سِفْر التثنية
الدَرس ثمانية وثلاثون – الإصحاح ثمانية وعُشرون
يأتي الإصحاح ثمانية وعشرون من سِفْر التثنية في مُنتصَف هذا القِسم الخاص من سِفْر التثنية المُكوَّن من أربعَة إصحاحات، والذي يَمتَدّ من الإصحاح ستة وعشرين إلى ثَلاثين. هذه الإصحاحات هي من بَين أكثر الفُصول التي دَرَّسها الحُكماء والحاخامات العِبرانيون وأكثرِها تَقديسًا، لأنّ مَعنى هذه المَقاطع وتأثيرِها واضِح ومباشَر وعَميق وصوفي في آنٍ واحِد. سنَقضي بعضَ الوَقت في دراستِها.
سنَقرأ أيضًا تلك المَقاطع التي اعتبَرَها بنو إسرائيل بلا شَكّ أخطَر التَهديدات ضِدَّهم إذا عَصوا الله وشروط العَهد الذي وَافَق عليه الجيل الثاني من الخُروج من مصر بشكل مُدَوٍّ بإيمانِه وإعلاناتِه وطقوسِه.
هذه التَهديدات من الله توصَف عمومًا بأنَّها ”لَعنات“. وبالطَبع كما هي طبيعة نِظام عدالة يَهوَه، فبالإضافة إلى اللّعنات التي تُصيب العُصاة والمُبتعدين عن يَهوَه، هناك بَركات لأولئك الذين يَبقون بالقُرْب من الله ويُظهِرون ثِقتَهُم ومَحبّتَهُم له من خلال طاعتِهم.
بما أنّ اللعنات هي مِحْوَر ما سندرُسُه اليوم، فَقبْل أن نَقرأ سِفْر التثنية الإصحاح ثمانية وعشرون (وهو إصحاح طَويل جدًا) أوَدُّ أنّ أتوقَّف بِضع دقائق لأوضِح أنّ ما قَصَده بولُس في الإصحاح الثالث من غَلاطية عن أنّ المَسيح صارَ ”لَعْنة“ لنا (تلاميذِه) لا يَعني أنّه بطريقة ما هناك الآن علاقة أُحاديَّة الجانِب مع الرَب، بحيثُ لا يمكِن للمؤمنين أن يَنتظروا من الله سوى مَعونتَهُ ورَخائه وبالتالي نحن لا نَتعرَّض أبدًا لأي نَوع من التأديب مِنْهُ عندما نُخطئ ونَتمرَّد ونُدير ظهورَنا له.
وبعبارةٍ أخرى لدينا سؤال مُهِمّ يَحتاج إلى إجابة، ماذا يَعني بولُس بعبارة ”لعنة الناموس“، بما أنّ المَسيح قَد صار ”لعنة لأجلنِا“ فإننا لمْ نَعُد خاضِعين له؟
دعونا أولاً نقرأ هذا البَيان الموجَز للقديس بولُس في غلاطية: ترجمة الكتاب المقدس اليهودي ، غلاطية الإصحاح ثلاثة الآية عشرة: لأنَّ كلّ من يعتمِد على مُراعاة أوامِر التوراة من الناحية القانونيَّة يَعيش تحتَ لعنة، لأنه مَكتوب: ”مَلعون كل من لا يَحفَظ كل ما هو مَكتوب في لَفْظِ التَّوْرَاةِ. الحادية عشرة من الواضِح الآن أنه لا أحَد يأتي ليَعلنَه الله وهو بارّْ بالناموسية، لأنّ ”البارّ يَنال الحياة بالثِقة والإخلاص“. الثانية عشرة، علاوةً على ذلك، فإنّ الناموسية لا تَقوم على الثِقة والأمانَة، بل على [سوء استخدام] النَصّ الذي يقول: ”كل من يَفعَل هذه الأمور يَنال الحياة بها “. الثالثة عشرة، لقد افتدانا المَسيح من اللعنة المُعلنَة في التوراة بأنْ صارَ مَلعونًا نِيابةً عنا، لأنّ التاناخ يقول: ”كل من تَعلَّقَ على خَشَبَةٍ تأتي عليهِ لَعنة“.
بما أنّنا كّنا نَبحثُ في الإصحاح سَبعة وعشرين من سِفْر التثنيَة في قائمة ”اللعنات“ على أولئك الذين يَنتهكون شرائع الله، علينا أن نَكون حَذرين من الخَلْط بين قائمة ”اللعنات“ (أيّ العقوبات المُقرَّرة لمُختلَفْ أفعال الخطيئة ضِدَّ الله) وعِبارة ”لعنة الناموس“. اسمَحوا لي أن أقول ذلك مرَّة أخرى: لدينا سِلسلة كامِلة من ”اللعنات“ (بالجَمْع) لفِعْل الشَرّ على ”اللعنة“ (بالمُفرَد). إنّ سوء الفَهْم هذا بين ”اللعنات“ و ”اللعنة“ هو الذي أدّى إلى ظَنّ الكثير من المَسيحيين أ) أنه ليس لديْهِم ما يخشونَه من إلهِنا مَهْما فَعلوا، وذلك لأنّ (ب) لا شيء يُمكِن أن نفعلَهُ أبدًا سيَجعلُه يُعاقِبُنا على أفعالِنا. وبعبارةٍ أخرى، لن يُعاقِب الله مؤمِنًا أبدًا على خطيئتِه.
لن أقْضي وقتًا في استِعراض مُختلَف ”اللعنات“ التي دَرَسْناها لمُخالَفة شرائع الله، لأنها قائمة طويلَة وهي بشكلٍ عام واضِحة بذاتِها. ولكن ما هي لَعنة الناموس التي كان بولُس يَتحَّدث عنها في غَلاطية؟
أعتقِد أنّ أفضَل طريقة لنرى هذا التَمييز هو أن نتفحَّص بعض آيات الكتاب المقدَّس التي تَستخدِم مصطلح ”اللعنة“ في سِياقات مُتنوِّعة.
أولاً، إشعياء أربعة وعشرون. الآية واحد من الكتاب المقدَّس اليهودي، انظر! أدوناي يُجرِّد الأرض ويُدمِّرُها ويَقلِبُها رأسًا على عَقَب ويُشتِّت سُكّانها. اثنان كاهن وعامي، عَبْد وسَيّد، جارِية وعَشيقة، بائع ومُشتري، مُقرِض ومُقترِض، دائن ومَدين. ثلاثة تُجَرَّد الأرْض بالكامل، تُنهَب بالكامل، لأنّ أدوناي قال هذه الكَلِمة. أربعة تتلاشى الأرض وتَذبَل، ويَذبَل العالمَ ويذبَل مُمجِّدو الأرض. خمسة الأرض تَتَدَنّس تحت سكّانِها، لأنهم تَعدّوا التعاليم وغَيّروا الشريعة ونَقَضوا العهد الأبدي. ستّة لِذَلِكَ تَلْتَهِمُ الأَرْضَ لَعْنَةٌ، وَيُعَاقَبُ سُكَّانُهَا بِذَنْبِهِمْ. لهذا السبب يَتلاشى الساكِنون فيها ويَزولون، والناس الباقون قليلون.
لماذا يقول النَصّ أنّ ”لعنةً“ (بالمفرد) تلتهِم الأرض، بدلاً أن يَنُصّ الله ببساطة تشَريعات للعَدَد الكَبير من ”اللعنات“ (بالجَمْع) أو العقوبات التي تأتي من كَسْر الشرائع العَديدة التي اتُّهِمَت إسرائيل بخَرْقِها؟ هل هو أنّ الله يَستدعي لَعنة واحدة فقط من قائمة طَويلة من اللَعنات المُحتمَلة؟ لا؛ وسأوضِح لكُم لماذا.
دعونا نَنتقِل بعد ذلك إلى إرميا الإصحاح اثنان وأربعين الآية خَمْسَة عَشرة من ترجمة الكتاب المقدَّس الأميركية النموذجية الجديدة: ففي هذه الحالة اسمَعوا كَلِمة الرَب يا بقية يهوذا. هَكَذَا يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: ”إِنْ عَزَمْتُمْ حَقًّا عَلَى دُخُولِ مِصْرَ وَالدُّخُولِ لِلإِقَامَةِ فِيهَا، ستة عشرة فَيَكُونُ أَنَّ السَّيْفَ الَّذِي تَخَافُونَ مِنْهُ سَيُدْرِكُكُمْ هُنَاكَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَالْمَجَاعَةَ الَّتِي أَنْتُمْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا سَتَتَتَبَّعُكُمْ هُنَاكَ فِي مِصْرَ فَتَمُوتُونَ هُنَاكَ. سبعة عشرة ”فَكُلُّ الرِّجَالِ الَّذِينَ عَزَمُوا عَلَى الذَّهَابِ إِلَى مِصْرَ لِلإِقَامَةِ هُنَاكَ يَمُوتُونَ بِالسَّيْفِ وَالْمَجَاعَةِ وَالْوَبَاءِ، وَلاَ نَاجٍ لَهُمْ وَلاَ نَاجٍ مِنَ الْبَلاَءِ الَّذِي أَنَا جَالِبُهُ عَلَيْهِمْ “ ثمانية عشرة لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: ”كَمَا انْصَبَّ غَضَبِي وَسَخَطِي عَلَى سُكَّانِ أُورَشَلِيمَ، هكَذَا يَنْصَبُّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي حِينَ تَدْخُلُونَ مِصْرَ. وَسَتُصْبِحُونَ لَعْنَةً وَمَوْضِعَ رُعْبٍ وَرَهْبَةٍ وَإِهَانَةٍ وَتَوْبِيخٍ، وَلَنْ تَرَوْا هَذَا المَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ. “
لقد اخترتُ استِخدام تَرجمة إرميا من ترجمة الكتاب المقدَّس الأميركية النَموذجية لأنها أكثر حَرْفيَّة من تَرجمة الكتاب المقدَّس اليهودي المُعتادة. يَميل الكتاب المقدَّس اليهودي إلى استخدام ما يُسمّيه العُلَماء الترجمة ”الديناميكيَّة“ بدلاً من استِخدام التَرجمة الحَرْفية كَلِمةٍ بكَلِمة. تُحاوِل الترجمة الديناميكية أن تَضَع بعِبارات حَديثة ما استَنتَجَ المؤلِّف أنّ تِلك الكَلِمات العبرية القديمة تَعنيها. لذلك إذا نَظَرْنا إلى الكتاب المقدَّس اليهودي سنرى أنَّه بدلاً من تَرجمة الكَلِمة العبرية قلالا في إرميا الإصحاح الثامن عشر الآية اثنان وأربعين إلى ”لَعْنة“ (وهو مَعناها الشائع)، فإنّه بَدَلاً من ذلك يَقول ”مَوضوع الإدانَة“، وهو ما تَعنيه ”لَعْنة“. وهذا يُشير إلى أنّ مَن ”صارَ تَحت لَعْنة“ (نتيجةَ التَمرُّد على الله) هو ” مَوضوع إدانة الله“.
دعونا نُضيف آية أخرى تُعطينا سياقًا آخر لفَهْم معنى مُصطلح ”اللعنة“، ونَجِدُها في سِفْر الأَمْثال الإصحاح ثلاثة الآية ثلاثة وثلاثين: الكتاب المقدَّس اليهودي لَعْنَةُ اللهِ فِي بَيْتِ الأَشْرَارِ، وَيُبَارِكُ بَيْتَ الأَبْرَارِ.
وهكذا نَرى مرَّة أخرى أنّ لَعنة الله ليسَت هي نفسُها اللعنات (العُقوبات) المُختلِفة التي يَتلقّاها المَرْء لمخالفتِه بعض شرائعه وأوامِرِه. بل إنّ مُصطلح ”لعنة الله“ يَعني إدانة الله. إذا سَرَق العبراني شيئًا ما، فإنّه يوضَع تحت إحدى اللعنات المُحدَّدة المُناسِبَة المُدرَجَة في الناموس. لذلك إذا كان قد جَرَح أخًا له، وبالتالي قَطَع الشَّرِكة مع الرَب، فإنّ الناموس يقول إنّ عليِه أن يَرُدّ الحَقّ إلى صاحِب الحَقّ، بالإضافة إلى إضافة القليل كجَزاء له، وتَقديم ذبيحة تَكفير لله على مَذبَح الهيكل. لاحِظ أنّ هذا السارِق لم يكُن مُدانًا لأنّه في الكتاب المقدَّس (كما في مُجتمعِنا) مُدان تعني تِقنيًا أن يُحكَم عليه بالإعدام (إلاّ إذا كان المُصطلح يُستخدَم فقط بشكلٍ شعِري أو على سَبيل الاستعِارة). عندما يقول الكتاب المقدَّس أّن الشَخْص مُدان فهذا يَعني أنّ هذا الشخص يَستحِقّ عُقوبة الإعدام. وعقوبة المَوت هذه يُمكِن أن تعني الموت الجَسَدي، أو يمكِن أن تَعني الموت الروحي، أو يُمكِن أن تَشمَل الاثنين معاً.
والآن استَمِعوا إلى الآية التي سنَدرُسُها بعد أسابيع قليلة من سِفْر التثنية ثلاثين والتي تَبدأ في وَضْع نُقطة أكثر وضوحًا ليس فقط على معنى مُصطلح ”اللعنة“ ولكن أيضًا على مُصطلح ”البَرَكة“. كما أنّ قائمة اللعنات ليسَت هي نفسُها ”اللّعنة“، كذلك قائمة البَرَكات ليست هي نفسُها ”البَرَكة“.
الكتاب المقدَّس اليهودي سِفْر التثنية الإصحاح ثلاثون الآية خمسة عشرة ”اُنْظُرُوا أَنَا أُقَدِّمُ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنْ جِهَةٍ حَيَاةً وَخَيْرًا وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مَوْتًا وَشَرًّا ستّة عشرة مِنْ حَيْثُ أَنِّي آمُرُكُمْ الْيَوْمَ أَنْ تُحِبُّوا أَدْعُونَ إِلَهَكُمْ وَتَتَّبِعُوا طُرُقَهُ وَتَطِيعُوا تَعَالِيمَهُ وَفَرَائِضَهُ وَأَحْكَامَهُ، لأَنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ تَحْيَوْنَ وَيَكْثُرُ عَدَدُكُمْ وَيُبَارِكُكُمْ أَدْعُونُ إِلهُكُمْ فِي الأَرْضِ الَّتِي تَدْخُلُونَهَا لِتَمَلُّكِهَا. سبعة عشرة ولكن إن انصرفت قلوبكمُ، إن رفضتُم الاستِماع، إن انصرفتُم للسجودْ لآلهة أخرى وعبادتِها، ثمانية عشرة أنا أُعلِن لكُم اليوم أنكم ستَهلكون حتماً، ولن تَعيشوا طويلاً في الأرض التي تَعبرون الياردين لتَدخلوها وتَمتلكوها.
يُحدِّد هذا المَقطع بشكلٍ أساسي ما يَعنيه الله بمُصطلحي ”بَرَكة“ و ”لعنة“ الناموس. بَرَكة الناموس هي الحياة والخَير، ولَعنة الناموس هي الموت والشَر. الحياة والخَير مُقابل الموت والشَر. من التَعبيرات الشائعة بين اليهود القَوْل بأنّ التوراة هي الحَياة؛ بمعنى أنّ اتِّباع التوراة يَجلِب الحياة التي يُريد اللهْ أن يُعطيها لكلّ من يَثِق به. وعلى العَكس من ذلك فإنّ عدَم اتِّباع التوراة يَجلِب الموت، أي نَقيض الحياة، لأنّ ذلك يَعني أنّ المُخالف لا يَثِق به.
عندما مات يسوع على الصَليب، لم يُلْغِ عقوبات الله على أتباعِه، بل ببساطة أزال دَينونة المَوت الأبدي. بالتأكيد لم يُبطِل المسيح المَوْتَ الجسَدي بالنسبة لنا (على الأقَلّ في العالمَ الحاضِر) كما هو بَديهي. وكما نرى في التاناخ (العَهد القديم) فإنّ الغالبيّة العُظمى من الخَطايا التي ارتُكِبت ضِدّ الرَب كان لها نَوع من العِقاب المُرتبِط بها (اللعنات)، ولكن حُفْنة فقط من تلك الخَطايا هي التي استَدْعَت عقوبة الموت (اللعنة)، هكذا هو الحال مع تلاميذ يسوع في العَصْر الحديث. بشكلٍ عام يمكنُنا أن نرتكِب خطايا في حَقّ الرَب وسوف نرتَكِبُها، وفي بَعض الأحيان سوف نَختبِر يَد الله التأديبية في شَكْل عقوبات إلهية مُعيَّنة ولكن ما نَحنُ بمنأى عنه هو الانفِصال الأبدي عن الله نتيجةً لتلك الخطايا، وهو ما يَستحِقُّه جميع البَشر.
يَنجو تلاميذ يسوع من عقوبة المَوت الأبدي، والإدانة الروحيَّة، والانفِصال الدائم عن الله… اللّعنة.
إنّ الاختِيار الذي يُعرَض هنا في سِفْر التثنية على أسْباط إسرائيل الاثني عشر عن طَريق العَهد الموسَوي، والاختِيار المُماثِل تمامًا الذي يَعرِضُه العهد المُتَجدِّد في يسوع مَسيحنا هو بين البَرَكة أو اللعنة؛ أو كما أوضَح لنا الكتاب المقدَّس، بين بَرَكة الحياة ولعنة الموت.
بَعد هذا الإعداد، دَعونا نقرأ معًا كل سِفْر التثنية الإصحاح ثمانية وعشرون.
اقرأ سِفْر التثنية الإصحاح ثمانية وعشرون كلِّه
الكَلِمة الأولى في الإصحاح ثمانية وعشرون هي ”إذا“. ربما تَكون أهَمّْ كَلِمة في الكتاب المقدَّس من حَيث التأثير الروحي. إنّ الاقتِراح هو أنّه ”إذا“ اتَّبَعت إسرائيل شروط العَهد، فإنّ الله سيَمنحُ بَرَكاتِه لإسرائيل.
لقد ذكَرتُ في الماضي (كما عَلَّم معظم مُعلِّمي الكتاب المقدَّس) أنّ العَهد الموسوي يُسمّى عهدًا مَشروطًا. هذا بالمُقارنة بالعَهد الإبراهيمي الذي كان عهدًا غَير مَشروط.
وكما أسْهَب بولُس في الشَرْح، فإنّ الطريقة المُناسبة للنَظَر إلى العَهد غير المَشروط (وتَحديدًا العهد الإبراهيمي) هي أنه يتألَّف من مُجرَّدِ وَعْد، فالعهد الذي قَطَعه الله مع إبراهيم لم يكُن مَبنيًّا على أنه إذا فَعَل إبراهيم شيئًا ما فسوف يَستجيبُ الله بالوفاء بوعدِه. بل إنّ الله وَعَد إبراهيم بسِلسلة كامِلة من الأشياء لأن يَهوَهْ سأل إبراهيم إنْ كان يرغبُ في الحصول على هذه الأشياء (كل هذه الأشياء كانت بَرَكات) وأجاب إبراهيم ”نَعم“.
الطَريقة الأكثَر شيوعًا التي يُنظَر بها إلى العَهد الإبراهيمي هي أنه عَهدْ من طَرْفٍ واحِد؛ إنها صَفَقة من طَرَف واحد من الله إلى الإنسان حيث يَقوم الله بكلِّ شيء ولا يُطلَب من الإنسان أي شيء في المُقابِل. لذلك يَصِف العُلَماء عادةً العَهد الموسوي بأنه عَهْد ثنائي، أي أنّه من الله إلى الإنسان ولكن يَتوقَّع الله شيئًا في المُقابِل؛ فكِلا الطَرَفَين لديه التِزامات تِجاه الآخر.
أريدُ أن أشَرَح أكثر قليلاً، لأنه بينما أتَّفِق بشكل عام مع هذه الأوصاف، إلاّ أننا يُمكِن أن نأخُذ فِكرة خاطئة عن الطبيعة الحَقيقية للعَهد الذي تَمّ على جَبل سيناء مع موسى كوَسيط، وعن مَعنى ”مَشروط“. إنّ العَهد الإبراهيمي (أعتقد أننا نتَّفِق جميعًا) قائم على نِعمة الله. لقد أعطاه الله ببساطَة لإبراهيم هِبَةً مَجانيّة تمامًا كما أعطى البشرية الخَلاص كهَديَّة مَجانية؛ وما واجِبُنا إلا أن نَقْبَلَها. لكن الأمْر نفسُه يَنطبِق أيضًا على العَهد الموسوي. اسمَحوا لي أن أشَرَح: هناك تَشبيه جيد جدًا للعَهد وهو العَقْد (ليس دقيقًا ولكنَّه قريب بما فيه الكِفاية للمُناقشة). كلُّنا نفهَم العُقود؛ فمن خلالِها نَشتري مَنزِلاً أو سيَّارة.
أحيانًا يَكون لدينا عُقود مع أصحاب العَمَل، خاصةً في مَجالات التَرفيه أو الرِياضة. والفِكرة هي أنّ العَقْد هو في الأساس سِلسلة من الالتِزامات المُتبادَلة. إذا فَشِل أحَد الطَرفَين في الوَفاء بواحِدَة أو أكثر من التزاماتِه التعَاقُدية، فإنّ النَتيجة تَدخُّل المَحاكم. ونادِراً ما يَتمّ إبطال العَقْد فقط كعُقوبة لإخلال أحَدْ الطَرفَين أو أكثَر بشروط العَقْد.
ها هي النِقطة المُهمَّة: كان العهد الموسوي هِبْةً لإسرائيل، عَمَل من أعمال النِعمة الإلهية. وبمُجرَّد قُبول إسرائيل للعَهد، فإنّ انتِهاك العَهد لمْ يكُن يَعني أنّ العهد قد أُبطِل، بل كان يعني فقط بَدِءْ تَنفيذ العقوبات (تمامًا كما هو الحال في مُعظم العُقود).
مُقابل البَرَكات التي عَرَضَها الرَب، أعلنَت إسرائيل أنهّا على استِعداد لقُبول عواقِب مُعيَّنة (تُسمّى اللعنات) إذا فَشِلت في الوَفاء بِنَصيبهَا من الصَفَقَة.
ومَع ذلك، كما هو الحال مع جَميع العُقود تَقريبًا، لم يَتِمّ إبطال العَهد الموسوي وإلقائه في سَلَّة المُهملات بسَبب الإخلال بالشُروط. بل تَمّ تَفعيل بَعض العقُوبات التي كانت مَكتوبة في العَقْد (بطبيعة الحال كانت العُقوبات من جانِب إسرائيل فقط لأنّ الله لا يُغيِّر أبدًا أو يَتراجَع عن كَلِمتِه). منذُ عدَّة سنوات كان لديّ مَنزل بُنيَ لعائلتي، وكجُزء من العَقْد تفاوضتُ على مَوعد ثابِت للانتِهاء من البِناء. إذا أكْمَل المُقاوِل بناء المنزل قَبْل المَوعِد المُتَّفَق عليه حَصَل على مَبلغ مُعيَّن من الدولارات عن كلِّ يوم…..حَصَل على بَرَكة. ومع ذلك إذا فَشَل في الانتهاء بحُلول الموعِد المُتّفَق عليه فقَد كان يَحصُل على مَبلغ مماثِل عن كلِّ يوم بعد الموعِد المُتفَّق عليه……لَعنة.. لكن حتّى لو لم يَنتهِ في الموعِد المُحدَّد، لم يُلغَ العَقْد، بل كانت هناك لَعنة مُدمَجة إذا لم يفعَل ما اتُّفِق على فِعلِه. كانت هناك عقوبات أخرى مُدمَجة أيضًا لأنواع أخرى من المواقِف، ولكن لا يُبطِل العقد أيًا مِنها.
الأمْر المُهِمّ هو أنّ العهد الموسوي لم يكُن يعمَل بحيثُ أنه إذا ما أنزَلَت إسرائيل لعنات الله على نفسِها (وكلُّها كانَت شروطًا مَكتوبة في العَهد، لا كِتابة صغيرة ولا مُفاجآت)، فإنّ العَهد يُبطَل؛ كلُّ ما في الأمْر أنه حيثُما كانت البَرَكات ستَحُلّ على إسرائيل عن طَريق الطاعة للشُروط، كانت هناك بَدَلاً من ذلك تلك اللعنات المُترَتِّبة على مُخالَفة الشروط. بَقي العَهد على حالِه. لم يُلْغَ العَهد لأنه لم يكُن على إسرائيل أن تَفعَل أي شيء للحِفاظ على العَهد سَليمًا. بل بالأحرى، بمُجرَّد تَصديق إسرائيل على الهِبَة الإلهية للعَهد (وافَقَت الجَماعة كلُّها على العَهد كما صادَق إبراهيم على العَهد معَه بمُجرَّد موافقتِه عليه) لم يَتبَقَّ سوى أن تَتِمّ شروطُه على مَرِّ الزمن. كان الفَرْق بين عَهدَي إبراهيم وموسى هو أنّ عَهد إبراهيم لم يكُن يشمَل عقوبات (لا لعَنات) لأنّ إبراهيم لم يكُن عليه التِزامات؛ لكن العَهد الموسوي كان يَشمَل عقوبات (لعنات) لأن إسرائيل كان عليها التِزامات.
العَهد الموسوي حَيّ وبصحَّة جيدة؛ في الواقِع، العَهد الجديد في المَسيح ما هو إلا العَهد الموسوي المُتجدِّد والمَكتوب في عقولِنا (قلوبنا) مع يسوع كمَصدَر للتَطهير والتَكفير لأولئك الذين يَقبلون شروطَه وأيضًا مع يَسوع كوسيط للعَهد المُتجدِّد. فكما أنّ الإسرائيلي لم يُحذَف نهائيًا من نِعمة الله لسوء سلوكِه (إلاّ إذا كان من النَوع الذي يُثبِت أساسًا عَدمَ ثقتِه وخضوعِه لله)، كذلك لا يُحذَف أي مؤمِن نهائيًا (بشكلٍ عام) من نِعمة الله لسوءِ سلوكِه. ولكن فَكِّر في ما يلي: بموجَب عَهد المسيح لَدَيْنا التِزامات، أليسَ كذلك؟ لا يزال مُعظم المسيحيّون يَعترفون بواجبهِم في الاِلْتزام بالوصايا العَشر. يَعتقِد البَعض أنه لا يوجَد فوق رؤوسنا أكثَر من الوصايا العَشر، لكنني لا أوافِق على أنّ هذا هو كلُّ ما في الأمْر. حتّى لو فعلتُ ذلك، فالحَقيقة هي أنّ هناك عَشرة التِزامات مَلموسة على كل مؤمِن، كلٌّ مِنها (من الواضِح) قابِل للانتِهاك. إذًا فعَهْدُنا الجديد يَشمَل التزامات بالفِعل، وبالتالي فهو ليسَ على قالِب عهد إبراهيم تَحديدًا.
تأمَّل في ما سأقولُه: إذا كان العَهد الموسوي (كما يَقول البعض) قد حَلّ مَحَلّ العَهد الإبراهيمي، ثمّ جاء العَهد الجديد وحَلَّ مَحَلّ العَهد الموسَوي، فلماذا لا يُمكِن لعَهدٍ آخر مُستقبلي (غَير معروف لنا حالِيًا) أن يَحُلَّ مَحَلّ العَهد الجديد؟
من المؤكَّد أنّ الشعب العِبراني لم يَدْرِ بأي خِطّة من الله لإبطال العهد الإبراهيمي. كما أنه لم يَدْرِ بشأن أي خِطّة لجَعْل العهد الموسوي عَتيقًا. لقد عُرِف بالفِعل أنّ العهد الساري حاليًا كان سيتم تَجديدُه وتحويلُه وَوَضعُه في قَلبِه.
ولكن هذا كل ما في الأمْر. وسواء كان يَنبغي أن يَكون كذلك أم لا، فإنّ العَهد الجديد في يَسوع بدا وكأنّه مُفاجأة غيرْ مُرحَّب بها حّتى لأكثَر اليَهود عِلْمًا.
فإذا كنّا نَقبَل الفِكرة الخاطئة القائلة بأنّ الله قد قَطَع عددًا من العُهود في الماضي وفجأةً قد يُنزِل على شَعبِه عَهدًا جديدًا يُبطِل العَهْد السابِق، فلماذا نَثِق بأن يَهوَهْ لن يُعطينا فجأةً عهدًا أحدَث في المُستقبَل القَريب يَجْعَل العهد الجديد في المَسيح عتيقًا؟ من المؤكَّد أنّ أولئك الذين سيُثبِّتون صِحَّة مِثل هذا الأمر قالوا إنّ القيام بذلك سيَكون ضِمن نَمَط الله المُثَبَّت. وبالمُناسبة، هذا ما يقولُه الإسلام أساسًا؛ فَهُم يقولون إنّهم يُقَدِّسون يسَوع، ولكن مُحمَّد حَمَل رسالةً أحدَث من رسالة المَسيح من الله. ليست الفِكْرة أنّ رسالة عيسى كانْت خاطئة؛ كُلّ ما في الأمْر أنّ الله قد أبطَل رِسالة عيسى واستَبْدَل نَبِيَّه عيسى بمُحمَّد.
تَقول المورمونيّة أنّ لدَيها عَهْدًا أحدَث من العَهد الجديد الذي جاء من نَبيُّها جوزيف سميث، يُسمّى كتاب مورمون، وأنه يَحُلّ مَحَلّ العهد الجديد. لماذا يَعترِض نفْس المَسيحييّن الذين يَزعمون أنّ الله يَقطَع عهودًا ويُعلِن أنها أبَدِيةّ ثمّ يَستبدِلُها بعهود جديدة على المورمون الذين يَعتقدون أنّ هذا بالضبط ما فَعَله الله من خِلال جوزيف سميث؟
إنّ الإجابَة على هذا السؤال البَلاغي هي أنّ الله لن يُشرِّع لنا عهدًا مُستقبليًا يُبطِل عُهودَه السابقة لأنّه لا يَخلُق عهودًا أبَدِيَة ثمّ يُبطلِها، فهذا ببساطة ليس من نَمَطِه. والعَهد الجديد لم يُبطِل لا العَهد الموسوي ولا العَهد الإبراهيمي كما يَقول اللاهوت الإحلالي.
الأمْر التالي الذي نُلاحِظُه في الآية واحد هو استِخدام كَلِمة ”شماع “ العِبرية الهامَّة لجَذْب انتِباه جُمهور موسى. أي أننا نقرأ بالعربية: ”إِنْ كُنْتُمْ تَسْمَعُونَ“. ما يُقال هو ”إذا أنت شماع…..“. دعوني أذكِّرُكُم بأن كَلِمة شماع تَعني السَمَع والطاعة، إنها لا تَعني فقط أن تَسمعوا، لأنّ كَلِمَتَي اسمَعوا وانْصتوا في اللغة الإنجليزية الحديثة مبنيَّتان للمَجهول. يُمكنُنا أن نَجلِس في مَكانِنا ونَستَمِع أو ننصُت ولا نَشعُر بأنّنا مُلزَمون بالتَصرُّف. كَلِمة شماع تَعني أن نَسمَع ما يَقوله الله ثم نَبدأ في فِعلِه! لا يمكنني أن أؤكِّد بما فيه الكفاية أنّ ما أقولُه لكُم ليس رَمزيًا؛ بل هذا هو مَعنى الشماع بالعبرية .
والرَب يقول أنّ طاعَة إسرائيل وحِفْظِها وصاياه بأَمانة، سيُعطي إسرائيل أعظَم الامتِيازات؛ امتيازاتٍ تَفوق تلك التي تُعطى لبقيَّة الناس على الأرْض، الذين يُحِبُّهُم أيضًا. يقول إنّه يَعِدُ بإعطاء هذه الامْتيازات لإسرائيل، إذا قامَت إسرائيل بدورِها وأطاعَتْهُ. أؤكِّد كما فَعلْتُ سابقًا، أنه لا يَقول إنه إذا عَصَت إسرائيل الله فإنّ العَهْدَ نفسَه يُلغى.
تُركِّز سِتّ بَرَكات في الإصحاح ثمانية وعُشرون على الازدِهار والخَصْب. الازدِهار والخَصْب هُما في قَلْب الحياة والخَيْرات. تَقول الآية ثلاثة أنَّه من خِلال الإخْلاص للعَهد ستُبارَك إسرائيل بالعِبرية، باروك في المَدينة والريف. هذا ما يُسمّيه العُلماء الاستِحقاق، وهي كَلِمة كَبيرة تُشير ببساطَة إلى بُنيَة نَحَوية عِبريَّة مُصمَّمة لتُبيِّن كل ما يَقَع بين النَقيضَين اللذين وَرَدا في النصّ. إذًا الفِكْرة هي أنه سواء كان ذلك في أكبَر المُدُن والأكثرْ تطوُّرًا والأكثر اكتِظاظًا بالسُكّان، أو في أصغَر القُرى البسيطة في المَناطق غير المُكتظَّة في الأرْض (وكُلّ ما بَينِهما) فإنّ إسرائيل في مُجملِها ستَتلقّى بَرَكة الله إذا أطاعَت شرائِعَه وأوامِرَه.
الآية أربعة تتحدَّث عن البَرَكة الثلاثيّة والفِكرة هي أنّ الحياة الصالِحة والمُفيدة والمَسموح باستخدامِها من قِبَل العبرانيين ستَنال البَرَكة في إسرائيل: الحياة البَشريّة، والحياة الحيوانيَّة المَنزِلية، والحَياة النباتيَّة. الكَلِمة العبرية التي تُتَرْجم عادةً في هذه الآية إلى "بهائم" هي البهيمة، وتَعني كلّ الحَيوانات الصالِحة لتَكون داجِنة (وليس فقط البَقَر).
وعادةً ما تُشير بشكلٍ أكثرَ تَحديدًا (ولكن ليس في كلِّ الحالات) إلى الحيوانات التي تَصلُح للطَعام أو تَصلُح للذَبْح أو كِلَيْهِما. هذا هو المكان المُناسِب للإشارة إلى أنّ الأناجيل عادةً (وبشكلٍ صحيح) تُترجِم البَرَكة الثلاثية على أنها ”ثَمَرةُ“ الرَحْم، والماشية، والأرض (أي الأرض أو التُربة). أعتقِد أنّ الترجمة الأفضَل هي ”صادِر مِن“ الرَحم والماشية والأرض، لأننا غالبًا ما نأخُذ كَلِمة ثَمَر على أنها تَعني شيئًا جيدًا. في الواقع إنّ البيري العِبري لا يَدُلّ بالضَرورة على الثَمَر (أي ما يُنتجِه الإنسان أو الحيوان أو النبات) ذا نوعيَّة أو قِيمة جيّدة. ولكن في هذه الحالة فإنّ البيري، الثَمَر، ما ينتُج عن شَعْبِ إسرائيل وحيواناتِه وأرضِه، سيَكون مُبارَكاً على أساس طاعَة الرَب.
وِفْقَ النَمَط نَفْسِهْ، تَقول الآية خَمسة، أنّه نَتيجةً لثِمار الأرْض المُبارَكة، فإنّ الآنية المُستخدَمة لجَمْع الغلِال ستَكون مُبارَكة أيضًا (مُمتلئة) كما أنّ أواني العَجِن المُستخدَمة في صُنْع الخُبْز ستَكون مُبارَكة (بأن يَكون هناك دائمًا الكثير من الحُبوب التي يُصنَع منها عَجين الخِبْز). إذن الفِكرة العامّة هي وَفْرَة الطعام.
الآية ستّة هي في الحَقيقة تَعبير عِبري. تقول ”دخولِكُم وخروجِكُم“ سيَكونان مُبارَكان. إنّها في الواقِع عِبارة كانت تُستخدَم للدلالة على النَشاط العَسكَري. بالمَعنى الحَرْفي هي تُعبِّر عن فِكرة الدخول والخروج. ولكن في مَعناها الاصطلاحي تتحدَّث عن الخروج إلى المَعركة، وتَحقيق النَصْر، والعَودة إلى الوَطَن بسَلام. لذلك فهي بالطَبع تَرتبِط مُباشَرةً بالآية سَبعة التي تتحدَّث عن كيفيّة خروج يَهوَه أمام جَيش إسرائيل وانتصارِه في المَعركة ضِدّ أعداء إسرائيل قَبْل أن تَبدأ. وهذا ما يُعبِّر عنه تَعبير عِبريّ آخر بشأن زَحْف جَيش العَدُوّ المُنظَّم (بطريق واحِد)، وهروبِه في كلّ الاتِّجاهات مَذعوراً (يَهرُب بسَبْع طُرق). لا حَرْفيّة في معنى رَقمَ سبعة، بل تَعني فقط ”بكلِّ الطُرق المُمكِنة“.
في الآية ثمانية، سيَملأ الرَب الحَظائر بالنِتاج ويُبارِك كل أعمال بني إسرائيل. والفِكْرة هي أنّ عَمَل المَرْء (مهما كان) سيكون مُثمِرًا، وكلّ ما يحُاول المَرْء أن يُنتِجَه سيَكون جيدًا.
ومع ذلك، في مُنتصف عِظَة موسى عن كلِّ البَرَكات الرائعة الخاصّة بإسرائيل، فإنّه يتوقَّف مؤقّتًا للتَأثير. يتوقَّف عن ذِكْر كلّ البَرَكات الرائعة ويُذكِّر إسرائيل بالمُتطلِّبات والشروط اللازِمة لحدوث ذلك: سيُعلِن الرَب أنّ إسرائيل ستَكون شعبَه المقدَّس إذا حافظَتْ على وَصايا الله.
بما أنّ موسى ذَكّر الواقِفين أمامَه، اسمَحوا لي أن أذكِّر الحاضِرين أمامي: أنّ هذا تَوازي مُباشَر مع عِظة يسوع على الجَبَل. لقد توصَّلتُ إلى استِنتاج منذُ بعض الوقت أنه إذا استَطعْتُم أن تُصبحوا مُرتاحين ومُطّلعين على هذا التَوازي فستَكون لديكُم أداة مُفيدة جداً لتُظهِروا لعائلتكُم وأصدقائكم مدى ارتِباط التوراة وكِتابات العَهد الجديد.
انتقِلوا الآن إلى إنجيل متّى الفَصْل الخامس الآية واحد، ودَعوني أشرَحُ لكُم هذا النَمَط المُبهِج والمُثير للاهتمام الذي قرأناه للتوّ هنا في سِفْر التثنية الذي نَحصُل من خلالِه على قائمة من البَرَكات التي يَقطعُها وَسيط العهد (موسى في سِفْر التثنية، ويسوع في إنجيل متّى) ليُذكِّر الحاضِرين من جمهورِه أنّ البَرَكات التي يُعلِنُها تَشمَل تَحذير؛ والطاعة لأوامِر الله مَطلوبة.
اقرأ إنجيل متّى الفَصْل الخامس الآية واحد إلى خمسة
لاحِظوا في كِلَتا الحالتَين كيف أنّ الأمْر عِبارة عن سَرْد للبَركات والنِعَم…… ثمّ وَقْفة مع الوَسيط يتدخَّل فيها لكَي لا يُسيء أحَد فَهْم ما يَقصِدُه.
الطاعة لأوامِر الله هي ثَمَن الانضمامِ إلى هذا العَهد والحِفاظ على بَرَكات العهد.
كما يقول بولس في رسالة رومية الإصحاح الحادي عشر الآية سبعة عشرة: الكتاب المقدَّس اليهودي ولكن إنْ كانت بعضُ الأغصان قَد انقطَعَت، وأنتم – زيتون بَرّي – طُعِّمتم بينَهُم وصِرتُم شركاء مُتساوين في جُذُر شجرة الزيتون الغَنيّة، ثمانية عشرة فلا تَفتخِروا كأنّكُم أفضَل من الأغصان! ولكن إن افتخرتُم، فتَذكَّروا أنّكُم لا تَدعَمون الجُذُر، بل الجذور هي التي تدعمُكم. تسعة عشرة فَتَقُولُونَ: ”أَغْصَانٌ قُطِعَتْ لِكَيْ أُطَعَّمَ أَنَا“. عشرون صحيح، ولكن ماذا في ذلك؟ لقد انقطعوا بسبب عدم ثقتهم.
أَمَّا أَنْتُمْ فَاحْتَفِظُوا بِمَكَانِكُمْ بِسَبَبِ ثِقَتِكُمْ. فلا تتكبَّروا، بل على العَكِس، كونوا خائفين! واحد وعشرون لأنّه إذا كان الله لم يُعْفِ عن الأغصان الطبيعية، فإنّه بالتأكيد لن يُعفيكم! اثنان وعشرون فانظروا إذَن إلى لُطف الله وشِدَّتِه: من ناحية، الشِدّة تِجاه الذين سَقطوا، ومن ناحية أخرى، لُطْف الله بكُم – بشَرْط أن تُحافظوا على أنفسكُم في هذا اللطف! وإلا ستُقطَعون أنتم أيضًا!
لاحِظ أنّه كما في العَهد الموسوي، كَلِمة السِرّ هي ”إذا“. إذا حافظتُم على هذا اللُطف…. وإلا فإنَّكُم (نحن) ستُفصَلون!
آمُل أن تأخُذ الوقت الكافي لكِتابة هذه الفِكرة ومُراجعتِها وتَلاوة سِفْر التثنية ثمانية وعشرون جنبًا إلى جَنْب مع إنجيل مَتّى خمسة لشَخْص تَعرفُه لا يزال يَعتقِد أنّ العَهد القديم قد مات وانتَهى و/أو أنّ طاعة أوامِر الله هي شيء من الماضي ولا مَكان له في حياة المؤمِن وأنّ طاعة أوامِر الله المَكتوبة هي ناموسيَّة وبالتالي يجب تَجنُّبها مِثل الطاعون، لأن ّهذا الشخص يَقِف على مُنْحَدَر زَلِق للغاية.
في الأسبوع القادِم سننظُر في قائمة اللعنات الواسعِة التي تُشكِّل الجزء الأكبَر من سِفْر التثنية الإصحاح ثمانية وعشرون.