خروج
الدّرس إثنان وثلاثون – الإصحاحات أربعة وثلاثين وخمسة وثلاثين وستة وثلاثين وسبعة وثلاثين
سوف نُسرع الآن حقاً، حتى نهاية سِفر الخُروج. في الواقع سيُختَتم هذا الدّرس ودرْس الأسبوع القادم سِفر الخُروج، وبعد ذلك سنَنْتقل إلى سِفر اللاويين….. وهي دِراسة رائعة حقاً.
بينما نواصل دراستنا حول سِفر الخُروج في الأصحاح أربعة وثلاثين من الجيّد أن نُدْرك أن ما نقرأه في الأساس هو الأعياد والطُقوس الشّرعية التي أمَرَ بها الله مقابل أعياد وطقوس مُماثلة ولكن غير شرعية كما كان يمارسها الكنعانيون وثقافات العالم الأخرى. إن جدول مواعيد يَهْوَة، الذي يتضمّن الأعياد التَوْراتية السّبعة، كان له بالفِعل أعياد مُماثِلة إلى حدّ ما في العالم الوثني. فكما كانت الأعياد التَوْراتية السّبعة أعياداً زِراعية قائمة على الزّراعة تم توقيتها لتحدُث في المواسم والمراحل المُخْتَلِفة للزراعة والنموّ والحصاد، كذلك قامت الأُمم خارِج إسرائيل بالشيء نفسه.
مع ذلك، يقول الرب أن الطريقة واليَوْم والسّبب في الإحتفال بتلك الأيام والأعياد المُحدّدة لم تكن بالطريقة التي كان الوثنيّون يحْتَفِلون بها وأن إضافة بعض عناصر تلك التقاليد الوثنية إلى طريقة العبادة الطاهرة التي أذَن بها الله كان رَجَساً بقدر ما هو رَجَس أن نضيف بعض عناصر تلك التقاليد الوثنية إلى طريقة العبادة الطاهرة التي أذن بها الله.
دعوني لا أُلطّف الأمور: من المُذهل بالنسبة لي أن شخصاً يَدّعي أن الرب هو إلهَه أو إلهها يحْتَفِل بِعيد الهالوين، على سبيل المثال، لقد رأيت العديد من الجماعات المسيحية تتبنّى عملياً كل عُنْصُر من عناصر هذا العيد الوثني، فقط لتغيير الإسم إلى مهْرجان الخريف أو مهْرجان الحَصاد في مُحاولة ضعيفة إلى حدّ ما لجَعل الأمَرَ مقبولاً. في العام الماضي قُمْتُ بِقصّ صورة من صحيفة فلوريدا توداي تَظهر فيها مُعلّمة لمدرسة الأحد تجلُس في عرض لحَقل اليقْطين في كنيسة محليّة، مُرتدِية زيْ ساحرة كامل (قبّعة وكل شيء)، جالسة على بالة من القشّ وتقرأ من الكِتاب المُقَدَّس لحوالي عشرة أطفال مُنْتبِهين. فكّر في الأمَرَ: هل أسّس الله مَهْرجان الخريف الحقيقي أم لا؟ هل أوْصى أم لم يوصي بالإحتفال بأعياده وتجنّب كل الأعياد الأخرى؟ بالطبع فَعَل، ومهرجان الخريف المَوْسمي الذي أسّسَه يُسمّى عيد الخريف "سوكوت". إن الهَدَف من أي عيد خَريفي زِراعي هو الإحتفال بآخر قَطْف للمحاصيل وتخزينها قبل حلول فصل الشتاء ومن ثم هدوء كل شيء. هذا هو بالضبط توْقيت وطريقة عيد الخريف الذي أسّسَه الكِتاب المُقَدَّس والذي يُسمّى سوكوت بالعبرية، عيد المظال بالإنجليزية؛ والآن إسْمَحوا لي أن أطرَح هذا السؤال البلاغي: لماذا يختار المسيحي الإحتفال بيَوْم عيد وثني بِشَكلٍ واضح للإحتفال بنِهاية الدّورة الزِراعية السنوية، ولكنه يتنصّل تماماً من عيد الله المُقدّس الذي يحْتَفِل به أيضاً في نهاية الدورة الزِراعية السنوية؟ سأترُك لكم ذلك للتفكير فيه.
دعونا نُعيد قراءة الجزء الذي سنَتَناوَله اليَوْم من الإصحاح أربعة وثلاثين من سِفر الخُروج.
أعيدوا قراءة سِفر الخُروج الفصل أربعة وثلاثين على ثمانية عشرة حتى النهاية
على الرّغم من أننا رأيْنا مُعْظَم هذه الوصايا من قَبل، إلا أن يَهْوَة يُكرّر العديد منها وهو يُعيد التأكيد على العَهْد الموسَوي. تذكّروا: لقد لاحظنا للتَوْ عواقِب حادثة العِجل الذهبي التي أدّت إلى نقْضْ العَهْد الموسوي وإبطاله. لذلك كان من الضروري أن يُعاد العَهْد من جديد. في الآية الثمنة عشرة، أعيدَ فرْض عيد ماتزا التَوْراتي. إسْمَحوا لي أن أذكّرَكم أنه عندما تَقرأون في الكِتاب المُقَدَّس عن عيد "ماتزا" (الفُصح)، فإنه يُشير بِشَكلٍ عام إلى مجموعة من ثلاثة أعياد مُخْتَلِفة: عيد الفصح وماتزا وعيد البواكير. جميعها متداخِلة ومُتشابِكة. عيد الفُصح هو بداية عيد الماتزا، ثم بعد يَوْم واحد يبدأ عيد الماتزا نفسَه ويستمرَ لِمُدّة سبعة أيام: بعد يَوْم واحد من بِدْء عيد الفطير هو عيد البواكير الذي يَسْتمِر لِمُدّة يَوْم واحد. لذا فإن عيد البواكير يَحدُث خلال عيد الفطير. أما بالنّسبة للعبرانيين، فكانوا يحْتَفِلون بخُروجهم من السّبي في مصر (كان عيد الفصح عندما طاف الرب في أنحاء مصر وقتل كل الأبكار وتجاوز الذين وَثقوا به بتلطيخ أعمدة أبوابهم بدم كبش ذبيحة)؛ وكان عيد ماتزا يُذكّرهم كيف أنهم أسرَعوا في الخُروج من مصر ولم يكن لديهم الوقت لصُنع الخبز بالخميرة والخمير وترْكه يخْتمر؛ وعيد البواكير هو عيد زِراعي ربيعي عندما يتمّ جلْب أوّل حصاد السّنة الجديدة.
ما لم يُدرِكه بنو إسرائيل، ولا يُمْكِن أن يكون قد أدْركَه، هو أن فترة الأعياد هذه كانت فترة نَبوِية وإظهاراً مادياً لمَبدأ ومِثال سماوي. إنه يَتَحدّث عن مَوْت وقيامة المسيح يسوع. الآن، أرجو أن تسْتمعوا جيّداً: بالنسبة للعبرانيين، بينما كان عيد الفصح والماتزا إحياءً لحَدثٍ ماضٍ، كان أيضاً يتطلّع إلى الحدَث المُستقبلي للمسيح، أليس كذلك؟ …..كان ذلك نُبوءة؛ ولكن بما أن هذه النُبوءة قد تحقّقت الآن (لقد جاء المسيح ومات وقام) بالنسبة لنا، فهي ذِكرى….. تِذكار كامل… ذات أهميّة قُصوى بالنسبة لنا. إنه لَتعليق مُحزن أن المؤمنين، بدون تفويض من الله على الإطلاق، قد تخلّوا عن هذه الإحتفالات المُقَدّسة التي أمَرَ الله بها وغيّروها إلى الجُمعة العظيمة وعيد الفصح، حتى أنهم اسْتخدموا إسم إلهة الخَصب الوَثنية عشتار لإسم العيد، عيد الفصح، واسْتخدموا الأرانب والبَيْض، كَجِزء من طُقوس أعيادِنا. أودّ أن أقترِح أن نُعيد النظر في أعياد الله التي أمَرَنا بها ونُعيد تأسيسها ونؤدّيها بِطريقة قريبة قدَر الإمكان من الأصل، ولكن في سياق عَصرنا وثقافتنا، لأن ما فعلناه هو أن نختار طُرُق الإنسان على طُرُق الله ونُسمّيها حَسنة، ثم نضيف إليها القداسة؛ وهي فكرة سيّئة دائماً.
في الآية التاسعة عشرة، يُعيد يَهْوَة التأكيد على مبادئ الفِداء والبِكر وفي الآية عشرين، يؤكّد مَرّة أخرى على يَوْم السبت، اليَوْم السابع، يَوْم الراحة.
وفي الآية واحد وعشرين، يتمّ التّشديد على عيد آخر فَرَضَه الله: عيد الأسابيع. هذا العيد يُسمّى بالعبرية "شافوعوت" وتَسمّيه الكنيسة عيد العُنْصُرة. هذا العيد هو عيد الحَجّ. أي أن الله قد أمَرَ ويؤكّد في الآية الثالثة والعشرين، أن ثلاثة من الأعياد السّبعة المَفروضة يجب أن يحْتَفِل بها في أورشليم (أو الأصحّ تقنياً، في الحَرَم المَرْكزي) وعلى الجميع أن يحجّوا؛ عليهم أن يُسافروا إلى خَيْمَة الإجْتِماع/ الهَيْكَل، للإحتفال بهذه الأعياد الثلاثة. الأول هو عيد ماتزا والثاني هو عيد شافوعوت والثالث هو عيد السوكوت. سوكوت هو ما يَعْنيه في الآية إثنين وعشرين عندما يَتَحدّث عن عيد الحَصاد.
لاحِظ أنه يُقال أن الذكور فقط هم الذين يجب أن يأتوا إلى خَيْمَة الإجْتِماع في أعياد الحجّ هذه. في وقت لاحق، في سِفر التَثْنية، يوضِح أنه يجب بَذل كل جهد مُمْكِن لكي يأتي جميع أفراد العائلة.
الآن، من الواضح أن الأمْرَ سَيَسْتغْرِق بعض الوقت قبل أن يَتَمَكَّن بنو إسرائيل من تنفيذ أمْرَ يَهْوَة بالحجّ. أولاً، كان عليهم أن يَستقِروا في أرض كنعان. كانت شيلو هي المكان الذي ستُقام فيه خَيْمَة الإجْتِماع لِفترة من الوقت، ثم أخيراً في أورشليم. في زمَن الخُروج، كانت أورشليم مدينة صغيرة، بناها اليَبوسيّون وحَكَموها. كان الملِك داود هو الذي استولى على المدينة في نهاية المطاف، وغيَّر إسمها إلى أورشليم، وجعلَها جزءاً من إسرائيل.
إسْمَحوا لي أيضاً أن أُدلي بمُلاحظة سريعة عن عيد العُنْصُرة؛ عيد العُنْصُرة هو اليَوْم الذي جاء فيه الروح القدس وبدأ يحلّ على البشر. نحن نعرف هذا الحدَث في المقام الأول على أنه ذلك اليَوْم الذي بدأ فيه الناس فجأة يتكلّمون بألسنة، وقد تشكّلت بعض الأفكار الغريبة جداً حول ما حدَث هناك بالفعل.
أولاً، عيد العُنْصُرة هو مجرّد كَلِمَة يونانية تعني خمسين يَوْماً. ثانياً، الخمسين يَوْماً تعني أن هذا العيد يحدُث بالضبط بعد خمسين يَوْماً من يَوْم قيامة المسيح من بين الأموات. عيد العُنْصُرة ليس عيد جديد صَمّمه المسيحيون للإحتفال بمَجيء الروح القدُس … على الرغم من أن هذه هي الطريقة التي يتمّ تعليمها عادةً. بدلاً من ذلك، عيد العُنْصُرة هو كَلِمَة يونانية استخدَمَها المسيحيون الأوائل بدلاً من كَلِمَة "شافوعوت" العبرية. ثالثاً، افْهموا: عندما نزَل الروح القدُس على الإنسان لم يتم إنشاء عيد جديد في ذِكرى ذلك الحدث، بل في عيد شافوعوت، وهو عيد توراتي أنشأه الله في زمن موسى، بأن الروح القدُس قد نزل……وهو بالضبط ما كان عيد شافوعوت نبوِياً.
لقد نزل الروح القدُس على مجموعة كاملة من اليهود الذين جاؤوا إلى أورشليم للإحتفال بعيد الأسابيع، عيد "شافوت". لكن هؤلاء كانوا يهوداً مُميّزين، لأنهم كانوا يَهوداً مؤمنين….كانوا يؤمنون بأن يسوع هو المسيح. لقد جاؤوا، لأن، كما نرى هنا في سِفر الخُروج، بنو إسرائيل قد أمَرَوا بذلك…..أي أنهم أمَرَوا بالحجّ إلى أورشليم لهذا العيد (بالإضافة إلى عيدَيْن آخرين). مسألة اللّغة، التكلّم بالألْسِنة، أودّ أن أوضِحها؛ مات يسوع ونزل الروح القدُس حوالي عام ثلاثين ميلادي. كان العالَم المعروف، بما في ذلك يهوذا وأورشليم، تحت الحِكم الروماني. كان اليهود يعيشون في ذلك الوقت في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية. على الأرجَح لم يكن يعيش في الأرض المُقَدّسة سوى عشرة بالمئة من إجمالي عدَد اليهود، أما الباقون فكانوا يعيشون مُنْتَشرين في جميع أنحاء العالم المعروف. يُطلَق على هؤلاء اليهود المُشَتّتين حتى يَوْمنا هذا إسم الشّتات….. المُشتّتين، وبطبيعة الحال، اتّخذ هؤلاء اليهود المُشتّتون لغة أي أمة أو ثقافة كانوا جزءاً منها.
ولكن…..تمسَّكوا بِشِدّة بِعاداتهم وديانتهم اليهودية. لذا، جاء يهود الشّتات هؤلاء، بالإضافة إلى اليهود الباقين في الأرض المُقَدّسة، إلى أورشليم، كالعادة، في عيد الأسابيع، وكل منهم كان يَتَحدّث بلغات مُخْتَلِفة. لا يوجد عمل يوناني يُترجِم الكَلِمَة الإنجليزية "لُغة" بل كان المُصْطلح في ذلك العَصْر هو "اللِّسان"، لذلك فإن كَلِمَة الكِتاب المُقَدَّس المُسْتَخْدَمة للِّغات هي حرفياً "ألسِنة".
إن مُعجزة الألسِنة التي حَدَثت في يَوْم الخمسين هي أن اليهود من منطقة واحدة، والذين كانوا بالتالي يتكلّمون لغة معيّنة، اسْتطاعوا فجأة وبِشَكلٍ خارق للطبيعة أن يتكلّموا لغة لم يكونوا يَعرفونها أو أنهم اسْتطاعوا أن يَفهموا لُغة لم يكونوا يتكلّمونها. لذلك نَحصل على هذا الوَصْف التَوْراتي عن كيْفيّة أن بعض المُراقبين (وهم بلا شك يهود أورشليم الذين عاشوا هناك في أورشليم) كانوا يقولون أن هؤلاء الرجال كانوا مجرّد سَكارى ويُثَرْثِرون هَراءً لا معنى له ولكن بعض يهود الشّتات الذين جاؤوا من بلاد بعيدة من الأمم البعيدة يقولون لا، أنا أعرف تلك اللغة التي يَتَحدّثون بها، وأنا أعرف بالضّبط ما يقولون، لأنها لُغتي. كم عدد الّلغات والألسِنة التي كانت مُمَثلة لا نعرف……ولكن في ذلك الوقت من التاريخ كانت هناك عشرات اللغات التي كان يتم التحدّث بها داخل الإمبراطورية الرومانية الشاسِعة.
إليكم طريقة أخرى للنّظر إلى الأمْرَ: ما حدث في العُنْصُرة كان نوعاً من عكس ما حدث في برج بابل. في برج بابل، مجموعة كاملة من الناس الذين كانوا مُتَمرّدين على الرب والذين كانوا يتكلّمون لغة عالمية واحدة، أُعطوا فجأة وبِشَكلٍ خارق للطبيعة مجموعة كاملة من اللغات المُخْتَلِفة والجديدة، وبالتالي لم يَعُد بإمكانِهم أن يفهَموا على بعضهم البعض. لكن في يَوْم العُنْصُرة، اسْتطاع فجأةً عدد كبير من الناس الذين وثقوا بالرب والذين جاؤوا إلى أورشليم وهم غير قادرين على فهم بعضهم البعض لأنهم كانوا يتكلّمون لُغات مُخْتَلِفة كثيرة، أن يفْهموا على بعضهم البعض! إتصال مُدْهش، أليس كذلك؟
ثم تأتينا هذه الوصية الغريبة في الآية السادسة والعشرين عن عدم طَبخ ولَد في لَبَن أمه. اليَوْم يُفسّر هذا الأمْرَ بِعَدَم تقديم الألبان مع اللحم. لقد طُرِحت نظريات كثيرة حول سبب ذلك؛ حتى أن الحاخامات يَحتارون في تفسير ذلك ولكن أعتقد أنه إذا كان الحلّ الأبسط هو عادة أفضل إجابة، فإن السبب واضح إلى حدّ ما: كان غلي (طبخ) صِغار الحيوانات بِحليب أمّهم طقساً دينياً كنعانياً معتاداً، وبالإضافة الى كل ذلك، يذكِّر الرب بني إسرائيل باستمرار بألّا يُمارسوا طقوسهم بالطريقة التي يُمارسها الكنعانيون. أشك أن هناك الكثير وراء ذلك التفسير.
ابتداءً من الآية الثامنة والعشرين نَحصل على بعض المعلومات التي تبدو مألوفة بِشَكلٍ مُريب: قضى موسى أربعين يَوْماً وليلة (كان ذلك أربعين يَوْماً وليلة إضافية بعد آخر مَرّة صّعِدَ فيها إلى القمة) في حضرة الله، ولم يأكل أو يشرب خلال تلك الفترة أيضاً. قيل لنا أيضاً في عدد من الأماكن في الكِتاب المُقَدَّس، بما في ذلك مُباشرة من فَم موسى نفسه، أنه في وقت ما في المستقبل سيأتي "نبي مثل موسى" إلى إسرائيل. تبيّن أن هذا النبي لم يكن سوى يسوع الناصري، وقائمة أوْجُه الشّبَه بين موسى ويسوع طويلة وأكثرها وُضوحاً هو أن يسوع جاء كأعلى وسيط أرضي مُمْكِن بين الله والإنسان….. تماماً كما فعل موسى. أمضى يسوع أربعين يَوْماً بدون طعام أو شراب "في البَرّية"…. وهو بالضبط ما عاناه موسى، بل ويتوافق مع المكان الذي كان فيه. لقد أعطى يَهْوَة بني إسرائيل الجَسدَيين الشريعة المكتوبة على الحَجَر من خلال موسى، ومن خلال التأمّل والانْضباط الذاتي كان عليهم أن يَكتبوا هذه الشرائع على قلوبِهم (أي عُقولهم). أعطى يَهْوَة لبني إسرائيل الرّوحيين الحقيقيين نفس الناموس من خلال يسوع، لكنه كان مكتوباً بِشَكلٍ خارِق على قلوبهم. كان موسى أعْلى من رئيس كهنة بني إسرائيل وكان يسوع أعلى من رئيس كَهَنة بني إسرائيل.
الآن قيل لنا أن نوراً كان يشعّ من وجه موسى عندما نَزل من الجبل…… ليس نوراً مجازياً، بل نوراً مَرئياً حقيقياً يُمْكِن للشعب أن يلاحظه. لم يشعّ يسوع فقط نوراً روحياً، نوراً يُمْكِن للناس أن يروه بأعْيُنهم ويَكْتشفوه في أرواحهم، بل أنه كان نوراً.
عندما اقْترَب موسى من المُخيّم، رأى هارون وشعب إسرائيل اللّوحين الحَجَريين للناموس ورأوا النور المنبَعِث من موسى……فأصابهم الرُّعب. لذلك، منذ ذلك الوقت فصاعداً، قيل لنا أن موسى وضع حجاباً على وجهه ليَحْجب النور؛ وهذا يُعيدنا إلى الوراء إلى الوقت الذي كلّم الله فيه موسى والشعب كله وأخافهم بشدّة لدرجة أنهم تعاهدوا مع موسى ليكون المتحدّث بإسمهم؛ لم يُريدوا أن يَسْمَعوا صوت الله مَرّة أخرى، كما لم يريدوا الآن أن يروا نوره.
أتساءل: هل نريد حقاً أن نسمَع صَوْت الله ونرى نوره؟ لا أعرف مؤمناً يعترِف بأي شيْء آخر، لكني أعرِف ما كان اختياري الصادِق لسنوات عديدة، وأظنّ أن بعضكم كان أو ما زال بِنفس الحال. ربما نحن نُريد فقط أن نَسمع عن صوت الله ونُخبَر عن نوره. كان الله راغباً في أن يُخبر الشعب مباشرة، حتى أنه سَمَح لهم برؤية لمْحة من مجْده من خلال النور الخارِق للطبيعة المُنْبعث من وجْه موسى؛ لكن بني إسرائيل رَفضوا وفضّلوا أن يتم إخبارهم فقط عن الله من أو من خلال مَصْدر أو وسيلة وسيطة.
يُمْكِنكم أن تجلُسوا في هذا الفصل الدراسي وتستمِعوا إليّ؛ يُمْكِنكم أن تستمِعوا إلى الأشرِطة والموسيقى والتعاليم المسيحية أو تذهبوا إلى الكنائس والندوات الدّينية الى ما لا نِهاية وتَسْمعوا كل شيء عن الله؛ لكن لا شيء من ذلك بديل عن اخْتبار شخصيّ معه. بالإضافة الى ذلك، يُمْكِننا أن نقبَل القَوْل المُبْتذل اللاهوتي الذي يَتَحدّث عنه والترج كايزر الابن حيث قائمة قصيرة من التعاليم المُخْتصرة هي ما نتعلَمه في مؤسّساتنا الدينية؛ أو يُمْكِننا أن ندرُس كَلِمَة الرب بجدّية… الكِتاب المُقَدَّس الحقيقي… ونكتسِب المزيد من الفِهم. يُمْكِننا أن نَصل الى الله من خلال وسيط أو من خلال الكِتاب المُقَدَّس….. إنه خيارنا.
لنَنْتقل إلى الإصْحاح خمسة وثلاثين من سِفر الخُروج.
اقرأ الفصل خمسة وثلاثين كله
يبدأ هذا القُسم الأخير من أقْسام سِفر الخُروج السّتة، وهو القسم الذي يسمّيه إيفريت فوكس "بناء المَسْكن".
يَجمَع موسى، وقد وضع حِجاباً على وجهِه ليحْجُب الإشعاع المَرئي الناتج عن وجودِه في حَضرة الله، جماعة بني إسرائيل كلّها ليُعلن لهم كل ما أخبرَه به يَهْوَة خلال هاتين الفترتَيْن الزَمَنيّتيْن الّلتين استغرقتا أربعين يَوْماً ولكن هذا الإجْتِماع الرّسمي كان يَهدف إلى إحياء ذكرى تجديد أو بالأحْرى إعادة تأسيس العَهْد بطريقة علنيّة.
لقد ظلّ موسى يتلقّى التعليمات من الله من أجل بني إسرائيل لِمُدّة ثمانين يَوْماً….. مرّتين صّعِدَ الى الجبل لفَتْرتين مدة كل منهما أربعين يَوْماً؛ ونزِل بعد الفترة الأولى ليوقِف كارثة العِجل الذهبي. لا عجَب أن الأمَرَ استغرَق منه سنوات بِمُساعدة بعض الكتبة ليكتب كل ما قاله له الرب.
الآن كان من المُمْكِن أن يكون شيوخ بني إسرائيل ومُمثّلو الشعب هم الذين اجْتمعوا أمام موسى لِسَماع هذه المراسيم والتأكيد على تجديد العَهْد. كان من المُعتاد أن يكون الحاضرون هم القادة فقط؛ وبالإضافة إلى ذلك، لم يكن من المُمْكِن أن يُسمِع موسى نفسه لثلاثة ملايين شخص.
لنكُن واضحين: منذ عدة إصْحاحات كان يَهْوَة يوصي موسى بمُواصفات خَيْمَة الإجْتِماع والأثاث واحْتفالات تنصيب الكَهَنة وإقامة أعياد مُعيّنة وغير ذلك. الآن، مع ذلك، يتم نقْل التعليمات أخيراً إلى شعْب إسرائيل وأصْبحوا على وشَك البدء في البناء الفعلي. لا يسَع المرء إلا أن يلاحظ ما يتعلّق بالتعليمات الأولى: السبت. علينا أن نتعرّف على أولويات الله؛ وإذا لم يكُن واضحاً لك الآن أن السبت على رأس القائمة، فإما أنك لم تكُن هنا أو أنك لم تكُن منتبهاً.
في الآية الثالثة، أمَرَ الله ليس فقط أن لا يقوم بني إسرائيل بأي عمل في يَوْم السبت، بل حتى إشعال النار ممْنوع حتى لو كان ذلك تحت طائلة المَوْت. لماذا كان إشعال النار مُشكلة كهذه؟ كان السّبب الوحيد لإشعال النار هو إما للتّدفئة في أُمْسية باردة أو لاسْتخدامها في شكل من أشكال العمل. كان بإمكانهم التدْفئة بطُرُق كثيرة في البَرّية بدون نار، بِبساطة لم يكن البرد قارِساً حيث كانوا يعيشون، لكن كانت هناك حاجة إلى النار لمُعْظَم أنواع العمل؛ للطَهي وللفنون المَعدنية ولصُنع الأصباغ للأقمشة ولِطَبخ الأواني الفُخارية ومَجموعة واسعة من الحَرف اليدوية. بالنسبة لكم أيها الفيزيائيون، لاحِظوا ما هو جَوْهر النار: إنها تحويل المادة إلى طاقة. النار قوة تحويلية، وكان الله يأمَرَ بِحالة سُكون في يَوْم السبت. كان الاسْتخدام الوحيد المَسموح به للنار يَوْم السبت هو تقديم الذبائح وكان الكهَنة يقومون بذلك حَصْرياً في خَيْمَة الإجْتِماع.
الفِكرة هنا هي أنه كان يجب عدَم العَمل والراحة التامة والإتِكال على الله في يَوْم السبت. تذكّر أن العبرانيين كانوا يعيشون في ذلك الوقت بِشَكلٍ أساسي على المَنّ وأن الله أمَرَهم أن يَجمعوا ضُعف كميّة المَنّ اللازمة في اليَوْم السابق للسبت حتى يَتَمَكَّنوا من إعداده وتجْهيزه وأن لا يَضْطرّوا إلى جَمعه أو طبخه يَوْم السبت.
بعد مئات السنين، يقول يسوع لتلاميذه أن يَسْتريحوا فيه. علينا أن نَسْتريح في عمَل الله المُكتمل ونَعتمِد عليه. إن السبت هو الذي يؤسِّس هذا المبدأ ويُعطينا نموذجاً لما يُحاول أن يوصِله ذلك. كما ترون، في كثير من الطُرُق في أسْفار العَهْد القديم والعَهْد الجديد، يظهر لنا أن أعمالنا وجهودنا لتحقيق نوع من البرّ الخلاصي أمام الله هو أسوأ من عديم الفائدة…. هو مُسيئ. في الواقع عندما يقدّم الله الطريق، طريقه، لقداسَتنا، فهذا هو الذي يَجِب أن نَعتمِد عليه. ليس علينا أن نرْفضه ونعمَل على الطريق الخاص بنا؛ لا يجب علينا أن نُحاول اسْتخدام طريقه مع عَملنا. لا يُمْكِننا أبداً أن نُضيف إلى ما فعله الله؛ يَعني ان نفعل ذلك للتقليل من شأن ما فعلَه هو. قبل بِضعة إصْحاحات أخبر يَهْوَة بني إسرائيل أن الطريق ليكونوا مقدّسين في عَيْنيه هو أن يَحفظ السبت؛ فالسبت سيُغطي بني إسرائيل بقداسَته. لم يعطِ لبني إسرائيل خيار "ب" أو "ج. بِمَجيء المسيح، الطريق لنكون مقدَّسين في عَيْني يَهْوَة هو الإيمان بالمسيح….وهذه الثقة والإيمان سيَكونان قداستنا. إن جهودنا البَشرية لنكون مقدّسين، لنشقّ طريقنا نحو القداسة، هي بمثابة قذارة بالنسبة لله. لا يُمْكِنهم أن يَفعلوا شيئاً سوى تلويث وتَدْنيس الوَسيلة الوحيدة للقداسة التي قدَمها الله. راحة السبت وراحة المسيح هما الشيء نفسه والواحدة لا تلغي الأخرى ولا تُنهيها وليست إحْداهما بديلاً عن الأخرى.
ابتداءً من الآية الرابعة، يدعو موسى شعب إسرائيل إلى المُساهمة في بناء خَيْمَة الإجْتِماع وكل ما يَرتبط بها. ثم نرى موْضوعاً مهمّاً يتجَلّى في بقية هذا الأصْحاح: أولئك الذين كانوا راغبين وحُكماءهم الذين اسْتجابوا لدَعوة موسى للمُساهمة. تألّفت المُساهمة من فِئتين: العمَل والمواد.
توضِح الآية إثنين وعشرين أنه كان يجب إشْراك النساء في هذا الجُهد. الرجال والنساء على حدّ سواء……. كل من لَدْيه اسْتعداد للمُشاركة. في حين أن الرجال، في هذا المُجتمع الذّكوري النّموذجي في ذلك العَصْر، كانوا هم القادة المُعيّنين، إلا أن الرجال لم يَجْلسوا فقط ويأمُروا النساء. لقد عَملوا بأيديهم، جنباً إلى جنب مع النساء….. الرجال يَعملون في الحِرَف المألوفة للذكور في ذلك العَصر والنّساء تَعملْن في الحِرف المناسبة للإناث.
الآن، من هنا، من خلال سِفر الخُروج تِسْعة وثلاثين، سوف نتحَرّك بِسُرعة كبيرة، في المقام الأول مُجرّد قراءة الكتب المُقَدّسة؛ لأن هذا بِبَساطة تِكرار لأشياء درَسْناها من قبل.
اقرأ سِفر الخُروج ستة وثلاثين
الشعب الذي أعطى، أعطى بِسَخاء من أمواله، حتى اضْطرّ موسى أن يأمُر بوَقف العطاء! جَمَع أكثر مما يكفي. يُعجِبني ذلك. يُعجِبني حقاً أن موسى لم يكن لَديه قائمة لا نِهاية لها من الأشياء التي يَجب أن يَفعلها بأموال الشعب. لقد أمَرَ الله بما أراده أن يَفعل، وهكذا ذهَب موسى إلى الشعب ليَجمَعوا ما يَحتاجونه فقط. ليس بِشَكلٍ غير كافٍ ولكن ليس أكثر من الحاجة.
أنت تعرِف أن الكنيسة مَجْموعة مُبدِعة وكبيرة من الناس. يُمْكِنني ويُمْكِنك أن نتخيّل أشياء رائعة نَفْترض أن الله يريدها أن تتمّ…. بِلا حُدود تقريباً؛ ولكن، عندما نُراجع الكِتاب المُقَدَّس، لا يبدو أن الأمْر يَسير على هذا النحو. إن إخْلاصنا ونِيّتنا الطّيبة وطاقَتنا ووُجْهة نَظَرنا بالنسبة للرّحمة والكرم لا تُحتسب لنا شيئاً. يُمْكِننا أن نقوم بأجمل الأعْمال والأكثر لُطفاً ولكن، كأبناء لله، مُخَلّصين بالنّعمة، إن لم نَكن مَدفوعين من الله تحديداً للقيام بها، فإن ما نقوم به لا يَحْمُل قيمة أبديّة ولا يتمّ في الملكوت الذي نَنْتمي إليه الآن….. مَلَكوت الله. إنه مُجَرّد عمل دُنْيَوي آخر من أعمال الإنسان التي سَتَحترق مع كل الأعمال الأخرى.
في كثير من الأحيان، وخاصة في أمريكا الغنيّة، يُنظر إلى مُساهمتنا بِشَكلٍ حصري تقريباً على أنها مال. هنا في سِفر الخُروج، نرى أن أمْوالنا وأوقاتنا هي التي تشكّل مُساهمتنا. لا تظنّوا رجاءً أنني أنتقِد أولئك الذين يُساهمون بالمال لا بالوقت. إذا كان هذا هو ما تَعرفون أن الله يقودكم إليه، فبكًل الوسائل أطيعوه. لدى اليهود وجهة نظر مثيرة للإهتمام إلى حدّ ما حول ماهيّة المُساهمة بالمال في عمل الرب؛ فهم يرون أنه عَمل مجمّد، أي أن عَملك، أي وقتك، يتم تمثيله وتَخْزينه ضُمن قيمة المال الذي كَسِبته من عَملك. لذا، عندما يَحين الوقت لتقديم مُساهمة ومال، فأنت في جوْهر الأمْر تقدّم عملاً كان مخزّناً ومجمّداً، ولكن، قبل كل شيء، وبغضّ النّظر عن مُساهَمَتنا، يجب أن تكون مُساهمتنا مُعيّنة من الله وكما جاء في سِفر الخُروج، فإن الرّاغبين والحُكماء هم الذين يَستمعون إلى الله ويَفعلون ما يأمُر به. سَيُعيّنك الله للمُساهمة من وقت لآخر؛ لكنّه لن يأخذُها منك. لن يكلّف الله سُلُطات كنيسَتكم بِمُراقبة عطائكم، فيُشَجّع الواهبين الكبار ويَضع الذّنب على المُتكاسلين.
كل ما نُعْطيه هو مُساهمة بإرادة حرّة، اليَوْم…… كما هو الحال هنا في سِفر الخُروج. إنه ليس ذبيحة….أي أن عَطاءنا ليس جِزءاً من نِظام الذبائح كما كانت مُعْظَم العَطاءات في أيام موسى ويجب أن تُعطى بإرادتك، وليس بإرادة شخص آخر. مع ذلك، فالرّجل الحَكيم (والمرأة الحكيمة) هو الذي يُطيع الله عندما يسمَعه يَدعوه للمساهمة…..الوقت أو المال أو كليهما.
اقرأ سِفر الخُروج سبعة وثلاثين كلّه
لاحظ أنه بينما نَحصل على سَرْد تفصيلي لبناء خَيْمَة الإجْتِماع، والذي يبدأ بِهَيْكل المَسْكن نفسه، أي، كما هو الحال في أي جُهد للبناء، يبدأ بالجزء الخارجي ويشقّ طريقه إلى الداخل. المرْحلة الأخيرة، بالطبع، هي تأثيث الهَيْكَل المُكتمل. لكن في الإصْحاحات السابقة، عندما كان الله يُعطي موسى التعليمات، كان الأمَرَ عَكْس ذلك. بدأت تعليمات الله بالأثاث والعناصر الداخلية ومن ثم إلى الخارج، إلى الهَيْكَل.
إذا دقّقْنا عن كَثب، بقيَت بعض التفاصيل مُهْمَلة. ينْصَبّ التركيز في هذا الجزء من سِفر الخُروج على أن الشعب ينفّذ أوأمِرَ الله بالفعل وليس كما في الأجزاء السابقة عندما كان الله يفصّل المخططات والخطط حول ما كان يجب أن يُبنى.
سنُكمل في الأسبوع القادم دراستنا لسِفر الخُروج.