20th of Kislev, 5785 | כ׳ בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » الخروج » الدرس الواحد والثلاثون – الإصحاحان ثلاثة وثلاثين وأربعة وثلاثين
الدرس الواحد والثلاثون – الإصحاحان ثلاثة وثلاثين وأربعة وثلاثين

الدرس الواحد والثلاثون – الإصحاحان ثلاثة وثلاثين وأربعة وثلاثين

Download Transcript


خروج

الدرس الواحد والثلاثونالإصحاحان ثلاثة وثلاثين وأربعة وثلاثين

دَعونا نَكون واضِحين جِدّاً في مَوْقف بني إسرائيل مع الله في هذه الّلحظة في سِفْر الخروج: لقد الْتغى العَهْد الموسَوي ولم يَعُد سارياً، وبالتالي فإن عِلاقة بني إسرائيل مع الله قد انْقَطَعت؛ وكل ذلك نتيجة عِبادة الأوثان للعِجل الذّهبي.

إن نتيجة انْتِهاك بني إسرائيل لبَعض شُروط العَهْد الموسوي لن تكون نهاية أو إلغاء بني إسرائيل كشعب الله المُختار، لأن الرب أعاد تأسيس نفْس العَهْد مع موسى عندما صَعِد موسى إلى الجبل مع مجموعة جديدة من الألواح الحّجَريّة. لا نرى شَرْح ذلك حتى سِفْر التّثْنية.

اقرأ الإصحاح ثلاثة وثلاثين كلّه

يعطي يَهوَة، في الآية الأولى، أوامر لموسى بأن يَضرب بنو إسرائيل المُخيّم ويمْضوا قُدماً. ما زالوا في أسفل جبل سيناء وهم هناك منذ سنة تقريباً. لقد أُعْطِيَت الشريعة وأُعْطيَت التعليمات الخاصة بخَيْمَة الله وحان الوقت الآن للمضيّ قُدماً نحو هَدفهم: أرض الميعاد، أرض كنعان. هذه هي الأخبار السارة، أما الخبر السّيئ هو أن عقاب انْتهاك بنو إسرائيل للعَهد هو أن الله لن يَسْكن بَيْنَهم. مع ذلك، بِرَحمَته العظيمة، سيُرسل الله ملاكاً أمام بني إسرائيل ليَطرد الكِنعانيين والعَموريين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين قبل وُصول بني إسرائيل.

يقول الله للشعب أن يَنزَعوا حُليهم، أي ألا يَلْبسوا أيّاً من حُليهم، وهذا يدلّ على أمرَيْن بالنسبة للعبرانيّين: واحد) يَقترِن الحُليّ بالفرح، وهذا ليس مَطلوباً بالنظر إلى ما حدث. يجب أن يكونوا في حالة حِداد لفُقدانهم حُضور الله وعَهْده بِسبب أفعالهم. إثنان) كانت الحُليّ هي التي استُخدمت في صُنع العِجل الذهبي في المقام الأول. لم يَكُن ذلك ما كان من المُفْتَرَض أن يُستخدم من أجله…… كانت الحُليّ نتيجةً لنَوع من الإنتقام الإلهي الذي أمَر الله المَصريين به عندما أمر يَهوَة بني إسرائيل "بِتجريد مصر" أثناء مُغادرتهم وكانت المعادن الثمينة، في جِزء منها، ستكون ضرورية لمَسْكن الله.

في الآية السابعة، قيل لنا أنه عندما كان موسى يَنصُب الخَيْمَة، كان يفعل ذلك خارج مخيّم بني إسرائيل، والآن، دعونا نفكّر في ذلك لِدقيقة؛ هناك بعض الجوانب المُثيرة للإهتمام هنا، أودّ أن أشير إليها. أولاً وقبل كل شيء، مُعظم المُفسّرين يجعلون هذه الخَيْمَة هي خَيْمَة الإجتماع التي أقامها الله وعلى الرغم من أن كَلِمَة "خَيْمَة الإجتماع" غير موجودة في هذه الآيات، قرّر العديد من المُترجمين أن هذا هو المقصود هنا، لذلك أدخَلوا الكَلِمَة.

لديّ مشكلة مع فِكرة أن خَيْمَة الإجتماع كانت موجودة في ذلك الوقت.

أولاً، لا يبدو التَوْقيت صَحيحاً. حتى الآن، كل ما تمّ تقديمه هو تعليمات حول كيْفيّة بناء خَيْمَة الإجتماع. لا يوجد دليل على أن خَيْمَة الإجتماع قد بُنيَت بالفعل. لقد عَطّلت حادثة العجل الذهبي كل شيء. لن يتم بناء خَيْمَة الإجتماع إلا بعد أن يَصعد موسى إلى الجبل لاستلام مجموعة ثانية من الألواح، وبالتالي فإن الله قد فصَل نفسه عن بني إسرائيل لأن العَهْد الذي يَجعلهم شعبه غير موجود فعلياً.

ثانياً، الكَلِمَة المُسْتَخْدَمة في هذه الآيات لِوَصف ما نَصبه موسى هي بالعبرية "اوهيل"……هذه الكَلِمَة تعني "خَيْمَة.وتُستخدَم في عدّة مواضع في هذا الإصحاح، وهي الكَلِمَة الوحيدة المُسْتَخْدَمة للإشارة إلى ما نصبَه موسى خارج المخيّم وتُستخدَم أيضاً عندما يقال لنا أنه كلّما رأى بنو إسرائيل موسى مُتّجهًا نحو خَيمَته، كانوا يَقِفون خارج خَيْمتهم.

ثالثاً: هل هذه إشارة إلى أن موسى هو الذي نَصبَ الخَيْمَة بالفعل. نحن نعلم أن الأمر كان سيَتطلّب مئات ومئات من الناس لنَصْب خَيْمَة الإجتماع، والآية بِبَساطة لا تُعطينا انطِباعاً بأنه كان هناك غير موسى، وربما معظم أفراد عائلته المُباشرين، شاركوا في نَصْب الخَيْمَة.

وأخَيْراً، نحن نعلم من سِفْر العدَد وسِفْر التثنية أنه عندما نُصبت خَيْمَة الإجتماع، أحاطت بها القبائل بِترتيب مُحدّد لِغاية سَبَق أن ناقشناه. في هذا الترتيب، فإن خَيْمَة الإجتماع ليست فقط داخل المُخيّم بل هي مَرْكز المخيّم ومِحْوَره.

أعْتقد أن الخَيْمَة المُسْتَخْدَمة هنا كانت مؤقتة. ربما كانت مجرّد خَيْمَة عادية. في الواقع ربما كانت على الأرجح خَيْمَة موسى الشخصية. لقد قيل لنا في الآيتين التاسعة والعاشرة أن السَّحابة كانت تتمَرْكز عند مَدخل الخَيْمَة، بينما فيما بعد، عندما نعلم يقيناً أننا نتحدّث عن نموذج الله المَرسوم للخَيْمَة السّماوية، أي خَيْمَة الإجتماع، كانت السّحابة تحوم فوق الخَيْمَة. إذن، هناك شيء مُختلف هنا.

نرى أيضاً أن يوشع لم يُغادر داخل الخَيْمَة أبداً. بالتأكيد لم يَكُن هذا هو الحال مع خَيْمَة الإجتماع؛ لأن الكَهَنة واللاويين فقط هم الذين كانوا يستطيعون دخول خَيْمَة الإجتماع، ويوشع لم يَكُن لاوِياً….. كان من سَبَط أفرايم. في الواقع، سيُقال لنا فيما بعد أن أي شخص آخر غير الكَهَنة من لاوي كان يُقتَل إذا كان له أي علاقة بخَيْمَة الإجتماع. كيف سُمح لموسى بالدخول؟ لقد كان لاوياً.

ما يُعطينا صورة عن ذلك هو أنه عندما كان يَحتاج موسى إلى الإجتماع مع يَهوَة كان يفعل ذلك خارج الخَيْمَة، بينما بقِي يسوع مُنفصلاً عن موسى والله بالبقاء مُخْتَبِئاً داخل الخَيْمَة.

الآن، السؤال المَنطِقي هو، كيف أخبرَ الله موسى على جبل سيناء أنه يحتاج إلى بناء هذه الخَيْمَة المُتْقنة والمُفصّلة لحُضوره إذا كان سيُقيم مع البشر، ثم اسْتدار والتقى بموسى أمام خَيْمَة عادية؟ زَعْمي هو أنه لم يَكُن هناك شيئاً مقدّساً في جَوْهره في خَيْمَة الإجتماع ولا أي شيء آخر مَخلوق. لقد أعْلن الله بِبَساطة أنه كان مُقدّساً، ولم تكن الخَيْمَة من أجل الله، بل كانت من أجل الشعب؛ حتى يَطمئنوا بشكل مرئي من حُضوره تعالى؛ حتى يُمكِن تذكيرهم بِناموسه وقَداسته، حتى لا يُخطئوا؛ وكانت أداة تعليمية مهمّة….ربما أكثر بالنسبة لنا، اليوم، من بني إسرائيل في ذلك الوقت.

يُمكِن أن يقوم الله ويُعلن أن الغرفة التي نحن جميعاً حاضرون فيها مقدّسة، وهذا هو الأمر. أعتقد أن الله أعلن أن الخَيْمَة القديمة العادية التي كان يَجتمع فيها مع موسى في ذلك الوقت كانت مُقدّسة. تذكّروا أن كل شيء انْقلب رأساً على عَقب في سِفْر الخروج نتيجة لانْتهاك بني إسرائيل للعَهد. لقد قَطَع بنو إسرائيل علاقتهم مع الله؛ وهكذا أزال الله حُضوره مع بني إسرائيل، وكان حُضوره معهم هو كل ما يُميّز بني إسرائيل في المنطقة عن أي شخص آخر. بينما كان من المُفْتَرَض أن يكون داخل مخيّم بني إسرائيل في المنطقة الطاهرة، وخارج المُخيّم هو المنطقة النجِسة، ولكن لا يوجد داخل المُخيّم منْطقة طاهرة الآن. المِنطقة الطاهرة الوحيدة هي تلك البُقعة الصغيرة، بعيداً عن المكان الذي كان يُخيّم فيه بنو إسرائيل، حيث نَصب موسى تلك الخَيْمَة المؤقتة وذهب لِلقاء الله. إن فِكرة أن تكون داخل أو خارج المُخيّم لها معنى فقط في السّياق الحالي بِمعنى أن الرب إما أن يكون في وسَط بني إسرائيل أو لا يكون. وفي الوقت الحالي الرب ليس في وسَط بني إسرائيل، لذلك فهو ليس داخل المخيّم.

حسناً، مُعضلة صغيرة أخرى: تقول الآية الحادية عشرة أن موسى والربّ تكلّما وَجْهاً لِوجه كَصديقين. ولكن فيما بعد، في الآية عشرين، يقول الله: لا أحد يستطيع أن يرى وجه الله، بمن فيهم موسى. كيف نتعامل مع هذا التناقُض الظاهر؟ سأتعمّق في هذا الأمر بعض الشيء، لأن هذه العبارة "وجْهاً لِوجه" ستَرِد في التوراة…… وفي العديد من هذه المرّات تُشير إلى أن الله يتحدّث إلى موسى.

هناك كَلِمَة عبرية مُستخدمة هنا، يُمكِن أن تعني الحُضور أو الوجه…..وهي "بانيام". يُمكِن أن تعني وَجه، تماماً كما نعتقِد نحن….إنسان أو حيوان….. أو يُمكِن أن تُشير إلى "حُضور". أنا شخصياً، على الرغم من أن ليس كل مترجِم للكتاب المقدس ولا كل باحِث يتّفق معي، أعتقد أن ما يقال لنا هنا هو أن موسى كلّم الله "وجهاً لحُضور"، وجه موسى، حُضور الله. هذا يعني أن روح الله كانت حاضرة، كانت قريبة…..ولكن من بعيد. لم تكُن مُحادثة موسى مع يَهوَة كما كانت الصلاة في ذلك الوقت، التي سمَحت للإنسان بالتواصُل مع الله من بعيد……أي أن الإنسان على الأرض والله في السماء….مفصول. حقاً إن تواصُل موسى "وجهاً لحُضور" مع الله لا يُمكِن تمييزه تقريباً عن حياة الصلاة في العَصر الحديث للمؤمن منذ يوم أحد العُنصرة عندما حلّ روحه ليَسْكن فينا. لأن حضور الله حاضر فينا دائماً….. نحن لا نتكلّم معه من بعيد….. نحن نتكلّم معه "وجهاً لِوجه كَصديق" لأنه قريب. لدَينا امْتياز مُشابه جِدّاً لما اختَبَره موسى.

هناك أيضاً اعْتبار آخر: كان تعبير "وجْهاً لِوجه" يُستخدم في ذلك اليوم كتعبير عبري ويُمكِن أن يعني شَيْئين: أولاً، يُمكِن أن يكون بِمعنى مُحادثة حادّة….. ربما أقرَب إلى المناقشة الحامية…… أو حتى أفضل من ذلك، المُساومة الصّعبة. إذا كنت قد زُرت الشرق الأوسط من قبْل أو شاهدْتَ في أي وقت مضى فيلماً تلفزيونياً عن سوق شرقية، فسترى الناس يَتَجادلون بصوتٍ عالٍ وأيديهم تتشابك وتعبُس وجوههم ويبدو أنهم غاضبون من بعضهم البعض. هذه هي ثقافتهم البَحتة وطريقتهم في إدارة الأعمال والمُفاوضات، ولا يَظهر الغضب بأي شكل من الأشكال. يفعل اليهود نفس الشيء عند مُناقشة العقائد والشرائع الدينيّة اليهودية. المعنى الثاني هو أن أحد الطرفين يُظهر غضباً بالفعل. من الصّعب جِدّاً معرفة في الكتب المقدّسة ما إذا كانت المواجهة وجْهاً لوجه تدلّ على مجرّد الحضور أو المُساومة الشديدة أو الغضب. الأمر كلّه مُرْتبط بالسّياق، وهو أمرٌ ثقافي أيضاً.

مع ذلك، في الآية عشرين، الاعْتقاد السائد بين علماء اللغة العبرية هو أنه عندما يقول الله لموسى أنه لا يستطيع أن يرى وَجْهه، فإن الأمر يتعلّق بالوجه كما نفكّر في وجه الإنسان، أكثر مما هو حُضور عام. إذاً، الآية الحادية عشرة هي عن حُضور الله، بالطريقة التي نفكّر بها في حضور الروح القدُس غير المنظور في يومنا هذا؛ والآية عشرين هي عن وَجه الله الذي يبدو أنه يُمكِن أن يكون مَرْئياً لعُيون البَشر.

إلا أن هناك تلميح قويّ إلى أن المواجهة وَجْهاً لِوجه في الآية الحادية عشرة تتضمّن أيضاً فِكرة المُناظرة الحادّة. لأنه ابتداءً من الآية الثانية عشرة، نحصُل على هذا الحِوار التقليدي على طريقة الشرق الأوسط بين الله وموسى. موسى يسأل والله يقول ما الذي عليه أن يَفعله. يعارِض موسى ويُقدّم اقتراحاً. يقول الله لا. يُحاول موسى أن يَجعل الله يرى الأمر على طَريقته. في النهاية يُوافق الله.

الآن، في الآية التاسعة عشرة يقول الله أنه سيُظهر لموسى صَلاحه وأنه سيُعلن إسم الرب أمام موسى. فقط حتى يكون لنا نفْس التفكير: ما يقال في الواقع هو "سأعْلن إسم يَهوَة"….. لا إسم الرب. يقول الله إنه سيقول إسْمه الخاص، الذي هو يَهوَة.

يَكشف الله عن طبيعته لموسى؛ في ثقافة الشرق الأوسط، الكَشْف عن إسم المرء يعني الكَشْف عن شَخْصيّته لأن الإسم والشّخصيّة مُرتبطان ارْتباطاً عُضوياً. الله أقدَس من أن يَنظر موسى إلى وجْهه. الله رحيم وكريم. ولكن، هو من سيختار من هو رحيم وكريم لـ….. فالإنسان لا يُقرّر مثل هذه الأمور.

ينتهي الإصحاح الثالث والثلاثين بأمْر من يَهوَة لموسى أن يقف في صَدع، صَدع في صَخْرة، وأن يُغطي الله بِنفْسه عَيْني موسى حتى لا يرى وجْهه. لكن، بعد أن يمرّ الله، يستطيع موسى أن يرى ظهْره. ماذا يعني ذلك؟ لا أعرف….. كل ما قَرأته، يهودياً كان أو مسيحياً، غير مُرضٍ تماماً ويصِل إلى حد الرمزية. لذا، لِنَترك الأمر عند هذا الحدّ.

لننتقل إلى الإصحاح الرابع والثلاثين.

اقرأ الإصحاح أربعة وثلاثين كلّه

إذا كان الأصحاح إثنان وثلاثين يتحدّث عن نَقْض علاقة العَهْد بين الله والإنسان، والاصحاح ثلاثة وثلاثين يُبيّن ما يَحدُث عندما يُبطَل العَهْد، فإن الإصحاح أربعة وثلاثين يتحدّث عن إعادته؛ أو كما يُسَمّيه إيفريت فوكس القسم الخامس من أقسام سِفْر الخروج الستة، وهو قسم الكفر والإستعادة.

يأمُر يَهوَة موسى بقَطَع لوْحين من الحَجَر وإحْضارهما إلى قمّة جبل سيناء. بما أنه قد مضى وقت قليل منذ أن تحدّثنا عن موقع المكان الذي كان يحدُث فيه كل ذلك، فقد يكون هذا وقتاً مُناسباً لتذْكيركم بأن جبل الله هذا يَحمل إسماً آخر؛ فبالإضافة إلى سيناء يُسمّى جبل حوريب…… فهُما واحد. أودّ أيضاً أن تتذكّروا أنه من غير المعقول أن يكون مَوْقع جبل سيناء في شبه جزيرة سيناء. إن المَوْقع التقليدي لِجبل سيناء، حيث بُني دَيْر سانت كاترين وحيث يأتي آلاف الحُجّاج المَسيحيين سنة بعد سنة لتصوّر موسى والوصايا العشر، يتحدّى وصف الكتاب المقدس والاحْتمالات الجُغرافية. لنتذكّر كيف أن هذا الموقع بالقرب من الطرف الجنوبي لسيناء، قد تمّ الإعلان بأنه جبل الله: كان قُسْطنطين، إمبراطور روما في القرن الرابع، قد أصبح مسيحياً وأعلن المسيحية كدِيانة مُصرّح بها من قِبَل الحكومة، وبالتالي دِيانة قانونية داخل الإمبراطورية الرومانية. كانت والدته هيلانة أيضاً قد اعْتَنَقت المسيحية وكان كل من الأم والإبن عُرضة للرؤى. يوجد تقريباً في كل مَوقع توراتي في إسرائيل دَيْر أو كنيسة كاثوليكية بُنيَت عليه بأمر من هيلانة لإحياء ذِكرى حَدَث ما يتعلّق بالمسيح. بِشَكل عام تقريباً، لم تَكُن هذه المواقع المُحدّدة تحمُل أي واقع تاريخي مَعروف؛ لم تتّفق هذه المواقع مع آباء الكنيسة الأوائل أو الحاخامات اليهود، بل إن هذه الاختيارات التي ترسّخت الآن في التقليد المسيحي كانت نتيجة أحْلامها ورؤاها. جبل سيناء هو أحد هذه المواقع. قد يَعتقد المرء أنه لو كان مَوقع جبل سيناء الحقيقي هو المَوقع الذي اختارته هيلانة لكان اليهود قد قَدّسوه كثيراً لقُرون قبل أن تكون هي موجودة. لم يَعرف اليهود شيئاً عن أن هذا المَوقع هو جبل سيناء.

من المثير للإهتمام في غلاطية أربعة على خمسة وعشرين، يَذكر القديس بولس أن جبل سيناء في الجزيرة العربية ويَذكر يوسيفوس أيضاً أن جبل سيناء في الجزيرة العربية، وكذلك فيلو. لنتذكّر أيضاً أنه قبل أن يَذهب موسى إلى مصر لتحرير الشعب، عندما كان لا يزال راعي غنم في مِديان، انْجذَب إلى علّيقة كانت مُشتعلة على جبل في مديان. يَذكر الكتاب المقدّس بشكل لا لُبس فيه أن نَفْس الجبل الذي التقى فيه موسى بالله لأول مرة، عند العلّيقة المُشتعلة، هو الجبل الذي أُحْضر إليه بنو إسرائيل عندما غادروا مصر؛ مِديان في شبه الجزيرة العربية. لقد حارَب بعض العلماء المَسيحيين التقليديين هذا القول بأن سيناء كانت تُعتبَر جزءاً من شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت. هذه مجرّد تكهّنات غير دقيقة وتكهّنات دون أي دليل على ذلك. لم يتم العثور على دليل واحد أو توثيق دليل واحد يُشير إلى شيء من هذا القبيل. هذا مَحْض خيال؛ لكن من الموثّق جيّداً أن مصر كانت تُسيْطر على سيناء في زمن موسى وأن مِديان كانت في شبه الجزيرة العربية. يُحاول بعض العلماء أيضاً أن يفسّروا بولس ويوسيفوس بالقول إن ذِكر جزيرة العرَب لا بد أن يكون مَجازياً أو اسْتعارياً. بالطبع الإسْتعارة والمَجاز هما في صَميم سبب انْحراف الكنيسة عن مَسارها على مدى القرْنَيْن الماضِيين وكيْف يُمكِن أن تكون آلاف الطوائف المسيحية التي تشكّلت بالفعل والتي من المُفْتَرَض أنها تسْتنِد جميعها على نفس الوثيقة المُشتركة..…الكتاب المقدس….، ولكن غالباً ما تحمُل مُعْتقدات وآراء مُتَباينة على نِطاق واسع. ذلك أنه، بما أنه تم أخذ الكتاب المقدس بِكلِمته (أخذه حرفياً) عادة ما يَنسف عقائد الكنيسة الغربية الأمَمية التي سَعت إلى تخليص المسيحية من كل ما هو يهودي، أصبح جَعل الكتاب المقدس مَجازياً واستِعارياً هو حَلّهم؛ فأصبح الأعلى مجازاً للأسفل وبنو إسرائيل مجازاً للكنيسة والشرق مجازاً للشرّ وغرب الجزيرة العربية مجازاً لسيناء. هراء. لقد نظرنا في وقت ما إلى طريق الخروج، والمنطقة التي يقول بولس ويوسيفوس أن جبل سيناء يقع فيها، ووجدنا مكاناً لا يُطابق فقط وصْف الكتاب المقدس بل وُجدَت أدلّة أثريّة على إقامة بني إسرائيل هناك وكان ذلك المكان في الجزيرة العربية. بالمناسبة: هذا أمر لا يدعو إلى الانْزعاج الشّديد. إن كَوْن جبل سيناء كان في الواقع في الجزيرة العربية لا يُغيّر شيئاً في شرائع الله وطُرُقه، أو في المسيح أو في إيماننا: إنه فقط مثير للإهتمام أن نعرف كيف بدأت بعض التقاليد ويُمكِننا أن نتساءل عن سبَب اختيار الملايين من الناس قبول الأساطير بدلاً من الحقيقة.

بالعودة إلى الألواح الحَجَريّة؛ يقول الله أنه سيَكتب (أو من الأفضل أنه سَيُعيد كتابة) الوصايا العشر على هذه الألواح الجديدة لتحلّ محلّ الألواح التي حَطّمها موسى عندما رأى تمرُّد الشعب الشّنيع على يَهوَة حين بنوا ذلك العِجل الذهبي. تذكّروا أن تَحْطيم موسى لتلك الألواح كان عادة شرق أوسطية للإشارة إلى أن اتفاقًاً أو عهداً بين طرفين قد انتُهك وبالتالي فإن اللوح الذي كانت شروط العَهْد قد دُوِّنت عليه تم كسْره بالفعل بشكل احْتفالي.

نزِل يَهوَة في سحابة إلى حيث جاء موسى، وكما يظهر لنا ذلك مرة أخرى، سواء كان ذلك على الجبل أو قريباً في خَيْمَة الإجتماع، فإن حُضور الله لم يَكُن هناك في كل الأوقات؛ كان يأتي ويذهب.

الآن، في نهاية الإصحاح السابق، الإصحاح الثالث والثلاثين، كان موسى قد طلب رؤية مَجد الله وكان الله على اسْتعداد لتلبِيَة طلب موسى……. إلى حدّ ما. الإجابة على السؤال عن المكان الذي سيَقِف فيه موسى ويَنظر إلى مَجد الله الذي سيمرّ به قد تمّت الإجابة عليه الآن: قمّة جبل سيناء. الصّخرة التي كان موسى سيَختَبئ في صَدعها بينما يمرّ جوهر الله المنظور كان في قمّة الجبل المقدّس. دعونا نلقي نظرة على ذلك لِلحظة.

ما يحدُث في الآيتين السادسة والسابعة هو أن يَهوَة يُعلن شخصيّته لموسى. اليوم، نحن نعتبر هذا أمراً مفروغاً منه….. إذا كنا قد حضرنا كنيسة أو كنيس يهودي، نَكون قد تعلّمنا عن محبّة يَهوَة ورَحْمته وما إلى ذلك؛ ولكن هذه الآيات القليلة مهمّة جِدّاً ومِحْوَرية جِدّاً في الديانة العبرانية لدرجة أنها أصبحت جزءاً من الليتورجيا اليهودية في المستقبل وتُعرف بإسم "صفات الله الثلاثة عشر". يقول يَهوَة لموسى أن جَوْهره تعالى هو الرّحمة والمحبّة والصبر والأمانة وأنه مُخلص لِمن فصَلهم. إن الحفاظ على الوفاء إلى الجيل الألف، في الآية السادسة، هو تعبير عِبري يعني بِبَساطة إلى الأبد. إلا أن يَهوَة يقول إن عدالته تقتضي أنه لا يُمكِن أن يدعو المذنب، بريئاً. في الواقع، ستؤثر خطايا الآباء على نَسلهم حتى الجيلين الثالث والرابع، بل إن الله سيجْعلها تؤثر على الجيلين الثالث والرابع. الآن، لماذا الجيلين الثالث والرابع؟ لأنه، في تلك الأيام حيث كانت العائلات الموسّعة تعيش معاً منذ الولادة وحتى الوفاة، كانت الوِحدة العائلية النموذجية تحتوي على ثلاث وأربعة أجيال….. لذلك فهو يُشير إلى الأسرة بأكملها. بعبارة أخرى، كان من المعتاد أن يبقى الأجداد والآباء والأمهات والأبناء جميعاً في وحدة عائلية واحدة… يعيشون ويعمَلون معاً. لذا، عندما كانت خطايا الجدّ الأكبر، على سبيل المثال، تُعاقب، كان من الطبيعي أن يؤثر ذلك على بقيّة أفراد الأسرة. في ثقافتنا، في عصر ما يُسَمّيه الديموغرافيون بالعائلة النوويّة، أي أن الوالدين وأولادهما المُباشرين فقط يُشكلّون أسرة واحدة، وحدة عائلية من جيليْن، فإن الأمر يعمل بنفس الطريقة…..وللأسف مُعظمنا كبير بما فيه الكفاية ليَعرف أنه عندما نُخطئ يتمّ تأديبنا على خطايانا أو يَسمح الله بالعواقب الطبيعية لخطايانا، فإن ذلك غالباً ما يضرّ بالعائلة بأكملها.

هذه الحقيقة المفهومة تماماً لعَيْش ثلاثة وأربعة أجيال معاً، هي التي سمحت لعبارة "إلى الجيلين الثالث والرابع" أن تُصبح تعبيراً عبرياً يعني في الأساس "على المدى القصير". إذاً هذه الآيات تتناقض مع أن الرب سيُظهر اللطف إلى الأبد لأولئك الذين يُحبّونه ويُطيعونه، ولكنه سيجعل عواقب خطيئة الشخص قصيرة الأجل نسبياً.

لقد ذَكرْت في عدَد من المناسبات مَبْدأ في الكتاب المقدس لطالما كان مُهِمّاً، لكنه لم يَكُن في الواقع في مقدّمة اهتمامات الكنيسة أو أمّتنا في هذا الشأن حتى السنوات الخمس أو السِّت الماضية والمَبْدأ هو أن: هناك طريقتان فقط يُمكِننا من خلالِهما مَعْرفة من هو إلهنا غير المنظور: إسمه وخصائصه. لقد أُعطينا للتو العديد من خصائص الله وصِفاته وقد ارتبط إسمه بشدّة وثبات بتلك الصفات…… في الواقع كان الله نفسه هو الذي نطق بإسْمه "يود-هي-اف-هوهيَهوَة، وكشَف عن صفاته لموسى. من الواضح أن هذا لم يَكُن المقصود به قائمة شاملة لكل ما هو الله….. ولكن في الحقيقة، ماذا نحتاج أكثر من ذلك؟

اليوم، هناك جَدَل مُسْتمر داخل الكنيسة حول ما إذا كان ادّعاء المُسلمين بأن إلههم الله هو بِبَساطة نفس إله المسيحيين واليهود، يَهوَة. لقد ألقَيْت حديثاً حول هذا الموضوع منذ بعض الوقت وخلاصَة القول، بعد دراسة القرآن الكريم وإجراء بعض الأبحاث المُسْتَفيضة، أنا مقتنع بأن الله لا يُمكِن أن يكون يَهوَة. لماذا؟ أولاً، ليس لهما نفس الإسم. يولي الكتاب المقدس أهمية كبيرة للأسماء…. وخاصة إسم الله وإسم المسيح. لقد مالت الكنيسة إلى اعتبار أن الأسماء لها مكانة غير مُهمّة في عقيدتنا…..وهذا ينتابُنا من جديد. لا، الله ليس ترْجمة عربية لكَلِمَة يَهوَة. الله هو إسم إله القمر العربي الذي يبلغ عمره أربعة آلاف عاماً تقريباً، وهذا بِحدّ ذاته ينفي أي علاقة بين يَهوَة والله.

ثانياً، الله ويَهوَة ليس لهما نفس الصِّفات. خُذْ كل صِفة من الصِّفات الثلاثة عشرة التي نَطق بها يَهوَة عن نفسه هنا في سِفْر الخروج أربعة وثلاثين وسَتجِد ما يقابل تقريباً، إن لم يَكُن بالضبط، تلك الصّفات المَنسوبة لله في القرآن الكريم، وهو المُقابل الإسلامي للكتاب المقدس. إذا لم يَكُن لهما نفس الإسم أو نفس الصِّفات، فمن المُضحك أن نعتقد إنّهُما نفس الإله. علينا أن نَنْتبه أكثر إلى أسماء الكتاب المقدس وأعياده وأوقاته وأيام السبت؛ وعندما نفعل ذلك سنفهم بشكل أدقّ بكثير من هو الله وما هو عليه، ونتجنّب عواقب خلْط الحق بفلسفات البشر والأديان الباطلة، خاصة في أيامنا هذه التي تدعو إلى التّسامح والسّلام بأي ثمن.

لنَعُد إلى هاتين الآيتين مرّة أخرى، الآيتان السادسة والسابعة. عندما ننْظر إلى بعض الكلمات الرئيسية في العبرية الأصلية يُمكِننا أن نكتَسِب بعض الفِهم الأعمَق. أريد أن أستبْدل بعض الكلمات العبرية التي يعرِفها مُعظمُكم الآن بترْجَمتها الإنجليزية في الآية ستة؛ هكذا تُقرأ هذه الآية حرفياً "مَرَّ يَهوَة أمامه ونادى: "يَهوَة، يَهوَة، إيل (El) رحيم ورؤوف ولا يغضب بسرعة وفائض باللّطف" … وهكذا دواليك. ما أحاول أن أوضِحه لك هو أنه لعدّة أسباب تقليدية لا تنطُق الترجمات الإنجليزية إسم الله في الواقع، بل عندما يُكتب إسم الله ((YHWH، يَهوَة في الأصل، يَكتب المُترجمون الله أو الرب. الله والرب ليسا إسمين. في مجتمعنا نتعامل أيضاً مع الألقاب والأسماء كأشياء مُنْفصلة: السّيد أو السّيدة ليس إسماً، أليس كذلك؟ وكذلك الدكتور أو عضو الكونغرس. بيكي إسم وجيري إسم والملك والرئيس ليسا إسْمين بل ألقاب غير شخصية.

لذلك عندما يَنطق الله بإسمه، فهو شيء شخْصي للغاية. لذلك لا ينبغي أن يكون مفاجِئاً أنه في الآية الخامسة عندما تقول أن الله نَطق بإسمه، أن نَحصل على هذه العِبارة التي أعْطَيْتكم إياها للتو حيث يَستخدم إسمه الرسمي: "يَهوَة، يَهوَة، إيل هو رحوم…."

لاحظ أيضاً استخدام الكَلِمَة العبرية "إيل". إيل هو لقَب للإله الأعلى في أي مجموعة آلهة. إيل ليست كَلِمَة تُستخدم فقط ليَهوَة. إيل هو لقب كانت مُختلف الديانات الوَثنية تُطلقه على أي من آلهتهم العديدة التي يَعتقدون أنها فوق كل الآلهة الأخرى. لذا فإن المفهوم هو "الله فوق الآلهة الأخرى"، لذلك سنرى بانْتظام في الكتاب المقدس تعابير "إله الآلهة" أو "رب الأرباب" أو "ملِك الملوك". هذه كلّها تعابير عن مفهوم مُصطلح "إيل".

إسْمحوا لي أن أذكّركم أيضاً أنه في حين أن مُعظم نِسخ الكتاب المقدّس (الترجمات) تَستخدم أحياناً يَهوَة كإسم لله (وهي محاولة مقبولة إلى حدّ معقول لنُطق إسمه في الكتاب المقدس)، فإن هذه النسخ نفسها سَتَسْتَخدم هذا الإسم في أي مكان من أربعة أو خمسة، وربما خمسة عشرة أو عشرين مرّة في سِفْر التَوراة بأكمله. لكن إسم الله في اللغة العبرية الأصلية، (YHWH)، "يَهوَة"، مكتوب أكثر من ستة آلاف مرّة!

الآن، هل فَعل الله كل ذلك بصورة فُجائية؟ لا، كان هذا استجابة لِطلب موسى في الإصْحاح السابق (ثلاثة وثلاثين) حيث قال في الآية الثالثة عشرة: "…. الآن أرِني طُرُقِك…"، ثم في الآية الثامنة عشرة: "أتوسّل إليك أن تُريني مَجْدك".

نَنْتقل عند نُطق الله بإسْمه وصِفاته لموسى ومُرورِه أمامه، يًسْتغل موسى هذه اللحظة لمُناشدة الله أن يُعيد العلاقة المقطوعة مع بني إسرائيل. سَقط على وجهِه أمام يَهوَة ووافق على تقييم يَهوَة، وتوسَل من أجل الترميم. هناك، هناك بالضبط، هو النموذج بالنسبة لنا للتقرّب إلى الله عندما نَعلم أننا ارْتكبنا إثماً ضدّه. أولاً، نُدْرِك الخطيئة التي ارتُكبت، وثانياً نَعترف بتلك الخطيئة لله ونتّفق معه على أنها خطيئة، وثالثاً، نَطْلب الإصلاح….المَغْفرة. الآن حقيقة أن جميع خطايانا قد غُفرَت بالفعل ودُفع ثمنها بسبب عمل المسيح المُكتمل لا يغيِّر ما يجب أن نفعله.

لا يزال علينا أن نذهب أمام يَهوَة كل يوم ونَعترف بِخطايانا له (لأننا ما زلنا نفعل ذلك، نُخطئ، أليس كذلك؟)، ونَطلب الغُفران. ولكن على عكس موسى الذي كان عليه أن يَنْتظر جواباً….. نعم سأغفُر، لا لن أفعل…… نحن متأكدون من أننا مغفور لنا عندما نعترف بقلوب تائبة. الآن افهموا كم أن هذا جذري. كان الناس في أيام موسى، وحتى أيام المسيح وما بعده، غالباً قلِقين وخائفين بشأن ما إذا كان الله سيَغفر خطيئة ارتكبوها أم لا. عندما كان يُخطئ أحدهم كان الأمر يتطلّب طقوس ذبيحة للتكفير عن خطيّته. إذا لم تتم ذبيحَتهم بِشكل صحيح أو إذا لم تتم خلال فترة زمنية مُعيّنة…… أو إذا لم يَكُن الكاهن الذي ساعَدهم طاهراً بِشكل طقوسي أو إذا حدَث خطأ من قائمة طويلة من الأخطاء الإجرائية المُحتملة الأخرى….. فإن الذبيحة قد لا تُقبل من قبل يَهوَة، وبالتالي لا يُمنح الغفران. لم يَكُن الشعب متأكداً على الإطلاق، في كثير من الأحيان، ما إذا كان قد غُفرَ لهم أم لا؛ وهكذا حَمَلوا عبئاً رهيباً. ليس لدى المؤمنين هذه المُشكلة….. بِفضل يسوع.

الآن يجب أن نلاحظ بأكبر قَدر من الرّصانة، أنه بينما يَغفر الله لبني سرائيل في خروج أربعة وثلاثين ويُعيد العلاقة مَعهم، فإنه لم يوافق بعد على أن يَسْكن بَيْنَهم، ولم يبدأ من جديد في تسمِيَة بني إسرائيل "شعبي". بعض الإمتيازات التي أُعطيت مجّاناً لبني إسرائيل والعلاقة الحميمة بين الله والعبرانيين ستظل مفقودة لفترة من الوقت. هذا هو تأديب الله في العمل وهو نتيجة ضرورية لِخَطيئتهم على الرغم من أنهم غُفر لهم أو سَيُغفر لهم. إن هذه العقيدة الإنجيلية الحديثة بين بعض الطّوائف بأن المسيحيين يُمكِن أن يُخطئوا بدون عاقِبة (بدون تأديب أو عِقاب) هي عقيدة خاطئة وبدون سَنَد في الكتاب المقدّس او العَهْد القديم او العَهْد الجديد. الغُفران هو الغُفران والعواقِب هي العواقِب. أحدُهما لا يُنهي الآخر.

في الآية العاشرة، يُعيد الله العَهْد الذي نَقَضه مع بني إسرائيل بردة العجل الذهبيّ، ولكنّ يَهوَة يوضّح أنّ هناك شرطين على بني إسرائيل أن يُطيعهما لكي تتحقّق وعود الله لهم في هذا العَهْد: أوّلاً، كما قيل في الآيات من إحدى عشرة الى ستة عشرة، على بني إسرائيل أن لا يَختلِطوا مع الكَنعانيّين ويتورّطوا في عِبادتهم للأصْنام. ثانياً، هناك العديد من الشّعائر التي حَدّدها الله والأوقات المُعيّنة (كما هو مُبيّن في الآيات من سبعة عشرة الى ستة وعشرين التي يجب عليْهم أن يحافظوا عليها دائماً.

بالصيغة نفسها التي أُعْطي بها العَهْد في البداية، يقول الله: إن فَعَلتم ذلك سأطْرد الكنعانيّين والحثّيّين والفرزيين والحويّين واليبوسيّين من الأرض التي سأعطيكم إيّاها. إلا أن يَهوَة يقول، لا تَجرؤ على إبرام عهد آخر، معاهدة سلام، مع أي من هؤلاء الناس…..أو أي قبيلة أخرى تَسْتوْطن أرض كنعان، الأرض التي يُعطيها الله لبني إسرائيل. على بني إسرائيل أن يَقَطَعوا عَهداً مع يَهوَة فقط، بل على بني إسرائيل أن يُدَمّروا مذابح كنعان القُربانية؛ ويُحَطّموا نُصبهم الحَجَريّة العَمودية …. فالنّصُب الحَجَريّة كانت نُصباً تذكارية للإله…… وأن يقَطَعوا أعِمدة أشجارهم (شيء أقرب إلى أعمدة الطوطم، التي كانت أصناماً). من المثير للإهتمام أن الكَلِمَة المُسْتَخْدَمة هنا والتي غالباً ما تُتَرجم إلى أعمدة الشجر أو الأعمدة المُقدّسة وفي بعض النّسخ "بساتين" (الترجمة الأكثر حرفية)، هي بالعبرية "عشيرة"، أو حرفياً "أشيريم"، وهي صيغة الجمع. أشيريم هو المكان الذي يأتي منه إسم عَشْتوريث؛ وتُسمّى الإلَهة عَشْتوريث هذه أيضاً عشتاروت، وفي ثقافات أخرى تُسمّى عشتار. عشيرة، عشتوريث وعشتروت وعشتار كلها تشير إلى نفس الشيء: عبادة آلهة الخُصوبة.

كلّما وقع بنو إسرائيل في عبادة الأوثان كانوا يَبْدؤون بإشراك الإله القمر أو إلهة الخصب في عبادتهم لأن هذا الإله وهذه الإلهة كانا مُكرّمين عالمياً. لم يتوقّف العبرانيون عُموماً عن عبادة يَهوَة، لكنهم أضافوا إلهاً آخر أو إلهَيْن آخرَيْن إلى هذا المزيج. أليس من المثير للإهتمام أنه بِقَدر ما لا تستطيع الكنيسة مقاومة تعيير إسرائيل القديمة بعِبادة الأوثان التي كانوا يَعبدونها، فإننا نحن المسيحيين قد تَبنّينا نفس الإسم المُستخدَم في الكتاب المقدس لإلِهة الخَصب الوثنية هذه (التي يُسَمّيها الله فحْشاء) لاستخدامِه كإسْم ربما لأقدس أيامنا المقدّسة: عيد الفصح. هذا صحيح؛ عيد الفُصح هو مجرّد إسم أنجلوسَكْسوني لِعشتار؛ كان عيد الفصح هو إلهة الخُصوبة الأنْجْلوسَكسونية (لهذا السّبب يَستخدم احتفالنا بعيد الفصح الحديث الأرانب وبيْض عيد الفصح لأن الأرنب كان غالباً رمزاً لإلهة الخُصوبة وكان البَيْض – البُوَيضات – رمزاً للخُصوبة نفسها). علينا أن نفكّر طويلاً في هذا الأمر وفي كيْفية نُشوء العديد من تقاليدنا الأخرى التي نتمسّك بها ونعتزّ بها ونُعظّمها.

والآن في الآية الرابعة عشرة، مع حادِثة العِجل الذهبي التي لا تزال حاضِرة في أذهان الشّعب، يُكرّر الله أمرَه بأن لا يَسجد العبرانيون لأي إله آخر. في الآية الخامسة عشرة يقول يَهوَة لبني إسرائيل بأنكم إذا قَطَعْتم عَهداً….. أي عَقدْتُم معاهدة….. مع أي من هذه القبائل المُختلفة التي تعيش في أرض كنعان، فإن ذلك سَيؤدّي بكم إلى مُنحدَر زلِق شديد. بالطبع، في الأسْفار التي تلي التوراة مُباشرة، سنرى يوشع وآخرين يفعلون بالضّبط ما نهى الله عنه هنا؛ يَعقدون معاهدات سلام مع العديد من هذه القبائل الكنعانية. كما ترون ما فعلَه بنو إسرائيل هو تجاهُل تعليمات الله لِصالِح ما اعْتقدَت عقولُهم الطّبيعية أنه مسار أفضل للعمل. في بعض الحالات عَقَدوا مُعاهدات تسمَح للملوك الكنعانيين بالإستمرار في السّلطة إذا دَفعوا جِزية وضرائب لبني إسرائيل في المقابل. مَن الذي لا يُريد مالاً مَجانياً ودخْلاً إضافياً قليلاً؟ بالإضافة إلى أن هذه هي الطريقة التي كان العالم كلّه يَعمل بها منذ الأزَل. غالباً ما يختار الفاتِح إبقاء المَلك في السّلطة إذا كان ذلك مُربحاً وفي حالات أخرى ظنّ بنو إسرائيل أنهم كانوا يُظهِرون المحبّة والرّحمة بِعَدم إخراج الناس من الأرض التي قال الله إنهم سيَخرُجون منها. بالتأكيد سيَتَفهّم الله قرارهم ويَحترمه في رَغبتهم الصادِقة في أن يكونوا لُطفاء ومُحبّين، أليس كذلك؟ لقد كانت نتائج هذه العَقلية كارِثية ولا تزال عواقِبها مُستمرّة حتى يومنا هذا، هذا العُصيان لأوامر الله الصّريحة التي تعود إلى أيام موسى ويسوع، هو المسؤول إلى حدّ كبير عن الفوْضى التي يَشهدها الشرق الأوسط.

لا أريد أن أُبالغ في الوَعظ، ولكن إذا كانت هناك دعْوة لكنيسة الله لأن تكون مُتَصلّبة، فإن هذا القسم من سِفْر الخروج هو ذلك. يَهوَة ليس إلهاً للتّسامح الدّيني. يَهوَة ليس إلهاً للتّسوية والتوافق. يَهوَة لا يُكرّم إخلاصنا أو تعريفنا الدنيويّ للمحبّة فوق أوامره. لقد قيل لنا في الآية الرابعة عشرة (وهذه ليست المرّة الأولى التي نواجه فيها هذه العبارة) أنه إله غَيور ولن يَتسامح مع عِبادة إله كاذِب. لقد أخبرَ شعبه للتو ألاّ يَخْتلطوا بالوثنيين لأنه من المحتَّم أن يَرغبوا في إقامة عِلاقات جيّدة مع هؤلاء الناس وهذا سَيتضمّن بالضرورة تَسْوية؛ ويَستخدم الرب لغة شديدة الّلهجة عادة ما يُخفِّف من حِدَّتها الأشخاص المُهذبون الّذين تَرجموا لنا الكتاب المقدس، ولا يرغبون في الإساءة إلى قرُّائه. على سبيل المثال، يُسمّي الله فعل قبول الآلهة الوثنية في وسَطك "عُهراً" وكلنا نعرِف معنى ذلك.

يقول العالم الحديث الآن أنه في هذه الأوقات العَصيبة التي تواجهها البشرية، يقع كل شخص على هذا الكوكب في إحدى الفئتين: مُتسامح أو مليء بالكراهية؛ فإن لم تَكُن أحَدهما، فأنت الآخر. إسْمعني جيّداً: هذا مَبْدأ شَيْطاني وليس مَبْدأ إلهي. لا يجب على شعب الله أن يكون مُتسامِحاً على الإطلاق مع الآلهة الكاذبة، مثل الله؛ أو أن نَعلن ما يُسَمّيه الله شَرّاً على أنه خَيْر، مثل الشُذوذ الجّنسي أو الإجْهاض؛ أو أن ننْحَني لرَغبات الوثنيّين وعاداتهم، مثل مُشاركتهم في أعيادهم المقدّسة مثل عيد الهالوين، كل ذلك من أجل أن نوافِقهم. من ناحية أخرى لا يجب أن يكون ردّنا هو الكراهية أو العُنف؛ ولا أن نَخرج عن طريقنا لخَلق الفِتْنة والاضْطراب. يجب أن نَكون نوراً لا سَيْفاً. لُطفاء لا لُؤماء، ولكن النور الوحيد الذي لدَيْنا هو نور مُخلّصنا؛ وإذا تسامَحْنا أو قَبِلنا أو احْترمْنا أو شاركْنا بِطُرُق خُصومه، فهل نتوقّع حقاً أن يتمجّد الله في ذلك؟ عندما فعل بنو إسرائيل هذا الأمر بالذات، في البرّية، أزال الله حُضوره عنهم، وتوقّف عن السّكن بَيْنَهم بل وتوقّف عن قِيادتهم. هل نعتقد بِصُدق أن شخصيّة الله قد تغيّرَت وسوف يتسامَح الآن مع مظالِه في العصْر الحديث حيث يُقيم روحه القُدّوس (نحن!) ويُطارد (أو كما تقول هذه الآيات، يصِف بالزِّنى) طُرُق العالم؟

علينا أن نتعلّم أن نقِف بِثَبات ونُدْرِك أن السّلام مع الله ليس هو نفْسه السّلام مع العالم. في الواقع، إنّهُما في عَصْرنا هذا مُتضادّان؛ ومِثلما كان على بني إسرائيل أن يَفعلوا في اسْتيطانهم لأرض الميعاد، كان عليهم أن يختاروا أحَدهما أو الآخر، وليس حلّ وسَط بين الإثنين. سَنواصل مع الإصحاح الرابع والثلاثين في الأسبوع القادم.