سِفْرُ التَّكوين
الدَّرْسُ إِثْنَانِ وَثَلاثُونَ – الإِصْحَاحُ خَمْسَةٌ وَثَلاثُونَ
إنَّ الإصحاحَ خمسةَ وثلاثينَ غنيٌّ بالمعلوماتِ، ولكنه خفيٌّ إلى حدٍّ كبيرٍ عن أنظارِنا بسببِ الترجماتِ اليونانيةِ والإنجليزيةِ. لذا، سوفَ نلتفُّ قليلاً ونربطُ بعضَ النقاطِ التي كانت محْجوبةً على مرِّ القرونِ، ونحن نتصفّحُ هذا الإصحاحَ. سوفَ نَسْتخدِمُ ذلك أيضاً كفرصةٍ لمراجعةِ بعضِ الأمورِ والمبادئِ التي يَصْعبُ فكُّ رُموزها…… ولكنها بالِغةٌ الأهمِّية…… الأمورُ والمبادئُ التي تضعُ الأساسَ هنا في الإصْحاحِ خمسةٍ وثلاثينَ لكلِّ ما سيأتي لاحقاً.
اِقْرَأْ سِفْرَ التَّكْوِينِ خَمْسَةَ وَثَلاَثِينَ بِأَكْمَلِهِ.
فِي الآيَةِ الأُولَى، يَأْمُرُ اللَّـهُ يَعْقُوبَ، إِسْرَائِيلَ، أَنْ يَحْزِمَ أَمْتِعَتَهُ وَيَنْتَقِلَ إِلَى بَيْتِ إِلَ، بَيْتِيلَ، الْمَكَانِ الَّذِي تَوَقَّفَ فِيهِ يَعْقُوبُ قَبْلَ سِنِينَ عَدِيدَةٍ فِي رَحْلَتِهِ مِنْ كَنْعَانَ، فِي طَرِيقِهِ إِلَى بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ وَرَأَى فِيهِ رُؤْيَا الْمَلَائِكَةِ الصَّاعِدَةِ وَالْهَابِطَةِ عَلَى السُّلَّمِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ.
بِدَوْرِهِ أَمَرَ يَعْقُوبَ جَمِيعَ أَهْلِ بَيْتِهِ بِالتَّخَلُّصِ مِنْ جَمِيعِ أَصْنَامِهِمْ وَرُمُوزِهِمْ الْوَثَنِيَّةِ. كَانَ طَرْدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِشَكِيمَ وَسَبْيُهُمْ لِكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ شَكِيمَ قَدْ أَدْخَلَ فِي عَشِيرَةِ إِسْرَائِيلَ كَثِيرًا مِنَ الْوَافِدِينَ الْجُدُدِ، وَهَؤُلاءِ الْوَافِدُونَ الْجُدُدُ، عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، عَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى؛ بَلْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، كَانَ أَبْنَاءُ يَعْقُوبَ قَدْ سَرَقُوا أَصْنَامَ آلِهَةِ شَكِيمَ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يُعْنِي، حَسَبَ طَرِيقَتِهِمْ فِي التَّفْكِيرِ، سَرِقَةَ السُّلْطَةِ مِنْ شَكِيمَ. لَقَدْ كَانَ مِنَ الْمُعْتَادِ أَنْ يُسَرِقَ الْغَازِي أَوِ الْفَاتِحُ آلِهَةَ عَدُوِّهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يُضْعِفُ عَدُوَّهُ بِطَرِيقَةٍ مَلْمُوسَةٍ جِدًّا بِالإِضَافَةِ إِلَى إِذْلالِهِ.
إِنَّ صِيَاغَةَ تَعْلِيمَاتِ اللَّـهِ لِيَعْقُوبَ تَشِيرُ إِلَى عَقْلِيَّةِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِي، فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى صَبْرِ يَهوَه الْفَائِقِ فِي تَطْوِيرِ وَإِنْضَاجِ أُمَّتِهِ الْوَلِيدَةِ إِسْرَائِيلَ، لِذَلِكَ، أُرِيدُ أَنْ أُسَهِبَ فِي ذَلِكَ لِبُضع دَقَائِقَ.
لاحِظوا أَنْ التَّرْجَمَةَ الصَّحِيحَةَ لِلْآيَةِ الأُولَى هِيَ أَنَّ اللَّـهَ يَقُولُ لِيَعْقُوبَ أَنْ يَبْنِي مَذْبَحًا فِي بَيْتِ أيلَ، "لِلْإِلَـٰهِ"، الَّذِي ظَهَرَ لَكَ….. لَمْ يَقُلْ، ابْنِ مَذْبَحًا لِي. هَذِهِ طَرِيقَةٌ غَرِيبَةٌ نَوْعًا مَا أَنْ يُشِيرَ يَهوَه إِلَى نَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ "الإِلَـٰهُ" الَّذِي ظَهَرَ لَكَ، لِأَنَّ فِيهَا نَوْعًا مِنَ الإِيحَاءاتِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنَّ هُنَاكَ آلِهَةً أُخْرَى، لَكِنَّهُ هُوَ الْإِلَـٰهُ الْمُحَدَّدُ الَّذِي ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ فِي بَيْتِ إِيلَ. وَوَفْقًا لِلطُّرُقِ التَّقْلِيدِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ، كَانَ يُعْتَقَدُ أَنَّ الْآلِهَةَ كَانَتْ كَثِيرَةً، وَكَانَتِ الْآلِهَةُ إِقْلِيمِيَّةً، بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَنَّ لَهَا أَوْصَافًا وَظِيفِيَّةً مُحَدَّدَةً. كَانَتْ آلِهَةٌ مِنْ أَقَالِيمَ مُخْتَلِفَةٍ تُحَارِبُ آلِهَةً مِنْ أَقَالِيمَ أُخْرَى أَوْ رُبَّمَا كَانَ أَحَدُ الْآلِهَةِ أَقْوَى مِنَ الآخَرِ. لِذَلِكَ فِي بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، كَانَ إِلَـٰهُ الْمَطَرِ هُوَ إِلَـٰهُ الْمَطَرِ فِي بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ فَقَطْ. لَمْ يَكُنْ مَسْؤُولًا عَنْ الْمَطَرِ فِي مَكَانٍ آخَرَ، لِأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ آلِهَةٌ أُخْرَى لِلْمَطَرِ فِي أَمَاكِنَ أُخْرَى. كَانَ الْجَمِيعُ يُؤْمِنُونَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ……. الجَمِيعُ، وَفِي الْحَقيقَةِ لَا نَجِدُ يَهوَه يُحَاوِلُ الإِقْناعَ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْإِلَـٰهُ الْواحِدُ الْمَوْجُود، بَلْ يَصِفُ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ إِلَـٰهُ يَعْقُوبَ. لَيْسَ لَدَيْنَا أَيُّ سَجِلٍّ لِيَهوَه عِندَمَا كَانَ يَعْقُوبُ فِي بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، يَقُولُ لَهُ فِيهِ أَنْ يَبْنِي لَهُ مَذْبَحًا هُنَاكَ، وَأَشْكُ فِي أَنَّ ذَلِكَ حَدَثَ لِأَنَّ يَهوَه كَانَ إِلَـٰهًا مُرَتَبِطًا بِأَرْضِ كَنْعَانَ وَلَيْسَ بِبِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ. لَكِن، بَعْدَ أَنْ عَادَ يَعْقُوبُ إِلَى كَنْعَانَ، طَلَبَ إِلَـٰه أَرْضِ الْمِيعَادِ، يَهُوَه، مِنْ يَعْقُوبَ أَنْ يَبْنِي لَهُ مَذْبَحًا. كَانَ هَذَا الْأَمْرُ مَنْطِقِيًّا تَمَامًا لِيَعْقُوبَ، وَرُبَّمَا لِمُعْظَمِ قَبِيلَتِهِ (حَتَّى الْوَافِدِينَ الْجُدُدِ)، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِمْ أَيُّ فِكْرَةٍ عَنْ الْوَاقِعِ.
أَقُولُ لَكُمْ ذَلِكَ، لِأَنَّنَا عِندَمَا نَقْرَأُ التُّورَاة، نَفْهَمُ أَنَّ مَنْ هُوَ يَهوَه وَكَيْفَ يَعْمَلُ وَأَيْنَ بَدَأَ مَجَالُ نَفُوذِهِ وَانْتَهَى كَانَ غَامِضًا فِي أَذْهَانِ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَمَامًا كَمَا كَانَ مَفْهُومُ مَا يَحْدُثُ لِشَخْصٍ مَا بَعْدَ مَوْتِهِ غَامِضًا فِي أَذْهَانِهِمْ. بِالتَّأْكِيدِ، بَعْدَ الْخُرُوجِ، عَرَّفَ يَهوَه عَنْ نَفْسِهِ شَكْلًا أَوْسَعَ بِكَثِيرٍ، وَلَكِنْ لَا يَنْسَى النَّاسُ قُرُونًا مِنَ التَّقَالِيدِ. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، مَالَ إِسْرَائِيلُ إِلَى فَهْمِ يَهوَه فِي سِيَاقِ كُلِّ مُعْتَقَدَاتِهِمْ وَتَقَالِيدِهِمْ الْقَدِيمَةِ…. كَانَ يَهوَه مُجَرَّدَ إِضَافَةٍ إِلَى هَذَا الْمَزِيجِ.
كَانَ يَهوَه إِلَـٰهَهُمْ هُمْ…. إِلَـٰهُ يَعْقُوبَ، إِلَـٰهُ إِسْرَائِيلَ….. وَلَكِنْ مَاذَا حَدَثَ عِندَمَا تَنَافَسَ ذَكاءُ إِلَـٰهِهِمْ مَعَ إِلَـٰهٍ لِشَعْبٍ آخَرَ فِي أَرْضٍ أُخْرَى؟ مَنْ كَانَ يَعْلَمُ؟ كَانَ ذَلِكَ فِي أَذْهَانِهِمْ بِاسْتِمْرَارٍ. إِذًا، هَا نَحْنُ هُنَاكَ بَعْدَ مِئَتَيْ سَنَةٍ مِنْ دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ وَلَا يَزَالُ يَعْقُوبُ لَا يَفْهَمُ تَمَامًا مَنْ هُوَ اللَّـه، وَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ زَوَجَاتِهِ وَالآخَرِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا أَنْفُسَهُمْ جُزْءًا مِنْ عَائِلَتِهِ لَا يَفْهَمُونَ ذَلِكَ أَيْضًا. لِذَلِكَ، وَكَجُزْءٍ مِنْ عَمَلِيَّةِ التَّعْلِيمِ الْمُسْتَمِرَّةِ مِنْ قِبَلِ يَهوَه، نَرَى يَعْقُوبَ يَقُولُ حَسَنًا، نَحْنُ الآَنَ فِي مَنْطِقَةِ نَفُوذِ إِلَـٰهِ، وَسَنَبْنِي مَذْبَحًا لَهُ؛ لِذَلِكَ لَا أُرِيدُ لَآلِهَتِكُمْ أَنْ تُزْعِجَ إِلَـٰهِي، بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَنَّ آلِهَتِكُمْ لَا فَائِدَةَ مِنْهَا هُنَاكَ فِي مَنْطِقَةٍ تَقَعُ خَارِجَ مَنْطِقَةِ نَفُوذِهَا الْأَسَاسِيَّةِ عَلَى أَيِّ حَالٍ.
لَذَا، أَعْطُونِي إِيَّاهَا وَسَأَدْفِنُهَا تَحْتَ شَجَرَة. لِمَاذَا تَدْفِنُهَا؟ لِمَاذَا لَا تَحطِّمُهَا أَوْ تَحْرِقُهَا؟ لِأَنَّ هَذَا كَانَ إِنْكَارًا لِآلِهَتِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِهِ إِيمَانًا مُطْلَقًا بَعَدَمِ وُجُودِ تِلْكَ الْآلِهَةِ.
قُرْبَ نِهَايَةِ هَذَا الْأَصْحَاحِ، سَأَعْرِضُ لَكُمْ عِبَارَةً أُخْرَى تَشِيرُ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ إِلَى أَنَّ يَعْقُوبَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ مَا زَالُوا يَتْبَعُونَ التَّقَالِيدَ وَالْعَادَاتِ الَّتِي كَانُوا يَعْتَزُّونَ بِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَتْ خَاطِئَةً تَمَامًا.
إنَّ الْجُزْءَ الْوَارِدَ فِي الْآيَةِ الرَّابِعَةِ حَوْلَ التَّخَلُّصِ مِنَ الْأَقْرَاطِ لَا عَلاَقَةَ لَهُ بِإِدَانَةِ اللَّـهِ لِحُلِيِّ الْأُذُنِ؛ فَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْحَلَقات تُلْبَسُ إِكْرَامًا لِلْآلِهَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ…. لَقَدْ كَانَتْ تَعَاوِيذَ….. لِذَلِكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ تُزَالَ مِنْ وَسَطِهِمْ وَتُدْفَن. كَجُزْءٍ مِنْ هَذِهِ الْعَمَلِيَّةِ، أُمِرُوا أَيْضًا بِتَغْيِيرِ مَلَابِسِهِمْ وَتَطْهِيرِ أَنْفُسِهِمْ. تَغْيِيرُ ثِيَابِهِمْ يَعْنِي بِبَسَاطَةٍ غَسْلَ ثِيَابِهِمْ أَوْ اسْتِبْدَالَهَا بِثِيَابٍ نَظِيفَةٍ. كَانَ تَغْيِيرُ الْمَلَابِسِ جُزْءًا مُعْتَادًا إِلَى حَدٍّ مَا مِنْ إِجْرَاءَاتِ التَّطْهِير.
كَانَتْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ وَالرُّمُوزُ تُدْفَنُ تَحْتَ مَا تُسَمِّيَهُ بَعْضُ الْأَناجيلِ شَجَرَةَ بَلُوطٍ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ شَجَرَةَ فُسْتُقٍ. فِي الْحَقيقةِ، لَقَدْ كَانَتْ شَجَرَةَ تِيرِيبِنْث، وَهِيَ مِنْ عَائِلَةِ الْفُسْتُقِ الْحَلَبِيِّ….. وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ شَجَرَةَ بَلُوطٍ. لَسْتُ مُتَأَكِّدًا تَمَامًا مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ هَذِهِ الْفِكْرَة.
بَعْدَ تَطْهِيرِ أَنْفُسِهِمْ وَدَفْنِ رُمُوزِ الْآلِهَةِ الْغَرِيبَة، تَنْتَقِلُ الْعَشِيرَةُ إِلَى لُوزٍ وَهُنَاكَ يَبْنِي إِسْرَائِيلُ الْمَذْبَحَ. لَا تَدَعْ اسْمَ لُوزٍ يُرَبِّكُكَ: لُوزٌ هُوَ بِبَسَاطَةٍ الْاسْمُ الَّذِي كَانَ يُطْلِقُهُ الْكَنْعَانِيُّونَ عَلَى الْمَكَانِ، أَمَّا الْعِبْرَانِيُّونَ فَكَانُوا يَسَمُّونَهُ بَيْتَ إِيلٍ. سَنَرَى كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ الْمُزْدَوَجَةِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَغَالِبًا مَا نَسْتَخْدِمُ الْاسْمَيْنِ الْكَنْعَانِيِّ وَالْعِبْرَانِيِّ.
فَجْأَةً نَجِدُ هَذَا الْجَانِبَ الْمُثِيرَ لِلْإِهْتِمَامِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. سَوْفَ تَتَذَكَّرُونَ أَنَّهُ عِنْدَمَا أَحْضَرَ إِلْعَازَر، خَادِمُ إِبْرَاهِيمَ، رِيفَا (رَفَقَةَ) مِنْ بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ كَزَوْجَةٍ لِإِسْحَاقَ، رَافَقَتْهَا مُمَرِّضَتُهَا أَوْ مُرَبِّيَتُهَا إِلَى كَنْعَانَ. حَسَنًا، وَالْآنَ تَمُوتُ الْمُمَرِّضَةُ الْمُحَبَّبَةُ جِدًّا دِيبُورَا وَيَكْثُرُ الْحُزْنُ فِي الْمُخَيَّم. لَكِنْ، لِمَاذَا تَذْكُرُ التَّوْرَاةُ حَتَّى دِيبُورَا، الَّتِي تَبْدُو لَاعِبَةً ثَانَوِيَّةً فِي النِّطَاقِ الْكَبِيرِ لِلْأَشْيَاءِ؛ فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ، لَمْ يُسَجَّلْ حَتَّى وَفَاةُ الْأُمَّهَاتِ رِفْقَةَ وَلَيْئَةَ……، وَهُمَا شَخْصِيَّتَانِ نِسَائِيَّتَانِ بَارِزَتَانِ فِي إِنْشَاءِ وَتَكُوينِ إِسْرَائِيلَ…… فِي حِينٍ أَنَّ التَّفْسِيرَ لَا يُعَدُّ مَقْبُولًا بِنَحْوٍ عَامٍّ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ، إِلَّا أَنَّهُ يُعْتَقَدُ عُمُومًا أَنَّ دِيبُورَا تُمَثِّلُ رَابِطًا بَيْنَ إِسْرَائِيلَ وَبِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ …. رَابِطًا كَانَ اللَّـهُ فِي سَبِيلِهِ إِلَى حَلِّهِ. لَقَدْ دَرَسْنَا فِي دَرْسٍ سَابِقٍ أَنَّهُ بِنِسْبَةٍ لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ، وَحَتَّى هَذِهِ النُّقْطَةِ يَعْقُوب، كَانَتْ بِلَادُ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ بِنِسْبَةٍ لَهُمْ وَطَنَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ كَنْعَانَ، وَلَكِنْ كَانَتْ كَنْعَانُ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي خَصَّصَهَا اللَّـهُ وَوَعَدَ بِهَا إِبْرَاهِيمَ وَنَسْلَهُ، وَلِذَلِكَ أَرَادَ اللَّـهُ أَنْ يُمْحِيَ أَيَّ فِكْرَةٍ عَنْ وُجُودِ رَوَابِطَ بَيْنَ إِسْرَائِيلَ وَأَرْضٍ "غَرِيبَةٍ" …. مِيزُوبُوتَامِيَا. لِذَلِكَ، فَإِنَّ مَوْتَ دِيبُورَا يَكَادُ يَكُونُ كِنَايَةً عَنْ مَوْتِ أَيِّ رَوَابِطَ عَائِلِيَّةٍ أَوْ عَلاقَةٍ بَيْنَ إِسْرَائِيلَ وَأَرْضِ نَهْرَي دَجْلَةَ وَالْفُرَاتِ.
يَظْهَرُ اللَّـهُ مَرَّةً أُخْرَى لِيَعْقُوبَ، وَجُزْءٌ مِمَّا يُنْقِلُهُ اللَّـهُ هُوَ طَمَأْنَتُهُ وَتَكْرَارُهُ لِأُمُورٍ سَبَقَ أَنْ قِيلَتْ لِيَعْقُوبَ؛ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، أَنَّ اسْمَهُ الْجَدِيدَ… وَبِذَلِكَ طَبِيعَتَهُ الْجَدِيدَةَ….. هُوَ إِسْرَائِيلُ. مِثْلَنَا جَمِيعًا، كَانَ يَعْقُوبُ فِي حَاجَةٍ إِلَى أَنْ يُذَكِّرَهُ اللَّـهُ باسْتِمْرَار بِالْحَقِيقَةِ…. خَاصَّةً إِذَا مَا جَلَبَتْ مَعَهَا وَاقِعًا جَدِيدًا….. بِأَوَامِرِهِ وَتَوْجِيهَاتِهِ لَنَا. مَعَ ذَلِكَ، هُنَاكَ سَبَبٌ آخَرُ لِتَكْرَارِ اللَّـهِ هَذَا الْأَمْرَ لِتَغْيِيرِ الْإِسْمِ: كَانَ يَعْقُوبُ قَدْ تَغَيَّرَ إِسْمُهُ إِلَى إِسْرَائِيلَ….. بِالْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ….. عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْ نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، خَارِجَ أَرْضِ الْمِيعَاد. الْآنَ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ يَعْقُوبُ دَاخِلَ أَرْضِ الْمِيعَاد، يَجِبُ إِعَادَةُ تَأْكِيدِ هَذَا الْأَمْر. لِمَاذَا؟ لِأَنَّهُ فِي ذِهْنِ يَعْقُوبَ….. تَمَامًا كَمَا فِي أَذْهَانِ جَمِيعِ شُعُوبِ الْعَالَمِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ…… كَانَتِ الْآلِهَةُ كَثِيرَةً وَكَانَتْ إِقْلِيمِيَّةً. عِنْدَمَا تَغَيَّرَ إِسْمُ يَعْقُوبَ لِلْمَرَّةِ الأُولَى إِلَى إِسْرَائِيلَ، كَانَ لَا يَزَالُ فِي مَقَاطعَةِ آَلِهَةِ بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْن، وَبِالتَّالي كَانَ تَحْتَ نَفُوذِهِمْ. الْآنَ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ يَعْقُوبُ فِي كَنْعَانَ، صَارَ فِي مَقَاطِعَةِ إِيل شَدايَ، يَهُوَه، الْإِلَهَ الَّذِي أَرْضُهُ كَنْعَانُ، وَبِالتَّالي هُوَ يَحْتَاجُ إِلَى إِيل شَدَّايَ لِيُؤَكِّدَ لَهُ أَنَّ مَا قِيلَ لَهُ مِن قَبْلُ مَا زَالَ قَائِمًا. هَلْ آمَنَ يَعْقُوبُ بِوُجُودِ آَلِهَةٍ أُخْرَى؟ نَعَمْ. لَقَدْ ظَنَّ يَعْقُوبُ خَطَأً أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالطَّبْعِ أَنَّ ظَنَّهُ كَانَ خَاطِئًا؛ وَلَكِنَّ اللَّـهَ أَظْهَرَ النِّعْمَةَ وَالرَّحْمَةَ وَتَسَاهَلَ وَلَمْ يُصِرَّ عَلَى أَنْ يُفَهِّمَ يَعْقُوبَ دَفْعَةً وَاحِدَةً كُلَّ الْحَقَائِقِ عَنْ اللَّـهِ….. أَنَّهُ وَاحِدٌ وَأَنَّهُ إِلَهُ كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّهُ لَا تُوجَدُ آَلِهَةٌ أُخْرَى. لَا تَظُنَّ وَلَوْ لِلْحَظَةِ أَنَّ اللَّـهَ لَا يُسَايِرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ قَدْ يُثْبِتُ مَعَ مُرُورِ الْوَقْتِ أَنَّهَا خَاطِئَةٌ. لِأَسْبَابٍ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْهَمَهَا، سَمَحَ لِلْكُنِيسَةِ أَنْ تَمْضِيَ بِدُونِ اعْتِرَاضٍ لِقُرُون.
فِي اِعْتِقَادِنَا أَنَّنَا قَدْ حَلَلْنَا مَحَلَّ إِسْرَائِيلَ….. أَمْرٌ كَانَ عَقِيدَةً مِن صُنْعِ الإِنْسَان وَالْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ يُدَحِّضُهَا تَمَامًا. بِطَرِيقَةٍ أَوْ بِأُخْرَى، اسْتَخْدَمَ تِلْكَ النُّقْطَةَ الْمُخْفاةَ فِي الْكُنِيسَةِ مِنْ أَجْلِ الْخَيْرِ، لِنَشْرِ الْإِنْجِيلِ إِلَى الْوَثَنِيِّينَ فِي الْعَالَمِ، وَلَكِنْ، عَلَى مَدَارِ الْخَمْسِينَ عَامًا الْمَاضِيَةِ، بَدَأَ يُصَحِّحُ لَنَا وَأَظْهَرَ لَنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْتَبْدِلْ إِسْرَائِيلَ بِنَا أَبَدًا، وَلَمْ يُقَرِّرْ أَبَدًا أَنَّهُ انْتَهَى مِنْ شَعْبِهِ. ذَلِكَ الْوَقْتُ الَّذِي سَتَجْعَلُ فِيهِ الْكُنِيسَةُ الشَّعْبَ الْيَهُودِيَّ يُغَارُ مِنْ إِيمَانِنَا….. وَأَنْ تَلِينَ قُلُوبُ شَعْبِهِ الْمَتَحَجِّرَةِ حَتَّى يَتَمَكَّنُوا مِنْ قَبُولِ أَنَّ مَسِيحَهُمْ…… هُوَ عَلَيْنَا.
الْآنَ، هُنَاكَ جُزْءٌ آخَرُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ اللَّـهِ يَبْدُو ظَاهِرِيًّا مُكَرَّرًا، وَلَكِنَّ نَظْرَةً فَاحِصَةً قَلِيلًا تُلْقِي ضَوْءاً مُخْتَلِفًا قَلِيلًا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ وَهَذِهِ أُمُورٌ مُهِمَّةٌ، لِذَلِكَ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ وَاحِدَةً مِنْ تِلْكَ الْاِلْتِفَافَاتِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي أَخْبَرْتُكُمْ فِي بَدَايَةِ دَرْسِ هَذَا الْأُسْبُوعِ أَنَّنَا سَنَمْضِيَ فِيهَا.
أَحَدُ أَفْضَلِ الْأَوْصَافِ الَّتِي سَمِعْتُهَا عَنْ الطَّرِيقَةِ الَّتِي يَعْمَلُ بِهَا اللَّـهُ مِنْ خِلَالِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، هُوَ أَنَّهُ يَكْشِفُ لَنَا الْحَقَائِقَ تَدْرِيجِيًّا بِاستخدامِ الْكَلِمَة، الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، بِالتَّنْسِيق مَعَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. بِطَرِيقَةٍ مَا، بِشَكْلٍ مَا، يَمْضِي الْبَشَرُ لِعُقُودٍ وَقُرُونٍ وَهُمْ عُمْيان تَمَامًا عَنْ حَقِيقَةٍ عَظِيمَةٍ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، ثُمَّ فَجْأَةً… نَحْنُ نَرَاهَا. لَا يُنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنَ الصَّعْبِ حَقًّا قَبُولُ هَذَا الْكَشْفِ التَّدْرِيجِيِّ الَّذِي يَكْشِفُهُ يَهُوَه. إِذَا الْتَقَطْتَ أَيَّ قِطْعَةٍ أَدَبِيَّةٍ، رِوَايَةً، مَقَالًا، أَيًّا كَانَ لَيْسَ لَدَيْكَ مَعْرِفَةٌ مُسَبَّقَةٌ بِهِ، وَبَدَأْتَ فِي قِرَاءتِهِ، فَإِنَّكَ تَحْصُلُ عَلَى الْمَزِيدِ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ صَفْحَةً بَعْدَ صَفْحَةٍ مَعَ تَطَوُّرِ الشَّخْصِيَّاتِ وَتَتَكَشَّفُ الْحَبْكَةُ وَتُضَافُ التَّفَاصِيلُ ثُمَّ يُتَمَّ التَّوَصُّلُ إِلَى الْخَاتِمَة. هَذَا مِثَالٌ عَلَى أَبْسَطِ مَعَانِي الْوَحْيِ التَّدْرِيجِيِّ.
أَمَّا فِي حَالَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، فَإِنَّ الْكَثِيرَ مِمَّا وَرَدَ فِيهِ هُوَ نَبُوءةٌ. فِي مُعْظَمِ الْأَحْيَانِ، تَكُونُ النُّبوءة فِي آنٍ وَاحِدٍ حَرْفِيَّةً وَرَمْزِيَّةً، وَكَانَتْ تَحْدُثُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَسَتَحْدُثُ مَرَّةً أُخْرَى. تَأْتِي الصُّعُوبَةُ بِالنِسْبَةٍ لَنَا فِي التَّعَامُلِ مَعَ النُّبوءة فِي أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْحَرْفِيَّةَ حَوْلَ مَا سَيَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُخْبِرُنَا بِهَا الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ فِي سِيَاقِ الثَّقَافَةِ وَاللُّغَةِ الْقَدِيمَتَيْنِ لِلشَّعْبِ وَالزَّمَنِ الَّذِي كُتِبَتْ فِيهِ. لِذَلِكَ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ يُمْكِنُنَا أَنْ نَنظُرَ إِلَى الْأَمَامِ فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ مِنْ خِلَالِ دِرَاسَةِ نُبوءة الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَنَرَى بَوَضُوحٍ إِلَى حَدٍّ مَا الْمَعَالِمَ النَّبَوِيَّةَ الرَّئِيسِيَّةَ، إِلَّا أَنَّ التَّفَاصِيلَ قَدْ تَكُونُ غَامِضَةً إِلَى حَدٍّ مَا. مَعَ ذَلِكَ، مَعَ اقْتِرَابِ مَوْعِدِ تَحْقِيقِ نُبوءة مَعَيَّنَةٍ، تَبْدَأُ الْأَجْزَاءُ الْأَخِيرَةُ مِنَ الْأَحْجِيَةِ فِي الظُّهُورِ فِي مَكَانِهَا وَتَبْدَأُ التَّفَاصِيلُ الَّتِي كَانَتْ غَامِضَةً فِي السَّابِقِ فِي الظُّهُور.
عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ: نَتَعَلَّمُ فِي سَفَرِ التَّكْوِينِ وَاحِدٍ أَنَّ نَسْلَ الْمَرْأَةِ سَيَضْرِبُ أَوْ يَدْمِي رَأْسَ الْحَيَّة. لَدَيَّ أَخْبَارٌ لَكَ: كَانَ آدَمُ وَحَوَّاءُ جَاهِلَيْنِ تَقْرِيبًا بِمَا يَعْنِي ذَلِكَ، نَاهِيْكَ عَنْ كَيْفِيَّةِ حُدُوثِهِ، وَإِذَا لَمْ نَقْرَأْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، سَنَكُونُ نَحْنُ أَيْضًا فِي الظَّلَامِ؛ وَلَكِن، بِالتَّدْرِيجِ، صَفْحَةً بَعْدَ صَفْحَةٍ، مِنْ خِلَالِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ نَتَعَلَّمُ الْمَزِيدَ مِنَ التَّفَاصِيلِ حَوْلَ كَيْفِيَّةِ حُدُوثِ كُلِّ ذَلِكَ. مِنْ آدَمَ إِلَى شِيثَ، تُضَافُ التَّفَاصِيلُ. مِنْ شِيثَ إِلَى نُوحٍ، يُتِمُّ إِضَافَةُ الْمَزِيدِ مِنَ التَّفَاصِيلِ. مِنْ نُوحٍ إِلَى شَامٍ ثُمَّ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ إِلَى إِسْحَاقَ ثُمَّ إِلَى يَعْقُوبَ، وَالْآنَ إِلَى وِلَادَةِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيل تَسْتَمِرُّ قِطَعُ الْأَحْجِيَّةِ فِي الظُّهُورِ وَتُضَافُ مَعْلُومَاتٌ جَدِيدَةٌ وَتَبْدَأُ الصُّورَةُ فِي الِاتِّضَاحِ. نَحْنُ الْآنَ فِي مَرْحَلَةٍ مِنْ دِرَاسَتِنَا حَيْثُ خُلِقَتِ الْآنَ قَبِيلَةُ يَهُوّذَا بِالتَّحْدِيدِ الَّتِي سَيَأْتِي مِنْهَا "نَسْلُ الْمَرْأَةِ" الَّذِي سَيُهْزِمُ الشَّيْطَانَ وَيُعِيدُ عَلاَقَةَ الْإِنْسَانِ مَعَ اللَّـهِ؛ إِلَّا أَنَّ يَعْقُوبَ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ. نَحْنُ نَعْلَمُ فَقَطْ أَنَّ يَهُوّذَا ابْنَ يَعْقُوبَ سَيَكُونُ ذَلِكَ السَّبَطَ الْمُمَيَّزَ لِأَنَّنَا نَتَمَتَّعُ بِمِيزَةِ الْإِدْرَاكِ الْمُتَأَخِّرِ؛ بِدِرَاسَةِ تَارِيخِ النّبوءة الْمَسْجِلَ كَمَا يُكْشَفُ لَنَا بِمُعَدَّلٍ مُذْهِلٍ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ، نَحْنُ نَعْلَمُ كُلَّ التَّفَاصِيلِ الْمُهِمَّةَ وَتَرْتِيبَ حُدُوثِهَا وَكَيْفَ حَدَثَتْ بِشَكْلٍ عَامٍّ وَمَا الَّذِي يَعْنِي كُلُّ ذَلِكَ: يَسُوعُ، مُخَلِّصُنَا، دَفَعَ ثَمَنَ خَطَايَانَا وَقَهَرَ الْمَوْتَ. ضَرَبَ نَسْلُ الْمَرْأَةِ رَأْسَ الْحَيَّةِ وَهَزَمَهَا عَلَى الصَّلِيب.
لَقَدْ تَحَقَّقَتْ مُعْظَمُ نُبوءات الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِالْفِعْلِ، إِلَّا أَنَّ هُنَاكَ الْقَلِيلَ مِنْهَا لَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْد. عِندَمَا تَتَحَقَّقُ كُلُّ نُبوءة وَيُمْكِنُنَا أَنْ نَرَى كَيْفَ تَحَقَّقَتْ، نَحْصُلُ عَلَى صُورَةٍ أَفْضَلَ لِكَيْفِيَّةِ حُدُوثِ النُّبوءات الَّتِي لَمْ تَتَحَقَّقْ. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، فِي كَثِيرٍ مِنْ أَوْقَاتِ حَيَاتِنَا، نَرَى إِسْرَائِيلَ تولَدُ مِنْ جَدِيدٍ كَأُمَّةٍ، وَنَسْتَعِيدُ أُورُشَلِيمَ مِنَ الْأَمَمِيِّينَ. هَذِهِ الْمَعْلُومَاتُ وَالطَّرِيقَةُ الَّتِي حَدَثَ بِهَا كُلُّ ذَلِكَ تُعْطِينَا الْآنَ نَظْرَةً ثَاقِبَةً حَوْلَ الْجَوْلَةِ التَّالِيَةِ مِنَ النُّبوءات الَّتِي سَتَتَحَقَّق….. مَعْلُومَاتٌ لَمْ تَكُنْ لَدَى الْأَجْيَالِ الَّتِي سَبَقَتْنَا مُبَاشَرَةً وَمَعَ ذَلِكَ، مَا زَلْنَا لَا نَمْلِكُ كُلَّ التَّفَاصِيل.
أَضِفْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ الرُّوحَ الْقُدُس، الَّذِي هُوَ مُعَلِّمُنَا الْحَقِيقِيُّ وَكَاشِفُ أَسْرَارِ اللَّـهِ، يُسَرِّعُ عُقُولَ الْبَشَرِ وَأَرْوَاحَهُمْ بِشَكْلٍ خَارِقٍ فِي اللَّحْظَةِ الْمُنَاسِبَةِ فِي التَّارِيخِ لِكَيْ نَرَى وَنَفْهَمَ أَشْيَاءَ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ كَانَتِ الْبَشَرِيَّةُ لِسَبَبٍ مَا عَمْيَاءَ عَنْهَا. فِي عَصْرِنَا هَذَا، هَذَا الْفَهْمُ الْحَدِيثُ لِلْعَلَاقَةِ الرُّوحِيَّةِ بَيْنَ الْكَنِيسَةِ وَالشَّعْبِ الْيَهُودِيِّ وَالتَّوَقُّ الْحَدِيثُ مِنْ قِبَلِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِهَدْمِ جِدَارِ التَّقْسِيمِ بَيْنَ الْمَسِيحِيِّ وَالْيَهُودِيِّ وَهَذَا الْحُبُّ الْحَدِيثُ جِدًّا لِإِسْرَائِيلَ الَّذِي نَجِدُهُ يَتَفَجَّرُ دَاخِلَ الْكَنِيسَةِ الْأَمَمِيَّةِ هُوَ مِثَالٌ جَيِّدٌ عَلَى هَذَا الْوَحْيِ التَّدْرِيجِيِّ الْغَامِضِ فِي الْعَمَل.
لِذَلِكَ، بَيْنَمَا نَتَصَفَّحُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّس، لَا تَتَفَاجَأْ أَنَّنَا سَنَرَى بَعْضَ الْأَشْيَاءِ بِشَكْلٍ مُخْتَلِفٍ لَمْ يَكُنْ يُتَمَكَّنُ الْعُلَمَاءُ قَبْلَ خَمْسِينَ عَامًا فَقَطْ….. وَفِي بَعْضِ الْحَالَاتِ حَتَّى قَبْلَ خَمْسَ عَشَرَةَ أَوْ عِشْرِينَ عَامًا….. مِنْ رُؤْيَتِهَا، لِأَنَّ التَّفَاصِيلَ كَانَتْ غَامِضَةً جِدًّا، وَلَكِنَّ الْآنَ أَصْبَحَ بَعْضُهَا أَكْثَرَ وَضُوحًا وَمَا أَنَا عَلَى وَشْكِ أَنْ أُرِيَكُمْ إِيَّاهُ هُوَ مِثَالٌ عَلَى ذَلِكَ.
يَقُولُ اللَّـهُ لِيَعْقُوبَ فِي الْآيَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَ، "سَتَأْتِي مِنْكَ أُمَّةٌ، بَلْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَمِ"، وَالتَّرْجَمَةُ الْأَفْضَلُ هِيَ "سَتَأْتِي مِنْكَ أُمَّةٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَمِ"، وَبِعَبَارَةٍ أُخْرَى، لَا يَقُولُ اللَّـهُ "أُمَّةٌ (بِالْمُفْرَدِ) …..، تَحَقَّقْ مِنْ ذَلِكَ….. اجْعَلْ ذَلِكَ مَجْمُوعَةً مِنَ الْأُمَم، وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ الْمَجْمُوعَةَ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي سَتَأْتِي مِنْ يَعْقُوبَ. أَتَرَى الْفَرْقَ؟
حَسَنًا، يُصْبِحُ الْأَمْرُ أَكْثَرَ تَعَقِيدًا. لَقَدْ رَأَيْنَا أَنَّهُ فِي سِفْرِ التَكْوِينَ ثَلاثَةٍ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ، وَعَدَ اللَّـهُ يَعْقُوبَ بِجَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ. وَلَكِنْ، عِندَمَا بَحَثْنَا فِي الْعِبْرِيَّةِ وَجَدْنَا أَنَّ كَلِمَةَ "كَهَال عَمِيم" اسْتُخْدِمَتْ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ عَلَى عَكْسِ مَا قِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ عِنْدَمَا قَالَ اللَّـهُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَيَكُونُ أَبَا لِأُمَّةٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ أَبَا لِأُمَمٍ كَثِيرَةٍ. كَانَتِ الْكَلِمَةُ الْمُسْتَخْدَمَةُ لِلْأُمَّةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ هِيَ "غَوِي" (الأُمَمُ عُمُومًا). قَالَ اللَّـهُ لِإِبْرَاهِيمَ سَتَكُونُ أَبًا لِـ "غَوِي"، أَيْ أُمَّةٍ بِشَكْلٍ عَامٍّ، أُمَّةٍ غَيْرَ مُحَدَّدَةٍ. مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، قَالَ اللَّـهُ لِيَعْقُوبَ أَنَّهُ سَيُنْجِبُ "كَهَال عَمِيم" …. "جَمَاعَةً مِنْ أَبْنَاءِ الْوَطَنِ". سَيُنْتِجُ إِبْرَاهِيمُ مَجْمُوعَةً مُتَنَوِّعَةً مِنَ الْأُمَمِ وَالشُّعُوبِ، فِي حِينٍ سَيُنْتِجُ يَعْقُوبُ نَوْعًا مُعَيَّنًا مِنْ شَعْبٍ مُتَجَانِسٍ وَمُقَدَّسٍ، مُتَّحِدٍ فِي الْهَدَفِ….. هَذَا سَيَكُونُ جَمَاعَةَ إِسْرَائِيلَ. هُنَاكَ فَرْقٌ كَبِير.
حَسَنًا، قَدْ مَرَّ الآنَ بَعْضُ الْوَقْتِ مُنْذُ سِفْرِ التَكْوِينَ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ. هُنَاكَ فِي الْإِصْحَاحِ الْخَامِسِ وَالثَّلاَثِينَ، الْآيَةُ الْحَادِيَةُ عَشَرَ، تَطَوَّرَتِ الْأُمُورُ مَرَّةً أُخْرَى. يَقُولُ اللَّـهُ الْآنَ لِيَعْقُوبَ نَفْسَ الشَّيْءِ الَّذِي قَالَهُ لِإِبْرَاهِيمَ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ، مُسْتَخْدِمًا الْكَلِمَةَ الْعِبْرِيَّةَ "غَوِي" فِي الْآيَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَ، أَيْ الْأُمَمُ عُمُومًا وَلَكِنْ، هُنَاكَ اخْتِلَافٌ مُهِمٌّ عَنْ مَا قِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ اللَّـهُ أَنَّ يَعْقُوبَ سَيُنْتِجُ "جَمَاعَةً مُقَدَّسَةً" مِنَ "الْغَوِي".
دَعُونِي أُرَاجِعُ مَعَكُمْ، أَنَّهُ فِي أَيَّامِ يَعْقُوبَ كَانَ اللَّـهُ قَدْ قَسَّمَ الْعَالَمَ إِلَى نَوْعَيْنِ مِنَ النَّاسِ: الْعِبْرَانِيُّونَ وَالْجَمِيعُ الْآخَرِينَ. "غَوِي" هُوَ الْإِسْمُ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَى الْجَمِيعِ.
لِذَا، إِسْمَحُوا لِي أَنْ أُعِيدَ صِيَاغَةَ هَذَا الْجُزْءِ مِنَ الْآيَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَ الَّذِي أَتَحَدَّثُ عَنْهُ لِأَنَّنِي أَظُنُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى: "أَثْمِرْ وَاكْثُرْ. أُمَّةٌ وَجَمَاعَةُ أُمَمٍ تَكُونُ مِنْكَ، وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ دَعْوَةٌ مُقَدَّسَةٌ مِنَ الْأُمَمِ الْعِبْرَانِيَّةِ وَغَيْرِ الْعِبْرَانِيَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، سَتَأْتِي مِنْكَ". قَدْ يَظْهَرُ ذَلِكَ مُرْبِكاً بَلْ قَدْ يَظْهَرُ وَكَأَنَّهُ كَلَامٌ مُزْدَوَجٌ حَتَّى نُدْرِكَ التَّالِي: كُلُّ هَذِهِ الشُّرُوطِ الَّتِي وُعِدَ بِهَا يَعْقُوبُ سَوْفَ تَتحقَّقُ فِي النِّهَايَة.
انْظُرْ، مِنَ النَّاحِيَةِ التَّقْنِيَّةِ، كَانَ يَعْقُوبُ أَوَّلَ مَنْ أَنْجَبَ أَوْلَادًا عِبْرَانِيِّينَ فَقَطْ: أَسْبَاطُ إِسْرَائِيلَ الْإِثْنَيْ عَشَرَ. أَنْجَبَ وَالِدُ يَعْقُوبَ، إِسَحَاقُ، عِبْرَانِيِّينَ (يَعْقُوبَ) وَغَيْرَ عِبْرَانِيِّينَ (عِيسُو). وَالِدُ إِسَحَاقَ، إِبْرَاهِيمُ، أَنْجَبَ أَيْضًا عِبْرَانِيِّينَ (إِسَحَاقَ) وَغَيْرَ عِبْرَانِيِّينَ (إِسْمَاعِيلَ وَعِدّة آخَرِينَ). فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، فِي حَدَثٍ سَنَتَنَاوَلُهُ فِي نِهَايَةِ سِفْرِ التَّكْوِينِ، تَبَنَّى يَعْقُوبُ وَلَدَيِ ابْنِهِ يُوسُفَ الْمِصْرِيِّينَ، وَتَوَلَّى أَحَدُهُمَا، وَهُوَ إِفْرَايِمُ، السُّلْطَةَ الَّتِي كَانَتْ لِيُوسُفَ. حَتَّى فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، بَعْدَ مِئَاتِ السِّنينَ مِنْ ذَلِكَ الْحَدَثِ، فَإِنَّ إِفْرَايِمَ، وَهِيَ قَبِيلَةٌ إِسْرَائِيلِيَّةٌ اخْتَلَطَتْ فِيهَا دِمَاءُ الْمِصْرِيِّينَ، سَتَتَشَتَّتُ عَلَى يَدَيِ الْآشُورِيِّينَ الْفَاتِحِينَ وَسَتَنْصَهِرُ جِينَاتُ الْجُزْءِ الْأَكْبَرِ مِنْ سُكَّانِهَا مَعَ الْعَالَمِ الْأَمَمِيِّ. ثُمَّ، فِي حَدَثٍ نَبَوِيٍّ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ، كَمَا وَرَدَ فِي سِفْرِ حَزْقِيَالَ، سَيَجْتَمِعُ إِفْرَايِمُ بِطَرِيقَةٍ مَا مَعَ بَقَايَا سُبُطِ يَهُوذَا، أَيْ الْيَهُودِ الْمُعَاصِرِين.
لِمَاذَا أَقْضِي كَثِيرًا مِنَ الْوَقْتِ مَعَ هَذِهِ النَّبوءةِ الْوَارِدَةِ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ إِحْدَى عَشَرَةَ عَلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ؟ لِأَنَّ تَجَلِّيَهَا قَدْ بَدَأَ. كَمَا تَرَى، تَرْتَبِطُ هَذِهِ النَّبوءةُ أَيْضًا بِسُلَاسَةٍ بِنبوءة حَزْقِيَالَ سَبْعَةَ وَثَلاثِينَ الَّتِي تُوَضِحُ أَنَّهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ سَيُعَادُ إِفْرَايِمُ وَيَهُوذَا مَعًا بِشَكْلٍ خَارِقٍ لِلطَّبِيعَة.
الآن، مَعَ وَضْعِ سِفْرِ التَّكْوِينِ إِحْدَى عَشَرَةَ عَلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ فِي الْإِعْتِبَارِ، اسْتَمِعُوا بَيْنَمَا أَقْرَأُ لَكُمْ حَزْقِيَالَ سَبْعَةً وَثَلاثِينَ، بَدْءًا مِنَ الْآيَةِ الْخامِسَةَ عَشَرَةَ. مَا أُرِيدُكَ أَنْ تَسْتَمِعَ إِلَيْهِ هُوَ التَّالِي: أَوَّلًا سَيَذْكُرُ اللَّـهُ أَنَّهُ سَيُعِيدُ بِطَرِيقَةٍ مَا مَجْمُوعَةَ الشَّعْبِ الْعِبْرَانِيِّ الضَّائِعَةِ وَالْمُشَتَّتَةِ وَالشَّارِدَةِ إِلَى الْوَطَنِ (جُزْءٌ كَبِيرٌ مِنْهَا أَصْبَحَ غَيْرَ عِبْرَانِيٍّ) وَيُعِيدُ ضَمَّهَا إِلَى الْمَجْمُوعَةِ الَّتِي احْتَفَظَتْ بِثَبَاتٍ بِهُوِيَّتِهَا الْعِبْرَانِيَّةِ، يَهُوذَا، الْيَهُود. بَعْدَ ذَلِكَ، أُرِيدُكَ أَنْ تَسْتَمِعَ إِلَى كَيْفِيَّةِ فِعْلِ اللَّـهِ ذَلِكَ. ثُمَّ فَكِّرْ فِي "الدَّعْوَةِ الْمُقَدَّسَةِ" الَّتِي سَتَأْتِي فِي النِّهَايَةِ مِنْ يَعْقُوبَ وَشَاهِدْ كَيْفَ سَتَتِمُّ هَذِهِ الدَّعْوَةُ الْمُقَدَّسَةُ بِشَكْلٍ عَجِيب.
اِقْرَأْ حَزْقِيَالَ سَبْعَةً وَثَلاثِينَ عَلَى إِثْنَيْ عَشَرَ حَتَّى النِّهَايَةِ.
لَقَدْ حَقَّقَ اللَّـهُ الدَّعْوَةَ الْمُقَدَّسَةَ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ. إِنَّهُ يَرَكِّزُ عَلَى دَعْوَتِهِ الْمُقَدَّسَةِ. سَيَكُونُ أَحَدُ أَفْرَادِ بَيْتِ دَاوُدَ مَلِكًا أَبَدِيًّا لِإِسْرَائِيلَ….. لَنَا. مَنْ هَذَا الْمَلِكُ؟ يَسُوعُ! سَيَكُونُ لِكُلِّ الدَّعْوَةِ الْمُقَدَّسَةِ رَاعٍ وَاحِدٍ. مَنْ هُوَ رَاعِينَا؟ يَسُوعُ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ.
كَيْفَ سَيَحْدُثُ ذَلِكَ؟ لَا يَزَالُ الْأَمْرُ غَامِضًا جِدًّا لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ كَامِلًا، لَكِنَّنِي أَسْتَطِيعُ أَنْ أُخْبِرَكُم بِيَقِينٍ مَطْلَقٍ أَنَّ عَمَلِيَّةَ إِعَادَةِ جَمْعِ إِفْرَايِمَ مَعَ يَهُوذَا جَارِيَةٌ حَالِيًّا. لَقَدِ اعْتَرَفَتْ حُكُومَةُ إِسْرَائِيلَ هَذَا الْعَامَ فَقَطْ أَنَّ الْأَسْبَاطَ الْعَشَرَةَ الْمَفْقُودَةَ الَّتِي تَشَكَّلُ إِفْرَايِمَ لَمْ تَكُنْ مَفْقُودَةً إِلَى هَذَا الْحَدِّ وَأَنَّهَا لَا تَزَالُ مَوْجُودَةً وَأَنَّهَا احْتَفَظَتْ بِذِكْرَى تَرَاثِهَا الْعِبْرَانِيِّ لِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْنِ وَخَمْسمِئَةٍ عَامٍ. يُسْمَحُ لِهَؤُلَاءِ النَّاسِ الْآنَ بِالْهِجْرَةِ إِلَى إِسْرَائِيلَ….. لَيْسَ كَيَهُودٍ، بَلْ كَإِسْرَائِيلِيِّينَ، كَأَفْرَايِمَ. أَوَّلُ تَلْمِيحٍ لِهَذَا الْحَدَثِ هُوَ مَا قَرَأْنَاهُ للِتَوٍّ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ خَمْسَةً وَثَلاثِينَ الْآيَةَ الْحَادِيَةَ عَشَرَةَ. هَذَا بِالتَّأْكِيدِ لَيْسَ تَكْرَارًا لِمَا قَالَهُ اللَّـهُ لِإِبْرَاهِيمَ ثُمَّ لِإِسَحَاقَ. هَذَا هُوَ التَّجَلِّيُ التَّدْرِيجِيُّ فِي الْعَمَلِ.
إعْلَم أَنَّ هَذَا جَدِيدٌ، وَرُبَّمَا يَكُونُ مُرَبِكاً قَلِيلًا لِلْكَثِيرِينَ مِنْكُمْ. جُزْءٌ مِنْ ذَلِكَ لأَنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا كَثِيرًا فِي الْكِتَابَاتِ الْعِلْمِيَّةِ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ الَّتِي نُشِرَتْ قَبْلَ عَامِ أَلْفٍ وَتَسْمِئَةٍ وَتِسْعِينَ قَرِيبًا، وَإِنْ وَجَدْتُمْ أَيَّ شَيْءٍ فَهُوَ يُنَاقِشُ أَفْرَايِمَ. لِذَلِكَ، أَنتَ بِالتَّأْكِيدِ لَمْ تَسْمَعْ عَظَاتٍ عَنْهُ فِي الطَّوَائِفِ السَّائِدَة. مَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ أَفْرَايِمَ أَصْبَحَ مُحَوَّرًا جِدًّا فِي الْكُتُبِ النَّبَوِيَّةِ لِإِشَعْيَاءَ وَحَزْقِيَالَ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ. كَيْفَ أَغْفَلَ عُلَمَاؤُنَا الْمَسِيحِيُّونَ وَالْيَهُودُ هَذَا الْأَمْرَ، فِي حِينِ أَنَّ دَوْرَ أَفْرَايِمَ….. حَتَّى وَإِن لَمْ يَكُنْ مُعَرَّفًا بالكامِل….. أَصْبَحَ الْيَوْمَ مُهِمًّا وَواضِحًا جِدًّا؟ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَانَ بَعْدُ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ اسْتَغْرَقَ عِدَّةَ أَحْدَاثٍ أُخْرَى حَتَّى نَرَى أَهَمِّيَّةَ أَفْرَايِمَ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّس. لِذَلِكَ، أُولَـٰئِكَ مِنَّا الَّذِينَ أَدْرَكُوا الرُّؤْيَةَ يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا شَاكِرِينَ لِأَنَّ اللَّـهَ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهَا……. وَأَنْ نَصْبِرَ عَلَى تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بِالْمِئَةِ مِنَ الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا عَنْهَا. مُنْذُ وَقْتٍ لَيْسَ بِبَعِيدٍ كُنَّا فِي نَفْسِ الْوَضْعِ.
حَسَنًا، يَعْقُوبُ عَلَى وَشْكِ أَنْ يَمْضِيَ قَدُمًا، فَلْنَمْضِ مَعَهُ.
مِنْ بَيْتِ إِيلٍ، انْتَقَلَتِ الْعَشِيرَةُ الْآنَ إِلَى مَكَانٍ يُدْعَى إِفْرَاتَ…… وَبَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ، سَتُعْرَفُ إِفْرَاتُ بِـ "بَيْتِ لَخْمٍ"، بَيْتِ لَحْمٍ، مَكَانِ مِيلَادِ الْمَسِيحِ. تَمُوتُ رَاحِيلُ حَبِيبَةُ يَعْقُوبَ وَهِيَ تَلِدُ ابْنَهَا الْأَخِيرَ، وَهُوَ السَّبَطُ الثَّانِي عَشَرَ وَالْأَخِيرُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَثْنَاءَ الْوِلَادَةِ، ظَنًّا مِنْهَا أَنَّهَا لَنْ تَنْجُوَ مِنَ الْمَوْتِ، سَمَّتْ رَاحِيلُ هَذَا الطِّفْلَ "بِنْ أُونِي"، "ابْنَ حَزَنِي"، وَلَكِنَّ فِيمَا بَعْدَ، وَعَلَى الأَرْجَحِ بَعْدَ وَفَاةِ رَاحِيلَ، أَعَادَ يَعْقُوبُ تَسْمِيَتَهُ بِنْيَامِينَ……، أَيْ "ابْنَ الشَّيْخُوخة" أَوْ "ابْنَ السَّعَادَة". نَحْنُ نُسَمِّيهِ بِنْيَامِين.
دُفِنَتْ رَاحِيلُ وَانْتَقَلَ إِسْرَائِيلُ مَرَّةً أُخْرَى لَمَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ، وَهَذِهِ الْمَرَّةُ قُرْبَ مَكَانٍ يُسَمَّى مَجْدَلَ إِدْرٍ، وَهُوَ مَا يَعْنِي "بُرْجَ مُرَاقَبَةِ الْقَطِيعِ". بَعْدَ أَلْفٍ وَثَمَانِمِئَةِ سَنَةٍ، سَيَكُونُ هَذَا الْبُرْجُ هُوَ الْبُرْجَ الَّذِي سَيَرى وَيَسْمَعُ مِنْهُ الرُّعَاةُ الَّذِينَ يَسْهَرُونَ عَلَى الْقُطْعَانِ فِي الْحَقْلِ لَيْلًا إِعْلَانَ الْمَلَائِكَةِ وَابْتِهَاجَهُمْ بِمِيلَادِ مُخَلِّصِ الْعَالَم.
لَقَدْ كَانَ مَوْقِعُ قَبْرِ رَاحِيلَ مَعْرُوفًا جَيِّدًا بَعْدَ مِئَاتِ السَّنَوَاتِ وَتَتَحَدَّثُ أَسْفَارُ صَمُوئِيلَ عَنْ الْعَلَامَةِ الْحَجَرِيَّةِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى قَبْرِهَا كَمَعْلَمٍ مَشْهُورٍ. هَذَا الْمَوْقِعُ مَوْجُودٌ الْيَوْمَ عَلَى بُعْدِ مِيلٍ وَاحِدٍ شَمَالِيِّ بَيْتِ لَحْمٍ.
بالقُرب من هنا أَيْضًا (فِي عِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ بَسِيطَةٍ) قِيلَ لَنَا أَنَّ ابْنَ يَعْقُوبَ الْبِكْرَ رُؤُوبِينَ نَامَ مَعَ مَحْظِيَّةِ يَعْقُوبَ، بِيلا، وَكَانَ يَعْقُوبُ عَلَى عِلْمٍ بِذَلِكَ. كَانَتْ بِيلا خَادِمَةَ رَاحِيل. لَا شَيْءَ آخَرَ يُقَالُ عَنْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْوَقْتِ الْحَالِيِّ وَلَكِنَّ، فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ، سَيَكُونُ لَهَا أَثَرٌ كَبِيرٌ عَلَى مُسْتَقْبَلِ إِسْرَائِيل.
لِنَأْخُذْ جَوْلَةً أُخْرَى مِنْ جَوْلَاتِنَا الصَّغِيرَةِ هُنَا وَنَفْحَص الْمَوْقِفَ بَيْنَ رُؤُوبِينَ وَبِيلا، لِأَنَّهُ يَقُولُ كَثِيرًا عَنْ ثَقَافَةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَهُ أَثَرٌ عَلَى مُسْتَقْبَلِ إِسْرَائِيل.
لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمُصَادَفَةِ أَنْ يُتَحَدَّثَ عَنْ مَوْتِ رَاحِيلَ ثُمَّ أَخْذِ رُؤُوبِينَ لِبِيلا لِأَنَّهُمَا مُرَتَبِطَانِ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ. كَانَتْ بِيلا جَارِيَةَ رَاحِيلَ، وَلَكِنَّ بِيلا كَانَتْ أَيْضًا مَحْظِيَّةً/زَوْجَةً لِيَعْقُوبَ. ولِدَتْ بِيلا دَانَ وَنَفْتَالِي. لَقَدْ قَامَ رُؤُوبِينُ بِعَمَلٍ مُحَسوبٍ للغاية فِي مُمَارَسَةِ الْجِنْسِ مَعَ بِيلا، وَكَانَ قَصْدُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَعْقُوبَ لَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا كَانَ شَائِعًا جِدًّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: رَفْعَ الْمَحْظِيَّةِ/الزَّوْجَةِ إِلَى مَكَانَةِ الزَّوْجَةِ التَّامَّةِ/الشَّرْعِيَّة عِندَمَا تَمُوتُ الزَّوْجَةُ التَّامَّةُ/الشَّرْعِيَّةُ. كَانَ رُؤُوبِينُ ابْنَ لَيَا. بِالْعَوْدَةِ إِلَى قِصَّةِ الْلَّفَاحَاتِ الَّتِي جَمَعَهَا رُؤُوبِينُ لِأُمِّهِ، كَانَ رُؤُوبِينُ مُدْرِكًا تَمَامَ الإدراكِ لِمَكَانَةِ أُمِّهِ فِي نَظَرِ أَبِيهِ يَعْقُوبَ: كَانَتْ رَاحِيلُ فِي الْمَرْتَبَةِ الأُولَى وَلَيَا فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ. أَمَّا بِالنسْبَةٍ لِرُؤُوبِينَ وَأُمِّهِ لَيَا، فَقَدْ سَنَحَ لَهُم مَوْتُ رَاحِيلَ فُرْصَةً؛ فُرْصَةً لِيَا لِتَكْسَبَ مَكَانَةَ زَوْجَةِ يَعْقُوبَ الْواحِدَةَ وَالْوَحِيدَةَ وَبِالتَّالِيَّ مُحَبَّوبَتَهُ الأُولَى، إِلَّا أَنَّ رُؤُوبِينَ كَانَ قَلِقًا مِنْ أَنْ يَكُونَ يَعْقُوبُ قَدْ قَرَّرَ أَنْ يُرِيحَ نَفْسَهُ مَعَ خَادِمَةِ رَاحِيلَ، بِيلا، بَدَلًا مِنْ لَيَا.
لَقَدْ كَانَ هَذَا أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ غَيْرَةٍ أَوْ عَاطِفَةٍ بَسِيطَةٍ: فَمَكَانَةَ أَنْ يَكُونَ ابْنَ الْمُفَضَّلَةِ لَدَى يَعْقُوبَ جَلَبَتْ مَعَهَا فَوَائِدَ مَلْمُوسَةً……. وَبَعْدَ كُلِّ هَذِهِ السَّنَوَاتِ مِنْ لَعِبِ دَوْرٍ ثَانَوِيٍّ لِيُوسُفَ وَرَاحِيلَ أُمِّ يُوسُفَ، لَمْ يَكُنْ عَلَى وَشَكٍ أَنْ يَسْمَحَ لِبِيلا بِالْتَّدَخُّلِ.
مِنْ خِلَالِ إِقَامَتِهِ عَلاَقَةً مَعَ لَيَا، أَفْسَدَهَا. لَا يُمْكِنُ لِيَعْقُوبَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الآنَ مِنْ بِيلا بِشَكْلٍ قَانُونِيٍّ، لِأَنَّهَا، بِمُمَارَسَةِ الْجِنْسِ مَعَ رُؤُوبِينَ، أَصْبَحَتْ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهَا. كَانَ سَيَكُونُ مِنَ الْمُخْزِيِّ إِلَى أَبْعَدَ مِنَ الْخَيَالِ أَنْ يَتَزَوَّجَ يَعْقُوبُ مِنْ امْرَأَةٍ نَامَتْ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ، نَاهِيكَ عَنْ ابْنِ زَوْجِهَا.
لِذَلِكَ، أَرَادَ رُؤُوبِينُ أَنْ يُعْرَفَ هَذَا الْفِعْلُ. كَانَ مِنَ الضَّرُورِيِّ أَنْ يُعْرَفَ مَا فَعَلَهُ مَعَ بِيلا حَتَّى لَا يَقْبَلَ يَعْقُوبُ بِهَا، وَلِذَلِكَ صَارَتْ لَيَا الْمَلِكَةَ.
هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ الصَّغِيرَةِ فِي نِهَايَةِ الْآيَةِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ …… "وَعَرَفَ إِسْرَائِيلُ"….. هِيَ مِفْتَاحُ الْحَلِّ. كَانَ عَلَى يَعْقُوبَ أَنْ يَكْتَشِفَ إِذَا كَانَ يُجِبُ أَنْ تَنْجَحَ خُطَّةُ رُؤُوبِين.
يُوجَدُ فِي التَّلْمُودِ بَيَانٌ حَوْلَ هَذَا الْأَمْرِ يُلَخِّصُ كُلَّ شَيْءٍ بِشَكْلٍ جَيِّدٍ إِلَى حَدٍّ مَا؛ وَيَقُولُ التَّالِي: "قَالَ (رُؤُوبِينُ): "إِذَا كَانَتْ أَخْتُ أُمِّي مُنَافِسَةً لِأُمِّي، فَهَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ خَادِمَةُ أَخْتِ أُمِّي مُنَافِسَةً لِأُمِّي؟"
وَالْآنَ، إِسْمَحُوا لِي أَنْ أَضَعَ نُقْطَةَ الْبِدَايَة: خِلَالَ هَذَا الْعَصْرِ، كَانَ مِنَ الْمُعْتَادِ أَنْ الزَّعِيمَ الَّذِي قَهَرَ زَعِيمًا آخَرَ….. أَوِ ابْنٌ تَوَلَّى الْقِيَادَةَ مِنْ أَبِيهِ (عَلَى الأَرْجَحِ بِسَبَبِ وَفَاةِ الْأَبِ)…… يَسْتَحْوِذُ أَيْضًا عَلَى مَحْظِياتِ ذَلِكَ الزَّعِيمِ. كَانَ اسْتِحْوَاذُ الْقَائِدِ الْجَدِيدِ عَلَى مَحْظِياتِ الْقَائِدِ السَّابِقِ تَأْكِيدًا وَإِقْرَارًا بِمَكَانَةِ وَسُلْطَةِ ذَلِكَ الْقَائِدِ الْجَدِيدِ.
مَثَّلَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ بِأَكْمَلِهَا بَيْنَ رُؤُوبِينَ وَبِيلا تَحَدِّيًا مَفْهُومًا بِشَكْلٍ وَاضِحٍ لِسُلْطَةِ يَعْقُوبَ كَقَائِدٍ لِإِسْرَائِيلَ. كَانَ تَصَرُّفُ رُؤُوبِينَ مَاكِرًا وَسِيَاسِيًّا….. مُمارَسَةُ الْجِنْسِ مَعَ بِيلا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلاقَةٌ بِلَحَظَاتٍ قَلِيلَةٍ مِنَ الْمُتْعَةِ؛ لَقَدْ كَانَتْ مُحَاوَلَةَ انْقِلاَبٍ سَافِرَة. أَرَادَ رُؤُوبِينُ أَنْ يَكُونَ زَعِيمَ إِسْرَائِيل.
لِهَذَا السَّبَبِ، فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، سَيَخْلَعُ يَعْقُوبُ رُؤُوبِينَ مِنْ مَنْصِبِ الْبِكْرِ وَيُعْطِيهِ لِيَهُوذَا. اسْتَمِعُوا إِلَى يَعْقُوبَ وَهُوَ يَقتَرِبُ مِنْ نِهَايَةِ حَيَاتِهِ، وَيَجْمَعُ أَبْنَاءَهُ مَعًا لِيُعَلِّنَ لَهُمُ الْبَرَكَةَ؛ نَجِدُ هَذَا فِي تَكْوِينِ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ.. التَّرْجَمَةُ الْقِيَاسِيَّةُ الْأَمْرِيْكِيَّةُ الْجَدِيدَةُ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ تَكْوِينٌ وَاحِدٌ عَلَى تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ:" وَدَعَا يَعْقُوبُ بَنِيهِ وَقَالَ: «اجْتَمِعُوا لأُنْبِئَكُمْ بِمَا يُصِيبُكُمْ فِي آخِرِ الْأَيَّامِ. اجْتَمِعُوا وَاسْمَعُوا يَا بَنِي يَعْقُوبَ، وَاصْغَوْا إِلَى إِسْرَائِيلَ أَبِيكُمْ: رُؤُوبَيْنُ، أَنْتَ بِكْرِي، قُوَّتِي وَأَوَّلُ قُدْرَتِي، فَضْلُ الرِّفْعَةِ وَفَضْلُ الْعِزِّ. فَائِراً كَالْمَاءِ لاَ تَتَفَضَّلُ، لأَنَّكَ صَعِدْتَ عَلَى مَضْجَعِ أَبِيكَ. حِينَئِذٍ دَنَّسْتَهُ. عَلَى فِرَاشِي صَعِدَ."
لَيْسَ أَنَّ مُحَاوَلَةَ رُؤُوبَيْنَ أَنْ يُحِلَّ مَحَلَّ أَبِيهِ قَبْلَ الْأَوَانِ لَمْ تَنْجَحْ فَحَسْب، بَلْ جَاءَتْ بِنَتَائِجِ عَكْسِيَّةٍ تَمَامًا لِدَرَجَةٍ أَنَّ رُؤُوبَيْنَ فَقَدَ حُقُوقَ الْبِكْر.
بَعْدَ سَرْدٍ مُوجَزٍ حَوْلَ أَبْنَاءِ يَعْقُوبَ، نَحْصُلُ عَلَى مَعْلُومَةٍ مُثِيرَةٍ لِلِاهْتِمَامِ وَهِيَ أَنَّ يَعْقُوبَ، إِسْرَائِيلَ، "رَجَعَ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ إِسْحَاقَ فِي مَمْرَةَ". بِعَبَارَةٍ أُخْرَى، عَاشَ إِسْحَاقُ لَيْلْتَقِيَ بِجَمِيعِ أَحْفَادِهِ مِنْ خِلَالِ يَعْقُوبَ، ثُمَّ مَاتَ إِسْحَاقُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ عُمْرٍ مِئَةٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَجَاءَ عِيسُو، وَدَفَنَ وَيَعْقُوبُ إِسْحَاقَ فِي حِبْرُونَ.
احْتَفَظَتِ الْعِبَارَةُ الْوَارِدَةُ فِي الْآيَةِ تَسْعَةٍ وَعِشْرِينَ، أَنَّ إِسْحَاقَ مَاتَ "وَجُمِعَ مَعَ عَشِيرَتِهِ". هُنَاكَ كَلِمَاتٌ لَا تَزَالُ تُعَبِّرُ عَنْ نَظْرَةٍ ضَبَابِيَّةٍ إِلَى مَا يَحْدُثُ لِلشَّخْصِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتَعَكَّسُ اسْتِمْرَارًا لِعِبَادَةِ الْأَسْلَافِ إِلَى دَرَجَةٍ مَا.
هَلْ كَانُوا يُعْتَقدُونَ حَقًّا أَنَّ إِسْحَاقَ يَعِيشُ الآنَ عَلَى الْجَانِبِ الآخَرِ مِنَ الْمَوْتِ مَعَ أَسْلَافِهِ؟ رُبَّمَا، بِطَرِيقَةٍ مَا غَيْرِ مُحَدَّدَة. لَكِنَّ التَّعْبِيرَ يُشِيرُ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ إِلَى الْمَوْتِ بِسَلاَمٍ بَعْدَ حَيَاةٍ طَوِيلَةٍ. مَا كَانَ لِيُقَالَ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ عَنْ إِسْحَاقَ لَوْ كَانَ قَدْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ شَابًّا أَوْ أُعْدِمَ بِسَبَبِ خَرْقِهِ لِلْقَانُونِ.
الأُسْبُوعَ الْقَادِمَ، الْإِصْحَاحُ سِتَّةٌ وَثَلاَثُونَ.