الدرس التاسع – خروج عشرة وإحدى عشرة
خروج
الدرس التاسع – الإصحاحان العاشر والحادي عشر
نحن نَقترب من نِهاية الضّربات أو الأوبئة، التي أمر بها "أبا" (الأب) على مصر لكي يُوافق فرعون على إطلاق سراح بني إسرائيل من عبوديّتهم. حتى الآن، لم يَنجح شيء. لقد أصبح قلب فرعون متصلباً تدريجياً بما يتناسب مع تصاعُد شدّة المصائب التي أَنْزلها الرب على مَصر. بعض من هذا التصلّب في قلب فرعون كان من يَهوه وبعضه كان من إرادة فرعون الحديدية.
بل أكثر من ذلك، أصبح من الواضح للشعب المصري، وكذلك للحكومة، أن بني إسرائيل قد نجوا بطريقة ما بأُعجوبة من كل هذه السِلسلة من الكوارث ما عدا أول إثنين منها.
اقرأ الإفصاح العاشر كلّه
كما تَعلمون، قد نَنْظر إلى كل هذه الضّربات التي أصابت مصر، المياه الدامية والبَرَد والآفات الجِلدية والآن الجَراد، ونراها تبدو قديمة أو شيئاً لا نَجده إلا في الأمم المتخلّفة، وربما حتى غريبة تماماً، أي أنه لو كان الرب يفعل ذلك في أيامنا هذه، في أمريكا أو أوروبا، لكانت الأوْبئة أكثر سُهولة……كان سيكون لها مَصدر وجاذبية أكثر حَداثة وتكنولوجية: قنابل نوَوِية، أسلحة بيولوجية، تعطّل شبكتنا الكهربائية، رقائق كمبيوتر يتم إبطال مَفعولها، كائنات فضائية تُهاجم من الفضاء الخارجي، إلخ. ولكن، إذا فكّرنا في الأمر فإن كل واحدة من هذه الضربات التي نقرأ عنها في سفر الخروج ستكون مدمّرة اليوم في أي مكان في العالم كما كانت قبل ثلاثة آلاف سنة في مصر.
تخيّل لو أن مياه الشرب لدينا أصبحت ملوثة على نطاق شبه عالمي؛ هل يُمكننا استخدام التّرشيح لحلّ هذه المشكلة؟ من المحتمل، ولكن بتكلفة باهظة ولن يتوفّر ذلك في البداية إلا للدّول الأكثر ثراءً: مئات الملايين سَيموتون بسبب المياه الملوثة.
انظروا إلى ما فعلَته عاصفة بسيطة (إعصار كاترينا) في نيو أورليانز والمنطقة المُحيطة بها، وكيف أنها ضَربت اقتصادنا وكادت أن تطيح برئيسنا الحالي. لا يوجد شيء عالي التّقنية في الإعصار، أليس كذلك؟ مجرّد رياح عاتية وأمطار غزيرة.
تذكّر كارثة جبل سانت هيلينز قبل بضع سنوات: الدّمار الذي تسبّبت فيه والخسائر في الأرواح والتكلفة التي تكبّدها اقتصاد واشنطن وآلاف وآلاف الأفدنة من الغابات التي دُمّرت لعقود قادمة. كل هذا من بركان عُمره مليون سنة كل ما يفعله هو قذْف الدخان والصخور المُنصَهرة.
ماذا عن كارثة تسونامي التي حدَثت منذ عامين فقط: أوْدت بحياة ما يقدر بـ خمسمئة ألف شخصاً وسبّبت أضراراً لا تُحصى من مليارات الدولارات……. وكل هذا من زلزال ومَوجة من مياه البحر الناتجة عنه؛ لا يُمكنك الحصول على أكثر من ذلك بكثير من التكنولوجيا المنخفِضة.
عندما نتطلع إلى سيناريوهات نهاية الزمن في الكتاب المقدس، ويتم إخبارنا عن هذه الأحداث الكارثية التي ستَطغى على التاريخ البشري كله، فإننا عادةً ما نريد تحويل رؤى أنبياء الله التي تَصف هذه الأحداث إلى تجارب عالية التقنية ومن صُنع العلم؛ لذا، نَسمع من العلماء والكتّاب المسيحيين أنه يجب أن يكون ذلك حول تبادل نَووي أو إطلاق سلاح كيميائي مُروّع. نحن نفكّر من منظور أسلحة من نوع حرب النجوم. في الواقع، لا يوجد شيء اخترَعه الإنسان أو من المُحتمل أن يخترعه يقترب من قوة عاصفة رعدية واحدة أو نيزك متوسّط الحجم يدخل غلافنا الجوي ويَضرب كوكبنا.
نتيجة لذلك، عندما يَنظر الناس إلى هذه الاضطرابات الرهيبة في الطبيعة على مدى السنوات القليلة الماضية، فإننا نميل إلى اسْتبعاد يَد الله تماماً، ونقول….. هذه مجرّد طبيعة تفعل ما تريد، لا تجعلها واحدة من تلك الأحكام الدينية المخبولة. ربما يُمكننا أن نقول إنها كانت مجرّد الطبيعة تفعل فعلها في مصر، وربما ستكون الطبيعة تفعل فعلها في آخر الأيام؛ لكن لا تخطِئوا، سيكون ذلك بأمر الله ولن نتمكن من إيقافه ولن يكون بسبب أن الإنسان هو الذي تسبّب في حدوثه كما يعتقد جمهور الاحتباس الحراري الحديث؛ كما يجب أن نتعلم الآن، أنه يجب علينا اكتشاف نَمط الله في كيفية تعامُله مع الإنسان؛ وعندما نرى كيف فعل ذلك حتى الآن، فمن المؤكد أنه لم يكن عن طريق التقدّم التكنولوجي؛ من غير المرجح أن تكون الكوارث القادمة بأمر من البشر.
اسمحوا لي أن أتوقف للحظات لأربط بعض النقاط لأولئك الذين لديهم اهتمام بالنبوءة، وخاصة نبوءات نهاية الزمان. عدد قليل جداً من علماء الكتاب المقدس، باستثناء أكثر الليبراليين الذين يَنظرون إلى الكتاب المقدس على أنه ليس أكثر من مثال للأدب العبري القديم والحكايات الخيالية، سيقولون أن الضربات التّسع على مصر كانت رمزية أو مجازية أو استعارية؛ أي أنها لم تكن حقيقية، والكلمات تعني شيئاً آخر تماماً. يأخذ علماء التيار السائد ضربات الخروج، بشكل عام، على أنها حرفية، حتى وإن كان عدد قليل منهم لا يعتبرون هذه المُعجزات أكثر من حوادث طبيعية لا تزيد أو تقلّ في تواترها أو شدّتها عما هو مألوف……التي تجمّلها صياغة الكتاب المقدس وتبالغ فيها.
لذا، من المُدهش بالنسبة لي أن هؤلاء العلماء أنفسهم الذين يأخذون رواية سفر الخروج عن الأوبئة على أنها حرفية، يعتبرون في أغلب الأحيان أن روايات سفر الرؤيا عن أحكام الأختام والطاسات رمزية وليست حرفية. معظم دينونات سفر الرؤيا تستخدم نفس العناصر الطبيعية، ولكن بِتضخيم كبير وانتشار أوسع بكثير، مما تسْتخدمه رواية سفر الخروج عن الضربات. البَرَد والحشرات والظلام والدمامل وتحوّل المحيطات والأنهار إلى اللون الأحمر الدموي وموت الحياة البحرية؛ كل هذه تحدث في سفر الخروج تماماً كما تحدث في سفر الرؤيا…..ثم هناك بالطبع دينونات سفر الرؤيا التي ليست في ضربات سفر الخروج، لكنها لا تزال موجودة وتحدث بشكل طبيعي: الزلازل وانفجار النجوم والشّهب القادمة عبر الغلاف الجوي.
أنا أذكر ذلك فقط لإغلاق الحلقة نوعاً ما على هذا المفهوم الذي أعلّمكم إياه؛ أن أنماط الله ومبادئه تتكرّر عبر التاريخ وستستمرّ حتى نهاية الزمان. نرى أنماط الله هذه نفسها في سفر الرؤيا، تماماً كما وُضعت في التوراة، حتى مع نفس الخصائص المتعلقة بكيفية تنفيذ الأحكام. أعلم أن الكثير مِنكم مهتمّون بنُبوءة نهاية الأزمنة، لذا اعلموا أنه عندما تقرأون عن ظواهر نهاية الزمان المدمّرة بشكل لا يصدّق في سفر الرؤيا، فإنها من نفس الجوهر والتصميم الذي نقرأه في رواية الخروج. يمكنك أن تأخذها حرفياً، ويجب أن تأخذها حرفياً، لأن هذه الأشياء حَدثت من قبل، حرفياً؛ إنها طريقة الله في التعامل بطريقة مُتّسقة للغاية مع البشرية بشكل عام ومع العالم ومع شعبه الخاص.
يبدأ الفصل العاشر بتعليم آخر من الله لموسى للذهاب إلى فرعون. يذكّر موسى بأنه قد عمل في داخل فرعون ليُبقي قلبه قاسياً لغرض إلهي: أن كل هذه المعجزات والآيات سَتحدث وستظهَر وتُذكَر بين بني إسرائيل من جيل إلى جيل وأنه استخدم مصر من أجل بني إسرائيل.
أحياناً ما نواجه صعوبة في هذا المفهوم؛ أن الله يفضّل أحدهما على الآخر، حتى أنه يسمح بإهلاك أو افتداء أحدهما ليخلص الآخر. في هذه الحالة، سَيدفع المصريون ثمناً باهظاً من أجل أهداف الله……وأن الله سيبقي قلب الإنسان، أي فرعون، قاسياً لتحقيق أهدافه. لقد سمعت، في كثير من الأحيان، من المؤمن وغير المؤمن على حدّ سواء، أن هذا ليس عدلاً من الله أن يفعل مثل هذه الأمور. حسناً، أفترض أننا إذا كنا نؤمن حقأً أنه يمكننا أن نجلس للحكم على الله، وعندها يمكننا أن نتناقش حول عَدله. أنا لا أشعر بأنني بحاجة للدفاع عن قرارات الله، فنواميسه وأوامره هي ما هي، وهي مثالية، وكل ما نحتاج أن نعرفه هو ماهيتها…… وليس بالضرورة لماذا هي كذلك. هل تَرَعرعْت على الاعتقاد بأن جميع قرارات الله هي لمَصلحتك أنت؟ حسناً، إنها ليست كذلك. إن قرارات الله تهدف إلى تحقيق مقاصده لتحقيق أفضل منفعة لملكوته، وليس لَرَفاهيتنا الشخصية والفردية والدنيوية. إن سعادتنا وراحتنا ونجاحنا كلها أمور ثانوية تماماً بالنسبة لغرض الله الإلهي المتمثّل في تحقيق ملكوته.
في الآية الرابعة، يُعلن موسى لفرعون أنه إذا لم يحرّر شعب الله اليوم، فإن مصر ستُصاب غداً بوباء الجراد. ولن تكون الأرض مملوءة بها فحسب لدرجة أن الأرض ستبدو وكأنها تختفي، بل إن ما تبقّى من المحاصيل في الحقول بعد البَرَد المدمّر ستأكله هذه الحشرات الشرِهة؛ والأكثر من ذلك، ستَجد هذه الحشرات طريقها إلى منازل الناس.
يمكننا أن نتساءل عما إذا كان فرعون قد صدّق موسى أم لا؛ لكن سحَرته ومُستشاريه والشعب المصري عموماً آمنوا! لقد توسّلوا إلى فرعون أن يَترك بني إسرائيل يذهبون ليَعيشوا في سلام. في الواقع، قالوا في الآية السابعة: " ألا تفهم يا فرعون أن مصر قد دُمِّرت بالفعل وأن المعركة مع الرب قد خُسرت ولا يمكننا أن نتحمّل المزيد". يبدو أن هارون وموسى غادرا فرعون لوقت قصير لكي ينظر فرعون في الأمور، ثم عادا لتلقي جوابه. بدأ الوضع يتغيّر. لقد أصبح فرعون أكثر جدّية في السماح لبني إسرائيل بالذهاب، إذ يقول: "حسناً، اذهبوا واعبِدوا إلهكم. ولكن، من منكم سَيذهب؟ …..- وهذا يعني بالطبع السؤال الأهم، من منكم سَيبقى. لهذا، لم يكن هناك حلاً وسطيّاً، إذ يجيب موسى "صغارنا وكبارنا وبناتنا وصبياننا وجميع مواشينا". بعبارة أخرى، ليس كل الشعب فقط، بل كل ممتلكاتهم أيضاً.
الأمر الآن واضح تماماً لفرعون. لقد تأكّد ارتيابه من أن بني إسرائيل سيغادرون بشكل دائم. لماذا يحتاج كل بني إسرائيل وكل ماشيتهم، أن يذهبوا في رحلة حج لمدة ثلاثة أيام؟ كلا، يعتقد فرعون أنهم يخطّطون للرحيل إلى الأبد. إذن، في الآيتين العاشرة والحادية عشرة، يقول فرعون، مستحيل! سَأسمح للذكور فقط من بينكم أن يذهبوا…..ولكن يجب ترْك النساء والأطفال والمواشي. كان هذا جوابه النهائي، فيما كان موسى وهارون يُطردان من القصر.
بالطبع، لم يكن ذلك جيداً بما فيه الكفاية بالنسبة لله، لذلك قال الله لموسى أن "يَبْسط يده" …..أي كان على موسى أن يأمر……الجراد أن يأتي تبدأ الضربة الثامنة، حيث تبدأ ريح شرقية في الهبوب، ولدى هبوب تلك الريح، يأتي الجراد. حشْد من الجراد لم يَسبق له مثيل من قبل، ويلتهم كل شيء في طريقه. هنا مرّة أخرى، نرى أن الله يستخدم، كما في كل الضربات السابقة، الطبيعة نفسها لضرب المصريين.
ألقى فرعون نظرة واحدة على هذا ودعا موسى وهارون. أحضرَهما وفَعل ما فَعله سابقاً: اعترف بأنه أخطأ في حق الله. ولكن، هذه المرة، وفي خطوة أخرى، يَطلب فرعون الغفران. ولكن، لم تكن هذه تَوْبة حقيقية، أكثر من إيمانه بأن الرب موجود، وأنه الثقة والمحبّة. لقد كان مجرّد استخدام أي وسيلة ضرورية، حتى لو كان ذلك يعني التذلل، لإزالة هذه الضربة القاضية. الموت. سيقود الجراد مصر إلى الموت… من خلال المجاعة. أخيراً شعر فرعون بما سيؤدي إليه كل ذلك، ولهذا السبب توسّل طالباً الرحمة. إلا أنه، في اللحظة التي عكس فيها الرب الريح وأرسل الجراد إلى الشرق وفي البحر العظيم، تصلّب فرعون ورفض تحرير بني إسرائيل. هذه المرة، يُنسب إلى الله الفضل في تقسِيَة قلب فرعون الذي لا يمكن إعادة إصلاحه.
ووفقاً للنمط الراسخ الآن، تأتي الضربة التاسعة في الآية الواحدة والعشرين…… الضربة الثالثة من المجموعة الثالثة من الضربات….. وبالتالي فهي غير معلنة لفرعون أو للشعب المصري. هذه الضربة هي الأكثر فظاعة من بين جميع الضربات حتى هذه اللحظة. الظلمة. ظلمة تُنذر بالموت النهائي، بالموت الروحي، بالشرّ القريب. ظُلمة لا تُرى فحسب، بل هي ظلمة كثيفة إلى درجة أنها مَحْسوسة فِعلياً؛ ظلمة هي أكثر بكثير من مجرّد غياب النور……. ظلمة اسْتمرّت ثلاثة أيام في كل أنحاء مصر، ولكنها لم تحدث في جوشن، كما نقرأ في الآية الثالثة والعشرين.
أرجو الانتباه جيداً إلى ما أنا على وشك أن أُخبركم به: ما فَعله الله هنا، فَعله أيضاً في الخلق: لقد فصل وميَّز وفصل الظلمة عن النور. على أولئك الذين كانوا يَستعبدون شعبه كانت الظلمة، وعلى شعبه الخاص الذي كان يخدمه كان النور. يجب أن لا نغفل عن أربع كلمات صغيرة في الآية الواحدة والعشرين: "سيشعرون بالظلمة". شعر المصريون بالظلمة وشعر بنو إسرائيل بالنور. كيف يشعر المرء بالظلمة أم بالنور؟ تذكّروا في درسنا الأول من التوراة، حين درسْنا الخلق، ووجدْنا أن الله حين خلق النور في سفر التكوين واحد على ثلاثة، كان مختلفاً عن نوع الأنوار التي استُعملت لخلق موجات الضوء المرئيّة، كما في سفر التكوين واحد على أربعة عشرة. إن الكلمة المُستخدمة لـ "النور" الذي سيبقى فوق إسرائيل في جوشن، في سفر الخروج عشرة الآية ثلاثة وعشرين، هي نفس الكلمة التي اسْتخدمها الله في سفر التكوين واحد على ثلاثة. الكلمة بالعبرية هي "أور"، وتعني باختصار "الإستنارة"، أي الخير، في مقابل الشر. الحقيقة، في مقابل الكذبة. عندما تضيء مِصباحاً، تحصل على نور بصريّ، نوع النور الذي تحدّث عنه سفر التكوين واحد على أربعة عشرة. عندما تَسمع من الله، تَحصل على النور الروحي…. الإستنارة، نوع النور الذي تحدث عنه سفر التكوين واحد على ثلاثة. هل ترى الفرق؟
حسناً، لقد تحدّثنا عن النور على بني إسرائيل، فما نوع "الظلمة" التي كانت على المصريين؟ مرة أخرى، الكلمة العبرية نفسها التي استُخدمت في سفر التكوين لوصف عكس "أور"، الإستنارة. هذه الكلمة هي "تشوزك" وهي لا تعني الظلام ليس مثل "الليل"، بل ظلاماً سلبياً جداً. نوع يَحجب الخير. نوع يقود الإنسان إلى الخطأ. الشرّ.
نفس التلاعب بالألفاظ في بداية سفر التكوين عندما يميّز الله بين استنارة الله والفساد الروحي، النور مقابل الظلام، يُستخدم هنا في سفر الخروج لوَصف حالة مصر، الظلام، مقابل حالة بني إسرائيل، الاستنارة.
من ناحية أخرى، توضح الرواية أيضاً أن النور والظلمة المرئيين كانا مشمولين أيضاً. لذا، دعونا لا نجعل من الآية الثالثة والعشرين استعارة من الآية الثالثة والعشرين حيث تقول أن الرجل لم يستطع أن يرى أخاه ولا أن يقوم من مكانه أو كما يقول الكتاب المقدس اليهودي الكامل، لم يستطع الناس أن يروا بعضهم البعض. أي نوع من الظروف يُمكن أن يُسبّب مثل هذا الظلام البصري الكثيف؟ أعني أن مجرّد عدم وجود ضوء الشمس أو حتى ضوء القمر، لم يكن ليخلق مثل هذا الظلام كما هو موصوف هنا. لقد عرف المصريون، مثلهم مثل كل الثقافات الأخرى، كيف يتعاملوا مع الليل؛ كان لديهم مَصابيح زيتية ومصابيح نار ومشاعل… كل أنواع الطرق لقضاء أعمالهم بعد حلول الظلام. إن فكرة أن أحداً لم يكن بإمكانه "التحرّك من مكانه"، أي لم يكن بإمكانهم حتى أن يروا حتى التحرّك، لا تعكُس تجربة ليلية نموذجية. لا، لم تكن هذه ثلاث فترات من الليل على مدار أربع وعشرين ساعة.
هناك ظروف طبيعية تحدُث من وقت لآخر وتجلُب نوعاً من الظلام الذي يبدو فيه الظلام وكأنه يمتصّ الضوء بالفعل؛ وبما أنني من كاليفورنيا، فقد واجهت اثنين من هذه الظروف: الضباب والعاصفة التّرابية. لقد كنتُ على الطريق السريع مئة وواحد خارج سانتا باربرا عندما كان الضباب كثيفاً جداً، لدرجة أن الأضواء العالية لا تخترق أكثر من خمس أو ستّ أقدام أمام السيارة……وأعني ذلك بالمعنى الحرفي للكلمة. لقد مررْتُ أيضاً بعواصف رملية في الصحراء، حيث كانت تُحجب الشمس في منتصف النهار.
ولكن، في مصر، كان يأتي من حين لآخر نوع قاسي من العواصف التّرابية يُسمّى تشمسين. كل بضع سنوات، تتصادم مجموعة من الظروف التي تجعل الهواء نفسه مشحوناً بالكهرباء الإستاتيكية التي ترفع وتعلّق جُزيئات الغبار فائقة النعومة في الهواء، إلى جانب جُزيئات الرمال الخشنة التي تحملها الرياح العاتية عادةً. إذا كان أي شخص هنا قد أمضى أي وقت في مناخات فائقة الجفاف، فهو يعلم أن الكهرباء الإستاتيكية ظاهرة يومية عادية يجب على المرء التعامل معها؛ فالملابس تلتصق بالملابس الأخرى، وتَصعقك الكهرباء الإستاتيكية بمجرد الإمساك بمقبض باب السيارة أو تسْحب سُترة صوفية فوق رأسك في غرفة مظلمة، وتحصل على عرض ضوئي من الصدمة الكهربائية التي تحدث. هذه العواصف الغبارية (تشامسين) تحوّل النهار إلى ليل. خاصة في العصور القديمة، عندما لم تكن الأبواب مغلقة بإحكام، وكانت النوافذ مجرّد فتحات مفتوحة في الحائط، كان الغبار يدخل إلى الداخل بسهولة تامة. في الداخل، يُمكنك الهروب من الرياح وتأثير العاصفة الرملية، لكن لا يمكنك الهروب من سُحُب الغبار الكثيفة الناجمة عن الهواء المشحون بالكهرباء. تُصبح الأماكن الداخلية مُظلمة أيضاً، حتى المصابيح الزيتية لم تكن تساعد ويتوقّف التنقل.
أظن أن هذا ما حدث فيما يتعلق بالعنصر البصري للضوء وإلا فسيكون ذلك خارجاً عن المألوف مع الضربات الثمانية السابقة التي تضمّنت جميعها عناصر طبيعية من الطبيعة. بالطبع، كان هذا التشامسين من مَصدَر خارق للطبيعة وكان أكثر ضراوة بعدة أضعاف مما يحدث في الطبيعة. كان شديداً الى حدّ أنه أرعب فرعون والشعب المصري لدرجة أن أفقد فرعون والشعب المصري صوابهم. لكن، لا شك أن الرّعب الحقيقي جاء في "الشعور" بـ "تشوزك"، الظلمة الروحية، الشرّ الذي غطاهم كالبطانية. ذلك النوع الذي يجعل الشعر على مؤخرة رقبتك يقف عند نهايته عندما لا يمكنك رؤية أي شيء شرير أو خطير ولكن يمكنك الإحساس به. كان ذلك وقت رُعب حقيقي لِمصر. ولكن، في نفس الأرض، كان بنو إسرائيل يَحْتفلون بفرح!
هذه الضربة التاسعة من سفر الخروج تشبه تماماً سُخرية أن تكون مؤمناً في هذا العالم الحاضر؛ الظلمة "تشوزك" والاستنارة "أور" موجودان جنباً إلى جنب. نحن، المغطّون بنور الله، نعيش في نفس المكان ونتنفس نفس الهواء الذي يعيش فيه غالبية العالم الذين هم تحت غطاء من الظلام. في نفس الوقت الذي يمكن أن تَنفطِر قلوبنا ونبكي على أولئك الذين هم في عبودية لأمير الظلمة، يُمكننا ويجب علينا أن نحتفل بأن استنارة الله علينا وعلى كل من يثق به. بالمناسبة: لاحظ أن بني إسرائيل هم فقط من نال النور. لا يختلف الأمر اليوم. نحن لسنا إسرائيليين بالولادة، ومن خلال يسوع، قد انْضَممنا إلى عهود بني إسرائيل وما يفيد إسرائيل، يفيدنا الآن.
إذًا، يُرسل فرعون نداءً عاجلاً لموسى؛ ومع ذلك يُحاول هذا الملك الأحمق المتمرّد أن يساوم الله (لم نحاول أبداً أن نساوم الله، أليس كذلك؟). بعد الضربة السابقة، كان قد وافق على السماح للذكور من بني إسرائيل فقط بالذهاب لعبادة الرب والآن يقول، إذا كان موسى سيجْعل الله يزيح الظلمة عن كاهل الله، فيمكن لجميع بني إسرائيل أن يذهبوا، رجلاً وامرأة، فتاة وصبياً، صغيراً وكبيراً……. إلّا أنه يجب عليهم أن يتركوا مواشيهم.
يرفض موسى العرض، ويقول إن كل شيء يجب أن يذهب. لماذا؟ لأنه، كما جاء في الآية السادسة والعشرين، دعا الرب بني إسرائيل لِيَخدموه ويضحّوا له… لكنهم لا يعرفون بالضبط ما الذي سينطوي على ذلك بالضبط. بعبارة أخرى، ربما يريد الله كل مواشيهم، وربما لا يريد أياً منها. ربما يريد غنماً وربما يريد ماشية، لم يتم إخبارهم. لذا، فإن الشيء الوحيد الذي يمكنَهم فعله هو أن يأخذوا كل شعبهم وكل ممتلكاتهم إلى الصحراء ويضعوها أمام الله ويروا ما قد يطلبه منهم. هل فهمتم ذلك؟ هذا مبدأ آخر دائم من مبادئ الله الدائمة التي تَبرز من العدم. علينا أن نقدّم كل ما لدينا وكل ما نحن عليه…..أنفسنا وعائلاتنا وكل ما نملكه… أمام الله، لأننا لا نستطيع أن نعرف ما الذي سيطلبه منا في أي لحظة. يجب أن نتقدم بإيمان وثقة ولا نتمسك بشيء. لا شيء. كل شيء له وله أن يعطي أو يأخُذ كما يحلو له. مع ذلك، ما هي استجابَتنا المعتادة؟ حسناً يا الله، يمكنك أن تأخذ كل شيء ما عدا هذا….. أو هذا…… أو هذا. يمكنك أن تأخذني؛ فقط لا تأخذ وظيفتي وصُحّتي وزوجتي وأطفالي. هذه الأمور التي كان بنو إسرائيل سيتركونها وراءهم بأمر من فرعون، كانت ستبقى في العبودية، لذلك كان على موسى أن يَرفض. كل ما نتركه وراءنا، ولكننا لا نزال نمتلكه؛ كل ما لا نأخذه معنا لنقدّمه لله، عندما نقترب من الصليب، يبقى في مصر… يبقى في التعذيب والعبودية، وبالتالي لا يكون متوفّراً لخدمة الله. لقد أوضح الله أن كل ما نحن عليه وما نمتلكه يجب أن نضعه أمامه عندما نسلّم حياتنا له.
لن يتحرّك موسى ولا فرعون؛ لن يغادر موسى بدون الماشية، ولن يترك فرعون بني إسرائيل يذهبون بها. يأمر فرعون موسى أن يَرحل من أمامه ولا يعود أبداً، لأنه إذا اقترب من فرعون مرة أخرى، سيُقتل موسى. لقد ختم فرعون بكلماته الخاصة مصيرَه ومصير شعبه. لن تكون هناك فرص أخرى لتجنّب الدينونة. الله لا يجاهد مع الإنسان إلى الأبد. إنه ينتهي، ونحن لا نعرف مُسبقاً متى يأتي ذلك اليوم أو تلك الساعة بالضبط. ولكن، عندما ينتهي، عندما يقرّر الله أن يسلّمنا إلى شرورنا الفطرية، يتلاشى كل أمل في الخلاص، إلى الأبد. فكرة مخيفة، مخيفة للغاية……ولكنها حقيقية بشكل رهيب جداً.
اقرأ الإفصاح الحادي عشر كله
الدينونة. ما سنراه في الإفصاحين الحادي عشر والثاني عشر هو الدينونة. ما هي الدينونة؟ إنها الوقت الذي نتلقّى فيه ما نستحقّه وفقاً لنظام الله في العدالة. في الكتاب المقدس، تؤدي الدينونة دائماً تقريباً إلى نتيجة سلبية. نحن جميعاً، المُخلّصين وغير المُخلّصين، سوف نُدان. ولكن إذا كنا مخلّصين، إذا كنا نثق بالله عن طريق ابنه يسوع، فلن نُدان ولن تكون موضوع غضب الله. إذا لم نخلّص، فسوف نُدان. لقد مُنح فرعون ومصر تسع فرص لقبول مشيئة الله وطاعته. هذه الضربة العاشرة على مصر لا تحمل معها أي خيارات… هذه ليست إنذاراً آخر، فرصة أخرى لفرعون ومصر للتوبة….. لقد مضى وقت الإنذارات والاختيارات. مصير مصر الآن لا هوادة فيه. ما يسمّى بالضربة العاشرة يساوي ما يحدث عندما نموت، ثم نقف أمام الله. البعض سيعيشون إلى الأبد في الظلمة (تذكر الكلمة العبرية التي تعني الظلمة الروحية "تشوزك"؟) والبعض الآخر سَيعيش إلى الأبد في النور… الكلمة العبرية لهذا النور، هذه الإستنارة، هي "أور". من هذه الحالة، سواء كانت نوراً أو ظَلاماً، لن يكون هناك أي تغيير ولا فُرصة للتغيير، إلى الأبد.
الآن، الآيات الثلاث الأولى من الإصحاح الحادي عشر، إما أن تكون قد قيلت لموسى قبل أو أثناء المقابلة الأخيرة التي جَمعت موسى بفرعون. بمعنى آخر، رأينا في الإصحاح العاشر بعد أن دعا فرعون موسى عندما غطى الله مصر بـ "تشوزك"، الظلام الروحي والظلام البصري؛ ثم عندما رفض موسى عرض فرعون أن يرحل كل بني إسرائيل بشرط ترك مواشيهم وراءهم، قال فرعون لموسى في نَوْبة غضب ألا يعود مرة أخرى أبداً. حسناً، نكتشف الآن في سفر الخروج إحى عشر على ثمانية أنه خلال تلك المحادثة نفسها، غضِب موسى على فرعون مباشرةً ونرى أن موسى لم يرفض عرض فرعون فحسب، بل أخبره أيضاً أنه في تلك الليلة، حوالي منتصف الليل، سيموت كل أبكار مصر ويشمل ذلك، بحسب الآية الخامسة حتى الماشية، ولكن بني إسرائيل لن يتأثروا…..هم أو مواشيهم.
والآن، بينما أنا لا ألوم سيسيل ب. ديميل على تصويره ذلك الذي قتل أبكار المصريين كسحابة موت خضراء تطفو بشكل مهدّد في كل شوارع مصر (أعني، كان عليه أن يظهر شيئاً ما)، إلا أنه يعطينا انطباعاً خاطئاً نوعاً ما. حتى أنني سمعت مُعلّمي الكتاب المقدس يقولون أن "ملاك الموت" هو الذي كان يجول في جميع أنحاء مصر ويقتل الأبكار المصريين. لا، لم يكن كذلك. لقد كان يهوه نفسه هو الذي أزهق كل تلك الأرواح. كيف حدث ذلك بالضبط، لا نعرف، إلا أن حياة الأبكار قد انتهت على يد الله القدير نفسه. تقول الآية الأولى أن يهوه وليس الرب أو أدوناي أو ملاخ أدوناي، أو أي شيء آخر…..يقول يهوه، "سأجلب وباءً آخر". ثم يقول في الآية الرابعة: "هذا ما يقوله يهوه، حوالي منتصف الليل سأخرج….." وأقتل كل أبكار مصر.
وبعد هذه الدينونة الرهيبة، يقول الله الآن سيُطلق فرعون سراحكم. في الواقع، سوف يُخرجكم من مصر. ولكن، قبل أن يُغادر بنو إسرائيل، عليهم أن يجرّدوا مصر. عليهم أن يطلبوا الذهب والفضة من الشعب المصري وسَيحصلوا على كل ما يطلبونه؛ لأن الآية الثالثة تقول أن بني إسرائيل "وجدوا اسْتحساناً" في عيون المصريين، وأنهم رأوا موسى رجلاً عظيماً جداً. الترجمة….. هيا خذوا ما تريدون، لا نستطيع أن نحارب موسى أو إلهكم، فقط اتركونا. بالنسبة لمعظم الشعب المصري، كان موسى مجرّد ساحِر قوي….. أقوى من سحَرة مصر ولم يكن لديهم أي اهتمام باختبارِه أكثر من ذلك.
بصراحة، لم يكن الأمر مُختلفاً من وجهة نظر المصريين عما لو كان هناك سارق يَحمل سكيناً على رقابهم، وكانت الصفقة إما المال أو حياتك. من المثير للاهتمام أنه حتى يومنا هذا بالذات هكذا يراها المصريون….. كسَرقة. إذا كان لديك أو لدى أي من أصدقائك شكوكاً حول ما إذا كان بنو إسرائيل قد دخلوا مصر في أي وقت مضى، أو أنه كان هناك خروج (وهو بالمناسبة، أصبح موضوعاً شائعاً جداً في الطوائف الأكثر ليبرالية)، فقط أخبرهم أن يسألوا مصرياً معاصراً عن ذلك. لقد ظلّ الغضب على أخذ بنو إسرائيل كل ذلك الذهب والفضة من مصر وصْمة مَريرة في قلب الشعب المصري حتى العصر الحديث… بعدثلاثة آلاف وأربعمئة سنة.
دعونا لا نغفل عما هو السّبب وراء قرار الله بسحْق مصر بهذا الدمار الخارق للطبيعة ثم نهب ذهبهم وفضتهم: لأن الله يذكرنا في الآية السابعة أن هذا كلّه تم "لكي تعلموا أن يهوه يميّز بين مصر وإسرائيل". ما زلنا نسمع هذا مراراً وتكراراً في قصة الخروج عن الضربات، أليس كذلك؟ أن الله يميّز بين إسرائيل ومصر. عندما يكرّر الله شيئا ما باستمرار، فمن المؤكد أنه يجب علينا الإنتباه. لذا، دعونا لا نعتقد أبداً أن هذا التمييز بين إسرائيل وبقية العالم مسألة ثانوية أو بعيدة، أو أنه قد تغيّر أو أصْبح قديماً. تذكّروا، من وجهة نظر الكتاب المقدس، مَصر التي هي حقيقية وملموسة، هي أيضاً "نوع". أي أن مصر تمثّل العالم بأسره… كل أولئك الذين لم ينضمّوا إلى بني إسرائيل. حتى يومنا هذا وحتى نهاية الزمان، يرى الله العالم على أنه إسرائيل، والجميع هم الآخرين. ما هو الوضع الذي نجِد أنفسنا فيه نحن المؤمنين الأُممين؟ الحمد لله، مع بني إسرائيل، كجزء منهم. هذا من إحدى الأسباب الوجيهة لاتباع توجيات الله بِمباركة بني إسرائيل، لأننا عندما نُبارك بني إسرائيل، فإننا نبارك أنفسنا أيضاً. تغطي رومية تسعة وعشرة وإحدى عشرة هذا الأمر بكثير من التفصيل، ولكن يمكن تلخيصه إلى حدّ ما في رومية إحدى عشرة على سبعة عشرة حيث يقول بولس في تشبيهٍه لشَجرة الزيتون: "فَإِنْ كَانَ قَدْ قُطِعَ بعض الأَغْصان، وَأَنت (المؤمن الأممي) زيْتونَة بَرِّية طُعمْتَ فيها، فَصِرْت شَرِيكاً فِي أَصْلِ الزَّيْتُونَةِ وَدسمها….." يُرمز لبني إسرائيل في الكتاب المقدس بِشجرة الزيتون. وفي رومية إحدى عشرة على أربعة وعشرين "لأَنه إِنْ كُنْت أَنْت (الأممي) قَدْ قُطِعْتَ مِنَ الزَّيْتونَة الْبَرِّيَّة حَسب الطَّبِيعَة، وَطُعّمْتَ بِخِلاف الطَّبِيعَة فِي زيْتونَة جيّدة (بني إسرائيل)، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يُطَعَّمُ هؤُلاَءِ الَّذينَ هُمْ حَسَب الطَّبِيعة (بنو اسرائيل الذين قُطعوا بسبب الكفر)، فِي زَيْتُونَتهِم الْخَاصَّةِ؟"
بِعبارة أخرى، من منظور الله الروحي، فإن المؤمِن الأُممي مُطعَّم بعهود بني إسرائيل، وهذه العهود هي التي، من الناحية الروحية، تجعل من بني إسرائيل، بني إسرائيل، وتفْصِلهم عن أي شخص آخر. لم يقدّم الله عهوده للأمميين. لقد كانت لبني إسرائيل فقط. لكن من خلال الثقة بيسوع رباً ومسيحاً، نحن مُطعَّمون بعهود بني إسرائيل. لا، أنا لا أقول أنك أصْبحت يهودياً عندما خُلّصت. هناك يهود جسديّون وأمميون جسديون. ولكن، وفقاً لحساب الله، لا اليهودي الجسدي ولا الأممي الجسدي ينتمي تلقائياً إلى بني إسرائيل الحقيقيين الروحيين …. أو، كما يسميه بولس، بني إسرائيل الله، فقط أولئك اليهود والأمميون الذين يؤمِنون بيسوع ويثقون به. مرة أخرى، أحذّركم، أنا لا أقول أن الشخص الجسدي من قبيلة بني إسرائيل لم يعدّ الآن إسرائيلياً. أنا أقول أن هناك منظوراً أرضياً، جسدياً ومادياً من ناحية، وهناك منظوراً روحياً سماوياً لدى الله من ناحية أخرى. الخلاص والنجاة يتعلقان بالمنظور الروحي فقط، وليس بالمنظور الجسدي. لم يأتِ الله ليخلّص جَسدنا، بل جاء ليخلّص أرواحنا الأبدية.
ما نحتاج أن نخْرج به من ذلك من أجل دراستنا للتوراة هو أن الله ميّز بين بني إسرائيل والجميع… هنا، في سفر الخروج، بين بني إسرائيل والمَصريين. هذا مبدأ تأسيسي مهمّ للغاية…. تم تمييز بني إسرائيل… ليكونوا شعب الله الخاص. عندما نسمع كلمة "التقديس" الشائعة الإستخدام في الكنيسة، فإنها تعني ببساطة "الفصل" لله وهذا ليس تمييزاً كان في العهد القديم وزال، بل إنه لا يزال كما هو في العهد الجديد أيضاً. لم يُنهِ يسوع هذا التمييز بين بني إسرائيل والعالم…. يا إلهي، هو نفسه كان يهودياً، إسرائيلياً، وقد حَرِص على أن يعرف الناس ذلك. لقد قدّم ببساطة طريقة جديدة ودائمة للأمميّين لكي يشتركوا في عهود بني إسرائيل ويطعّموا بعهود إسرائيل بِدمِه. لكن، لا تُسيء الفهم؛ حتى العهد الجديد لم يكن عهداً بين الله والأمميين، بل كان عهداً مع بني إسرائيل. لن نذهب أبعد من ذلك الآن، لأن هذا كلّه درس طويل جداً في حدّ ذاته.
دعونا نعود إلى الوراء للحظة. لقد كانت هذه الأيام الثلاثة من الظلمة (تشوزك) التي حلّت على مصر هي التي أَعلَن فيها موسى لفرعون عن موت الأبكار القادم. هل فهِمت ذلك؟ ومع ذلك، بينما كانت مصر كلّها ترتعد تحت رعب الغياب الكامل للنور وغطاء الشرّ الذي كان يغطّيها، كان بنو إسرائيل يَحتفلون بفرح لأنهم كانوا يَختبرون النور. كانوا يَعرفون أن وقت الخلاص كان قريباً. في الواقع، خلال ذلك الوقت المُظلم لمصر كان بنو إسرائيل، قبل أربعة أيام من ذهاب يهوه إلى جميع أنحاء مصر ليقتل جميع الأبكار، قد اختاروا خراف الفصح، وهذا وفقاً لتعليمات الله. سيُصبح هذا تأسيساً وأول عيد فصح.
والآن، دعونا نتقدم سريعاً حوالي ألف وأربعمئة سنة إلى السنة الثلاثين بعد الميلاد. نحن الآن في أورشليم، وهو عيد الفصح (بالعبرية، بيساخ). أكمَل يهوه عشاء عيد الفصح بصُحبة تلاميذه الاثني عشر في الليلة السابقة، والآن هو مُمَسْمَر، ينزف دماً ومختنقاً على خشبة الإعدام. ولكن، قبل أن يأخذه الموت، تصبح الأرض فجأة مغطاة بظلام كثيف مُرعب. لقد اختير يهوه كحمَل الفصح وضحّي به عندما كان كل شيء مظلماً، فعلياً وروحياً، بالنسبة للعالم. إلا انه، في السماء، كان هناك فرح عظيم، لأن الخلاص كان في متناول اليد. كان ينبغي أن يكون هناك احتفالاً عظيماً في أورشليم بين اليهود أيضاً لكنهم كانوا عُمياناً عن الحق ولم يَستطيعوا أن يروا أن المسيح كان خلاصَهم؛ كان حمل فُصحِهم.
دعونا نتقدّم بسرعة مرة أخرى، الآن بعد ألفَي سنة من آلام المسيح، إلى اليوم. أصبح عالمنا أكثر فأكثر ظلاماً. من الناحية الروحية، أصبح كوكبنا بأكمله شريراً جداً ومتمرداً ويقع تحت "تشوزك" (الظلام) …… ظلام روحي. من الصعب ألا نكون يائسين وألا نشعر بفقدان الأمل واليأس والحيرة ونحن نشاهد عالمنا يترنّح خارج نطاق السيطرة. ولكن، كمؤمنين، نحن الذين تم فصلُنا ومقدّسين لله، ماذا يجب أن تكون ردّة فعلنا؟ نفس ردّ فعل بني إسرائيل في مصر، كما نقرأ في سفر الخروج؛ الإحتفال. على الرغم من أن أولئك الذين لا يَعرفون الله هم في الظلمة وعلى وشك أن يَختبِروا الموت الروحي الأبدي، إلا أننا نحن الذين نعرف الله نعيش في نوره وعلى وشك أن نَختبِر الخلاص إلى النور الأبدي. المثال لكيفية عيشِنا خلال هذه الأيام الأخيرة، حيث يكشف كل يوم عن مستويات جديدة وأعمق من شرور الإنسان وفساده، موجود هنا في سفر الخروج؛ يُمكننا ويَجب علينا أن نأخذه من منظور الله…. الخلاص النهائي والكامل. مع ذلك، مثل بني إسرائيل، فرِحنا حلو ومرّ ومثل بني إسرائيل هؤلاء، لدينا جميعاً أصدقاء وأقارب وجيران اختاروا الإنضمام إلى العالم وكل ظلامه. الحقيقة المُحزنة هي أنه إلى أن يَحكم يسوع على الأرض، سَيحْكم النور والظلام والمَوت والحياة في وقت واحد.
دعونا نتوقّف هنا وسنكمل الأسبوع القادم.