20th of Kislev, 5785 | כ׳ בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » الخروج » سفر الخروج الدرس الثالث – الإصحاحان اثنان وثلاثة
سفر الخروج الدرس الثالث – الإصحاحان اثنان وثلاثة

سفر الخروج الدرس الثالث – الإصحاحان اثنان وثلاثة

Download Transcript


سفر الخروج

الدرس الثالث الإصحاحان اثنان وثلاثة

في الأسبوع الماضي، تمّ تَمهيد الطريق لنا، وكذلك الأمر بالنسبة للشخصيات الرئيسية. لقد تناولنا حالة بني إسرائيل في مصر….. كعُمّال عبيد مضطهدين… وما وضعَهم في هذه الظروف …. لأن ملك مصر الجديد لم يَحترم ذكرى يوسف أو وعوده.

وعلاوةً على ذلك، عَلمنا أن هذا الملك الجديد كان مصريًا، وليس من سلالة الملوك الساميين المهزومين الذين حكموا قبل فترة قصيرة من مجيء يوسف إلى مصر، ولمُدة مِئة وخمسين سنة تقريبًا بعد وصوله.

كان هذا الفرعون الجديد قلقًا، بطبيعة الحال، بأن الأجانب…… أي أولئك الذين ليسوا من أصل مصري…… لن تُتاح لهم الفرصة مرة أخرى لحكم مصر، مما تسبب في مثل هذا الإذلال العظيم. وبما أن المصريين كانوا من سلالة حام، على عكس العبرانيين الذين كانوا من سلالة شام، فقد كانت هناك اختلافات عرقية واضحة وجليّة جدًا بين المجموعتين. والدليل على ذلك أنه بينما اندمج عدد قليل من العبرانيين في الثقافة المصرية التقليدية اليومية، فإن الجزء الأكبر منهم تمسكوا بالثقافة الإسرائيلية ذات المعالم المختلفة نوعًا ما.

ومع مذاق الاستعباد المرير الذي عانى منه المصريون المولودون بالفِطرة على يد الملوك الساميين، والرخاء الذي تمتع به هؤلاء العبرانيون، ورغبة الحكام المصريين في إعادة مصر إلى الساحة العالمية كأمة قوية، قرر فرعون أنه يجب السيطرة على السكان العبرانيين وحاول تحقيق ذلك من خلال تخفيض أعدادهم ومن خلال استعبادهم ليكونوا عمال بناء للأمة.

يُرجى قراءة سفر الخروج الثاني بكامله

تقدم الآية واحد لنا بعض المعلومات المهمة؛ وهي أن رجلاً من بيت لاوي تزوج امرأة من نفس "البيت". وبعبارة أخرى، كان الزوج والزوجة من نفس القبيلة، لاوي. ولكن، لا تنشغلوا كثيرًا بهذا الأمر. في ذلك الوقت، كان هناك على الأرجح حوالى مئة ألف ألف لاوي يعيشون في مصر، لذلك كانت الجينات وفيرة. ومع ذلك، سنكتشف أن والدي موسى كانا على ما يبدو قريبين من بعضهما البعض. في الوقت الحالي، سيكون والدا موسى في المستقبل مجهولين. سنكتشف لاحقًا أن الأم اسمها يوكابد، والأب اسمه عمرام. قبل أن يولد موسى، أنجب والداه طفلين آخرين: مريم وهارون. تذكروا طوال ما تبقى من دراستنا للتوراة، أنّ موسى كان من قبيلة لاوي. سيُساعد ذلك في تفسير الكثير من الأحداث المتعلقة بموسى. وبالمناسبة، حتى هذه اللحظة، لم يُشر الكتاب المقدس إلى أن لاوي كانت ستصبح قبيلة مقسمةً ومخصصةً ……قبيلة الكهنة.

إذًا، في هذه اللحظة، بأي طريقة كان ينظر بها بنو إسرائيل إلى أنفسهم، فقد كان هناك ثلاثة عشرة قبيلة من قبائل إسرائيل لأن يوسف قد حصل على ضعف الحصة بإدراج ابنيه كقبيلتين إسرائيليتين كاملتين. عندما نتحدث عن ”قبائل إسرائيل الاثنا عشرة“، فلنتذكر أن هذا القول غير دقيق، لأن عدد القبائل، ومن كانوا أفرادًا فيها، اختلفوا على مدى مئات السنين.

لذا، نرى أن موسى قد وُلد في ظل مرسوم فرعون بالموت الفوري لجميع المواليد العبرانيين الذكور، وأن والديه استطاعا إخفاءه لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا؛ ولكن بعد ذلك رأيا أنه من المستحيل أن يحافظا على وجوده سرًا أكثر من ذلك. هل كانا يعتقدان أنهما كانا بحاجة إلى اتخاذ بعض التدابير الاستثنائية لمحاولة إنقاذه لأنهما كانا يعرفان بطريقة ما أن هذا الرضيع سيصبح في يوم من الأيام مخلص إسرائيل؟ لا يوجد ما يشير إلى ذلك على الإطلاق.

عندما وضعوا موسى في تلك السلّة العازلة للماء ووضعوه في النيل، لم يكن ذلك بسبب وحي؛ بل كان ذلك بإيمان بسيط ويومي في الله بأن مصير هذا الطفل ….. مهما كان، الموت أو الحياة ….. كان بين يديه القدوستين.

في اللغة العبرية للنص الأصلي هناك العديد من المفارقات والصلات بين الظروف المحيطة بميلاد موسى، وبعض الأحداث القياسية السابقة الواردة في الكتاب المقدس. وبطبيعة الحال، لم يغض الحكماء والحاخامات الأوائل النظر عن هذه الروابط. الأول هو أنّ الآية اثنان، تقول إنّ أمّ موسى رأت "جماله" فأخفته لمدة ثلاثة

ثلاثة أشهر. في الواقع، ما تقوله العبرية الأصلية هو أنها رأت كيف كان موسى "توف". "توف"، بالعبرية، تعني "حسن". إن قول "جميل" ليس بالضرورة خطأ، لكنه يخفي الرابط الذي بدأ بين موسى وأعمال الله السابقة في الكتاب المقدس.

تذكروا، أنه في سفر التكوين واحد، بعد كل جزء من جهد الخلق، ينطق الله عبارة "حسن". . ومباشرةً يتضح أن ولادة موسى ذاتها كانت تحت تأثير إلهي، وسيكون لها هدف عظيم.

صنعت أم موسى مهدًا عائمًا من نفس المادة التي كانت تُصنع منها قوارب نهر النيل التقليدية: قصب البردي. أحكمت غلقه بقطران طبيعي….. مرة أخرى بنفس الطريقة التي كانت تُعزل بها قوارب نهر النيل ضد الماء….. ثم وضعت موسى بداخله.

تُطلِق بعض الكتب المقدسة على قارب النجاة الصغير هذا اسم سلة، والبعض الآخر يسميه تابوت. الكلمة العبرية المستخدمة هنا هي "تيفه"، وهي مستخدمة في سياقين فقط في الكتاب المقدس بأكمله: الأول يشير إلى السفينة الضخمة التي بناها نوح، والثاني هو هذا القارب الصغير هنا في سفر الخروج. الترجمة العربية الصحيحة لكلمة "تيفه" هي "السفينة".

أما كلمة "سلة" أو أي كلمة أخرى فتخطئ الهدف، لأنه من المفترض أن نرى العلاقة بين سفينة نوح وسفينة موسى.

لاحظوا الأغراض المتوازية لهاتين السفينتين: في سفر التكوين، كان من المقرر أن يهلك البشر بطوفان مياه عالمي، وقد ارتأى الله أن يكون نوح وعائلته هم منقذو البشرية فوضعهم بأمان في "تيفه" ليطوفوا فوق مياه الطوفان. وفي مصر، كان من المقرر أن يهلك جميع الأطفال الذكور من بني إسرائيل بالغرق في النيل، ولكن الله ارتأى أن موسى هو منقذ بني إسرائيل فوضعه في "تيفه" ليعبر فوق الماء. لا توجد قصة رمزية

هنا. بل هو نمط ونوع وضعه الله. هنا يستخدم الله الماء والسفينة كعنصرين رئيسيين لأنواع الخلاص الأولى؛ النوع الأول يُستخدم لخلاص البشرية بشكل عام، والنوع الثاني لخلاص العبرانيين.

والآن، هناك سؤال مهم في هذه المرحلة، ماذا عن سفينة أخرى ستكون ذات أهمية في سفر الخروج؛ تابوت العهد؟

ألا ينبغي أن يكون الموضوع مرتبطًا بسفينة موسى وسفينة نوح؟ بالتأكيد لا! في الواقع سيكون ذلك تمثيلاً رمزيًا، ولكن قصة لطيفة. بادئ ذي بدء، الكلمة العبرية المستخدمة للتابوت في تابوت العهد، هي ”أرون“. وهي تعني الصندوق، أي مكان لتخزين شيء ثمين. ومن المثير للاهتمام أن كلمة ”آرون“ تُستخدم بطريقة واحدة أخرى فقط، ومرة واحدة أخرى فقط في الكتاب المقدس: فهي تُستخدم لتعني ”التابوت“. وهي تشير فقط إلى موت يوسف، وتحنيطه، ووضعه في تابوت.

أعتقد أننا من المفترض أن نرى شيئًا رمزيًا، هنا، نفس المصطلح بالضبط، "آرون"، يستخدم لوصف كل من المكان الذي وضع فيه يوسف ليرقد في قبره، وكذلك الوعاء المبني خصيصًا لحمل اللوحين الحجريين الأصليين (المكتوبين بإصبع الله) للوصايا العشر. بصراحة، لست متأكداً ما إذا كانت الرمزية لها علاقة ربما بالقيمة الكبيرة ليوسف عند الله التي تتساوى مع القيمة الكبيرة للوصايا العشر؛ أو إذا كانت ترمز إلى شيء ذي طبيعة نبوية……شيء سيظهر في وقت ما في المستقبل. من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه في سفر الرؤيا، في نفس الوقت تقريبًا الذي يتم فيه العثور على تابوت العهد ووضعه في الهيكل الجديد، تظهر أيضًا قبيلة يوسف فجأة. هل يمكن أن يكون هذان الحدثان المستقبليان متصلان، وقد أُعطينا تلميحًا لذلك من خلال استخدام كلمة ”آرون“ في كلا السياقين؟ سيخبرنا الوقت بذلك.

لا شك أن السفينة الصغيرة التي حملت الطفل موسى بين القصب الطويل على طول ضفة النيل، قد اختيرت بعناية حتى تكتشفها الأميرة المصرية التي كانت تستحم بانتظام في نفس المكان. عند العثور على "الوعاء" وتفقده واكتشاف الطفل الرضيع الذي كان يبكي بداخله، طغت غرائز الأميرة الأنثوية…. وصممت على إنقاذ هذا الطفل من مصيره المحتوم. عرفت على الفور أنه طفل عبراني، لكن ذلك لم يشكل فارقًا بالنسبة لها على ما يبدو.

لدينا مفارقة كبيرة هنا، أليس كذلك؟ ابنة الرجل نفسه الذي أمر بإبادة هؤلاء الأطفال الذكور العبرانيين هي التي خلَّصت هذا العبراني الذي اختاره الله لتحرير إسرائيل. والأهم من ذلك، أن مخلّص إسرائيل سيتربى في بيت فرعون نفسه.

والآن، أسرعت مريم، أخت موسى الكبرى التي شاهدت هذا المشهد، إلى ابنة فرعون لتعرض عليها امرأة عبرانية لتكون ممرضة للطفل الرضيع؛ وقد فعلت الأميرة الشيء العملي الوحيد الذي كان بإمكانها فعله، لقد قبلت بالعرض.

والآن، وفي مفارقة أخرى لا يمكن أن يدبرها إلا الله، يُعاد الرضيع موسى إلى أمه، محمولاً في أحضان أخته……والآن الأم تتقاضى أجرًا من الأميرة لكي تقوم بإرضاع وتربية هذا الطفل الذي كان ابنها في المقام الأول. والمال الذي يدفع لهذه الأم العبرية يأتي من خزينة الفرعون الذي أمر بموت هذا الرضيع نفسه……وآلاف آخرين مثله. كم أحِب الطريقة التي يعمل بها الرب!

والآن، تشرح الآية عشرة أن "الطفل كبُر"، ثم أعيد إلى الأميرة كطفلها. لا بد أن تلك اللحظة كانت حلوة ومرّة بالنسبة ليوكابد، لأنه كان عليها أن تتخلى عن طفلها؛ ومعها كان ليكون نصيبه العبودية. أما مع الأميرة فستكون حياته ملوكية.

لا يعطينا الكتاب المقدس عمرًا محددًا، ولكن بشكل عام يُعتقد أنه في تلك الأيام كان الرضيع يُرضع حتى عمر ثلاثة سنوات على الأقل، على الرغم من أن خمسة سنوات على الأرجح رقمٌ أكثر واقعية……وهناك أدلة كثيرة على عمر أكبر. في الواقع، في المجتمعات القبلية اليوم، متوسط عمر الفطام هو أقرب إلى ستة أو سبعة سنوات! إذًا، كان موسى بعمر طفل في الروضة عندما ذهب ليعيش في القصر الملكي؛ وهذا يعني أنه كان يعرف عائلته جيدًا، ولا شك أنه كان يتقن لغته العبرية الأم عندما أُعيد إلى الأميرة. لا بد أن أخذه من أسرته وتسليمه للأميرة كان حدثًا مؤلمًا لموسى الصغير. كان ليكون لديه ارتباطٌ بأمه، وبنمط الحياة العبرية. لا يمكن للمرء إلا أن يتخيل التوتر النفسي الذي نتج عن انتزاع هذا الطفل الصغير من حياة انطبعت كليًا في روحه، ونقله إلى حياة جديدة مختلفة تمامًا… وتتعارض مع المكان الذي أتى منه. سيتحول الأمر في النهاية إلى إحباط وغضب.

وكما اتضح، فإن موسى قد حصل على اسمه بعد عودته إلى الأميرة؛ ولم يكن هذا الاسم في البداية اسمًا عبرانيًا، بل مصريًا. ولكن، كما يحدث في الشعوب المختلطة، فإن الاسم المصري موسى، استقطبه العبرانيون في النهاية وجعلوه جزءًا من مفرداتهم العبرية؛ وهو يعني في العبرية "مُستخرج". أما في المصرية فهي كلمة شائعة ذات معنى مختلف: "طفل" أو "ابن". لذا، بينما نقول بالعربية "موسى"، فإن الكلمة في العبرية هي "موشيه"، وفي المصرية "موسى". ولذلك، سنرى العديد من أسماء الفراعنة تشتمل على نفس الكلمة، موسى، إلى جانب التقليد المتبع في العالم القديم بإضافة اسم إله إلى اسم الابن كنوع من الامتنان لإله أو آخر. عندما ننظر إلى عهود الفراعنة سنرى أسماء مثل رع-موس (والتي عادة ما تُكتب رعمسيس) …..تعني "ابن الإله رع"، أو تحوت-موس…..وتعني "ابن الإله تحوت" (والتي غالبًا ما نراها مكتوبة توت عنخ آمون، أو كما نعرفها نحن، الملك توت) ….. أو بتاح-موس…..تعني "ابن الإله بتاح".

بين الآيتين عشرة واحدا عشرة، كما يحدث كثيرًا في الكتاب المقدس، نقوم بخطوة مفاجئة أخرى إلى الأمام في الزمن…. في هذه الحالة حوالى خمسة وثلاثين سنة. لم يُذكر أي شيء عن نشأة موسى، ولكن من السهل إلى حد ما استقراء ذلك من الكم الهائل من السجلات المصرية التي تم اكتشافها فيما يتعلق بالحياة الملكية. في حين أنه كان سيحصل على أرقى مستويات التعليم والتدريب العسكري وأفضل الطعام والشراب، وسيتعرّف على بروتوكول البلاط الملكي، ولكن كانت ستُمنح له على مضض. على عكس ما ورد في فيلم تشارلتون هيستون، لم يكن باستطاعة موسى إخفاء بداياته العبرية. كان المصريون يعرفون أنه عبراني متواضع بمجرد النظر إليه؛ والأهم من ذلك أنه كان يعرف أنه عبراني. وبنفس القدر من الأهمية كان بني إسرائيل يعرفون من هو موسى….. وبالنسبة لهم، بغض النظر عن دمه العبري، هو الآن مصري…… مصريًا مكروهًا. لم يكن موسى ليحظى بالترحيب الكامل من أي من الطرفين. بعد أن رفضه الإسرائيليون والمصريون على حد سواء، وبعد أن حوصر موسى وأحبط، قام موسى أخيرًا باللجوء إلى العنف.

ذات يوم، رأى مشهدًا مألوفًا تمامًا: مصري يضرب عبدًا عبرانيًا. من المؤكد أن موسى قد شهِد هذا الحدث مئات المرات قبلاً. ولكن، هذه المرة، سيثور ويأخذ الأمور على عاتقه ويقتل المصري ويدفنه. وبعد ذلك بقليل، يرى اثنين من العبرانيين يتشاجران، فيأخذ الأمور مرة أخرى على عاتقه ويحاول أن يفصل بينهما ويلعب دور الحكم. يلتفت المعتدي إلى موسى ويسأله عن سبب تدخله… وإذا كان سيقتله كما فعل مع المصري.

أوه. اصفرّ وجه موسى. فقد رأى شهود جريمته، وكانت مسألة وقت فقط قبل أن تكتشف السلطات المصرية ما حصل. كان قتل أي مصري، مصريًا أو أجنبيًا، يحمل في طياته حكمًا بالإعدام. وعرف موسى أنه لم يكن أمامه خيار سوى الهرب. وهرب بالفعل…..عبر الحدود المصرية في جوشين، إلى سيناء، ثم عبر خليج العقبة، إلى أرض ميديان. لماذا ميديان؟ ربما لأنه لم يكن لسكانها علاقات سياسية مع مصر. كانت سيناء أرضًا يسيطر عليها المصريون في المقام الأول؛ فقد بنوا مواقع عسكرية على طول الطرق التجارية العادية التي كانت تعبُر شبه الجزيرة الصحراوية الشاسعة، وأقاموا معاهدات مع العديد من الدول التي كانت تحدّ منطقة سيناء. كانت خيارات موسى من حيث العثور على ملجأ محدودة للغاية.

اتّصفت حياة موسى بالعزلة والوحشة: فهو مُطارد من فرعون، ومرفوض من العبرانيين. استُبدلت حياته الملكية في القصر الملكي بحياة ساكن للصحراء….. ساكن صحراء هارب. هنا سيخوض موسى تجربة البرية لوقتٍ طويل قبل التجربة التي سيقود إسرائيل إليها. مثل أجداده، موسى….. انفصل عن شعبه……وأصبح موسى الآن مقولبًا ومُعدًا بيد الله الإلهية غير المرئية، في أرض غريبة، في جدول زمني يحدده الله.

سكان موطنه الجديد، ميديان، كانوا من نسل محظية إبراهيم كيتورا…. إذًا كان موسى وشعب ميديان أقارب. بما أننا سنمر على الميديانيين في عدة نقاط في الكتاب المقدس، دعوني أوضح بإيجاز أن الميديانيين لم يكونوا في الواقع أمة من الناس، بل اتحاد كونفدرالي من خمس قبائل. لم يعيشوا في دولة ذات سيادة تسمى ميديان، ولكنها كانت مجرد منطقة تحدد موقع هذه القبائل الخمس؛ وبالتالي، فإن جميع القبائل الخمس كانت تسمى قبائل ميدانية….. أي أنهم كانوا من منطقة ميديان؛ ولكن، كان لكل منهم اسم قبيلته الخاصة، والتي سنعثر على بعضها في الكتاب المقدس في نهاية المطاف، والبعض الآخر يبدو أنه قد ضاع في العصور القديمة. لذا، مثل العديد من الأماكن والأشخاص في الكتاب المقدس، نحصل على أسماء مختلفة لنفس المكان أو الشخص، مما يجعل تتبع كل ذلك مربكًا بعض الشيء.

عند وصول موسى إلى منطقة ميديان، يلتقي موسى على الفور عند بئر ماء بهؤلاء الميديانيين.

إذا نظرنا عن كثب في الكتاب المقدس، نجد أن العديد من اللقاءات ذات الأهمية، خاصة بين الرجال والنساء، تحدث عند آبار المياه الصحراوية. إن عدد الأماكن التي كان يُعتبر من اللائق والمقبول أن تُرى فيها المرأة بعيدًا عن أبيها أو زوجها، بمفردها أو مع نساء أخريات، كان قليلاً؛ وكان البئر أحد هذه الأماكن. وهنا، أمام هذا البئر في ميديان، تظهر بعض النساء الراعيات، ويبدأن في سحب الماء لأغنامهن، ليأتي بعض المتنمرين المحليين ويطردوا أغنام النساء بعيدًا، على ما يبدو ليسقوا أغنامهم. يشهد موسى هذه المشاجرة، ويدفعه غضبه وعقليته الصليبية التي رأيناها تتطور، لاستخدام المهارات القتالية التي كان قد تعلمها كجزء أساسي من تدريبه الملكي، ويطرد الرجال بعيدًا. دُهشت النساء بمهارة وشجاعة هذا "المصري" (كما يسمون موسى)، ليجد موسى نفسه فجأة مع سبع صديقات يأخذنه على الفور إلى منزل والدهن. لماذا ظننّ أن هذا الرجل السامي، موسى، كان مصريًا؟ قد يكون السبب غياب اللحية، وهو ما كان يميز المصريين (لكن اللحية كانت مطلوبة من الذكور العبرانيين)، بالإضافة إلى لباسه.

تم تقديم الأب على أنه شخص يدعى رعوئيل. سيُدعى أيضًا، في وقت لاحق، ييترو…..يثرون. لقد أثار رعوئيل "كاهن ميديان" كما يسميه الكتاب المقدس، الكثير من النقاشات بين علماء الكتاب المقدس حول هويته والدور الذي لعبه في حياة موسى. أولاً، يجب أن نفهم أن أرض ميديان كانت تضم الكثير من الميديانيين. يُدعى رعوئيل "كاهن" ميديان. سنرى هذا النوع نفسه من التسمية (الكاهن) في الكتاب المقدس عند الإشارة إلى الكاهن الأعلى لإسرائيل. إذًا، كان رعوئيل رئيس الكهنة، أو الكاهن الأعلى، لبني ميديان.

يُعتقد أن الاسم، رعوئيل، يعني "صديق إيل"…..إيل هو الاسم الذي يُدعى به الله قبل أن يعلن اسمه الحقيقي. إذًا، بشكل أو بآخر، كان رعوئيل يعرف الإله الحقيقي…..المعروف عمومًا باسم إيل. والآن، إذا تذكرنا أن موسى نفسه هو الذي دوّن سفر الخروج وسائر أسفار التوراة، فلا بد أنه لم يكن من المهم بالنسبة له أن يعطي الكثير من التفاصيل عن رعوئيل أو عن حياته الخاصة في ميديان لأن كل ما نعرفه على وجه اليقين هو أن رعوئيل دعا موسى للعيش مع العائلة، وأعطى موسى ابنته تسيبورا زوجة له، ثم أنجبت تسيبورا لموسى طفلين، الأول اسمه جرشوم.

تسيبورا هو اسم بدوي تقليدي حتى يومنا هذا؛ معناه "طائر"، لأن البدو يميلون إلى تسمية أبنائهم بأسماء حيوانات. ولكن، كما سنكتشف قريبًا، فإن كلمة "طائر" لا تناسب سلوك تسيبورا. النمر، أو ربما شيطان تسمانيا كان أكثر ملاءمة. لكننا سنؤجل هذا الفكرة لدرس لاحق.

دونوا اسم ابن موسى الأول، جرشوم فهو مهم. عندما درسنا ما كان يقصده العبرانيون بمصطلح "أجنبي" أو "غريب"، علمنا أن الكلمة العبرية هي "جر". إذًا، ابن موسى هذا، المسمى جر-شوم، يعني حرفيًا "غريب هناك".

في الآية ثلاثة وعشرين علِمنا أنه خلال إقامة موسى الطويلة في ميديان، مات الفرعون الذي كان في السلطة حين هرب موسى. ولكن، في مصر، لو ساورت بني إسرائيل الذين عاشوا لسنوات عديدة تحت سيطرة ذلك الفرعون الذي كان يكرههم كثيرًا، أفكارًا أن الفرعون الجديد ربما يكون أكثر ملاءمة لهم، كانت لتزول على الفور. ولكن، بما أن الوقت حان، تُسحب الكعكة أي إسرائيل من الفرن؛ لأن أنين بني إسرائيل قد وصل إلى أذن الله، وتقول الآية، الله "تذكّر" إسرائيل. الكلمة العبرية المُستخدمة هنا لكلمة "تذكّر" هي "ذكر". وذكر لا تعني تذكر كما نعرفها اليوم. في عصرنا هذا، التذكر هو فعل تقوم به أذهاننا لاستدعاء شيءٍ ما من الذاكرة، إنها مجرد إجراء. لكن كلمة "ذكر" العبرية هي مصطلح أكثر نشاطًا؛ فهي تضيف عنصر المشاركة. لذا، بينما نفكر في كلمة "تذكّر" كنوع من التمارين الفكرية، التي قد تؤدي أو لا تؤدي إلى فعل من جانبنا، إلا أنها في العبرية كلمة تشير إلى فعل وتعني الانتباه الشديد لشخص ما أو شيء ما والمشاركة في النتيجة.

الأمر الأهم هنا هو فهم تصرف الله ورد فعله: لقد كان العهد الذي قطعه لإبراهيم، ثم انتقل إلى إسحاق، ثم انتقل مرة أخرى إلى يعقوب يُدعى إسرائيل. وكان ذلك العهد هو أن نسل إبراهيم…. والذي تم تنقيحه ليعني يعقوب وأبناءه وجميع نسلهم….. سيُعطون، في الوقت المناسب أرضًا خاصة بهم، وأن يكون إلهُهم هو ايل شداي، وأن الله سيحميهم ويعتبرهم شعبه المميز؛ ومن خلال ذلك سيتبارك العالم كله في نهاية المطاف. إن العملية التي بدأت قبل أكثر من نصف ألف عام، والتي بدت خاملة لما يقرب من أربع مئة عام بينما كانت إسرائيل تقبع بعيدًا في مصر، على وشك أن تخرج إلى النور.

لننتقل إلى الإصحاح ثلاثة من سفر الخروج.

يُرجى قراءة سفر الخروج ثلاثة بأكمله

دعوني أحذركم أننا سنغوص في سفر الخروج ثلاثة لفترة من الوقت. هذا الإصحاح مليء بالأمور التي نحتاج إلى معرفتها وفهمها استعدادًا لما سيأتي لاحقًا.

تخبرنا الآية الأولى أن موسى قد اعتاد على حياة الراعي. في ظل غياب أي إشارة على تدريب موسى ليصبح راعيًا قبل أن يهرب إلى ميديان، فعلى المرء أن يفترض أنه تلقى تدريبًا أثناء العمل من زوجته وأخواتها على مدى فترة زمنية طويلة بعد وصوله إلى ميديان. ومن المثير للاهتمام، أن موسى لم يمتلك حيوانات فكانت الأغنام التي كان يرعاها ملكًا لوالد زوجته. على عكس الآباء إبراهيم وإسحاق ويعقوب، لا نلاحظ علامات لازدهار موسى.

نقل موسى القطيع إلى مرعى آخر، مكان يُعرف بجبل حوريب. والآن، من المهم أن نتأكد أين نُقل هذا القطيع، لأنه المكان الذي خاض فيه موسى تجربة الشجرة المحترقة، وتلقّى بعدها التوراة. وبعبارة أخرى، أينما كان المكان الذي نقل إليه تلك الأغنام هو المكان الذي كان يقع فيه جبل الله. ولكن، من المهم أيضًا أن نفهم لماذا نقل الأغنام: فالسبب هو إيجاد مراعي جديدة. لم تُنقل القطعان لمجرد أن الراعي أراد ذلك. كما أنها لم تُنقل أبعد مما هو ضروري. لقد تم نقلها إلى أقصر مسافة ممكنة، إلى أماكن معروفة وواضحة.

دعوني أشرح مرة أخرى أين تقع ميديان: إنها في شبه الجزيرة العربية، وحدودها الغربية هي خليج العقبة. لقد أجريت بعض الأبحاث عن موقع ميديان القديمة، ولم أجد في أي مكان…. لا في كتاب مدرسي، ولا في خريطة، ولا في كتاب مرجعي من أي مصدر، أي شيء يضع منطقة ميديان في أي مكان إلا في شبه الجزيرة العربية. حاول البعض تحديد موقع جزء أسطوري من غرب ميديان في الجزء الشرقي من شبه جزيرة سيناء. ولكن، لا يوجد ما يشير إلى ذلك على الإطلاق، وهذه الفرضية تتعارض مع المنطق والجغرافيا. في الواقع، كانت سيناء في جميع الأوقات تقريبًا أرضًا مصرية، ولهذا السبب هرب موسى عبر سيناء، ثم عبر خليج العقبة، إلى ميديان…. لم يكن موسى ليهرب من فرعون ويبقى في الأراضي المصرية، بالقرب من المواقع العسكرية المصرية، حيث يمكن القبض عليه بسهولة. لقد أكدت العديد من الاكتشافات الأثرية معلومات عن الثقافة الميديانية الفريدة من نوعها، وكل ما وُجد من أصل ميدياني وُجد في شبه الجزيرة العربية فقط. لا يوجد دليل واحد على أن الميديانيين سكنوا سيناء على الإطلاق.

والآن، وبدون أن أتعمّد التقليل من شأن أحد، فمن الواضح جدًا من خلال دراستي أن الأشخاص الذين يجادلون بأن امتداد ميديان إلى شبه جزيرة سيناء يريدون: إثبات أن موسى كان في سيناء حيث كان يسوق غنمه. وهذه مجرد محاولة لترسيخ تقليد جبل سيناء المسيحي على أنه حقيقة. وكما سنرى بعد قليل، فإن الكتاب المقدس نفسه لا يؤكد الموقع التقليدي المسيحي النموذجي لجبل سيناء أيضًا.

ولكن، من غير المرجح أن يكون موسى قد قاد غنمه إلى جبل على طرف شبه جزيرة سيناء، لأن ذلك كان سيتطلب منه أن يسوق غنمه حوالى خمسين ميلاً وشمالاً على طول الشاطئ الشرقي لخليج العقبة، ثم الانعطاف وسوق الغنم سبعين ميلاً نزولاً إلى الجانب الآخر من خليج العقبة للوصول إلى الموقع الذي تم تحديده كمكان لتلقي الشريعة، جبل سيناء. ليس ذلك فحسب، بل إن هذه الطريق كان ستأخذ موسى وغنمه إلى صحراء قاحلة، حيث هناك القليل من المراعي أو لا مراعي وحتى تغيب عنها ينابيع المياه. لا يمكن لأي راعٍ عاقل أن يسوق الأغنام، وهي كائنات دقيقة، طول مئة وخمسة وعشرين ميلًا من الأرض الجافة، فقط لينقلها إلى مرعى جديد.

كلا، لقد بقي موسى في شبه الجزيرة العربية وقادها إلى "الجانب البعيد"، أو "وراء" برية ميديان الصحراوية، تمامًا كما يقول الكتاب المقدس. كما نرى في الآية واحد بعض المترجمين يقولون أنّ موسى قاد الغنم إلى "الغرب". والبعض الآخر يستخدم فقط "وراء"، أو "الجانب البعيد" أو أي اتجاه عام آخر غير محدد. حسنًا، الطريقة الوحيدة للتوصل إلى أن الموقع في الغرب هي التفكير بطريقة عكسية؛ أي إذا انطلقنا من فكرة أن جبل حوريب موجود في شبه جزيرة سيناء، فمن حيث انطلق موسى بالفعل (في ميديان) كان عليه أن يذهب غرباً للوصول إلى هناك.

أليس كذلك؟ تكمن المشكلة في أنه من بين المرات الـتسعة وستين التي استُخدمت فيها كلمة "غرب" في العهد القديم، ثمانية وستّون من تلك المرات كانت الكلمة العبرية الأصلية هي "يام" …….يام هي الكلمة العبرية التقليدية التي تشير إلى اتجاه الغرب. المرة الـتسعة وستون التي استخدمت فيها كلمة "غرب"، تكمن هنا في سفر الخروج واحد، حيث لم يتم استخدام الكلمة العبرية "يام". وبدلاً من ذلك، نجد كلمة "عشار". ومن بين أربعة وسبعين مرة استُخدمت فيها كلمة "عشار" في سفر التثنية، تُرجمت ثلاثة وسبعون مرّة إلى "خلف" أو "في الخلف". هنا فقط في سفر الخروج واحد، اختار بعض المترجمون أن يترجموا كلمة "عشار":"غربًا". هل فهمتم الصورة؟ إنه خطأ فادح في الترجمة. كل ما نعرفه عن الاتجاه الذي اتخذه موسى للقطعان هو أنه كان في مكان ما وراء البرية…..خلف الصحراء، والذي كان يمكن أن يكون في أي اتجاه.

ولكن، في الآية اثنان، نرى أنه أينما ذهبوا، فقد ذهبوا إلى حيث كانت هناك جبال تحيط بالبرية الصحراوية. ولم تكن المسافة بعيدة جدًا….. على الأرجح لا تزيد عن عشرة إلى عشرين ميلًا. سنعود إلى هذا الموضوع في وقت لاحق بعد خروج بني إسرائيل من مصر. ولكن، في الوقت الراهن، فقط اعلموا أن المكان الذي اختبر فيه موسى تجربة الشجرة المحترقة كان في ميديان، على الجانب الشرقي من خليج العقبة، في شبه الجزيرة العربية….. وليس في صحراء سيناء.