سِفِر الخروج
الدرس ثمانية وعشرون – الإصحاحان ثمانية وعشرون وتسعة وعشرون
لقد انتَهينا من جزء من الفصل (الإصحاح) ثمانية وعشرين في الأسبوع الماضي وكنّا قد وَصلنا إلى مَوضوع لباس الكهنة اللاويين. اعذروني على التكرار، ولكن علينا أن نتذكر أنّ قبيلة لاوي هي التي تم تَعيينها كقبيلة كهنوتية لله. على الرغم من أننا استخدمنا التسمية العامة لقبيلة لاوي على أنها "القبيلة الكهنوتية" فهذا لا يعني أن جميع اللاويين كانوا كهنة. في حين أنّه كان على جميع أفراد قبيلة لاوي أن يُشاركوا في خدمة خيمة الاجتماع بشكل أو بآخر، ولاحقًا الهيكل، كان بعضهم فقط كهنة فعليين (أي أولئك الذين كانوا يؤدون طقوس القرابين) بينما كان الباقون يُعادلون العمال الذين كانوا يقومون بمهام مختلفة مطلوبة حول خيمة الاجتماع مثل التنظيف أو الحراسة. لذلك في حين أننا نميل إلى استخدام مصطلح "الكهنة اللاويين" في الواقع فقط عدد قليل من اللاويين أصبحوا كهنة، يَتم تَحديدهم فقط من خلال أي عشيرة من عشائر لاوي وُلدوا فيها. كان من المفترض أن يأتي الكاهن الأعظم فقط من نَسل هارون، ومن ثم فقط من السلالة المنحدرة من نسل ابن هارون إليعازر.
ومع ذلك، لم يَحدث ذلك بالفعل.
والآن، ننتقل إلى رئيس الكهنة، الذي كان لِباسه متميزًا عن باقي الكهنة. دعونا نقرأ سِفِر الخروج الإصحاح ثمانية وعشرين.
قراءة الإصحاح ثمانية وعشرون من سِفِر الخروج كلّه
انطلاقًا من الداخل إلى الخارج، كان على رئيس الكهنة، تمامًا مثل الكهنة الأدنى مرتبة، أن يرتدي سروالاً داخليًا يُشبه إلى حد كبيرٍ الثياب الداخلية. عادةً ما كان هذا الثوب الداخلي يمتد من الخصر إلى الركبتين. كان لونه أبيض، وكان الغَرض منه ذو شقين: واحد) الحفاظ على درجة عالية من الاحتشام. فالكثير من كهنة الديانات الوثنية في ذلك العصر كانوا يخدمون آلهتهم عراة، أو كانوا يرتدون شيئًا مثيرًا للحواس ومثيرًا للشهوة الجنسية. اثنان) أنها كانت تَخدم نفس الأغراض الصحية العملية التي تَخدمها ملابسنا الداخلية الحديثة. فلم يكن من المسموح أن تَتلوث ملابس الكهنة الخارجية بأحوال الجسد، طبيعية كانت أو غير طبيعية. إذا كانت كذلك، كان لا بدّ من غسلها بعناية، وكان ذلك عملاً روتينيًا.
تُلبس فوق السراويل سترة، وعادةً ما يُطلق عليها بشكل خاطئ اسم مِعطف في معظم ترجمات الكتاب المقدس. وفقًا ليوسيفوس، كانت السترة ضيقة إلى حدٍ ما، وكانت تَمتدّ من الرقبة إلى القدمين. وكانت مصنوعة من الكتان الأبيض مثل السروال. وعمومًا، كان الجزء الوحيد الذي يمكن رؤيته من السترة هو ثلاثة أو أربع بوصات منها حول منطقة الكاحل.
وكان فوق السترة رداء أزرق اللون. كان مطلوبًا أن يكون الرداء مفتوح، ولذلك كان به شِق لرأس رئيس الكهنة ليَدخل منه رأس الكاهن الأكبر، وشقان آخران على الجانبين لذراعيه. حول الجزء السفلي من الثوب، أي الزخرفة، كانت هناك حَبّات رمّان زرقاء وأرجوانية وحمراء تتناوب بأجراس معدنية صغيرة مصنوعة من الذهب. كان هذا الرداء الأزرق يمتد من رقبته إلى أسفل ركبتيه.
بعد ذلك، كان رئيس الكهنة يَلبس رداءه الإفود. كان ثوباً من قطعتين، جزء منه يغطي صدره والآخر ظهره. أحيانًا يتم الخلط بين الإفود والدرع؛ هذا لأنه في بعض الأحيان كان يُطلق على كليهما اسم الإفود… أفترض أنهما كانا يعملان معًا. في الواقع، كان الإفود هو ما كان يُربط به درع الصدر. كان مطرزًا بخيوط كتان زرقاء وأرجوانية وحمراء. كان الجزءان الأمامي والخلفي عبارة عن قِطعتين منفصلتين، كانتا متماسكتين معًا بواسطة حِزام مضفور يوضع على الكتفين.
كان هناك حَجَران من العقيق مثبّتان على الأشرطة المضفرة. ونُقش كل حجر بأسماء ستة من قبائل بني إسرائيل.
كان دِرع الصدر فوق الإفود ومربوطًا به…كان يُسمى أيضاً درع الدينونة. كانت هذه الإكسسوار الأكثر إثارة للاهتمام. كانت مُربعة الشكل، ولها جيب، عليها 12 حجرًا ثمينًا من أنواع مختلفة، نُقش على كل منها اسم إحدى قبائل بني إسرائيل. توافر داخل الجيب حجرين غامضين جدًا كانا يوضعان داخل الجراب ويسميان الأوريم والثوميم.
كان رئيس الكهنة يرتدي عمامة تُسمى الطاقية. وكان يرتدي على العمامة، حول جبهته، صفيحة رأسية ذهبية منقوش عليها عبارة "القداسة ليَهوَه".
والآن، بعد أن ألقينا نظرة سريعة على الزيّ الخاص برئيس الكهنة الخاص، دعونا نَتحدث عن بعض الجوانب الخاصة بهذه الملابس المختلفة. إنّ الإفود مثير للاهتمام، إذ يحتوي على أسماء جميع قبائل بني إسرائيل، ويُلبس على قلب رئيس الكهنة.
نُقش على كل حجر كريم على الإفود اسم قبيلة من قبائل إسرائيل: اثنا عشر حجرًا، اثنا عشر اسمًا. على العكس من ذلك، حَمل الحجران الكبيران على حزامي كتف الإفود جميع أسماء القبائل……ستة أسماء على أحدهما وستة أسماء على الآخر. تشير أنواع الحجارة الاثنا عشرة المنفصلة والمختلفة إلى أنّ كل قبيلة من القبائل الإثنا عشر كانت لها هوية قبلية فريدة ومنفصلة. يُشير حجرا الكتف الكبيران إلى أنّ إسرائيل في الواقع مجموعتان، سيُطلق عليهما فيما بعد…. بيتا إسرائيل، أفرام ويهوذا. إذًا، من خلال هذه الأحجار المختلفة للإفود، نرى في الواقع طبيعة إسرائيل الثلاثية: واحد) كل إسرائيل، اثنان) بيتا إسرائيل، ثلاثة) قبائل إسرائيل كل على حدة.
كان جزء من الإفود عبارة عن كيس يُسمى "هوشي" يحتوي على الحجرين اللذين كانا يستخدمان في عملية اتخاذ القرار: الأوريم والثوميم. تبقى الطريقة الدقيقة التي استُخدمت بها هذه الحجارة لغزًا. ومع ذلك هناك بعض الخصائص التي يمكننا معرفتها. على سبيل المثال، كانتا موجودتين في الإفود، وتُعتبران جزءًا من الإفود…. الكامل، أي الإفود ودرع الصدر. كان يُطلق على الدرع أيضًا درع العدل أو الدينونة، أو بالعبرية "هوشن ها–مشبات". أرجو أن تتذكروا درسَنا عن كلمتي "الحكم"، و"العدل"، والتي هي بالعبرية "مشبات". أول شيء يجب أن نضعه في الاعتبار هو أننا لا يجب أن نأخذ استخدام كلمة "دينونة" هنا على أنها تعني بشكل عام الغضب أو العقاب. مشبات لا تعني العقاب. لقد تعلمنا نحن في الكنيسة عمومًا أن نفكّر في استخدام الكتاب المقدس لكلمة "دينونة" على أنها تعني نتيجة سلبية لشيء أخطأ فيه البشر…عقاب إلهي. بمعنى آخر يجب ألا نفكّر في الدرع على أنه درع الغضب.
مشبات تعني حرفيًا "العدل"؛ لذا فإنّ درع العدل أو حتى درع مشيئة الله ربما يكون أفضل ترجمة وفقًا للطريقة التي تُفكر بها عقولنا الثقافية الغربية في القرن الحادي والعشرين. تزامنًا مع تمثيل جميع قبائل بني إسرائيل على هذه الدرع، فالفكرة هي أن الله سيَتعامل مع إسرائيل وفقًا لنظام عدله.
أما بالنسبة للأوريم والثوميم فإنّ أحد أكثر الجوانب العجيبة لهذين الشيئين يُخفى علينا إذا كنا لا نفهم العبرية. أوريم تعني "النور"، وثوميم تعني "الكمال" أو "الإتمام" (تقنيًا، لأن هاتين الكلمتين بصيغة الجمع، فهي أنوار وإتمام أو كمالات). ربّما يكون النور والكمال هما أكثر صفتين معروفتين لله تعالى. لكن الأمر أبعد من ذلك. إنّ أحد الألقاب التي أُعطيت للرب في العهد الجديد، وهو أحد الألقاب التي نعرفها جميعًا، هو "الألف والياء"، البداية والنهاية. يأتي هذا من فكرة أنه في الأبجدية اليونانية، الألف هو الحرف الأول، والأوميغا هو الحرف الأخير…… في اللغة العربية مثل قول الألف والياء. ولكن، لم يكن مفهوم "الألف والأوميغا" هذا وحيًا من العهد الجديد. فهنا في سِفِر الخروج، الحرف الأول من كلمة "أوريم" هو "ألف" العبرية، وهو الحرف الأول من الأبجدية العبرية. والحرف الأول من كلمة ثوميم هو "تاف" العبرية، وهو الحرف الأخير من الأبجدية العبرية. والألف هو المُعادل العبري للألف، والتاف هو المُعادل لأوميغا…ألف–أوميغا، ألف–تاف. لذا، فإنّ الأوريم والتثميم يمثلان جزءًا من طبيعة الله ذاتها….. الأوّل والأخير.
يبدو أنّ الأوريم والثوميم كانا يُستخدمان في اتخاذ القرارات، حيث كان يجب الاختيار من بين خيارين. كان يمكن أن يكون نوعًا من الاختيار "إما هذا أو ذاك"، أو "نعم أو لا". نقرأ فقط عن ثلاثة أو أربعة مواضيع في العهد القديم حيث ذُكر الأوريم والثوميم على وجه التحديد على أنهما كانا يُستخدمان في اتخاذ القرارات. ومع ذلك، لدينا أيضًا بعض الإشارات الأخرى التي تُشير على ما يبدو إلى استخدام هذين الحجرين، على الرغم من عدم ذِكرهما بالاسم لأن المقاطع التوراتية تقول إن القرار كان يتمّ التوصّل إليه عن طريق الإفود… الذي كان يتضمّن درع الصدر وذلك الجراب الذي كان يحمل الأوريم والثوميم. لم تكن هناك وسيلة أخرى معروفة لاتخاذ القرار باستخدام الإفود أو درع الصدر، غير استخدام الأوريم والتثميم.
يبدو أيضًا أنه تَوقّفَ استخدام الأوريم والتثميم بعد زمن الملك داود. هناك دلالات تُشير إلى أنه على الرغم من أنّ الأوريم والثوميم كانا لا يزالان متاحين إلا أنهما توقفا عن العمل كما كان الحال من قبل، وبالتالي قرر رؤساء الكهنة أن إرادة الله لم تعد تنعكس فيهما. هناك خلاف حول ما إذا كانت الأوريم والتثميم جزءًا من زي رئيس الكهنة في زمن يسوع.
والمَقصود هنا هو أنّ دِرع الصَدِر يَحمل في طياته رمزية نبوية هائلة لم يكن بإمكان أولئك العبرانيين الذين قادهم موسى أن يفهموها بشكل واضح، هذا إن فهموها على الإطلاق؛ وهي أنّ طبيعة الله النورانية والكمال هي جوهر نظام عدله. وأنّ نظام عدالة الله يُطبَّق على إسرائيل، وسيُطبَّق على البشرية جمعاء من خلال إسرائيل. إذا كنتم تتذكرون درسنا عن كلمة "مشبات" فستتذكرون أيضًا أنني أخبرتكم أنه عندما يقدم الله نظام عدله في سِفِر الخروج واحد وعشرين يُسميه "مشبات". وأن نظام عدله قد وُضع لتحقيق الفداء والخلاص. لدينا كلمة كنسية شائعة الاستخدام لهذه العملية وهي "الإنجيل". يمكن وصف الدرع، على نحوٍ صحيح تمامًا، بأنه دِرع الإنجيل…… لأنه يتضمّن مفاهيم عدالة الله، ونور الله وكماله، وإسرائيل كأمة يُبرِر الله من خلالها كل البشرية جمعاء. بالطبع اتضح أنّ أمة إسرائيل ستنتج إسرائيليًا مميزًا جدًا، يسوع الناصري، الذي كان حجر الزاوية في عدالة الله.
من الأشياء الأخرى المثيرة للاهتمام التي كان رئيس الكهنة يرتديها هي "صفيحة الرأس" …عصابة ذهبية كانت تُربط بخيط. كانت هذه العصابة على خط حاجب رئيس الكهنة على جبهته.
وكان مكتوبٌ عليها "كوديش يَهوَه "….. ما يعني القداسة ليَهوَه، أو التخصيص ليَهوَه. رئيس الكهنة كان ممثل إسرائيل أمام الله. كان يَقع على عاتق رئيس الكهنة إما قبول أو رفض إسرائيل كله. يا لها من مسؤولية!
وكما سنرى بعد قليل في مراسم تكريس هارون والكهنة الآخرين فإن مفهوم "الاستبدال" في نظام عدالة الله واضح تماماً ويَتجلى في رئيس الكهنة. عندما يدخل رئيس الكهنة إلى قدس الأقداس في يوم كيبور، يوم الكفارة، فإنه يَحمل على عاتقه كل خطايا إسرائيل عندما يقترب من الله ويكفّر عنها. إن الثياب التي يرتديها رئيس الكهنة تتحدث عنه كبديل عن كل إسرائيل (على الرغم من أنه من المثير للاهتمام أنه في يوم كيبور يرتدي فقط ثوبًا بسيطًا من الكتان الأبيض في قدس الأقداس بدلاً من ملابسه المتألقة العادية). والذبيحة التي يَحمل دمها رئيس الكهنة (الكاهن الأعظم) ويَرشّها على كرسي الرحمة تحمل الموت البديل الذي يَستحقه الإنسان عن خطايانا. لهذا السبب يتحدث العهد الجديد عن يسوع كرئيس كهنتنا. إنّه يمثّلنا. إنه يحمل عبء خطايانا أمام الآب. هو البديل عن جميع المؤمنين؛ لكنه يحمل أيضًا الموت البديل المستحق لنا. وعلاوةً على ذلك فإن دمه هو الذي سُفك ومن خلاله تحققت الكفارة. إذًا يسوع هو رئيس الكهنة والذبيحة، إذا جاز التعبير.
أريدكم أن تفهموا رجاءً أنّ ما أقوله لكم ليس استعارة رمزية، أو بعض التوضيح الجميل للمقارنة بين المسيح ورئيس كهنة إسرائيل. لقد كان رئيس الكهنة ظِل الآتي…يسوع… وكانت الثياب الخاصة التي كان رئيس الكهنة يرتديها تروي قصة كيفية عمل الكفارة والفداء.
لننتقل إلى الإصحاح تسعة وعشرين
قراءة الإصحاح تسعة وعشرون من سِفِر الخروج كُلّه
اسمحوا لي أن أذكر شيئًا قلته منذ قليل: ما نشهده في هذه الإصحاحات القليلة الأخيرة ليس تغييرًا من يَهوَه لمبادئ ديانة العبرانيين ليجعلها مختلفة عن تلك المبادئ التي علّمها لآدم وحواء ونوح وإبراهيم وغيرهم، ولا تغييرًا للكهنوت العبراني من نوع أو هدف إلى آخر. فحتى تلك اللحظة من التاريخ لم يكن لبني إسرائيل كهنوت وكانت ديانتهم حتى ذلك الحين تَتألف في معظمها مما تعلموه من النظام الديني للمصريين وتماشوا معه. بل إنّ ما يفعله الله هو مواصلة عملية لفَصل إسرائيل (خطوة بخطوة) عن طرق العالم الفاسد…. في حالتهم الخاصة، كان هذا العالم هو مصر….. وتأسيسهم كشعب مُنفصل تمامًا، مع ديانة مختلفة تمامًا، وأمة خاصة بهم.
وبينما كانوا في عملية التحوّل إلى أمة فريدة تمامًا، كان يتم تأسيس هدفهم كأمة أيضًا، وكان هذا الهدف هو خدمة يَهوَه. وهذه الخدمة سوف يتم تعليمها وتركيزها عن طريق الكهنوت القوي الذي كان هارون رئيسًا له…. رئيس الكهنة الأعظم…… كوهين ها غادول.
إنّ بعض الطقوس التي نراها تحدث هنا في الإصحاح تسعة وعشرين هي في الواقع ليست سوى أحداث تَحدث لمرة واحدة، لأن ما يتم وصفه هو احتفال تكريس تأسيس الكهنوت. إنّ احتفال التكريس الذي يَستغرق الجزء الأكبر من هذا الإصحاح هو بمثابة افتتاح سفينة جديدة أو افتتاح طريق سريع…… أو التصديق على دستور وطني….. بالتصميم، من المفترض أن يَحدث مرة واحدة فقط. ومع ذلك، هناك أيضًا بعض الطقوس الجارية التي يتم تأسيسها أيضًا، حتى لو لم تتم بنفس الطريقة التي تتم بها مراسم التكريس.
الأمر الأوّل الذي يجب أن نعرفه هو أن تكريس هارون والكهنة كان يجب أن يكون علنيًا…لم يكن احتفالاً سريًا. السرية في تدبير الله لا تتوافق عمومًا مع النور والحق. لقد كان الشعب قادرًا على الملاحظة وقد شرح لهم ما كان يجري ومن كان مشاركًا. الأمر الثاني الذي يجب معرفته هو أن ما نقرأ عنه في هذه الإصحاحات هو ما يأمر الله به موسى فقط. لا يزال موسى على قمة جبل سيناء، لذا فإن السرد الذي نقرأه منذ الإصحاح أربعة وعشرين هو مجرّد اقتباس من الله وهو يوصي موسى. بعد بضعة إصحاحات أخرى، وبعد حادثة العِجل الذهبي القادمة، ستُوضع كل هذه التعليمات في مكانها الصحيح حتى يمكن تنفيذها.
بعد أن أعطى الله لموسى قائمة قصيرة، في الآيات واحد إلى ثلاثة، بالحيوانات والأطعمة التي يجب أن تُذبح كجزء من مراسم التكريس، أُمر موسى أن يأتي بهارون وأبنائه الأربعة إلى الساحة الخارجية للخيمة….. أمام (وليس داخل) الحرم. وأول شيء يجب أن يفعله موسى هو غَسل هارون وبنيه بالماء. لقد شهدنا على الذبيحة منذ آدم وحواء؛ ولكن، هذه هي بداية طقوس الغسل بالماء التي ستكون جزءًا لا يَتجزأ من النظام اللاوي وسمة أساسية في طريقة حياة إسرائيل الجديدة. لذلك، دعونا لا نتسرع…فهناك بعض التعاليم المهمّة المدفونة هنا والتي ستظهر لاحقًا.
موسى، بصفتِه القائد الأعلى لإسرائيل……وبالتالي، في نظر الله، للبشرية……أمره يَهوَه بأن يَتواضع بغسل الكهنة. كان الكهنة يعتبرون أدنى رتبة من موسى…… حتى هارون كان أدنى من موسى في الرِتبة والسلطة. ولكن ها هو هذا الرجل الأقوى، الرجل الوحيد الذي تحدّث مع الله وجهًا لوجه، قد انحطّ للقيام بمُهمة لا يقوم بها عادةً سوى النساء أو الخدم…… غَسل الآخرين. لا بد أنه كان مشهدًا صادمًا لشعب إسرائيل الذين عاشوا في عالم كانت الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها هي كل شيء. كانت فكرة أن ينحني حاكمكم الأعلى ويغسِل شخصًا أقل منه مرتبة أمرًا لا يمكن تصوره.
والآن هل كانت الفكرة هنا هي تواضُع موسى؟ هل كان هذا هو الهدف من جَعل موسى يغسل الكهنة؟ لا. كانت الفكرة كلها تدور حول إعداد الكهنة وتكريسهم لخدمة يَهوَه، ولكن كان عليهم أولاً أن يكونوا طاهرين من الخطيئة في نظر الله….، والطريقة التي وضعها الله لتحقيق ذلك تَضمنت الاغتسال الطقسي. ومع ذلك، كان هناك بالفعل أهمية في قيام موسى بالاغتسال؛ لأنه أظهر أنّ تطهير الناس لا يمكن أن يحدث إلا من أعلى، كعمل رحيم ومحب.
والآن، لاحظوا هذا الأمر. بعد مئات السنين سيعرض لنا الكتاب المقدس تكرارًا لهذه الحادثة بالذات عن غسل موسى للكهنة؛ ولكن هذه المرة سيكون في العهد الجديد، في إنجيل يوحنا، عندما يَغسل يسوع أرجل تلاميذه. يسوع القائد الأعلى على الأرض…يسوع المعلم…يسوع المسيح، الله المتجسّد…يخدم. ولكن، لماذا يفعل ذلك…ما هي أهمية هذا الفعل؟ في رأيي هذا هو احتفال التكريس للكهنوت الروحي الجديد. فكما أن موسى الوسيط هو الذي تَصرّف نيابة عن الله لتأسيس الكهنوت الأرضي الجسدي، كذلك يسوع الوسيط أسّس الكهنوت الروحي السماوي المبني على الإيمان به.
استمعوا إلى مقطع واحد فقط من بين العديد من مقاطع العهد الجديد التي أعتقد أنها تؤكد استنتاجي في هذا الشأن:
(نسخة الكتاب المقدس الأميركية النموذجية الجديدة) بطرس الإصحاح واحد الآية اثنان، لِذلِكَ، طَارِحِينَ كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ خُبْثٍ وَرِيَاءٍ وَحَسَدٍ وَكُلَّ افْتِرَاءٍ، اثنان، كَالأَطْفَالِ الْحَدِيثِي الْوِلاَدَةِ، اشْتَاقُوا إِلَى لَبَنِ الْكَلِمَةِ الطَّاهِرِ، لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ فِي الْخَلاَصِ، ثلاثة، إِنْ كُنْتُمْ قَدْ ذُقْتُمْ لُطْفَ الرَّبِّ. أربعة، وَتَأْتُونَ إِلَيْهِ كَحَجَرٍ حَيٍّ مَرْفُوضٍ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ مُخْتَارٍ وَثَمِينٍ فِي عَيْنَيِ اللهِ، خمسة، وَأَنْتُمْ أَيْضاً كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ تُبْنَى بَيْتاً رُوحِيّاً لِكَهَنُوتٍ مُقَدَّسٍ، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.
أولاً، بسبب الكثير من التعاليم الخاطئة السائدة في حركة الجذور العبرانية، لاحظوا أن المؤمنين لم يصبحوا الكهنوت الجديد والبديل المادي والدنيوي؛ أي أن يَحلّوا محلّ اللاويين العبرانيين. بل إنّ العنصر الروحي هو الذي يتم تناوله؛ إنه من الناحية الروحية كما تقول الآية "بيت روحي لكهنوت مقدس ليُقدموا ذبائح روحية….."
ثانيًا، تذكروا أن كلّ الذين يتبعون المسيح، كل تلاميذ المسيح هم بمثابة كهنة. نحن، في هذه القاعة… اليهود والأمميون على حدٍ سواء…. الذين سَلّمنا ربوبية حياتنا إلى يسوع نحن كهنة له…. أو كما يدعونا الكتاب المقدس، ملكوت الكهنة أو بيت الكهنة المقدس. ليس هناك شك على الإطلاق في ذهني أن تلاميذ يسوع المذهولين والحائزين لم يستطيعوا أن يربطوا بين ما كان يفعله يسوع لهم بغسل أرجلهم، وما فعله موسى قبل ألف وثلاثمئة سنة بغسل هارون وبنيه. كان موسى في تكريسه لهارون وبنيه كأول كهنوت لإسرائيل بغسلهم بالماء ظلاً ونوعًا لما كان يفعله يسوع وهو يُكرّس تلاميذه برتبة كهنة روحية للمَثل الأعلى الروحي السماوي لإسرائيل؛ الكهنة الذين سيخدمون ملكوت الله الروحي. وبطبيعة الحال، قام يسوع بهذا التكريس بنفس الطريقة التي قام بها موسى… في دوره كوسيط من خلال قيامه بطقوس غسل أولئك الذين سيكونون كهنة.
إذًا ما فعله يسوع المسيح في ذلك اليوم كان أقوى بكثير وكان له معنى أسمى بكثير من مجرد إظهاره بالقدوة أنّ السيد يجب أن يكون أيضًا وديعًا ومتواضعًا لشعبه، كما هو عادةً التعليم المحدود الذي نحصل عليه عن ذلك الحدث. إذا لم نكن نَعرف ونَفهم التوراة والخيمة ونظام الذبائح، فإنّ الرمزية الحقيقية والعميقة لغسل يسوع لأرجل تلاميذه تَمرّ مرور الكرام. من المثير للسخرية أنه في نفس الفقرة التي تقول إنّ تلاميذ يسوع من الكهنوت الروحي، لدينا أيضًا هذه التعليمات: لِذَلِكَ، طَارِحِينَ كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَرِيَاءٍ وَحَسَدٍ وَكُلَّ افْتِرَاءٍ، اثنان كَأَطْفَالٍ حَدِيثِي الْوِلَادَةِ، اشْتَاقُوا إِلَى لَبَنِ الْكَلِمَةِ النَّقِيِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ إِلَى الْخَلاَصِ.
لاحظوا معي، أنّه بدراسة كلمة الله ننمو إلى الخلاص. لا تجلِب لنا قراءة "الكلمة" الخلاص؛ بل أنه بمجرد أن نخلُص تُصبح الكلمة مصدر نُموّنا في خلاصنا. إنّ الكلمة الوحيدة التي كانت موجودة في هذا العصر هي ما نسميّه نحن العهد القديم، الأسفار الخمسة الأولى هي التوراة. آه يا له من خطأ مأساوي ارتكبته الكنيسة منذ زمن بعيد في إعلانها أن العهد القديم قد مات وانتهى ولا قيمة له بالنسبة للمؤمنين. لأن بطرس يقول بوضوح (كما فعل يسوع وبولس ويوحنا وآخرون) أنّ الكتاب المقدس في العهد القديم هو الحقّ والمكان الذي يجب أن نَستمر في الذهاب إليه لنجد الحقيقة لننمّي إيماننا وفهمنا. هذا بالتأكيد لا يعني أن العهد الجديد مُعيب أو أقل من ذلك؛ بل يعني أن العهد القديم صالح ومُهم كما كان في العصور القديمة. ومع عودة إسرائيل كأمة من اليهود (وهو مَعلم نبوي) عاد العهد القديم مرة أخرى ككتاب مقدس له أهمية حاسمة فيما يتعلق بعصرنا هذا.
كما ذكرت سابقًا كان هذا الاحتفال في سِفِر الخروج تسعة وعشرين مع موسى بغَسل الكهنة لمرة واحدة. من هنا فصاعدًا، لم يكن موسى ولا أي شخص آخر يغسل الكهنة… بل كان كل فرد مكلفًا بالاغتسال الطقسي بنفسه. الآن المبدأ الذي كان الله يبرهنه من خلال تأسيسه للاغتسال الطقسي هو التجديد. هذا هو المبدأ القائل بأننا يجب أن نُخلق من جديد، نَتجدد، لكي نَتطهر من الخطيئة أمام الله. كان على العبرانيين أن يقوموا بهذا الاغتسال مرات لا تُحصى عبر القرون، لأنّ كل غسل طقسي كان له تأثير، والذي كان مؤقتًا فقط في طبيعته. كان الاغتسال الطقسي مطلوبًا لقائمة كبيرة من الأسباب، والتي سنتناولها بعد بضعة أسابيع.
بعد الاغتسال كان على هارون وأبنائه أن يلبسوا الثياب الكهنوتية الخاصة التي أمر الله أن تُصنع لهم. تُمثّل ثيابهم القديمة ما كانوا عليه. ثيابهم الجديدة تمثل ما هم عليه الآن أمام الله. ثم يُمسح الكهنة بدهنهم بزيت مسحة خاص مخلوط بالتوابل الغالية، سائل أساسه زيت الزيتون، يُصب فوقها. بالمناسبة، سنجد لاحقًا في سِفِر اللاويين، وحتى لاحقًا في التلمود، أنه كانت هناك طريقة معيّنة كان يجب أن تتم بها هذه المَسحة. كان يجب أن يُسكب الزيت على رؤوسهم بكمية كافية بحيث لا يسيل الزيت على وجوههم ويتقطّر من لحاهم فحسب، بل كان يجب أن يسيل حتى يَصل إلى أطراف ثيابهم. لم يكن هذا الأمر فوضويًا للغاية فحسب، بل كان الزيت يُسكب أولاً من اليمين إلى اليسار، ثم من الخلف إلى الأمام، على شكل صليب إن صَحّ التعبير، بحسب التقليد. ما رأيك في ذلك كرمزية نبوية! هذه المَسحة من الزيت المقدس كانت رمزية ونبوية لعيد العنصرة؛ ذلك الوقت الذي استطاع فيه "روخ هاكودش"، الروح القدس، أن يَمسح الإنسان بفضل تضحية يسوع على الصليب.
بينما نَستمر في كل هذه العمليات الطقسية في سِفِر الخروج وسِفِر اللاويين، لاحظوا كيف أنّ الفعل المادي في العهد القديم كان دائمًا نبويًا ورمزيًا للواقع الروحي في العهد الجديد. أي أنّ طقوس العهد القديم كانت تعاليم ومظاهر ونسخًا وظلالاً لما سيكون عليه الواقع الروحي المستقبلي. ولكن لنكن واضحين: لقد كانت أيضًا حقيقية وفعّالة. لقد فعلوا بالضبط ما كان من المفترض أن يفعلوه.
ابتداءً من الآية عشرة، يُدعى إلى سلسلة من الذبائح، ويَترأسها موسى. يقوم موسى بدور الكاهن لأنه إلى أن تتمّ مراسم التكريس، لا يوجد كهنوت رسمي يقوم بها، فيقوم موسى بذلك بالنيابة عن الله. تذكروا في الإصحاح أربعة وعشرين عندما كانت طقوس ختم العهد لموسى أن الله أمر موسى أن يبني مذبحًا حجريًا ويَذبح عليه حيوانات؛ ولكن لم يكن الكهنة هم الذين يقومون بهذه الذبائح…لأنه لم يكن هناك أي كاهن بعد… بل كان بعض الشباب الذين تم اختيارهم (وهم أبكار ذكور أهل البيت) هم الذين يقومون بالذبح.
كان الثور أو الفحل يؤتى به إلى منطقة الساحة الخارجية للخيمة بالقرب من خيمة الاجتماع، أي الحرم. بالطبع كانت الخيمة المقدسة بجوار المذبح النحاسي مباشرة. يَتلقى إسرائيل الآن عرضًا مرئيًا لمعنى مبدأ الاستبدال؛ يَضع الكهنة جميعًا أيديهم على الثور. هذا يُمثّل انتقال خطية الكهنة إلى الثور…. أي أنّ الثور يصبح بديلاً عنهم…. يحمل الثور الآن الخطيئة التي كانت خطاياهم. ثم يُقتل الثور ويُسلخ جلده ويُقطع إلى أجزاء. يُجمع جزء من دم الثور في سطل برونزي طقسي ويُرش الدم على قاع المذبح، ويُنثر بعضه على قرون المذبح. عادةً ما يتمّ ربط الثور بأحد قرون المذبح، ولكن ليس في هذه الحالة، جزء مما كان يحدث هنا لم يكن تكريس الكهنة فحسب، بل كان تكريس لخيمة الاجتماع وأوانيها وحتى المذبح النحاسي نفسه. وإلى أن يُقتل الثور ويُراق دَمه ويُستخدم لتطهير المذبح، لم يكن المَذبح صالحًا للاستخدام. ولكن بمجرد إتمام ذلك، يُمكن بعد ذلك إحراق لحم الحيوان المذبوح على المذبح. ومع ذلك، لاحظوا أن أجزاء الثور التي كانت توضع على المذبح لم تكن تَشمل لحم الثور. فقط الشحم الذي كان يُغطي أعضاءه الداخلية كان يُستخدم. أما باقي الحيوان بأكمله، بما في ذلك اللحم والعظام والجلد، فكان يؤخذ خارج معسكر بني إسرائيل وهناك يُحرق ويُقدم على أنه ما يُسمّى بذبيحة الخطيئة.
في الكتاب المقدس يُعتبر الشحم أثمن جزء من الحيوان. لذلك فإنّ الجزء الأكثر قيمة فقط كان يُقدَّم ليَهوَه على مذبح النحاس في هذه الذبيحة الخاصة: ذبيحة التكريس هذه. أما باقي الحيوان فلم يُقدم على مذبح النحاس، ولا حتى داخل معسكر إسرائيل. في الحقيقة أعتقد أنّ هذه الذبيحة الأولى للثور في خيمة الاجتماع كانت نموذجاً لذبيحة أخرى خاصة جدًا باستخدام عجل أحمر، والتي ستأتي فيما بعد. أذكر هذا لأن الذين يحبون النبوءة منكم يَعلمون أن ذبيحة العجل الأحمر ستكون مطلبًا مهمًا للتخصيص….. التكريس تحديدًا…. للهيكل الجديد الذي سيُبنى في أورشليم يومًا ما، وأظن أنه ليس بَعيد من الحاضر.
كما ترون يجب أن ننتبه إلى سِمة أكثر غرابة وغموضاً في هذه الذبيحة الافتتاحية للثور ثم العجل الأحمر، لأنه في كلتا الحالتين لا تُقدم الذبيحة في مكان مقدس، ولا حتى في مكان طاهر طقوسيًا كما يَتوقع المرء….. بل في مكانٍ نجس، خارج مخيّم إسرائيل. من القواعد الجيدة لفهم لغة الكتاب المقدس في العهد القديم أنّ "خارج المخيم" تشير إلى تلك المنطقة التي تعتبر نجسة طقسيًا. كانت تتمّ جميع الذبائح العادية والمنتظمة التي كان على إسرائيل تقديمها فقط على مذبح النحاس الذي كان، بالطبع، "داخل المخيم" وطاهرًا طقسيًا. سنتحدث أكثر عن ذلك في الوقت المناسب.
بعد ذلك، وبدءاً من الآية خمسة عشرة، يتمّ تقديم محرقة أخرى؛ ولكن هذه المرّة فقط باستخدام كِبش، أي خروف ذَكَر. ومرة أخرى يضع هارون وأبناؤه أيديهم على الحيوان، وهكذا يتعرفون على الكبش كمُمثل لهم، كبديل لهم. يُذبح الكبش ويُجمع دمه ويُقطع الكبش إلى أرباع. هناك طقوس غَسل الأعضاء الداخلية، والآن يمُكن إحراق الكبش على مذبح النحاس لأن الذبيحة السابقة (للثور) هي التي طَهرت المذبح نفسه بحيث يمكن استخدامه الآن للغرض المقصود منه.
ثم يتُم التَضحية بكبش ثانٍ باتباع نفس الإجراء الأساسي المتبع مع الأول. ولكن هذه المرة يَتم وضع بعضًا من دم الكبش على شحمة الأذن اليمنى لهارون وبنيه ثم إبهاميهما الأيمنين ثم أصابع أقدامهم اليمنى الكبيرة. تذكروا ما تعلمناه عن الاتجاهات اليمين واليسار….. اليمين دائمًا هو الجانب أو الاتجاه الأكثر أهمية والأكثر قداسة، كما أن الشرق هو الأكثر قداسة وأهمية من بين الاتجاهات الأربعة للخريطة.
ثم يُرش بعضٌ من دم الكبش على الكهنة وملابسهم. بعضٌ من شحم هذا الكبش مع خبز المتزا، الخبز غير المُختمر (تذكر أن الخمير يرمز إلى الخطيئة، لذا، باستثناء حالات نادرة، فإن الخبز المُستخدم في الطقوس هو خبز غير مختمر)، يُعطى للكهنة ويقدمونه كتقدمة متموجة. وهذا يعني حرفيًا أنهم يرفعونه فوق أكتافهم ورؤوسهم ويُحركونه ذهابًا وإيابًا في حركة تلويح. ثم يأخذون القربان المُلوّح ويضعونه على مذبح النحاس ويُحرقونه.
ثم يُوضع صدر الكبش جانبًا لموسى؛ وبعد أن يُقدمّه موسى كتقدمة تلويحية يجوز له بعد ذلك أن يستخدمه لطعامه الخاص. ثم يُعطى هارون وأبناؤه الجزء المتبقي من الكبش؛ ليَسلقوه ثم يجلسون عند مدخل المقدس، أمام الباب ويأكلونه.
كان من المقرر أن تتكرر معظم عناصر مراسم التكريس هذه لمدة سبعة أيام. لماذا سبعة أيام؟ لأن سبعة هو عدد الإكمال…هذا يَعود إلى الخلق نفسه. في الواقع هناك رَبط مقصود بين قصة الخلق وتأسيس إسرائيل، وسنرى العديد من العناصر المشتركة لهذا الارتباط تَظهر مع تقدمّنا في هذا الموضوع.
بدايةً من الآية ثمانية وثلاثين، نَجد مخططًا عامًا إلى حدٍ ما للذبائح اليومية النموذجية. يتم التوسّع في ذلك كثيرًا في سِفِر اللاويين، وسننظر في كل نوع من الذبائح وأهميته خلال دراستنا لسِفِر اللاويين. بالمناسبة، لا تظنوا أن دراسة هذه الطقوس مملّة أو تافهة. إذا كنتم تريدون أن تفهموا طبيعة الخطية والذبيحة فإنّ سِفِر اللاويين هو المكان حيث ستجدون ما تريدون.
يَنتهي هذا الإصحاح من سِفِر الخروج بتذكير الله لإسرائيل، مرة أخرى، بمن هو ومن هم. وأنه مع التكريس الكامل لخيمة الاجتماع والكهنوت يَستطيع الله الآن أن يفعل الشيء الذي يرغب بفعله مع شعبه: أن يَسكن معهم. سنرى مرارًا وتكرارًا هذا النوع من العبارات في التوراة، ولسبب وجيه جدًا: في تلك اللحظة كان هؤلاء الثلاثة ملايين عبراني لا يزالون مصريين في تفكيرهم أكثر بكثير من كونهم إسرائيليين. إنّ الطرق الجديدة الجذرية التي كان الله يريهم إياها ستستغرق وقتًا وتكرارًا وبراهين بصرية ويد الله الحازمة في التأديب حتى يستوعبوها. في الواقع سوف يستغرق الأمر ما يقرب من أربعين عامًا حتى يَتغير إسرائيل بشكل كبير بما يكفي ليسمح لهم الله حتى أن يدوسوا أرض الميعاد كنعان.