9th of Tevet, 5785 | ט׳ בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التثنية » سِفْر التثنية الدّرس الثالث والثلاثين – الإصْحاح أربعة وعشرين
سِفْر التثنية الدّرس الثالث والثلاثين – الإصْحاح أربعة وعشرين

سِفْر التثنية الدّرس الثالث والثلاثين – الإصْحاح أربعة وعشرين

Download Transcript


سِفْر التثنية

الدّرس الثالث والثلاثينالإصْحاح أربعة وعشرين

لقد قَطَعْنا شَوْطًا قصيرًا في الإصْحاح أربعة وعشرين من سِفْر التثنية في المَرَّة السّابِقة وسنُواصِل ذلك اليوم. لقد انْتَهَيْنا بِمُناقشة حقيقة غامِضة في الكِتاب المُقَدَّس ليس من السَّهْل دائمًا إدْراكها: تُدْرَج الأنْماط من زَمَن الخَلْق حتى الكَلِمات الأخيرة من سِفْر الرؤيا. اَعْتَقِد أن هذه الحقيقة رُبَّما تكون المفتاح الذي يَفتح الكثير من ألْغاز الكِتاب المُقَدَّس التي غابَت عنا. والألْغاز بالطبع تُثير السُّؤال، لماذا. ”لماذا“ هو ما يَجْعَل اللِّغْز لِغْزًا. لماذا يَفعَل الله ما يَفعلَه في أي مَوْقف مُعَيَّن؟

لماذا تَحْدُث أمور سَيِّئة لأُناس صالِحين؟ لماذا من الخطأ إقامة علاقات جِنْسيَّة من دون الاسْتِفادة من الزواج؟ والجواب على كل ”لماذا“ هو أن ردّ فِعْل الله والقرار يَتْبَع دائمًا نَمَطًا مُحَدَّدا مُسْبَقًا. وهذه الأنْماط مُحَدَّدة في التَّوْراة. لِذا فالسُّؤال الذي يَجِب أن يَطْرحه أي مُؤمِن تَقي يُريد بِجَدِّيّة أن يَعْرف ما الذي يُريده الرَّب (و”لماذا“ ليس مُجَرَّد شكوى مُبَطَّنة) ليس ”لماذا“، بل أي“. ما هو النَّمَط الإلَهي الذي يَعْكُس إما نَتيجَة مَوْقف مُعَيَّن، أو أيضًا ما هو النَّمَط الذي يَجِب أن نُطَبِّقه على أي مُشْكِلة أو تَحَدٍّ مُعَيَّن يواجِهنا.

لم يَكُن هذا التَّدَرُّج في أنْماط الله عمومًا محلّ اهتمام إلّا لعُلَماء الكِتاب المُقَدَّس )وقليلون جداً منهم، إذا أَرَدْنا قَول الحقيقة)، وهو أمْر لا يُناقش أو يُعرَف على نِطاق واسِع داخل المُجْتَمَع المسيحي لأنه من النّادِر أن يُدرَس العهد القديم في العَصْر الحديث. ومن دون مَعْرِفة توراة العهد القديم، فإنّ أساس هذه الأنْماط لا يترسَّخ أبدًا في أذْهاننا. يُمْكنني أن أُشبِّه مَفْهوم الأنماط هذا بالخَيْط الرفيع الذي تتشابك عليه دِرَر العقد لتُكَوِّن جماله. هل مَررْتم من قبل بِتَجْربة رؤية عقد اللؤلؤ يَنْقطِع، وتَسقط تلك الكرات المُسْتديرة الثمينة على الأرض وتبدأ بالقفز بِشَكلٍ غير مُتَوَقَّع في كل اتِّجاه؟ لدينا العشرات من لآلِئ الحق المقدّمة لنا في الكِتاب المُقَدَّس؛ ولكن عندما تُفقَد أو تَنْقَطع خيوط ”الأنْماط“ فإن تلك اللآلِئ (التي هي قِصَص الكِتاب المُقَدَّس الكثيرة والنُّبوءات والأمثال والأوامِر والقوانين التي ذكرَها يَسوع نفسه) تُصبح غير مُترابطة ويكاد يكون من المُسْتحيل أن نرى تَسَلْسُلها المُنَظَّم وعِلاقتها العُضويّة ببعضها البعض. وبدلاً من ذلك نَميل إلى النَّظر إلى تلك اللآلِئ من الحِكمة كل على حِدة، على أساس مُستقلّ، ومثل هذا الأمْر يُمْكن أن يَجْعَلُنا بالفِعل نَنظر إلى أعلى ونتساءل ”لماذا“؟

اسْمَحوا لي أن أبدأ بتِكْرار ما خَتمتُ به كلامي في المَرَّة السّابِقة: إن مبادئ الله المَخْفيّة في قِصَّة الخَلْق قد نُقِلَت وتجلَّت على مستوى أكثر وضوحًا في الروايات عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب. هذه المبادئ الإلَهية التي كانت مُتَضمَّنة بِعُمْق في روايات البطارِكة الرائعة تمَّ اسْتِخراجها بعد ذلك ووَضْعها بِوُضوح في شريعة موسى في جبل سيناء. بعد ذلك تمَّ نقل المبادئ الإلَهية المُفَصَّلة التي أُعْطِيت في جبل سيناء إلى الأمام وأَثْمَرت على مُستوى روحي أعلى في حياة ومواعِظ وأمثال يَهْوَهْ، يَسوع المسيح. سوف تتجلَّى هذه المبادئ الإلَهية بعد ذلك على مستوى قريب من الكَمال في الملَكوت الألْفي، مِلْك المسيح الذي يمتدّ لألف عام. لكن افْهَموا: لا تزال كُلُّها نفس المبادئ. لم يتغيَّر شيء؛ فقط كيف تم الكَشْف عنها وتجلّيها وتغيُّرِها على مَرّ الزَمَن.

خلال دَرْسنا اليوم سآخُذ بعضًا من شرائع سِفْر التثنية أربعة وعشرين وأعود عِدَّة مئات من السِّنين إلى الوراء (إلى زَمَن البطارِكة) وأُريكم كيف أن تلك المبادئ الإلَهية التي كانت أساس شريعة موسى قد ظَهَرت في قِصَص الكِتاب المُقَدَّس السّابِقة، لأن نفس هذه المبادئ (بالطبع) كانت مَوجودة حتى منذ زَمَن الخَلْق. الحاخامات سيَقولون (واَعْتَقِد أن الكِتاب المُقَدَّس يؤيِّد ذلك)، أن الكَلِمَة (التي هي النّاموس، التَّوْراة) كانت في السَّماء قبل وقت طويل من ظُهورها الأول على الأرض عند الخَلْق.

ومع ذلك، دَعونا أولاً نُنْعِش ذاكِرتنا بإعادة قراءة سِفْر التثنية أربعة وعشرين ونَنْظر إلى بعض الأوامِر الأخرى.

أَعيدوا قراءة سِفْر التثنية أربعة وعشرين بأكملِه

لهذا السَّبَب أُحِب أن أقرأ من نِسَخة الكِتاب المُقَدَّس اليهودي الكامِل: لأنّها ستَسْتَخْدم بعض الكَلِمات العِبْرِيَّة الأصْلِيَّة بدلاً من التَّرْجمات الإنجليزية التي غالبًا ما تكون بعيدة عن المعنى أو تَحْجب المعنى. لقد تناوَلْنا الآيات السَّبع الأولى في الدرس السّابق لذا سنَنْتَقِل مُباشرةً إلى الآية الثامِنة. ستقول مُعْظَم نِسَخ الكِتاب المُقَدَّس في الآية الثامنة أن هذا المَقْطع يتحدَّث عن الجِذام؛ أو رُبَّما تقول مرضٌ جِلْدي أو شيء مُشابه. الكَلِمَة العِبْرِيَّة هي تزارعات ولا تعني الجذام. تَظهر كَلِمَةالتزارآت " في الواقع في مجموعة مُتَنوِّعة من الحالات التي، وإن كانت تَرْتبِطُ عادةً بالجِّلد إلا أنها ترتبط أيضًا بالنَّجاسة التي تُصيب الملابِس أو الأثاث أو حتى جِدْران المنزل. يُعَرّف سِفْر اللاويين ثلاثة عشر وأربعة عشر بِعِناية أكبر التزارآت ويوضِح أن الكَهْنوت وَحْدَه هو الذي يُمْكنه التَّعامُل معها لأنها مُشْكِلة روحِيَّة في المقام الأول، وبِدَرجة أقل فقط مُشْكِلة طبِّية. باخْتِصار يُنظر إلى التزارآت على أنها نَتيجَة خارِجيَّة لحالةٍ داخِليَّةٍ من التَّدَنُّس الطَّقسي. التزراعات هي تَوضيح ظاهِري لكَيْفِيَّة رؤية الرَّب للحالة الروحِيَّة الداخليّة للبشر: مرض وفَساد. نجاسة. لذلك عندما كان العِبراني، إذا ما ظَهَر على جِلده داء التزارآت كان يتمّ فَصْله عن بَقِيّة بني إسرائيل؛ كان يوضع بالقُوَّة خارج المُخَيَّم إذا ما امتنع عن الخُروج بإرادته، ويبقى خارج المُخَيَّم إلى أن تختفي آثار التزارآت؛ وبالنِّسْبة لبعض بني إسرائيل كان ذلك لبَقِيَّة حياتهم.

وكمِثال على كل من ما يُمْكن أن يَتوقَّعه الشَّخْص المُصاب بالتزرآت ولماذا يُصاب الناس بهذه الحالة، تَسْتَخْدم الآية التاسعة حادِثة مريم. تذكَّروا أنه قبل ذلك بسنوات في رِحلة البَرِّية تكلَّمَ هارون ومريم (أخو موسى وأخته) ضدّ موسى؛ وأُصيبت مريم بالتزارآت نَتيجَة لهذه الخطيئة. هناك اخْتلافات بين عُلَماء اليهود والمسيحيّين حول الطبيعة الدَّقيقة لخطيئة مريم ولكن إذا كان هناك إجْماع في الرأي على أن الأمْر يَتَعلَّق على الأرْجَح بجريمة النَّميمة الإفْتِرائيَّة، أو بالعِبْرِيَّة لاشون هارا". كانت المُشْكِلة في الأساس أن مريم تكلَّمَت ضدّ وسيط الله المَمْسوح بالزيت، موسى. السَّبَب الذي جَعَلها تتكلَّم ضدَ موسى هو أنها تَدَنَّسَت في روحِها. وكانت النَتيجَة أن الله جعلها تَحمل هذا الدَّنَس على جِلدها، ظاهِريًا ليراها الجميع، بينما كان الأمْر بخِلاف ذلك حالة داخِلية خَفِيَّة. ولكن لم يَكُن ذلك فقط لكي يرى الآخرون أنها قد فَسَخَت السلام مع الله؛ بل كان ذلك لكي تَسْتطيع الآن أن تُدْرِك مكانتها في عَيْنَيْ الله. كانت حالتها الخاطِئة التي كان بإمكانها أن تتجاهَلها وتَنْكُرها واضِحة لها كما للآخَرين.

هذا دَرْس يُمْكن مناقشته مِرارًا وتِكرارًا لأن له تأثيرًا مُباشرًا وواضِحًا (ورُبَّما يوميًا) في علاقَتنا مع الله. كان موسى وسيط عهد الله على الأرض لفترة من الزَمَن. كان يَهْوَهْ وسيط عهد الله الأكْبَر على الأرض لفترة من الزَمَن، ولا يزال كذلك في السَّماء. كوسيط الله يَجِب أن تُقبل كل كَلِمَة يَهْوَهْ وشَخْصَه ومَقْصَده بِفَرَح ولا يَنْبَغي أن يتمّ التَّكَلُّم ضدّها أبدًا. كما قال يَهْوَهْ عن موسى (وكم يَنطبِق ذلك أكثر على يسوع)، كل ما يَتَكَلَّم به هو كما لو أن الله تكلَّمَ به، هكذا يَحمل كلامه سُلطانًا كبيرًا. إن الشَّخْص الذي يَتَكَلَّم ضدّ يَهْوَهْ هو بِحِكْم التَّعْريف في حالة تَدْنيسٍ روحي (تمامًا كما كانت مريم) لأن هذا الشَّخْص يَخْتَلِف مع الله (يتمرّد عليه)، والنَّتيجَة هي أن الشَّخْص المُدَنَّس يؤخَذ إلى خارج المُخَيَّم، ويُستبْعَد من الشراكة مع الرَّب ومع رفاقِه في العبادة؛ والدَّليل الذي لا يُمْكن إنْكارُه على هذا التَّدْنيس الداخلي أصبح واضِحًا ومُلاحَظًا ظاهِريًّا. منذ مَجيء المسيح (وخاصة فيما يَتَعلَّق بالوثنيِّين) وُلِدْنا خارج المُخَيَّم (خارج مَلَكوت الله). لقد وُلِدْنا في حالة من الدَّنَس الداخلي ( بالتزارآت إن صَحّ التعبير)؛ هذا يعني أن دم المسيح يَجِب أن يُطَهِّرنا ويُزيل هذا الدَّنَس الفظيع لكي يَتِم إدخالُنا إلى المُخَيَّم من حالتنا الطَّبيعيّة للعيش خارج المُخَيَّم.

الشَّيْء الذي يَجِب مُلاحظته أيضًا بشأن مريم هو أن كَوْنها أختًا شقيقة لموسى لم يُغيِّر شيئًا، وكَوْنها عِبريّة عرقية لم يغير شيئًا وكَوْنها واحدة من خمس نساء فقط في العهد القديم بأكْمَله مُنحت مَكانةْ ”نَبِيَّة“ لم يُغيِّر شيئًا. لم تَحْصل على أي إعْفاء خاص بسبب الرَّوابط العائلية أو المكانة. إن إخْوة يسوع وأخواته لن يُخَلَّصوا لأنهم كانوا أقارِب له؛ لن يُخَلَّصوا إلا بالثِّقة به كمسيح مثل أي شخص آخر.

والآن كَلِمَةُ تَحْذير؛ لقد سَمْعْتُ هذا المِثال بالذات من لاشون هارا يُستخدَم لشَرح السَّبَب في أنه لا يُمْكن لِعَضو الجماعة أن يتحدّى أو يَخْتَلِف مع حاخامِه، أو قَسِّه أو كاهِنه، أو شَيْخه أو شَمّاسه أو أيًا كان. في حين أن جريمة النميمة الافْتِرائيّة هي في الواقع تدْنيس بِشَكلٍ عام، إلا أن جريمة مريم كانت موجَّهة ضدّ وسيط الله المُعَيَّن للعهد وهذا هو بَيْت القصيد. لذا، في حين أن الوِحدة داخل جَسَد المسيح للأسْباب الصَّحيحة هي دائمًا مَرْغوبة وأفْضَل وهدَف جدير، فإن إقفال النِّقاش أو إبعاد النقد المستحَق لقائد الجماعة لا علاقة له بِقَضيَّة مريم وإصابَتها بالتزآت. هذه ليست لاشون هارا. هذه ليست نَميمة افترائيَّة.

القانون التالي كما هو موضَح في الآيات من عشرة الى ثلاثة عشرة يَتَعلَّق بأخْذ وحَجْز المُمْتلكات التي تُسْتَخْدم كضمان لِقَرض. يَرْتَبِط هذا بالطَّبع بالقانون السّابق في هذا الإصْحاح حول عدم الاستيلاء على حَجَر الطاحون العلوي من شخص ما كضمان للقَرْض (تحت أي ظرف من الظُّروف) لأن هذا يَتَسبَّب في فِقْدان الشَّخْص لِوَسائل مَعيشته: وبالتالي فإن انْتِهاك هذا القانون هو ارْتِكاب جريمة ضدّ الحياة. وَمَعْنَى ذلك أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْقَرْض جَائِز بِلا شَك وَلَكِن بِشُروط وَقُيُود.

يُحَظِّر الجزء الأول من هذا القانون على الدائن أن يَدخل بيت المَدين ويأخذ الضَّمان عِنْوَةً. ويوضِح الحاخامات أن دخول منزل شخصٍ ما دون إذن لتَحْصيل الضمانات هو بمثابة غَزو للمنزل. وهذا ليس خطأ ظاهِريًا فحسب، بل يُمْكن أن يؤدّي إلى شِجار وقد تتعرَّض الحياة للخَطَر نَتيجَة لذلك. بل يَجِب على الدائن أن يَقِف خارجًا وعلى المَدين أن يُخْرِج الضَّمانات إليه. الكَلِمَة العِبْرِيَّة التي تُترَجم إلى ضمانات هي أبوت؛ وقد قرَّرَت الأعمال العِلْمِيَّة الحديثة أن تُتَرجم هذه الكَلِمَة إلى ”رَهْن“ بدلاً من ضَمانات لأن الرَّهْن مُصْطَلَح يُمْكن أن يَنْطَبِق على حالات أكثر من مُجَرَّد كَوْنه قِطْعة من الممتلكات المادية التي تُسْتَخْدَم لتأمين القرض.

علاوة على ذلك، في الآيتين إثني عشرة وثلاثة عشرة، إذا كان المَدين فقيرًا، يجب أن يُعاد الرَّهْن إليه قبل غُروب الشمس، أي يَجِب أن يُعاد قبل نهاية اليوم. بالنِّسْبة للشَّخص الفقير فإن الرَّهْن الذي يَضَعه غالباً ما يكون الشَّيْء الوحيد ذا قيمة الذي يَمْلكه: مِعْطفه. كان هذا المِعْطَف أو العباءة بِمَثابة بَطّانيّة أيضًا، وهذا هو سَبَب قَوله: ”يحتاج أن ينام فيه“؛ فهو ما كانوا ينامون فيه في اللّيالي البارِدة. وبالمُناسبة، بالنِّسْبة لأولئك الذين زاروا إسرائيل في أشهر الشِّتاء، فقد تذَوَّقْتم مدى برودة الجوّ حتى في الصَّحراء، لذا فإن هذا القانون هو بالتأكيد قانون عَمَلي وضَروري. لقد تَعَرَّضْت للثُّلوج في شمال إسرائيل وجنوبها على حدٍّ سِواء؛ يَجِب أن يكون لدى الشَّخْص في تلك البيئة بعض الملابِس الدافئة. والمَفْهوم هو أنه في كل صباح يقوم المُدين بإعادة المِعْطَف المَرْهون إلى الدائن، ثم يَسْتعيده في اللّيل.

من المُثير للاهْتِمام أنه في حين أن مُعْظَم القوانين التي تدور حول النَّهي عن فِعل شيء ما (أي لا تَفعل أمرًا ما) تتحدَّث عن عُقوبة على المُخالفة، فإن هذا القانون حول عدم الاحْتِفاظ بثياب الفقير الدافِئة يُعطي دافِعًا إيجابيًا للمُقْرِض لكي يطيع؛ وهو أن المُقْرِض سيكون مُباركًا لأن الرَّحمة بهذه الطريقة ستُعتبَر بِرًّا في عَيْن الله. تقول نِسْخة الكِتاب المُقَدَّس اليهودي الكامِل ”عمل مُسْتَقيم“ وفي الأناجيل الأخرى قد تقول ”اسْتِحْقاق“. الكَلِمَة التي تُترجم هي تزيديكا، وتعني بِشَكلٍ عام البِرّ أو عَمَل البِرّ.

ومع ذلك، يَجِب أن يُفهَم هذا القانون الخاص بالضَّمان على أنه يعني أيضًا أن أَخْذ رَهْن أي شيء أساسي للعَيْش والحياة أمْرٌ مَشْكوكٌ فيه في أحْسَن الأحوال ولا يَنْبَغي فِعْلُه بِشَكلٍ عام.

قد تكون هذه نِقْطَة جيِّدة للذهاب في التِفافَة صغيرة لتَوْضيح مبدأ ”الرَّهْن“ هذا في العمل قبل قُرون من أن يُصْبح قانونًا مُدَوَّنًا ومُمَيَّزًا في زَمَن موسى. ولكن للاسْتِفادة إلى أقْصى حدّ من هذا الالْتِفاف، تذكَّر أن الكَلِمَة العِبْرِيَّة أبوت"هي من الأفضل أن تكون ”رَهْنًا“ بدلاً من ”ضَمان“، لأن مبدأ ”الرَّهْنالإلَهي يُصْبحُ مُطَبَّقًا بِشَكلٍ ضَيِّق جدًا عندما يَرْتَبِط فقط بِفِكرة الإقْراض والاقْتِراض. إن مبدأ الرَّهْن يَتداخَل مع مجالات أكثر ممّا قد يتصوَّره المَرْء في تعاليم الكِتاب المُقَدَّس.

اقلبوا أناجيلكم إلى الإصْحاح أربعة وعشرين من سِفْر التكوين؛ سنقرأ قِصَّة اختيار رَفْقة (رَفْقة) زوجة لابن إبراهيم إسحاق. بما أنه فصل طويل توخياً للوقت، سنحذف أجزاء منه لأنه ليس هناك حاجة خاصة لتوضيح النِقْطَة التي سأوضحها.

اقرأ سِفْر التكوين الإصْحاح أربعة وعشرين على واحد الى أربعة عشر وثمانية وعشرين الى إثنين وثلاثين وأربعة وخمسين حتى النهاية.

أرْجو أن تُتابعوا معي عن كَثَب وتُلاحِظوا أوْجُه الشَّبَه والرَّبط بين ما حَدَث في هذه القِصَّة في سِفْر التكوين وبين شريعة سِفْر التثنية (التي وُضِعت بعد حوالي خمس قرون) فيما يَتَعلَّق بِقاعِدة عدم أخذ رَهْن الرَّجُل عِنْوَةً بالدُّخول إلى بَيْته للاسْتيلاء عليه.

في قِصَّة رَفْقة وإسحاق هذه في سِفْر التكوين أربعة وعشرين، فإن رَفْقة هي الرَّهْن (تذكَّروا، لا تُفَكِّروا في شُروط القُروض والضَّمانات) وسيَحْصَل عليها مُمَثِّل إبراهيم (الذي لا يُعرَف إلا بإسْم ”الخادِم الأكبر سنًا“ في البيت). هذا الخادِم العجوز المَجْهول لإبراهيم يُسافر من أرض كنعان شمالاً إلى بلاد ما بين النَّهْرَيْن لأنه سيَحْصل على زوجة لإسْحاق (وإسحاق، باعْتِباره بِكْر إبراهيم، هو أيضًا سيِّد الخادِم العَجوز)؛ وعليه أن يَخْتار هذه الزوجة من بين أقارِب إبراهيم.

ونرى في القِصَّة أن الخادِم يَصِل إلى بلاد ما بين النَّهرَيْن، ويَكْتَشِف مُرَشَّحة جيِّدة عند بئر ماء، ويُراقِبها بِعِناية لبعض الوقت ويقرِّر أن ريبيكا هي المَنْشودة فيقوم بِخُطْوَته. يتحدّث إلى الفتاة ويُدْعى للإقامة مع عائلة ريبيكا.

في سِفْر التكوين أربعة وعشرين على واحد وثلاثين، يطرح لابان (أخو رَفْقة) سؤالاً على خادِم إبراهيم: ”لماذا تقِف في الخارِج"؟ وهذا يتطابق مع تعليمات سِفْر التثنية أربعة وعشرين على إحدى عشر بأن الشَّخْص الذي يَنْوي استلام الرَّهْن يَجِب أن ”يَقِف خارِجًا“ ولا يَدْخُل إلى بيت صاحِب الرَّهْن ليَحْصل على هذا الرَّهن. بل يَجِب إحْضار الرَّهْن إلى خارج المنزل عن طِيب خاطِر، وإعْطاؤه للسَّيِّد (إذا كان يَجِب إعطاؤه أصْلاً).

وفي هذه القِصَّة، إن الخادِم العجوز هو الذي يَقِف خارج البيت مُنْتَظِرًا أن يخْرج الرَّهْن (ريبيكا) إليه طواعيَّة، لأنه سيكون إثمًا في حقّ أهل البيت وفي حقّ الله أن يَدْخُل ويأخُذ الرَّهْن من مِلْكها. وبِمَعنى أعْمَق، فإن إسحاق، العريس المُسْتقبَلي، هو الذي يَقِف خارِجًا ويَنْتَظِر بدلاً من أن يَدخُل ويأخُذ. إنه واقِف خارِج بلاد الرّافدين، حيث تعيش زَوجته المُسْتَقبلِيَّة، لأن والده إبراهيم قد أمَر بأن لا يَدْخُل إسحاق إلى داخل بلاد الرّافدين ليأخُذ رهْنه (رَفْقة) على الرَّغم من أنه لا يَعْرف على وجه التَّحْديد من سيكون هذا الرَّهْن. بل يَجِب أن يتم التوافُق في الرّهن على الخُروج من بلاد الرّافدين أو من بلادِها إلى كنعان. يقدِّم لابان، ربّ البيت الذي يُقيم فيه الرَّهْن، الرَّهْن (رَفْقة) إلى الخادِم العجوز، فيَصْطَحِبْها طواعيَّة إلى خارج (بلاد ما بين النهرين) إلى حيث يوجد إسحاق (في كنعان).

قُرْب نِهاية هذه القِصَّة بدءاً من الآية إثنين وسِتّين نَجِد إسحاق يَنْتَظِر في كنعان وصول المُرْتَهَنة (رَفْقة). كان إسحاق يَسير في حَقل. تقول العِبارة العِبْرِيَّة الأصْلِيَّة حَرْفياً ”قبل غروب الشمس“ عندما لَمَح إسحاق القافِلة العائدة بِقِيادة خادِمه المَوْثوق به، ورَفْقة في عربة. في الآية الأخيرة، أخَذَ إسحاق رَفْقة واتَّخَذَها زوجة له.

كما سَبَق أن بَيَّنْتُ لكم العديد من الرَّوابِط، لاحِظوا شَيْئًا آخر يَمُرُّ علينا إذا لم نَفهم العَقْليّة العِبْرانِيَّة في العَصْر التَّوْراتي فيما يَتَعلَّق بالزواج: في الفِكر والثقافة العِبْرانِيَّة كانت الزوجة بمثابة ثَوْب الرَّجُل. يَلْبس الرَّجُل حَرْفيّاً زوجته كغطاء. عندما شَرَحْتُ لكم هذا الأمْر مؤخَّرًا بِشيءٍ من التَّفْصيل، أُذَكِّركم بأن هذه الرَّمْزيّة الاصْطِلاحيّة بأن الزوجة كانت لِباس زوجها كانت مَفْهومة بِشَكلٍ عام في المُجْتَمَع العِبري لدَرَجة أنه لم يَكُن هناك بالتّأكيد حاجة لشَرْح ذلك بِشَكلٍ دقيق في الكِتاب المُقَدَّس أكثر ممّا هو ضروري في مُجْتَمعنا أن نوضِح أنه عندما يتزوَّج الزَّوجان يكون هناك خاتِم زواج؛ إنها فقط الطريقة التي تَسير بها الأمور والجميع يَعْرفها. إذَن بهذا الفِهْم انْظُر مرّة أخرى إلى سِفْر التثنية أربعة وعشرين على ثلاثة عشر. تقول الشريعة المُتَعلِّقة بالرَّهْن في سِفْر التثنية أربعة وعشرين أن الثِّياب، الثَّوْب الذي يُعطى كرَهْن يَجِب أن يُعاد إلى صاحِبه قبل غُروب الشمس. الرَّهْن، الرَّهْن هو ثَوْب يَلْبَسه إسحاق كغطاء. ومن هنا نَجِد تَفْسيرًا مَفاده أنه قبل غُروب الشمس كان إسحاق خارِجًا يتمشَّى عندما وَصَلَت ريبيكا (ثوبُه الذي سيُصْبِح رَهنًا إذا جاز التَّعبير). يتزوَّجُها، أي أنه الآن يَرْتدي ثَوْبه.

والآن أنا مُتأكِّد من أنه ما لم نَدْرس قانون الرهونات هذا في سِفْر التثنية أربعة وعشرين، سيكون من المُسْتَحيل تقريباً على أي شخص أن يرى هذه المبادئ الإلَهيّة الخاصّة في قِصَّة إسحاق وريبيكا والخادِم العجوز. وبِصَراحة، من دون فهم بعض العناصِر الحاسِمة في الثقافة العِبْرانِيَّة القديمة وعادات الزواج، سيكون من المُسْتَحيل تقريبًا أيضًا اسْتِخْراج هذه المبادئ الإلَهية الخالِدة من تلك الرِّوايات عن البطارِكة. النِقْطَة المُهِمَّة هي أن هذه القِصَص التي كثيرًا ما تُروى ومحبوبة عن البطارِكة في سِفْر التكوين كانت أكثر من مُجَرَّد قِصَص مثيرة أو مُشَوِّقة لأبْطال الكِتاب المُقَدَّس أو تاريخ كيف نشأت أُمَّة بني إسرائيل (على الرَّغم من أنها تَخْدُم هذا الغَرَض أيضًا). كانت مُضَمَّنة في هذه القِصَص، بِعِمق أكثر مُباشرة، بعض المبادئ الإلَّهية المُهِمَّة. رُبَّما لم يدْرك الناس في ذلك اليوم على الأرْجَح أن الكثير ممّا كانوا يَفعلونه (كما بدا لهم أنه مُجَرَّد عادة) يَعْكُس في الواقع الرَّب الذي يُبْرِز مبادئَه الإلَهية خُطْوة بِخُطْوة. ولكن مع إعْطاء النّاموس على جبل سيناء لم يَعُد من الضَّروري اسْتِقْراء تلك المبادئ الإلَهية الأزَلِيَّة من القِصَص التاريخيّة، بل أصْبَح تَطْبيقُها الآن واضِحًا ومُفَصَّلاً، وهو المبدأ الذي يَجِب تَطْبيقُه على أي مَوْقف مَذْكور في النّاموس.

والآن دعوني أعْرُض عليكم شيئًا آخر قبل أن نَنْتَقِل لأنه يُساعِد على الإجابة على السُّؤال الذي كثيرًا ما كان مَحَلّ جدل بشأن إبلاغ الله لإبراهيم بأن نَسْله سَيُساق إلى السّبي ويبقى هناك لأربعة أجيال. والصِّياغة المُعتادة للسؤال حول هذا الأمْر هو ”كم هي مُدّة الجيل؟ أودّ أن أقْتَرِح أن السُّؤال يَجِب أن يكون: ”ما هو الجيل؟"

من خلال توضيح أن المبادئ الكامِنة وراء النّاموس قد ظهرَت في وقت مُبْكِر جدًا في قِصَص البطارِكة، ثم نَجِد بعد ذلك في سِفْر التثنية الإصْحاح الرابع والعشرين لدينا قوانين مُرْتَبطة مُباشرة بكل جيل من أجيال إبراهيم الأربعة التي ذكرْتُها للتَّوْ. لدينا شريعة الخَطْف، والتي تُنسَب إلى يوسف (أحد الأجيال التالية لإبراهيم)، ولدينا شريعة تزارآت مريم (الجيل الحالي في زَمَن الخُروج)، ولدينا شريعة الرَّهْن لإسحاق (الجيل التالي لإبراهيم مباشرة)، ثم في نفس الشريعة المُتَعلِّقة بالرَّهْن لَدينا التَّحْذير بأن ردّ الرَّهْن (الثوب) إلى صاحِبه يُحسَب بِرًّا لمن أطاع هذه الشريعة.

تذكَّروا في قِصَّة تأسيس العهد الإبراهيمي، في سِفْر التكوين خمسة عشر على سِتّة، يقول الله لإبراهيم أن من يَثِق بالله سيُحْسَب له بِرًا. لذلك فإن قانون العهد هذا يَرْتَبِط مُباشرة بإبراهيم، الجيل الأول والأصلي.

ونرى الآن ما هي الأجيال الأربعة التي تمّ التَّنَبّؤ بها: كان إبراهيم رقم واحد، وإسحاق رقم إثنين، ويعقوب (المدعو إسرائيل) رقم ثلاثة، وأبناء يعقوب الإثني عشر وأسباط إسرائيل الإثني عشر رقم أربعة. لن يتمّ تأسيس الأسباط الاثني عشر (الجيل الرابع من إبراهيم) بِشَكلٍ كامِل ويَصِلوا إلى حالةٍ مُعَيَّنة من الإثْمار والنِّضْج التي حدَّدها الله، حتى يُحَرِّرهم يَهْوَهْ من السَّبي ويأتي بهم إلى الأرض التي وَعَد بها إبراهيم. لذا فإن الأجيال الأربعة في هذه النُبوءة لم تكن تَتَعلَّق بمقياسٍ زَمَني مُحَدَّد بِدِقة بقَدِر ما كانت تَتَعلَّق بالحَدَث (الخروج) الذي وقع مع الجيل الرابع (جيل الأسباط الاثني عشر) كمُشارِكين.

رُبَّما يكون هذا الجِزء المُتَعَلِّق بالإلتِفاف من الدَّرس قد وَجَّع رؤوسَكم قليلاً؛ لا بأس، إنه أمْرٌ يَصْعب هَضْمه دَفْعة واحدة. إذا كُنْتُم قادِرين على اسْتيعاب أجزاء منه فقط، فلا بدّ أنه سيَقطع بعض المسافة في تَرْسيخ التَّلازُم العُضْوي لكَلِمَة الله بأكْمَلها في داخِلكم، ولماذا هو خطأ فادِح أن الكنيسة منذ ألف وثمانمئة سنة قرَّرت أن تَفْصُل التَّوْراة والعهد القديم عن فَهْمنا ومَعْرِفتنا وعقائدنا وتقول إنه لا علاقة لها بإيمانِنا على الإطلاق. هذه رِسالة يَجِب على كل واحد مِنكم مِمَّن يَعْرِفون الآن بِشَكلٍ أفضل، وبطريقتهه الخاصة، أن يَسْعى لإيصالِها إلى إخْوَتكم وأخَواتكم في إيمان يسوع المسيح. لا شيء يُمْكن أن يكون أكثر أهَمِّيّة في عَصْرنا هذا.

لِنُتابِع مع سِفْر التثنية أربعة وعشرين الآية الرابعة عشرة. فيما نَضَع في اعْتِبارنا أن كل كَلِمات سِفْر التثنية تَرْقى إلى أن موسى يُلْقي عِظَة عن النّاموس على بني إسرائيل (شارِحًا النّاموس كما فَعَل يَسوع بعد قُرون عديدة)، نَشْهَد نِداءً إلى أولئك الذين سَيَكونون أرْباب عَمَل للفُقَراء بأن يَدْفَعوا لهم أُجورَهم يوميًا، في نِهاية كل يوم. بِبَساطة لم يَكُن لدى الفقراء آنذاك (وحتى اليوم لا يَمْلِكون عادةً) القِدْرَة على انْتِظار أمْوالِهم.

وموسى يقول، لقد عَمِلوا من أجْلِها واسْتَحقُّوها، ومن الخطأ أن تُحْجَز أرباحُهم إلى وقتٍ لاحِق (من المُفْتَرَض أنه وقتٌ أكثر مُلاءمةً لِصاحبِ العَمَل). الكَلِمَة المُسْتَخدَمة لحَجْب هذه الأجور هي ”إساءة مُعاملة“؛ وهي نفس الكَلِمَة المُسْتَخدَمة في سِفْر اللاويين تسعة عشر في القانون الذي يَصِف جريمة السَّرِقة. ويُحذِّر صاحِب العمل من أنه في حين أن المُوَظَّف المُعْتَدى عليه قد لا يملك القِدرة على إجبار ربّ العمل على فِعْل الصَّواب ودَفْع الأجرة له، إلا أنه يَسْتَطيع أن يَصْرُخ إلى الرَّب، والرَّب سَيَعْتَبِرها خطيئة ويَقْتَصّ العدالة الإلَهية عن هذه الخطيئة.

من هذا القانون الخاص بالأُجور تَنْتَقِل العِظة إلى مَنْع العِقاب العابِر للأجيال. أي أنه لا يَجوز أن يُعاقَب الوالدان بالإعْدام على شيء فَعَله أولادُهما، والعَكْس صحيح. لاحِظ أنه لم يَتِمّ ذِكْر جريمة مُعَيَّنة، فهذا قانون عام يَشْمُل جميع الشّرائع. هناك فَرْقٌ جَوْهري بين هذا القانون والمبدأ الذي قدَّمْتُه لكم منذ فترة؛ مبدأ القَصاص العَمودي. يُمْكن للقَصاص العَمودي في الواقِع أن يَضَع عُقوبة التَّعَدّي على الرَّب على نَسْله الذي يَبْعد عدة أجيال عن وقت حُدوث التَّعَدِّي. هذا شيء قد يبدو غريبًا بالنِّسْبة لنا، لكنه كان حقيقيًا ومارَسَه العِبْرانيّون. نحن نتحدَّث أحيانًا عن لَعْنات الأجيال التي لا تكون نَتيجَة لما قد يكون الشَّخْص المُتَضَرِّر قد فَعَلَهُ، بل نَتيجَة لِشَيء قد يكون فَعَلَه والِد ذلك الشَّخْص أو جَدُّهُ أو حتى سَلَف سابِق له. وهناك من يُصَلّون بِحَرارة نيابة عن الآخرين لكي تُرفَع لَعْنات الأجيال هذه. تؤكِّد العديد من الآيات في الكِتاب المُقَدَّس القديم والجديد على وجود قانون القَصاص العَمودي الرُّوحي.

الفَرْق بين القانون المُناهِض للعِقاب عبر الأجيال والقَصاص العَمودي هو أن القَصاص العَمودي ليس جِزْءًا من القانون المَدَني أو الجِنائي. القَصاص العَمودي يُقَرِّرُه الله ويَهْتَمّ به حَصْرِيًّا. من اخْتِصاصِه أن يُقَرِّر في أي الحالات يَسْتَدْعي مبدأ القَصاص العَمودي أو لا يَسْتَدْعيه. أما القانون الذي يُحَظِّر العِقاب عبر الأجيال، من ناحية أخرى، فلَه عِلاقة بالبَشَر الذين يُنَفِّذون نِظام العدالة الذي أقامَه الرَّب. فإذا ارْتَكَب الابْن (على سبيل المثال) جريمة قَتْل، فلا يَدين الأب بِحياته وبالتالي لا يجوز للمَحْكمة أن تأمُر بإعْدام الأب، بل الجاني وَحْدُه هو المَسؤول عن جَريمته الكُبْرى.

تَتناوَل القوانين الأخيرة من سِفْر التثنية أربعة وعشرين مرَّةً أخرى النَّزْعة الإنْسانيّة؛ وهذه القواعِد التي تُنْهي الإصْحاح تتناوَل حِماية الأجانِب الذين يعيشون في إسرائيل والأيْتام والأرامِل. خاصَّةً وأن هذا المَفْهوم هو أنه من واجِب كل إسرائيلي أن يَعْتني بِرِعاية الأيْتام والأرامِل على وَجْه الخُصوص وهو مَوضوعٌ نَجِده يتكرَّر في الكِتاب المُقَدَّس بأكْمَلِه. من المُهِمّ أن نَفْهَم أنه ليس هناك فقط واجِب مأمور به إلَهيًّا لرعاية الطَّبَقة المَحْرومة من الناس، ولكن هناك حَظْر على اسْتِغْلالهم أو إساءة مُعَامَلتهم.

تبدأ الآية السابعة عشرة بالقَوْل إن حقوق الغَريب (الجير) لا يجوز إهْدارها. هذا يتحدَّث عن الأمور القانونية؛ يَجِب الحِكْم على الغريب واليَتيم بالعَدْل في المَحْكَمة.

التَّحْذير التالي يُشْبِه إلى حدٍّ كبير قانون الآية العاشرة، قانون الرَّهن الذي رَبَطْناه بقِصَّة إسحاق وريبيكا القديمة. إن الفَرْق بين ما نَقْرأه هنا والآية العاشرة هو أنه بينما يَجوز للدائن أن يَسْتَخْدِم ثوب الفقير كضَمان، وعليه أن يَرُدَّه كل ليلة إلى المَدين، فإن ثوب المرأة لا يُمْكن أن يُستخدَم كضمان أبدًا، وبالتالي أن يُحتَجَز منها في أي وقت. من المُثير للاهْتِمام أننا نَجِد اهِتِمامًا بالأرملة أكثر من اهْتِمامنا باليتيم والأجْنَبي في هذه المسألة.

لقد أَخَذ التقليد اليهودي هذا الأمْر خُطْوة إلى الأمام وأَعلَنَ أنه لا يجوز اسْتِخْدام مُمْتلكات الأرْملة كضمانٍ لَقرض. ثم يُذَكّر موسى بني إسرائيل بأنهم كانوا عبيدًا في مصر، وللتَّذكير بالرَّحْمة التي حُجِبَت عنهم، يَجِب عليهم دائمًا أن يَرْحموا الأقل قِدْرة في المُجْتَمَع كوسيلة للتَّعْبير عن الامْتِنان لفِعْل الله في الخلاص من هذه الظُّروف القاسية. هذا بالطَّبْع يَصُبّ بالضَّبط في مَنْطِق يسوع أنه عندما يُساعِد المُؤمِنون أولئك الأقل قِدْرَة في المُجْتَمَع فكأننا نُساعِده. إنها حالة إظْهارنا للإمْتنان لِخَلاصِنا بإظهار الرَّحْمة لأولئك الذين يُريد يَسوع أن يَعْتَني بهم ويُساعِدهم.

تَشْرَح الآية التاسعة عشرة الشَّرائع الوارِدة في سِفْر اللّاويين فيما يَتَعلَّق بِتَرْك جِزء من الحُقول والكُروم ومَحاصيل الأشجار للغَريب والأرْمَلة واليتيم ليأكُل منها. كانت الشريعة السّابِقة والمُماثِلة في سِفْر اللاويين تقول إن ”زوايا الحقول“ تُترَك للفُقَراء. وتُحَدِّد هذه الأحكام في سِفْر التثنية ما يَجِب أن يُترَك للمَحْرومين ليَحْصَلوا على الطَّعام.

وقد اسْتَنْتَج الحاخامات أنه يُمْكن تَصْنيف مُخْتَلَف القوانين المُتَعلِّقة بالجَمْع إلى أربع مَجْموعات بناءً على ما يَجِب تَرْكه للفُقَراء. وهي التالية: اوَّلًا: يجِب تَرْك أطراف الحُقول والكُروم والبساتين غير مَحْصودة. ثانيًا:: مَا يُتْرَكُ فِي الْحُقُولِ وَالْكُروم وَالْبَساتِين لا يَسْتَصْلِحه الْمَالك. ثالثًا: أَنَّ الْحُبُوب وَالْعِنَب السَّاقِط عَلَى الْأَرْضِ فِي الْحَصاد يَتْرُكُه الْمَالِك حَيْث سَقَط وَلَا يَجْمَعه. رابعًا: أن العناقيد الصغيرة غير الناضِجة (وبالتالي غير المَرْغوب فيها) من العِنَب تُتْرَك على الكروم ولا يَحْصدها المالك فيما بعد.

ويقول موسى أن هناك مُكافأة على طاعَة هذه القوانين للمُزارع وصاحِب الحَقل: سيُبارِك الرَّب جميع تَعَهُّداته. والسَّبَب هو أنه يَحِثُّ المُزارِع على التَّخَلّي عمّا هو مِلْكه شرعًا من أجل الرَّحْمة تِجاه شخص آخر. يبدو أن هذه النَّصيحة، بالطبع، توازي التَّحْفيز الذي نتلقّاه في العهد الجديد بأن نُعْطِي عُشورَنا وعطايانا باسم الرَّب كما يَنْبَغي أن نَفْعَل، وأن نَتيجَة اتْباع هذا المبدأ الإلَهي هو أن الرَّب سَيُبارك حياتَنا وجُهودَنا. ولكن تَذَكَّروا: هنا في سِفْر التثنية هذه ليست حالة الناس الذين يَعْطون للهّيْكل أو للرَّب. هذه حالة أُناس يُساعِدون الفُقَراء مُباشرة.

إن عَطاؤنا للرَّب من أجل عَمَل الكنيسة مُنْفَصِل عن مُساعدة الفُقَراء بَيْننا. كِلاهُما مُتَوَقَّع من شعب الله دون تَرَدُّد.

الأُسْبوع القادِم سنبدأ الإصْحاح الخامِس والعشرين.