7th of Sh’vat, 5785 | ז׳ בִּשְׁבָט תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التثنية » سِفْر التثنية الدرْس الثالث عشر – الإصحاحان عشرة والحادي عشر
سِفْر التثنية الدرْس الثالث عشر – الإصحاحان عشرة والحادي عشر

سِفْر التثنية الدرْس الثالث عشر – الإصحاحان عشرة والحادي عشر

Download Transcript


سِفْر التثنية

الدرْس الثالث عشر – الإصحاحان عشرة والحادي عشر

أنهَينا الأسبوع الماضي دراسَتنا لسِفْر التثنية عشرة بمناقشَة هذا السؤال الخِطابي ولكن القوي الذي طرَحَه موسى وهو واقِفٌ على قِمَّة تَلّ في موآب مُخاطبًا الشعب المُختار: ”والآن، يا إسرائيل، ماذا يطلب منك الرَب إلهك"؟

ويجيبُ موسى على سؤاله بهذه التَعليمات: يجِب على مَفديّي الله أن يَتّقوا يَهوَه ويَسيروا في طُرقِه ويُحبّوه ويَخدمُوه ويُطيعوا (أو يَحفظوا) شرائعَه وأوامِره. اتَّقوا، واسْلكوا، وأحِبّوا، واخدُموا، وأطيعوا. ولذلك سألتُكَ سؤالاً بلاغيًا خاصًا بي (وصدِّقني، هذا سؤال ثقيل): هل تَتمنّى فقط أن تنال خلاصَك ثم تَطفو في بقية حياتك غَير مُبالٍ بما يَفعل الله، مُعتقدًا أنّ خطاياك مُغطّاة على أي حال، وليس عليكَ أن تقلقَ بشأنِها؟ بمَعنى، هل تَعتقد حقًا أنك بِمُجرَّد أن تثِق في يسوع مَسيحنا، لن يَكون عليك أي التزاماتٍ أخرى تِجاهَهُ ولن تَكون هناك عواقِب لقراراتِك وأفعالِك؟ هل قرَّرت أنه يمكنُك أن تَفصُل تمامًا معرفَتِك بما فَعلَه من أجلِك عن عبادتِك له وعن الطريقة التي تَعيش بها بقيَّة حياتِك؟ دعني أقول دون تردُّد أو شَك: إنّ هذا التَضمين الدقيق مُنتشِر في الكنيسة الحديثة (خاصةً الإنجيلية الحديثة) بَل ويُثير التساؤل عمّا إذا كان أي شَكل من أشكال طاعة المؤمنين للكَلِمة المَكتوبة هو في الواقع ناموسية، وبالتالي أمْرٌ سيّئ. وأنا أتحدَّثُ، اليوم، مُعارِضًا بشدّةٍ هذه العقيدة الفاجِرة التي لا أساس لها سوى الرَغبة في إبعاد الكنيسة الأُمَمية عن التوراة العِبرانية وجَعْل حياة المَسيحي تبدو كما لو أننا منذ لَحظة خلاصِنا قد اكتَسبنا الحَق في أن نتواجَد فقط ونحن نَنتظُر فِعل السماء. يقول موسى: ”يا مَفديّي بني إسرائيل، لديكُم أمور عليكُم القيام بها“.

تقول المسيحية الحديثة، ”يا مَفديّي المَسيح، اعتزِلوا الآن ووَفِّروا طاقتكُم“.

لقد ناقشنا هذا الأمْر باستفاضَة في المرَّة الماضية لذا لن نكرِّرَه؛ ولكن يمكنكُم أن تَطمئنوا أنني لن أرْتاح حتّى أفعَل كل ما بِوسْعي لإقناعِكم بأنّ عليكُم التزاماتٍ تِجاه الرَب وأنّ مجرَّد الشعور بالحُب تجاهَه لن يَكفي كاستجابة مناسبة لعَطِيَّتِه التي لا مَثيل لها في الفداء. لقد أصبَحت العَقيدة السائدة في بعض الطوائف أنّ الله لا يَطلُب منا سوى الشعور بالمَحَبَّة في قلوبِنا وأنّ القيام بأي شيء آخر غير الاستِمتاع بصُحبة المسيحيين الآخرين، وربما حضور خِدمة العبادة من حين لآخر، هو في الواقِع أمْر سَلبي. أُذكِّرُكم: هنا في سِفْر التثنية يُعطي الله كل هذه التعليمات لشعبٍ قد افتداه بالفِعل. وهذا هو نَمَط الله الذي يَتدفَّق بطبيعة الحال إلى عصْرِنا كما هو الحال في كل أنماطِه. لقد افتدانا أولاً، وبعد ذلك أعطانا أوامِرَه وتعليماتِه.

أوامرُه وتعاليمُه ليست لأولئك الذين لم يُفتَدوا بالفِعل (المُخلَّصين في المُصطلحات المَسيحية). مرَّة أخرى: وصاياه وتعاليمِه (ما تُسمّيه الكنيسة بسُخرية ”الناموس“) ليست لغَرَض الفِداء. الفِداء هو هِبة مَجانية، تُمنح لِمَن يَختار الله أن يُعطيه إيّاه؛ وقد كان دائمًا هِبة مَجانية حتّى في زمن موسى. إنّ شرائع الله هي لإرشاد المَفْدِيّين إلى كيفية عَيش الحياة المُفتداة.

علاوةً على ذلك، يَطلُب الرَب أن تَكون هناك طريقة لإظهار المَحَبَّة. إحدى الأسئلة المُعتادة التي سيَطرَحُها مُستشار الزواج على الزَوْج والزوجة هو: كيف تريد أن يُظهَر لك الحُبّ؟ يُعاني معظم الرِجال في الإجابة على هذا السؤال (وغالبًا ما لا َيفهمون حتّى معنى ذلك)، ولكن مُعظمُ النساء لديهِنّ إجابة على الفَور. ومُسْتَشارو الزواج الذين أعرِفُهم يقولون إنّ مِحْوَر المشاكل في الزواج هو عدم رَغبة طَرَف في إظهار الحُبّ لشريكِه بطُرُق يمكن للشَريك أن يتعرَّف عليها وَيَتقبَّلها كحُبّ حقيقي.

يُعطينا الكتاب المقدس تَعميمًا حول مسألة الحُبّ هذه في الزواج البَشري: يقول الكتاب المقدس أنّ على المرأة أن تَحترِم زوجَها، وعلى الزوج أن يُظهِر الحُبّ لزَوجتِه.

تثوضِح كَلِمة الله أنّ خضوع الزَوجة لزَوجِها هي الطريقة التي تُظهِر له الاحترام، وهو ما يُساوي الحُبّ بالنِسبة للرَجُل. بالمُقابِل، يُظهِر الزوج لزوجتِه المَحَبَّة التي تَطلُبها من خِلال إيثارِها على نفسِه، ومن خلال إظهار استعدادِه للتَضحية بحياتِه من أجْل حمايتِها إذا لَزِمَ الأمْر، ومن خِلال لُطفِهِ وإدراكِه لاحتياجاتِها واهتماماتِها. مرَّة أخرى، هذه بالطبع عُمومية ولكنني أعتقِد أنني لمْ أصادِف زوجَين مُتزوجَين لا يَتَّفِقان مع هذه الفَرَضية الأساسية.

بالطبْع كأفراد لكلٍّ منّا أشياء مُحدَّدة تُشير إلى ”الحُبّ“. بالنسبة للنِساء، غالبًا ما تَكون ببساطة أن يقول الزَوج ”أُحِبُّكِ“، لفظيًا، بشكلٍ مُنتظِم إلى حدٍ ما. وبالنسبة لأُخرَيات قد تكون مُفاجَئَة مِثل باقةٍ من الزهور وهديَّة غير مُتوقَّعة. بالنسبة للرَجُل، قد يَكون الأمْر قيام زوجتِه بإعداد وَجَبات الطَعام التي تَعرِف أنها المُفضَّلة لديه؛ أو القيام بعَمَل جَيّد في تَربية أطفالِهما والعناية بمنزلِهما؛ أو طَلَب مَشورتِه (أو حتّى إذنِه) بانتظام في أمور لا يَعتقِد بالضرورة أنه هو من يجِب أن يكون صاحِب القرار فيها.

ولكن إليكُم الأمْر: بالنسبة للمَرأة التي تَتوق لسَماع كَلِمة ”أُحِبُّكِ“، ولكن زوجَها ببساطة لا يَستطيع أو لا يريد أن يقولَها، فهي لا تُحَبّ بطريقةٍ تفهمُها على أنها حُبّ. وفي حين أنّ هذا لا يَعني بالتأكيد أنّ الزواج سيَفْشَل، إلا أنه من المؤكَّد أنّ العَلاقة لن تكون مُرضِيَة. هكذا هو الحال في علاقتِنا مع الله. لقد أخبرَنا بشكلٍ لا لِبْس فيه بعبارات واضحة جدًا كيف يُريد أن يُظهِر لنا الحُب. يقول إنّ المَحبَّة بالنسبة له تبدأ بطاعة نواميسِه وأوامِره. يقول إنّ اتقاءه، والسَير في الطرُق التي رسَمَها، وخِدْمَتِه بإخلاص، وطاعتِه تُظهِر له أننا نُحبُّه بالطريقة التي يريد أن يَكون محبوبًا بها. هل يُمكننا ألا نتَّقيه، وألا نَسير في طرُقِه، وألا نخدُمَه، وألا نَكون مُطيعين له ومع ذلك نُحِبَّه بدَرجَةٍ ما؟ ربّما من جانبِنا من المُعادلة ولكن ليس من جانبِه. أي نوع من العَلاقة التي تَرْبِطُنا بالرَب إذا كنا نُصِرّ على أننا نُحِبُّه وهو يقول أننا لا نُحِبُّه؟

دعونا نُعيد قراءة الآيات القليلة الأخيرة من سِفْر التثنية الإصحاح عشرة.

أعِد قراءة سِفْر التثنية الإصحاح عشرة الآية الثانية عشرة – إلى النِهاية

بعد شَرْحِ ما يطلُبُه الله من شعبِه المُفتدى، نقرأ في الآية السادسة عشرة عِبارة غريبة سنَجِدها تتَكرَّر على فترات مُنتظمة في بقيَّة العَهد القديم وفي عِدَّة أماكِن رئيسية في العهد الجديد وهي أنّ الرَب يريد قلوبًا مَختونة أكثر مما يريد قِلفة مَختونة. تذكَّروا: اشطُبوا كَلِمة ”قلْب“ (بسبب ما تَعنيه كَلِمة ”قَلْب“ في لغَتنا في القرْن الحادي والعشرين ) واستخدِموا بدلاً منها كَلِمة ”عقل“ لأنّ هذا ما كان يَعنيه ”القلب“ عند أهْل عَصر الكتاب المقدَّس. إذن هذا يعني أن : ”نَختُن إرادتنا وأفكارَنا وعملياتنا العَقلية“.

أن تَخْتُن قلفة قلبك يعني أن تُزيل الغَطاء الواقي الذي يَمنع الله من الدخول (حتّى الذي لا يُمكن اختراقُه) إلى ذهنِك وقراراتِك. إنه يَعني أن تتوقَّف عن أن تَكون قاسياً وبالتالي تَمنَع كَلِمة الله من أن تتجذَّر في أفكارِك. لكن نرى أيضًا ثنائيّة؛ فبالإضافة إلى ما شرحتُه للتو يوضَّح أنه بينما يَكون خِتان الجسَد هو العَلامة التي أمَرَ الله بها في العَهد الإبراهيمي لتُميِّز الذكور العبرانيين، فإنّ القلب المَختون (العَقل المَختون) يجب أن يكون الرَفيق الروحي الداخلي لتلك العَمليّة الجَسَدية الخارجية. يقول بولُس نفْس الشيء بعد حوالى ألف وأربعمئةِ سنة من قَوْل موسى ذلك لأوَّل مرَّة. في الواقِع يقول بولُس أنّ لا قيمة للخِتان الجَسدي بدون تَغيير الذِهن المُصاحِب الذي يُحرِّكنا نحو الانسِجام مع الله إلى الأبد. علاوةً على ذلك، منذ مَجيء المسيح، لا يَحتاج المَرء إلى خِتان جسَدي من أجْل إظهار أو تَحقيق خِتان القلْب. لذلك وبالأسلوب العِبري التقليدي، كُتِبَت ثنائية أدبية لأنّ الكَلِمات التالية هي ”فلا تَكونوا شعباً مُتصلِّب العُنق“. مُتصلِّب العُنق تعني ببساطة عَنيدًا وغير مُستجيب، أي أنّ موسى يقول لبني إسرائيل أنه بالسَماح لقلبِكم أن يُختَن بالروح القُدُس لن تَكونوا بعد ذلك شعبًا مُتصلِّبًا عنيدًا. لذلك يا شَعب الله، لا تَكُن شعبًا عنيدًا لأنّك رَفضت خِتان الرَب لذهنِك.

أريدكُم أن تَسمعوا هذا رجاءً: إيمانكم بالمَسيح لا يَعني بالضرورة خِتان القَلْب. فداؤكم (بمعنى أن يكون لديكُم إيمان بأنّ يسوع مات من أجْل خطاياكُم) لا يَعني تَغيير الذِهن، فهو الذي لا يأتي إلا بفِعلِ الله، من خلال الروح القدُس، بجعل ذهنكم مُتجاوِبًا معه. استمِعوا إلى هذا المَقطع من سِفْر أعمال الرُسل:

عن الكتاب المقدس اليهودي، أعمال الرسل الإصحاح ثمانية الآية أربعة عشرة، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُرْسَلُونَ فِي يَرُوشَلاَيِمَ أَنَّ شُومِرُونَ قَدْ قَبِلُوا كَلِمة اللهِ، أَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ كِفَا وَيُوشَنَانَ، خمسة عشرة، فَنَزَلُوا وَصَلَّوْا مِنْ أَجْلِهِمْ لِكَيْ يَقْبَلُوا رُوحَ هَكُّودَ. ستة عشرة لأَنَّهُ إِلَى ذَلِكَ الْحِينِ لَمْ يَكُنْ قَدْ نَزَلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، بَلْ كَانُوا قَدْ غُمِسُوا فِي اسْمِ الرَب يَشُوعَ فَقَطْ. سبعة عشرة ثُمَّ وَضَعَ كِفَا وَيُوشَنَانُ أَيْدِيَهُمَا عَلَيْهِمْ، فَنَالُوا رُوَاخَ هَكُّودَ.

كان بنو إسرائيل شعبًا مُفتدى لَحْظَة الفِصْح في مصر. لكنَّهم لم يكونوا قد تَلقّوا شرائع الله وأوامِرَهُ ولم تكُن قلوبُهم قد خُتِنت بعد وجُعِلت عقولهُم مُتجاوبة معه. لذا قاموا بخطايا عظيمة في البريَّة ومات منهم الآلاف، وقرَّر الله أكثر من مرَّة أن يُبيدَهم جميعًا (لم ينقذْهُم إلا تَحكيم موسى نيابةً عنهُم لدى الله). نحن كمؤمنين قد افتُدينا بالفِعل في اللحظة التي امتلَكنا فيها أبسط الإيمان بأن يسوع هو الرَب. ولكن كما احْتاجَ بنو إسرائيل إلى عقول مَختونة بفِعل الله (حتىّ يكونوا قادرين على أن يَكونوا مُطيعين له)، كذلك نحن أيضًا.

يواصِل موسى حِجَّتَه عن سبَب وجوب طاعة بني إسرائيل والانتباه ليَهوَه، وهو أنّ الله هو أعظَم الكائنات. يَستخدِم كَلِمات كانت مفهومة جيدًا في ذلك اليوم: رَب الأرباب، إله الآلهة. تَبدو هذه اللغة وكأنها اعتِراف بتعدُّد الآلهة (مع وجود إله واحد، يَهوَهْ أعلى من الآلهة الأخرى) مع أنها في الواقع بيان للتَوحيد. لكنّ اللغة الشائعة في تِلك الحقَبة، في إطار الفَهْم الشائع في ذلك اليوم، هي ما هو مَطلوب ومُستخدَم لإيصال وجهة النَظَر وما هو مَقصود هنا. لكن يَهوَهْ هو إله فَريد من نوعِه لا يقبَل الرَشوة (شيء مألوف في تلك الأزمِنة)، وعدالتِه تُصِرّ على أن يرعى المجتمع الإسرائيلي أرامِل ويتامى بني إسرائيل بحَنان. والأكثر من ذلك الله يُحبّ أولئك الذين ليسوا حتى جِزءًا من إسرائيل؛ ولذلك يجب أن يُقدَّم للغريب، المُقِيم الذي يَعيش بين إسرائيل الغِير بالعبرية، الطعام والكساء إذا لم يكُن لديه وسيلة للحصول عليها بسبب الفقر أو الظروف.

ولأن الله لا يَحترِم الأفراد (فهو لا يُعجَب بالأرستقراطيين) فهو يريد عدالة مُتساوية للجميع. لذلك يجِب على إسرائيل كمُمثِّلة للرَب على الأرض أن تُحِبّ الغير لكي تُظهِر لهم أنّ إله إسرائيل يُحِبّ الغير.

يجِب أن يَبدو كل هذا مَألوفًا جدًا بالنسبة لنا لأن هذه (بالطبع) هي بالضَبط نَفْس المبادئ التي علَّمَها يسوع. كما أنه يُفسِّر أيضًا لماذا فَتَح الرَب طريقًا لغير العبرانيين (الأمم) لكي يَفتديهم؛ فهو يُحِبّ كل البشر وليس فقط أولئك الذين ولِدوا من قبيلة أو أمَّة مُعيَّنة. ومع ذلك، فإنه في الواقع فقط عن طريق العُهود الإلهية التي أُبرِمَت مع شَعْبٍ مُعيَّن (الشَعب الذي وُلِد من نَسْل يعقوب) يمكن أن يُفتدى الأجانب؛ فهُم (نحن) لا يَحصلون على عَهد مُنفصِل للأمميين أو مَسيح أوروبّي خاص بنا بعيدًا عن إسرائيل.

لننتقِل إلى الإصحاح الحادي عشر.

اقرأ سِفْر التثنية الإصحاح الحادي عشر كلِّه

حتى الآن في سِفْر التثنية كانت عِظة موسى تُغطّي المبادئ الإلهية (التأسيسيّة) الواسِعة والكامِنة في الشريعة بدلاً من الفرائض المُحدَّدة. لقد استعْرَض تاريخ إسرائيل، واختيار الله الكريم لها كشعبِه المُختار، وما حدَث له في البريَّة وكيف اعتنى به الرَب، وما يَنبغي أن يكون موقِفَه حول الاقتراح الذي وُضِع أمامَه، أي أنّ يَهوَهْ قَدَّم لإسرائيل عَرْضًا يمكِن لها أن تَرفُضَه بالتأكيد. لقد عَرَض أن يكون إلهُها، وفي المُقابِل سيَكون بَني إسرائيل شعبَه. لقد عَرَض أن يُقيم عَلاقة واتِّحادًا خاصًا وفريدًا مع إسرائيل، ولكن فقط إذا أرادَت ذلك. والطَريقةُ التي يجِب أن يُظهر بنو إسرائيل لله أنَّهم يُريدون ذلك بالفِعل هي التَصديق على هذا العَهْد الجديد الذي تَمّ في جَبل سيناء من خِلال (أ) المُوافقة عليه بشَكلٍ جَماعي، و (ب) من خلال اتِّباع شروطِه بجَدِّية.

انظُروا؛ أحيانًا نَغفَل عن نِقطةٍ مُهمَّة إلى حدّ ما حول قبول إسرائيل لعَهد موسى هذا؛ ليس الأمْر أنّه إذا قَبِل بنو إسرائيل هذا العَهد فإنَّهم ينالون بَرَكات ذلك العهد، وإذا رَفَضوه فإنهم يَنالون اللعنات التي يَتضَمَّنُها العهد. بل أنه إذا اختاروا ألا يَقبلوا العَهد، إذا اختاروا رَفْض عَرْض الصداقة مع الله، ببساطة تُلقى بإسرائيل مرَّة أخرى إلى البَرَكة العامَّة للأُمَم التي تُشكِّل كل شعوب الأرض (البَرَكة التي أُخِذوا مِنها في المَقام الأول)، ولن يُنظَر إليهِم على أنَّهم أفضَل أو أسوأ أو مُختلِفين عن البَقيَّة. لن يَكونوا مؤهَّلين للحصول على برَكات خاصَّة وارِدة في الناموس، ولن يَتعرَّضوا للعناتٍ خاصَّة من الناموس أكثر من أي شخص آخر من مَلايين البَشر على كوكَب الأرض. الاتِّفاق هو أنَّهم إذا قَبِلوا العهد، إذا دخَلوا بالفِعل في علاقة عَهد خاصة مع يَهوَه، فإنهم سيَخضعون لبرَكاتِه ولَعْناتِه. تأتي البرَكات من اتِّباع شروط العَهد (اتِّباع شرائعِه) وتأتي اللّعْنات من انتهاك شروط العَهد (مُخالَفة شرائعه). إلا أنّ هذه البَرَكات واللَعنات تَنطبِق فقط على أولئك الذين قَطَعَ الله معهُم العَهد، وليس على الآخرين. على سَبيل المِثال، قُبول إسرائيل للعَهد في جبل سيناء لا يَضَع بلاد ما بين النَهرين الوثنيّة تحت لعنات الناموس. أقول لك هذا لسَببَين: واحِد) لأنه من المَفاهيم الخاطئة الشائعة أنّ أولئك الذين ليسوا تَحت العهد، يُعانون من لعَنات الناموس وأولئك الذين هُم تَحتَه ينالون تَلقائيًا برَكات الناموس، واثنين) لأن هذا يُساعِد على تَعزيز السبب الذي جَعَل بولُس يذهَب إلى هذا الحَدّ (خاصةً في رسالتِه إلى الكنيسة في روما) ليوضِح أنّ الأُممييّن يُطعَّمون في إسرائيل (أي في عهود إسرائيل مع الله) عندما يُقرِّرون الإيمان بيسوع. إذا لم نُطعَّم في عهود إسرائيل، فليْسَ لنا الحَق في المُشاركة في شروطِها. لكنّ المَسيحيين الأُمميين يتذكَّرون ما يلي: العَهد له شروط. وعندما قَبِلنا أنا وأنت يسوع، قَبِلنا كل شروط العهد، وليس فقط تلك التي نُفضِّلها.

تذكَّروا أننا قرأنا في الأسبوع الماضي ذلك الإصحاح المِحْوَري في إرميا واحد وثلاثين حيث يَشرَح أنّ الرَب سيَخلق عهدًا جديدًا (وهو العهد الذي سيُسمّى فيما بعد العهد الجديد في عَهد المسيح)؛ ولكن دعونا نتذكَّر مع من كان العهد يُخلَق:

عن ترجمة الكتاب المقدس الأميركية النموذجية الجديدة، إرميا الإصحاح واحد وثلاثون الآية واحد وثلاثون، هُوَذَا أَيَّامٌ آتِيَةٌ، يَقُولُ الرَب، حِينَ أَقْطَعُ عَهْدًا جَدِيدًا مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتِ يَهُوذَا.

سيَكون بين الرَب وبيت يهوذا وبيت إسرائيل عَهد جديد؛ في الأساس مع نَفْس الشَعب الذي أُقيم عهد موسى له. لذلك فإنّ المُشكِلة بالنِسبة للأُمَميّين هي كيفية الوصول إلى أحكام ذلك الحُكم الرائع الذي يُسمّيه المَسيحيون ”العهد الجديد“ الذي يَخُصّ إسرائيل حَصريًا وَكلّ من سينضَمّ إلى إسرائيل. والجواب على هذه القَضية هو أنّ الإيمان بالمسيح اليَهودي، يسوع الناصِري، يُدخِلُنا إلى الحَظيرة. هذه هي تَذكَرة الدخول الوحيدة المَسموح بها والمَطلوبة للانضمام إلى الفِداء الذي تُوفِّره عهود إسرائيل.

تَبدأ الآية واحد من الإصحاح الحادي عشر بالقاعِدة الأساسية لإسرائيل التي هي أيضًا المَوقِف الذي يجب أن تدخُل به إسرائيل في عِلاقة العهد مع الله: أحِبُّوه! لاحِظ أنه فور القَول، ”أحِبّوه“، يتمّ تَحديد ما يَعنيه ذلك: أطيعوا دائمًا شرائعَه وأحكامَه ووصاياه.

الآن هناك تَحوُّل دقيق، ولكن مُهِمّ في القضية التي يتِمُّ التعامُل معها في سِفْر التثنية الإصحاح الحادي عشر مُقابل الإصحاح العاشر. في الإصحاح العاشر، القَضيّة هي قُبول أو رَفْض علاقة العَهد مع الله؛ هل يَختار شَعب إسرائيل الدخول في العَهد الذي يُعرَض عليه أم لا؟ أمّا في الإصحاح الحادي عشر فالمَسألة هي أنه بمُجرَّد قُبول هذا العَهد، فإنّ القرار التالي بالنِسبة لإسرائيل (سواء على المُستوى الجَماعي أو كأفراد) هو الطاعة أو العِصيان لشروط العَهد وعواقِب كِلَيهما. أريد أن يكون هذا الاختِلاف مَطبوعًا جيدًا في أذهانِكم لذا دعوني أوضِّحُه. إذا أردتَ أن تَشتري منزلاً ووَجدت منزِلاً أعجبَكَ، يتمّ تَحرير عَقْد. تَطَّلِع على هذا العَقْد، وترى ما هي البنود والشروط التي يَطلِبها البائع، وتَتَّخِذ قرارًا بشأن ما إذا كنت تريد الدُخول في هذا العَقْد أم لا. إذا قرَّرت الرَفْض، فلن تَكسَب أو تَخسَر أي شيء باستثناء بعض الوَقت. ليس لديك أي التزامات ولا توجَد أي عقوبات في تلك المَرحلة لأنّه لم يكُن هناك اتِّفاق مُتَّفَق عليه. هذا هو الوَضْع مع إسرائيل حتّى الإصحاح العاشر من سِفْر التثنية؛ فقد قَدّم الله لإسرائيل العَقْد (العَهد الموسوي) بكلّ شروطِه (البرَكات واللعنات) من خلال موسى، والآن الأمْر مَتروك لإسرائيل للدخول في العَقْد المُقترَح أو لا. إذا قرَّر الشعب ”الرَفْض“ فلا يوجَد شيء مُكتسَب، ولكن ليس هناك أيضًا عقوبة مُتأصِّلَة نحن على عِلْم بها.

نَعود إلى تَشبيه المَنزِل: إذا قرَّرْتَ قُبول شروط عَقْد المَنزل ووَقَّعت على الأوراق (مما يُشير إلى قبولِك بإرادتِك الحرَّة لشروطِه)، فإنّ كلّ شيء يَتغيَّر. إذا التزَمتَ بشروط العَقْد، فإنك ستَتمتَّع بهذا البيت الذي سيوفِّر لك الأمن والمأوى؛ ولكن إذا خالفْتَ شروط العَقد فإنك تخسَر البيت، وغالبًا ما تَكون هناك عقوبات صارِمة. هذا ما تَفعَلُه إسرائيل في الإصحاح الحادي عشر؛ فمِن المُفترَض أنّ بَنيها قد وافَقوا على شروط العَهد المُوسوي، وأنهم قد دَخلوا في العَقْد مع الله، ولذلك فإنّ ما يَجري التَفكير فيه الآن هو ما هي النتائج التي ستَترتَّب على الالتزام بالعَقد، وكذلك العقوبات التي سَتقَع في حال مُخالفة شروطِه.

من الآيات اثنان إلى سَبعة، يَشرَح موسى أنه لا يَطلُب من بَني إسرائيل أن يأخذوا خُبرات جيل آخر، ولكن شَهادات الكثيرين من تاريخِهم. من المؤكَّد أنّ العديد من العِبرانيين الذين كانوا في هذه المَرحَلة بعُمر الستين قد رأوا حتّى ما حدَث في مصر لأنَّهم كانوا في حوالى العشرين من عُمرِهم عندما خَرَجوا من مصر؛ وهذا لأنه (بشكلٍ عام) على الرُّغم من أنّ الجيل الأول من الخُروج كان يجب أن يَموت كلَّه قَبل أن يَسمَح له الله بالدخول إلى أرض الميعاد، إلا أنّ المُتضرّرين كانوا في العِشرين من عُمْرِهم وما فوق وَقت الفِصح المَصري؛ كانت تلك الفئة العُمريّة (عشرون سنة وما فوق) هي التي تُعتبَر سِنّ المساءلة الشَخصية. لذا كما يُمكِنُك أن تَتخيَّل أنّ كل ما حَدَث في مصر ثمّ في الأربعين عامًا من التَيْه في البريّة كان حَيًّا وحَقيقيًا تمامًا في أذهان أولئك الذين بَلغوا الخمسين من العُمر. لم يَختبِر جميع الواقفين أمام موسى شَخصيًا كل ما كان يتحدَّث عَنه؛ فمُعظَم الأحياء في تلك اللحظة وُلِدوا خلال هذه الرِحلة الشاقَّة. عددٌ كبيرٌ من العِبرانيين اختبَر بعضًا مِنها على الأقل، لذلك لم يكُن لديه أي سبب للشَك في كلام موسى أو إنكار ما رآه شَخصيًا.

لذلك، يَقول موسى في الآية ثمانية: إذا أردتُم أن تَختبِروا بَرَكات الرَب المُنتظَرة في كنعان فأطيعوا أوامِر الله. وخُلاصَة القول: إنّ كَونكم وُلِدتُم عبرانيين لا يَكفي لكي تَنعموا بخَيرات الأرض، بل يجب أن تَكونوا مُطيعين للعهد الذي وافقتُم على قُبولِه. كانت الطاعة هي مِفتاح كل ما يَنتظِر إسرائيل.

تَبدو الآيات العديدة التالية واضِحةً ومُباشَرَة، ولكن هناك بعض الأفكار المُثيرة للاهتِمام التي قد تُضيف إلى تأثيرِها. تَتُمّ هنا المُقارنة بين أرض مِصر وأرْض كنعان، ويَقول موسى إنّ كنعان ليست مِثل مصر على الإطلاق لأنَّه في مِصر كان عليك أن تَعمَل لتَجلِب الماء إلى حَقلِك. لكن في كنعان كان الله يَسقي حقولَك من أجلِك.

كانت مصر أرضًا مُسَطَّحَة نِسبيًا، أما كنعان فهي أرْض جَبَلية بشكلٍ عام مع الوِديان الناتِجة عن ذلك. مصر كانت كأي أرضٍ أخرى على الأرض صارَت ما صنَعَه سُكانُّها مِنها، أما كنعان، فالرَب يَقول أنّه يرعاها في الآية الثانية عشرة.

دعوني أُطْلِعُكُم على شيء قد يَصعُب فَهمُه بعض الشيء؛ في الآية عشرة يقول الكتاب المقدس اليَهودي: ”هناك في (مصر) تَزْرَعون زرعَكُم وتَستخدِمون أقدامَكم لتشغيل نِظام الرَي فيها….“ هذه التَرجمة الإنجليزية القياسية نوعًا ما هي ما تُسمّى بالتَرجمة الديناميكية وهي على الأرجَح تَرجمة جيدة لأن ما يتِمّ وصْفُه هنا هو بالفِعل نظام الرَي الذي صَنَعَه الإنسان والذي كان حَيويًا جدًا للزِراعة في مصر؛ فقد تم بِناء نظام من القَنوات والخَزّانات والقَنَوات لسَقي الحقول باستخدام مِياه النيل (وهو في الأساس المَصدر الوحيد الأساسي للمِياه في مصر).

استُخدِمت الأقدام البَشرية في عِدّة أنواع مُختلِفة من العَمليات لإنجاح نظام الرَي. واستخدَم المَصريون في بعض الحالات نوعًا من السواقي التي كانت تَعمَل عادةً بالطاقة البَشرية. كما استَخدموا أيضًا الشادوف الذي كان في الأساس دَلوًا على حَبْل يُربَط أحد طرفَيه برافِعة. كان الشَخص يُنزِل الدلو في خزّان من الماء ثم يرفَع الدلو المَملوء للأعلى باستِخدام الرافِعة ويطرَحُه في قناة الرَي. كان الأمْر يتطلَّب الكثير من العَمَل لأن التقديرات تُشير إلى أنه خلال موسِم الزراعة في مصر الذي يَستغرِق الأمْر مئة يَوم تقريبًا وكان هناك حاجَة إلى ألف طُن من المِياه لكلّ فَدان لضَمان الحصول على مَحصول مُناسب.

كان النِظام الذي ابتكَرَته مصر مُدهشًا؛ فقد استَخْدَمت عشرات الآلاف من الشادوفات، ومئات السواقي، والعَديد من الطُرق الذَكية الأخرى أيضًا لإيصال المِياه إلى تلك القَنوات وإلى الحقول. والآن لا تَخلُط بين هذه العَملية والفَيضان الطبيعي لنَهر النيل أثناء موسِم الفَيضان الذي لم يكُن يَسقي الأرض بقَدْر ما كان يوفِّر المَواد الغذائية الغَنيَّة المَوجودة في الطَمي لتَخصيب الحقول قَبْل زراعتِها.

يجب أن نفهَم أيضًا أنّ مِصر كانت في مُعظَمِها صحراء؛ إذ لم يكُن هناك عَمليًا أي أمطار على الإطلاق. كانت مياه النيل تأتي من أعماق مِنطقة أخرى من أفريقيا في أعالي النَهر، من كُتَل الثلوج الجَبلية الذائبة. استفادَت مصر ببسَاطة من تَدفّق النهر. لذا، من السَهل تَخيُّل مدى شعور المِصريين بالفَخر لتَطويرهِم هذه البُنية التَحتية المُتقَنة للرَي، وكيف شَعروا بأنهم يَعتمدون فقط على جُهودِهم الخاصة لزِراعة المَحاصيل.

الوضِع مُعاكِس في كنعان. يقول الرَب في كنعان إنهم لن يَحتاجوا إلى أنظمة رَي تعمَل بالطاقة البَشرية. وَبَدَلاً من ذلك سيُنزِل المَطر من السَماء على مَحاصيلِهم. ولهذا السبب كان كل ما كان عليهِم فِعلُه هو الانتِظار والطاعة وأن تَكون قلوبِهم (عقولهِم) ثابِتة عليه. ستَكون الأمطار كافية لتَوفير الحُبوب للشَعب، والعِنَب من الكروم، والفاكِهة من الأشجار، والعِشِب للقُطعان. ولن يُضطَّروا إلى العَمَل للحصول عليها.

ولكن، يُحذِّر موسى، لا تَقعوا فَريسةً لنزعاتِكُم البَشرية بإعطاء المَديح لأحَد آلهة الكنعانيين عند سقوط الأمطار وظهور المَحاصيل الجيِّدة وسهولَة حدوثِها. بالطبع، هذا بالضبط ما سيَفعلُه بنو إسرائيل في النهاية. لكن، كان سيَكون الإغراء لتَوجيه امتنانِهم بشكل خاطئ عَظيمًا لأنَّهم كانوا سيَعيشون بين شَعب كان قد نَظَّف الأرْض منذ زَمَنٍ طويل، وأضاف الأسمِدة وصَنَع أسوارًا حَجَرية لِحَبْس الحيوانات وإبعادِها عن المَحاصيل. عَدَم تَقدِمة ذبائح لآلهة هؤلاء الناس كانت مُهِمَّة صَعبة حتى لو كان ذلك عن سَبيل التسامُح والحفاظ على السَلام. والله يَقول إذا استسلمتُم لهذا الشَّر، فإنه سيوقِف المَطر وستُصبِح الأرض قاسية وستُعاني إسرائيل وربما لن تَنجو.

ولذلك، يَنصَح موسى شَعْب إسرائيل في الآيات ثمانية عشرة إلى واحد وعشرين، باستخدام العَديد من التَذكيرات البَصَرية التي أمَرَ الله بها ليَبقى مُخلِصًا ليَهوَه، ومن بين هذه التذكيرات التيفيلين، والميزوزة، ووجود الكهنوت وخَيمةِ الاجتماع، والتَعليم المُستَمِرّ لشرائع الله للأبناء. وإذا فَعلَت إسرائيل ذلك فسوف تَمتلِك الأرض إلى الأبد.

الخطوَة الأولى لامتِلاك إسرائيل للأرض هي أن يَتِمّ إفراغ كنعان من سُكّانِها الحالِيّين؛ ويقول الرَب إذا أظهَرت إسرائيل المَحَبَّة تِجاه الله في شَكْل طاعة، فإن الرَب نفسَه سيَطرُد الكنعانيين ويُمكِّن إسرائيل من النَجاح. لذلك فإنّ الوَعد بالنَصر على كنعان مَشروط تمامًا باتِّباع إسرائيل لشروط العَهد المُوسوي (تلك الشروط الوارِدة في ما نُسمّيه عادةً بالشَريعة).

حيازات الأرض التي ستَحصُل عليها إسرائيل مَذكورة الآن في الآية أربعة وعشرين، ولم تمتلِك إسرائيل شيئًا قريبًا من هذه المَساحة الواسعة من الأرض إلاّ في عَهد الملك داوود. هذا في جوهرِه هو المَثَل الأعلى السَماوي لكُتْلة الأرض التي خُصِّصَت لإسرائيل؛ ولكن بما أنّ الصَفقة كانت مَشروطة وبدأ العبرانيون في خَرْق شروط العَهد فَور عبورِهم نَهر الأردن تقريبًا، كانت العُقوبة (اللعنة) أنّ الله لم يَطرُد كلّْ الشعوب التي احتلَّت كنعان ولذلك لم تَحصُل إسرائيل على كل ما خُصِّص لها.

إذاً قَبل أن ندخُل إلى الإصحاح الثاني عشر (الذي يبدأ في تَعداد الشرائع والأحكام الفردية وما تعنيه) من الآية ستّة وعشرين إلى نِهاية هذا الإصحاح الحالي، تَرِد لحظَة القرار، وقَرار إسرائيل بقُبول العَهد هو قرار مُسبَق؛ المَقصود هنا باللعنة والبَرَكة هو أنّ العَهد الذي قَبلتْه يَحتوي على الاثنين معاً، ولذلك على إسرائيل أن تُقرِّر الالتزام بما وافقَت عليه أو أن تَختبِر شِدّة الله. أوّل ما يَمنَع الله إسرائيل من فِعلِه هو السُجود لآلهة الكنعانيين.

ولكن في الآيتين تسعة وعشرين-وثلاثين، هناك جدول أعمال مُختلِف، فبمجرَّد دخولهِم إلى الأرض (وفي مقدِّمتِهم يشوع) عليهم أن يُقيموا احتفالاً يؤكِّد من جديد على العَهد الموسوي الذي وافَقوا عليه بعد سَنة من خروجِهم من مِصر. الآن في سِفْر التثنية الإصحاح تسعة وعشرين يتمّ تناوُل هذا الموضوع بمزيد من التَفصيل، وبالفِعل في سِفْر يشوع الإصحاح ثمانية الآية خمسة وثلاثين يَرِد احتفال إعادة التأكيد بالفِعل.

لماذا كان هذا التَجديد (أو إعادة التأكيد) ضَروريًا؟ من المُثير للاهتمام أن هذه ستَكون المرَّة الثالثة التي يتمّ فيها التَصديق على عهد موسى. المرَّة الأولى كانت في جَبل سيناء، والمرَّة الثانية هي ما تناوَلناه للتَوّ في الإصحاحين الأخيرين من سِفْر التثنية في أرض موآب، والمرَّة الثالثة ستَكون بعد دخول إسرائيل أرض الميعاد. إحدى النَظريّات على الأقل حول هذه السِلسِلة من التأكيدات هي أنها كانت مَألوفة في مُعظَم العُهود والمُعاهدات في تلك الحَقَبة. عندما يموت القائد الذي أُبْرِمت معه المعاهدة، كان على القائد الجديد أن يُعيد تأكيد العَهد، وكان هذا يتمّ وِفْق مراسِم. لقد مات موسى بعد الاتِّفاق الثاني لتأكيد العَهد، وبالتالي مع يشوع كقائد جديد لإسرائيل، كان التأكيد الثالث مَطلوبًا (على الأقل في نَظَر شعوب الشرق الأوسط في ذلك العَصْر).

ولكن (مرَّةً أخرى، في نَظَر الشعب) ربما كان الأمْر يتعلَّق أيضًا بِتَرك السُلطة الروحية لنِطاق مُعيَّن والدخول في مَجال النفوذ الروحي لنِطاق جُغرافي آخر، أي أنه عندما غادَرت إسرائيل جَبَل سيناء (مَسكِن يَهوَه) ودخَلت موآب (حيث كان يُعتقَد أنّ إلهًا آخر يَحكُم هناك) كان من المُعتاد إعادة تأكيد مُعاهدة مع السُلطة الروحية على تلك الأرض. تذكَّروا كما ناقَشْنا في مُناسبات عديدة أنّ القُدماء كانوا يَعتقدون أنّ آلهة مُختلفة تُسيطِر على قِطَع مُختلفة من الأرض. لذلك بما أنه كان من الضروريات الأساسية لجَميع المُعاهدات أن يتمّ تقديم نِذْر، وأنّ النِذْر بِحُكْم تَعريفه يعني استدعاء اسم إله، واسم الإله الذي تمّ استدعاؤه يجب أن يكون هو المَسؤول عن الأرض التي تمَّت فيها المعاهدة. لذلك، إذا كان المَرء في مصر كان سيَتمّ استدعاء إله مَصر؛ ولكن إذا كان المَرْء في موآب كان يَجِب بالضرورة استِدعاء إله آخر. من خلال إعادة تأكيد العَهد المُوسوي في أرض موآب كان اسم سُلطة يَهوَه مُرتبِطًا بتلك الأرض، وبإعادة تأكيد العَهد مرة أخرى في أرض كنعان، كان سُلطان يَهوَه يَمتَدّ إلى تلك الأرض.

من المُثير للاهتمام أيضًا تَحديد المَكان الذي كان من المُقرَّر أن يتم فيه احتفال إعادة تأكيد العَهد وهو: جَبَل جرزيم وجَبَل عيبال. يَقطَع الطَريق إلى شكيم بينهما حيث يَقَع جَبل جرزيم إلى الجَنوب من الطريق وعيبال إلى الشَمال. المُثير للاهتمام الآن هو أنّ برَكات التوراة ستُعلَن على جَبل جرزيم؛ ولكن ستُعلَن لَعَناتِها. صَدِّق أو لا تُصدِّق، هناك مَنطِق ونَمَط وراء هذا الاختيار.

تَذكَّر دراسَتنا حول الأهمية الروحية للاتجاه شرقاً. تَذكَّر أيضًا دراستَنا لكيفيَّة تَرتيب مُعسكرات بني إسرائيل بحيث تمّ تَعيين مواقِع تَخييم دائمة لمَجموعات مُعيَّنة وِفقًا لاتجاهات البوصلة الأربعة الرئيسية. الشَرْق دائمًا ما يكون بارزًا. إذن عندما يواجِه المَرء الشَرْق، ما هو الاتِّجاه الذي على يمينكَ؟ الجنوب. عند مواجَهة الشرق، كان جبَل جرزيم إلى اليَمين، أي الجنوب. وبما أنّ الجانب الأيمَن هو الأقوى والأكثر مَلَكية، فقد مُنِح جبل جرزيم امتياز قراءة برَكات العَهد مِنه. وبما أنّ المرء يتَّجِه إلى الشرق، فإلى اليَسار هو الشمال؛ وإلى الشَمال كان جبل عيبال. اليَسار ليس بالضرورة اتِّجاهًا مَلعونًا، ولكنَّه ليس بالضرورة اتجاهًا جيدًا أو عظيمًا مِثل اليمين. إذًا لعنات الناموس كانت تُنطَق من جبل عيبال الذي كان إلى جِهة اليسار، الشمال.

بالمُناسبة: هذان الجَبلان، المَكان نفسه الذي أُعيد فيه تأكيد عَهد موسى، يَقعان الآن فيما يُسمّيه العالَم ”الأرض المُتنازَع عليها“: ما يُسمَّى بالضِفَّة الغَربية.

في الأسبوع القادِم سنبدأ سِفْر التثنية الإصحاح الثاني عَشَر.