9th of Tevet, 5785 | ט׳ בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التثنية » سِفْر التثنية الدرس الرابع والعشرون – الإصحاحان التاسع عشَر والعشرين
سِفْر التثنية الدرس الرابع والعشرون – الإصحاحان التاسع عشَر والعشرين

سِفْر التثنية الدرس الرابع والعشرون – الإصحاحان التاسع عشَر والعشرين

Download Transcript


سِفْر التثنية

الدرس الرابع والعشرونالإصحاحان التاسع عشَر والعشرين

لقد انتهَينا الأسبوع الماضي من الإصْحاح الثامن عشر الذي أكمَلْنا فيه قِسْم سِفْر التثنية الذي يَصِف الأنواع الأربعة الرئيسية للسُلطات الحكومية البَشرية التي أَمَرَ الله أن تَحكُم إسرائيل: الملوك والأنبياء والقُضاة والكهنة. وبينما نَبدأ اليوم الإصحاح التاسع عشَر ندخُل في قِسم من ثلاثة فصول سيَتناول الأمور التي تَقَع تحت سيطَرة هذه السُلطات الحكومية المُختلِفة.

اقلِبوا أناجيلَكُم إلى سِفْر التثنية الإصحاح التاسع عشر.

اقرأوا الإصحاح التاسع عشر من سِفْر التثنية كلِّه

يبدأ الإصحاح بالكَلِمات التالية: حِينَ اقْتَطَعَ الرَب إِلهُكَ الأُمَمَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَب إِلهُكَ أَرْضَهَا…..“ هذا يُعطيني فرصة لأذكِّرَكُم بشيء لم نناقشْهُ منذ فترة وهو أمرٌ بالِغ الأهمية لنفهَمَ سِفْر التثنية. ما تُذَكِّرُنا به هذه الآية الأولى هو أنه على الرُغم من أنّ ستمئة ألف رَجُل من جَيش إسرائيل على وَشَك الدخول في معرَكة لغَزو أرض كنعان، فإنّ هذه الحَرْب في الواقع هي حَرْب الرَب. فبينما قد يَعِدْ قائدُ جيشٍ ما شَعبَه بأنَّه سيقود الجَيش إلى المَعركة ويَحرُص على هزيمة عدوِّه، فإن يَهوَه هنا يَقوم بدور قائد الجيش العِبراني إلى المَعركة ويُصرِّح بذلك بقولِهِ: ”عندما يَكون الرَب إلهك (كقائد للجيش) قد قَطَع (هَزَم) الأُمَم…..“ الله هو الذي يَشُنّ الحَرب، وليس شعبَ إسرائيل. وبما أنّ الله القُدّوس هو الذي يَبدأ هذه الحَرْب فهي بِحُكم التعريف حَربٌ مقدَّسَة. وبما أنها حرب مقدَّسَة فهناك قواعِد مُعيَّنة يَضعُها الله تَختلف تمامًا عن الحرْب البشرية العادية والنموذجيّة مِثْل الحَرْب التي واجَهناها في الحَرْب العالميّة الثانية، وكوريا، وفيتنام، والآن العِراق.

لكن ما هي الحَرب المقدَّسَة؟ نحن نفكِّر في الحَرب المقدَّسَة على أنها إمّا شيء حَصَل من تسعمئة سنة في ماضينا (الحروب الصَليبية) أو شيء نُدافِع عن أنفسِنا منه حاليًا: الجِهاد الإسلامي (الحَرْب الإسلامية المقدَّسَة ضِدّ اليهود والمَسيحيين). دعني أؤكِّد لك أن أياً مِنهما لا يُمثِّل الحَرْب المقدَّسَة الحقيقية من الناحية التوراتية، فالحَرْب المُقدَّسَة الحقيقية هي حَرْب مقدَّسَة توراتية بالكامِل، والحَرب المُقدَّسَة ستَشنُّها إسرائيل نِيابةً عن الله وهي تقترَب من أرض الميعاد بقيادة موسى ثمّ تِلميذه يوشَع فيما بعد.

ولكن دَعوني أخبرُكم أيضًا ما لا يُعتبَر حَرْب مقدَّسَة؛ من وِجهة نَظَر الكتاب المقدَّس، وهو نَشْر الدين. إنها لا تتعلَّق بإجبار أصحاب المُعتقدات المُختلفة على اعتناق معتقداتِكم. كان إحدى المبادئ الأولى للدِيانة العبرانية هي الخضوع الطَوْعي لها، وبالتالي لم تُمارِس إسرائيل مفهوم التَبشير (الذي أصبَح أساسيًا في المَسيحية).

سنتحدَّث عن هذا الأمر أكثَر في الوقتِ المُناسب، ولكن أرجوكَ أن تُدرِك أنّ الحرب المقدَّسَة هي حرب يَبدأها الله ويُنهيها وِفقًا لإرادتِه. حَربُنا الثورية لم تكُن حربًا مقدَّسَة؛ أطلَقَها بعض الناس الذين أرادوا التَحرُّر من مَلِك. الحرب العالميَّة الثانية لم تكُن حربًا مقدَّسَة؛ اليابانيون والألمان هم من بدأوها واستَجابت لها الأُمَم الأخرى. لم تكُن الحُروب الصَليبية في الواقع سِلسلة من الحروب المقدَّسَة على الرُغم من أنّ الكثيرين أطلَقوا عليها ذلك؛ بدأها بعض الباباوات الكاثوليك وبعض النُبَلاء الأوروبيين وأضافوا عليها اسم الله ببساطَة (على الرُغم من أنّ هذه الحروب كانت بالتأكيد حروبًا دِينية). لا يتحدَّث الكتاب المقدَّس إلاّ عن حربَين مقدستَين حقيقيَتين فقط، وأنا أفترِض أنّ هاتَين الحَربَين هما كل ما سيحدُث في التاريخ كلِّه: الحرب المقدَّسَة لغزو كنعان، والحرب المقدَّسَة لكوكَب الأرض التي أصبَحت تُسمّى في الآونة الأخيرة مَعركة هرمجدون. افْهَم أيضًا أنه (حتّى الآن على حَدِّ عِلْمنا) لم يكُن لدى رجال ونساء إسرائيل أي شيء شَخصي ضِدّ أيٍ من الأمم الكنعانية، وبشكلٍ عام لم يكُن لدى أي من الأمَم الكنعانية أي شيء شَخْصي ضِدّ إسرائيل. حتّى هذه اللحظة لم تكُن هذه الأمم خُصومًا تاريخيًا. كان الأمر كلُّه على الله. لقد أعلَنَ إله إسرائيل أنّ سُكّان كنعان كانوا أعداءَه، وأنّ الأرض التي كانوا يَحتلوّنها هي أرضُه التي خصَّصَها ليحتلَّها شعبُه المُختار، إسرائيل، وقد حان الوقت لتَسليمها إلى إسرائيل وأنه سيُحقِّق هذا الهَدف عن طريق الحَرْب إذا لَزِم الأمر (وقد كان كذلك). لم يكُن جيش إسرائيل سوى أداة الله الأرضية للغَضَب والدمار على شَعب كنعان الذي خَلُصَ الرَب إلى أنه شِرّير ويَستحِقّ الإبادة. دعْني أضَع هذا بطريقة أخرى: لم يكُن لدى إسرائيل غضَب أو كراهية متأصِّلَة تِجاه شعب كنعان، ولم يكُن لدى كنعان غضَب أو كراهية مَكبوتة تِجاه شعب إسرائيل؛ فحتّى الآن لم يؤذِ أيٌ منهما الآخر أو يُهدِّدُه.

يَقطَع هذا الإدراك شَوطًا طويلاً في مساعدتِنا على فَهْم تردُّد إسرائيل في خَوْض حرب مع مُختلف الشُعوب التي كانت تَعيش في كنعان في المَقام الأول، ومَيْل يوشَع إلى عَقْد مُعاهدات سلام مع مُدُن كنعان المُتنوعة بدلاً من طَردْ سكّانِها أو قتلِهِم إذا رفَضوا قبول حُكمْ إسرائيل عليهِم ومُنِعوا من الاستمرار في عِبادة آلهتهِم الكاذبَة (كما أمَرَ الله إسرائيل أن تَفعل).

يَقول يَهوَهْ أنه بمجرَّد أن تَنتهي حربُه المقدَّسَة بالنَصر ويَسكُنَ شعبُه المُختار إسرائيل في تلك المُدُن والبلدات الكنعانية سابقًا، على قادة إسرائيل أن يُخصِّصوا ثلاثة من تلك المُدُن التي تم الاستيلاء عليها كمُدن لجوءُسمّى أيضًا مُدن الملاذ). هذه حالة أخرى من حالات تَقسيم الله واختيارِه وفَصْلِه (إحدى مبادئه الإلهية الأساسية). دعونا نكون واضِحين: قَبْل ذلك بفترة من الوقت كان موسى قد تلقَّى تَعليمات بإقامَة ثلاث مُدن لجوء في مِنطقة شرْق الأردن التي تَمْتَلِكُها إسرائيل والتي ستَشُنُّ منها إسرائيل هجومَها على كنعان (شرْق الأردن هي تلك الأرض الواقِعة على الجانب الشَرقي من نَهر الأردن). هذه المُدن الثلاث المَذكورة هنا في الآية اثنان هي المُدن الثلاث الأولى المُقدَّسَة التي ستُقام على الضِفة الغَربية لنَهر الأردن وسيَتمّ اختيارُها بعِناية (كما هو مَذكور في الآية ثلاثة) بحيث تَخدُم كلٌّ منها حوالى ثُلث الأرض المقدَّسَة. الفِكرة هي أنّ مدن الملاذ ستَكون في موقعٍ مَركزي بحيث لا يُضْطر العبراني الذي يَحتاج للذهاب إلى إحدى هذه المدن للحِماية أن يُسافِر بعيداً جداً ويمكنُه الوصول إلى هناك بسرعة قبل أن يَتمكَّن المُنْتَقِم الدَموي من اللحاق به.

لقد قرأنا في المَاضي أنّ ثمانية وأربعين مَدينة لاوية ستُقام في جميع أنحاء الأراضي أسْباط إسرائيل الإثني عشَرة؛ هذه المُدن الثلاث على الجانِب الغربي والمُدن الثلاث التي أقيمَت سابقًا على الجانِب الشرقي من الأردن تَضُمّ ستّة من تلك المُدُن اللاويَّة الثمانية وأربعين المُخطَّط لها. ولكن هذه المُدُن السِتّ لها غرَض فَريد من نوعِه؛ فهي المكان الذي يُمكِن أن يَهرُب إليه الشخص الذي قتَل شخصًا ما ويَتجنَّب القَتْل على يَد أقارِب القتيل. كانت هذه المُدُن السِت مناطق آمِنة، وكان القاتِل يَحظى بحِماية اللاويين الذين يَملكون تلك المُدُن ويَحكمونها. ولكن كان هناك تَحذير؛ كان يجِب أن يكون القاتِل قد قَتَل دون قَصْد. نحن نُسمّي هذا النوع من الأفعال القَتْل غير المُتَعمَّد. تذهَب الآية خمسة إلى حَدِّ إعطاء مِثال مُحدَّد لنوع القاتِل الذي يَنتمي بِحَقّ إلى داخل أسوار مدينة اللجوء؛ رَجُل يلوح بفأس ليَقطَع شَجرة، فيَنفلِتُ رأس الفأس عن طريق الخطأ ويَطير فيُصيب أحَد المارَّة الأبرياء ويُقتَل.

من غير المُرجَّح أن يلقى الرَجُل الذي لوَّح بالفأس تَفهُّماً من أقارِب المارَّة الأبرياء الذين أصيبوا بجروح قاتِلة. لقد كانت ببساطة ثَقافة الشرق الأوسط التَقليدية في تلك الحَقبة (ولا تزال كذلك في العَديد من مناطق الشَرق الأوسط) أنّ الشَخص المسؤول عن مَوت شخص آخر تحَت أي ظَرْفٍ من الظروف يجب أن يُطارَد ويُقتَل من قِبل الناجي. أمّا عدَم القيام بذلك فهو إهانة فَظيعة لحياة المُتوفّى. يُطلَق على القَريب الذي من واجبِه العثور على الجاني وقَتلِه اسمالمُنتقِم للدم، وترجمتُه بالعبرية غوئيل أو بالأحرَى غويل هدام (أي ثائر الدَم). كانت مُدن اللجوء السِت التي وفَّرَها الرَب لِبَني إسرائيل رَدًّا على هذه العادة غير العادِلة وغير المَعقولة للانتقام بالدَم حتّى في حالة القَتْل غير المُتعمَّد. كانت الفِكرة هي أن يَركُض القاتل فورًا إلى إحدى مُدُن الملاذ عند قَتْل شخص ما؛ فإذا وَصَل إليها أصبَح آمنًا. لذلك ناقشنا الحَرْص على أن تكون مُدُن الملاذ السِت مُنتشِرة بشكلٍ متساوٍ ويُمكِن الوصول إليها.

ولكن إذا أمسَكَ المنتقِم بالقاتِل قَبْل أن يصِل إلى الملاذ الآمن كان من حقِّه أن يقتُلَه. نعم، من المُثير للاهتمام أنه بينما نَجِد قانونًا يعطي القاتِل غير المتعمَّد ملاذًا آمنًا لا نَجِد قانونًا يَمنَع المُنتقِم بالدم من قَتْل الرَجُل إذا استطاع الوصول إليه قَبْل وصولِه إلى مدينة اللجوء.

في الآية ثمانية، يتمّ التَفكير في الوَقت الذي سيُوَسِّع فيه الرَب أراضي إسرائيل، وعندما يَفعل ذلك سيتُمّ إنشاء ثلاث مُدن لجوء إضافية ليَصِل المَجموع إلى تسعة مدن. بالمناسبة لا يوجَد أيّ دَليل على إنشاء مُدن اللجوء الثلاث الأخيرة وبذلك تَنتهي الحالة الأولى التي يُناقِشها هذا الإصحاح، حالة القاتِل عن غير قَصْد.

تَبدأ الحالة الثانية في الآية الحاديَة عشرَة، وهي تُعرِّف القَتْل العَمْد (القتْل العَمْد والقتْل غَير المُتعمَّد). ليس من حَق هذا القاتِل أن يَجِد ملاذًا آمِنًا في مدينة لجوء، بل على وُجَهاء البلدة التي يَنتمي إليها أن يُسافروا إلى مدينة اللجوء (إذا كان قد هَرَب إليها وكذَب في طَلَبِه اللجوء) ويَقبضوا عليه ويُسلِّموه إلى المُنتقِم بالدَم الذي يقوم بعدَ ذلك بإعدام القاتِل قانونًا واحترامًا لتَقاليد وعادات ذلك العَصْر. يتُمّ إرسال وُجَهاء البلدة لإلقاء القَبْض على القاتِل لأنَّهم هم المَسؤولون المُخوَّلون بالتَحقيق في القَضية والمُحاكمة فيها، فإذا وَجَدوا أنها قضيَّة قَتْلٍ بالفِعل، يُسلِّمون القاتِل إلى المُنتقِم بالدَم ليأخُذ ثأره أو إذا وَجدوا أنّ القَتْل كان غير مُتعمَّد فإنهم يُعيدون القاتِل إلى المَدينة المقدَّسَة.

يَقَع مبدأان مُهمّان من التَعاليم السابِقة في صَميم نِظام مُدُن الملاذ والمُنتقمين بالدَم. الأول هو المَبدأ القائل بأنّ الخطايا المُتعمَّدة لا يُغطيّها نِظام الذبائح اللاويَّة، والثاني هو أنّ أي خطيئة لا يُغطّيها نظام الذبائح تتطلَّب دَم (حياة) مُرتكِب التَعدّي الإجرامي كَدَفْعَة. أتلقّى أسئلة حَول هذا الأمْر طوال الوقت، لذا دَعوني ألخِّص هذا بإيجاز شَديد. إذا كان بالإمكان التَكفير عن الخَطيئة عن طريق ذبيحة حَيوانيّة (والتوراة تُحدِّد ما يُمكن وما لا يمكِن)، فباستثناء نوع إضافي من التَعويضات الشَخصية التي تُدفع للضَحيّة، يمكن أن يَغفِر الرَب والجَماعة للجَاني. ولكن عندما تُرتكَب جريمة تَقتضي شريعة موسى إعدام مُرتكِبها، فعندها يكون لديك جَريمة لا يوجَد لها أي حُكْم بديل للتَكفير. هذه الجريمة تَقَع خارج قُدرَة وهَدَف نظام الذبائح التي أمَرَ الله بها لتَخليصك عن طريق الكَفّارة. القتْلُ جريمة مِثلُها مثل عبادة الأوثان. لا يُمكِن للمَرء أن يَرتكِب أيًا من هاتَين الجَريمتَين ثم يُكفِّر عَنهُما بواسِطة ذبيحة حيوانية. بدلاً من ذلك يكون الثَمن هو دَمُك (أي حياتك الخاصة).

إليك قاعِدة يجب أن تتذكَّرَها عن الدَم: الدم البريء فقط هو الذي يمكن أن يُكفِّر عن الخطيئة. لقد سَمعتُ البعض يُعلِّمون في عصر الكتاب المقدس أنه عندما يُسفَك دَم القاتل، يُعتبَر شَكلًا من أشكال التَكفير بالنسبة للرَب، وهذا غير صَحيح. لا يُمكن لدَم المُذْنِب أن يُكفِّر أبدًا. إراقة الدَم لها جانبان رئيسيّان: الأول هو أنّ دَم المُذْنِب مَطلوب من الله كتكَفير عن الخَطيّة (أُجْرَة الخطيَّة هي الموت). والجانِب الآخر هو أنّ دَم البريء مَطلوب للتَكفير عن الخطايا التي قرَّر الرَب أنه يُمكِن التكفير عنها (وبالتالي السَماح للمُذْنِب بالحياة) لذلك في الذَبيحة الحيوانية يَتمّ نَقْل ذَنْب الخاطئ البشري رَمْزياً إلى الحيوان المَذبوح البَريء وَوَضْعُه عليه. عندما يُسفَك دَم ذلك الحيوان البريء فإنه يُستخدَم على حَدٍ سواء بديلًا للدَفْع المَطلوب لله من دَم (حياة) الطرَف المُذنِب، ودم البريء المَسفوك يكون وسيلة التَكفير (التي تؤدّي إلى الغُفران) للطرَف المُذْنِب.

لا يَفعَل الغويل (المُنتقِم بالدَم) في اقتِصاد الله أي شيء خاطئ، فهو ببساطَة يتصرَّف كوَكيل عن الله لإرضاء عَدالة الله في إزهاق حياة القاتِل كتَعويض، ولكن في نفسِ الوقت لا يُمكن التَكفير (لا غُفران أمام الرَب) بسبَب الطبيعة المُتعمِّدة والمُتعالية للخَطيئة. الخبَر السَارّ بالنسبة لنا هو أنّ دَم المسيح يسوع يُمَكِّنُه (بشكلٍ عام) أن يُكفِّر حتّى عن تَصنيف الخطايا التي تُسمّى خطايا مُتعمَّدة والتي لم يُصَمَّم نظام الذبائح للتَكفير عنها. يسوع هو مَلاذ آمِن (هو مدينة اللجوء) من المُنتقِم بالدم حتّى للقاتِل المُتعمَّد. لهذا السَبب تتفوَّق ذبيحة المَسيح على الذبائح الحيوانية. بالطبع هذا التَكفير عن الخطايا ليس تلقائيًا. يجب أن يُعلِن المَرء بفَمِه ويؤمِن بفِكرِه أنّ يسوع هو الرَب والمُخلِّص. في الواقِع يقول المرء للآب أنك تَستنِد إلى ذبيحة يسوع للتَكفير عن خطاياك، مَقصودة أو غير مَقصودة. علاوةً على ذلك هناك شَرْطٌ آخر مُهمِّ: يجب أن تَعترِف بخطاياك وتَتوب بصُدق عن خطاياك. واحِد دون الآخر لا يكون فَعّالاً.

من المُثير للاهتمام أنّ هذا الشَرط نفسُه من التَوبة الصادِقة كان ضروريًا لكي يَكون نظام الذبائح في العَهد القديم فَعّالاً بالنسبة للخاطئ أيضًا.

لقد استعرَضتُ هذه المبادئ المُتعلِّقة بالدَم والذبيحة لهذا السَبب: لم يُبطِل العهد الجديد تَعليم العهد القديم فيما يتعلَّق بالمُنتقِم بالدَم. استمِع إلى كاتب سِفْر العبرانيين في العهد الجديد: (نسخة الترجمة المُنقَّحة) عبرانيين الإصحاح عشرة الآية ستة وعشرون: إِنْ كُنَّا نَسْتَمِرُّ فِي الْخَطِيَّةِ عَمْدًا بَعْدَ أَنْ نِلْنَا مَعْرِفَةَ الْحَقِّ، فَلَمْ يَبْقَ ذَبِيحَةٌ عَنِ الْخَطَايَا، سبعة وعشرون بَلْ تَوَقُّعُ دَيْنُونَةٍ مُخِيفَةٍ وَنَارٍ مُسْتَعِرَةٍ تُبِيدُ أَعْدَاءَ اللهِ.

في نِظام الذبائح اللاوية لم يكُن للخطايا المتعمَّدة (المَقصودة) أي وسيلة للتَكفير. كذلك، على الرُغم من أنّ يسوع يَستطيع أن يُنقذَنا حتّى من الخطايا المُتعمَّدة (التي لم يستَطِع نظام الذبائح أن يفعلَها)، إلا أنّ هناك مَرحلة يقرِّر فيها الآب أنه بما أننا نَعرِف الحَق (أنّ يسوع هو المُخلِّص ونحتاج أن نُخَلَّص)، ونَستمِرّ في الخطية عن عَمْد، فإنّ توبَتَنا لا يمكن أن تَكون صادقة، وبالتالي حتّى دَم المسيح لا يمكن أن يُكفِّر عنا. كلّ ما يَنتظرُنا في هذا الظرف هو الدَينونة والنار المُستعِرة لهَلاكنا الأبدي. لطالما كان الله هو المُنتقِم بالدَم في نهاية المَطاف.

اسمَحوا لي أيضًا أن أتوقَّف لحظَة لأكرِّر شيئًا قلتُه في مُناسبات عديدة ولكنني دائمًا ما أواجِهُه بعد دَرْسٍ عن موضوع الدَم والقَتْل: إنّ الغُفران الذي يُقدِّمُه لنا يسوع هو ذو طبيعة روحيَّة. ليست الفِكرة هي أنّ العواقِب الدُنيوية لأفعالِنا قد أُلغِيَت. إنه لأمْرٌ رائع يَفوق الوَصْف أن يَستطيع مُرتكِب جريمة شَنيعة أن يرى خطأهُ، ويأتي إلى المَسيح، ويَتوب ويعترِف ويتغيَّر ويَثِق بالله؛ ولكن الكتاب المقدَّس لا يتصوَّر بأي حال من الأحوال أنّ هذا المُجرِم يتجنَّب العدالة. القاتِل المسيحي التائب يجب أن يَموت وإلا يَبقى المُجتمَع كلُّه في ذَنبِه الدَمَوي لأنّ عدالة الرَب لم تُنفَّذ.

لقد كان نِظام عدالة الرَب دائمًا، ولا يَزال، يتألَّف من عُنصر روحي وآخر مَادي. ذبيحةَ يَسوع دَفَعت ثمن المُكوِّن الروحي لعدالة الله. من المُفترَض أن يتمّ تَنفيذ المُكوِّن المادي لنظام عدالة الله من خلال الحُكومة البشريَّة. فكما أنّ الحكومة البشَرية لا يُمكنُها أن تُقدِّم تَكفيرًا روحيًا عن المُجرِم، فإنّ غفران الله الروحي لا يُلغي العُقوبة الجَسدية المُستحَقَّة على نَفْس المُجْرِم مهما كان تائبًا ومُسامَحًا روحيًا.

هناك أمران مُثيران للاهتمام يُقالان في الآية ثلاثة عشرة التي تَختِم مسألة القتْل والغويل؛ الأوَّل هو أنّ القاتِل لا يُشفَق عليه، والثاني هو أنّه بإعدام القاتِل يُطَهَّر دَمُ الضَحيَّة البريء من إسرائيل. والمَقصود من عِبارة ”لا شفَقَة“ هو أنّ الرَب يُريد أن يوضِح أنّه لا يُعفى عن القاتِل أبدًا بدافع المَحَبَّة أو الشعور بأنّ العقوبة قاسية جدًا بالنسبة للجَريمة. يفهَم الرَب أنّ القاتِل رُبَّما يكون لديه الكثير من الناس الذين يُحبّونَه. ويفهَم أيضًا أنّ مِثل هذا الحُبّ من قِبَل العائلة أو المجتمع قد يجعلُهم يُشفقون عليه ويُخفِّفون عقوبتَه؛ لكن هذا مَمنوع تمامًا. لماذا؟ بسبب المَبدأ الإلهي الذي لا يَتغيَّر أبدًا والذي صادفْناه في العَديد من مَقاطع التوراة بأنّ سَفْك الدَم البريء (ضحيَّة القَتْل) يَخلُق ذَنْب الدم على المُجتمَع بأكملِه؛ ولا يُرفَع ذنْب الدَم الذي يَقَع على المُجتمع بأكملِه إلا عندما يُسفَك دَم الجاني المُذنِب تَعويضًا عن ذلك. لم يُلْغ هذا الحُكْم أبدًا؛ ونحن نَعيش به حتّى اليوم. كما ترى، ما هو على المِحَك هنا هو تَنفيذ نظام عدالة الله.

بَعد ذلك يأخُذ سِفْر التثنية تسع عشرة مُنعطَفًا حادًا ويتناوَل موضوعَيْن مُختلفَين تمامًا: علامات الحُدود والشهود على الجَرائم. منذُ زمن سَحيق استُخدِمت أكوام الحِجارة للدلالة على خُطوط حدود المُمتلكات العقارية؛ والآية أربعة عشرة تَعتبِر قيام أحد بتَحريك علامات حُدود مُمتلكات جارِه ليُوسِّع مُلْكَه جُرْمًا خطيرًا. ما يجعَلُ الأمر خطيرًا للغاية بين بني إسرائيل هو أنه كان لدينا بالفِعل قانون يَنُصّ على أنّ الأرض كانت ستَبقى ضِمْن العائلة والعَشيرة والقبيلة إلى الأبد. كان هدَف شرائع السبت واليوبيل والفادي القريب كلُّها إعادة الأرْض أو الاحتِفاظ بها لمالِكها الأصلي العِبراني. لذلك فإنّ قيام شخص ما بتَحريك علامات الحدود (وبالتالي أخْذ جُزء من أرْض شَخص آخر) كان بِمثابة تَحَدٍ للنِظام الذي وَضَعَه الله. كانت هذه جريمة ضِدَّ الرَب أكثر بكثير من كونِها جريمة ضِدَّ فَرْد.

تَضَع الآية خمسة عشرة نِظامًا آمِنًا يَهدُف إلى مَنْع الإدانة الخاطئة على أساس أدِلَّة قليلة أو مَعدومة، أو شهادة زائفَة أو خاطئة. والحُكْم رقَمْ واحد هو أنّ شهادة شاهِد واحد لا تَكفي لإدانة المُتهَّم، بل لا بُدَّ من توافُر شاهِدَيْن كحَدّ أدنى. في الواقِع كان تقدُّم شاهِد وتَوجيهه اتهامًا يؤدّي إلى التَحقيق والمُحاكمة. كان الشهود يؤدون عِدَّة وظائف في نظام العدالة التوراتية؛ غالبًا ما كان الشاهِد هو الذي يوجِّه التُهَم في المَقام الأول أو يمكن أن يَكون الشاهد شخصًا لديه بعض المَعلومات ذات الصِلة بالقَضيَّة. وعلاوةً على ذلك، كان الشاهِد في قضية عقوبتُها الإعدام غالِبًا ما يكون هو الجَلاد الرئيسي (سواء أراد أن يَكون كذلك أم لا).

تتناوَل هذه الآيات العَديدة التالية مَسألة شاهد الزّور أي الشَخص الذي يوجِّهُ عن عِلمٍ تُهمةَ زورٍ ضِدَّ شخصٍ ما أو يُدلي بشهادة زور مَقصودة ضِدَّ المُتَّهم لأي عدَد من الأسباب. إذا حقَّقَت المحكمة (التي تتألَّف عادةً من الكهنة والعِلمانيين المَعنِيّين) وقرَّرت أنّ الشاهِد تَعمَّد الإدلاء بشَهادة زور، كان على شاهِد الزور أن يتحمَّل نَفْس العقوبة التي كان سيَتحَمَّلُها الشخص المُتَّهَم لو أُدين بِناء على شهادة الزور تِلك! أحِبُّ ذلك! كانت بَلاغات الشُرطة الكاذِبة الكيديَّة وشُهود الزور الكاذِبين لتَكون هائلة في أيّامِنا إنْ قَضى الشَخص الذي كَذَب وأبلَغ زورًا وتسَبَّب في دخول شخص بَريء إلى السِجن نَفْس المُدَّة التي كان سيَقضيها المُتَّهَم في السِجن؟ لقد ذَهَب هذا القانون التوراتي إلى حَدّ المُطالبة بعقوبة الإعدام للشاهِد الذي اتَّهم شخصًا ما زورًا وقَصْدًا بجريمة يُعاقَب عليها بالإعْدام. اسمَحوا لي أن أُذَكِّر بوضوح أنّ شهادة الزور هذه كانت بشكلٍ عام كَذِبًا مُتعمَّدًا وليس خطأ في الهَويَّة أو خطأ بَسيطًا.

هذه العاقِبة القاسية على شاهِد الزور تُذِّكر بنَمَط الله – كما قرأنا مِرارًا وتكرارًا – عندما نفعَل بشاهِد الزور ما كان يُخطِّط لفعلِه بضحيَّتِه، سيَخاف الآخرون من أن يُحاولوا فِعل نفْس الشيء، وبالتالي لن تَحْدُث مِثل هذه الأمور الشريرة داخِل المُجتمَع بعد ذلك! عجبًا، هذا المَنطِق السليم هو الذي يُحاول مُهندسو الاجتماع ونِظام العدالة الجِنائية اليوم أن يُخبرونا أنه لن يَنجَح أبدًا. يقال لنا أنّ الأحكام القاسية على الأشخاص الذين يَرتَكِبون مِثل هذه الأشياء لن تزيد المُجتمَع إلا سوءًا. يقول الله: ”لا“؛ يَحتاج البَشر (كونُنا ما نحن عليه) إلى خَوفٍ صحي يَجعلُنا نُفكِّر مرَّتَين قَبل الإدلاء بشهادة زور، ويَعمَل نظامُه على تَطهير هذا النوع من الشَرّ من المُجتمَع.

يَنتهي الإصحاح التاسِع عشر بالصيغة التي يُسمّيها العُلَماء قانون العقوبات. إنه المَبدأ التقليدي ”العَين بالعين والسِن بالسِن“ الذي تمّ تَحريفُه بشدَّةٍ وتطبيقُه بشكل خاطئ لعِدَّة قرون. لاحِظ أنّه في هذه الحالة يَتِمّ تطبيق المَبدأ مباشرةً على جريمة شهادَة الزور؛ الأمْر كلُّه يتعلَّق بما يجِب فِعلُه بشاهد الزور. لم تكُن هذه الصيغة لتُؤخَذ حَرْفيًا ولم تكُن لغرَض الانتِقام الشَخصي؛ لقد كانت صيغةً اصْطلاحية. كان التَشويه كعُقوبة مَمنوعًا تمامًا في شريعة الله؛ لذلك إذا فقأتَ عَين شخصٍ ما (حتّى ولو عَمْدًا)، لم يكُن مسموحًا أبدًا في شَريعة موسى أن يَفقأ ذلك الشخص عينَكَ في المُقابِل. بل هي بَيان يَضَع حدودًا لشدَّة العقُوبة، وكذلك حدودًا لتَخفيف الأحكام. الفِكرة في الأساس هي أنّ العقوبة يَجِب أن تَتناسَب مع الجَريمة، لا يَنبغي أن يفقِد الشَخص أرْضَه لأنه سَرَق عَنزة. ولا يَنبغي أن يُضرَب الشخص لأنه لم يَستطِع سداد دَين نَقدي. والأهَمّ من ذلك لا يَنبغي أن يَخسَر الشَخص حياتَه بسبب جريمة تتعلَّق بالممتلكات أو لأنَّه ألحَقَ الأذى بآخر.

وفي الوقْت نفسه لم يكُن يمكِن للشَخص الذي ارتكَب جريمةَ قَتْلٍ مُتعمَّدة أن يَفْلُت من الإعدام عن طريق دَفْع غرامة ماليّة. كما لم يكُن الشخص الذي شَوَّهَ شخصًا آخر عَمْدًا قادِرًا على إعطاء الطَرَف المُتضرِّر مَبلغًا تافهًا واعتبارُه مُتساويًا.

أريدُ أن أقول شيئًا الآن سنَعود إليه لاحقًا: كان المَقصود من مَبدأ ليكس تاليونيس (العَين بالعَين) أن ينطبِق فقط على القضايا المَدَنيّة والجِنائية. لم يكُن هذا مبدأً لكيفيَّة عَمَل البَشَر في علاقاتِنا الشَخصية. كانت كيفية تعامُلِنا مع بعضِنا البَعض والتعامُل مع القضايا الشَخصية التي لا تَنطوي على إجرام خارِج هذا المَفهوم تمامًا. فالفِكْرَة (على سبيل المِثال) ليست أنَّه إذا أهانَكَ شخصٌ ما لفْظيًا فأنتَ حُرّ ومُبرَّر في رَدِّ الإهانة لَه. اسمَحوا لي أنْ أقول ذلك مرَّة أخرى: إنّ قانون الانتِقام يتعلَّق بنِظام العدالة الإلهية، وليس العلاقات بين الأشخاص. كان لدى إسرائيل عادَة سيئة في الخَلْط بين الاثنَين، وغالبًا ما يَخلُط المسيحيون بين الأمرَيْن، وكان ليَسوع الكثير ليقولَه عن ذلك.

لننتقِل إلى الإصحاح عشرين.

اقرأ سِفْر التثنية الإصحاح عشرين من الآية واحد إلى عَشَرة

يَدور الإصحاح عشرون حَول كيفيَّة استِعداد إسرائيل للحَرْب: الحَرْب المقدَّسَة. أريد أنْ أؤكِّد هذا مرَّة أخرى: في حين أنّ استخْدام هذه التَعليمات في الاستِعداد لأيْ نوع من أنواع الصراع المُسلَّح ليس خطأ، إلا أنّ هذه التَعليمات تتعلَّق بالحرب المقدَّسَة التي أمَرَ الله بها. ليس للبَشر أي سُلطة لإعلان حربٍمقدَّسَة“ حتّى لو كانوا يَعتقدون أن قضيَّتَهُم عادلِة وصالِحة.

كان بَنو إسرائيل، في الوقْت الذي دَخَلوا فيه كنعان، يَعيشون كبَدو رُحَّل. لم يكُن لديهِم مَركبات وخيول تَجرُّها. بالنِسبة لهذا العَصر (القَرْن الثالث عشر أو الرابِع عشَر قَبْل الميلاد…) كانت العرَبات تقَدُّمًا تكنولوجيًا مُخيفًا لأنها كانت تُستخدَم ضدّ الجنود المُشاة. كانت العرَبات بِمَثابة الدَبابات في تلك الحَقبَة، فقد كانت في الأساس مِنصَّات سريعة الحَرَكة يُمكِن من خلالِها إطلاق الأسلحة القياسية إلى حَدٍ ما (في ذلك الوقت كانت الرِماح والسِهام). لقد جَلَب استِخدام المَركبات ميزة هائلة في ساحة المَعركة، ولكن كانت هُناك حاجَة إلى تَسهيلات ودِراية لصِناعة هذه الآلة الحَرْبية ولم تكُن إسرائيل في وَضْع يَسمَح لها بذلك (ولكن كان لدى الكثير من الكنعانيين مرْكبات.)

لذلك يتعامَل الرَب أوَّلاً مع الجانِب العقْلي (النَفْسي) للحَرْب: الخَوف. فمِن ناحية، يعترِف الرَب بأنّ إسرائيل ستواجِه قواّت مُسلَّحة أكبَر من قواّت إسرائيل من نَاحية ومن ناحِية أخرى لديها تفوُّق تِكنولوجي. لكن الآية واحد تَقول لإسرائيل أن تتذكَّر ما حَدَث في مِصر. لم يكُن لدى إسرائيل أسلِحة فحَسْب، بل لم يكُن لديها جَيْش أيضًا. لم يكُن لدى إسرائيل القُدرة على تَحرير أو حماية نفسِها من مصر؛ ببساطة أخْضَع الله قوَّة متفوِّقة بطُرُق خارِقة للطبيعة. لذلك بما أنّ الله مع إسرائيل، وبما أنّها حَرْب الله المقدَّسَة في المَقام الأول، فليسَ لدى إسرائيل ما تَخشاه من الجيوش الجَرّارة التي ستُواجهُها.

قَبْلَ أن تَبدأ المعركة سيَتقدَّم مُمثِّلو الله (خدّامَه) الكهنة ويخاطِبون الجُنود. بطبيعة الحال بسبَب قُدسيَّة الحَرب، فإنّ الكهنة المُقدَّسين سيَكونون في قَلب كل ما سيَحدُث. وكما ذكرتُ في الماضي، فإنّ الكهنة حاضِرون في المَعارك، وجُزءٌ من وظائفهِم هو النَفْخ في الأبواق لحَثِّ الله على مُساعدة إسرائيل وإرسال إشارات إلى القُواّت. وللأسَف عادةً ما تُخفي التَرجمات شيئًا يجِب أن ننتبِه إليه. هل تتذكَّرون دراستنا السابقة في سِفْر التثنية الإصحاح السادِس حول القِسم الذي يَحمِل عنوان ”الشماع“؟ يُطلَق عليه أحيانًا ”اسمَع يا إسرائيل“. شِماع هي كَلِمة عبرية قوية تَعني أكثر بكَثير من مُجرَّد الاستِماع. إنها ليسَت مُجرَّد بداية شكليَّة للخطاب؛ إنها تتضمَّن الأمْرَ بالطاعة. وهنا في الآية ثلاثة يقول الرَب أنه قَبْل أن تَبدأ المعارك المُختلِفة للحَرب المقدَّسَة، على الكاهِن (أي رئيس الكهنة) أن يتقدَّم ويُعلِن: ”شِماع يا إسرائيل!“ اسمَع يا إسرائيل! اسمَع وأطِع ما هو على وَشَك أن يُقال.

بما أنّ القَضيَّة الأولى تتعلَّق بالخوف، فإنّ الرَب يَقول للجنود الإسرائيليين من خِلال الكاهن الأعظَم ألاّ يَخافوا بأربَع طرُق مُختلفة واحِد) لا تَجعلوا قلوبَكُم خائفة، اثنان) لا تَخافوا (من المَعركة)، ثلاثة) لا تَجزعوا (أي لا تَفزعوا)، أربعة) لا تَخافوا من جنود العَدو (لا ترتعِبوا من الكَنعانيين). والشيء الذي يُمكنُهم الاعتِماد عليه هو أنّ الرَب سيَقودهم إلى النَصر.

بعدَ أن حَمَل الكهنة رسِالة الله إلى الجُند، تَحدَّث المسؤولون إلى الجنود وتَعلّقت الرسالة بثلاثة إعفاءات مُمكِنة من المَعركة القادِمة مُتاحة لصِغار الجيش الإسرائيلي. هؤلاء ”المسؤولون“ ليسوا قادة الجَيش إنَّهم سُلطات حكومية مَدَنية. هناك من يَعتقد أنّ هؤلاء قد يَكونون لاويّين مُتداخلين في السُلطة الحكومية والدّينية. على أي حال هُم لَيسوا ضُبّاطاً في الجَيْش ولَيسوا الكَهنة الذين أعْطوا الوصية ”لا تَخافوا“.

من أعْذار الدخول في المَعركة أن يَكون الشاب من بَيت لم يُكرَّس بعدُ بشكلٍ رَسمي، فإذا مات في المَعركة قد يَستولي عليه شخصٌ آخر. سأخبرُكَ مُقدَمًّا أنّ هناك الكثير من الخِلاف في المُجتمَع الأكاديمي للكتاب المقدَّس حول مَعنى ذلك. لا يوجد ذِكْر في الكتاب المقدَّس العِبري لتَكريس بيت، أو أي طقوس قد تكون مُرتبِطة به، لذلك قد لا يُشير إلى ما هو شائع. قد يَعني ببساطة أنه قد أسَّس بيتًا جديدًا خاصًا به (تزوَّج حديثًا) وبالتالي لم يؤسِّس عائلة بعد. وإذا كانت زوجتُه قد تَرَمَلَّت قَبل أن يُنجبا أطفالاً فقد يَنتهي الأمْر بالأُسْرة إلى شَخص آخر، وهذا أمْرٌ خطير في تَقاليد الشرق الأوسط. ولكن هذه مُجرَّد تَكهُّنات مَدروسة.

السبَب الثاني المُحتمَل للتأجيل العَسكري هو أنه غَرَس كرْماً جديداً ولكنّه لم يشترِك بعد في الغَلَّة. قد تقول التَرْجمات المُختلفَة، ”ولكنّه لم يَحصُده“ أو "لم يأكُل منه" كما في تَرجمة الكتاب المقدَّس اليَهودي. هناك أمران يَخُصّان هذه العِبارة: رقم واحِد، من الواضِح أنّ هذه الحَرب المقدَّسَة ستَستمِرّ على مَدى فترة طويلة من الزمن، في وقت قريب بالنِسبة لبني إسرائيل هؤلاء، بعد أن يَستقِرّوا في كَنعان، لأنّ العبرانيين الرُحَّل بالتأكيد لم يَتوقَّفوا عن زراعة الكروم على طول الطَريق. ولكن بِمُجَرَّد دخولِهم إلى كنعان سيَستولون على الكروم القائمة بالفِعل وسيُضيفون إليها. ولكن إليكُم الأمْر: علينا أن نَفهَم شريعة موسى إذا أرَدْنا أن نَفهَم سبب هذا التأجيل بالذات. إنّ الكَلِمة العِبرية التي تُتَرْجَم عادةً بـ ”مَحصود“ أو ”مأكول“ في هذه الآية هي حليلو وتَعني ”نَزْع القداسة “.

لا تَدَع هذه الكَلِمة الكبيرة تُرْعِبُك: أن تقدِّس شيئًا ما يَعني أن تَجعَل شيئًا مُقدَّسًا. أن تَنزَع القداسة هو أن تأخُذ شيئًا مُقدَّسًا وتَجعَله عَامِيًّا (ليس نجِسًا ولكن ”ليس مُقدَّسًا“، لم يَعُد مُخصَّصًا لله). فما معنى أنّ الشاب الذي زَرَع كرمة جديدة لم يَجعَل كرْمَه ”غير مُقدَّس“ بَعْد؟

سواء كان ثَمَر الكرْمة (العِنب) أو ثَمَر البُستان، يَرِد في القانون أنّ الثَمر لا يُقطَف ويؤكَل في السَنوات الثلاث الأولى بعد غَرْس الكَرمة أو الشجرة. ولا يَجوز لصاحِب الثمرة أن يأكُلَها إلاّ في السنة الخامِسة بعد الزَرْع. من أين تأتي هذه الفِكرة؟ استمِع إلى سِفْر اللاويين: النُسخة المُنقَّحة لاويين الإصحاح التاسع عشر الآية ثلاثة وعشرون "إِذَا دَخَلْتَ الأَرْضَ وَغَرَسْتَ كُلَّ أَنْوَاعِ الأَشْجَارِ لِلطَّعَامِ فَتَحْسِبُ ثَمَرَهَا مُحَرَّمًا، فَيَكُونُ مُحَرَّمًا عَلَيْكَ ثَلاَثَ سِنِينَ لاَ تُؤْكَلُ. أربع وعشرون وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ يَكُونُ جَمِيعُ ثَمَرِهَا مُقَدَّسًا ذَبِيحَةَ تَسْبِيحٍ لِلرَّبِّ. 25 وَلَكِنْ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ تَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِهِمَا لِكَيْ يُغْنِيَ لَكُمْ: أَنَا الرَب إِلَهُكُمْ أَنَا الرَب إِلَهُكُمْ.

إذًا في السَنوات الثلاث الأولى يَكون الثَمَر مَمنوعًا، بمَعنى أنّه لا يُمكِن استخدامُه لأي غَرَض ولا يمكن تَقديمه لله. في السَنة التالية، السنة الرابعة، يُعلَن الثَمَر مُقَدَّسًا (مُقدسًا ومخصَّصًا لله)، وبالتالي فإنّ كل الحَصاد مُلْكٌ لله. في السَنة الخامسة لا يَعود الثمَر مُقدَّسًا (لم يَعُد مُقدَّسًا، لم يَعُد مُخصَّصًا لله)، وبالتالي يمكن أكلُه. إذَن فالفِكرة من هذا السبب الخاص للتأجيل العَسكري هو أنّ الكرْم الجديد يجِب أن يَكون عمرُه خمس سنوات، حيث يكون الشاب قادِرًا في النهاية على الاستِفادة من نتاجِه وإلا فيُمكِن لهذا الجُندي الشاب أن يَختار عدم القِتال، بل أن يَعود إلى بيتِه وينتظِرَ حتى تأتي السنة الخامِسة. إذًا هذه الشريعة تُعطينا في الواقِع إطارًا زمنيًا يوضِح لنا أنّ الله يُخبِر إسرائيل أنّ الحَرْب المقدَّسَة على كنعان ستَستمِرّ لسنوات وسنوات، بحيث تُزرَع حقول وكروم وبَساتين جديدة وتَنضَج خلال فترة الحَرْب المقدَّسَة على كنعان.

التأجيل الثالث المُحتمَل للجُندي الشاب مَذكور في الآية سبعة وهو أنّ الرَجُل المَخطوب لزَواج لم يَتمَّ بَعْد، لا يجِب عليه أن يُقاتل لأنه إذا مات فإنّ الثَمن الذي دَفَعه لعروسِه سيَضيع، وربما يَحصُل رَجُل آخر على المَنْفعَة. الآن، لماذا هذا الأَمْرٌ مُهمٌّ للغاية وهو أمْر قابِل للنقاش. فلدينا سِجلاّت من مُجتمعات بلاد ما بين النَهرَين في نفْس تلك الحَقبة الزمنية التي تُقدِّم نفْس الشيء لشَبابها، والسَبب في ذلك يتعلَّق بالخُرافات والاعتِقاد بأنّ الرِجال المَخطوبين (الذين لم يتزوَّجوا بعد) كانوا عِرضة للتأثيرات الشَيطانية بشكلٍ خاص، لذا كان من الأفضَل للجَميع ألا يَكونوا جِزءًا من الجَيش. والاحتِمال الآخر هو أنّه كان هناك اعتِقاد بين العِبرانيين أنّ ما كان سائدًا بين العِبرانيين هو أنّ جَوهَر حياة الرَجُل كان يَعيش في نَسلِه. لذا، بما أنّ المُتزوجِين كانوا يُنجبون أطفالاً في الحال، إذا مات الرَجُل، لا ينتهي جوهَر حياتِه بل يَستمِر في أوْلادِه. لذلك كان الجُندي العِبري المَخطوب الذي لم يتزوَّج بعد يُخاطِر بانتهاء جَوهَر حياتِه بشكل دائم إذا لم تُتَح له الفُرصة لإنجاب الأطفال.

كانت مُهِمَّة ”المسؤولين“ أن يَتجوَّلوا على الجنود ويسألوا من يَرغَب في الاستِفادة من هذه التَأجيلات لتَحديد الأهليَّة. أمّا الشاب الذي كان ببساطة خائفًا جدًا من القِتال مؤهَّلًا للتأجيل أيضًا لأنّ مِثل هذا الرَجُل سيكون مُثبِطًا للجنود الآخرين.

سنُتابِع في المرَّة القادِمة سِفْر التثنية الإصحاح عشرين ونتحدَّث أكثر عن مَعايير الرَب للمُشارَكَةِ في الحَرْب المقدَّسَة.