سِفر العَدَد
الدرس الثاني والعشرون – الإصحاحات ستة عشر وسبعة عشر وثمانية عشر – الخاتمة
شاهَدنا في الأسبوع الماضي إبادة مُتَمَرِّدي بني إسرائيل بطريقتَيْن: واحد) نار قادمة من الرَّب لتدمير هؤلاء المِئَتَين وخمسين من زعماء القبائل وقورح، المُحَرِّض الرئيسي على التَّمَرُّد؛ وإثنان) زِلزال فَتَحَ شِقّاً كبيراً في الأرض، وسقوط داتان وأفيرام وأتباعهما فيه.
كان التَّمَرُّد في ظاهِرِه يتعلّق بمجموعة من الرِّجال الذين أرادوا وظائف موسى وهارون؛ أما في باطِنه فكان اعتقاد المُتَمَرِّدين أنه لا حاجة إلى وسيط ولا إلى رئيس كَهَنَة لتمثيل الشعب أمام الله. وهنا يا رِفاق، بالضَّبط تَكْمُن العَثرة التي يُواجهها الشعب كله حتى اليوم. كان موسى وهارون هما نقطة الجِدال آنذاك؛ وَسِيطُنا ورئيس كَهَنَتنا المُشترَك، يسوع، هو نقطة الجِدال الآن.
كم من الناس ”الرّوحيّين“ يقولون أنه لا حاجة إلى وسيط؛ وأنهم يَستطيعون، وقد استحقوا الحق في أن يكونوا في حَضرة الله. وعادةً ما يُعَبِّرون عن ذلك بالقول: ”أنا شخص صالِح“ أو ”لقد عِشْتُ حياةً صالحة“. منذ بضع سنوات ذَهبْتُ في عدد من الزيارات المنزلية مع مُساعد قسيس رائع، وأَلْقَيْت نظرة مباشرة على حَجَر العثرة الفعلي. أودّ أن أقول إنه من بين العديد من المنازل التي زِرْناها، والعديد من الأشخاص الذين شارَكنا معهم الإنجيل، أنْكَرَ جزء صغير فقط أن هناك إلهًا. ومع ذلك، عندما سُئلوا عما إذا كانوا يَعتقدون أنهم سيَذهبون إلى السماء، فإن غالبية الذين قالوا إنهم يؤمِنون بالله، قالوا نعم، إنهم يَعتقدون أنهم ذاهبون إلى السماء. السَّبَب: لقد فَعلْتُ أشياءً جيِّدة أكثر من أشياء سَيِّئة.
استَمَعَ عدد قليل من هؤلاء الناس إلى ما قُلناه، وقَبِلوا أنهم بحاجة إلى مُخلِّص. وسيط. واسمه يسوع. ولكن، أصَرَّ مُعظمهم على أنهم لا يَحتاجون إلى مُخلِّص، بل يُمكنهم أن يفعلوا ذلك بأنفسهم. هذا هو بالضَّبط ما كان يُعْلِنُه قُورح وداتان وأفيرام وجميع أتباعِهم المُتَمَرِّدين؛ يُمْكِنُنا أن نفعل ذلك بأنفُسنا، بِطَريقَتِنا. يُمْكِنُنا أن نُعلن أننا نستطيع أن نكون مُقَدَّسين.
بعد ذلك، عندما أهْلَكَ الله هؤلاء المُتَمَرِّدين، العديد من شعب إسرائيل، أصدقاء وأقارِب من المُتوفّين الآن، لاموا موسى وهارون. قَرَّروا أن موسى وهارون تَسَبَّبا في هذا الموت، في حين أنهما في الواقع قد تضرَّعا إلى الله من أجل رَحْمة هؤلاء المُتَمَرِّدين. واعتقَدوا أن موسى وهارون قد تَسَبَّبا بالحريق والزِّلزال من خلال التَّلاعُب بالله ليفعل ذلك من أجلهِما. لذلك على الرغم من أن الإظهار المُرْعب للغَضَب الإلَهي قد دَمَّر بالفعل العديد من المُتَمَرِّدين، إلا أن عقليَّة بني إسرائيل المُتَمَرِّدة ظلَّت سليمة. كان الله على وشك أن يبدأ العمل مرةً أخرى.
اقرأ سفر العدد سبعة عشر على تسعة – النهاية
تَفَشَّى وباء من نوع ما بين شعب إسرائيل. ما هو؟ لا نَعرف؛ ومع ذلك، فقد كان مَصْدَرُه إلهيًا، وبدأ الشعب يموت على الفَور. وكما كانت مواقِد النار والمراقد هي الأداة التي استُعملت لإثارة هذا التَّمَرُّد، فمَواقد النار هي الأداة التي استُعملت للتَّكفير عن خطيئة الشعب ضدّ الله. يأخذ هارون الفحم من المَذبَح النُّحاسي ويَضعه على مَجْمرة النار، ويَضع فَوقه البخور، ويجري حرفيًا إلى وسط الشعب ليُكَفِّر عن تَمَرُّدهم الأحمق. ولكن، بالنسبة لأربعة عشر ألف وسبعمئة من بني إسرائيل، كان قد فات الأوان. وبما أن التّعداد السُّكاني التَوراتي يَشمل دائماً الذُّكور فقط، فإن العدد الإجمالي مع احْتِساب الإناث والأطفال كان على الأرجح أقرب إلى خمسين ألف نَفْس هَلكوا في غُضون ما كان من المُرجّح أن يكون مُجَرَّد دقائق معدودة. الآن وبِصِفته رئيس الكَهَنَة، كان ممنوعًا على هارون أن يُلامس المَوتى؛ لذلك من الواضِح أنه كان يَتَجَنَّب بعناية كل تلك الجثث بينما كان يشقّ طريقه ليَقِف بين المَوتى والأحياء. ومع ذلك، فإن قُرْبِه الشديد من الكثير من المَوتى كان يعني أنه قد تَنَجَّس.
تَذكَّروا أنه في بداية الإصحاح السابع عشر، كان أليعازر، ابن هارون، هو الذي اخْتير ليُدَقِّق في البقايا البَشَرية لأولئك الذين أحْضَروا ناراً غير مُصرَّح بها إلى خَيْمة الإجْتماع وقَدّموها للرب، لكي يَسْتعيد مواقِد النار التي كانت قد أُصيبت بالقداسة. بينما كان لَمْس جثث المَوتى يُدنِّس الكَهَنَة، لم تكن مُلامَسة المَوتى ممنوعة تماماً؛ فقد كان رئيس الكَهَنَة مَمنوعًا تمامًا من لَمْس جثة. لهذا السَّبَب كان على إليعازار أن يفعل ذلك. ولكن، خُطورة الوَضْع مع كون جماعة بني إسرائيل في حالة تمرُّد وتحت لَعْنة الطاعون، تطلَّبت من هارون نفسه، بِصِفته رئيس الكَهَنَة، أن يُكَفِّر عن ذلك؛ وهكذا، حيث كان هناك خَطَر على الحياة، كان من الضّروري أن يَتدنَّس من أجل إنقاذ حياة آلافٍ لا تُحصى من العِبرانيّين.
وفي نهاية الآية الرابعة عشرة، تَضَع التوراة اللّوم على أكتاف قورح مُباشرة. يرجى مُلاحظة أن الشّيطان، رغم نشاطِه على الأرض منذ زمن آدم وحواء، لا يُلام ولا يؤذي، كما نَميل نحن في الكنيسة الحديثة إلى أن نَفعل ذلك كثيراً. لا يعني ذلك أن الشّيطان لا لوْمَ عليه أو لا ضَرر منه؛ بل أننا لسنا ضُعفاء، بطريقة ما، أمام إغراءات الشّيطان. يُمْكِنُنا مُقاومة الشّيطان. يُمْكِنُنا أن نختار طاعة الرَّب، ولا نَستسلم لتَوجيهات إبليس. ما خَضع له قورح هو مَيْله الشِرّير؛ وهذا ما يفعله مُعظمنا، في مُعظم الأحيان، عندما نُخطئ ضد يَهوَهْ.
لاحظوا: إذا كان رَجُل واحد يستطيع أن يُضَلِّل الآلاف (كما فعل قورح) فما أسهل أن يُضَلِّل رَجُلٌ واحد رجلاً آخر….أو زوجته أو أولاده …… بعيداً عن الرَّب. كان قورح ضدّ الوسيط، ضدّ موسى. وما هو المَصير الرَّهيب الذي يَنْتَظِرُ ذلك الرَّجُل الذي يُضَلِّل ويَتمرّد، وبِسَبَبِه يُقاد الآخرون إلى التَّمَرُّد، وربما إلى الهلاك الأبَدي.
في الآية الخامسة عشرة، يُقال لنا أن تَقدِمة هارون للبَخور قد نَجَحت، وتراجَع الله، وانتهى الوباء بالسُّرعة التي بدأ بها.
ولكن، من الواضح أن القضيّة التي كانت في قلب كل هذا التَّمَرُّد لم تُحسَم بعد. وكانت تلك المسألة هي: من سيكون خادِم الله المُخَصَّص له؟ اللاويّون أم مَجموعة أخرى من العِبرانيّين؟ احتاجَ الشعب إلى مزيد من الإقناع، ولذلك تم ابْتِكار اختبار آخر: اختبارات العصي.
الآن، العصا هي عصا زَعيم. وكان صاحب العصا هو صاحِب الزَّعامة القَبَليّة. ولذلك، كانت هناك عصا رسميَّة واحدة، أو عصا لكل قبيلة، وكان أمير القبيلة يَتَحَكَّم فيها. والكَلِمَة العبرية المُسْتَخْدَمة لكَلِمَة عصا أو قَضيب أو عصا زعيم هي "ماتيه". وتُستخدَم نفس الكَلِمَة بالضَّبط، ماتيه لتعني ”القبيلة“. لذا، هناك أهميّة كبيرة في الإخْتِبار الذي سيَجري، في أنه سَيَستخدِم العصا القبلية لتمثيل كل قبيلة. بالمعنى الحَرْفي للكَلِمَة، كل قبيلة ستُوضَع أمام الرَّب ليشير إلى أي منها سيَختارها لتمْثيله وخِدمته. بالطبع، ما يُمْكِنُنا أن نّفْهَمه جميعًا في إدراك مُتأخِّر هو أن ما كان على وشَك الحدوث لم يكن قرارًا، بل تأكيدًا لما كان قد تَمّ ترتيبه بالفعل.
وهكذا، يُقدِّم كل أمير قبيلة عصاه لموسى، وقد نُقِش عليها إسم القبيلة، ثم يُقدِّم هارون عصاه التي تُمَثِّل قبيلة لاوي. ما مجموعه ثلاثة عشر عصا… ثلاثة عشر سَبَطًا… مُمَثلاً. يقول الرَّب إنه سَيَسْتَخدِم هذه العصي كوسيلة لإظهار من هم خُدَّامِه المَمْسوحون مرة واحدة وإلى الأبد. ثم توضَع العصي داخل قُدْس الأقْداس، أمام تابوت العهد الذي يَحمل تلك الألواح الحَجَرية للوصايا العشر. والسَّبَب في ذلك هو أنه فوق التابوت حيث يقال إن حُضور الرَّب يَسْكُن هناك. لذا، فإن الرَّمْزية هي أن الأسباط الاثني عشر، بالإضافة إلى لاوي، يُقدِّمون أنفسهم إلى الله لتَظهر مَشيئته.
والطريقة التي سيُظهر بها الرَّب مَشيئته هي أن يَجعل عصا القبيلة التي يَختارها لتكون خادِمة له تَنْبِت. بالطبع، هذه مُعجِزة كبيرة، لأن ما يَحْدُث هو أن شيئًا ميتًا منذ زمن طويل….. تلك العصي الجافة والمتصلبة ، ستُحيى.
تُركت العصي طوال الليل، وفي صباح اليوم التالي دَخل موسى إلى حَرَم الخَيْمة فوَجد عصا هارون التي تُمَثِّل سَبَط لاوي قد نَبَتَت. لم تكن قد نَبَتَت فحسْب، بل أنْتَجَت أزهارًا وحتى لوزًا مُكْتَمِل التَّكوين. أخذ موسى جميع العُصي إلى خارج الخَيْمة، وطَلَب من كلّ زعيم قبيلة أن يَتعرَّف على عصاه، وفي أثناء ذلك تحقَّقَ من أن عصا هارون هي التي أزْهَرت. انْتهَت اللُّعْبة.
والآن، من المُثير للإهْتِمام أن نرى روابِط مختلفة تَظْهر من خلال ما حَدَث مع عصا هارون التي تَبَرْعَمَت، وأنْظِمة الله السّابقة. الكَلِمَة العبرية التي تعني تَبَرْعَمَت أو أزْهَرَت هي تسيتس. إنه نفس الجذر المُسْتَخْدَم للكَلِمَة التي دَرسناها قبل إصْحاحَين فقط، تسيتس، والتي كانت تُشير إلى الشرابات أو الأهداب. والأكثر من ذلك، فإن التسيتس هي بالضَّبط نفس الكَلِمَة العبرية المُسْتَخْدَمة في العصابة المَطليّة بالذَّهب التي كانت تُربَط على مقدَّمة طاقيَّة رئيس الكَهَنَة، وهي غطاء الرأس الطّقسي. هذه الصفيحة الذَهبيّة، هذه التسيتس، كان مكتوبٌ عليها عبارة ”مقدَّس ليَهوَهْ“. وهكذا فإن البراعِم الموجودة على العصا، ولوحة رأس رئيس الكَهَنَة الذَهَبيّة والشرابات التي توضع على زوايا جميع ثياب بني إسرائيل كلُّها مُترابطة. فكلُها تُمَثَّل بدرجات مُتَفاوِتة جانباً من جوانب القداسة المُعلنة إلَهياً.
لاحِظ أيضًا أن تصميم الشَّمعدان، الشَّمعدان المُقّدَّس في خَيْمة الإجْتماع، يتضمَّن أيضًا زهر اللَوْز….. تسيتس … في هَيْكَله المَصنوع من الذَّهَب المطروق.
لقد كان هناك الكثير من التكهُّنات حول سبب وجود اللوز وسبب زهر اللوز. الإجابات الحقيقية الوحيدة…. إذا كانت صحيحة ….. تأتي من التقاليد العبرية. وهو أن اللوز هو أول شجرة تُزَهِّر بعد الشتاء. إنها أول شجرة تحيا بعد مَوسم المَوت أو السُّكون. علاوة على ذلك، فإن اللوز يَحمل زهرًا أبيض، والأبيض يُمَثِّل النَّقاء والقداسة وحتى الله نفسه.
وأخيرًا يَعْتَرِف زُعماء القبائل، وعلى الأقل إلى حدٍّ ما، بِمَكانة اللّاويّين، وكذلك الشعب. ولكن، كما يفعل الناس، نميل أيضًا إلى أن نَخرج عن المسار الصحيح ونَفترِض افتراضات غير صحيحة؛ وفي الآية السابعة والعشرين نرى بني إسرائيل يَفعلون ذلك بالضَّبط.
لقد أدْرَكوا الآن خُطورة تَشكيكهم في الله، وتَمَرُّدهم على موسى وهارون والكَهْنوت بشكلٍ عام. بعد أن شَهِدوا النار تَحرق مئتين وخمسين من كِبار قادتهم، والأرض تنشقّ وتَبتلِع كتلًا كاملة من الخِيام والنّاس وكل مُمتلكاتهم؛ وأخيرًا تَفَشّي الطاعون الذي قَتَل الآلاف في غُضون دقائق، فإن بني إسرائيل مَرْعوبون جدًا من الاقْتِراب من خَيْمة الإجْتماع في البرِّيّة. لقد رأوا بِأُمّ أعْيُنهم أن أي شخص غير مُصرَّح له بالتَّجَرُّؤ على الاقتراب من الخَيْمة سيُدمَّر. ومع ذلك، كيف سَيُنَفِّذون الذّبائح التي أمَرَهم الله بها للتَّكْفير عن الخطيئة، أو بِبَساطة ليكونوا مُطيعين له، إذا لم يتمكَّنوا من القدوم إلى خَيْمة الإجْتماع حيث يوجد المَذبَح النُّحاسي؟
الآن، من الواضح أن هذا ليس ما يَتُمّ تعليمه هنا بأي حال من الأحوال. ولكن، لقد تَحقَّقَت الخُطوة الأولى من الدرس: الشعب يَخاف الله ويَعتِقد الآن أنه من السَّيِّئ أن يتحَدّوا سلطة وكيلَيْه الأرْضِيَّيْن، موسى وهارون.
دعونا نَنْتَقِل إلى الإصْحاح الخِتامي من هذه المجموعة المُكوَّنة من ثلاث إصحاحات، سِفر العَدد ثماني عشر.
اقرأ سِفْر العَدَد ثماني عشر كلّه
إن إجابة الرَّب على خَوْف عامّة بني إسرائيل من الاقْتِراب من خَيْمة الإجْتماع هي أن الأمر كلَّه يقع على عاتق سَبَط لاوي لتَحَمُّل الذنب إذا تعدّى شخص غير مُصرَّح له على خَيْمة الإجْتماع المُقّدَّسة. فالأمر مَتروك لقبيلة لاوي لِحِراسة خَيْمة الإجْتماع في البرِّية والتأكُّد من أن الأشخاص المسموح لهم بالتَّواجُد هناك والمسموح لهم بأداء وظائف طقسيَّة مُعَيَّنة هم فقط من يَدخلون. لذلك، إذا مرّ أحد من بينهم، عن طريق الخطأ أو عن قصْد، فإن اللاوي المسؤول هو الذي يَتحَمَّل الذَّنب والعِقاب.
بالإضافة الى ذلك، تقع على عاتِق الكَهَنَة العاديِّين مسؤولية مُراقبة اللّاويّين العاديّين (الجزء غير الكَهْنوتي من سَبَط لاوي)، للتأكُّد من أنهم لا يفعلون إلا ما أذَن الله لهم بِفِعله داخل منطقة الحَرَم المُقّدَّس، وليس أكثر من ذلك. لذا، إذا أخطأ أحد اللّاويّين ولَمَس عن طريق الخطأ أو الإهْمال شيئًا مُقدَّسًا من أغراض الطقوس المُقّدَّسة (وهو أمْر مَحْظور بالتّأكيد)، فإن الكَهَنَة المُشْرفين هم الذين يتحمَّلون الذَّنْب مع الرَّجُل الذي أخْطأ. في النهاية، يَجِب أن يكون اللّاويّون على دِراية أفضل حتى لا يكون لهم عِذر.
يَجِب على الكَهَنَة أيضًا مُراقبة الكَهَنَة الآخرين. كان للكَهْنوت تراتُبِيَّة في داخِله. لم يكن فقط رئيس الكَهَنَة في أعلى السلّم الكَهْنوتي، ثم جميع الكَهَنَة الآخرين كمُساوين له. بدلاً من ذلك، كان هناك كَهَنَة أعلى وأدْنى. في الواقع، سنَجِد في بعض الوثائق العبرية القديمة إشارة إلى ”رئيس الكَهَنَة“ ، " رؤساء الكَهَنَة " بِصيغة الجَمْع. هذا لا يعني أن رئيس الكَهَنَة ، لم يكن هناك العديد من رؤساء الكَهَنَة في نفس الوقت، يُشير إلى كِبار الكَهَنَة الذين كانوا في الطرف الأعلى من هَيْكَل إدارة الكَهَنَة.
في النِّهاية، كان الغَرَض من هذا النِّظام هو مَصْلَحة الشعب. لأنه عندما تعدَّى الشعب على قداسة الله، اقْتَضَت عَدالته أن تَشعُر أُمَّة إسرائيل بِغَضَبِه. أدّى هذا الهَيْكَل التَّنْظيمي بأكمله إلى إنشاء جَيْش من الحرّاس اللّاويّين لحراسة خَيْمة الإجْتماع، وكانت لهم سُلطة القَتْلِ في الحال إذا لَزِم الأمر. ومع ذلك، كان ذلك في تدبير الله عَمَلاً من أعمال الرَّحْمة، يَهْدُف إلى حِماية بني إسرائيل كَكُلّ من العِقاب الإلهي. لاحقًا، في العهد الجديد، سنَسمع عن حَرَس الهَيْكَل ومُشاركتهم في القبض على يسوع؛ كان حَرَس الهَيْكَل هذا مؤلفًا من اللّاويّين، وليس من الجنود الرّومان كما يُصوَّر أحيانًا بشكل خاطئ.
في الآية السادسة نتذكَّر المبدأ البالغ الأهمِّية وهو أن سَبَط لاوي ليس فقط سَبَط لاوي المُنْقسِم والمُنْفَصِل عن بني إسرائيل، بل إن هؤلاء اللّاويّين العامّين مُنقسمِين ومُنْفصلِين عن الكَهَنَة. والغرَض من اللّاويّين هو خِدمة الكَهَنَة؛ ليس كعبيد بيوت أو خَدَم شَخْصِيّن، بل كَعُمّال يَدويّين لِصِيانة خَيْمة الإجْتماع والنَّقل والحِراسة اللازمة.
في حين أن كل ما يلي تقريبًا حول الذّبائح والتقدُّمات قد أُعْطِيَ لنا من قَبْل. نَجِد نوع من الذّبائح والتقدُّمات المُتناثِرة في سفر اللّاويّين بِشَكِل أكثر انْتِظامًا وتَرتيبًا. وهي تتمّ بهذه الطريقة ردّاً على سِلْسِلة من المآسي التي حَدَثَت للتَّو؛ من بينها رَفْض الكشّافة الذين ذَهبوا إلى كنعان لقيادة الشعب إلى أرض الميعاد؛ الرَّجُل الذي كان يَجْمَع العُصي يوم السبت الذي أُعْدِم؛ قورح الذي قاد العديد من القادة العِبرانيّين في تمرُّد وأهْلَكَ آلافاً من بني إسرائيل؛ ثم الطاعون الذي لم يُذكر إسمه الذي حلّ على بني إسرائيل الذين اشْتَكوا من أنه كان من الظُّلم أن يأتي موسى وهارون بالدَّيْنونة (مات عدة آلاف آخرين نتيجةً لذلك).
كل هذه الأمور كانت في الأساس بِسَبَب أن الشعب والقادة لم يَخْضعوا لقيادة موسى وهارون، ولم يَقْبَلوا الدَّور الخاص للكَهْنوت والطبيعة الخاصة لسَبَط لاوي. لذلك الآن بعد أن تم تطهير أولئك الذين قادوا ذلك التَّمَرُّد، مع أولئك الذين تَبِعوهم، قد تمّ تَنْبيهَهم من بني إسرائيل وتأسَّسَت رَهْبة الله واحتِرام قيادته ومؤسَّساته المُختارة، وكان سيُكَرِّر الرَّب ما يتوقَّعه من الكَهْنوت وما يَجِب أن تكون عليه اسْتِجابة الشعب لسُلْطة الكَهْنوت.
لذا، نَحصل على قائمة بتلك الأشياء التي تُقدَّم كذبائح وعُشور من الشعب والتي يَجِب أن تُعطى للكَهَنَة واللّاويّين كأجر. والآن، الكثير ممّا يقال هنا ليس المقصود به أن يُشرَّع في الحال، بل بعد أن يكونوا قد احْتلّوا كنعان أخيراً وأقاموا فيها. ولكن، جَوهر الأمْر هو أنه من بين الجزء المسموح للكَهَنَة بأكْلِه من التقدُّمات التي يُسمح للكَهَنَة بتَناولها من تقدُّمات لله، يجوز لعائلات الكَهَنَة أن يأكُلوا منها أيضًا إذا كانوا طاهِرين طقسيًا. والفِكرة كلّها هنا هي أنه بينما يُتوقع من بني إسرائيل العاديّين أن يزرعوا المحاصيل ويُرَبّوا الغنم والماعز وما إلى ذلك، يُتوقَّع من سَبَط لاوي أن يَخدموا الرَّب في شكل خِدمة الشعب. لذلك، في المقابل، على الشعب أن يدعم سَبَط لاوي ماليًا.
تَذكَّر أنه عندما يَدخل بنو إسرائيل أرض الميعاد، سيحصل لاوي على ثمانية وأربعين قَرْيَة فقط للعَيْش فيها. لا يَحصلون على أرض ذات سيادة خاصة بهم. لذا، لديهم حقًا وسائل قليلة أو معدومة لإعالة أنفسهم.
من المُثير للإهْتِمام أيضًا أننا نَجِد الكَهَنَة مَعفيّين من دَفْع العُشور على ما يَحصلون عليه من أجْر. لكن اللّاويّين العاديّين ليسوا كذلك. كل ما يتلقّاه اللاويون العاديّون كَنَصيبِهِم من عُشور المحاصيل واللّحوم والأموال، يَجِب أن يُعيدوا عُشر ما يتلقّونه إلى الكَهْنوت كعشْرهم. وهذا لأن الكَهَنَة في النهاية يَخْدمون اللّاويّين كما يَخْدمون عامة بني إسرائيل. وعَلاوة على ذلك، في حين أن مُعْظَم ما يُعطى للكَهَنَة على شكل طعام يَجِب أن يؤكل في أرضِ خَيْمَةِ الإجْتماع لأنه مُقدَّس والأشياء المُقّدَّسة لا يُمكن إخراجُها من المنطقة المُقّدَّسة، بمُجَرَّد أن يُعيد اللاويون إلى الكَهَنَة عُشر ما حصلوا عليه كأَجْر، يُمْكِنُهم الآن إخراج الجّزء المُتَبقّي من منطقة الهَيْكَل وأكْله في أي مكان. أي أن فِعْل العشور بالنسبة للاويّين قد أزال القداسة عن الجّزء المُتَبقّي من أجْرِهم؛ فما كان مُقدَّسًا يُصبح كما لو كان طعامًا عاديًا، ويُعطى وضعًا مختلفًا عما كان عليه عندما كان في الأصْل طعامًا مُقَدسًا يُقدَّم للرب. هل فَهِمتم؟ لقد أُزيلت صِفَة القداسة عن الطعام عن طريق العُشر. افْهَموا أن هذا أمْر مُفيد لللاويّين. لأنه لو لم تَحْدُث هذه العمليّة، لكانوا في انتهاك مُسْتمر لإزالة الطعام المُقّدَّس وأكله خارج منطقة الخَيْمة المُقّدَّسة؛ وعَلاوةٍ على ذلك، لكانوا غير قادِرين على إطْعام عائلاتهم بهذا الطعام.
دعونا نَخْتَتِم اليوم بِمُناقشة القداسة لبُضع دقائق. لأنه في كثير من الأحيان ليس لدى المؤمنين المُعاصرين فِكرةٌ عن ماهيّة القداسة في الواقع. يؤكِّد العهد الجديد على فِكرة القداسة، لكنه لا يَشرحُ القداسة فعليًا؛ لِحِسن الحظّ أن التوراة تَشرح القداسة. عادةً، داخل الكنيسة، يُنظَر إلى القداسة في المقام الأول على أنها نوع من السُّلوك التَّقي من جانِبنا. نَتصرَّف بلُطفٍ أكثر. نُعطي أكثر. نَحْني رؤوسنا ونَشْبُك أيْدينا بطريقة مُعَيَّنة. نقول للنّاس ”أُحِبُّك“ و”بارَك الله فيك“. نَدْفع ضرائبنا بأمانة وعُشورنا كاملة في الكنيسة. وفي حين أن سُلوكنا مُهِمّ، فإن القداسة هي أكثر من ذلك بكثير عن حالَتنا الشَّخصية. إنها حالة يَمنحها الله والله وحده. هو الذي يَضع القواعد والحدود. هو يقرِّر من هو المُقّدَّس وما هو مُقَدّس بشروطه.
القداسة والدَنَس، من وجهة نظر التوراة، مُرتبطان ارتباطًا وثيقًا لأنه على الرغم من أنهما مُتَعاكِسان تقريبًا في المكانة، إلا أنهما يتصرَّفان بطريقة متشابِهة. لسببٍ واحد، هو أن كلاًّ من القداسة والنَّجاسة مُعْدية. علاوة على ذلك، كل من القداسة والنّجاسة يُمْكن أن يكونا خَطِرَين. ولذلك، فإن المذبح النُّحاسي، الذي يَحمل درجة عالية جدًا من القداسة، يُعْدِي كل ما يَلْمسه بالقداسة. إن اللّحم المقدَّم على المذبح النُّحاسي، (الذي أصبح مُقدسًا في حدّ ذاته) يَنقُل قداسته إلى الإناء الذي يُطبخ فيه. وهكذا، يَجِب تَنظيف الأواني المَعدَنية جيدًا بعد طَهي اللَّحم المُقّدَّس، والأواني الفخَّارية يَجِب أن تُتْلف لأنه من المُستحيل إزالة القداسة من المادة الفخَّارية المَسامِيَّة. والخَطر هنا هو الانْتِقال غير المقصود للقداسة من اللحم المُقّدَّس إلى القِدْر، ثم إلى ما يُطبخ فيه بعد ذلك.
بعد أن يَنتهي هارون من واجباتِه الطَّقسية ويَخلع ثياب الكاهِن الأعظم، يَجِب أن يَغْتسِل، وإلا فإن قداسة ثَوب الكاهِن الأعظم الذي كان يُغطِّي جِلد هارون مُعَرَّضة للانتِقال إلى الثوب العادي الذي سيَرتَديه هارون الآن.
القداسة تكون خَطِرة إذا اكْتَسَبها شخصٌ غير مُخوَّلْ باكتسابها. لا يستطيع الكَهَنَة أن يقوموا بواجباتهم ما لم يكونوا في حالة طهارة، لِئَلا يَلْمِسوا أداةً مُقَدَّسة ويُدَنِّسوها بِنَجاسَتِهم. في سِلْسِلة قِصَص التَّمَرُّد التي انْتَهَينا منها للتَّو، نَجِد أناسًا غير مُصرَّح لهم (أي أناسًا لم يَمْسَحهم الله بالقداسة) يُقدِّمون بَخورًا غير مُصرَّح به في مكان مُقّدَّس لإله مُقّدَّس. لقد أُهْلِكوا لأنهم (أ) عصوا وتعدّوا على أرضٍ مُقّدَّسة، و(ب) اكْتَسَبوا قداسة بِسَبَب قُرْبِهِم من الله لم يكن لهم شأن في اكْتِسابها. ولكن الكَهَنَةَ الذين منحَهم يَهوَهْ القداسة يَستطيعون أن يُقدِّموا البخور في مكان مُقّدَّس لِإله مُقّدَّس بأمان.
المبدأ هو أن كل ما هو مُقّدَّسٌ يَجِب ألا يُستخدم لغَرَض اعْتيادي، في مكان اعتِيادي. لذلك، كل ما هو مُقّدَّس يَجِب أن يبقى داخل حَرَم خَيْمة الإجْتماع المُقّدَّس. وعلى العكس، كل ما هو مُشترك يَجِب ألا يُقدَّم لله ولا يُجْلَب إلى مكان مُقّدَّس، وإلا فإنه سيَكْتَسِب قداسة ومن ثم يَجِب أن يُدمَّر لأنه لم يكن من المُفْتَرض أن يكون مُقّدَّسًا.
عندما قُدِّمت قُدور قورح ورفاقه إلى الله بطريقة غير مَسموح بها اكْتَسَبت قداسة بِسَبَب قُربِها من الرَّب. لذلك في هذه الحالة (بدلاً من أن تُتْلَف أواني النار) اختار الله أن يُذيب تلك الأواني الناريّة ويَجعلها غَطاءً واقيًا للمذبح، كعلامة وتحذير لبني إسرائيل؛ واحْتفظ بذلك المَعْدَن المُقّدَّس بشكل دائم داخل الحَرَم المُقّدَّس.
كما أن الفحم المُسْتَخْدَم في أحواض النار قد اكْتَسَب قداسة أيضًا. ولكن كان الحَلّ هنا هو أن الفحْم كان يَجِب أن يُبعثَر، بعيدًا عن خَيْمة الإجْتماع، وألا يُستخدَم على الإطلاق في أي شيء. لم يكن من المُمْكن اسْتِخْدامه لإشعال نار جديدة؛ كان يَجِب التخلُّص منه. لو كان هذا الفَحِم قد استُخدِم لإشعال نار جديدة، لكان الفَحِم الناتج عن تلك النار الجديدة قد اكْتَسَب قداسة غير مأذون بها.
استَمِع إلى حِزقيال وهو يتحدَّث عن القداسة:
الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد حِزقيال عشرين على سِتة وأربعين: "وَقَالَ لِي: “هَذَا هُوَ الْمَوْضِع الَّذِي يُغْلِي فِيه الْكَهَنَ ذَبِيحَةَ الإِثْم وَذَبِيحَة الْخَطيئة، وَحَيْثُ يَخْبِزُون ذَبِيحَة الْحُبُوب لِئَلاَّ يُخْرِجُوهَا إِلَى الدَّار الْخَارِجِيَّة لِيَنْقُلُوا الْقَدَاسَةَ إِلَى الشَّعْب.
لم يُخلَق الجميع للقداسة أو لم يُخلق الجميع لنَفْس دَرَجة القداسة. وأولئك الذين لم يُخلَقوا للقداسة لا يَحُقّ لهم القداسة. وأولئك الذين خُلقوا فقط لِمُسْتوى مُعَيَّن من القداسة لا يُمْكِن السَّماح لهم بالحُصول على المزيد بالصُّدْفة. لذلك كان لا بدّ من حماية القداسة وحِراسَتها.
إليكم الأمْر: القداسة مَسْألة خطيرة ومُعَقَّدة للغاية. هناك حَرْفيًا عَشَرات الإشارات إلى قداسة المؤمِن في العهد الجديد. ومع ذلك، ولِسَبَبٍ ما، نُلاحِظ الأجزاء التي تبدو لَطيفة، ونقوم باسْتِعارة أو إضْفاء الطّابع الرّوحي على الباقي. أو، وبِنَفس القِدْر من الإشكاليّة، نقرأ الكَلِمات ولكننا لا نَهْتَمّ بالاسْتِفْسار عما تَعنيه.
الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد رومية إحدى عشر على سِتّة عشر: "وَإِنْ كَانَتِ الْقِطْعَةُ الأُولَى مِنَ الْعَجِينِ مُقَدَّسَةً فَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا مُقَدَّسَةٌ، وَإِنْ كَانَ الأَصْلُ مُقَدَّسًا فَالأَغْصَانُ أَيْضًا."
يؤكِّد بولُس أنه إذا كانت قِطْعةٌ من كَمِّيّة العجين مُقَدَّسة، فالكَمِّيّة كلّها مُقَدَّسة أيضًا. وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الشَّجَرَةِ مُقَدَّسًا، فَالأَغْصَانُ الْمُتَّصِلَةُ بِتِلْكَ الشَّجَرَة . أَوْ إِذَا قَرَأْنَا أيضًا في رومية فإن الأغصان المربوطة بتلك الشجرة مُقَدَّسة. حسناً، هذا كلّه جيِّد وحَسَن؛ ولكن بأي مَبدأ إلهي تُصبح كَمِّيّة العجين وأغصان الشَّجرة مُقَدَّسة لمُجَرَّد أن جزءاً من العجين وجذر الشَّجَرة مُقَدَّس؟ لا يُكَلِّف بولُس نَفْسَهُ عناء شَرْح هذا التأكيد. ذلك لأن جزءًا كبيرًا من جُمْهوره كانوا يَهوديًا. لقد فَهِموا جَيِّدًا مبدأ التوراة القائل بأن القداسة (والنَّجاسة) يُمْكِن أن تَنْتَقِل عن طريق المُلامَسة. إنه مُجَرَّد قانون روحي ثابِت.
الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد أعمال الرُّسُل سبعة على ثلاثة وثلاثين: "فَقَالَ لَهُ الرَّب: "اخْلَعِ النَّعْلَيْن مِنْ رِجْلَيْك، لأَنَّ الْمَوْضِع الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْه أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ".
هذا المَقْطَع من الإنجيل يُذَكِّرنا بموسى الواقِف أمام الرَّب عند العلَّيقة المُحترقة. قيل لموسى أن يَخْلَع نَعْلَيه لأنه واقِفٌ على أرضٍ مُقَدَّسة. لماذا؟ هل لأنها علامة احْتِرام أن تَخْلَع حِذاءك عندما تقِف أمام الرَّب؟ ربما، ولكن ليس هذا هو الشّاغل الرَّئيسي في هذا المقطع. كلا، بل إن مَسألة خَلْع النَّعْلَين هي لأن قداسة الأرض المُقّدَّسة التي وَقَف عليها موسى كانت ستَنْتَقِل إلى نَعْلَي موسى؛ ومن ثم تَنْتَقِل تلك القداسة إلى كل ما يُلامِسهما هذا النَّعْل، أينما سارَ موسى.
الكِتاب المُقّدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد زكريا أربعة عشر على واحد وعشرين "وَكُلُّ قِدْر فِي أُورَشَلِيم وَفِي يَهُوذَا تَكُونُ مُقَدَّسَة لِرَبّ الْجُنُود، وَكُلُّ الذَّابِحِين يَأْتُونَ وَيَأْخُذُونَ مِنْها وَيَطْبُخُونَ فِيهَا. وَفِي ذلِكَ الْيَوْم لاَ يَكُون بَعْد كَنْعَانِيٌّ فِي بَيْت رَبِّ الْجُنُودِ.
ماذا يعني ذلك في العالم؟ حسناً، كل هذا له علاقة بما يَحْدُث عندما تَطبُخ لحم الأضاحي في إناء الطَّبخ. يُصْبِح الإناء مُقَدَّساً بِسَبَب انتقال القداسة من اللحم المُقّدَّس. وبعد ذلك، يَجِب تنظيف القِدْر أو كَسْره حتى لا تَنْتَقِل القداسة إلى أي شيء آخر يُطبخ فيه عن طريق الخطأ. ولكن، هنا، هذا يَتَحدَّث عن الوقت الذي تكون فيه القداسة عامة بين بني إسرائيل، وكل إسرائيلي يَسْتَخدِم تلك القِدْر له الحق في القداسة، فلا بأس إذا انتقلَت تلك القداسة من تلك القِدْر إلى أطْعِمةٍ أخرى، ومن الأطْعِمة إلى الشَّخص الذي يأكُلها لِزَوال الخطر.
هل بَدَأَت تَتَّضِح لك الصّورة؟ القداسة لها عالم كامِل من الجوانِب التي لم نَعْرِف عنها شيئًا، لأننا لم نَدرُس الجزء التأسيسي من كَلِمَة الله.
لذلك، لدينا بعض الأفكار المُنْحَرِفة عمّا يبدو أنه مَقاطِع صَعْبة من العهد الجديد.
إن مَفْهوم القداسة (والنَّجاسة) القابِلة للانِتِقال هو السَّبَب الذي جَعَل بولُس يقول للرِّجال ألا يَرْتَبِطوا بالبَغايا. لماذا؟ لأن القداسة يُمْكِن أن تَنْتَقِل في ارْتِباط ذَكَر مُقَدَّس بأُنْثى غير مُقّدَّسة، أو العكس. وبِنَفس القَدَر من الأهمِّيّة، لأن نجاسة العاهِرة يُمْكِن أن تَنْتَقِل إلى الذَّكَر المُقّدَّس، وبالتالي يُمْكِن أن تُدَنِّس تلك النَّجاسة قداسة الله التي فيه. بالإضافة إلى أن ذلك يَنْتَهِك مبدأ المُتْعة، أي تَحريم الاخْتِلاط غير المَشْروع. يبدو أن هذا يَنْطبِق حتى على المُتَزوِّجين إلى درجة غير مُفَسَّرة. اسْتَمِع إلى هذا المَقْطع من العهد الجديد:
الكِتاب المُقّدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد واحد كورنثوس سبعة على ثلاثة عشر: "وَالْمَرْأَةُ الَّتِي لَها رَجُل غَيْرُ مُؤْمِن، وَهُوَ يَرْتَضِي أَنْ يَسْكُن مَعَها، فَلاَ تَتْرُكْهُ". أربعة عشرة: " لأَنَّ الرَّجُل غَيْرَ الْمُؤْمِن مُقَدَّسٌ فِي الْمَرْأَة، وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُؤْمِنَة مُقَدَّسَةٌ فِي الرَّجُل. وَإِلاَّ فَأَوْلادُكُم نَجِسُون، وَأَمَّا الآنَ فَهُم مُقَدَّسُونَ.
الآن هنا مثال على أحد تلك الأقوال الصَّعْبة للغاية لِبُولس . أقوال حتى الرَّسول بطرس قال عنها أنّها صَعْبة الفَهْم. يُقدِّم بولس تأكيداً آخر في هذا المَقْطع (ومرَّة أخرى بدون أي تَفْسير)، مِمّا يَجْعَلْني أعْتَقِد أن هناك مَبْدأ ما كامِناً ومَفْهوماً في التوراة كان يُطَبِّقه على هذا المَوْقِف، ولكنّه أيضاً شيء لم يكن مَفهوماً خارج المُجْتَمَع العبراني. كان بولُس في كورنثوس، وهي أُمَّة غير يهودية، والوثنيّون يَجِدون صُعوبة كبيرة في مَعْرِفة المبادئ المَعْروفة التي هي جِزء من المُجْتمع العبراني ولكنَّها غير مَعْروفة للمُجْتمع الوثني.
خُلاصة القَول والنّقطة النِّهائية في هذا المَقطع هي أنه إذا تزوَّجَ كافِر من مؤمِنة، أو إذا تزوَّج كافِران ثم أصبَح أحَدهما مؤمِناً، ففي كِلَتا الحالتَيْن يوافِق الله على أن هذا الزّواج شرعي في نَظَره؛ وبالتالي فإن جميع الأطفال المَولودين من هذا الزّواج سيكونون شرعيِّين وليسوا "مامزر"، بَناديق غير شرعيِّين. وبالتالي ليس هناك أي شَرط قانوني من الله لإنْهاء الزّواج.
المُشكلة هي أنه كان من السَّهل جدًا على بولُس أن يقول بِبَساطة أن الله في هذه الحالة يرى زواج المؤمن وغير المؤمن شَرعيًا. لكنه لم يَفعل. وبدلاً من ذلك تذرَّعَ بمبدأٍ مفهوم (مفهوم له) كوَسيلة لتفسير ذلك، وهذا المبدأ هو أن الزوج المؤمن المُتَّحِد مع غير المؤمن يَمْنح التَّقديس لغير المؤمن؛ ولهذا السَّبَب كان الزواج شَرعياًّ ولن يَفقد المؤمن البار بَرَّه أمام الله لأنه مُتَّحِدٌ في الزواج مع غير المؤمن.
ولكن ما هو مَبدأ الكِتاب المُقّدَّس الذي بِمُوجَبِه صار الزّوج غير المؤمن مُقَدَّسًا بِزَواجه من الزَّوجة المؤمنة؟ كيف يُصبح النَّسْل غير الطاهِر مُقَدَّسًا؟ حسنًا، أولاً، يقول بولُس أن هذا اتِّحاد مُصرَّح به بين رجل وامرأة. هذا هو الزواج، زوج وزوجة يُصبِحان كَجَسَد واحد بالطريقة التي يُشَرِّعْها الله. في حين أنه يوصى به بشدَّة، إلا أنه ليس بالضرورة خطيئة أن يتزوَّج المؤمن من غير المؤمِنة. ولذا فإن إحدى التفسيرات المُحتملة لسبب هذا القول عن تقديس أحد الزّوجين للآخر هو مُمْكِن في نَظَر بولُس . حاخام مُتَدَرِّب تمامًا في الناموس . هو أنه يَعرف أنه رُبَّما قداسة الزَّوج المؤمن تَنْتَقِل إلى الزوج الآخر من خلال الاتِّصال الطَّبيعي والمُوافَق عليه من الله (في سياق مَعناه، من المُحْتمل أن يعني الاتِّصال الجِّنسي). والأولاد الناتجين عنه هم ناتِج بيولوجي لهذا الاتِّصال، قد يَحْمِلون أيضًا تلك القداسة. ويبدو أن بولُس يرى أن هذا النَّوع من انْتِقال القداسة نِعمة وليس خَطَرًا.
لكن هناك احْتِمال آخر لماذا يَعتقد بولُس أن قداسة الزوج المؤمِن تَلْتَصِق بطريقةٍ ما بالزوج غير المؤمِن، ثم تَنْتَقِل إلى نَسْلِهما. سأحتاج إلى كل ترْكيزكم معي في هذه اللّحظة لو سَمَحْتُم، وذلك من ناحية لأن هذا الأمْر مُعَقَّد، ومن ناحية أُخرى لأن هذا هو في رَأيي أفضل تفسير لهذا المبدأ الغريب والمُذْهِل جداً الذي يتحدّث عنه بولُس.
علينا أن نعود إلى دِراستنا عن التزيتزيت لنّفْهَمه. إن التزيتزيت هي شرابات تستخدم استثناءً لقاعدة؛ فهي مَصنوعة من خليطٍ غير جائز من الصّوف والكِتّان. ومع ذلك فهي تُستخدَم لتَذْكير النّاس بِوَصايا الله المُقَدَّسة، ويأمُر الله شَعْبه بإرْتِداء التزيتزيت. كانت بعض أجزاء المَلابس الكَهْنوتيّة تحتوي على الشعتنيز (خليط غير مشروع)، وهذا أيضًا ما أمَر به الله.
ومن المُثير للإهْتِمام أننا نَجِد أنه بإرْتِداء هذا الخليط من الأقْمِشة على شكل تزيتزيت، فإنه يَمنح مُرتديها قِدْرا معيَّنًا من القداسة. في الواقع كانت المُمارسة الجديدة لإرْتِداء التزتزيات هي التي دَفَعت قورح إلى أن يقول لموسى أن ”كل بني إسرائيل“ مُقَدَّسين، وليس فقط موسى وهارون والكَهْنوت. في الأساس، إن ناتِج مزيجٍ من الأقْمِشة غير المَشْروعة في حالة التزيتزيت هو أن القداسة تُمنَح لمُرتديها.
هنا نَجِد شيئًا مُماثِلاً في الزواج، والأَمْثِلة التي يُعطيها بولُس هي في الأساس خليطٌ ممنوع من ارتباط غير المؤمن بمؤمن. ولكن هذا الخليط مَقبول عند الله إذا كان يَحْدُث داخل مؤسَّسة الارْتِباط البَشَري التي أمَر الله بها والتي تُسَمّى الزواج. فالزواج لا يزال شَعْوَذة، وهو خليط لا يُفترَض أن يَحْدُث في نَظَر الله، ومع ذلك فإن نَتاجه هو اتحاد شرعي، وكِلا الزَّوجين ينالان قِدْراً من القداسة، والأولاد مَقبولون على أنهم طاهِرون وشرعيّون.
أنا متأكِّد أن هذه المُناقشة الموجَزة عن القداسة تَجلب الكثير من الإجابات، والرَّب يَعلم، أنا بالتأكيد لا أملك كل الإجابات عن الحقائق الغامِضة عن ماهيّة النِّطاق الكامِل للقداسة.
ولكن، على الأقل، آمل أن ترى أن القداسة هي مَسألة أكبر بكثير من مُجَرَّد سُلوكيّات التَّقوى الخارجية أو الأقوال اللّطيفة. وأن هناك عواقِب روحيّة وَخيمة عندما نُسيء استخدام ونَسْتغِلّ المكانة المُقّدَّسة التي مُنِحت لنا نتيجة ثقتنا بيسوع المسيح؛ لذلك يَجِب أن نَحْرُس ونَحمي تلك القداسة (التي مُنحَت لنا بِنِعْمَة من خلال يسوع) بكل عقلنا وروحنا وقُوَّتِنا.
هذا يَكفي لهذا اليوم.