سِفْر التثنية
الدرس العاشِر – الإصحاحان ستّة وسبعة
سنُنهي اليوم الإصحاح السادس ونَنتقِل إلى الإصحاح السابع في دراستِنا لسِفْر التثنية.
لقد ألقَينا في الأسبوع الماضي نَظرَة أخرى على” شماع يا إسرائيل“، الّتي هي العقيدة الروحية والوَطنية للشَعب العِبراني…….. وهي بالتأكيد العَقيدة المَركزية للمَسيحية أيضًا. كلّ ما في الأمْر أنه تَمّ تَقديمها (على مَرّ القرون) على أنها عَقيدة من العَهد الجديد ولم تكُن موجودة من قَبل. لقد انتَهينا بالنَظَر إلى الجزء الأوسَط من سِفْر التثنية ستّة حيث صَدَر تَحذير من إغراءين رئيسيَين ستواجِهُهُما إسرائيل: واحد) الانتِقال إلى أرض الميعاد بوَفْرة خيراتهِا، و(بالنسبة لتلك الفَتْرة) سهولة العَيش فيها، ثم نِسيان الإله الذي فَعَل كل ذلك من أجلِها. التَحذير هو وجوب أن تَتذكَّر إسرائيل أنها لم تَبنِ المُدُن والقُرى التي ستَعيش فيها، ولم تَزرَع الكروم والبسَاتين التي ستُأكل. بل أخَذَها الرَبّ من الكنعانيين وأعطاها لإسرائيل مِيراثًا لها.
شُكرًا على ذلك للحظة؛ على الرُغم من أنّ كَلِمة ”ميراث“ عادةً ما تُستخدَم فقط في مُجتمعنا كشيء نحْصَل عليه عندما يَموت والدَينا، إلا أنّها في الواقِع تَحمِل في طيّاتِها معنى أساسيًا مُهمًّا. وهذا المَعنى هو الحُصول على شيء ذي قيمة عَمِل شَخْصٌ آخر على تَحقيقِه. إنه شيء لم نَكتسبْه بأي حال من الأحوال، ولا يَتحقَّق إلا بِحَقّ الولادة أو بنِعْمَةِ شخصٍ آخر.
التَحذير الثاني هو أنّ شَعب إسرائيل المَفْدي الذي وَرِث الآن (بواسطة النِعمة) الوَفرْة وامتياز العلاقة الخاصَّة مع إله الكَون، لا يَنبغي أن يَتبنّى ويَتآلف مع آلهة الشَعب الذي سيَعيش بينَه. وإذا لم يُصْغِ العبراني إلى هذا التَحذير، فسيَكون الهلاك هو النتيجة.
لقد أمضيتُ بعض الوقت في الأسبوع الماضي في الرَّبِط بين المَعنى الحقيقي لعِبادة الأصنام (التي هي السَّعي وراء آلهة أخرى) وبَين المَبدأ الإلهي الحقيقي وَراء هذا التَحذير. وهذا المَبدأ هو أنّ عبِادة الأوثان تتحدَّث عن السَّعي وراء أي شيء في حَياة المَرء يَحتَلُّ مكانةً تُساوي أو أعظَمَ من يَهوَه. لقد كان هناك الكثير من التَعاليم المَجازية في عَقيدتنا المَسيحية لدَرَجة أنه من السَهْل أن نَعتبِر المَبدأ مَجازًا أيضًا؛ ولكن من الواضِح أنّ الأَمْر ليس كذلك هنا. إنّ الرَبّ يَتحدَّث عن السَعي وراء الثَروة والسُلطة والأرْض وأشياء أخرى، على أنها ”وَثَنية“ إذا ما كانت تَحتَلّ مَكانة عالية جدًا بالنسبة لنا.
إذا تأمَّلنا في الأمْر للَحظة، سنَرى أنّ ”عِبادة الآلهة الأخرى“ هي نَوع من التناقُض الكِتابي، فعِبادة الآلهة الأخرى هي في حدِّ ذاتِها ليست سوى فِعْل نَوايا شرّيرة، لأنه في الواقِع لا توجَد آلهة أخرى. لا توجَد آلهة أخرى مِثْل يَهوَه…… ولا حتّى أي كائنات أقَلّ شأناً…. لذلك يُمكننا أن نتحدَّث عن عِبادة هذه الأشياء طوال اليوم، لكنَّنا في الواقِع نَعبُد "لا شيء". المُشكلة ليسَت في أنّ الله قَلِق من أنّ كائنًا روحِيًا آخر منافِسًا يَحصُل على المَجْد الذي يجِب أن يَكون له بِحَقّ؛ المُشكلة هي أنّ عقولَنا وقلوبَنا الجَسَدية والشريرة تَختار أن تَتجاهلَه وتَجعَل شيئًا آخر….. أي شيء آخر….. الهَدَف النِهائي (أو حتّى المُشترَك) لحياتِنا. اليوم عندما نَسمعَ كَلِمة ”عبادة الأوثان“ ونَميل إلى التَركيز على الأصنام الخَشبية الصَغيرة أو الأشياء الطينية التي كان الناس قديماً يُصلّون لها، نُخطئ الهَدَف. أي شيء يَحتَلّ مَكانة عالية مِثل الرَبّ الإله أو فوقه، يُسمّيه يَهوَهْ عِبادة الأصنام، ولا أعتقِد حقًا أنه مُهتَمٌّ بحِججنا المَنطقية المُضادّة، فزوجاتُنا، وأولادُنا، وثروتُنا، وصحّتُنا، وتقاعُدنا، ووظائفُنا، وأمْنُنا وسلامتنا، وهواياتُنا، كلُّها يمكن أن تُصبِح ”آلهة“. وهذه الآلهة هي بالفِعل آلهة ”الشعوب الأخرى“. يَقول موسى كشَعب مُفتدى، لا يَنبغي على شعب إسرائيل أن يَتبنّى هذه الآلهة؛ إنّها للشَعب غير المُفتدى. حسنًا، هكذا هو الحال مَعنا؛ فاللَهِث وراء المال، والجِنس، واللّذَة، والسلامة والأمْن بأي ثَمَن، وما إلى ذلك ليسَت للمؤمنين. ليس الأمْر أنّ مُستوى مُناسبًا من هذه الأشياء مَمنوع؛ بل أنّ علينا أن نَفحَص أنفُسنا باستِمرار لنرى إن كنّا نَحرُم الرَبّ من مكانتِه المُستحِقَّة في حياتِنا لأنّ هذه الأشياء الأخرى تَعترِض طريقَنا.
أَعِد قراءة التوراة الإصحاح ستّة الآية ستّة عشرة– النِّهاية
بدءًا من سِفْر التثنية الإصحاح ستّة الآية ستّة عشرة يُخبِر موسى إسرائيل بما لا يَنبغي أن تَفعَله. بعد أن أوضَح موسى أنّ الرَبّ سوف يُلبّي جميع احتياجات إسرائيل (وبالتالي لا يوجد هَدَف لها لعِبادة أصنام آلهة الآخرين ولا يَنبَغي أن تُطارد الأهداف الوثَنية للكَنعانيين مِثل الثروة والسُلطة والمُتعة)، يَشرَح موسى الآن ما يجِب أن تَفعَله إسرائيل. وما يجِب أن تفعَله إسرائيل هو طاعة الله وعَدَم اختِبارِه. وعن طريق البُرهان والمِثال، يُشير موسى إلى حادِثة وَقَعت في وقتٍ مُبكر جدًا من الخروج، وهي حادثة ماسا. والآن، في الحقيقة، إنّ الغالبيّة العُظمى من الشَعب الذي يتحدَّث إليه لمْ يَمُرّ بهذه التَجربة في "ماسا" لأنه إما لم يكُن قد وُلِد أو كان صغيرًا. ومع ذلك فلا بدَّ أنّ هذا الحَدَث الشائن قد أصبحَ جِزءًا من الحِكايات المُعتادة التي يَرويها الآباء لأبنائهم لأنّ موسى لا يُحاول أن يُكرِّر ذِكْر الظروف، فمُجرَّد ذِكر اسم "ماسا" كان كافيًا لكي يَفهَم جمهورَه مَقصدَه تمامًا.
دعوني أُنعِش ذاكرَتَكُم؛ كان "ماسا" هو الاسم الذي أُطلِقَ على المكان الذي لم يكُن فيه ماء يَشرَب منه بنو إسرائيل، ولذلك تَذمّروا لموسى بشأنِه. كَلِمة ماسا التي تَبدأ بحرف الميم تَعني ”اختبار“ والفِكرة هي أنّ الشعب شَكّ في قُدرة الله على إمدادِه بالماء.
وهذه الآية في سِفْر التثنية تَقول: "لا تناسا الله كما فَعلتَ في المَكان الذي يُدعى مغريًا"، هنا ناسا تَبدأ بحرف والنون، وتَعني المُحاكمة، كما يُحاكَم الشَخص المُتَّهَم بجريمة. إنها لا تَعني أن ”نختبِر“ صَبْر الله، كما قد يبدو لأذهانِنا في التَرجمة النموذجية لهذه الآية.
إذًا، بعد أنْ نَصَح موسى الشَعب بألا يَتجرَّأ أبدًا على اِخْتِبار الله كما فَعَل الجيل الأول من الخروج (مع أنفسِهم كقاضٍ له)، بل على هذا الجيل الجديد أن يَفعَل ما يُنادى به في الآية السابعة عشرة: يَجِب أن يُطيع الله. الفِكرة هي أنّه لا يَنبغي على إسرائيل أن تُحدِّد لنفسِها ما هو الصواب والخطأ، أو ما إذا كانَت شرائع الله وأوامِرَهُ اختياريّة أو حتّى عادِلة ومُنصِفة؛ وليست وَظيفة بني إسرائيل أن يتساءلوا ويُقرِّروا بل أن يَتعلَّموا ويَتْبَعوا تلك القوانين. ويَتجلَّى هذا الفِكر أكثر قليلاً عندما يَقول: ”افعَلوا دائمًا ما هو مُستقيم في نَظَر الرَبّ“. هذا على عَكِس فِعْل ما هو صحيح في نَظرِهِم هُم. بينما نَمضي نحنُ (أتباع المَسيح) في كلّ مِن أسفار العَهد القديم والعَهد الجديد سوف نُحَثّ في عدَّة مُناسبات على ”اعمَلوا ما هو حَق في عَيْنَي الرَبّ“. هنا في سِفْر التثنية ستّة، نَحصُل على تَعريف لما هو مُستقيم في نَظَر الله: وهو طاعة شرائع وأوامِر يَهوَه. لا عَلاقة له بأن نَكون لُطَفاء أو مُتسامحين أو مُتديّنين أو سُعداء بِحَسَب أفكارِنا وفلسفاتِنا.
وهناك مُكافأة إلهية للطاعة؛ وهي أنّ إسرائيل سَتمْتلِك الأرض وأنّ الله سيَطرُد أعداء إسرائيل، وهكذا تَسير الأمور على ما يُرام بالنسبة لإسرائيل. وإذ يَستأنِف موسى الآن الفِكرة التي بدأ بِها في الآية سبعة (أنه من المُهِمّ للغاية أن تُعلَّم الشريعة لكلّ جيل تالٍ)، يقول موسى أنّ الأطفال العِبرانيين سيَشعرون في النِهاية بالفُضول حول حَياة إسرائيل الفَريدة ويَسألون آباءهم لماذا يجِب عليهم اتِّباع هذه الشرائع والأوامِر. عادةً ما يَسأل الطِفل عن سَبَب فِعل شيء ما إذا كان لدَيه شيء آخر يُقارنُه به (إذا بدا أن هناك طريقة أخرى قابِلة للتَطبيق). لماذا نَجتمِعِ في شِركةٍ لِعبادة الله في حين أنّ جميع الأطفال الآخرين لا يَفعلون ذلك؟ لماذا يجِب أن أتناوَل الخَضروات بينما أفضِّل أن أتَناول قِطعة أكبَر من تلك الكَعكة المَوجودة هناك؟ لماذا نَدرُس التوراة والعَهد القديم إلى جانب العَهْد الجديد في حين أنّ جَميع أصدقائي يقرأون قِصَص الإنجيل عن يَسوع فقط؟ إنَّها الاختلافات الواضِحة التي تُثير الفضول. لذلك يَقول موسى، عندما يُلاحِظ أبناؤكُم هذه الفروق بين ما هو مَطلوب مِنهم مُقابِل ما هو مَطلوب من الوثنييّن، على الآباء العِبرانيين أن يَقولوا لهم ما يَلي: ”كنّا عبيدًا في مِصر وأعْتقَنا إلهنا مِنها“. وبعِبارة أخرى، تاريخُنا هو ما يَجعلُنا فَرِيدِين من نوعِنا، ونتيجةً لهذا التاريخ الفَريد الذي يَقوم على علاقتِنا بيَهوَه، لهذا نَتبَع طُرُق من فَصَلَنا عن كلّ الشعوب الأخرى لنفسِه.
ويَقول موسى أنّ على الآباء أن يَقولوا أنّه بَعد أن أقامَهم الله كشَعبٍ مُنْفَصِلٍ وفريد، وبعد أن افتداهُم وأنقذهُم من العُبودية لسَيّد شرير، وبعد أن أرسَل لهُم أرضًا خاصةّ بهم، أمَرَهم الرَبّ أن يَحفَظوا أوقاتَه وأعيادَه المُعيَّنة وأن يَتَّقوه وبالتالي يُرضوه. لذلك، يقول هذا القائد العظيم لإسرائيل، ”سيَكون ذلك في صالِحنا“ إذا فَعلَنا ما أمَرَنا به الرَبّ (الذي فَعَل كل هذه الأشياء من أجلِنا).
اسمَحوا لي أن أُشير هنا إلى أنّ قَول موسى ”لصالِحنا“ (أو في الأناجيل الأخرى ”لاستحقاقِنا“) يعني أنّ الطاعَة تَجلِب لنا الخَير والعافِية كهَديّة من الله. الأشياء التي يُحِب أن يُعطينا إياها هو قادِر أن يُعطينا إياها بسبب طاعِتنا. والعَكس صَحيح عندما نَعصيه ونَتعدّى عليه وبالتالي نَتحمَّل ذنبًا أمام الله.
في هذه الحالة لا يُمَكِّنه عدلُه من أن يُعطينا السلام (الرَفاهية العامة) التي يَرغَب بشدة في إعطائنا إيّاها. وبدلاً من ذلك، فإن قداستِه التي لا مَثيل لها تَعني أنه ليسَ لديه خَيار سوى أن يَحرِمنا ويؤدِّبنا.
لِنَنتقل إلى سِفْر التثنية سبعة.
اِقْرَأ سِفْر التثنية سبعة بكاملِه
هناك مَبدأ مُهمّ يجِب أن نَرجِع إليه باستمرار عند فَهْم التَعليمات التي أعطاها (وسيعطيها) يَهوَه فيما يَتعلَّق بكيفية قيام إسرائيل بالحَرب المُقدَّسة القادِمة على كنعان وهو أنّ إسرائيل يَجب أن تَمضي قُدُمًا وهي تَعْلَم أن الله هو إله التاريخ كلِّه، وليس فقط تاريخ إسرائيل. الله هو إله البَشرية جَمعاء، وليس فقَط العِبرانيين، وأنّ الكُلّ عدا إسرائيل بِحِكِم التعريف يَعبُد آلهة كاذبة (آلهة ثقافتهم الوثنّية التي لا وجودَ لها)، وبالتالي لا يُكرِّمون الإله الخالق الحقيقي. يَجب مُلاحظة درسيَن رئيسيَين هنا: واحد) الله هو في الواقِع إله كلّ شيء وذلك لا يعني أنّ كلّ إله يُكرَّم (بأي اسم أو صِفة يُعرَف بها) هو في الواقع يُكرِّم يَهوَه على مُستوى ما. واثنان)، لأن يَهوَه هو إله كل شيء وكل شَخص، فإنّ له الحَق والسُلطة في اتِّخاذ القرارات والاختِيارات التي يتَّخِذُها. ليَهوَه الحَق في تَجريد الكنعانيين من أرضِهم، وله الحَقّ في نَقْل تلك الأرض إلى من يَختاره لأنها أرضُه في المقام الأول.
لنتحدَّث للحظة فقط عن هذه النِقطة الأولى. لقد أصبَح من الشائع بشكلٍ مُتزايد في أيّامِنا هذه (حتّى بين بعض الإنجيليين) القَول بأنه لا يَهُم ما إذا كان الشَخص يَعبُد اسم بوذا أو الله أو كريشنا أو أيًا كان لأن ما لا يَعرِفه هؤلاء الناس هو أنَّهم جميعًا في الواقِع يَعبدون يَسوع فقط. لا أعرِف ما إذا كانت هذه الفِكرة نابِعة من رَغبة جامِحة في التَسامح أو السَلام بأي ثمن، أو مجرد جَهْل للكتاب المقدَّس، لكن هذه العقيدة بَعيدةً كل البُعد عن الحقيقة لدرَجة يَصعُب معها التغاضي عنها أو المُبالغة في تقديرها. وإذا ما قَبِلنا هذا الرأي، فعلينا أن نتساءل عمّا إذا كان يُمكن أن يوجد شيء مِثل عبادة الأصنام على الإطلاق في عَصرِنا الحاضِر.
هل كان الكنعانيون يَعبدون يسوع قَبْلَ تَجسُّدِه عندما كانوا يَذبحون أولادَهم لبَعْل؟ هل كان الأموريون يَعبدون يَهوَهْ فقط عندما كانوا يؤدّون طُقوس البَغاء أمام آلهة الخَصب عشتوريث؟ كلّ ما في الأمر أنهم لم يَستخدموا الاسم الصحيح؟
أيمكنُك أن تَرى المُشكلة هنا؟ جِزءٌ من المُشكلة هو حتّى الفَهْم الخاطئ لكَلِمة " شيم" العِبرية التي تُرجِمت في اللغة الإنجليزية إلى ”اسم“ (كما في اسم الله). إنّ كَلِمة شيم تَعني أكثر بكثير من مُجرَّد الهَويَّة العائلية الرَسمية التي تُعطى لشخص ما. إنها تَعني السُمعة أو الطبيعة أو الخَصائص. بالنسبة للعبرانيين، كان للأسماء مَعنى كبير وتَجسَّدت في الاسم مَجموعة من السِمات التي كان يُعرَف بها الشخص الذي يَحمِل هذا الاسم ويُتوقَّع منه أن يتمسَّك بها. لذلك افْهَم أنه عندما يأمُر الرَبّ إسرائيل بعَدم عبادة آلهة أخرى، فإن الأمْر لا يتعلَّق فقط باستخدام العِبرانيين لاسم غير صحيح لعبادتِه، بلّ إن الخصائص التي أُسْنِدت إلى تلك الآلهة الزائفة هي عَكس الخصائص التي تُحدِّد يَهوَه.
هذا يَعَني أيضًا أنه علينا نحنُ المؤمنين في العَصر الحَديث أن نَكون حَذرين للغاية عندما نُحدد طَوْعًا أو كُرْهًا من هو الله ونَنسُب إليه صِفات لا يَملِكُها، أو نَسلُب منه تلك الصِفات الإلهية التي نُفضِّل ألا تكون له. أن نَجعَل الله إلهًا يَمُرّ بجانب الخطيّة لكنَّه لا يَفعل شيئًا؛ أو إلهًا يَقبَل المِثلية الجِنسية والبَهيمية لأنه يُحبّ الجميع ويَضَع هذه المَحبَّة فوق شرائعه وأوامِره؛ أو إلهًا يؤدِّب الجميع باستثناء المَسيحيين هو خطأ خطير. القيام بأيٍ من هذا هو في الأساس تَعريف لإله غَير موجود ثم تَسمية هذا الإله المَخلوق من عقولِنا وعقائدنِا الخيالية بيَهوَه، فهُو أنقى تَعريف لمَعنى الوثَنيّة.
لقد عَرَفت ذات مرَّة رَجُلاً كان من رُوّاد الكنيسة لعُقود (كان في صَف مدرسة الأحد). جاء إليّ بعد دَرْسٍ مُعيَّن وقال إنه شَعَر بالإهانة ولن يَعود أبدًا. كانت المُشكلة هي أنّني تَحدَّثت في ذلك اليوم عن عَدالة الرَبّ ودَينونته؛ وقال لي إنّ إلهه يسوع هو إله المَحَبّة الخالِصة ولا شيء غير ذلك، لذا لا بد أننا نتحدَّث عن إلهَين مُختلفَين. ووفاءً لكَلمتِه، لم يَعُد إلى الصف أبدًا.
يا قَوم بِقَدر ما نُحبّ جميعًا ”الحُبّ“، وبقَدر ما نُدرِك جميعًا أنّ الصِفة البارزة في يَهوَه ربما تَكون المَحَبّة، فإنها لا تُحدِّد وَحدَها كل صِفاته. فالله من بين أمور أخرى هو إله النور والخَلْق والخلاص والرَحمة والدينونة والغَضَب والوداعة؛ إنه إله قَريب، ولكنَّه أيضًا ليس من عالمِنا أو كونِنا أو حتّى من بُعدِنا. إنه ليس إنسانًا، ولا حتّى إنسانًا خارِقًا؛ بل هو كائن مُختلِف تمامًا، وفريد تمامًا. يُشعِل حياة جديدة، ويُحافِظ على الحياة، وفي الوقت نفسِه يُدمِّر الحياة وفقًا لمشيئته ومقاصِده السِيادية. وما أسرُدُه هنا غير كافٍ أبدًا لتَعريف ولَو جِزءٍ بَسيط من مَاهية الله. لكن الرَبّ قد أعطانا أيضًا ما يَكفي من صِفاته عن طريق كَلِمته المَكتوبة، وأظهَرَ لنا كيف أنّ هذه الصِفات مُتناسبة ومُتوازنة تمامًا، بحيث أنّ إسناد اسمِه إلى إله آخر تَختلف صِفاته اختلافًا صارخًا وتَقُلّْ عنه إلى ما لا نهاية هو رَجَس من أعلى المستويات.
لذلك تَقول الآية واحد أن يَهوَهْ إلهك سوف (أ) يَأتي بك (إسرائيل) إلى كنعان، و ب) يَطرُد السكان الحاليين لكي تَمتلكوها أنتم (بنو إسرائيل). ثم يَذكُر أسماء سبعة أمم ستُزال من الأرض وتَحُلّ مَحَلَّها إسرائيل.
على الرُّغم من أننا تحدَّثنا عن مفهوم ”امتلاك“ الأرض منذ بَعض الوقت، دَعني أُذَكِّرُك بإيجاز أنّ ”امتلاك“ لا يعني ”التَملُّك“. عندما يتعلَّق الأمر بأرض كنعان يُستخدَم مصطلح ”تَملُّك“ لأن تلك الأرض كانت دائمًا مُخصَّصة للاستخدام الخاص من قِبَل الرَبّ وستَظلّْ كذلك دائمًا. مِرارًا وتكرارًا في التوراة وبقية الكتاب المقدَّس، يَرِد أن يَهوَهْ هو المَالِك الوحيد والدائم لأرض كنعان. من المؤكَّد أنه مَسموح للبَشر امتِلاك وشراء وبَيع قِطَعٍ من العقارات (لا يوجد أمْرٌ توراتي ضدَّ ذلك). هنا في أمريكا، أو في أوروبا وفي مُعظم أنحاء العالم، فإنّ مَفهوم امتِلاك الإنسان لقِطعة من المُمتلكات ليس فقط شَرْعيًا وأساسيًا في جميع مُجتمعاتِنا الأرْضية تقريبًا، ولكن لا يوجَد أي حَظْر كتابي ضِدّ هذا المَفهوم. إلا أنّ هذا لا يَنطبِق على قِطعة أرض مُحدَّدة بشكل خاص في الشَرق الأوسط يُسمّيها الكتاب المقدَّس كنعان، ثم تُسمَّى في النهاية إسرائيل لأن الرَبّ يَرغَب في تأجيرها (تلك الأرض بالذات) وليس بَيعَها. ويَحتفِظ الرَبّ بجميع الحقوق في إلغاء إيجار تلك الأرض في أي وَقت يُحدِّده. لذلك لا يَحُقّ لإسرائيل أن تَبيع أرضًا إلى آخر ناهيك عن بَيعِها لأجنبي. هذه الأرض خاصَّة ومُقدَّسة ومُخصَّصة ومَحفوظة لله كمَقَرّ لمَملكتِه الأرضيّة.
نَجِد مَفهوم التَملُّك مُقابِل المُلكية هذا في مُقدِّمة قوانين اليوبيل حيث يَجِب إعادة الأرض التي ”بيعت“ إلى المالِك الأصلي. يَنطبِق هذا القانون على الأرض المقدَّسة فقط. أو بِعبارات أكثر دِقَّة، يتم إنهاء استِخدام الأرض التي انتقَلَت مُلكيَّتها إلى شخص آخر في نهاية المَطاف، ويُعاد استخدام تلك الأرض مِن الشَخِص الذي تم تَخصيصُها له في الأصْل. في القانون لا يَستنِد السِعر الذي يَتقاضاه الشَخص مُقابِل الأرض إلا على ما يُمكن أن تُنتجَه الأرض بين الوَقت الذي يَستأجرُها فيه ومُناسَبَة اليوبيل التالي، لأنّ استخدام الأرض هو فَقط ما يُمكِن أن يَنتقِل مؤقتًا. أرجو أن ترى الفَرْق المُهِمّ إلى حدّ ما بين ”يَملِك“ و”يَتملَّك“، ولماذا عندما نُفيَت إسرائيل من الأرض أبطَل الرَبّ استخدام إسرائيل للأرْض على سبيل التأديب، ونَقَل استخدام الأرض فقط إلى فاتِحي إسرائيل لفترة محدَّدة؟ لأنّ هؤلاء الفاتِحين كانوا وُكَلاء الله في عِقابه لشَعبِه. ولهذا السَبب أيضًا فإنّ هذا الرَجَس المُسمَّى بخارِطة الطريق إلى السَلام، أو اتِّفاقات أوسلو البائدة، أو أي خِطّة سلام مَزعومة أخرى لحُكومات البَشر لفَرْض نَقْل ملكية أجزاء من أرض الله، أو حتّى نَقْل ملكية أجزاء من تلك الأرض من إسرائيل إلى شَخْص آخر، هو عُصيان وغطرَسة على أعلى مُستوى، وهو مُجرَّد تَحدّي لقُدرة الله على الرَدّ. إنّ تأييد قِطاع كبير من الكَنيسة لِمِثل هذه الخِطط هو أمْرٌ مُؤْلِم بالنسبة لي.
إذًا ما لدَينا في سِفْر التثنية الإصحاح السابع هو أنّ موسى يُعالِج سِلْسِلَةً من القضايا المُحدَّدة جدًا التي سيُواجِهُها بنو إسرائيل أثناء غزوِهم كنعان. وبالإضافَة إلى قَضيّة امتِلاك الأرض والتعامُل مع الناس الذين يَعيشون هُناك حاليًا. ويُقال لبني إسرائيل (باختِصار) أنّ عليهِم ألاّ يَمنحوا الكنعانيين أي شُروط وألا يُعطوهم أي شُروط. وعليهِم ألا يَتزاوجوا (وهذا يَعني ألا يَتزوَّج أبناء العبرانيين من الكنعانيات، وألا يزوِّجوا بنات العبرانيين من الكنعانيين).
وعلاوةً على ذلك يجِب أن تُهدَم مَذابح الكنعانيين في الأرض حيث قَدَّموا ذبائح لآلهتهم الكاذِبَة، وأي نوع من الأعمِدة الدينية أو النُصُب التَذكارية لأحد آلهتِهم يَجب تحطيمُه، وأي أصنام أو صُوَر لآلهتهم يمكن اكتشافُها، يجب أن تُلقى في النار وتُحرَق.
والآن ماذا يَعني كلّْ هذا بالضبط؟ هل يتعلَّق الأمر بإبادةٍ جماعيةٍ بلا رَحمة؟ أولاً، إنّ عَدم إعطاء الكنعانيين أي شُروط يَعني أنه لن يَتمّ عَقْد أي اتِّفاقات أو مُعاهدات بين إسرائيل والكنعانيين تَسمَح لهم بالبقاء كمُجتمعات ذات سيادة.
هذا يَعني أنّ إسرائيل لا يَجِب أن تَفْعل أساسًا ما يتم فِعْلُه دائمًا في مِثل هذه الحالات مُنذ الأَزَل، وهو السماح لمَلِك أجنَبي بالبقاء مَلِكًا على شَعبِه مُقابل الضرائب والجِزْيَة والعَمَل المَدفوع للغازي (في هذه الحالة، إسرائيل). وعلاوةً على ذلك فإنّ الكنعانيين الذين يَرفُضون السُجود لإله إسرائيل لا يُسمَح لهم بالبَقاء في الأرض، بل يُطرَدون بالقوَّة، وإذا أصَرّوا بدلاً من ذلك على القِتال حتّى الموت، فيَنبغي استيعابهم.
على الرُغم من الفِكرة التي يوَدّ العديد من الحاخامات أن يَتركونا بها، والحِكايات مُفرَطة التبسيط التي قيلَت لنا جميعًا عن أنّ العبرانيين لم يَتزاوجوا فيما بينَهم وظَلّوا لفَترات طويلة من الزَمَن أنقِياء جدًا في جيناتِهم، هي بَعيدة عن الواقِع التوراتي أو التاريخي. يبدو أنّ الرِجال العبرانيين لم يَستطيعوا مُقاومَة مفاتن النساء الوثنيّات المُختلفات وجَلَبوهُنّ معهُم باستمرار إلى بيوتِهم ودَمجوهُنّ في المُجتمع العبراني. في سِفْر القضاة نرى حتّى شَمشون العظيم يَتزَّوج امرأة فِلسطينية. ومع ذلك، كان هذا مُجرَّد غَيض من فَيض. لأنَّه في ثقافات الشَرق الأوسَط (بما في ذلك إسرائيل)، لم يكُن للفتاة خَيار كبير فيمَن تَتزوَّجه. كان والدُها يَتَّخِذ هذا القَرار، وغالبًا ما كان ذلك يَعتمِد على حجم الهَديّة التي قد يقدِّمها الرَجُل للأب مُقابل الحصول على يَد ابنتِه للزَواج. أن يَعرُض الأب ابنته على من يدفَع أكثَر من غيرِه للزواج هو أمْر سيء بما فيه الكِفاية؛ أمّا أن يَسمَح الأب الإسرائيلي بأن يكون غير العبراني أحَد مُقدِّمي العُروض، فهذا أمرٌ مُحرَّم، ولكنه كان يَحدُث بانتظام و(في النهاية) كثيرًا. كانت المُشكِلة في زواج رَجُل عبراني من امرأة أجنبيَّة هي أنَّها (إلا في حالات نادِرة) ستَجلِب معها العادات الوثنيّة لقَبيلتِها ومعَها الضَغط العائلي والتأثير من أقاربِها على زوجِها العبراني ليَكون على الأقل مُتسامحًا ومُحترِمًا لمُعتقداتها (ومُعتقداتهم). سنَرى في النهاية المَلِك سليمان الموقَّر يَتزوَّج حَرفيًا مئات الزوجات الأجنبيات ويَتسامَح عَلَنًا مع عِبادتهِّن للآلهة الوثنية، بل ويُرتِّب لِبناء مذابح ليَتمكّنَّ من التَضحية لتلك الآلهة الزائفة.
كان تَزويج امرأة عِبرانية من رَجُل أجنبي مَأزقًا رَهيبًا لتلك المرأة لأنّها بمُجرَّد زواجِها من ذلك الأجنبي تَفقِد مكانتَها كإسرائيلية. بالإضافَة إلى أنّ الأولاد الذين تُنجِبَهم يَكونون من الأُمَم وبعيدين عن إسرائيل. لقد ذَهَب الفِداء الذي كان لها كَحَق مُكتسَب، وَذهَب أيضًا الفِداء الذي كان يُمكن أن يكون لأولادِها. لذلك كان تأثير عِصيان الوَصيّة بعَدَم التزاوُج مع أي من هذه الشُعوب السَبعة المَذكورة بَعيد المدى.
والآن بالنِسبة لهذه الأُمُم السَبعة من الشعوب السبعة المُدرَجة هنا، لن أحاوِل أن أعَرِّفُها كلَّها بدقَّة، لأن الأمْر سيَكون مُعقَّداً جداً بالنسبة لأغراضِنا. مُعظمها كانت قبائل مُنحدرِة من كنعان (حَفيد نوح)، ولذلك يُمكِن أن تُجمَع معًا بشكل صحيح وتُعطى الهَوَّيَة العامّة للكنعانيين (كما هو الحال غالبًا) بنفْس الطريقة التي يُمكن أن يُطلَق على رَجُل من سِبط يهوذا أو رأوبين أو بنيامين بِحقّ لَقَب الإسرائيلي لأنه من نَسْل يعقوب (الذي يُدعى إسرائيل). ولكن لم يكُن هذا هو الحال بالنِسبة لكلّ أمَّة من الأمَم السَبعة التي ذُكِرت على وجْه التَحديد. بعض هذه الأسماء لا تَتعلَّق بالقبائل بقدْر ما تتعلَّق ببساطة بوَصْف المِنطقة التي سَكَنوها. أيُّهما ليس مُهِمًا في الوقت الحالي.
ما هو مُهِمّ هو أسباب العَمَل الصارِم الذي دعا إليه الله (النَّهي عن معاهدات السلام، وأي شَكْل من أشكال التَسامُح، والتزاوُج بين القبائل)، وهو تَفادي أن يَبتعِد بنو إسرائيل (أي نَسْل) من الأجيال القادِمة عن يَهوَهْ ويَنجذِبوا إلى عبادة الأوثان. مُلاحظة: هذا البَيان هو بَيان واقع، وليس تَهديدًا فارِغًا أو تَحذيرًا افتراضيًا. الرَبّ يقول إذا فَعلتُم أيًا من هذه الأشياء فمِن المؤكَّد مئة بالمئة أنّ النتيجة ستَكون الابتِعاد عن الدِين الحَق وتَبنّي الوَثَنِيَّة. اسمَعوني الآن رجاءً: أيّ واحد مِنّا عاش طويلاً بما فيه الكِفاية استسْلَمَ في وقت أو آخر لهذا الواقِع. لا يُمكِن على الإطلاق أن نَتزوَّج من غير المُؤمنين، أو أن نَقتنِع بِطُرق العالَم غير المؤمِن (عِبادة آلهتهم إذا جاز التَعبير)، أو حتّى أن نقترِب من طُرق العالَم لنكسَب المَنافع بينما نُحاول ألّا ننجَرِف، من دون أن تَكون هناك عواقب وَخيمة. لقد سَمِعتُ الكثير من المَسيحيين يقولون عندما يُقرِّرون المُغامرة في هذا الطريق الخطير: ”حَسَنًا، أعلَم أنّ الأَمْر خطير، لكنَّني قَوي في الرَبّ، لذا سيَكون الأمر على ما يرام“. حَظًا مُوفّقًا. تكمُن المشكلة في أنّ ما نَقوله عندما نُفكِّر بهذه الطريقة أو نَقول هذا النَوع من الأقوال هو أننا نَستطيع أن نفعَل الأشياء التي يَقول الرَبّ ألاّ نفعَلها، لكنَّه سيَقبَلُها بطريقة ما ويتأكَّد من عَدم حدوث أيٍ من العواقِب السيئة. غالبًا ما نَمُرّ بفترات طويلة من الزَمَن يبدو فيها أننا قد أفْلتْنا من العِقاب، ونَتنفَّس بعَلامة الارتياح لنَجِد فجأة أنّ الحِذاء قد سَقط، ثم نُدرِك طبيعة الرَبّ الثابِتة وثبات شَرائعه؟ هذا ما يَقوله الله لإسرائيل ويَقوله لجميع الذين يَنْوون الاتِّكال عليه.
في النِهاية، كان الشَرط الأساسي لبَقاء إسرائيل في كَنعان هو العِبادة الحَصْرية ليَهوَه. إنّ العِصيان وعِبادة الأوثان سيَجلِب تلقائيًا مُصيبة إلهية؛ وستَتراوح طَبيعة تلك المُصيبة بين المُضايقات المُستمرِّة القادِمة من الأجانب، والمَجاعات، ظُلم ملوك إسرائيل للشَعب، وفي مُناسبتَين الطَرْد المُباشر من الأرض، والنَفي. لذا يوضِح موسى حقيقتَين من حَقائق الحياة: أولاً، لا تتكبَّروا على أنفسِكُم عندما تَستحوذون على الأرض لأنّ قوَّتكُم أو حِنكتكم العَسكرية أو الأعداد الكبيرة من الجُنود هي التي ستَنتصر في النهاية. تَفضيل الرَبّ لإسرائيل (وتمييزُها عن سُكاّن كنعان الأصليين) هو الذي جَعَل إسرائيل قادِرةً على تَحقيق النَصر في مِثل هذه المَهمَّة الضَخمة. وثانيًا، إنّ الأمْر كلَّه يَتعلَّق في الحقيقة بتَحقيق قَسَم (عَهد) قَطعَه الله على الآباء بأنّ إسرائيل ستَنال كنعان كمُلك خالِص لها. ولكن، يُحذِّر موسى، أنّ كل هذا يُمكِن أن ينقلِب لفَترة من الزمن إذا فَشِلتْ في مراعاة أوامِر الرَبّ.
وابتداءً من الآية الثانية عَشرة، يَتمّ إعطاء المَزيد من الأسباب لبَني إسرائيل ليَكونوا مُطيعين. تُذكِّرني هذه المَقاطع أحيانًا بمُحادثات أجريتُها مع أولادي خاصةً عندما كانوا يَكبرون. مُعظم الآباء والأمهات يتذكَّرون التَحدُّث مع أطفالِهم ”حتّى يَزْرَقّ وجهُهم“، مُحاولين إيصال رسالة مُهمَّة جدًا؛ والنَظَر إلى تلك الوجوه الفارِغة غير المُهتَمة بنظراتِها البعيدة، وقَول نفْس الشيء بِعِدَّة طرُق مُختلفة على أمَل أن تَصِل الفروق الدَقيقة في الرِسالة أخيرًا إلى المَنزل وأن يَستمِع نَسلُنا المحبوب إلى بعض النَصائح الحَكيمة ويتجنَّب المَشاكل الخَطيرة. بطريقة ما أتَخيَّل موسى وهو ينظُر إلى الآلاف من هذه الوجوه وهو يَعلَم جيدًا أنه بمُجرَّد انتهاء الرسالة تقريبًا سيبدأ التَمرُّد.
ولكن، لن يكون ذلك لعَدمَ المُحاولة. يَجعل الرَبّ الرَحمة والوَفرة التي تَنتظِر إسرائيل وِفْقَ الشروط التي وَضَعها. ستُخصَب النساء. سيَزدهِر سكّان إسرائيل. ستُنتِج التُربةَ. ستَزدهِر الحيوانات. لن يُسمَح للأمراض والأوبئة الخطيرة أن تُصيب العبرانيين (لكنّها ستَظلّ تَضرِب أعداءهم الذين يَعيشون في الجِوار). سيَجعَل الرَبّ إسرائيل مُنتصِرةً بشكل كبير في المَعارك، ولكن هذا ما دام المُحاربون الإسرائيليون لا يُظهِرون لأعدائهم أي شَفقة. أوتش. هذا يَتعارَض حقًا مع التَيّار المَسيحي، أليس كذلك؟ حسنًا، ارجِع فقط إلى مَبدأ الله الذي وضعتُه في بداية هذا الدرس: الرَبّ هو رَب الجَميع وكلّْ شيء. الكَنعانيون هم مَخلوقاته تمامًا مِثل إسرائيل، وما يُقرِّره بشأن مصيرِهم يَعود إليه. كلّ ما في الأمْر أننا قد تَعلَّمنا جيدًا أن نُفكِّر في مَفهوم الخسارة والمُصيبة أكثر من حيثُ تَقلُّص الحساب المَصرفي، أو استرداد منزلِنا أو إلغاء وظيفتِنا، أو رُبَّما حتّى موت أحد أحبّائنا بسبب حادِث مُروِّعٍ أو مَرَض قاتِل. لكن الرَبّ هنا يتحدَّث عن مَحو أُمَم بأكملِها بالجُملة لتَحقيق مشيئته في إعطاء أرض كنعان كما وَعَد إسرائيل.
هذا الواقِع هو ما أدَّى إلى هذه العَقيدة الضُمْنِيَة، إن لم تكُن مُعلَنة بشكل صريح، بأن إله العَهد القديم ذو طبيعة مُختلفة تَمامًا عن إله العَهد الجديد. ومع ذلك، أُذكِّرُكم، أنّ إله العهد الجديد سيواصِل حَرْبه المُقدَّسة على الناس الذين ليسوا مُختاريه على نطاق لا يُمكِن أن تتصوَّره عقولُنا البشرية. ستكون مَعركة هرمجدون هي النِهاية الأكثر دمَوية للحَرْب المُقدَّسة التي بدأت مع يَسوع على رأسِها، وسيَموت مئات الملايين دون اعتِذار من الرَبّ. ومن الذي سيَقود تلك المِعركة ويتسبَّب في المَوت الضخم؟ يَسوع. مسيحُنا. إله الإنجيل. سيَجعل ما حدَث في كنعان قَبْلَ ثلاثة آلاف سنة يبدو وكأنه لُعْب أطفال.
ابتداءً من الآية السابعة عشرة يُخاطِب موسى بما يَعرِف أنّ الشَعب يُفكِّر فيه. كيف يَعرِف ذلك؟ لأنه رأى نفْس الشيء قَبل حوالى ثمانية وثلاثين سنة؛ وهو أنّ الشَعب يُحِبّ حقًا فِكرة الحصول على أرض رائعة خاصَّة به ولكنّه لا يُحِب كثيرًا الجزء المُتعلِّق بضرورة القِتال وفِقدان الكثيرين لحياتِهم في المَعركة من أجل الحصول عليها. قَبل ثمانية وثلاثين عامًا كان الشَعب خائفًا جدًا من الحَرْب لدرَجة أنّه خانَ يَهوَه، والنتائج مَعروفة جيدًا، لذلك يُحاول موسى أن يَدرأ المخاوِف الطَبيعية جدًا التي قد تَكون لدى هذا الجيل الشاب بشأن غَزو كنعان. لذلك فهو يُخبِر شعب إسرائيل بأنّ يَضع في اعتبارهِ ما فَعله الله بمِصر، وأنه سيَفعل الشيء نفسَه بشكل أساسي مع الكَنعانيين.
ثم يُخبِره موسى ألا يَقلَق أو ينزعِج عندما يَستغرِق الأمر وقتًا أطول قليلاً مما كان يأمَل في غزو كنعان؛ لأنه إذا قُتِل الكثير من الكنعانيين بسرعة كبيرة، وتم تَطهير الأرض مِنهم بسرعة كبيرة، فلن يَكون لدى إسرائيل الوَقت اللازم لتَثبيت الأمْن وبالتالي ستَنتقِل الحيوانات البرِّية إلى الداخل.
همم. هل يبدو هذا شَبيهًا بما حَصَل في العراق؟ إنّ ما يَفعله الرَبّ في تَعليمات الهجوم على كنعان هو أمْر عمَلي جدًا، رُغم أنه يَتعارض مع الميول البشَرية. في العراق يَتّفِق الجميع الآن على أنه على الرغم من أننا غَزَونا وانتصَرنا بسُرعةٍ وبطريقةٍ تَكاد تكون إعجازية، إلا أنّ ذلك كان في الواقِع سريعًا جدًا. لقد اعتدينا.
لم نَأخُذ الوقت اللازِم لاحتِلال مَناطق صغيرة وإنشاء مَناطق آمِنة، ثم قُمنا بالمَضي قُدمًا والاستيلاء على أخرى. حاوَلنا ابتِلاع الفيل في قَضْمة واحدة وكان الثَمن باهظًا. انتقَلت الحيوانات البرية (القاعِدة وغيرِها من المُنظّمات الإرهابية إلى الداخل).
في الوقت نفسِه، كما يَعلَم الله وموسى أنّ الشَعب سيكون قَصير النَظَر وغَير صبور، لذا فإنّ موسى يُهيّئ الشَعب لما سيحدُث، (وهذا هو السبب نفسُه الذي جَعَل حكومتَنا تُقرِّر عدم التباطؤ في أخْذ العراق لأنّ الأمريكيين يُريدون نَتائج سَريعة وإشباعًا فورِيًا). إنّ الطَريقة الأفضَل والأكثر جدوى لمُهاجَمة العراق لم تكُن لتُقبَل أبداً من قِبل الجمهور الأمريكي (أو العالَم) الذي يُريد صراعاً على طريقة ألعاب الفيديو: يَنتهي في ساعة واحدة ولا يَتأذى أحد بالفِعل. صدِّقوني أنا لا ألقي خطابًا سِياسيًا؛ أنا فقط أحاول استِخدام مِثال تَوضيحي سَيُدرِكُه معظم الناس بسهولة وهو ما يَتوازى تمامًا مع ما واجَهَهُ موسى.
ومع ذلك، يقول الرَبّ، لا تَدَعوا السرعة البطيئة تبدو لكُم كما لو أنّ الأمور ربما لا تَسير على ما يرام؛ بل سأُسَلِّمُكُم مُلوك الكنعانيين وألقي بالجيوش الكَنعانية في حالة من الذُعر التام حتّى أنَّهم غالبًا ما سيَهربون. سيَكون النَصر كامِلاً لدرجة أنَّه، كما جاء في الآية أربعة وعشرين، لن تُذكَر حتّى أسماء الملوك والقادة العَسكريين.
ثمّ يَعود موسى إلى جانبَي عبادة الأوثان اللذين تَحدَّثنا عنهُما في عدَّة مناسبات: لا تَأخذوا أصنامَهم (لأنكم عُرضة لعِبادتها)، ولا تأخذوا حتّى الذهب والفضة المصنوعة مِنها (لأن الرَّغبة في كل هذا الذَهب والفِضّة هي عبادة للأصنام نفسِها).
وكما يَقول الرَبّ في الآية ستّة وعشرين، إنه يَبغُض تمامًا أي شيء يُمكِن أن تأتي به إسرائيل (أو نحن) إلى حضرتِه ليُنافِسَه. ولذلك، فإنّ كل ما يُمكن أن يكون مُنافسًا له يَجب أن يُدمَّر؛ ليس لأن الله بَخيل ولا يُريدنا أن نَحظى بأشياء جميلة أو حياة مُريحة، بل لأن الخَطَر على علاقتِنا وانسجامِنا مَعه كبير جدًا.
سنَبدأ بسِفْر التثنية الإصحاح ثمانية في المَرَّة القادِمة.