم تقتصِر على الرِجال. فالنساء كنّ، ولا يَزَلْن، يُراعين ارتداء التزيتزيت على الرُّغم من أنّ هذه المُمارَسة تَختلِف من طائفة يهودية إلى أخرى، كما هو مُتوقَّع.

بشكلٍ عام، كان ارتداء النساء لزيّ التزيتزيت ولا يَزال خَيارًا شخصيًا. كان الأمْر كذلك في أيام يسوع أيضًا وتَشهَد على ذلك وَثائق من تلك الحَقَبة.

الآن كيف يُمكِن أن يؤثِّر هذا على المسيحيين الأمميين؟ حسنًا، كما هو الحال مع العديد من الأشياء التي نواجِهُها في التوراة والتي تَطوَّرت في المُمارسة العَمَلية وِفقًا لمزيج من الكتاب المقدَّس والتقليد، فإنّ كيفية تعامُل المسيحيين مع هذه الوَصيّة ليست واضِحة تمامًا. لقد سَبَق أن ذكرتُ لكُم أنّه بينما لم يكُن بإمكان بَني إسرائيل العاديين ارتداء ملابِس من أقمشة مُختلَطة، فإنّ الكَهنة … وِفقًا لجميع الوثائق المَعروفة… كان بإمكانِهم ذلك وفَعَلوا ذلك.

وتأمَّلوا ما قاله يوحَنّا في سِفْر الرؤيا فيما يتعلَّق بوضْعِنا الجديد… سواء كنا يهودًا أو أمميّين… أمام الآب كمؤمنين: تَرجمة الكتاب المقدس الأمريكية النموذجية الجديدة، رؤيا يوحَنّا الفصل واحد الآية أربعة إلى الكنائس السبع التي في آسيا: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّذِينَ أَمَامَ عَرْشِهِ، خمسة، وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، بِكْرِ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ. لِلَّذِي أَحَبَّنَا وَأَطْلَقَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، ستّة، وَجَعَلَنَا مَلَكُوتًا وَكَهَنَةً لإِلهِهِ وَأَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمين.

يقول يوحَنّا إنّ المؤمنين هُم كَهَنَة لله؛ لكن إلى أي مَدى يجب أن نأخُذ هذه العبارة حَرْفياً كأمْرٍ قابِلٍ للنقاش. لستُ متأكِدًا لكنني أميلُ إلى تَفسيرٍ أكثر حَرْفِيَة حيث أُعْطينا وَضْعًا مُشابِهًا لوَضْع كهنة إسرائيل؛ وأكثرُها مَجازًا حيث نَحنُ كهَنة، بمعنى أننا خُدّام الله في المسيح.

المَقصود هو أنّ الكهنة لم يَكونوا مَمْنوعين تمامًا من ارتداء أقمِشةٍ من مَواد مُختلَطة. وبما أنّ هذا هو الحال، فعلى أي مؤمِن، يهوديًا كان أَم غير يَهودي، أن يأخُذَ ذلك في الاعتبار عندما يُقرِّر ما إذا كان أمْر التوراة بعدَم خَلْط المواد في ثيابِنا هو مُوجَّه لنا اليوم أم لا. ومع ذلك، فإنّ مَسألة ما إذا كان بإمكاننا أو يَنبغي علينا ارتداء التزيتزيت هي مَسألة أخرى. ومع ذلك، يمكنني أن أقول هذا بثِقَة: على الأقلّ، هذا ليس خطأ. المُشكلة هي النِيّة والمَبدأ المُتجسِّد في الوصيّة. ما هي نيَّتك عندما تَرتدي التزيتزيت؟ عندما يَرتدي الكثير منا الصُلْبان أو ما شابه، بالنسبة للبَعض هو مُجرد زينة، ولكن بالنسبة للبَعض الآخر هو بالفِعل تَذكير بِمَن نحن ومن هو. إنّ السبب المُعلَن لارتداء التزيتزيت في سِفْر العدد الخامس عشر هو تَذكُّر كَلِمة الله وطاعة أوامِره حتّى لا نَضَلّْ؛ وهذا يعني أننا بحاجة إلى القيام بأشياء تُذكِّرُنا باستمرار أنّ طاعتَه هي مِفتاح علاقتِنا به. ومع ذلك فإنّ الاعتقاد بأنّ لِبْس التزيتزيت أو الصليب أو نَجمة داود مَطلوب للخلاص، أو للبقاء مُخلَّصين، أو أنه يُكسِبُنا حَظوة أكبر عند الله، أو أنه سِحر، هو اعتقادٌ خاطئ.

ليسَ من السَهل دائمًا تَمييز مسألة ما هو في الناموس تَعبير ثقافي عن مبادئ الله مقارنةً بما هو تَعبيرٌ غَير ثقافي. من الواضِح أنّ التَحريمات ضِدَّ الزِنى والسرقة والكِذْب والقَتْل مُحايدةً ثقافيًا. أمّا الأشياء الأخرى مِثل عدم ارتداء الأقمشة المُختلَطة، وتسريحات الشَعر، وحَلْق اللحية، وما شابَه ذلك فهي غارِقة في الثقافة. لذلك يجِب على كلِّ واحدٍ منا أن يُفكِّر بعناية فيما إذا كان المَقصود من ارتداء التزيتزيت هو التَعبير عن ثقافتِه أم لا، وبالتالي ما إذا كان يمكِن التَعبير عن المبدأ الإلهي وراء التزيتزيت بطُرُقٍ أخرى بشكل شَرعي أم لا.

إنّ ما نَرتديه لا يُعطينا، تَعزيزًا لمَكانتنا لدى يَهوَه. الغَرَض من التزيتزيت يَتلخَّص في الأفعال الثلاثة التي تُميِّز الآية تسعة وعشرين من سِفْر العدد الخامس عشر: انظُر… تَذكَّر… لاحِظ. فالنَظَر إلى التزيتزيت يُذكِّرنا بأوامِر الله في أذهانِنا، وبالتالي علينا أن نُلاحِظ هذه الأوامِر.

سنَبدأ سِفْر العدد السادس عشر في المرَّة القادمة.