الخروج
الدرس الرابع والعشَرون – الإصْحاحان الرابع والعَشَرون والخامس والعَشَرون
لقد شَهِدنا في الإصْحاحات العَديدة الأخيرة من سِفر الخُروج أن يَهوَه يُقدِّم عَهدَه لشَعب إسرائيل. وخِلافاً للعُهود التي قَطَعَهُا الربّ مع نوح وإبراهيم (والتي كانت في الحقيقة على شَكل وُعود من الله وبالتالي لم تَتَطلّب قُبولًا رَسمِياً من نوح أو إبراهيم)، فإن العَهْد الذي قَطَعَهُ مع بني إسرائيل يَتَطَلّب قُبولًا رسمياً. يُسَمّى هذا القُبول الرّسمي أيضاً تَصْديق. لذلك دَعونا نَذهب إلى الإصْحاح الرابع والعَشَرين ونرى كَيف تم التّصديق رسْمياًّ على هذا العَهْد بَيْنَ الله وبني إسرائيل.
إقْرأ الإصْحاح أربعة وعشرين من سِفر الخروج
يَقول يَهوَه لِموسى أنّه هو وأهارون وأبناه ناداب وأبيهو وسَبعين من القادة (ربما رُؤساء شُيوخ إسرائيل) يَجِب أن يَتقرّبوا إلى الله. لا يُمْكِننا أن نَكون مُتأكّدين ما إذا كان العّدَد سبعين دَقيقاً أو رَمْزياًّ؛ لأن في الأدَب العبري غالباً ما تكون الأرقام التَقْريبيّة مِثل هذه رَمزيّة. قد يَكون سبعون هو العَدَد الفِعلي وفي نَفْس الوقت الذي يَرمُز فيه إلى الكُلّية أو الشُمولية؛ أي أن هذه المَجموعة تُمثّل بني إسرائيل بالكامل. يَجب على الجميع أن يَسجِدوا مُنخَفِضين من بعيد. مِن المُحْتَمَل أن هذا كان يعني أنه لم يَكُن عليهم أن يَعبُروا خُطوط الحدود التي تَرونها هنا في هذه الصُوَرْ التي التُقِطت في المَوْقع والمُحَدّدة بِعناية بِسياج حَجَري، والتي كانت تفصُل الجبل المُقَدَّس حيث كان الله مَوْجوداً، عن أرْض الوادي؛ كان موسى وَحْدَه هو الذي سيَعْبُر تلك الحدود ويَطأ جبل سيناء. بالنِسبة لأولئك الذين هم جُدَد بالدّرس نِسبياً، هذا ليس في المَوْقع التّقليدي لِجَبل سيناء في شِبه جزيرة سيناء، بل في موقع في شبه الجزيرة العربية أَعْتَقِد الآن أنه المَوْقع الأكثر احْتمالاً أن يَكون جبل الله… وهو المَوْقع الذي قال عنهُ القدّيس بولس وفيللو ويوسيفوس وآخرون أنه كان مَوقع الجَبل المُقَدَّس.
هذه خريطة توضِح مَكان ذلك المَوْقع وقد التُقِطَت هذه الصُوَرْ.
صَعد موسى وعِندما عاد إلى الأسْفل، كان ذلك مع تَعليمات من يَهوَه ليَتلو مَرّة أخرى جميع الأحكام التي أعْطاها الله لبني إسرائيل والتي نراها مُدرجة في إصْحاحات الخُروج من الإصْحاح التاسع عَشَر إلى الثالث والعَشَرين. كان الغَرَض من ذلك هو تقديم شُروط العَهْد إلى الشّعْب؛ وكان رَدّهُم: "سَنُطيع". والآن، لنَعُد سَريعاً إلى مُصْطَلحَيْن بالعِبْرِيّة، دبار وميشبات، لأنه حيث يُقال في سِفر الخروج أربعة وعَشَرين فقرة ثلاثة أن موسى تلا كلّ "الأحكام"، أو رُبّما في كُتبِكُم المُقَدَّسة، الكَلِمات أو الشرائع، تقول العِبْرِيّة الأصلية أن ما تَكلّم عَنه موسى للشّعب هو مِشبات ودبار الله. هل تَذْكُرون ما هي الكَلِمَة العِبْرِيّة لِلوَصايا العَشَر؟ كانت دبار …. الدبار العَشَرة… بالإنجليزية "الكَلِمات العَشَر"؛ وبَعد أن حَصَل بنو إسرائيل على الدَبار العَشَرة في سِفر الخُروج عَشَرين، قال الله في الآية الأولى من سِفر الخروج واحد وعَشَرين، أنه سَيُعطي بني إسرائيل الآن مِشباته، نظام عَدْلِه… ما أَعْتَقِد أنه يَجِب أن نَصِفَه بِشَكْل صَحيح أكثر بأنه إنْجيلَه. لذلك كما سَيَكون صَحيحاً تماماً (ضَرورياً تماماً، حقاً) أن موسى أعاد ذِكْر الوصايا العَشَر ثم جميع القواعد والأحْكام الواردة في خروج من واحد وعَشَرين الى ثلاثة وعَشَرين للشعب، والتي اسْتَجابوا لها وأطاعُوها. كان هذا إجراءً اعْتِياديّاً للمُصادقة على العَهْد في تِلك الأيام.
لقد قيل لنا أن موسى كَتَبَ هذه الكَلِمات؛ على عَكْس ما يُريدُنا بعض اللاّهوتيين الليبِراليين أن نُصَدّقه، فالحقيقة هي أنه قيل لنا هنا أن كلّ الشَرائع التي أُعْطِيَت حتى هذه اللّحظة قد سُجِّلَت، كُتِبَت، في هذه اللّحظة….. ليْس فيما بعد، من الذاكِرة. ثم بنى موسى مَذْبَحاً… تَذَكَّروا أن المَذبح ليس نُصُباً……إنه المكان الذي تُضَحّي فيه؛ إنه مَكان يُذبَح فيه عادةً حَيواناً بِشَكْل طقوسي، وبنى موسى إثني عَشَر عَموداً لتَمْثيل أسْباط إسرائيل الإثْنَي عَشَر، وتُسَمّى عادةً "العَواميد القائِمة"، وهي عِبارة تكون عادةً عن نُصُب تِذكارية لشَيء يُنسَب إلى عَمَل من أعْمال الله. كان اسْتِخدام العَواميد القائمة شائعاً بَيْنَ شُعوب الشرق الأوسط القديم.
ثم نرى بعد ذلك الذَبيحَة الإحتفالية؛ وهذا جِزء ضَروري ومِعْياري من كُلّ عَهْد من عُهود الشّرق الأوسط. كانت الحيوانات تُقتَل ثم تُقطّع عادةً إلى قِطَع….أو بالعِبْرِيّة الأكثر حَرفية "تُقسّم بِشَكْل صحيح" (نعم، هذا صَحيح، ذلك القَوْل المَسيحي القديم عن القِسْمة الصّحيحة لِلكتاب المُقَدَّس قد أُخِذ خارج السّياق تماماً….. لأن "القِسْمة الصّحيحة" كانت تتعلّق بالتّقطيع الصّحيح للحيوان الذَبيحَة، ولم يَكُن الأمر يتعلّق بِتَفسير الكتاب المُقَدَّس). كانت قِطع الذَبيحَة تُرتَّب حَوْل المَذبح، ثم عادةً ما كان الطّرفان المُتعاهِدان يَمشيان مَعاً بَيْنَ قِطَع الذَبيحَة المُقطّعة. لم يُقال لنا ما إذا كان ذلك قد حَدَثَ هنا، ولكن من غير المَعقول تقريباً أنه لم يَحْدّث. كان بعض الدّم يُجمَع في أحواض ويُرَشّ على الشّعب. والسّبب؟ هذا يَدُل على أن دم العَهْد شَمَلَهُم أو غَطّاهم.
من المُثير للإهتمام أنه قيل لنا أن "شباباً" أُرْسِلوا ليَقوموا بالذبح. تقول العديد من التَفسيرات إنه كان من الضّروري أن يَتِم اخْتيار الشُبّان الذين يُفترَض أنهم اخْتيروا لأنهم كانوا أقوياء، لأن الثيران هي التي كانت ستُقدَّم ذبيحة والثيران كبيرة وثقيلة. لكن في المَقاطع اللاحقة من التوراة التي تُشير إلى التّضحِيَة بالثيران (التي كانت شائعة) لا يوجد أي نَصيحة باسْتخدام الشّباب أو الرِّجال الأقوياء بِشَكْل خاص لحَمْل جِثَث الثيران. إليكم السّبب: لم يَكُن الشُبّان الذّين تمّ الحديث عنهم مُجّرّد شبّان عاديين بل كانوا أبْكاراً. نحن لا نرى في هذا المَقْطَع أنهم كانوا مُجَّرّد رجال أقْوِياء يَقومون بِحَمْل الأثقال بَيْنَما يقوم الآخرون بأداء الطُقوس، بل هم الذين قاموا بالفِعل بِعَملية الذّبح. لماذا لم يَقُم الكهنة اللاويّون بالذّبائح؛ فربما كان هذا هو واجبَهم الأساسي؟ لأن الكَهْنوت لم يَكُن قد تأسَّس بَعْد، كما سيَحْدُث قريباً.
قبل أن يتأسَّس الكَهْنوت كانت كل عائِلة (على حِدة) تقوم بالطقوس التي كانت تتبَعها تَقليدياً….. ونحن لا نَعرِف على وَجْه التّحديد ما هي هذه الطقوس. كانت التّضحية بالحيوانات والطّعام والأشياء المُقَدَّسة أمْراً عاديّاً وتَقليديّاً في جميع الثقافات الشرقية القديمة المَعْروفة، ومن المُحْتَمَل أن بني إسرائيل في مَصر كانوا يَقومون بِشَيء مُماثِل ولكن السؤال هو: من كان يقوم بهذه القَرابَيْنَ والطُقوس داخِل كل أُسْرة؟ إجابَتنا المُعتادة هي أنه سَيَكون الذَكَر الأكبر أو الأب (أو ربما الجدّ إذا كان يعيش في تلك الأسْرَة الكبيرة). ولكن لم يَكُن الأمْر كذلك، بل كان الذَكَر البِكْر هو الذي يؤدّي هذه المهمّات. تَذَكَّروا أن البِكْر لا يعني أكبَر الذّكور سِناًّ في البيت، بل يَعني أوّل ابن أنْجَبَتْه زَوجة الرّجُل له. لم يَكُن الأب أو الجدّ في البيت بِكراً بالضرورة.
سَيَلعَب هذا الواقع في الحياة العبرانية دَوْراً هاماً فيما بعد في سِفر اللاويين ثم في سِفر العَدَد. كان البِكْر يَحظى بِشَكْل أو بآخر بِكَانة "كاهِن العائلة"؛ ولكن فقط إلى أن أسّس الربّ كَهْنوتاً رسْمياً (الذي سيأتي من سَبَط لاوي). بمُجّرّد تأسيس الكَهْنوت لم تَعُد العائلات الفَرْدية قادِرة على تقديم ذَبائحها الخاصة على مذابِحها الخاصة وبِطُرُقها الخاصة، وبِنَفس القَدَر من الأهمّية، فقدَ الآلاف من أبكار بني إسرائيل مَكانتهم القيّمة ككاهِن العائلة؛ ونجد في أجزاء لاحِقة من التوراة إشارات خفيّة عن عُزوف العائلات عن التخلّي عن طُقوسِها الخاصة، وعن تنازُل الأبكار عن حُقوقهم ككاهِن العائلة لبعض أفراد سَبط لاوي.
حسناً، بعد أن يَصعد موسى إلى الجَبَل ويَنْزل يُقرأ كِتاب العَهْد، الوصايا العَشرة والشَرائع مَرّة أخرى، ومَرّة أخرى يَسْتجيب الشعب بأنهم سَيُطيعون. هذا أمْرٌ نَموذجي من طقوس العَهْد.
ثم في الآية التاسعة يَحْدُث شيء غير عادي وغير مُتوقَّع: يأذن الله لهارون وإبْنَيْه والشيوخ السّبعين بِعُبور السور الحُدودي وبِوَضع أقدامهم على جَبَلِه المُقَدَّس. بالطبع! كان دمّ ذبيحة العَهْد قد كَفّر عن خطايا الشعب، والآن يُمكن لمُمَثّلهم أن يَقترب من الله. هذا هو بالضّبط كما هو الحال معنا ومع المسيح: عندما نَقْبل يسوع ربّاَ ومخلِّصاً فإننا "نُرَشُّ" روحياً بِدَمه ونُغطّى بِدَمه، والآن يُمْكِننا أن نَقترب من الله، أنقِياء في عَيْنَيْه، بَيْنَما لم نكن نستطيع فِعل ذلك من قَبل.
ويقول أنهم رأوا الله. مع ذلك، وبالنظر إلى أنه "لا يُمكن لإنسان أن يرى الله ويَعيش"، وأن وَصْف ما رأوه هو شيء مُشابه جداً لما رآه القدّيس يوحنا بعد ألف وأربعمئة سنة (أي أن المنطقة التي كان الله واقفاً فيها كانت مَرْصوفة بالحِجارة الكَريمة)، فلا بدّ أن هذه كانت رؤية. يقول الحكيم اليهودي راشبام أن ما حَدث هنا مُشابِه تماماً لما حَدَث مع إبراهيم في لحظة قَطع العَهْد الذي قَطَعَهُ الله معه……ظهر لإبراهيم تجلّي بَصَري لله على شَكل إناء نار مُدخّنة. من الواضح أن إناء النار الدُخاني لم يَكُن صورة الربّ الحقيقية، وما رآه أولئك الرجال الذين سُمح لهم بِصُعود جبل سيناء لم يَكُن صورة الربّ الحقيقية، وقد تناوَلوا العشاء مع الله على عَكْس النتائج المُعتادة لمُشاهدة حضور الله التي هي الهلاك؛ وهذا هو المقصود من العِبارة، "ولم يمدّ الله يدَه عليهم….."
الآن، أَعْتَقِد أن ما نراه هنا هو تَمْهيد لِوَليمة زواج الحَمَل العظيمة والمُسْتقبلية حيث سَيَرتبط جميع المؤمنين بِزواج رسْمي (على عكس حالة الخُطبة الحالية)، اتّحاد رَسْمي ومُكْتمِل بالمسيح مَصْحوباً بِوَليمة احتِفالية عظيمة. هذا الأكل معاً هو جزء آخر لا غِنى عنه من طقوس العَهْد….. إنه يُكمل العَهْد. مَرّة أخرى، عَهدنا واتَّحادنا مع المسيح لم يَكْتَمِل بعد بِشَكْل كامل؛ ولكنّه سَيَكتمِل بنسبة مئة في المئة عند إضفاء الطابع الرّسمي على عَهْد المسيح عندما نَجلس نحن الّذين قَبِلنا شروط ذلك العَهْد، الإيمان بِيَسوع الناصري، عند قدمَيْ ربّنا ونتناول الطعام معه في وليمة زواج الحَمَل. هذا يُشعر بالقَشْعَريرة، أليس كذلك؟
انتهى الاحْتفال واكتمَلَ العَهْد الآن. لم يتجدَّد أبداً، لأنه لم تكُن هناك حاجة لتَجديده، فالعَهْد دائم (على الأقل حتى نهاية الدّهر).
في الآية الثانية عشرة دعا يَهوَه موسى إلى جَبَلِه وأعْطاه الكَلِمات العَشَر، أي الوصايا العَشرة، المكتوبة على ألواح حَجَرية بإصْبع الله نفْسه. من المُثير للإهتمام أن يسوع صَعِد مع موسى؛ وعلى الرغم من أن يسوع لم يُذكَر إلا بإيجاز ثم لم يُذكَر أي شيء آخر عنه، إلا أن ذلك يوضِح كيف أن الله قد بدأ مُبْكِراً في عملية فَصْل وتدريب يشوع بن نون، القائد القادِم لإسرائيل. بقِيَ أهارون وحور مسؤولين عن المخيّم. لم يَكُن حور إبناً لأهارون، ولكن التقليد يقول إنه كان صُهراً. على الأقل كان من الواضح أنه، بالإضافة الى أبناء أهارون الطّبيعيين، كان حور رَجُلاً مُختارأً خصّيصاً ليَكون مُساعداً لأهارون.
لقد قيل لنا أن شعب إسرائيل شَهِدوا مَجْد الله (بالعِبْرِيّة كافود) الذي كان يتَّقِد كنار لا تَنْطَفئ على قمّة ذلك الجبل المُقَدَّس، من الأسفل في قاع الوادي الذي نَزل عليه الثلاثة ملايين الذين كانوا مُخيّمين فيه. على قمّة ذلك الجبل، مُحاطاً بِحُضور يَهوَه المُذهِل، مَكث موسى أربعين يوماً وأربعين لَيْلة، ومن الواضح أنه تلقّى أكثر التعاليم كثافة وأهميّة التي اختبرَها إنسان على الإطلاق. مع ذلك، قيل لنا أيضاً أن أوّل ستة أيام من تلك الأيام أخفَت السحابة حُضور الربّ، وفي اليوم السابع بدأ الربّ في إعْطاء موسى المزيد من التعليمات. كانت تلك الأيام الستة الأولى نَوْعاً من الاستَعُداد لموسى؛ وقتاً للتأمّل الروحي قبل أن يقف في حضرة الله القدير.
لننتقل إلى الإصْحاح الخامس والعشرين، ولكن قَبْل أن نقرأ هذا الإصْحاح، أودّ أن أقوم بِنَوْع من التّمهيد له.
أنهي الإصْحاح أربعة وعشرين القسم الثالث من سِفر الخروج، المُسمّى العَهْد والشريعة. مع الإصحاح الخامس والعشرين، نَدخل في القسم الرابع، وهو مَوضوع جديد ومَرْكزي في سِفر الخروج، يتعلّق بخَيْمَة الإجتماع والطقوس المُرتبطة بها.
على الرغم من أهميّة بِدْء أعمال يَهوَه في خَلق العالم وخَلْق الجِنس البَشَري وسقوط آدم والطوفان الذي طهّر الأرض مُؤقتاً من الشرّ المُسْتَشْري وقصّة إبراهيم كأول العبرانيين وقصّة يعقوب كمُؤسّس أسباط إسرائيل وتاريخ سّبي بني إسرائيل في مصر والآن خروج العبرانيين، كل ذلك لا يَحمل أهميّة كبيرة لما نحن على وَشك دِراسته….. خَيْمَة الإجتماع، مَسْكَن الله الأرْضي.
دَعْني أخْبرك مدى أهميّتها: إنها مهمّة بما فيه الكفاية لِدَرجة أنه تمّ تناوُل كل أو أجزاء من خمسين إصحاحاً في التوراة مع بِناء وخِدمة خيْمَة الإجتماع. كل التفاصيل الدقيقة في بِنائها والأدوات المُسْتَخدَمة والملابس التي تُلبَس وكَيْفِيّة إجراء طقوس العِبادة ومَن كان يجب أن يقوم بها وغير ذلك من التفاصيل، قد وضَعها يَهوَه مع الطّلب المتكرّر "إصْنعها حسب النّمط الذي أرَيْتُك إياه". لقد تمّ شرح نِظام الذبائح بِشَكْل جاد: أي حيوانات مُناسبة لمُختلف الذبائح وأي نَوْع من الذبائح لأي غرَض وكَيْفِيّة قتْل الحيوان وتَجهيزه ومَن يُمكنه المُشاركة في المَقصود ومن لا يُمكنه ذلك وأكثر من ذلك بكثير.
والآن اسْمعوا هذا؛ لقد افْتَرَض كتَبة العَهْد الجديد اليهود أن قُرّاء الرسائل والأناجيل المُخْتَلِفة (التي جُمِعت في النهاية في قانون الكتاب المُقَدَّس) كانوا يَفْهمون مُسبقاً الغرَض من الخَيْمَة المُقَدَّسة ونِظام الذبائح. لقد بدأ كتّاب العَهْد الجديد في مَرْحلة كان من المُفْتَرض أن يكون فيها قُرّاؤه على دِراية مُسْبقة بِكُل النّقاط الأساسية في المُجْتَمَع الإسرائيلي والتقاليد والعِبادات الإسرائيلية….. بما في ذلك الهَيْكَل وخَدَماته والطقوس المعقّدة للذبائح والتّطهير وتاريخ بني إسرائيل وكَيْفِيّة الزواج والحياة العائلية وما إلى ذلك ومن أين يُمكن للمرء أن يَحصل على كلّ هذا الفِهم الأساسي؟ حسناً، إذا لم يَكُن المَرْء يعيش في ذلك المُجْتَمَع، فلا بدّ أن يكون ذلك من خِلال دِراسة وفَهم سِجّلات ذلك المُجْتَمَع والشرائع التي وَضَعها الربّ لتَحْكُمه: العَهْد القديم.
إن التوراة كلّها تدور حَوْل التعليم؛ وهكذا فإن خَيْمَة الإجتماع ونظام الذبائح هي لِتَعليمنا الإنجيل. إنها لِتَعليمنا هَدَف بني إسرائيل ولتعليمنا قَداسة يَهوَه. إنها لتعليمنا التّكلِفة العظيمة والرَّهيبة التي سَتَكون ضَرورية لغُفران خطايانا.
سَنَجِد عدداً من الأسماء لخَيْمَة الإجتماع في الكتاب المُقَدَّس. فقد كان يُطلَق عليها إسم "مزار"، بالعِبْرِيّة "مِقدُش" (ميك-دوش)، أي مكان مُقَدَّس وطاهِر. كما كان يُطلَق عليه أيضاً "مَعبد"، بالعِبْرِيّة "مشكان" والتي تعني بالعِبْرِيّة "مَسْكَن"، وفي هذه الحالة مَسْكَن يَهوَه. كانت "خَيْمَة" إسماً آخر، بالعِبْرِيّة "أوهيل"، الذي يُشير إلى خَيْمَة قُماشيّة بسيطة على الطَّراز البدَوي؛ و"خَيْمَة الإجتماع" كان تعبيراً آخر مُسْتَخدم، بالعِبْرِيّة "أوهيل مود"، ويعني حرفياً، خَيْمَة الأوقات المُعيّنة؛ وكان هناك تعبير آخر هو "خَيْمَة الشهادة"، بالعِبْرِيّة "مشكان ها إدوث"، أي مَسْكَن الشهادة…. أي المكان الذي توجد فيه الوصايا العَشر، وقد سُمّي بخَيْمَة الإجتماع وخَيْمَة موسى. في حين أن المعاني الدقيقة لكل من هذه المُصْطَلحات تُركَّز على جوانب مُختلِفة من جَوْهر خَيْمَة الإجتماع، إلا أنها كلّها تشير إلى نَفْس الهَيْكَل؛ ذلك المَسْكَن المُتَنَقّل ليَهوَه، الذي استخدَمه بنو إسرائيل بِدءاً من جبل سيناء وطوال فترة وُجودهم في البرية، ثم لمدة أربعمئة سنة بعد ذلك، إلى أن أقام سُليمان مبنى دائم من الحَجَر والخَشَب. كان يُسَمّى هذا البِناء الحَجَري والخَشبي الهَيْكَل. الهَيْكَل وخَيْمَة الإجتماع هما شَيْئان مُختلفان، لكنّهما بُنِيا لنَفس الغرَض؛ في الواقع كان الهَيْكَل مُجّرّد نسخة دائمة غير مُتَحرّكة من خَيْمَة الإجتماع والآن، حتى الهَيْكَل قد اسْتُبدل؛ لأن هذه الأجساد الرقيقة الجّسدية التي نَسير فيها نحن المؤمنين هي خَيْمَة الإجتماع، الهَيْكَل، المكان الذي يَسكن فيه روح يَهوَه القُدّوس. ألَيْس مُثير للإهتمام كيف أن خَيْمَة الإجتماع الأصلية كانت مُتَنَقّلة، خَيْمَة مُؤقتة؛ وبعد فترة طويلة من اسْتبدالها مَرّة أخرى بِمَسْكَن الله، نحن، خَيْمَة ذات عُمر محدود، صُمّمَت لتذهَب حيثما أراد أن يوجّهنا. سوف يتَنقّل بنو إسرائيل لمدة أربعين سنة، لذلك كان على مَسْكَن الله أن يَنْتَقِل مَعهم إذا كان يجب ان يكون حاضراً معهم. ثم استقرّ بنو إسرائيل في أرْض الميعاد، فاستقرّ مَسْكَن الله في الأرض؛ بالتالي إذا أرَدْت أن تأتي إلى الله، تأتي إلى الهَيْكَل في إسرائيل. بدءاً من يسوع أصبَحنا نحن هَيْكَل الربّ، مَسْكَنه الأرضي (وليس السّماوي). لذلك عندما نأخُذ كلِمته إلى العالم، يَذهب معنا.
كان للخَيْمَة غرَض أساسي واحد: مكان طاهِر ومُقَدَّس بِشَكْل خاص حتى يتمكّن يَهوَه من السّكن وسط شعبه. وثانياً كان مَكاناً يلتقي فيه شَعبه وجَماعته معه. كان للخَيْمَة أيضاً سِمَة أساسيّة واحدة: كانت مَرئية وكانت مَوْضوعة في وسط مُخيَّم إسرائيل. لقد وُضع هناك لتذكير شعب الله بِحضوره الدائم معهم. كان هناك لتذكير الشعب بالابْت~عاد عن الآلهة الأخرى وعِبادة الأوثان وخِدمة يَهوَه ويَهوَه فقط.
كان مخيَّم بني إسرائيل المكوّن من مئات الآلاف من الخيام يُحيط بخَيْمَة الإجتماع ونُظمت الأسباط في ترتيب دقيق، ووُضعت بِعناية في كل جانب من الجوانب الأربعة لخَيْمَة الإجتماع. إلى الشرق كانت الأسباط الثلاثة، أسباط يسّاكر ويهوذا وزبولون، تتألف من /ئة وستة وثمانين ألف رجلاً، وإلى الغرب كانت أسباط مناسيه وإفرايم وبنيامين، وكانت تتألف من مئة وثمانية آلاف ومئة رجلاً، وخِيَم في الجانب الشمالي كانت لأشير ودان ونفتالي وتتألف من مئة وسبعة وخمسين ألف رجلاً، وفي الجنوب كان هناك مئة وواحد وخمسين ألف وأربعمئة رجلاً يُشكّلون أسباط سِمعان وراوبِن وجاد. تم وُضِع اللاويين بالقرب من خَيْمَة الإجتماع، وتم تقسيمهم حَسب العائلة وَوضعهم على الجوانب الأربعة، كحَلقة داخلية بَيْنَ خَيْمَة الإجتماع والإثْنَي عَشَر سَبطاً، كمِنطقة عازِلة؛ وكان عدد اللاويين إثنين وعشرين ألف وثلاثمئة رجلاً.
لاحِظ أنني قُلت رجالاً. فأي إحصاء لبني إسرائيل كان يُحصي الرجال فقط. وحتى في ذلك الوقت كان الرّجال القادرون على القتال في الجيش فقط؛ أما الذكور الذين كانوا صِغاراً جداً أو كباراً جداً أو مُعاقين فلم يتم إحصاؤهم. لذلك عند إضافة النساء والأطفال والمرضى والمُسنّين، كان هناك ما يقارب ثلاثة ملايين إسرائيلي يحيطون بخَيْمَة الإجتماع تلك؛ والآن، كانت تلك مدينة خِيام كبيرة، أليس كذلك؟
لم يَكُن ترتيب تمركُز القبائل حَوْل خَيْمَة الإجتماع عَشوائياً. كانت كل مجموعة من ثلاثة أسباط تمثل تخييم أولئك الذين كانوا أقرب الأقرباء بالدمّ لبعضهم البعض. على سبيل المثال: كان منسى وإفرايم، وهما أخوان، يَحملان سُلطة أبيهما يوسف. كانا مقترِنين مع بِنيامين. وكان بِنيامين ويوسف من نفس الأم، راحيل. لذلك شكّلت هذه الأسباط الثلاثة جماعة وهكذا خيّموا معاً.
كان سمعان وروبَيْنَ ابني زوجة يعقوب الأولى، ليا. وبما أن لاوي، وهو ابن آخر لليا، كان قد خُصّص كقبيلة كهنوتية (لم يعد يُعتبر من الأسباط الإثْنَي عَشَر) فقد أخذ جاد مكانّه في تنظيم المُخيّم. لماذا جاد؟ لأن جاد كان ابن جارية ليا، زيلبا.
كان يهوذا وإيساكر وزفولون أصغر ثلاثة أبناء ليا. لذلك تم تنظيمهم للتّخييم معاً.
ووُلد دان ونفتالي من جارية راحيل، بيله، وكانا مُقترنين مع الابن الأصغر لأمّة لايا، أشير.
لذلك كان ترتيب المخيّمات يُشير إلى نَوْع من الترتيب التراتبي للقبائل، وأنا متأكّد، خاصة في نظام القبائل، بأن الدم أكثر سماكة من الماء، فمِن خلال تجميعهم بهذه الطريقة تم تقليل المشاكل بَيْنَ القبائل إلى الحدّ الأدنى.
الآن لاحظوا رَمزية وَضع موسى وهارون والأُسَر الكَهْنوتية واللاويين ومَجموعاتهم الفرعية المراريين، والقهاتيين والجرشونيين، بالقرب من بعضهم البعض ليُحيطوا بخَيْمَة الإجتماع، مثل خَندق مائي حَوْل قلعة؛ وجميع الأسباط الإثْنَي عَشَر النظامية متمركزة بعيداً عن مَسْكَن الله. لدينا هنا مفهوم الوَساطة في العمَل. الكهنة، من سبط اللاويين المُخصّص، على وشك أن يُصبحوا وُسطاء بَيْنَ الشعب والله. لا يستطيع الشعب أن يأتي مُباشرة إلى الله، بل يجب أن يمرّ عبر الكهنة في نظام يَهوَه. إذاً المخيّم يقدّم تصوّراً لهذه الفكرة: على شعب الأسباط الإثْنَي عَشَر النّظاميين أن يمرّ بالفعل في مخيّم الكهَنة لكي يصل إلى الله (أو الأفضل أن يقْتَرب من خَيْمَة الإجتماع). الطريقة التي كانت تسير بها الأمور هي أن الشعب كان يذهب إلى الكهنة، الذين كانوا يذهبون إلى الله من أجلهم. كان هذا المفهوم كلّه نبَوياً ومُبشراً بإحدى أهمّ الخدمات الخاصة بالمسيح….. كان عليه أن يكون رئيس كهَنَتنا العظيم….. وَسيطاً بَيْنَ يَهوَه وبَيْنَنا نحن شعبه. لا يُمْكِننا أن نذهب مباشرة إلى الآب؛ لذلك نذهب إلى المسيح الذي يذهب إلى الآب يَهوَه من أجلنا.
كل مجموعة من التجمّعات (أو الأقسام) المكوّنة من ثلاث أسباط (تذكّر، كانت هناك أربع مجموعات من ثلاثة) كان لها قبيلة مُهَيْمِنة، قبيلة قائدة، وهي يهوذا (في الشرق)، أفرايم (في الغرب)، دان (في الشمال)، وراوبن (في الجنوب). تَذَكَّروا أنني أخْبَرتكم في وقت ما من قبل أن تنْتَبهوا دائماً إلى الإتجاه شرقاً في الكتاب المُقَدَّس. فلَهُ دائماً تقريباً أهميّة روحية. لقد كانت خَيْمَة الإجتماع تُنصب دائماً بحيث يكون المكان المُقَدَّس مُواجهاً للشّرق؛ وهذا هو المكان الذي كانت تقع فيه قبيلة يهوَذا. يهوذا…. القبيلة التي كان من المقرّر أن تتولى السّلطة، وفقاً لبَركة يعقوب، على كل بني إسرائيل، أي أنه كان من المُقرّر أن تكون يهوذا القبيلة البارِزة التي كانت تَحكم على جميع القبائل الأخرى، فَمِن أي سبط جاء يسوع الملك؟ يهوذا.
لاحظ أنه في الطرف المُقابل من المخَيَّم، إلى الغرب، ولكن الأقرب إلى المكان المُقَدَّس كانت قبيلة أفرايم. كان أفرايم قد أُعُطي النصف الآخر من بَرَكة المولود البِكْر المُنْقَسِمة حسب بَركة يعقوب، أي بَيْنَما أُعطي يهوذا حق الحكم على إسرائيل، أُعْطي إفرايم ثروة القبيلة وبركة الإثمار…..التي تُسَمّى بركة الجرعة المزدوجة. لقد درَسنا هذا بِعِناية شديدة في سِفر التكوين ثمانية وأربعين وتسعة وأربعين وخمسين. هذه الدّراسة حاسِمة في فهم الكتاب المُقَدَّس بأكمله. لذا، إذا فاتَك ذلك، أقترِح عليك أن تَحصل على الأقراص المُدْمَجة الخاصة بها. أَعْتَقِد أن أولئك الّذين راجعوا تلك الدِراسة بالتّحديد وَجدوا أنها فَتحت أعينهم كثيراً.
لذا فإن وَضع هذه القبائل حَوْل خَيْمَة الإجتماع كان له رمزية ومعنى نبوي هائلين. دعوني أُريكم شيئاً آخر سَيُساعدكم على فهم نبوءات أسفار العَهْد القديم والعَهْد الجديد. كان لكلّ قبيلة من القبائل الأربع المُهَيْمِنة أو القائدة رمزاً محدّداً أو شعاراً مُعيّناً تُعرف به (في الواقع كل القبائل الاثنتي عَشَرة كانت تُعرف به). جميعنا يَعلم أن رمز يهوذا هو الأسد…..حتى نحن نسمّي المسيح أسد يهوذا. حسناً، كان رمز قبيلة أفرايم عِجل ذَكَر، ثور، يَظهر أحيانا ًعلى أنه ثور ذكر، أما رمز قبيلة دان فهو أكثر غُموضاً، وكذلك القبيلة نفسها؛ تارةً كان رَمزها ثعباناً، وتارةً أخرى ثعباناً طائراً، والأكثر تقليدية أنه كان نِسراً. كان رمز راوبن رجلاً، إنساناً.
لذا، كان لكل قبيلة من القبائل الأربعة المُهَيْمِنة، التي كانت تُمثّل جميع القبائل الإثنتي عَشَرة، رمزاً: واحد كان أسداً وواحد يبدو أنه كان نِسراً وآخر فَحلاً أو ثوراً والأخير كان رجلاً أو إنساناً؛ وكانت هذه القبائل تُحيط بمَسْكَن الله الأرضي، خَيْمَة الإجتماع. كانوا يَحمون حرم الله من الغُرباء وكان الربّ يَحميهم من أعدائهم.
لا يوجد شيء في الكتاب المُقَدَّس قائم بذاته. كل شيء مُترابط. لتوضيح ذلك نَنْتقل إلى حزقيال عشرة على واحد. كان حزقيال نبياً عاش حوالي سبعمئة سنة بعد زمن موسى. بدا أن الله كان يتواصل مع حزقيال من خلال الرؤى في بعض الأحيان وبعض رؤاه كانت رؤى حقيقية. تبدأ الرؤيا التي رآها في الإصْحاح الأول من سِفر حزقيال بِمَنظر للسماء ومنطقة عَرش الله، وتتحدّث عن أربعة مخلوقات حيّة كان لها أربعة أجنِحة وأربعة وجوه. لاحظ الآن حزقيال واحد، الآية عشرة:
"… أما مَنظر وجوههم)، فلَهُم وجوه بشرية من الأمام ولكل واحد من الأربعة وجه أسد عن اليمين، ولكل واحد منهم وَجه ثور عن اليسار ولكل واحد من الأربعة وَجه نِسر من الخلف".
وقيل لنا أنه أينما ذهب روح الله ذهبوا معه.
أُفكّر. كان لكلّ من المخلوقات الحيّة الأربعة وَجه أسد ونِسر وثور وإنسان.
الآن أين رأينا للتو نفس هذه الرُموز؟ صحيح! تلك كانت الرُموز المُمَثلة لأسباط إسرائيل الأربعة المُهَيْمِنة. صُدفة؟ بل أكثر من ذلك، مِثلما كانت أيْنَما ذهبَت خَيْمَة الإجتماع مع روح الله، كان بنو إسرائيل يذهبون معها؛ بالتالي كانت هذه المخلوقات الغريبة تذهب حيثما ذهب روح الله.
لاحِظ شيئاً آخر: كان الأسد إلى اليمين. كان يمين أي شيء، في الكتاب المُقَدَّس، يرْمز إلى الأفضل، والمُسيْطر والأقوى أو الأهمّ، وفي بعض الأحيان كان يرمز إلى المكانة المُقَدَّسة. على سبيل المثال، كانت اليد اليُمنى والعين اليُمنى والقدم اليُمنى تَرمز إلى الأفضل أو الأهمّ وكان اليسار يَرمز إلى الأقل قيمة.
كان يَرمز اليمين أيضاً إلى الشرق. كان اليمين هو المُهَيْمِن والمُقَدَّس وكان الشرق هو المُهَيْمِن والمُقَدَّس. كان الأسد على يمين المخلوق الحيّ وكان يهوذا مُخيّماً في الجانب الأيمن، الجانب الشرقي من خَيْمَة الإجتماع.
كان الجانب الأيسر يعادل الجانب الغربي. كان وجه الثور في الجانب الأيسر من المخلوق الحيّ، كما كان أفرايم الذي كان رَمزه الثور مُخيماً في الجانب الأيسر، الجانب الغربي من خَيْمَة الإجتماع؛ والجانب الأمامي أو الجانب الجُنوبي من المَخلوق الحيّ كان رجلاً، إنساناً؛ وكان الإنسان يرمز إلى راوبن الذي كان مخيّماً في الجانب الأمامي أو الجانب الجنوبي من خَيْمَة الإجتماع؛ وأخيراً من الوراء أو الجانب الخَلفي من المَخلوق الحيّ كان هناك وَجْه النِسر. كان النِسر هو رَمز دان الذي خَيّم في الجانب الخلفي، الجانب الشمالي من خَيْمَة الإجتماع.
ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحدّ. انتقل الآن إلى سِفر الرؤيا أربعة على ستة.
اقرأ رؤيا أربعة على خمسة الى ثمانية
هذه رؤيا أُعْطِيَت ليوحنا وليس من المُسْتَغرب أن تكون مُشابِهة تماماً لرؤيا حزقيال لأن كِلاهما كانتا رؤيتَيْن للسّماء ولِعرش الله؛ والآن تَذَكَّروا ما هو الغرَض الأساسي من خَيْمَة الإجتماع؟ كان مَسْكَن الله على الأرض وقيل لموسى أن يَصنع خَيْمَة الإجتماع "حسب النّمط الذي أراه الله". كانت خَيْمَة الإجتماع نسخة دُنْيَوِيّة مادية مَصنَوْعة على نَمط مَسْكَن الله السّماوي الرّوحي. كما كانت، بالمناسبة، جنّة عدَن نسخة دُنْيَوِيّة مادّية من مَسْكَن الله السماوي.
لذلك يتحدث رؤيا أربعة مَرّة أخرى عن هذه المَخلوقات الحيّة أو الكائنات الحيّة. لاحظ مَرّة أخرى مما يبدو أن هذه الكائنات كانت مُكوّنة: أسد، ثَوْر (أو فَحْل)، إنسان (أو رجُل)، ونِسر.
إذاً هذه المخلوقات الحيّة في حزقيال وفي الرؤيا هي نفس المّخلوقات وهي مُرتبطة مُباشرة بأسباط إسرائيل الأربعة المُسَيْطِرين الذين يُمثلون كل بني إسرائيل. في الواقع المَخلوقات الحيّة لها عِلاقة مُباشرة حتى فيما يتعلّق بأي اتجاه، أي جانب من المخلوقات الحيّة يوضع كل وجْه من الوجوه المُخْتَلِفة، وهو بالضّبط كما توضّع أسباط إسرائيل حَوْل خَيْمَة الإجتماع.
لذا، مَرّة أخرى نُواجه هذه الحقيقة المُذهلة المُتَمثلة بالإزْدِواجية. كانت رؤيا حزقيال ورؤيا يوحنا عن السماء، أو بِشَكْل أكثر تحديداً عن مَسْكَن الله في السماء. المخلوقات الحيّة هي نَوْع من الأرواح الحارِسة أو الخادِمة لله، وهي تحيط عَرْشه. إذاً، بُنيت خَيْمَة الإجتماع، مَسْكَن الله المادي، على صورة عرش الله السّماوي، مَسْكَن الله الروحي. كانت الأسباط الأربعة المُسَيطرة من بني إسرائيل النموذج المادي للمخلوقات الروحية حتى في الطريقة التي أحاطوا بها مَسْكَنه الأرضي، خَيْمَة الإجتماع، ومَسْكَنه السماوي وتحرّكوا فيه. هذا على الأرجح هو السّبب في أن أسباط بني إسرائيل المُخْتَلِفة كانت رُموزها على غِرار رُموز المخلوقات الحيّة، لأن كل قبيلة من هذه القبائل كانت تَخدم غرضاً مُحَدّداً فيما يتعلّق بخِدمة الله.
أليس هذا غريباً؟ لا تَنسوا ذلك. في حين أن هذه المَعلومة قد تُبهِر أصْدِقاءك في لُعبة أسئلة حَوْل الكتاب المُقَدَّس، إلا أنها أيضاً حاسِمة في فَهْم النُبوة، أليس كذلك؟ إذاً، فجأةً لم يَعُد من الصّعب فَهْم تلك الكائنات الحيّة الغريبة.
سنبدأ الأسبوع القادم في دراسة الإصْحاح الخامس والعشرين من سِفر الخروج.