21st of Kislev, 5785 | כ״א בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التثنية » سِفْر التثنية الدرس السادس عشر – خاتمة الإصحاح الثاني عَشَر
سِفْر التثنية الدرس السادس عشر – خاتمة الإصحاح الثاني عَشَر

سِفْر التثنية الدرس السادس عشر – خاتمة الإصحاح الثاني عَشَر

Download Transcript


سِفْر التثنية

الدرس السادس عشر – خاتمة الإصحاح الثاني عَشَر

ختَمْنا الأسبوع الماضي بقُسْم من سِفْر التثنية الثاني عشَر الذي اتَّخذ فيه الرَب قرارًا شعبيًا جدًا: يَستطيع بنو إسرائيل الآن أن يَأكلوا كل ما يُريدونه من لحوم ولا ضَرورة أن تَكون جزءًا محدودًا من بقايا الذبائح التي يُقدِّمونَها في خيمة الاجتماع. يُصبح هذا الأمر ساري المَفعول عند دخولِهم أرض كنعان.

سيَطول الدَرْس اليوم، ولن نأخُذ الوقت الكافي لنُعيد قراءة سِفْر التثنية الإصحاح الثاني عشر مرة أخرى، لذا أُبْقوا أسفارَكم مفتوحة وتابِعوا معنا.

ابتداءً من الآية الخامسة عشرة نَحصُل على تَخفيفٍ للقيود المَفروضة على ذَبْح الحيوانات وأكلِها. في البريَّة، كان يجِب ذَبْح الحيوانات الداجِنة (الغنَم والماعز والبقَر وغيرِها) في البريَّة فقط في خَيمة الاجتماع كجزء من طقوس الذبيحة الرَسميّة. ولكن في الوَقْت نفسِه كان مَسموحًا لبني إسرائيل أن يأكلوا ويَذبَحوا الطرائد البريَّة، ولم يَكُن من الضروري أن يكون جزء منها مُخصَّص لطقوس الذَبيحة. وبالطَبع كان على الطرائد التي اختاروها أن تلتزِم بقواعِد النظافة الطَقْسية لأغراض الاستِهلاك. أمّا التقييد الحقيقي الوَحيد في تناوُل اللحوم فاعتَمَد على قُدرة الشخص على تَربية الحيوان أو تحمُّل تكاليف شرائه من أحَد الرُعاة.

من الصَعب تَقييم مدى ما أضافَه هذا الأمْر على حياة الإسرائيلي العادي. من الناحية العَملية لم يأكُل المُواطِن العبراني العادي اللَحم إلا في مناسبات خاصَّة مِثل الذبائح المَطلوبة، والأعياد التوراتية السَبعة المُصرَّح بها في التوراة، وعِند إكرام ضَيف خاص في منزِلِه، وَحَفْل زِفاف، وأشياء من هذا القَبيل. كانت الحيوانات تُستخدَم بشكلٍ عام لمنتجاتِها المستدامَة وعَمَلِها: حليب الأبقار والماعِز الذي يمكن استخدامُه لصُنْع الزبدة والجُبن والحليب الطازَج؛ والثيران لجَرّ المَحاريث والعرَبات؛ والأغنام لصُنْع الصوف المُستخدَم في صناعة الملابس والفِراش والبِسْط الأرضيَّة وحتّى الخيام. إذا كان المَرء مَحظوظًا بما فيه الكفاية لامتلاك ثور أو بقرَة أو زوج من الأغنام، فإن آخر ما كان يَفعلُه هو قَتلُها للحصول على لَحم ليَوم أو يومَين للأكْل. لذلك كان المَيسورون أو المَحظوظون الذين يَمتلكون قِطعانًا ومواشي أكبَر هم فقط من كانوا يسَتطيعون الحصول على اللحم بشكلٍ مُنتظِم إلى حدٍ ما.

لكن ظَلَّ هناك قيد رئيسي واحد على ذَبْح اللحوم واستهلاكِها: لا يمكِن استهلاك الدَم الموجود في الحَيوان ويجب التخلُّص منه. وكانت الطريقة المُقرَّرة للتَخلُّص منه هي سَكبُه على الأرض. دعونا نتحدَّث عن هذه اللائحة الجديدة ككُلّ.

أولاً، يجِب أن نفهَم أنّه على الرغم من أنّ كلّ عيد من الأعياد التوراتية كان يتضمَّن الولائم وأكِل اللحوم كنشاط جَماعي مُشترَك، إلا أنّ الأعياد الثلاثة التي كانت تُسَمَّى أعياد الحَج فقط هي التي كانت تَتَطَّلب أن يَكون اللحم الذي يؤكَل خلال العيد مَذبوحًا في المَذبَح المَركزي (خيمة الاجتماع حاليًا ثمّ الهَيكل لاحقًا). لذلك في مُناسبات الأعياد الأربعة الأخرى كان يَجِب أن تَكون الاحتفالات مَحلِّية (أيًا كانت البَلدة أو القريَة التي يَنتمي إليها المَرء) وبالتالي سَمّى الحاخامات ذَبْح اللحومشيتات هلين، أي الذَبْح العِلماني (الذَبْح الذي لم يَكُن جِزءًا من طقوس القُرْبان).

ولكن حتّى في عَملية الذَبْح العِلْماني كان يجب قَتْل الحيوان بأكبر قَدْر ممكِن من الإنسانية، مع قَطْع الحَلقوم عند الشِريان الرئيسي حتّى يفقِد الوَعي ويحدُث الموت بسرعة.

ثانيًا، لم تعُد حالة الطَهارة الطقسية المَطلوبة من الشخص الذي يرغَب في تناوُل اللحم مُهِمَّة. وبعبارة أخرى كان الشخص الطاهِر طقسيًا هو من يُقدِّم ذبيحة، كان مَسموحًا له وحدَهُ أن يأكُل لحم الحيوان الذي قُدِّمَ للتَضحية. لقد كان موقِفًا قاسيًا إلى حدٍ ما؛ وفي النهاية تَمكَّن فقط من هو طاهِر طقسيًا من أكْل اللحم (إلا إذا كان ذلك اللَحْم من أنواع الطرائد البريَّة المَسموح بها مِثل السَمّان والغزلان).

تزامُنًا مع التنظيم الجديد الذي دَخَل حيِّز التنفيذ بمُجرَّد دخول إسرائيل إلى كنعان، بما أنه لم يَعُد هناك شَرْط أن تكون اللحوم التي تؤكَل عادةً (لحمُ البقَر والضأن) جزءًا من الذَبيحة، لم تَعُد حالة الطهارة الطقسية لمُستهلِك اللحم تلعَب دورًا. يمكن أن يكون الشخص نَجِسًا طقسيًا بسبب إصابتِه بمَرَضٍ جِلدي أو يمكن أن تكون المرأة نَجِسة بسبب الدَورة الشهرية أو بسبب الوِلادة حديثًا، أو يمكن أن يَكون الشخص قد لامَسَ جثَّةً مَيتة مؤخرًا (وهو ظَرْف يَجعل هذا الشخص نَجِسًا طقسيًا)، وعلى عَكْس ما كان يحدُث من قَبل، كان بإمكانهِم تناوُل اللحم. اللحم الوَحيد الذي كان مَمنوعًا على الشخص النجِس هو اللحم الذي قُدِّمَ بالفِعل كذبيحة على مذبَح النُحاس.

ثالثًا ننظُر في المَسألة الحَرِجة المُتعلِّقة بالدَم. تعود شريعة عدَم أكْل الدم إلى زَمنِ آدم وحواء بل إنها واحِدة مما يُسمَّى بالشرائع السَبعة المُسمّاة نواميس نواكيد السَبعة التي يَقول الحاخامات (وبعض الطوائف المَسيحية) أنّ الله فرَضَها على جَميع البَشَر. لذلك عندما يحدُث الذَبْح العِلماني (أي الذَبْح غير الطَقسي للحيوانات من أجْل الطعام) يجب أن يُصَبّ الدم على الأرض ولا يُستخدَم لأي غَرَض. هذا على عكس الذَبْح المقدَّس للذبائح الحيوانية للرَب حيث يُرَشّ بعض الدم على المذبَح ويتم التخلُّص من الباقي.

هذا مُثير للاهتمام على ما أعتقِد. إنّ سبَب صَبّ الدم الناتج عن الذَبْح العِلماني على الأرض وعدَم استهلاكِه أو استخدامِه لأي غَرَض هو البديهية الكِتابية التي تقول إنّ حياة أي مَخلوق حَي هي في الدَم. إنّ هذه البديهية جزء لا يَتجزّأ من السَبب الذي يَجعل الدَم وحدَه هو الثَمن المَقبول للتَكفير عن خطايا البَشَر.

بما أنّ الحياة تَسري في الدَم، ليس لدى الإسرائيلي العادي أي عَمَل يَومي أو تَفويض إلهي لاستخدام الدَم بأي شكلٍ من الأشكال لأي شيء. وبما أن الكَهْنوت قد تأسَّس من أجْل الطقوس الدينية نِيابةً عن جَماعة إسرائيل كُلِّها، فإنّ أعضاء سِبط واحد فقط (اللاويين) هم الذين يُمكنهم استخدام الدَم لأي غَرَض كان؛ لذلك فإنّ خيارَه الوحيد هو إعادة تلك ”الحَياة“ التي في الدَم إلى الأرض (أي إعادتَها إلى الله) عندما يَذبَح حيوانًا من أجْل الطعام.

ولكن في خَيمة الاجتماع، يتَّخِذ الدَم سِمة مُختلفة لأنه يُستخَدم هناك في عملية التَكفير عن خطايا شَعب الله. لذلك يُرَشّ دم الحيوان المَذبوح (بعضُه وليس كلُّه) على مَذبح النحاس. سَبب رَشّ الدَم على المذبح أساسي لفَهْم كيفية عَمَل القداسة وهو هذا ما يلي: القداسة يمكن أن تَنتقِل. القداسة مُعدية.

لقد فَحَصنا الطبيعة الغامِضة والعميقة للقداسة في دراسَتنا لسِفْر اللاويين، ولكن بما أنه قد مَرَّ وقتٌ طويل، فمن المؤكَّد أنه ليس مَضيعة للوقت أن نراجِعَها. المبدأ الأول للقداسة الذي يُشكِّل نَواة كل صِفات القداسة هو أن الله وحدَه هو القدوس بطبيعتِه. وجِزءٌ من سبب ذلك هو أنّ كلّ شيء آخر غَير الله هو شيء مَخلوق. لا يوجَد شيء آخر في الوجود (مرئي أو غير مَرئي) مقدَّس في حَدِّ ذاتِه. يُعلِن الرَب ويُضفي القداسة على مَخلوقاته (المَنظورة وغير المنظورة) كما يَراه مُناسبًا، وحتّى في هذه الحالة يكون ذلك وِفقًا لقوانينِه ومبادئه الثابِتة. لقد أعلَن الرَب قداسة مَذبح الذبيحة النُحاسي، وكذلك جميع الأدوات والأثاثات الأخرى التي كانت جُزءًا من خَيمة الاجتماع لأنها كانت ستُستخَدم بالقُرْب مِنه.

القداسة قويَّة ومُهمَّة لدرَجَة أنه يجب أن تُحرَس بعنِاية لأن الاتِصال بين المقدَّس والعامّي يمكن أن يتسبَّب في انتقال تأثير القداسة من شيء مقدَّس إلى شيء عامّي دون قَصْد. أن يكون الشخِص عامِّيًا لا يعني أنّه شخصٌ نجِس أو غير طاهِر، بل يُشير ببساطة إلى أنه ما لم يُمنَح قداسة إلهية؛ فهو ليس مُقدَّسا (مقدَّسا) لله على الرُغم من أنه إذا أراد الله أن َيفعَل ذلك يمكن أن يُعلَن الشخص أو الشيء مُقدَّسا. لذلك ما نَجِدُه هو أنه في عَملية تأسيس يَهوَه للقداسة في هذا العالَم أعْلَن أنّ الناس يَنقسمون إلى مَجموعتَين عامَّتَين ولكنهما مُتميزتَين: أولئك الذين هم مُقدَّسون وأولئك الذين هم من عامَّة الناس. فالشَعب الذي اختارَه الله لنفسِه، أي إسرائيل، أعلنَه مُقدَّس؛ وبالتالي فإنّ جميع الناس الآخرين على كوكَب الأرض هُم بالتالي عامِّيون (ليسوا نَجسين طَقسيًا، ولكنهم ليسوا مُقدَّسين). إذًا هناك بشكلٍ عام أربَع حالات روحية يمكن أن يتَّخِذها الإنسان أو أي شيء مَخلوق: مقدَّس، وعامّي، وطاهِر، ونَجِس.

أعتقِد أنّ اليهودية الأرثوذكسية قد ارتكَبت خطأً مُحزنًا هنا من خلال المَيل إلى اختزال البشَر إلى ثلاث حالات روحية مُمكِنة فقط: مقدَّس، طاهر، ونجِس (مع استبعاد فئة ”العامّي“ المُحايدة طقسيًا). تُشير اليهودية إلى أنّ جميع البشر الذين ليسوا عِبرانيين (أي الأمميون) نَجسون بطبيعتِهم وليسوا من العامَّة. وبالتالي، بما أنّ العبرانيين (بشكلٍ صحيح) يَفهمون أنّ النَجاسة يمكن أن تنتقِل، فإنّ الافتراض هو أنّ الأممي يَجلِب النجاسة تلقائيًا على أي عبراني يتَّصِل به أو ربما يتواجَد في بيتِه.

دعوني الآن أوضِح أنّ هذا الاعتقاد يَتفاوت بدرَجة كبيرة بين الشعَب اليهودي اليوم. لقد رأيتُ بعضًا من أكثر الأرثوذكس تَشَدُّدًا يَنتقلون إلى الجانِب الآخر من الشارع لتجنُّب الأمميين، ومع ذلك فإنّ بعضًا أكثرَهم تَديُّنًا قد صافَحَني بل وأكَلَ في بيتي.

ومَع ذلك، فإنّ الشيء النجِس طقسيًا يمكن أن ينقُل نجاستَه إلى شيء مُقدَّس. وهذا يَعني أنّ الشيء المُقدَّس (أو الشخص المُقدَّس) يَتنجَّس ويجب تطهيرُه حتى تَزول عنه النجاسة. لهذا السَبب يَطلُب الله أن تكون الأشياء المقدَّسة مَحروسة بعناية: يجب ألا يُسمَح أبدًا أن تتنجَّس القداسة بمُجرَّد مُلامسة النَجِس ويجب ألا يُسمَح ، للعامّي أبدًا أن يَرِث القداسة بمُجرَّد ملامسة المقدَّس. الاستثناء الوَحيد البارِز من هذه القاعِدة هو أنه إذا أمَرَ الله شخصًا أو شيئًا عامِيًا أن يتلبَّس القداسة، حينها يَكون الإذن إلهيًا ويجب أن يحدُث.

هل تَفهمونني؟ اسمَحوا لي أن أتدخَّل وأقول إنّ ليس تَخمينًا مني أو مَذهبًا مُبتدعًا أو رأيًا؛ هذا مَأخوذ مُباشرةً من التوراة، كَلِمة الله. في الواقع قد يعترِض بعض المَسيحيين على تَعليمي في هذا الموضوع لأنَّهم إما أنهم لا يَعرفون شيئًا عن هذا المَوضوع أو أنّ قِيادة كَنيستهم تَجِد هذا الأمْر مقيتًا ولذلك ألغَتْه. أرجو أن تَفهموا أنّ هذا الواقِع من القداسة والعامِّية والنَجاسة حقيقي (أكثر واقعية في الواقِع) من الجُدران التي تُحيط بنا والسَقف الذي فوق رؤوسنا. مَبادئ التوراة الخاصة بالقداسة والنَجاسة ليست نَظَرية أو خيالاً. هكذا تعمَل القداسة ولكن كُتيِّب التعليمات حول تفاصيل القداسة غير مُتوفِّر في العهد الجديد، لذلك تَكاد الكنيسة لا تَعرف شيئًا عن القداسة أو النَجاسة على الإطلاق.

هنا مَبدأ مُهِمّ يجب أن نَتذَكَّره: الحيوانات التي تُذبَح على المذبح النحاسي ليس فيها قداسة متأصِّلة. الحيوانات التي لا يُسمَح بذبحِها للتَضحية أو الطَعام (الأرانب والخنازير) ليس فيها نجاسة متأصِّلة. الحيوانات المُعلَنة طهارتُها طقسيًا هي ببساطة كذلك باختيار الله، لأسباب غامِضة ولا نفهمُها تمامًا. لقد افترَض بعض العُلَماء أنّ لحوم حيوانات المُختارة أكثَر صِحّة من لحوم الحيوانات الأخرى، أو أنّ وَظيفة حيوان مُعيَّن في الطبيعة أكثر فائدة من حَيوان آخر، وهذا ما كان دارَ في ذهن الله عندما صَنَّف الطاهر والنجس. وبمرور الوقْت فإنّ كل مُحاولة لتَصنيف الحيوانات بهذه الطرُق العَقلانية/المَنطقية البشرية لم تُثمِر عن شيء لأننا سنَجِد استثناءات أو أمثِلة كبيرة لا تتناسَب مع ذلك. لذلك فإنّ حالة الطهارة والصِفة التَكفيرية لِدَم الحيوان لا علاقة لها بأي صِفة جسدية متأصِّلة، ولا علاقة لها ببعض الأمور السِحرية التي تَحدُث في ذلك الحيوان القرباني المُختار، بل إنّ الصِفة التكفيرية للدَم تَحدُث عندما تَنتقِل القداسة إلى دَم ذلك الحيوان عن طريق ملامستِه للمَذبَح النحاسي المقدَّس. هذا أمرٌ مُهِمّ، لذا اسمَعني جيدًا: الطريقة الوحيدة التي يكتسِب بها دَم الذبيحة صِفة التَكفير هي ملامسَتِه لمذبح النحاس، لأنّ قداسة المذبح تُصيب الدم بقداستِه. لذا يَجمَع الكهنة بعضًا من دَم كل حيوان مَذبوح في دَلو لأنه يجب أن يَتناثَر على جوانِب المَذبح، فالمذبح، لكونِه مقدَّسًا في ذاتِه، ينقُل قداستَه إلى دَم الحيوان مما يَجعَل هذا الدم فَعالاً للتَكفير. لذا، بدون المَذبح النحاسي، لم يَكُن لدى الشَعب العبراني عند نَفيِه من الأرض، وسيلة للتَكفير. لم يَكُن من المُفيد أن يَذبَح العبرانيين حيوانًا كذبيحة ويَستخدِموا مذبحًا ما بَنوه حيثما كانوا يَعيشون لأن ذلك المَذبح لم يَكُن مُقدَّسا وبالتالي لم يَكُن بإمكانِه أن يُضفي القداسة على دَم الحيوان. لذا لجأ اليهود عندما كانوا في بابِل إلى وسائل أخرى من نَسْجِ أفكارِهم الخاصَّة لمحاوَلة التَكفير.

وعلى العَكس من ذلك، فإنّ الدم الحيَواني الذي سُكِب على الأرض ليس له أي صِفة تَكفيرية (لم يتشبَّع بالقداسة) لأنه لم يتَّصِل بأي شيء مُقدَّس (أي المذبح النحاسي). بما أنه لا يوجَد أي غرَض مُقدَّس أو تكفيري على الإطلاق لمُجرَّد ذَبْح حيوان من أجْل الحصول على لَحم للأكِل (كما هو مُباح الآن)، لذلك يُصَبّ كل الدم على الأرض لأن لا فائدة مِنْه للغَرَض الروحي الوَحيد منه بِحَسَب الله: التَكفير عن الخطايا.

حسنًا. والآن بما أنّكُم خُبراء القداسة الكتابية دَعوني أريكُم شيئًا أكثر إثارة للاهتمام. لقد أثبتْنا للتو أنّ ”الحياة في الدَم“ (وهي عقيدة مَسيحية لا جِدال فيها)، وبالتالي بما أنّ الحياة كلَّها مُلْك لله فهو الذي سيُقرِّر ما يجب أن يُفعَل بها. والشيء الوحيد الذي يَرفُضُه الرَب تحت أي ظَرف من الظروف (لا للإسرائيلي، ولا للوثني، ولا لأي إنسان بما في ذلك المؤمِن بالمسيح يَسوع) هو تناوُل الدَم كطعام.

الدَم مُميَّز على المستوى الروحي. الدَم مُخصَّص بشكلٍ إلهي. نُدرِك جيدًا أنّ أي مخلوق حَي يَموت على المستوى الجسدي إذا ما نَزَف الكثير من الدَم (الحياة التي في الدم تتدفَّق من المَخلوق)، ولكن الله اختار أن يَخُصَّ الدَم بصِفة روحيّة فريدة من نوعِها يمكن استخدامُها فقط كما يرى هو أن يَستخدِمها: لِغَرَض التَكفير.

حتّى أنّ بَني إسرائيل لم يَكُن مَسموحًا لهم أن يأكلوا أو يَشربوا شيئًا يُمثِّل الدم رَمزيًا. والآن انتبهوا إلى هذا من فضلِكم: كثيرًا ما سمعتُ المَسيحيين يقولون إنّ الخَمْر المُستخدَم في الطقوس اليهودية يُمثِّل الدم وهذا غير صحيح على الإطلاق. هذه خُرافة نشأت بسبب العبارة التوراتية الشائعة التي شاعَت في نهاية المَطاف في العالَم الأُمَمي والتي تُشير إلى عَصير العِنب أو خَمْر العِنب على أنه ”دم العِنب“. من الناحية التوراتية يَرمُز الخَمْر إلى الخَير والفَرَح. وَفْرَة الخَمر تَرمُز إلى الرخاء. كان تقديم الخَمْر للضَيف في بيتِه يَرمُز إلى روح التَرحيب والسَلام وحُسن النيَّة. لكن الخَمْر، لم تَكُن تُمثِّل الدَم. لا يمكن لأي يهودي مُلتزِم أن يُفكِّر في شُرْب الخَمر إذا كان يرمُز إلى شيء لم يَكُن من المُفترَض أبدًا أن يتناوله: الدم.

قد يُلاحِظ بعضكُم مَقصدي بهذا القَول. بعدَ ألف وثلاثمئة سنَة من موسى وشريعة جَبَل سيناء، جاء شخصٌ أوصى قَطيعَه من المؤدبين بشُرْب الخَمر كرَمْز لدَمِه وأن يَفعلوا ذلك كأعظم ذِكرى تَذكارية له! اسمه يَسوع، وقد حدَث ذلك في عيد الفِصح، وجعلَت الكنيسة هذا الاحتفال سِرًّا مُنفصِلاً يُسمّى المُناولة.

دعونا نتذكَّر التَعليمات الفِعلية في العَهد الجديد لشُرب الخَمر كرَمْز لدم المسيح كما سأقرأ لكُم عن ترجمة الكتاب المقدَّس الأمريكية النموذجية، واحد كورنثوس الإصحاح الحادي عشر الآية خمسة وعشرون وَكَذَلِكَ أَخَذَ (يسوع) الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ وقال هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي، فَاشْرَبُوا هَذِهِ كُلَّمَا شَرِبْتُمُوهَا لِذِكْري“.

أوصى يَسوع تلاميذَه أن يشرَبوا دمَه بشكلٍ رَمزي…..دمَه. لماذا؟ لأنه كما سَبَق وأثبتنا أنّ الحياة الجَسدية هي في الدَم الجسدي؛ لكنّ الحياة الأبدية (الحياة الروحية التي لا تَنتهي) هي في دَم المسيح. بِشُربِنا الخَمر التي تُمثِّل دَمه، نَعترف بأنّ نوعية دمِه التَكفيرية هي التَدبير الوحيد الذي صنعَه أبونا الذي يُعطي الإنسان نوع الحياة الأبدية المُماثلة لحياتِه. افهَموا أنّ هذه الخَمر التي تُشرَب باسم المسيح هي رَمْزية بالكامِل، فكأس القُربان من خَمْر العِنب لا تتحوَّل بطريقة سِحرية إلى دَم (مع أنّ الكنيسة الكاثوليكية تقول إنها تتحوَّل). إنّ أمْر المَسيح هذا بِجَعْل الخَمْر رَمزًا لدمِه وبالتالي شُربِه هو أمْرٌ فَريد من نوعه في الكتاب المقدَّس بأكملِه. فللمرَّة الأولى في تاريخ البَشرية، كان تناوُل شيء يرمُز إلى الدم مَسموحًا به ومُشجَّعًا عليه من الله. ولا يَسَعُنا أنا وأنت إلا أن نَتخيَّل الاثني عشر تلميذاً الجالِسين حول مائدة الفِصح تلك وهُم مُندهشون وربما قَلقون ومُتشكِّكون (إن لم يَكُن مُشمئزون بصراحة) بينما كان يسوع يأمُرُهم بذلك. كل ما تَعلَّمَه هؤلاء الرجال اليَهود، وكل المبادئ الثقافية والدينية التي عَرَفوها أخبرتْهُم ألا يَفعلوا ذلك. هل يمكنكُم أن تَتخيَّلوا أيضًا تَصرُّف اليهود المَحلييّن الذين سَمِعوا ما فعلَه تلاميذ ابن النَجّار هؤلاء على مائدة الفِصح. لا بد أنَّهم فكَّروا أنهم شرِبوا الخَمر كرَمز لدَم الإنسان وكان هذا ارتدادًا على مُستوى لا يمكن تصوُّرُه بالنسبة لهُم.

هل يُساعِدك هذا في مَعرفة سبب نفور اليهود المُتديّنين تمامًا من تقَليد المُناولة المَسيحي؟ بالنسبة لهم هو مَزيج من أكْل لحوم البَشر، وعِبادة الأصنام، وانتهاك للناموس العالَمي ضِدّ الدم. لذا كُن على دراية بهذا الأمر عند التحدُّث إلى شخص يهودي وحساسياتِه في مَسألة المُناولة هذه.

في وقتٍ لاحِق (بعد عدَّة سنوات في الواقِع) بعد هذه التَعليمات المُحيِّرة للعَقل (إن لم تكُن مقزِّزة) من يَسوع، فَكَّر بولُس طويلاً ومَلِياًّ في مَعنى كل هذا. لم يَكُن استنتاجُه أنّ يسوع قد أذَنَ الآن للإنسان بِشُرب الدَم؛ ولا يُمكن للإنسان الآن أن يَعتبِر الخمر رَمزًا للدَم ويشربَه في مُختلَف الاحتفالات الدينية. بل كان الوَقت الوحيد المَسموح به والغرَض الوحيد الذي يُمكِن للإنسان أن يَشرَب فيه شيئًا يرمُز إلى الدَم هو عندما يَكون مؤمِنًا بالمسيح ويشرَب كأسًا صغيرة من الخَمْر في ذِكرى رَسمية وصادِقة لعملِه الكَفاري. إذا فَعَل الإنسان ذلك لأي سبَب آخر أو لتَكريم أي إنسان آخر أو لأي غرَض آخر غير تَذكُّر المسيح يسوع وبالتالي إعلان اتحادِنا به وحياتنا الأبدية فيه، فإننا نَعود إلى المُربَّع الأول حيث كان الإنسان يُخالف أمْر الله بعدَم شُرب الدَم.

عَبَّر بولُس عن ذلك بهذه الطريقة، عن تَرجمة الكتاب المقدَّس الأمريكية النَموذجية، واحد كورنثوس الإصحاح الحادي عشر الآية سبعة وعشرون: فَمَنْ يَأْكُلُ خُبْزَ الرَب أَوْ يَشْرَبُ كَأْسَ الرَب بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ يَكُونُ آثِمًا بِجَسَدِ الرَب وَدَمِهِ.

الشَخص الذي يشربُها بطريقةٍ غير مُستحَقَّة هو غير مؤمِن. يبدو من المَقاطع اللاحقة أنه إذا تمرَّد تلميذ يسوع إلى درجَة الابتعاد عن الله بشكلٍ خَطير، فإن هذا الشخص يَقَع أيضًا في فئة غير المُستحِقّ. إن لم نكُن في اتحاد مع المَسيح فلَسنا مُستَحقّين وليس لنا سُلطة للمُشاركة في هذا الاستثناء الوحيد الهائل لقاعِدة عدَم شُرب الدَم، ولا حتى بشكلٍ رَمزي. سنَكون آثمين على أعلى مستوى مُمكِن وسنكون مُذنبين من الله لفِعلنا مِثل هذا الشيء.

ولكن لاحِظوا أنّ هذا المبدأ الإلهي نفسُه يَعْمَل في أيام موسى كما يَعْمَل الآن: لا يوجَد شيء مقدَّس بطبيعتِه في الخَمر. بل إنّ الرَب يُعلِنها كرَمز للقداسة وإعطاء الحياة الأبدية عندما نشربُها إكرامًا لتَضحية مُخلّصِنا. لا يوجد شيء سِحري في الخَمر عندما نشربُها إكرامًا ليسوع؛ إنها ذات مغزى فقط لأولئك الذين افتُدوا بالفِعل لأن الله ببساطة أعلَن ذلك.

دعوني الآن أغوصُ بالتَفاصيل. مُنِع الله آدم وحواء من أكْل ثَمَرة شجرة الحياة التي نَبتَت في جَنَّة عَدَن. لماذا؟ لأنَّهما لو أكَلا من تلك الشَجرة لحَصَلا على الحياة الأبدية. ما العَيب في حصولِهما على الحياة الأبدية بما أنّه من الواضِح أنّ الله يريد أن يَكون للناس حياةً أبدية مَعه؟ في الواقِع لقد ذَهَب إلى أبعَد مدى ليَجعَل الحياة الأبدية معه مُمكِنة. المُشكِلة هي أنّ آدم وحواء لم يُفتَديا. لم يَضَع الله أولاً مَبدأ الفداء مع موسى والكهنوت، ولكن وضَعه مع آدم وحواء. الحياة الأبدية هي شيء يُريده الرَب للبَشرية ولكنّها ستَقتصِر دائمًا على أولئك الذين افتُدوا وِفقًا لتَعريف الرَب لطريقة الفِداء.

إذًا كما أوضَح بولُس أنّ غير المُستحِقّين لا يمكنُهم أن يَشربوا من كأس القُربان، فإنّ الفِكرة ترتبِط بشجرة الحياة لأنّ يَسوع هو شجرة الحياة الروحية. المَسيح هو شجرة الحياة. يسوع مسيحُنا هو الوسيلة، الوَسيلة الوحيدة للحياة الأبدية للبَشر.

لذلك لا يُسمَح لأي إنسان أن يأكُل من شجرة الحياة الجديدة هذه، يسوع، أو ”أن يَشرَب من دمِه“ كما يرمُز إليه شُرْب الخَمر الفِصحي ما لم يَكُن الإنسان قد افتُديَ أولاً. أَكْل ثمر شجرة الحياة يرمُز إلى نفْس الشيء تماماً كشُرْب الخَمر الذي يرُمز إلى العهد في دَم المسيح.

يا قَوم، عندما نقبَل المسيح نكون قد أكَلْنا الثمر من شجرة الحياة التي لم يَستِطع أبو البشرية كلِّها وأمِّها أن يأكُلاها. يا لها من أعماق غامِضة في عَقْل الرَب وتَدبيرِه، أليس كذلك؟

تُعطي الآيات عشرون إلى خَمسة وعشرين من الإصحاح الثاني عشر بَعض التَفاصيل عن هذا الذَبْح العِلماني للحيوانات من أجْل الطَعام، والتي تناوَلنا مُعظَمها. ومع ذلك، يبدو أنّ الآية واحد وعشرين تُضيف تَنْبيهاً إلى ذَبْح الحيوانات وأكْلِها من أجْل الطعام؛ بقَوْل أنّ هذا يَنطبِق على أولئك الذين يَعيشون ”بَعيداً جداً“ عن الحَرَم المَركزي. لقد تمّ تَفسير هذه التَعليمات بعِدَّة طُرُق من قِبل علماء اليهود، ولكن عادةً ما يتم أخذُها على أنها تَعني أنّ أي مكان خارِج الهيكل أو فِناء خيمة الاجتماع ”بَعيد جدًا“. يَقولون في الأساس إنّ المَعنى هو أنّه إذا كان المَرء خارج الحَرَم المقدَّس، فإنّ هذه الشريعة الجَديدة المُتعلِّقة بأَكِل اللحوم سارِية. إنّ الأسينيين في قُمران الذين كَتبوا ما يُسمَّى بلُفافة الهيكل (المَوجودة بين مَخطوطات البحر الميت) عَرَّفوا ”بعيدًا جدًا“ على أنها مَسيرة ثلاثة أيّام. كان هذا اختيارًا مَنطقيًا وعَمَليًا لأنّ المَسافة من قُمران إلى أورشليم كانت أكثر بقَليل من ثلاثة أيّام. لذلك كانوا بهذا الحُكْم يَستثنون أنفسَهُم من شَرْط السِفْر إلى الهيكل وتقديم حيواناتِهم إلى كهنوت اعتبَروه فاسِدًا وغير شَرعي. وقال حاخامات آخرون إنّ هذا الأمْر يتعلَّق في الواقِع أكثر بالرَحلات إلى خيمة الاجتماع كما هو مَطلوب في أعياد الحَج الثلاثة، بحيث أنّ بعض اليَهود الذين كانوا ”بَعيدين جداً“ (في الشتات) لم يَكونوا مُلزَمين بأن تُذبَح خرافُهُم الفِصحِية في حُضور الكهنة.

تَذكُر الآية خمسة وعشرون ما هو في الحقيقة دائمًا هَدَف شرائع الله وطقوسِه: ”لِكَيْ يَطِيبَ لَكُمْ“. أي، على الرُغم مما تَعلَّمه المسيحيون عموماً منذ قرون، فإنّ مِفتاح الحياة المسيحية المُنتصِرة (أن تَسير الأمور على ما يُرام بالنسبة للمؤمِن) هو الطاعة التامَّة للقوانين والفرائض التي وَضَعها الرَب. الصَلاة جزءٌ من ذلك، لكنها ليست المِفتاح؛ الذهاب إلى الكنيسة، هو جزء من ذلك لكنه ليس المِفتاح؛ العَطاء بانتظام على أمَل أن يكافئك الله بمَزيد من الغِنى ليس المِفتاح. الطاعة لأوامِر الله هي المِفتاح للشعور بالسلام، أي الرفاهية التي يَجلِبها الله.

حَسنًا بما أنّ التَعليمات التي أُعْطيت لنا للتوّ هي القواعِد العامَّة للذَبْح الدنيوي للحَيوانات من أجْل الطعام، والآن ستُخبِرنا عن قواعد الذَبْح المقدَّس للحَيوانات لأغراض القُربان. ويتمّ التَأكيد على أنّ تلك القرابين المَنذورة والتَقدمات المَجانية يجب أن تؤخَذ إلى الحرَم المركزي (خيمة الاجتماع) ولا يجب أن تُقدَّم في أي مكان آخر. يُخبِرنا الله أنه حيثما تَمّ التساهُل في مَسألة أكْل اللحوم بدافِع التَطبيق العمَلي، يتعلَّق الأمر بأمور القداسة ولا يمكن التساهُل بخصوص المَعايير. من المُهِمّ فَهْم جميع الاختلافات المُهمَّة بين مختلف أنواع الذبائح. كانت ذبائح النِذر وقرابين الإرادة الحرَّة، رغم ارتباطِها بالطقوس المُقدَّسة، نتيجةً لقرارات واختيارات العابِد نفسِه. كانت ذبائح النِذر وقرابين الإرادة الحرَّة تَخضَع لتقدير الأفراد. لم يَكُن بنو إسرائيل مُلزَمين بتقديم النذور أو تَقديم ذبائح إضافية فوق العشور المَطلوبة وبواكير الثِمار وذبائح الأعياد. كانت ذبائح النذور والتقدِمات المَجانية طَوْعية بَحتة، وكان الناموس يُعطي الجزء الأكبر من لُحوم هذه الأنواع من الذبائح المقدَّسة للمُتَعِّبد وللكهنوت لاستخدامِها كطعام. ولذلك، ولئلا يظُنَّ أحد أنه بما أنّ هذه كانت قرابين طوْعية للرَب فلم يَكُن عليهُم أن يأخذوها إلى خيمة الاجتماع ليُقدِّموها هناك، فقد تمّ التَوضيح أنّ مِثل هذا الأمْر لا يجِب أن يحدُث.

علاوةً على ذلك، هذه القرابين الطَوعية لا يجِب أن تحدُث خارج خيمة الاجتماع وِفق فَهمِنا للدم والقداسة فبِدون أن يُرَشّ دم التَقدمة المقدَّسة على المَذبح النُحاسي، لا يمكن أن يُصابَ الدم بالقداسة؛ والدَم الذي لا يكون مُقدَّسا ولا يَصلُح إلا للسَكْب على الأرض. إذًا لا يريد الرَب أن يظُنَّ أحد أن بإمكانِه أن يؤدّي طَقسًا مُقدَّسا (مِثل النِذر أو الذبيحة المَجانية) على طريقتِه الخاصة، أو أن يَفعل ذلك بالطريقة التي يُفضِّلها في المَكان الذي يُفضِّله (عادةً بدافِع الراحة) ويظُنّ أن له أي قيمة روحيَّة على الإطلاق.

بدءًا من الآية تسعة وعشرين تَظهَر دائرة كامِلة نوعًا ما؛ لقد بدأ الرَب هذا الإصحاح بالتَحذير من عبادتِه في نَفْس الأماكن أو الطرُق التي يَعبُد بها الكنعانيون آلهتهم الزائفَة. وهنا المَقصود أنّه يجِب العبادة في حَرَم الله المقدَّس فقط، الذي يجِب أن يُوضَع فقط حيث أمَرَ الله، بحَسب عبادتِه وليس كما يَعبُد الوثنيون آلهتَهم.

يُضافُ إلى ذلك تَعليمات مُثيرة للاهتمام في الآية ثلاثين: وهي أنّ العبرانيين ”لا يَستفسِرون“ عن كيفية عبادة تلك الأُمَم الأخرى لآلهتهِم. ليس عليهم أن يتبعوا فضولَهم ويَتعرَّفوا على عبادات بَعل أو أن يَحضُروا إحدى احتفالات عبادة الكَنعانيين حتّى لو كان الغرَض عدَم التفكير بجديَّة في قبول مُعتقداتِهم. هذا يَتعارَض مع عقليتنا الحديثة التي تَعتقد أنه يجِب علينا أن نذَهب لمعرِفة كلّ شيء عن الأديان الأخرى حتّى نتمكَّن من التحدُّث عنها بذَكاء. وأنه من واجبِنا أن نعرِف كل شيء عنها حتىّ لا نُشوِّه صورتَها عن طريق الخطأ أو نبدو مُتعصِّبين على الإطلاق لدين يبدو أنه يَحمِل ”قِيَمًا جيدة“.

بينما أحترِم وُجهاتِ النَظر المُختلِفة حول هذا الموضوع، اسمَحوا لي أن أقول شَيئين فقط حول هذا المَوضوع: واحِد) هذا ليس مِثل استكشاف الطوائف المَسيحية المُختلفة أو حتّى استكشاف الديانة اليَهودية لأنّ كلاهما قائم على عِبادة يَهوَه وكلاهُما قائم على أساس الكتاب المقدَّس. اثنان) لا يتعلَّق الأمْر بمُحاولة تَجهيل شعب الله، بل إنّ الأمر يَتعلَّق بأن العديد من الديانات الباطِلة يمكن أن تَكون مُغْرية للغاية لأنها تروق لميولِنا الشريرة الطَبيعية. كما جاء في الآية ثلاثين من العديد من التَرجمات: ”احذَروا أن تُستدرَجوا إلى طرقهِم…..“ وبالتأكيد لا يَنبغي لنا أن نفعَل ما تَفعَله هذه الأنظِمة العقائدية الأخرى، ولا يَنبغي لنا أن نُضيف أي عُنصر من عناصر عبادتِها إلى الطرُق المَسموح بها التي أظهرَها لنا الرَب في كَلِمتِه.

إنّ معنى ”أن نُستدرَج إلى طرُقِهم“ قد تّم التقاطُه بشكلٍ جيد في الكتاب المقدَّس اليَهودي حيثُ يَرِد ”أن نَقَع في شَرَك اتِّباعِهم“. الفِكرة هي الوقوع في فَخ ثم عدَم القدرة على تَخليص نفسِك. أحَد الأمثلة السائدة الآن كما كان سائدًا في ذلك الوَقت هو الزواج من ديانة أخرى؛ فاليَوم نرى المَزيد والمزيد من النساء الغربيَّات يَتزوَّجْن من رِجال مُسلمين ويَجِدن أنَّهُن قد وقَعْن بالفِعل في الفَخّ. وغالباً ما يُطلَب من الزوجة أن تذهَب لتلتقي بالعائلة في بَلدٍ عرَبي ما، وتَجعلَ قوانين ذلك البلد المرأة عَبْدَة افتراضية حيث لا يُسمَح لها بالعودة إلى وطنِها في بَلد غير مُسلِم إذا قرَّر الزَوج البقاء. أو إذا كان للزوجين أطفال، يُسمَح للمرأة بالمُغادرة ولكن يجب أن يَبقى الأطفال مع والدِهم. بالتأكيد لم تتصوَّر المرأة على الأرجَح مِثل هذا الأمْر عندما واعَدت هذا الرَجُل الطَيِّب، ولا حتّى عندما تزوَّجَتْه، ولم تكترِث كثيرًا لمُعتقداته الإسلامية. ولكن بتجاهُلِها لشَرْع الله في هذا الشأن، فقد خُدِعت وأُوقِعَت في شراكِه وحوصِرت. وربما يكون ثمن إطلاق سراحِها هو أولادِها أو حياتِها.

كان هذا هو الحال نفسُه بالنِسبة لبني إسرائيل. لم يَكُن الأمر ببساطة أن تُخالفوا هذه الشريعة و”لا تَسير الأمور على ما يُرام بالنسبة لكُم“ (أي أن تَخسروا برَكات الله بِخَلْط عبادة يَهوَه مع عبادة بَعض الآلهة أو الآلهة الكَنعانية الأخرى). كان ذلك في كثير من الأحيان سيؤدّي إلى ضَياع هويَّتِك العبرانية أيضًا. كنتَ ستَقَع في شرَك وربما عن غير قَصْد، وتَجِدَ نفسَك مُندمِجًا في ثقافة وثنية. وهذا ليس مُستَبْعَد؛ فما كادت أقدام بَني إسرائيل تطأ أرض كنعان حتّى بدأوا في فِعل ذلك من خلال استِكشاف الديانات المُجاوِرة، أو من خلال زواج نِسائهم من القبائل الوثنيَّة، أو في الغالِب إضافة القليل من المُعتقدات الوثنية المَحليَّة إلى عبادتِهم لله من أجْل إظهار التسامُح والوِدّ.

أنا مُتأكِّد من أنّ لدينا أزواجًا وزوجات في هذا الصَفّ لا يَنتمي أزواجُهم بالضرورة إلى ديانة وثنية ولكنَّهم ببساطة ليْسوا من عَبَدة إله إسرائيل. غالبًا ما يُمكن أن يَخلُق هذا توتُّرًا هائلاً داخل الأُسْرَة، ويمكِن بسهولة أن يُستدرَج الشخص الذي يؤمِن إلى نمَط حياة أكثر عِلمانية لأنه يَشعُر أنه ليس لديه خَيار آخر إذا كان هناك سَلام عائلي.

يَنتهي هذا الإصحاح بِقَول الرَب بشكلٍ لا لِبْس فيه أنه يَجِد ممارسات العبادة الباطِلة هذه بَغيضة؛ وأنّ العديد من تِلك الديانات الباطِلة تتضَمَّن تقديم الأطفال كقَرابين بَشرية للآلهة.

اسمحَوا لي أن أتحدَّث بإيجاز عن مَوضوع التَضحية بالأطفال لأنه كثيرًا ما يَرِد في الكتاب المقدَّس. كانت التَضحية بالأطفال مَعروفة جيدًا خارِج قِصَص الكتاب المقدَّس؛ فقد كَتَب عنها الكتاب الكلاسيكيّون. بشكلٍ عام كان الطِفل يُقدَّم لإله ما إذا كانت تلك العائلة تُريد شيئًا ذا قيمة كبيرة من ذلك الإله أو إذا كان ذلك الإله سيَحميها من مُصيبة كبيرة أو هَزيمة في مَعركة أو حتّى من وَباء. هناك الكثير من الأدِلَّة الأثريَّة التي تُثبِت انتشار مُمارسة التَضحية بالأطفال على نِطاق واسِع نوعًا ما لأنه تمّ العثور على مئات الجِرار التي تَحتوي على عظام مُتفحِّمة تمامًا لأطفال صغار جدًا في المَناطق التي كانت توجَد فيها مذابح وثنيَّة.

وقد تمّ الكَشْف عن نقوش مَصرية الأصْل تَحكي قِصّة مُهاجَمة مصر للمُدُن الكنعانية المُسوَّرة حوالي عام ألف ومئتين قبل الميلاد، وتُظهِر هذه النقوش أنّ الناس داخِل تلك الأسوار (الكنعانيين) كانوا يقيمون طقوسًا دِينية ويُصَلّون للسماء ويُسقِطون جُثث الأطفال الموتى فوق الأسوار. وبعِبارة أخرى فإنّ الأطفال كانوا قد قُتلِوا بالفِعل كذبيحة، لذا فإنّ إلقاءهُم من فوق الأسوار كان جزءًا من الإشارة إلى الغَرَض من تلك التَضحيات.

لماذا التَضحية بالأطفال وليس الكِبار؟ لأنّ المُعتقد الأساسي لدى الوثنيّين هو أنَّهم إذا أرادوا شيئًا ذا قيمة أو أهَميّة كبيرة من الآلهة فعَليهِم أن يُقدِّموا أغلى ما لديهمِ من أجل كَسْب رضا الآلهة. وكانت مُعظَم المُجتمعات تقدِّر أبناءها قَبل كل شيء. لذا يجِب ألا نَعتقِد أبدًا أنّ هذه الدِيانات التي قَتَلت أبناءها وبناتِها استرضاءً لآلهتِها فعلَتْ ذلك لأن لديها الكثير من الأولاد، أو أنها لم تكُن تُحبُّهم أو تَهتَمّ بِهم، فما قيمة طِفل واحد أقَلّ في عائلة كبيرة بالنِسبة لها؟

والآن، بقدر ما كان هذا الأمر بَغيضًا بالنسبة ليَهوَه، بقدر ما كان واضحًا بالنسبة ليَهوَه، وبقدر ما كان واضِحًا بالنسبة لإسرائيل، بقدر ما كان العبرانيون عمومًا يأخذون هذا الأْمر بجَديَّة، فإنَّهم لم يَكونوا مُترفِّعين تمامًا عن الانخِراط فيه بأنفسِهم. لقد قدَّمتُ لكُم في درسٍ سابق القصّة المُحزِنة ليافثا، وهي قصة حزينة للّذي نَذَر أن يقدِّم مِحرقة أوَّل ما يخرُج من بيتِه لتَحيَّتِه عند عودتِه من معركة حاسِمة، إذا كان الرَب سيَقود يافثا، إلى النَصر. حسناً، حَصَل يافثا، على النَصر الذي صلّى من أجلِه، وعندما عاد إلى بيتِه خرَجَت ابنته الوحيدة من الباب لتَستقبِلَه. لقد أوفى بنِذرِه.

الآن بالتأكيد لم تكُن نيَّتُه التَضحية بالطفلة، أليس كذلك؟ في الواقِع كانت الفتاة على الأرجح مُراهِقة. كان الأمر بِرُمَّتِه مفاجأة مُروِّعة بالنسبة له. في الشَرق الأوسط، وحتّى يومِنا هذا في المَناطق الأكثر بدائية، تَعيش حيوانات المَزرعة داخِل البيت مع الناس. في زَمَن الكتاب المقدَّس (حتّى يوم يسوع) كان هذا هو السائد أيضًا ولم يُفكِّر الناس في ذلك. من المؤكَّد أنّ يافثا، كان يتوقَّع أن تَخرُج إحدى حيواناتِه الثمينة عَشوائيًا من منزلِه عندما عاد إلى المنزل مُنتصِرًا. وعلى الرُغم من ذُهولِه الشديد حيال ذلك، إلا أنه مَضى قُدُمًا وقَتَل ابنتَه وأحرَقَهَا على مذبَح، وفَعَل كل ذلك باسم الرَب. وعلى الرُغم من أنه كان يَنوي ببساطة أن يَفي بنِذر مُتسرِّع جدًا، ولا يُخطئ بالتراجُع، إلا أنّ ما فعَله كان ذبيحة بشرية (كان منطِقُه مُعْوَجًا لدرَجة أنه قرَّر أنه يفعَل شيئًا صالِحًا يُرضي يَهوَه).

نحن نعلَم أنه حتّى في أيام يسوع كانت ذبائح الأطفال تَحدُث في الوادي العَميق الذي كان يُحيط بالزاوية الجنوبية والشَرقية للمَدينة المقدَّسة، وادي حِنوم. كان يُستخدَم كمِكَبّ للنِفايات ومَكانًا أقيمَت فيه مذابح لموليخ، وكان يُذبَح فيه الأطفال (من المُفترَض، بالطبع، ليس من قِبَل العبرانيين بل من قِبَل الوثنيين).

هنا النقُطة المُهمَّة: لقد أدرَك العلماء دائمًا أنّ حَظْر ذبيحة الأطفال لم يَكُن هو الغرَض من الآية الأخيرة من الإصحاح الثاني عشَر. بل بالأحرى أنها ببساطة أخذَت المِثال الأكثر تَطرُّفًا لما يُمكِن أن يحدُث إذا ما بدأت إسرائيل في تَبنّي أساليب جيرانِها الوثنييّن وهُم يُكرِّمون آلهتهم الباطِلة. الفِكرة هي أنّه بمجرد أن يُعاين العبراني أو يَستفسِر حتّى عن أكثر الجوانِب الدُنيوية أو التي تَبدو غير مؤذية في ديانة الكنعانيين الوثنية لن يُقاومَها وسيَنتهي به الأمْر إلى ارتكاب أسوأ الفظائع المُمكِنة، بل إنه سوف يفعَل ذلك باسم يَهوَه. لذلك عليه أن يَتجنَّب هذه الديانات بكلّ ذَرة من كَيانِه بِغَضّ النَظَر عما إذا كانت تُهين أو تُسيء أو تُغضِب أو تَجعَل العلاقات مع الكنعانيين مُضطرِبة.

اسمحوا لي أن أختُم اليوم بهذه الفِكرة: من خِلال اختزال الكنيسة ببساطة كلّ ما يتوقَّعُه الرَب مِنا في كَلِمة ”المَحَبَّة“، نرى طوائف مُختلِفة تؤيِّد الشذوذ الجِنسي وزواج المِثليّين والإجهاض وتعدُّد الزوجات في نفسِ الوقت الذي تُريد فيه مَنْع إعدام القتَلة ومَغفِرة الجرائم الجِنسية ضِدَّ الأطفال والإعلان أنّ أي إله يُعبَد هو في الحقيقة يسوع فقط. لماذا؟ لأن ”شريعة المَحبَّة“ المُفترضَة تُبطِل فِعليًا جميع وصايا الرَب الأخرى. لا يمكننا أن نكون ضِدّ المِثليَّة الجِنسية لأنها ليست مَحبَّة. لا يمكننا أن نَقِف في طريق زواج ذَكَرَين من بعضِهما البَعض لأنهما يُحبّان بعضَهما البعض وبالطَبع الله يُحِبّ المَحبَّة. لا يُمكننا أن نُعدِم قاتلاً لأنه بدلاً من ذلك يجب أن نُحبَّه ولا يوجد إله مُحِبّ لا يُمكِن أن يُزهِق روح إنسان قصاصاً. ولا يمكننا أن نَقِف مع إسرائيل وبالضرورة ضِدَّ عدوّها الفلَسطيني لأن هذا ليس عَدْلاً وبالتالي ليس مَحبَّة.

كيف يمكِن أن تنحَرِف الكنيسة عن مَسارِها إلى هذا الحَدّ؟ كيف يمكِن للمؤمنين أن يفكِّروا بمِثل هذه الأفكار الغَريبة؟ تمامًا كما حدَث مع يافثا، فقد خَلَط الكثير من أبناء المَسيحية طرُق الفَلسفة اليونانية والفِكر والتقاليد الثقافية المُختلفَة بطرُق الرَب على أمَل أن يَتوافقوا مع العالَم. ومع ازدياد قُبولِ المُجتمع والكنيسة لهذه الأمور، أصبَحنا جميعًا مُخدَّرين بها وأصبَح هذا الوَضْع الطبيعي الجَديد، لذلك نُعلِن لأنفسِنا أنّ هذه الأمور يجب أن تَكون جيدة لأنها تَبدو مُريحة جدًا لنا. إنّ فِعْل غَير ذلك سيَجعلُنا نواجِه العديد من أصدقائنا، وبعضَ أفراد عائلتِنا، وبالتأكيد في بعض الأحيان كنيستِنا أو كِنيسنا. ففي النهاية من يُريد أن يوصَف بأنه يَنتمي إلى طائفة، أو زنديق، أو أصولي مُتعصِّب غير مُتسامِح غير ذكي كارِه للذكاء؟

حسنًا، هذا هو الخَيار الذي يضَعُه يَهوَه أمام إسرائيل: إمّا أن تُطيعي كل أوامِري، بغَضّ النَظَر عن العواقِب الاجتماعية، حتّى أُبارِكَكِ؛ أو أن ترتكِبي عبادة الأصنام بتَبنّي بعض طرُق العالَم وبالتالي تَحريف العبادة الحقيقية للإله الحقيقي لكي تَختلِط مع جيرانكِ وتَحصُلي على شَكل من أشكال السَلام.

سنبدأ الأسبوع القادِم في الإصحاح الثالِث عَشَر.