21st of Kislev, 5785 | כ״א בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التثنية » سِفْر التثنية الدَرس الثاني عشر – الإصحاحان تِسعة وعشرة
سِفْر التثنية الدَرس الثاني عشر – الإصحاحان تِسعة وعشرة

سِفْر التثنية الدَرس الثاني عشر – الإصحاحان تِسعة وعشرة

Download Transcript


سِفْر التثنية

الدَرس الثاني عشر – الإصحاحان تِسعة وعشرة

سنُتابِع اليوم في سِفْر التثنية الإصحاح تِسعة. اسمَحوا لي أن أذكِّركُم أن سِفْر التثنية هو في الأساس عِظَة لموسى، ولذلك كنتُ (وسأستمِرّ) في تقديم سِفْر التثنية لكمُ على هذا الأساس.

من حقائق الحالة البَشرية أنه مَع مُرور الوقت يُعاد كِتابة التاريخ ويُعاد تَفسيرُه، وأحيانًا يَضيع تمامًا. ولا يَحتاج الأمْر في الحقيقة إلى فَترة زَمنيّة طويلة جدًا لحدوث ذلك؛ فغالِبًا ما يكون عَقْد من الزمن أكثَر من كافٍ لكي يُصبح التاريخ مُشوَهًا أو مُهمَلًا.

والدستور الأمْريكي مِثال على ذلك. وأنا أستخدِم هذا المِثال التَوضيحي لأنه قد يوضِح السَبب الرئيسي الذي جَعَل موسى يَقضي وقتًا طويلاً في إعادة النَظَر في تاريخ إسرائيل وعِلاقة العَهد مع يَهَوه.

تَتكوَّن مَحكمتنا العُليا التي تَتمثّل مُهمَّتها (نظريًا على الأقل) في تَفسير وتَطبيق الدُستور على نِظامنا القضائي الذي يجب أن يَعمَل في مُجتمع دائم التطوُّر من رِجال ونساء يؤمِنون بفَلسفتَين مختلفتَين. الفَلسفة الأولى هي فلسَفة أولئك الذين يؤمِنون بأنّ الدستور وثيقة حيَّة من المُفترَض أن تتغيَّر مع الزَمن، وبالتالي فإنّ الغرَض من المَحكمة هو إعادة تَفسير الدستور بل وتَعديلُه وِفق الاحتياجات المُجتمعية المُتطوِّرة. في المُقابِل، هناك قُضاة آخرون يَرَون أنّ الدستور مَكتوب على الحَجَر ويَعتقدون أنّ الغَرَض من المَحكمة هو التأكُّد ممّا كان يَدور في أذهان واضِعي الدستور وتَطبيق ذلك بأمانة على المَسألة المَطروحة مُقابل تَطبيق أفكارِهِم الخاصة. أي أنّ عليهِم البَحْث عن نِيَّة واضِعي الدستور وتَطبيق ذلك على كلّ قَضيَّة تُعرَض عليهِم.

هنا في سِفْر التثنية يُعيد موسى النَظَر في الناموس وتاريخ إسرائيل حتّى يَحصُل الجيل التالي (أبناء الجيل الأول من الخروج) على تَعليمات أكثر عُمقًا فيما يتعلَّق بفِكْر الله ومقاصِده من الناموس، وحتّى لا يُساء تَفسير معنى الناموس أو الأحداث التي بَنَت وحدَّدَت إسرائيل.

لاحِظ أنه قد مَرَّ أقلّ من أربعين عامًا منذُ أُعْطيت الشريعة لأوَّل مرَّة؛ ولاحِظ أيضًا أنّ موسى لم يكُن يُعطي إسرائيل شريعة جديدة أو مُتطوِّرة؛ كان ببساطة يَشرَح الشريعة القائمة، وكيف سيَعمَل المبدأ الأساسي الذي تَقوم عليه بمُجرَّد أن يترُك بنو إسرائيل خيامَهَم البَدَوية ويبدأون في حياة مُستقرَّة في كَنعان.

في أعماق أسفار المزامير والأنبياء سنَجِد نفْس الشيء: إنها تُذكِّر إسرائيل باستمرار بتاريخِها وعلاقتِها مع الله، وعلى الرُّغم من المَدّ والجَزْر، والصعود والهبوط، والتقدُّم المُستمِرّ في التِقنيات التي لا يزال الرَب يَنتظرُها من شعبه المُختار، عندما نصِل إلى العهد الجديد سنَجِد يسوع يفعَل ما فعَلهَ موسى من خلال إعادة النَظَر في الناموس ومبادئ الله في ضوء واقِع العَصر وظروفِه.

يُذكِّر المسيح أتباعَه بأنّ سِمات الناموس أو الجوهَر الإلهي الذي يَستنِد إليه لم تتغيَّر أو (لا سَمَح الله!) قد أُلغيَت. لقد سَبَق أن رسمتُ (في درْسٍ سابق) النَمَط المُباشَر والتوازي بين عِظَة موسى على الجَبَل (التي ندرُسُها حاليًا) وعِظَة يسوع على الجَبَل التي حدثَت بَعد ألف وثلاثمئة سنة. علينا أن نَفهَم أنّه عِند قدوم يسوع، كان قد مَرّ وقتٌ طويل على أيام إبراهيم ولم يَعُد المُجتمَع العبراني يُشبِه ما كان عليه أثناء الخروج. لكن كما هو مُتوقَّع، منذ إعطاء الناموس على جَبَل سيناء، كانت هناك مُحاولات عديدة من قِبَل العديد من الحُكماء العبرانيين والسُلطات الدينية لإعادة كتابة الناموس وإعادة تَفسيره وإعادة صياغتِه بما يُرضيهم. قرَّر الزعماء الدينيون اليَهود أنّ لديهم السُلطة والذكاء النُخبوي لتَعديل المعنى الكامِن وراء الشريعة وحتّى تَحريف المبادئ الإلهية الأساسية للتوراة لتَعكُس أجَنْداتَهم الشَخصية. وقد قَبِل جزء كبير من المُجتمع اليهودي هذه الطُرق الجديدة نِسبيًا في التَفكير (والتي كان بعضُها يَتعارض تمامًا مع قَصْد الخالِق) فقد أعيدت كِتابة تاريخ إسرائيل عدَّة مرَّات خارج نِطاق الكُتب المُقدَّسة.

كان في حوزتِهم السِجلاّت القديمة لتاريخهِم وكَلِمة الله الفِعلية كما وَرَدت في الأصْل: التاناخ، العهد القديم. لكنَّهم فَضَّلوا بدلاً من ذلك أن يَستنِدوا إلى أحكام مُثقّفي عَصرِهم الذين كانوا يُسَمَّون الحكماء والحاخامات، وقد جُمِعت هذه الأحكام في النِهاية في عَمَل من التقاليد المُقرَّرة التي تُسمَّى التلمود.

قليل مِن الأمْريكيين (على الأقل الأمْريكيون الذين تَقُلّ أعمارُهم عن خمسين عامًا تقريبًا) قرأوا تلك الوَثيقة القصيرة نوعًا ما التي هي أساس مُجتمعنا بأكملِه (الدُستور). عندما كنت في المدرسة الابتدائية (منذ زَمن طويل) كانت قراءة الدُستور وحتّى إجراء امتحان بشأنِه إلزاميًا. وبمُرور الوقت أصبَح الدستور شيئًا غير مَفهومٍ وقريبًا من التقادُم، ولذلك نُفضِّل بدلًا من ذلك أن نترُك لمُمثِّلينا المُنتخَبين (وغالبًا ما يكونون رجالًا غير مُنتخَبين يُطلَق عليهم قُضاة) أن يقرِّروا ويُخبرونا بما تَقوله تلك الوثيقة ومَعناها. هذه هي الطريقة التي كانت ولا تَزال بشكلٍ عام قائمة عند الشَعب اليَهودي فيما يتعلَّق بالتَوراة وشريعة موسى، فهُم يفضِّلون كثيرًا قراءة مُدوَّنات التقاليد، ومُمارسة أحكام الحُكماء والحاخامات بإخلاص، على الرجوع مُباشرة إلى كَلِمة الله والطاعة لها. ليس من المُستغرَب أن تكون المسيحية قد اتَّبَعَت إلى حدٍ كبير نفْس المَسار وتُفضِّل كثيرًا التعاليم التي وَضَعها مؤسسو طائفتنا على ما َيقوله الكتاب المُقدَّس، لأنه على الرُّغم من أننا قد نكون مٌخلَّصين، إلا أننا ما زلنا بَشرًا أيضًا.

لذلك بينما نُتابِع اليوم في الإصحاح التاسع من سِفْر التثنية سنَجِد موسى يُذكِّر الشَعب بأشياء حدثَت قَبل بِضع سنوات فقط؛ ليس فقط لأن هذا كان جيلًا جديدًا يَحتاج إلى سَماع ذلك، ولكن لأنّ (كما سنرى سريعًا) هؤلاء الإسرائيليين التائهين كانوا قد بدأوا بالفِعل في إعادة كتابة التاريخ وتَبنّي أفكار غَريبة حول مَاهية علاقتِهم مع يَهَوه. وسنَرى لماذا حدَث هذا التَحريف في المَقام الأول.

دعونا نُعيد القراءة من سِفْر التثنية الإصحاح تسعة الآية ستّة إلى نهاية الإصحاح.

أعِد قراءة سِفْر التثنية الإصحاح تسعة الآية ستّة إلى النهاية

لقد انتَهى موسى للتوّ من أن يَشرَح لِبَني إسرائيل أنّ الشيء الوحيد الذي يَفصِلهُم عن الجميع هو أنّ الله اختارَهم. وأنه لم يَخترْهُم لأنه كان لديهِم نوع من البِرّ المُتأصِّل الذي لم يكُن لدى الآخرين أو لأنهم قاموا بأعمال أفضَل أو حَقَّقوا مستوى روحي أعلى بسبب استحقاقِهم الخاص. بل كانوا بالأحرى مَحظوظين بِحُبّ الخالِق واهتمامِه الخاص من أجْل العهد الذي قَطَعه قَبل قرون على الآباء إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

بدءًا من الآية سَبعة، يَسرُد موسى أدِلَّة تاريخية لا جِدال فيها كدليل للشَعب على أنه لم يَستحِقّ شيئًا، ولم يَكسَب شيئًا، ولم يَستحِقّ شيئًا سوى غضَب الله؛ ومع ذلك فقد نال بدلاً من ذلك رحمتِه وبَرَكتِه الكبرى.

يقول موسى إنّ بني إسرائيل، فَور أنْ وطأت أقدامَهم خارِج مصر، بدأوا يتمرَّدون على الرَب. ثم فَعلوا ذلك مرَّة أخرى في حوريب (اسم بديل لجَبل سيناء). عند الوصول إلى سيناء دعا يَهَوه موسى إلى الصعود إلى القِمَّة لتَلقّي الشريعة؛ ولكن بينما كان موسى في الأعلى في خِضَم قَطْع العَهد مع الله وتلقّي شروط ذلك العَهد (الشريعة)، كان الشَعب في الوادي يَنقُض تلك الشروط نفسَها!

بينما كان موسى بَعيدًا، بنى بنو إسرائيل عجلًا ذهبيًا، رمْزًا للإله، وصَنَعوا صورة منحوتة مَحظورة. كان هذا بلا شك ثور إيزيس، عِبارة عن صورة إلهية مَصرية رفيعة كانت شائعة في حياتِهم اليوميَّة في مصر وشيء كانوا يألَفونه كثيرًا. اسمَحوا لي أن أستغِلّ هذه اللحظة لأذكِّركُم بشيء وثيق الصِلة بالكنيسة الحديثة وفي نفْس الوقت يُساء فهمُه بشكل رَهيب: كان الحيوان يُستخدَم غالبًا كرَمز للإله في العالَم القديم. لم يكُن الأمْر (بشكل عام) أنهم كانوا يَعتقدون أن حيوانًا مُعيَّنًا كان في الواقِع إلهًا. بل كان يتمّ اختيار حيوانات مُعيَّنة لأنها كانت مُرتبِطة بصِفات مُعيَّنة كانت مَوضِع إعجاب. كانت الثيران كبيرة وقَويّة ولذلك كانت صِفات الإله إيزيس مَربوطة برَمْزيّة قوة الإله إيزيس وتَماثيل الثيران. كانت الأرانِب تُستخدَم في كثير من الأحيان لترمُز إلى الخصوبة ولذلك غالبًا ما كانت آلهة الخُصوبة تُصوَّر بمَلامح الأرانب؛ ولكن لم يكُن يُعتقَد أنّ الأرانِب في الواقِع آلهة. لذلك في العالَم القديم كانت مُعظم الأصنام والرموز الحيوانية هي بالضَبط….رموز…… تَمثيلات …… وليس آلهة حقيقيّة. وبينما كان هذا يَختلِف قليلًا من ثقافة إلى أخرى، إلا أنّ الأمْر ليس مُختلفًا اليوم في بعض الكنائس الأرثوذكسية الشَرقية والكنيسة الكاثوليكية حيثُ التماثيل تُمثِّل يسوع أو مريم أو بعض القِديّسين العظماء القدماء، لكن لا يَسود الاعتقاد (بشكلٍ عام) أنّ التَماثيل هي في الواقِع يسوع أو مريم أو بعض هؤلاء القِديسين.

لذلك عندما يأمُر الرَب في الوصية الثانية بعَدم صُنْع صورة مَنحوتة له، ثم يَمضي في وَصْف كل الأشياء التي لا يَنبغي أن تُستخدَم، فإن الأمْر لا يَعني أنّ الناس سيَعتقدون أنّ تلك الصورة المَنحوتة هي هو بالفِعل، بل أنّ شيئًا مَخلوقًا يُستخدَم لتَعريف أو توضيح أو ترميز صِفة إلهية له. هذا هو الخَطَر المُباشر الذي يجِب أن ننتبِه إليه نحن المَسيحيين المُعاصرين دائمًا عندما نُفكِّر في صُنع أيقوناتنا ورموزِنا الدينية ونُبرِّر كل ذلك بالتفكير ”حسنًا، أنا لا أعبُد هذا الرَمز أو أعتقِد أنه هو الله بالفِعل“. كذلك الأمْر بالنسبة للناس في العصور القديمة ولكن الرَب ما زال يُسمّيهم عَبَدة أوثان. يَكفي ما قيل.

لقد تطرَّقتُ في الأسبوع الماضي إلى المَشهد الذي وَصَل فيه موسى إلى أسْفل الجبل، ورأى الناس يَرقصون حول العِجل الذَهبي، وحَطَّم لوحا العَهد الحَجريّان اللذان كان قد استَلمَهما للتو من يَهَوه. افهَموا: في تلك اللحظة، تم إلغاء العَهد الذي مَضى عليه أيام. العَهد لم يُنتهَك فحسب، بل أصبَح الآن لاغيًا وباطِلًا؛ هذا هو المَعنى المُتعارَف عليه في الشَرق الأوسط لتَحطيم الألواح التي كُتِبت عليها شروط العَهد. اسمحوا لي أن أقول ذلك مرَّة أخرى: إنّ عَهد الناموس الذي أعطاه الله لموسى قد انتَهى في تلك اللحظة.

ثم يَمضي موسى ليَقول إنّه نتيجةً لإلغاء العَهد، لم تَعُد هناك حاجة فِعلية لوجود إسرائيل! كان من المُفترَض أن يكون شعب إسرائيل هو وَكيل الله الأرضي لتَنفيذ العَهد الذي سيؤدّي إلى فِداء البشَرية، ولكن الآن لم يَعُد هناك عَهد ليتمّ تَنفيذُه. لذلك يقول الله لموسى أنه سيَقضي على إسرائيل ويُشكِّل شعبًا جديدًا للعهد، وكلُّه من موسى نفسِه!

لاحِظوا شيئًا آخر: كان أهارون، أخو موسى، الذي كان رئيس الكهنة، سيُهلَك أيضًا. إذَن حتّى السُلالة الكهنوتية لم تكُن لتَستمِرّ. لم نَرَ في سِفْر الخروج أنّ هارون قد خُصَّ بالهَلاك بسبب دورِه في عِبادة العِجل الذَهبي للأصنام، ولكنّنا هنا نرى ذلك.

بِناءً على هذا التهديد يبدأ موسى بالتَضرُّع إلى الله لكي لا يَفعل مِثل هذا الشيء، وأن يغفِر لشعبِه ويَرُدَّهمُ إلى ما كانوا عليه، ثم يَتراجع الله. ربّما نرى هنا أعظم لحظة تَشَفُّع من موسى من أجْل إسرائيل في التوراة كلِّها؛ أعظَم من كونِه أداة الله للمُعجزات والغَضَب في مصر، لأنّ الشيء الوحيد الذي أنقَذَ حتّى رئيس كهنة إسرائيل، ناهيك عن إسرائيل نفسِها، هو أنّ موسى كان وَسيط إسرائيل المُعيَّن. كان موسى وَحدُه يَستطيع أن يتوسَّط بين الله والإنسان. صَلّى موسى إلى الرَب وطَلب مِنه أن يتذكَّر أنّ هذا الشعب قد تَمّ افتداؤه بالفِعل، وأنه قد تمّ تَمييزُه ليكون شَعب الرَب الخاص. طلَب موسى من الرَب أن يتذكَّر وَعدَه للآباء، وأن يَغفِر شرور الشعب؛ لأن الرَب نفسه هو الذي فَعَل كل هذه الأمور العَظيمة لهذا الشعب، ولذلك فإنه ببساطة يَتراجَع عن وْعدِه المُقدَّس ويُظهِر لبَقيّة العالَم أنه غير قادِر على تَنفيذ خطَّتِه.

هنا نحصُل على النمَط الدقيق الذي سيَظهَر في النهاية من خلال يسوع مَسيحنا. الشيء الوَحيد الذي يُمكن أن يخلِّص أي إنسان هو وَساطة إنسان مُعيَّن خصيصًا. وهذا لأن الناموس يَقول إنَّ تَعمُّد الخطيئة ضد الله هو خطيئة مُتعمَّدة، والخطيئة المُتعمَّدة ليس لها إمكانية للتَكفير. من يَستطيع أن يَقِف بين الله والإنسان في خُصومة؟ فقط الوَسيط الذي عَيَّنه الله، وفي كلّ التاريخ، عَيَّن الله اثنين فقط: موسى ويسوع. ومع ذلك فهُما ليسا على قَدَم المساواة. لأنّ موسى لم يكُن إلا إنسانًا بنسبة مئة بالمئة لكن المَسيح كان إنسانًا بنسبة مئة بالمئة وإلهًا بنِسبة مئة بالمئة.

موسى لم يُناشِد يَهَوه على أساس بِرّ إسرائيل ليُخلِّصها من غضَب الله العادل، بل ناشَد على أساس بِرّ الله. ناشَد يسوع بنفْس الطريقة بالضَبط. لقد قلتُها من قَبْل وبلا اعتذار أقولها مرَّة أخرى: لم تَتوقَّف شرورُكم وشروري عند فداءنا أكثر مما توقَّفَت شرور إسرائيل. ومع ذلك فإنّ هذا الفِداء يجلِب معه حُكمًا خاصًا أمام الرَب؛ أنّ الخطايا الناتِجة عن شرورِنا يمكِن أن تُغفَر. دعوني أقول ذلك مرَّة أخرى: الفِداء فقط يَجلِب معه القدرة على غُفران تلك الخطايا. لم يكُن لدى أي شخص في الأيام القديمة خارِج أمَّة إسرائيل أي وَسيلة على الإطلاق لمَغفِرة الشرور. لا أحَد. منذ مَجيء المسيح، لم يكُن لدى أي شخص غير أتباعِه أي وسيلة لمَغفِرة الأعمال الشريرة. لا أحَد. لكن لا تَتغطرسوا أو تَتهاونوا، لأنّ الخطيئة المُباشَرة ضِدَّ الله التي تُسمَّى ”خطيئة التَمادي“ تُسمّى ”التَجديف على الروح القُدُس“ في العهَد الجديد؛ ولهذا لا يَكفي حتّى دَم يسوع.

بقَدْر ما أحِبّ الشَعب اليهودي وأؤيده وأدعَمُه وأدافِع عنه، لا توجَد وَسيلة خارِج يسوع لمَغفِرة خطاياه. لا توجَد خطَّة خلاص واحِدة لليَهود، وخطَّة خلاص مُنفصِلة للجَميع. كان المَقصود دائمًا بخطَّة الخلاص للشعَب اليَهودي أولًا؛ كلّ ما في الأمْر أنّ الرَب وَفَّر طريقة للأجنبي، الوثني، ليُضَم إلى تلك الخِطّة. سنتحدَّث عن هذا أكثر قليلاً بعد بضع دقائق.

دعونا نَنتقِل إلى الإصحاح العاشر من سِفْر التثنية؛ ولكن بينما نَقرأ هذا الإصحاح، تذكَّروا هذا الأمْر المُهمّ: إنّ العهد الذي صاغَه الرَب على قِمّة جبل سيناء قد أُلغي رَمزياً للتوّ عند قيام موسى بتَحطيم هذين اللوحَين الحَجرِيَين المُزيَّنين بالوصايا العشر.

اقرأ الإصحاح عشرة من سِفْر التثنية كله

خِطّة الخلاص مُصمَّمة من أجل البَشر، عَمِل الرَب على البشر لتَحقيقها. لذلك نرى الآب طوال التَاريخ البَشري يَعمَل بِرَّه من خلال المؤسسات والمُجتمعات البشرية. إذًا لا يَنبغي أن يَكون مفاجئًا أنه بما أنّ العهود قد وُضِعت وأُلغِيت بطُرق عُرْفية مُعيَّنة، لذلك، نرى تلك الطُرق القديمة تُستخدَم من قِبَل الرَب لإنشاء عَهدِه مع إسرائيل. يُقال إنه إذا لم يَتمكَّن المُتحدِّث من إيصال رسالتِه إلى جمهورِه فهو لا يَتواصَل، بل يَتكلَّم فقط. لم يكُن أمام الرَب خَيار آخر سوى التَعامُل مع بشر أقل شأناً بطُرُق يمكننا أن نَفهَمَها (وإلا لما كان لدينا أي فكِرة عما كان يوصِلُه).

أخبرَني رَجُل مؤخرًا أنّ عبارة مُعيَّنة استخدمتُها الأسبوع الماضي (قائلاً إنّ الله كان ”يَعمل بِرَّه“ من خِلالنا)، أزعَجَتْه. شرحتُ له أنّ هذه العقيدة لم تكُن عَقيدة توم برادفورد؛ بل كانت عِبارة لاهوتية مَسيحية نموذجية. لا يجِب أن تؤخَذ بالطريقة نفسِها التي قد نُفكِّر بها إذا كنا نتحدَّث عن إنسان ”يَعمَل بِرَّه“. عندما يُقال إنّ الإنسان يَعمَل، فهذا يعني عموماً أنه يُحاوِل بنشاط (يحاول أن يَفعَل شيئاً ما). لكنَّها تَحمِل بطبيعتِها فكرة أنّ ما يَعمَل الإنسان من أجلِه قد يتحقَّق أو لا يَتحقَّق بالطريقة التي كان يأمَلُها، أو قد لا يَتحقَّق على الإطلاق. ليس هذا ما تَعنيه الإشارة إلى أنّ الله ”يعمَل بِرَّه“.

إن الرَب يعمَل بِرَّه يعني أنّ كل ما يُحدِّد بره، هو يسَتخدمُه لقَوْلَبة وتَشكيل وإنجاز خُططِه (عادةً عن طريق تَوجيه التاريخ البَشري). عندما أقول إنّك بِصِفَتِك تلميذ ليسوع فإنّ الرَب يعمَل بِرَّه فيك، أعني أنه بما أنّ خُطَّته للبشَرية تتَضمَّن غفران خطاياك حتّى يتمكَّن من إقامة علاقة حَميمة مَعك، فإنّ تَقديم الله نفسِه لك، وَوضْع الإيمان فيك، والتواصُل معك، هو طريقة عَمَلِه لبِرِّه. والفكِرة هي أنه ليس بِرًّا بشريًا مَخلوقًا من شرورِنا البشرية الطَبيعية المَولودة فينا؛ بل هو حَرْفيًّا بِرّ الله من العلاء الذي يغمُر ويَغلِب طبيعتنا الطبيعية الخاطئة. لذلك يمكننا أن نَكون أدوات في يَد الله بينما يَمضي في عَملِه للبِرّ، ولكن لا يُمكنُنا أبدًا أن نتطَلَّع إلى بِرِّنا الخاص (الذي لا يَملُكه أحد منا) لنُساعِد الله.

أعترِف بكل سهولة أنّ عبارة ”الله يَعمَل بِرَّه“ غير كافية للتَعبير بشكل كامِل عن ماهية بِرّ الله أو كيف يَستخدِم (بشكل غامض) إرادات البَشر الحرَّة وطباعَهُم الشريرة المُتأصِّلة التي عادةً ما تكون معارضِة له، ليَنتهي بهِم الأمْر في الواقع إلى تَنفيذ خُطَطِه. لكن إلى أنْ أجِدَ كَلِمات أفضل، هذه هي الكَلِمات التي سأستخدِمُها.

إذًا، بما أن الله يتواصَل معنا بطُرق مُبسَّطة، وبما أنّ العَهد الذي تمّ للتو على جَبل سيناء قد أُلغي الآن، فما الذي كان يجب فَعْله؟ حسنًا بسبب شفاعة موسى، قرَّر الرَب أن يَمضي قُدُمًا ويُبقي إسرائيل كشَعب عَهْده؛ ولكن هذا يَعني أنّ العَهْد (الذي تم إلغاؤه الآن) يجب أن يُقطَع مرَّة أخرى؛ يجب إعادة تأسيس العَهد من جديد. ما نشهدُه بدءًا من الآية واحد من الإصحاح عشرة هو إعادة تأسيس ذلك العَهْد؛ وهذا العَمَل يُعبَّر عنه بأمْر الرَب لموسى أن يَقطَع لوحَين جديدَين من الحَجر ليَحلَّا مَحَلّ اللوحَين المَكسورين، وأن يأتي بهذين اللوحَين الفارِغين إلى قِمّة جبل سيناء لكي يُعيد الرَب العهد وجميع شروطِه.

أريدُكم أن تلاحِظوا شيئًا ما هنا: العَهد الذي قَطعَه الرَب مع إبراهيم، ثم انتقَل إلى إسحق ثم إلى يعقوب لم يكُن أبدًا في خَطَر. لم يكُن ذلك العهد هو موضوع المُناقشة هنا في سِفْر التثنية، لسَبب واحد أنّ ذلك العَهد لم يكُن سوى وَعْد من الله؛ لم يكُن هناك أي مُقايضَة. لم يكُن هناك شيء يُمكِن للبَشر، أو لإسرائيل، أن يَفعلوه لخَرْق ذلك العَهد وبالتالي إلغائه. لم يُخلَق عَهد موسى على جبل سيناء ليَحُلّ مَحَلّ عَهد إبراهيم؛ بل خُلِقَ ليُحقِّق عهد إبراهيم. تَذكَّر قول الرَب أنه سيَنقُل الكنعانيين من أجْل إقامة إسرائيل في كنعان من أجْل إتمام وعدِه (عَهدِه) لإبراهيم.

لاحِظ في الآية واحد أنّ الرَب يقول: ”اصْنَع لي لوحين من حَجر كالأوَّلَين“؛ هذه لُغة توضِح أنّ العهد المُتجدِّد كان يجب أن يكون بالضبط نفْس العَهد الذي تم إنهاؤه. هنا أذكُر واحدة من أكثر سَلاسل التَفاسير القِياسية للكتاب المُقدَّس (وواحدة من أفضلِها) هي سِلسلة تيندال. تحدّث ج. أ. طومسون الذي كان أحد المُساهمين في هذا التَفسير الشامل وعن إنهاء العهد ثم استِعادة عهد جبل سيناء، ثم قارَنَه بما يُسمّى بالعهد الجديد في المَسيح الذي نُسمّيه عادةً العهد الجديد. بما أنه يُشير إلى إرميا الإصحاح واحد وثلاثين من الآية واحد وثلاثين إلى أربعة وثلاثين، اسمحوا لي أن أقرأ لكم ذلك قَبْل أن أعْطيكُم تعليقَه:

عن ترجمة الكتاب المُقدَّس الأميركية النموذجية الجديدة، إرميا الإصحاح واحد وثلاثين من الآية واحد وثلاثين "هُوَذَا أَيَّامٌ آتِيَةٌ، يَقُولُ الرَب، حِينَ أَقْطَعُ عَهْدًا جَدِيدًا مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتِ يَهُوذَا، اثنان وثلاثين لاَ كَالْعَهْدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَخَذْتُهُمْ بِيَدِي لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، عَهْدِي الَّذِي نَقَضُوهُ، مَعَ أَنِّي كُنْتُ زَوْجًا لَهُمْ، يَقُولُ الرَب. ثلاثة وثلاثين ”وَلكِنَّ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَب: “أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً. أربعة وثلاثين ”وَلاَ يُعَلِّمُونَ أَيْضًا، كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلاً: ’اعْرِفِ الرَب‘، لأَنَّهُمْ جَمِيعًا سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ أَصْغَرِهِمْ إِلَى أَكْبَرِهِمْ، يَقُولُ الرَب، ’لأَنِّي أَغْفِرُ إِثْمَهُمْ وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ‘.

ج. أ. تومبسون هو أستاذ مَعمداني في معهد اللاهوت المَعمداني في ملبورن بأستراليا، وإليكُم تَعليقهُ:

حتّى في يوم التَجديد العظيم الذي يتصوَّرُه إرميا (إرميا الإصحاح واحد وثلاثين من الآية واحد وثلاثين إلى أربعة وثلاثين) فإنّ نفْس الناموس هو الذي سيُكتَب على القَلْب، ناموس الله الأبدي. المَعنى هو أنّه ستكَون هناك شريعة جديدة في ذلك اليوم لكنّها ستُدار بشكل مُختلف، وسيَكون لها وسيط مُختلف، لكنَّها ستَكون في الأساس نَفس العَهد….“

لذا فحتّى مُفسِّر تيندال الإنجيلي المُحافِظ يرى بسهولة أنّ أي فِكرة حول أنّ الناموس القَديم (العَهد القديم) قد تمّ إلغاؤه وأنّ شيئًا جديدًا تمامًا (أي مُختلفًا بِحُكم التعريف) قد تم إنشاؤه غير وارِد من الناحية الكتابية سواء في العَهد القديم أو العَهد الجديد.

لاحِظ في إرميا واحد وثلاثين الآية ثلاثة وثلاثين أنّ الرَب يَقول، ”سأضَع شريعتي فيهُم…..“ أي شريعة؟ الشَريعة الوَحيدة المَوجودة أو التّي كانت مَوجودة. كيف يُمكِن أن يضَع الله في الإنسان شيئًا لم يَعُد موجودًا؟ كيف يمكِن للناموس أن يَكون قد مات وزال، ولكن الله سيَضَع ذلك الشيء المَيت والزائل في داخِلنا؟ هل سنَستمِرّ، نحن الذين ندَّعي أنّ الله لا يَتغيَّر أبدًا، في التأكيد على أنه قد تَغيَّر بالفِعل، لكن هذا التَغيير بالذات لا يُعتبَر تَغييرًا؟ وأنه خَلَق ناموسًا واحدًا ثم نَسَفَه وألقى به بعيدًا، وخَلَق ناموسًا جديدًا مُختلفًا تمامًا عن الأوَّل؟ شريعة جديدة تَنُصّ على أنّه لا حاجَة بعد ذلك إلى الطاعَة؟ ما معَنى الناموس إذا لم يكُن هناك حاجة لاتباعِه (إذًا فهو ليس ناموسًا على الإطلاق)؟ هل أنشأ الرَب ناموسًا جديدًا يقول إنني أريدُك أن تَحصُل على تأمينِك ضِدّ النار في صورَة إيمانِك بيَسوع، وبَعد ذلك يمكنُك أن تَذهَب في طريقِك ولا أتوقَّع منك شيئًا آخر؟ هل تتذكَّر أنني بَيَّنتُ لك في شريعة التثنية ستّة أنّ الشريعة الأصلية في جَبل سيناء كانت أيضًا ”مَكتوبة على القَلْب“ تَحديدًا؟ لذا فإن القول بأنّ الطريقة التي تَختلِف بها الشريعة، هي أنّ القديمة لم تكُن مَكتوبة على القَلْب ولكن الجديدة كانت مَكتوبة على القَلْب، هو ببساطة غَير دَقيق من الناحية الكِتابية. هل علينا إذَن أن نَستجيب فقط لما قد يُقرِّر الله أن يُرينا إياه ”في قلوبِنا“، كأفراد (أي أن يَكون لكلٍّ مِنا مجموعة قوانينِه الشَخصية الخاصة) ما هو الصَواب والخطأ؟ مرَّة أخرى هذا ليس كتابًا مُقدَّسًا (وقد قرأته بنفسِك)؛ بل هي ببساطة فلسفة يُفضِّلهُا البشر كثيرًا.

لاحِظ أيضًا نُقطَة حَرِجة إلى حدٍ ما؛ من هُم أطراف هذا العَهد الجديد ؟ الله وبيت إسرائيل وبيت يهوذا. هل ذُكِر أي شيء عن الأجانب أو الوثَنييّن؟ لا. سنَعود إلى ذلك.

على أيّة حال، في الآيات ثلاثة إلى خَمْسة يقول موسى إنّه أطاع تَعليمات الله، فصَنَع تابوت العهد كما قيل له، ثمّ وَضَع تلك الألواح الجَديدة داخِله. ثمّ في الآية ستّة نَجِد أنّ شعب إسرائيل ترَك جبل سيناء ومَضى في طريقِه مُستخدِماً أسماء أماكن لم تَذكُرها التوراة من قَبْل: بيروث بن جاكان وموسرة. تذكَّروا أنّ هارون مات في موسرة وتَولّى إليعازر ابنُه مَنصِب رئيس الكهنة.

لاحِظ شيئًا لطالما رآه عُلَماء الكتاب المُقدَّس اليَقظون: لم يَكتُب موسى الآيات ستّة إلى تسعة. لقد أُدْرِجت هذه الآيات بعد موت موسى (ونحن لسنا مُتأكدّين من ذلك).

كل ما كُتِب كان بِضَمير المُتكلِّم (أنا، أنا). وفجأةً في الآية ستّة يتحوَّل السَرْد إلى ضمير الغائب، ”هُم“ (أي بني إسرائيل). وفجأة في الآية عشرة يَستأنف موسى الحديث بضَمير المُتكلِّم.

من المَعروف دائمًا أنّ موسى لم يَكتُب التوراة كلَّها رغم أنه يُشار إليها أحيانًا باسم شريعة موسى، أو أسفار موسى الخمسة، أو يُقال بشكل عام

أنّ موسى كَتَب التوراة. سنَرى لدينا العديد من المواضِع التي لم يَكتُبها موسى لأنها تتحدَّث عن موتِه وما حَدَث بعد ذلك. وهنا في هذه المَقاطع بالذات يرى بعض المحرِّرون أنه كان يجِب إدراج تَفسير لسَبب عدم حُصول اللاويين على ميراث الأرْض. هذه ليسَت مُشكلة بأي شكلٍ من الأشكال، فهي تتَّفِق تماماً مع ما نقرأه في كلٍ من سِفْر الخروج وسِفْر العدد حَول هذا المَوضوع.

ولكن على سبيل المُراجعة السريعة (لأنّ مَوضوع اللاويين وميراث الأرض هو قضيَّة مُهمَّة تُشكِّل بقية الكتاب المُقدَّس حتّى سِفْر الرؤيا)، فكَما فَصَل الله بني إسرائيل عن بقيَّة العالَم ليجعلَهُم شعبًا مُنفصِلاً له، هكذا فَصَل سبط لاوي عن بَقيَّة إسرائيل ليَكون كهنوتًا مُنفصِلاً له. في كِلتا الحالتَين تمَّ انتخاب إسرائيل ثم سِبط لاوي ليتمّ تَمييزهُم عن بقية بني إسرائيل بإعلان من الله ولم يكُن له علاقة على الإطلاق بالاستِحقاق أو بمستوى فريد من البِرّ. على الرُّغم من أنّ العِبرانيين قد تمّ تمييزُهم لم يَتوقَّفوا عن كونِهم بَشرًا يَعيشون على كوكَب الأرض ويتشاركونَها مع الجميع؛ لكنهَّم أُعْطَوا هدَفًا مُختلفًا ومكانة مُختلفة وحتّى أرضًا مُميَّزة. لذلك على الرُّغم من أنّ اللاّويين قد تَمّ تَمييزُهم عن إسرائيل إلا أنّهُم لم يتوقَّفوا عن كونِهم عبرانيين؛ لكنَّهم أُعْطوا هدفًا مُختلفًا وَوَضعًا مُختلفًا عن الأسباط الاثني عشر الأخرى. نحن كمؤمنين بيَسوع لم نتوقَّف عن كونِنا بشرًا ولم نتوقَّف عن العَيش في العالَم؛ ولكننا أُعطينا غَرَضًا ومَكانة مُختلِفة عن أولئك الذين لا يؤمِنون. ويَتمّ هذا الغَرَض الخاص والمَكانة الخاصة عن طريق إعلان الرَب ولا شيء آخر.

ونتيجةً لهذه المَكانة الخاصّة التي أُعْطيت للاويين ليَكونوا مُرافقين ليَهَوه، لم يُسمَح لهم بالمُشاركة في ميراث الأرض الذي حَصَلت عليه بقيَّة بني إسرائيل، بل كانت هذه الَمكانة الخاصة في حدِّ ذاتِها ميراثاً لهُم. وضُمْن هذه الآيات المدرجة (ستّة-تسعة) نَحصُل أيضًا على مَعلومة مُهمَّة جدًا: وهي أنّ على اللاويين القيام بثلاث وظائف رئيسيَّة. أولاً، عليهِم أن يَحمِلوا تابوت العَهد. ثانيًا، عليهم أن يَقِفوا أمام الرَب. ثالثًا، عليهِم أن يُبارِكوا اسْمَه القُدّوس.

اللاويون هم الوَحيدون الذين يُمكنُهم حَمْل تابوت العهد، وأي شخص آخر يَفعل ذلك يُقتَل. واللاويين فقط مَسموحٌ لهم أن يلمِسوا أعمدة الحَمْل التي تنزلِق من خلال حَلَقات مصبوبة في التابوت لغرَض النَقْل.

الوقوف أمام الرَب“ هو تَعبير عبري يَعني الخِدمة بصِفة رَسميّة وأن يُبارَك اسمُه القُدّوس يعني أنّ الكهنة اللاويين هم الوحيدون المَسموح لهم بأداء الطقوس القربانية ليَهَوه.

من هذه النِقطة فصاعِدًا (بدءًا من الآية الثانية عشرة) يوجِّه موسى دعوة لالتزام شَعب إسرائيل بطاعة كل ما طَلبَه الله؛ لأن الآية الثانية تَبدأ بهذا السؤال البَلاغي ”والآن يا بَني إسرائيل، ما الذي يَطلِبه منكُم يَهَوه إلوهيمكم"؟ سؤال قصير، وآثاره ضَخمَة لأن الشعب على وشك أن يُطلَب مِنه قرار شَخصي في هذه القَضية. كانت فَداحة القرار هي هذه: الموافَقة على قبول البَرَكات المَنصوص عليها في التوراة؛ أما الرَفْض فيعني تَجرِبة اللعنات.

هنا نَرى إحدى المبادئ المَنسيَّة المَوجودة في الكتاب المُقدَّس؛ هنا قد ذَكَرنا بلُغة مُباشَرة بأنّ الشَرط ليس على كيفية الفِداء، بل على كيفيَّة عَيش الحياة المَفديّة في انسِجام مع الفادي بعد أن تَمّ افتداؤنا. دعني أطرَح عليكَ سؤالاً بلاغيًا: هل تُريد أن تَعيش في وئام وَسلام مع الله طوال حياتِك؟ أَم تُريد فقط أن تتأكَّد من الخلاص ولا شيء أكثر من ذلك؟ إذا كنت تُريد فقط أن تكون مُتأكِّدًا من الخلاص، فهذه الآية بالتأكيد ليسَت مُوجَّهة إليك. إذا كنتَ مُهتمًّا بمعرِفة ما يتوقَّعُه الرَب منك كشخص مُخلَّص، فأرجو الانتباه:

يقول موسى رَدًا على ما يَطلِبه الرَب من شعبِه: أ) اتَّقوه، ب) اسلُكوا طُرقَه، ج) أحِبّوه، د) اخْدُموه، هـ) احفَظوا (أطيعوا) وَصايا الرَب وشرائعه.

يا قَوم هذا ليس للناس الذين ليسوا له. هذا ليس للوثنييّن. لم يَطلُب الرَب من غَير المؤمنين أن يَتّقوه أو يُطيعوه. لكن بالنسبة لأولئك الذين يَعتمِدون على يسوع لديه هذه المَطالب الخَمسة الأساسية منا. دعونا نَقولها مرة أخرى: اتَّقوا، اسْلكوا، أحِبوا، اخدُموا، أطيعوا (احفَظوا).

سأتعرَّض لمشاكل مع بعضِكم بسبب هذا، لكن لاحِظوا أنّ ”المَحبَّة“ ليست المَطلَب الوحيد. ومن المُثير للاهتمام أنه على الرُّغم من أنه سيُقال لنا في بداية سِفْر التثنية ولاحقًا في العَهد الجديد أنّ التوراة يُمكن تلخيصها بـ ”أحْبِب يَهَوه إلهَك بكلّ ذهنِك ونفسِك وقوّتِك….“، إلاّ أنّه في آيات أخرى يُقال لنا مِرارًا وتَكرارًا ما هو تَعريف الله لمَحبَّتِه. وهذا هو المكان الذي نقَع فيه في وَرْطة؛ فنحن نُصِرّ على أن نُقرِّر بأنفسِنا كيف نُحبُّه. يقول الرَب أولاً وقَبْل كل شيء أنّ التعبير عن مَحبَّتِه التي يَطلبُها من كلِّ واحِدٍ منّا هو طاعة أوامِره. ولكن، في سِياق آخر، هذه المَطالب الخَمسة التي

يضعُها علينا….. أن نَتّقي ونَسير ونُحِبّ ونَخدُم ونُطيع….. كلُّها مُترابِطة ومُتشابِكة. إنها ليست صَفَقة يمكننا أن نَختار أفضَل ثلاثة من أصل خمسة ونَنسى الباقي. الإنسان الذي يُحِب الله، يَتَّقيه ويَسير في طُرقِه ويخدُمُه ويَحفَظ وصاياه.

كل هذه المَواقِف مُترابِطة ترابُطًا عُضويًا. المَبدأ الأساسي هنا واضِح للغاية: لا يُمكِن فَصْل عبادتِنا لله، والطريقة التي نَعيش بها حياتَنا، وتَجزئتَها (على الرُّغم من أننا نُحاول باستِمرار، أليس كذلك؟)

سوف نَنتهي من الإصحاح عشرة ونَبدأ الإصحاح الحادي عَشر في المرَّة القادِمة التي نلتقي فيها.