سِفْر التثنية
الدَّرس تسعة وعشرين – تَكْمِلة الإصْحاح الثاني والعشرين
بدأنا الإصْحاح الثاني والعشرين من سِفْر التثنية الأسبوع الماضي وسنُواصله اليوم. يَتناول الجزء الأوّل من الإصْحاح سِلْسِلة من القوانين حول ما يُسمِّيه الرسول يعقوب "الدّين الحق"، أي المَوْقف الرّوحي السَّليم الذي يتَّخِذُه تلميذ إله بني إسرائيل عند مُراعاة وصايا الله وشرائعه. إنها أيضًا دَعْوة إلى القداسة وإظهار روح النّاموس بَدَلًا من السَّعي إلى أداء الحَرْف بِشَكْلٍ ميكانيكي. إن المفتاح الذي يَجِب أن نَتَذكّره دائمًا في مُناقشاتنا للتَّوراة والشَّريعة هو أن هذا فقط لأولئك الّذين تم افْتِداؤهم بالفعل. لقد أُعْطِيَت التَّوراة وأُعطِيَ النّاموس لبني إسرائيل بعد افتِدائهم، وليس كوَسيلة للإفْتِداء. وبالتالي فإن اتِّباع شريعة التَّوراة ليس هو كَيْفِيَّة تحقيق الفِداء، بل هو بِبَساطة الاسْتِجابة المُناسبة التي يَتَوَقَّعُها الله نتيجة الفِداء الذي قدَّمه لنا بالنِّعْمة كَهَدِيّة مَجّانية (أوّلًا لبني إسرائيل في مصر، وبعد ذلك لكل من يَثِق بالمسيح).
ولأن الثَّقافات تَتغيَّر وتَتطوَّر مع مُرور الزَّمَن، فإن مَبادئ هذه الوصايا هي التي يَجِب أن نَفْهَمها ثم نُعيد تَطْبيقها على حالَتنا الحالِيّة. ليس من السَّهْل دائمًا تحديد كَيْفِيَّة القِيام بذلك؛ ولذلك من المُتَوَقَّع أن يكون هناك نِقاش وخِلاف مَعْقول. لكن ما هو غير قابِل للنِّقاش هو أن هذه الشّرائع والأوامِر باقِية، تمامًا كما قال يسوع في مَوْعَظته على الجبل كما هو مُسَجَّل في متّى خمسة.
لقد أنْهَينا دَرْسنا الأخير بِمُناقشة مَفْهوم الخَلْط غير المَشْروع، والذي يُعرَّف بأنه إنشاء اتِّحادات غير مَشْروعة بين أشياء لا يَنْبَغي لعابِد يَهْوَهْ أن يَفْعَلها. من وِجْهة نَظَر الكِتاب المُقَدَّس، فإن تَعريف الزِّنا هو خليط غير مَشْروع، واتِّحاد غير مَشْروع. هذا في حين أننا نُفَكِّر في الزِّنا كجَريمة تدور حول المسائل الجِنْسيَّة، في الواقع حتى قاموس ويبْسْتِر يوضِح أن الزِّنا هو خَلْط الطاهِر بالنَجِس، أو الأدْنى مع الأعْلى، مهما كانت المادة. فالزِّنا في نَظَر الرَّب يعني خلط المُقَدَّس بغَير المُقَدَّس، والطاهِر بالنَجِس والصالِح بالطّالِح. كانت الأمْثِلة التَّوْضيحيّة المُعطاة هي التَّخنُّث (تنكُّر الرِّجال في زَي النِّساء والعكس بالعَكس)، وزَرْع نَوعَيْن مُخْتَلِفَين من البُذور معًا، وخَلْط نَوعَيْن من الخيوط (خاصّة الكِتّان والصّوف) لتكوين قُماش لِثَوْب، ورَبْط نَوْعَين مُخْتَلِفَين من الحيوانات معًا بالمِحراث.
دَعونا نُعيد قراءة جِزء من سِفْر التثنية إثنين وعشرين لوضع الأساس
أعِد قِراءة سِفْر التثنية إثنين وعشرين على إثني عشر حتى النهاية
لقد أنْهَيت الدَّرس الماضي بالإشارة إلى أن العُلَماء والمُعَلِّمين والقادة اليهود والمَسيحيّين قد حاولوا بكل الطُّرُق المَنْطِقية شَرْح "لماذا؟" وراء اخْتِيار الرَّب للحيوانات والمواد والأفعال التي فَعَلَها ثم تَقْسيمها إلى فئات من طاهِر ونَجِس، ومُباح وغير مُباح، ومَقْبول وغير مَقْبول. في كل الدِّراسات التي أجْرَيْتها حول هذه المَسْألة لم أجِد تَفْسيرًا واحدًا للأساس المَنْطِقي المُفْتَرَض لخِيارات الله، أو نَوْعًا من النِّظام المَنْطِقي العقلاني في تلك الاخْتِيارات التي تَصْمُد أمام التَّدْقيق الدقيق. ليس من الواضِح بالضَّبْط لماذا لا بأس من التَّضْحِية بالخروف وأكْله بَيْنَما الخَنْزير ليس كذلك. أما لماذا يُحدِث الحافِر المَشْقوق أو الإجْتِرار فارقًا كبيرًا، فهذا لا يتوافق مع المنطق. لماذا يكون لا بأس بالتَّضحية بالحمامة ولا تبدو الدجاجة مناسِبة لأي نموذج يُمْكِن تمييزُه. لماذا الضَّفادِع مُحَرَّمة؟ لماذا الجِنْس خارج إطار الزّواج مَحْظور؟
في سِفْر التثنية إثْنَيْن وعشرين طَرَحْت السّؤال: هل نَسْج الكِتّان والصّوف معًا يُنْتِج قُماشًا شريرًا بِشَكْلٍ خارِق؟ هل زَرْع الذَّرة والخيار بجانب بَعْضهما البعض يَجْعَلهما غير صالِحَيْن للأكل؟ اسْتِنْتاجي في هذه المَسْألة هو أنه بَيْنَما من المُؤَكَّد أن هذه القوانين والأوامِر يَجِب أن تؤخَذ على مَحْمَل الجَّد، كما هي، فإن القَضِيَّة الأكبر هي أن هذه هي تَوْضيحات لِمَبادئ الله الإلَهية. لقد خَلَق الأشياء بِتَرْتيب مُعَيَّن، وكل منها لِغَرَض مُعَيَّن، وتغيير هذا التَّرْتيب ومَقاصِده هو خطأ. إنها خطيئة. يَجِب تَجَنُّبها. وعلى الرَّغم من أن البحث عن "لماذا؟" هو بالتأكيد مَسْعى مَفْهوم، إلا أنه أمْرٌ ثانَوي تمامًا بالنِّسْبة لِمُراعاتنا الفِعْليَّة (أم لا) للقانون الحَرْفي بالمبدأ الواضِح الذي يُظْهِره. وكما قال الحكيم العبري العظيم راشي: ليس من الضَّروري أن نَعْرف لماذا الأَمْر كما هو لِكَيْ نطيعَه.
اسْمَحوا لي أن أقوم بِبَعض الرَّوابِط، وبذلك أُشير إلى سبب حاجَتنا إلى تَبَنّي مَوْقف راشي تِجاه طاعة وصايا الله. أوّلًا، في قوانين حَظْرِ لِبْس ثوب من الكِتّان والصّوف المُخْتَلَط، هذا يَنْطَبِق فقط على أفراد مُعَيَّنين في المُجْتَمَع الإسرائيلي، وليس على الجميع. كان يُطلَب من الكَهَنَة (الّذين كانوا في الخِدمة) ارْتِداء ملابِس مُعَيَّنة مَصْنوعة من خليط من الصّوف والكِتّان. كان العِلْمانِيّون فقط (غير الكَهَنَة) هم الّذين لا يُمْكِنهم ارْتِداء ملابِس من هذا النّوع. علاوةً على ذلك، لا يوجد قانون ضِدّ مُجَرَّد نَسْج الكِتّان والصّوف معًا؛ المُشْكِلة فقط في ارْتِداء هذا النّوع من الملابِس. من النّاحِية النَّظَرِيّة يُمْكِن للمَرْء أن يَصْنَع كيس للحُبوب أو حتى خَيْمَة من هذا النَّسيج المُخْتَلَط. لذلك إن كان ذلك الشَّر التِّلْقائي الذي نَشأ عن خَلْط الكِتّان والصّوف معًا، من المُسْتحيل أن يكون الرَّب قد أَجْبَر عَبيده المُخْتارين (الكَهَنَة) على ارِتِدائه.
ومن المُثير للاهْتِمام أنه كان هناك ثَوْب كان يَلْبِسه كلّ العِبْرانيّين وكان يَتَكوَّن من هذا الخليط المَحْظور من الصّوف والكِتّان: التْزِيتْزِيت. الشَّرّابات. تجعل الآية الثانية عشرة من سِفْر التثنية إثنين وعشرين ارْتِداء العِبْرانيّين لهذه الشَّرّابات قانونًا. عندما نَعود إلى سِفْر العدد خمسة عشر، ثم نَدْرُس الأعمال القديمة للحُكَماء، نَجِد كيف تُصنع هذه الشَّرّابات؛ يَجِب أن تُصنَع من خيوط الكِتّان، مع إضافة خَيْط صوف واحد (أزْرق). لذا فإن التْزِيتْزِيت التَّقْليدي مَصْنوع من خَليط من الصّوف والكِتّان المَحْظور على عامة الناس في إسرائيل (بالمُناسبة، كما قد يَتَوَقّع المَرْء، ليست كل طوائف اليَهودِيَّة مُتَّفِقة على هذه المَسْألة).
الكَلِمَة العِبْرِيَّة التي تعني القُماش المَصْنوع من الكِتّان والصّوف هي شَعاتْنيز. وعادةً ما تُترجَم كَلِمَة "شَعاتْنيز" إلى "مادة مُخْتَلَطَة وهذه تَرْجمة جيِّدة جدًا. ولكن من المُهِم أن نَتَذكّر أن قوانين الإخْتِلاط غير المَشْروع هذه تَتَعَلَّق بالوصية السابعة: الزِّنا. وهكذا نَجِد أنه في حين أن كَلِمَة ” شعاتْنيز" قد تَعني حَرْفِيًّا المواد المُخْتَلَطَة، إلا أن الإسْتِخْدام الشائع لهذا المُصْطَلَح ومعناه يَحْمُل رِسالةً مُخْتَلِفة تمامًا. شعاتنيز هو مُصْطَلَح عِبري يعني البَغاء، وبِشَكْلٍ أكثر تَحْديدًا في الحَقَبة التَّوْراتِيّة كانت العاهِرة تَرْتدي الشّعأتنيز (ملابِس مَصْنوعة من مواد مُخْتَلَطَة).
لا تَدَع هذا الأَمْر يُرْبِكُك، بل اسْتَنِر لأن مُعْظَم اللُّغات تَفْعَل الشَّيء نفْسه؛ فهي تقول شَيئًا واحِدًا ولكن في بعض الأحيان سِلْسِلة مُعَيَّنة من الكَلِمات المُسْتَخْدَمة في ظَرْف مُعَيَّن تعني شيئًا آخر. نحن فقط مُنْغَمِسون في لُغَتنا وثقافتنا مع تعابيرها الخاصّة التي نَسْتَخْدِمها دون وَعي منا لِدَرَجة أننا لا نراها. على سبيل المثال: في اللغة الإنجليزية سَنَسْمَع إشاعة مُثيرة مِثْل: "سَمْعْت أن صديقك ستيف ينام مع تلك الفتاة كوني". الآن بالطَّبْع نَعْلَم جميعًا أن ما يُقال هو أن ستيف وكوني يُقيمان علاقة جِنْسيّة. ولكن هذا بالتأكيد ليس ما تَقوله الكَلِمات، أليس كذلك؟ إذا عَثَر شَخْص ما بعد ألف سنة من الآن على هذه العِبارة، فسَوْف يتساءل ما هي المُشْكِلة الكبيرة في أن ستيف وكوني قد نام كل منهما بالقُرب من الآخر. فالجميع يجِب أن يناموا. منذ متى كان النَّوْم أمْراً سَيِّئًا؟ ما الضَّرَر أو الشَّر المُحْتَمَل في نَوْمِهما بالقُرْب من بَعْضهما البعض؟ قبل مائة عام مَضَت، في أمريكا كما في أي مكان آخر، كان من الشَّائع تماماً أن ينام الكثير من الرِّجال والنِّساء غير المُتَزَوِّجين وفي بعض الحالات بالكاد يَعْرِفون بَعضهم البعض، في سرير واحد. قُلْتُ، يناموا. لم يَكُن الأَمْر مُخْتَلِفًا عن نوم مَجموعة من الناس في أكياس النَّوْم بِجِوار نار المُخَيَّم. اُنْظُر: كل ما في الأَمْر أنه في ثقافَتنا، لا تعني كَلِمَة "النَّوْم معًا" حَرْفِيًّا ما تَقوله، بل تُشير إلى شَيءٍ آخر تمامًا شَيءٍ لن يَفْهمه الناس خارِج ثقافتنا، وحتى داخِل ثقافتنا منذ قَرْن مَضى كانت تعني شيئًا آخر.
إنها نَفْس الفِكْرة مع كَلِمَة شَعاتنيز، مادّة مُخْتَلَطَة. كان مَدْلول كَلِمَة شعاتنيز مَفْهوما لدى العِبْرانيّين القُدَماء. حَرْفِيّا ما يقوله هذا القانون في الآية الحادية عشرة هو "لا تلبسوا الشَعاتنيز والصّوف والكِتّان معاً". بَسيط بما فيه الكِفاية؛ فقط لا تَلبِسوا مادة مُخْتَلَطَة من الصّوف والكِتّان (لأي سبب من الأسباب التي أرادها الله). لكن هذا ليس ما كان يَعْنيه. ما كان يَعْنيه لبني إسرائيل في عصر الكِتاب المُقَدَّس هو "لا تلبِسوا ثياب البَغي التي هي من صوف وكِتّان معًا". كانت البغي في العُصور القديمة تَرْتدي ثيابًا جميلة وعُطورًا غالية الثمن، لأن ذلك كان يُساعِد على إغْراء زبائنها من الرِّجال. وكان أجْوَد أنواع الملابِس في ذلك العَصْر غالبًا ما يكون خليطًا من الصّوف والكِتّان؛ وكان الوَثَنِيّون الأثْرِياء يَرْتَدون هذه المادّة عادةً. إذًا هنا فهم مُباشر بين العِبْرانيّين القُدَماء أن خَلْط الصّوف والكِتّان لإسْتِخْدامه كملابِس بين العِلْمانيّين كان يَرْمُز إلى البغاء لأن هذا في الواقع ما كانت تَرْتديه العاهِرات في ذلك العَصر بِشَكْلٍ عام. لكنه كان يَرْمُز أيضًا إلى ماهِيّة البغاء في الأساس بِمَعْنى أعْمَق بكثير. فالدَّعارة هي بِحِكمِ تَعْريفها شكل من أشكال الزِّنا؛ والزِّنا هو في الواقِع اخْتِلاط غير مُصَرَّح به؛ والإخْتِلاط غير المُصَرَّح به هو خليط غير مَشْروع؛ وبالتّالي فإن أي خليط غير مَشْروع هو بِبَساطةٍ فِعْلُ زِنا أمام الرَّب. وهذا، يا أصْدِقائي، مبدأ مُهِمّ جدًا من مبادء الكِتاب المُقَدَّس يَجِبُ أن نَفْهَمه ونحن نقرأ كَلِمات الكِتاب المُقَدَّس.
إذَن ما نراه هو أنه في حين أن خليط الصّوف والكِتّان عادةً ما يُعتقد أنه قُماش يُحَرِّمه الله تمامًا (ونَفْتَرِض خطأً أن القيام بذلك هو شرّ بِطبيعته)، فإن هذا بِبَساطة ليس صحيحًا بالنِّسبة لكَلِماتِ وأوامِرِ التَّوراة. يوضِح الكِتاب المُقَدَّس أن كَهَنَة الله يُمْكِنهم ويَجِب عليهم ارْتِداء بعض الملابِس المَصْنوعة من خليط الكِتّان والصّوف (نَجِد هذا في سِفْر الخروج ثمانية وعشرين). بالإضافة إلى أن بعض ملابِس الكَهَنَة يَجِب أن تكون من الصّوف فقط والبعض الآخر من الكِتّان فقط. ومثال التْزيتزيت يوضِح لنا أنه حتى الناس العاديّين يُمْكِنهم ارْتِداء شَيء مَصْنوع من هذه المادّة المُخْتَلَطَة على الرَّغم من أن التْزيتزيت لا يُمْكِن تَصْنيفُه كَثَوْب حقيقي بل كَرَمْز.
إذًا ما نَراه هو أن الخَلْطات الطّاهِرة وغير الطّاهِرة، والخَلْطات المَقْبولة وغير المَقْبولة لا تَتَعَلَّق فقط بماهِيَّة مواد الخليط، بل بالظَّرْف وحتى بِمَن هو المَعْني. دَعوني أكون واضِحًا: هذا لا يُعْطينا ترخيصًا بأن نُطَبِّق الظَّرْف طَوْعًا أو كِرْهًا من أجل ترشيد سُلوكنا. تعطينا التَّوراة قَدَرًا كبيرًا من المعلومات حتى نتمكَّن من فَهْم الغَرَض والرّوح الكامِنة وراء هذه القوانين.
العديد من اليهود الأُرْثوذُكس اليوم، على سبيل المثال، لا يَضَعون الخَيْط الصّوفي الأزرق في التْزِيتْزِيت. وبدلاً من ذلك يَصْنَعون التْزِيتْزِيت بالكامل من الصّوف. يقولون إن السَّبَب في ذلك هو أنهم ليسوا مُتأكِّدين من اللون الأزرق الدقيق الذي يَجِب أن يكون عليه الخَيْط، لذا فَهُم يَتْرُكونه تمامًا. ومع ذلك نرى هنا في سِفْر التثنية إثنين وعشرين أنه في حين أن لَوْن ذلك الخَيْط الصّوفي يلعب دَوْرًا، فإن المُشْكِلة الأكبر تَكْمن في خَلْط الصّوف والكِتّان معًا؛ لذا في رأيي أنّ تَرْك الكِتّان لمُجَرَّد أن دَرَجة لَوْن خَيْط الصّوف الأزرق غير مُحدَّدة بدقة يُفْقِد الغَرَض والرّوح الكامِلة لشريعة التْزِيتْزِيت.
يا أصْدِقائي، هذا هو المكان الذي يُمْكِن لليهود والمَسيحيّين أن يبتعدوا عن المسار بسهولة. يُمْكِن أن يَضَلّ اليهود عن طريق وضع الكِتاب المُقَدَّس جانِبًا لصالح التقاليد التي هي في المقام الأوّل تَفْسيرات وأحكام الحاخامات والسُّلطات الدّينيّة اليَهودِيَّة. يُمْكِن للمسيحيّين أن يَنْحَرِفوا عن المسار بِتَنْحِية الكِتاب المُقَدَّس (أو حتى مُجَرَّد العهد القديم) لصالح العقائد والعادات الطائفيّة التي وضعتها قيادتنا الدّينيّة. يُمْكِننا أن نُرَكِّز على القيام بالأمور الصّالحة لِدَرَجة أننا ننسى المحبّة والرَّحمة التي من المُتَوقَّع أن نُحَسِّن بها كل ما نُحاول القيام به. من ناحية أخرى، يُمْكِننا أن نركِّز على المحبّة والرَّحمة لِدَرَجة أننا نُعلن أن كل شَخْص وكل شَيء "صالح" (حتى نكون مُسالِمين) وينتهي بنا الأَمْر بِوَضع طاعة شرائع الله ومبادئه على الرَّفّ.
الآن لديّ سؤال لأولئك الّذين يَعْتبرون مثلي أن التَّحْذير الإنجيلي بأننا (كمؤمنين بيسوع المسيح) كَهَنَة للرَّب صحيح حَرْفِيًّا وأن الله يرانا خُدّامه المُختارين في هذا العصر. كمؤمِنين به علينا أن نكون مُعَلِّمين للكَلِمَة وكذلك أولئك الّذين يَحفظون الكَلِمَة. وعلينا أيضًا أن نُقَدِّم للرَّب ذبائحنا (التي هي إرادتنا) وعلينا أن نُقَدِّم له ذبيحة تَسْبيح بِشِفاهنا. علاوة على ذلك علينا أن نَعْتَبِر أنفسنا نوعًا من الكَهَنَة الصغار الّذين يعملون من أجل رئيس كهَنَتْهم يسوع ويأخُذون تَوْجيههم منه. علينا أن نُمْسح بالزيت ونصلي من أجل احْتياجات الآخرين؛ كل الأشياء التي كانت قبل يسوع مَحْفوظة كوظيفة من وظائف كَهْنوت بني إسرائيل، كما رَسَمَها يسوع.
الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد 1 بطرس إثنين على تسعة: "وَأَمَّا أَنْتُم فَجِنْس مُخْتار، وَكَهْنوت مُلُوكِي، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْب
لِخَاصَّة الله، لِكَيْ تُنَادوا بِمَفاخِر الَّذِي دَعَاكُم مِنَ الظُّلْمَة إِلَى نُورِه الْعَجِيب"؛
بما أنه لم يُسْمَح للكَهَنَة فقط بل أُمِروا أن يَلْبسوا ثيابًا مُعَيَّنة فيها خليط من الشَّعاتْنيز والكِتّان والصّوف، فهل يَجِب علينا أن نَتَجنَّب لِبْسَها كما يفعل الكثيرون من الطائفة اليَهودِيَّة الأرثوذكسيّة؟ يَعتقد بعض المؤمنين اليوم اعِتقادًا راسِخًا أن ارْتِداء خليط من ثياب الكِتّان والصّوف أمرٌ خاطئ؛ أما أولئك الّذين يَسْخرون عادةً من هذه الفِكْرة فيقولون بالإجماع تقريبًا أن السَّبَب في أننا لسنا مُضْطَرّين لذلك هو أن الشَّريعة قد ماتت وانْتهى أمْرُها ولسنا مُضْطَرّين لمراعاتِها.
أعْتقِد أن أولئك الّذين في كلا طَرَفَي الطَّيف يَحْتاجون إلى إعادة النَظَر. بِصِفَتي عُضوًا في كَهْنوت الله الملوكي أنا مُخَوَّل تمامًا، بموجب التَّوراة ومؤلِّف التَّوراة، يسوع مسيحنا، أن ألْبُس خليطًا من الكِتّان والصّوف. أنا أُدْرِك أنني كاهِن روحي لله أكثر بكثير من كَوْني كاهِنًا أرْضيًا بمعنى أنني (على حدّ عِلْمي) لستُ من نَسْل يعقوب الجَسَدي، ناهيك عن هارون الذي شكَّل كَهْنوت بني إسرائيل. ومع ذلك فإنَّني (وأنت) لديّ (ولَدَيْك) واجبات دُنْيَوِيّة جَسَديّة ويَجِب أن تَعْكُس تصرُّفاتي وسلوكي وروحي في كل الأوقات وِجْهة نَظَر الله بأنني خادِمه، كاهِنه، المُخَصَّص له وحده.
وبما أنني جُعِلت مُقَدَّسًا ومُكَرَّسًا له، فهذا يعني أن ما أرْتَبِط به وما أمْزُج نفسي به ومن وما أتَّحِد به يَجِب أن يكون مَدروسًا بِعِناية. يُمْكِنني أن أعْطيكم أَمْثِلة لا حصر لها على ذلك في العهد الجديد. ما آمُلُه هو أنه بَيْنَما نَسْتَمِرّ في مُناقشة الجِنْس البَشَري والإخْتِلاط غير المَشْروع وما شابه، أن تَروا أن مَبادئ كل هذا مَنْصوص عليها في التَّوراة، ومن هناك سنَحْصَل على أكبر قَدَر من الفِهْم عن الاتِّحادات غير الشَّرْعية والشَّرْعية . واحد كورنثوس الإصْحاح السادِس يكاد يكون حَصْرِيًّا عن الإخْتِلاط الصَّحيح مقابل الإخْتِلاط غير الصَّحيح. كمِثال واحد فقط صغير، اسْتَمِعوا إلى توسُّل بولس في واحد كورنثوس ستّة على ستة عشرة: " أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمون أَنَّ مَن الْتَصَقَ بِزَانِية هُوَ جَسَد وَاحِد؟ لأَنَّهُ يَقُولُ: «يَكُون الاثْنَان جَسَدًا وَاحِدًا"؛
هنا يُعْطي النَّهي عن الاتِّحاد غير المَشْروع بين شَخْصٍ مُقَدَّس وطاهِر مع شَخْصٍ غير مُقَدَّس وغير طاهِر. ثم في الآية التالية، يُعطي الأساس المَنْطِقي لهذا الرأي بِصيغة الإيجاب الكِتاب المُقدَّس اليهودي: واحد كورنثوس ستة على سبعة عشر: وَأَمَّا من إلتَصَق بِالرَّب فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ (معه).
وبِعبارة أخرى كما هو الحال مع كل الخَلْطات غير المَشْروعة، فإن المَفْهوم هو أن الشَخْص المُكَرَّس لله ليس له أن يتَّحِد مع تلك الأشياء أو مع غير المُكَرَّسين. أن يَفْعل ذلك هو خَلْط غير مُصَرَّح به؛ أن يفعل ذلك هو في الأساس تدْنيس ما كان طاهِراً. نحن لا نُدَنِّس نواميس الله فقط عندما نفعل ذلك ولكننا نُدَنِّس أيضًا علاقتنا الشَخْصية مع الله. أَعْلَم أن هذا أمْرٌ صعب حقًا، لكن هذه ليست قوانيني التي أُخْبِركم عنها، إنها بِبَساطة الكِتاب المُقَدَّس. وأعْتَقِد بكلّ كياني أن ما أخْبِركم به هو السِّياق بالكامِل وما يتم تَوْصيله إلينا بالكامِل.
حسنًا لقد تطرَّقْنا بِشَكْلٍ خفيف إلى قضايا الجِنْس البَشَري التي أخْبَرْتكم الأسبوع الماضي أنها سَتُشَكِّل تحَدِّيًا لنا؛ ولكن الآن يبدأ الأَمْر الآن في الاحتدام حقًا. ابتداءً من الآية الثالثة عشرة هناك بِضْعة أَمْثِلة لعِلاقات (أو الأفضل، اتِّحادات) بين رجال ونساء بَعْضُها صحيح وبعضها خاطِئ، وكلّها تؤثر على المَعْنِيِّين.
الحالة الأولى هي لِرَجُل يَتَّهِم امرأة زُوراً بأنها غير عَفيفة قبل زَواجهما. وبِعبارة أكثر مُباشرة: زوج يتزوَّج امرأة ويُقَرِّر أن يتَّهِمها بأنها أقامت علاقة جِنْسيَّة مع رَجُل آخر قبل خُطْبَتهما. الآن في مُجْتَمعنا يُعْتَبَر ذلك أمْرًا عاديًّا تقريبًا ولا يدعو العريس الجديد لِلقَلَق بِشَكْلٍ عام. في الواقع، يُنْظَر اليوم إلى الفتاة التي لم تَقِم علاقة قبل الخُطوبة على أنها جاهِلة ومُتَزَمِّتة ومُتَخَلِّفة بعض الشَيء (وهذا أقلّ ما يُقال عنها أنها ليْسَت رائعة على الإطْلاق). يَسْخَر منها أصْدِقاؤها ويَحْتَقِرونها في كثير من الأحيان، ويَعْتَبِرونها غريبة وشاذَّة، ولذلك فإن فتاة كهذه في عَصْرِنا هذا قد تَحْتَفِظ بِعُذْرِيَّتها سِرًّا حتى لا تَشْعُر بالحَرَج. لا شَيء يُمْكِن أن يكون أكثر تَعارُضًا مع أوامِر الله والواقع التَّوْراتي وما كان مُتَوقَّعًا في المُجْتَمَع الإسرائيلي الأوّل.
هذا المثال الأوّل مُدْهِش: رَجُل يتزوَّج امرأة ويُقَرِّر أنه لا يُريدها بعد ذلك. عندما تقول الآية الثالثة عشرة أنه يَكْرَهُها. الكِرْه لا يعني أنه قد طوّر كَراهِيّة عاطِفيّة شديدة لها، بل يعني أنه يَرْفضها لأي سبب كان. وبما أن النّاموس ليس لديه سوى أَضْيَق الأسباب التي تَسْمَح بالطَّلاق، ويبدو أن الزَّوْج ليس لديه أحدُ هذه الأسباب ليَسْتَخْدِمه، فإنه يَخْتَلِق اتِّهاماً كاذِباً. وإذا كان هذا الاتِّهام صَحيحًا بالفِعْل (وهو ليس كذلك في هذه الحالة)، فإنه يُشَكِّل بالفِعل سَبَبًا قانونيًّا للتَّخَلُّص من زَوْجته. وسبب رَغْبة الزَّوْج في الطَّلاق هو أنه اكْتَشَف أن هذه المرأة لم تَكُن عَذْراء عندما تَزَوَّجَها. فيقوم بالتَّشْهير بها، ويُعْلِن على المَلَأ شَكْواه، وبالطَّبْع يتسبَّب ذلك في خِسارة فادِحة لشَرَف زَوجته وعائلتها (وخاصّةً لوالِد هذه الفتاة).
وهكذا يَتكشَّف أمامَنا حَلّْ ثقافي تَقْليدي للمُشْكِلة: لِمُواجهة هذه الإتِّهامات تُقَدِّم الأم ويُقَدِّم الأب "دليلاً" على عِذْرِيَّة الفتاة إلى أولئك الّذين لهم سِلْطة الحِكْم في هذه المَسْألة، شيوخ المدينة. تَتَحدَّث هذه الآية عن وُجود الشُّيوخ عند البَوّابة، وقد ذَكَرْت مِرارًا أن المَحْكَمة كانت تُعقَد عادةً بِجِوار بوّابات الدُّخول الرَّئيسيّة للمدينة (إذا كانت مدينة مُسَوَّرة). في تلك الحَقَبة، كانت المِنْطقة المُجاورة للبوّابات هي المكان الذي يَقَع فيه الفَناء الرَّئيسي للمَدينة. حيث كان يَتَجَمَّع فيها رِجال الأعْمال، وكان يتمُّ فيها إيقاف الغُرَباء واسْتِجْوابهم من قبل سلطات إنفاذ القانون، وقد تُقام فيها مَراسِم الزَّواج، وحيث تَجْتَمِع المَحْكَمة المَحَلِّية. كانت الفِكْرة هي أن كل هذه الأشياء كانت تُقام عَلَنًا.
يتحدَّث الأب الآن ويقول إن هذا الرَّجُل الدَّنيء الذي أعْطاه ابْنَته قد رَفَضَها بدون سبب وجيه، واخْتَلَق تِهْمة الزِّنا ليطلِّقها. ولكن في الحقيقة أن الأب والأم لَدَيْهما الدَّليل المَطْلوب لإثْبات عُذْرِيَّة الفتاة قبل الخُطْبة. والدَّليل المطلوب هو "قماش الزواج"، أو ثَوْب الزواج، أو أي مُصْطَلَح آخر يُشير إلى قِطْعة قُماش كان لها دَوْر مُهِمّ جدًا في عمليّة الزواج.
من الصَّعْب المُبالَغَة في خُطورة هذا الأَمْر. فالفتاة التي يَتَبَيَّن أنها أقامَت علاقةً جِنْسِيَّة قبل الخُطْبة يُمْكِن أن تُرجَم حتى المَوت. إن الأب يَشْعُر بالعار من هذا الفِعْل الشَّنيع الذي ارْتَكَبَتْه الإبنة لأنه كان من وَظيفته حِمايَتُها والإشْراف عليها حتى يُسلِّم السُّلطة عليها لِرَجُلٍ آخر، وهو زَوْجها، فالعار كبير للغاية وسَيُؤثِّر على الأسْرة لأجيال قادِمة. وعلاوة على ذلك، ولأنه كان من المُعْتاد أن يَدْفع الخاطِب ثَمَنًا نَقْدِيًّا كبيرًا للأب كـ "مَهْر للعروس"، فإن الأب سَيَضْطَرّ إلى رَدّ المال. في مُعْظَم الحالات، قد يكون هذا الأَمْر بِمَثابة نَكْسَة كبيرة على الحالة الماليَّة للأُسْرة. من المؤكَّد أن الزَّوْج أراد اسْتِرْداد ماله لأنه سيَحْتاجُه لِعَروس أخرى، بالإضافة إلى أنه تَعَرَّض للاحْتِيال.
قبل أن نَذْهب إلى أبعد من ذلك دَعونا نُعَرِّف بعض المُصْطَلَحات. أوّلًا، نَجِد مُصْطَلَح "عذراء" يُستخدَم كثيرًا في الكِتاب المُقَدَّس. في العصر الحديث يُشير المُصْطَلَح إلى المرأة التي لم يَسْبَق لها أن أقامَت عِلاقةً جِنْسِيَّةً مع رَجُل. في الكِتاب المُقَدَّس كان يَعْني في المقام الأوّل أن هذه المرأة لم تَتَزَوَّج قَطّ. بالطَّبْع ما هو جِزْء لا يتجزَّأ من كَوْن الفتاة لم تتزوَّج أبدًا هو (أ) أنها لم تُمارِس الجِنْس أبدًا، و (ب) أنها لا تزال تَعيش في المنزل تحت سُلْطة والدِها. ولأن الفَتَيات عادةً ما يَتَزَوَّجن في سِنّ الخامسة عشرة تقريبًا، فهذا يعني أيضًا أنهُنَّ فتيات صَغيرات في السِّن (نادرًا ما تكون الفتاة قد بَلَغت العشرين من عُمْرِها ولا تزال عَزْباء وتَعيش مع والِدَيْها).
ثانياً مَسْألة قماش الزواج، الذي يُسمّى بالعِبْرِيَّة "سيملاه". في الثقافة الإسْرائيلية وَوِفْقًا للشَّريعةِ التَّوْراتِيّة، كانت الخُطْوة الأولى نحو الزواج هي أن يتم الاتِّفاق بين الأب والعريس المُحْتَمَل، ويتم دَفْع ثمن. وبمُجَرَّد التَّوَصُّل إلى الاتِّفاق وتَبادُل المال، كان الزَّوْجان مَخْطوبَيْن رَسْميًا. وقد جَعَلَت حالة الخِطْبة من الزَّوْجين مُتَزَوِّجَيْن من النّاحِية العَمَلِيَّة. لم تَكُن الخُطوبة مُواعَدة مُمْتَدَّة أو مُواعَدة جادَّة. لم يَكُن هذا وقتًا يُمْكِن فيه للطَّرَفيْن تغيير رأيهما بِشَكْلٍ معقول. كان فَسْخ الخُطوبة يَتَطَلَّب سببًا قانونيًا وَجيهًا جدًا. كان هناك شَيء واحد فقط يَفْصُل بين الخَطيبَيْن والمُتَزوِّجَيْن رَسْمِيًا ……. إتمام الزواج. وعادةً ما كان يتم عقد الزواج في ذلك اليوم بِشَكْلٍ بَسيط وسريع جدًا، ثم يأخُذ الرَّجُل عَروسه ويُقيمون علاقةً جِنْسيّة. عند ذلك فقط كان الزَّوْجان يَتَزَوَّجان بِشَكْلٍ قانوني.
في ليلة الزِّفاف، كان إتمام الزواج يتم أثناء اسْتِلْقاء الزَّوْجين معًا على قطعة قُماش نَظيفة؛ في العُصور السّابقة لم تَكُن قِطْعة قُماش مثل الملاءة أو البَطّانية بل كانت مُجَرَّد مَلابِس داخِليَّة جديدة ونظيفة تَرْتديها العروس الجديدة أثناء إتْمام الزواج. في وقتٍ لاحِق فقط أصبح من المُعْتاد إسْتِخْدام قطعة قُماش خاصة لهذا الغَرَض. وقبل أن يَحْدُث الإسْتِخْدام المَقْصود كان القُماش أو الثَّوْب يُعرَض على نِساء مُسِنّات مُخْتارات خِصّيصًا للتَّحَقُّق من أنه نظيف تمامًا وغير مُلَوَّث (والأهم من ذلك) غير مُلَوَّث بأي شَيء يُمْكِن أن يكون دَمًا ولو من بعيد لأن قُماش الزواج هذا كان على وَشَك أن يُصْبِح دليلًا قانونيًا دائمًا.
ولأن الفتاة كانت صغيرة ولم يَسْبُق لها أن أقامت علاقة جِنْسِيَّة من قبل، كان من المُتَوَقَّع أن يَحْدُث بعض النَّزيف. لَسْتُ بِحاجة إلى الخَوْض في الأسباب التَّشْريحيّة لذلك، لأنك تَعْرِفها من قَبْل. ستكون لَطْخة الدَّم على قِطْعة قُماش الزَّفاف النَّظيفة، وها قد أصبَح لدينا دليل على أن الفتاة كانت بالفِعْل عذراء من الناحية الجِّنْسِيّة. ولكن ماذا يَحْدُث إذا اكْتَشَفْنا في الصَّباح أنه لم يَكُن هناك مَسْحَة دم؟ بالنِّسْبة للزَّوج في ذلك العصر، كان ذلك دليلًا فِعْليًّا على أن زَوْجته الجديدة لم تَكُن طاهِرة قبل خُطْبَتهما. الآن تبدأ المُشْكِلة.
في صباح اليوم التالي، إذا سارَ كل شَيء كما هو مُخَطَّط له، كانت الفتاة تُقَدِّم بِفَخر قُماش الزَّواج المُلَطَّخ بالدم إلى أمِّها وأبيها كَدَليل على أنها كانت ابْنَةً صالِحة ومُخْلِصة. وكان الوالِدان بِدَوْرهما يَعْرُضان القُماش بِفَخر في مَنْزِلهما ويُظْهِران لجميع المُهَنِّئين والأصْدِقاء والأهْل أن زَواجًا مُشَرِّفًا قد تمّ. واليوم نحن الآباء والأمَّهات لدينا صُوَر رائعة بمقاس ثمانية في عشرة مُعَلّقة على الجِدْران كَتْذْكار للزَّواج. في ذلك اليوم وَضَع الوالِدان قُماش الزواج المُلَطَّخ كَتِذْكار للزَّواج. أخْبَرْتُك أن الأَمْر أصْبَح مَشْبوهًا.
بعد فترة من الوقت كان القُماش يُخزَّن بعناية كنوع من الوثائق الثُّبوتيّة في حالة حُدوث شَيء كهذه الحالة بالذّات المُتَصَوّرة هنا في سِفْر التثنية إثنين وعشرين. وهذا ما يُفَسِّر الحاجة إلى أن تتأكَّد النِّساء الأكبر سِنًّا من عَدَم تَلَوُّث القُماش قبل إسْتِخْدامه حتى يتمكنَّ من الشَّهادة عليه إذا لَزِم الأَمْر. على كل حال، كانت النِّساء تَعْرِفْن جيدًا ما إذا كانت عَذْراء أم لا، وشَيء أعْدَدْن قُماشًا مُلَطَّخًا مُسْبَقًا لإسْتِخْدامه في هذه الحالة؛ على الأقل هذا هو التَّفْكير السّائد.
القُماش هو كل الإثْبات الذي احْتاجَ إليه الشُّيوخ؛ لقد حُكِم على الزَّوْج بأنه كاذِب وعُقوبته شديدة بِشَكْلٍ مناسب. أوّلًا، بِحِكم التَّعْريف، يَنْكَشِف عدم أمانَتِه وعدم جَدارته بالثِّقة أمام الجميع. ثانيًا، يُعاقَب علنًا بالجَلْد. ثم يَدْفع للأب غرامة قدرُها مئة شِيكِل فُضّي، وهو مبلغ كبير من المال في ذلك العصر. كما لا يُمْكِن للرَّجُل أن يُطَلِّق المرأة كما كان يُخَطِّط، مهما حدث في المستقبل لا يُمْكِنه أن يُطَلِّقها أبدًا. لا يَهُمّ ما تَفْعَله، فهو عالِق معها حتى يوم وَفاته أو وَفاتها.
والآن دَعوني أُضيف أنه من المُسَلَّم به لدى الجميع أن هناك عَدداً من الظُّروف التي قد لا تَسير فيها الأمور في لَيْلة الزَّفاف كما كان من المُفْتَرَض أن تكون، ولا يكون هناك خَطأ من أي أحَد. أي أن لَطْخَة الدّم قد لا تَظْهَر على القُماش وهناك أسباب تَشْريحيّة لذلك، وهي أسباب مَفْهومة وطبيعيّة. لذلك سنَجِد أحْكامًا رُبّانيّة قد تتطلَّب فَحْصًا جَسَدِيًّا على العروس من قِبَل نِساء كبيرات في السِّن، حتى يُمْكِّنهُنّ أن يَقُمْن بِدَوْر الشُّهود للمُساعَدة في تحديد ما إذا كان هناك ما يَدْعو لِلقَلَق.
يبدأ تَوْضيح الحالة الثانية في الآية عشرين؛ وهو في الأساس نَفْس الشَّيء باسْتِثْناء أنه تَبَيَّن أن ادِّعاءات الزَّوْج صَحيحة. إذا تَبَيَّنَ أن العروس قد أقامَت علاقةً جِنْسِيَّة قبل الزواج، فإنها تُؤخَذ إلى عَتَبَة بَيْت أبيها وهناك تُعْدَم رَجْماً بالحِجارة (لا يعدمها أَبَواها بل المُجْتَمَع). أَفْتَرِض أننا يُمْكِن أن نُجادِل بأن هذا غير عادِل وقاسٍ للغاية؛ ولكن تَذَكَّروا في الإصْحاح السّابق أن الإبْن المُتَمَرِّد كان يُواجَهَ نَفْس النَّتيجة بِشَكْلٍ أساسي. الطَّريقة الأساسِيَّة التي تكون بها البِنْت مُتَمَرِّدة هي رَفْضِها لِوِصاية أبيها عليها؛ إذ أنها تُعاشِر رِجالاً لم يَخْطُبها لهم، وبالتالي تَجْلُب عارًا كبيرًا لأُسْرَته. التَّمَرُّد الأقْصى للفتاة هو إقامة علاقات جِنْسِيَّة قبل الخُطْبة، وأقصى تَمَرُّد للولَد هو أن يكون عَديم الحِساب وشَرِهًا وسَكّيرًا. لذلك فإن عدالة الله مُتَساوِيَة: المَوْت لِكِلَيْهما. ومرَّةً أخرى في كِلَتا الحالَتَيْن سبَبْ هذا الثَّمَن الفَظيع هو أنه "يُطَهِّرُ الشَّرَّ مِنْ بني إِسْرَائِيلَ".
فالجَريمة التي ارْتَكَبَتْها الفتاة تُدعى التَّصَرُّف زاناه؛ أي التَّصَرّف كعاهِرة، بِغاء. وبَيْنَما نحن في الغَرب نُطلِق على هذا الفِعل تَسْمِيَة الزِّنا (والكثير من الأناجيل تُتَرْجِمه على هذا النَّحو) في الواقع هذه الكَلِمَة تُغَطّي على هذا المَعْنى. إن المَعْنى الحقيقي لفِعْل البغاء هو عِبارة عن اتِّحاد جِنْسي جَسَدي غير مَشْروع. الأَمْر كله يَتَعَلَّق باخْتِلاط غير مَشْروع، اتِّحاد غير مُصَرَّح به. وكل الاتِّحادات غير المَشْروعة هي شَكْل من أشْكال الزِّنا. لذا، بَيْنَما نَميل إلى التَّمْيِيز في المُجْتَمَع الحديث بين زِنا المحارِم والزِّنا، إلا أن كل ذلك يَنْدَرِج تحت نَفْس المبدأ الإلهي المَذكور في الكِتاب المُقَدَّس وهو جِزْء من الوَصِيَّة السّابِعة.
يلي هذا المِثال الثالِث: مِثال الرَّجُل الذي يَزْني مع امرأة مُتَزَوِّجة. القَضِيَّة واضِحة جدًا؛ إذا ثَبَتَت صِحَّة هذا المِثال فإن كلاهُما يُقتَلان (لا مُحاباة هنا!).
المِثال الرابِع يَرِدُ في الآيتين ثلاثة وعشرين وأربعة وعشرين. إنّها حالة الفتاة المَخْطوبة التي تُمارِس الجِنْس ليس مع الرَّجُل الذي هي مَخْطوبة له بل مع رَجُل آخر. ومَرَّةً أُخرى فإن العُقوبة لِكِلا الطَّرَفَيْن هي المَوْت، لأنه باسْتِثْناء الإتْمام بين العروس والعريس بموجب النّاموس لا يوجَد فَرْق تقريبًا بين الخُطْبة والزَّواج. إذن فالعُقوبة هي نَفْسها بالنِّسْبة للمرأة والرَّجُل المُتَزَوِّجين لأن هذا هو، مرَّة أخرى، زِنا في الأساس.
الآن هناك بعض المَحاذير في هذه الحالة النّاجِمة عن الظُّروف. هذه حالة تَحْدُث في المدينة. كانت المُدُن في العُصور القديمة مُكْتَظَّة بالسُّكّان، وعادةً ما كان سُور البيت الواحد يُبْنى عادةً مُتَضَمّناً سُور البيت المُجاوِر. كانت المِياه والطُّرُقات تحدِّد المكان الذي يُمْكِن أن تُبْنى فيه المدينة؛ لذلك عندما كان يوجَد مكانٌ مُناسِب بحيث يكون تَوَفُّر المياه والأمْن لِوُجود عِدَّة عائلات في مكان واحد أمْرًا مُهِمًّا، كانت المدينة تَنْمو هناك. ومن المُسْتَحيل عَمَلِيًّا أن يَمُرّ هُجوم على فتاة داخل المدينة دون أن يُلاحِظه أحَد. كان من المُمْكِن أن تَصْرُخ امرأة غير راغِبة فيَسْمَعها أحَد؛ شَيء لِيُنْقِذها أو شَيء ليَشْهَد فيما بعد أنها صَرَخَت بالفِعْل. لكن الصُّراخ كان مُؤَشِّرًا على أن هذه كانت حالة اغْتِصاب وليس فِعْلًا جِنْسِيًّا غير مَشْروع بإرادَتها.
فعَدَم وُجود دليل آخر على عكس ذلك، وعدم سَماع صُراخها يعني أنها لم تَحْتَجّ بما فيه الكِفاية وبالتّالي كانت مُذْنِبة في حالة المُشارَكة بِرِضاها. هذا زِنا وحَياتها (مع الرَّجُل) مَهْدورة. الفِكْرة هنا هي فِكْرة المُقاومة المَعْقولة، فإن لم تَكُن هناك مُقاوَمة فلا عِذْرَ لها.
ولكن كما جاء في الآية الخامسة والعشرين، عندما يكون مكان الجَّريمة نفسها في الرِّيف حيث البيوت بعيدة عن بعضها، وحيث صُراخُ الفتاة من المُحْتَمَل جدًّا أن لا يُسْمَع، فإن ادَّعَت أنَّها لم تُشارِك بِرِضاها، فَكلامُها يُؤخَذ على مَحْمَل الجَدّ. هي بريئة وهو مُذْنِب، ويَجِب أن يُنفَّذ فيه حِكْم الإعْدام.
أما الحالة الأخيرة فهي لِرَجُلٍ زنى مع فتاة غير مُتَزَوِّجة ولا مَخْطوبة ونرى تَحَوُّلاً مُثيراً للاهْتِمام في العُقوبة، فلا يُشَرَّع المَوْت لأي منهما. أفْضَل طريقة لِمُقارنة ذلك بالعَصر الحديث هي أن فتاة مُراهِقة غير مَخْطوبة، تَعيش في البيت، تُواعِد شابًا وقَرَّرا إقامة علاقة جِنْسِيَّة. في حين أن هذا ليس شيئًا مِثاليًا وهذا الاتِّحاد الجِنْسي غير مُصَرَّح به، إلا أنه لا يَحمل نفس الوَزْن الذي يَحْمِله الشَخْص الذي كان متزوجًا أو مَخْطوبًا أو مُغْتَصِبًا. ومع ذلك، فإن الشَّريكَيْن غير المُتَزَوِّجين الرّاضيين قد حدَّدا مَسارَهما وقد أخْطأوا.
والنَّتيجة النِّهائية هي أنه يَجِب عليهما الزواج. لماذا؟ لأن هذا الاتِّحاد الطَّوْعي من قبل رَجُلٍ وامرأةٍ يَدلّ على الزواج حسب قوانين الله، فالفتاة قرَّرَت أن تَنْتَقِل السِّلْطة عليها من أبيها إلى زوج. يقول الرَّب أن الرَّجُل الذي يرتبط جنسياً بامرأة غير مُلْتَزِمة برَجُل آخر قد ارْتَبَط بِزَواج، وهو الآن مَسْؤول عنها.
لذلك، كما يقول في الآية تسعة وعشرين، يَجِب على الرَّجُل أن يَدْفَع للأب ثمن العروس ويُحَدِّد الثَّمَن بِخَمْسين شيكِل فُضَّة. هذا ثَمَنٌ مُرْتَفِع، شَيء أعلى من المُعْتاد. ليس أعْلى من العُقوبة التي دَفَعَها الزَّوْج لإتِّهامه زَوْجته الجديدة زُوراً بأنها لم تَكُن عَذْراء عندما تَزَوَّجا. من ناحية أخرى فإن الرَّجُل في هذه الحالة قد سَلَب هذه الفتاة صِفَة البِكر إلى الأبد، وبالتالي فإن هناك فُرْصَةً ضئيلة جدًا أن يَتَمَكَّن الأب من تَزْويج هذه الفتاة في المُسْتَقْبَل، وهذا يَعْني أنه لن يَحْصل على المال مُقابل مَهْر العروس.
بالإضافة إلى أن هذا الرَّجُل مُطالَب بالزّواج من هذه الفتاة ولن يكون له الحق أن يُطَلِّقها في المُسْتَقْبل مهما كانت القَضِيَّة شَرْعِيَّة أو كان السَّبَب فَظيعاً.
هناك الكثير ممّا يُمْكِنُنا اسْتِخْلاصه من ذلك. دَعوني أَخْتُم هذا الدَّرْس بالإشارة إلى بعض النِّقاط:
عندما نُقارِن حالة ثقافَتنا في ضَوْء هذه القوانين، لا يوجد لدينا أي أساس نتَمَسَّك به للمُطالَبة بأن نُعامَل بِطريقةٍ مُخْتَلِفة، كأُمّة، بحسب عدالة الله لأننا أُمّة تدعى المسيحية تَعِجّ بالكنائس والمعابد. نحن، كما يَقولون، مُذْنِبون كالخطيئة. نحن مُذْنِبون كما لو كُنّا أُمّة من المُلْحِدين؛ وشَيء أكثر من ذلك لأننا نَعْرِف الحقيقة ونَخْتار في كثير من الأحيان تَجاهلها.
على الأب واجِب حِماية النِّساء اللّاتي تَعِشْن تحت سَقْفِه. هذا ليس مثالاً مثاليًا رجوليًا أو مَطلبًا مُجْتمعيًا غريبًا؛ هذه ليْست مُجَرَّد فِكرةٍ رُجولِيَّة أو مَطْلَب اجْتِماعي غَريب؛ بل هي دَوْرنا كَرِجال كما حَدَّدَه الله الذي خَلَقَنا ذُكورًا. لقد وَضَع الله هؤلاء النِّساء تحت سِلْطَتنا ليس كَخادِمات أو عبيد بل كمَسْؤولِيَّتنا عن رَفاهِيَّتهم. لا يَجِب أن يُترك أمْر السُّلوك الجِنْسي لأطفالنا للنِّظام المَدْرسي لِيُعَلِّمهم ويَنْشر وِجْهَة نَظَرهم الإنْسانيّة التَّقَدُّمِيَّة والعِلْمانِيَّة. لا أعْرِف إلى أي مدى يَجِب أن يَذْهب الأب والأم في حِماية أبنائهما من هذا الأَمْر، ولكن يَجِب أن يُراعى كل ما يَدْخُل في قوانين مُجْتَمَعنا.
علينا أيضًا أن نرى أنه في حين أن السُّلوك الجِنْسي غير المَشْروع الذي يَحْدُث هنا له عَواقبه الخاصّة فإن يسوع يوضِح أن كل شَيء يبدأ في عُقولِنا. أجْسادُنا هي عَبْدة لعُقولنا وليس العَكْس. سِواءً كان الأَمْر يَتَعَلَّق بفتاة تُقَرِّر أن تتعامَل مع جَسَدها كعاهِرة أو رَجُل يُقَرِّر أن يَتَصَرَّف كَمُغْتَصِب، أو بالِغَيْن راشِدَيْن مُتَراضِيَيْن يَنْخَرِطان في علاقة جِنْسيَّة غير مَشْروعة، فإن الأَمْر يَبْدأ بالفِكْر. لهذا السَّبَب يقول يسوع أن الرَّجُل إنما يَنْظُر إلى المرأة بِشَهْوَة (أي أنه كوَّنَ فِكْرة نواياه عليها في ذِهْنِه وبالتالي اتَّخَذ الخُطْوة الأولى) هو بالفِعْل زِنا.
بينما كانت لَدَيْنا أَمْثِلة عن الحيوانات التي تُقْرَن معًا، والبُذور المَزْروعة معًا، ونَوْعَيْن من الخُيوط المَنْسوجة معًا، وخِداع الرَّجُل المُتَخَفّي في زَيْ امرأة، فلا يوجَد فِعْل اخْتِلاط غير مَشْروع أخْطَر من فِعْل الاتِّحاد الجِنْسي غير المَشْروع بين ذَكَر وأنثى من البَشَر. جادَل بولس بأن جَسَد المؤمِن الفيزيائي يَجِب أن يُعتَبَر هَيْكَلاً لِروح الله القُدُّوس، وبالتالي يَجِب أن يُعامَل على هذا الأساس. إن انْتِهاك هذا الهَيْكَل هو انْتِهاك لِمُلْكِيَّة الله وتَدْنيس مَسْكَنه.
لا يزال أمامنا طريقٌ طَويل نَقْطَعه في عِظَة موسى المُتَعَلِّقة بالجِنْس البَشَري والإخْتِلاط غير المَشْروع (لأنَّه مَوضوع خَطير له آثار بَعيدة المَدى)، ولكن هذا يَخْتَتِم الإصْحاح الثاني والعشرين. في الأسْبوع القادِم سنَبْدأ سِفْر التثنية ثلاثة وعشرين ونُواصِل المَوْضوع.