🔔 Get Tom's latest lesson delivered to your inbox every week
×

8th of Tevet, 5785 | ח׳ בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التثنية » سِفر التثنية الدرس الثامن عشر – الإصْحاح الرابع عشر
Audio Player
سِفر التثنية الدرس الثامن عشر – الإصْحاح الرابع عشر

سِفر التثنية الدرس الثامن عشر – الإصْحاح الرابع عشر

Download Transcript


سِفر التثنية

الدرس الثامن عشرالإصْحاح الرابع عشر

لقد أنْهَينا الأسبوع الماضي جِزءًا من الإصْحاح الرابع عشر من سِفر التثنية؛ وقَضَينا مُعظَم وَقْتِنا في مُناقشة المَبْدأ الإلَهي لغَرَض الإرادة الإنسانية. خلال تلك المُناقشة أخْبَرتُكم أن الغَرَض من الإرادة البَشَريّة هو الاخْتِيار الأخْلاقي؛ وأن الاخْتِيار الأخْلاقي ما هو إلا الاخْتِيار بين طاعة أو عُصْيان قوانين الله المكتوبة وأوامِره كما يُوَجِّهها الرّوح القُدُس. كل ما يقع خارج نِطاق الاخْتِيار الأخلاقي ما هو إلا تَفْضيلٌ شَخْصي، والتَّفْضيل ليس مَحْكومًا (بِشَكْلٍ عام) بقوانين الله وأوامْره. التَّفْضيل هو شَيء مثل الاخْتِيار بين زراعة وُرود حَمراء أو وُرود صَفْراء؛ أو بين الذّهاب إلى خدمة الكنيسة في التاسعة صباحًا أو الحادية عشرة صباحًا؛ أو اخْتِيار إمْتِلاك النسخة الدولية الجديدة من الكِتاب المُقَدَّس بدلاً من نسخة المَلِك جيمس من الكِتاب المُقَدَّس. لا ينطوي أي من هذه الاخْتِيارات على خطيئة، في حين أن جميع الخِيارات الأخْلاقِيّة تنطوي على خطيئة.

الخُلاصة هي أنه، كما قال القدّيس بولُس، بدون النّاموس لا يُمْكِن أن تكون هناك خطيئة. لذلك يَجِب أن يَسْتَمِرّ النّاموس في الوجود (تمامًا كما يقول يسوع)، وإلّا كيف سيَكون لدينا أي خِيارات أخْلاقِيّة نقوم بها؟ في حالة آدَم وحوّاء وشَجَرةِ مَعْرِفة الخَيْر والشَّر، نرى أنه إذا لم تَكُن هناك قواعِد أو حُدود، فلن تكون هناك خِيارات أخْلاقِيّة. الخطيئة هي فِعْل القيام بِخِيار أخْلاقي ضدّ الله (مثل انْتِهاك قَوانينه وأوامِره المَنْصوصة في الكِتاب المُقَدَّس مباشرةً). وإذا كان، كما كان الحال بالنِّسْبة لآدَمْ وحوّاءْ قبل أن يُعطى لهما النّاموس الأوّل (ناموس مَنْع أكل تلك الفاكهة بالذّات)، فإن البَشَريّة ليس لديها قواعِد، وتُصبِح الخطيئة مُسْتَحيلة، فلماذا نَحْتاج إلى الخلاص من الخطايا التي لا يُمْكِن حتى ارْتِكابُها؟

لقد عَلَّقْت أيضًا أنه يَجِب أن نُلاحظ أن أوّل ناموس خَلَقه الله لِلبَشَرِيَّة كان يتعلّق بالطَّعامَكْل الثَّمَر من شَجَرة مَعْرِفة الخَيْر والشَّر)، لذلك فالطَّعام هو ما يَتَحَدَّث عنه الإصْحاح الرابع عشر. لقد اسْتَخْدَم الرَّب الطَّعام في الأصْل ليُظهِر أنه يقوم بالتَّمْييز، وأنه يُفَرِّق ويَفْصُل. يُعَيِّن الرَّب حدودًا لِلبَشَرِيَّة؛ فهو يُحَظِّر ويُبيح. رُبَّما يكون التَّقْسيم والفَصْل هو النَّشاط الأساسي المُمَيَّز لله ويُبَيِّن لنا ما يُوافِق عليه وما لا يوافِق عليه. آمل أن تكونوا قد سَمِعْتُم ما قُلْته للتَّوْ. رُبَّما يكون نشاط الله الأكثر وُضوحًا والأكثر بُروزًا هو التَّقْسيم والفَصْل (النّشاط الذي يبدو أنه يَسْتَخْدِمه بِشَكْلٍ سائد لتَحْقيق أهْدافه هو التَّقْسيم والفَصْل).

إن فِعْل الخلاص هو بالضبط تقسيم وفَصْل لأن البعض سَيَنال الخلاص والبعض الآخر لن يَنالَه وِفقًا لخَطْ لا يُمكن تَجاوُزه رَسَمَه الرَّب. أولئك الذين يَخْتارون الوُقوف على جانب واحد من الخط يَنالون الخلاص والحياة الأبَدِيَّة وأولئك الذين على الجانب الآخر لا يَنالون الخلاص.

بدأ الله في التَّقْسيم والفَصْل عندما قَسَم الأرض اليابسة عن مِياه البِحار; عندما قَسَم الليل عن النهار، عندما قَسَمَ الخَيْر عن الشَّر. يُمْكِن للمَرْء أن يقول إنه قَسَم أيضًا الجنسين الذَّكَر عن الأُنْثى. وفي النِّهاية قسَّم وفصل البَشَر إلى قبائل، ثم إلى أُمَم، ثم قسَّم وفَصَل أمة إسرائيل كأمة مُنْفَصِلةٍ عن الآخرين. ثم قسَّم سِبْط لاوي وفَصَلَه عن باقي أسْباط بني إسرائيل، وقسَّمهم أكثر من ذلك إلى كَهَنَة وغير كَهَنَة.

لكن الرَّب قَسَّمَ الأشياء أيضًا بِطُرُق أخرى، والطَّعام هو أحَد تلك الطُرُق. لقد قَسّم الطَّعام إلى ما هو مُناسِب وغير مُناسِب، إلى طاهِرٍ ونَجِس، إلى مَقْبولٍ وغير مَقْبول، إلى طاهِرٍ وغير طاهِر طَقْسِيًّا. قبل أن نُعيد قراءة قُسْم الطَّعام في سِفر التثنية أربعة عشرة، دَعوني أذْكُر شيئًا لا لُبْسَ فيه ولا غُموض: إن الفَصْل الذي يَضَعَه بين الأشياء الطّاهِرة وغير الطّاهِرة للأكل لا عِلاقة له بأي مَفْهوم بَشَري لأسباب عَقْلانيّة أو مَنْطِقِيَّة أو صِحِّية. إن كَوْن الصّحة الغِذائية قد تَدْخُل في المُعادلة في بعض الحالات هو أمْر ثانَوي تمامًا، ولا يَجِب أن نُشير إليه على الإطلاق على أنه الطَّريقة التي اسْتَخْدَمها الرَّب في الفَصْل بين الأطْعِمَة الطّاهِرة والنَجِسة. في الواقع، هذه الفِكْرة التي يَتَداوَلُها اليَوم اليهود ومجْموعة مُتَزايِدة من المسيحِيّين بأن الأطْعِمَة المُدْرَجة على أنها طاهِرة هي بِطبيعتها صِحِّية أكثر من قائمة الأطْعِمَة النَجِسة، لا تَتَجَلّى في الواقع.

هذا لا يعني أنه لا توجَد بَرَكات صِحِّية تُمنَح لنا بِطَريقة روحِيَّة وخارِقة للطبيعة كَبَرَكة إلَهية بِسَبَب طاعَتْنا لكَلِمَة الله في تناوُل نِظام غِذائي طاهِر بِحَسَب الكِتاب المُقَدَّس. ولكن الأطْعِمَة نَفْسها ليس بالضَّرورة أن يكون لها فوائد صِحِّية مُتأصِّلة مُباشرة (وبعضها الآخر له سَلْبيّات صِحِّية مُتأصِّلة مُباشرة رغم أنه من المُمْكِن بالتّأكيد أن يكون لبَعْضها فوائد صِحِّية). فاليابانيّون، على سبيل المثال، مَشْهورون بِتَناوُل الأطْعِمَة البَحْرِيّة المحظورة على وَجْه التَّحْديد باعْتِبارها غير طاهِرة كما أنهم مَشْهورين بالعَيش حياة صِحِّية وطويلة بِشَكْلٍ غير عادي. فالصِّيِنّيون والعديد من الثَّقافات الأخرى يأكُلون الحيوانات التي لها مَخالِب (وهو شَيء مُسْتَثْنى على وجه التحديد كغِذاء) ولا يوجَد دليل على أنهم يَعيشون حياة أقْصَر أو حياة أقلّ صحّة من أي شخص آخر. إن الفِكْرة القائلة بأن قائمة الأطْعِمَة الطّاهِرة حَسَب الكتاب المُقَدَّس كانت مَبْنِيَّة على أساس النَّظافة والصّحة فِكْرة غير صحيحة. لقد جاءت هذه الفِكْرة من كتّاب اليهود في العُصور الوُسطى، الذين أصْبَح العديد منهم أطِبّاء مَشْهورين؛ وقد ثَبَتَ أن لها أساسًا ضعيفًا.

بل إن الرَّب يقول بِشَكْلٍ قاطِع أن السَّبَب الوحيد لمُطالبة بني إسرائيل بأكْل الكوشَر هو أن بني إسرائيل مُقَدَّسين وأن إتباع شرائع الله الغِذائية هو أحَد مُكوِّنات الحِفاظ على قداسَتْهم عندما يتم ذلك في السِّياق الصَّحيح للثِّقة والمَحَبَّة ليَهْوَهْ. سَنَجِد مَقاطِع من سِفر التكوين حيث قَرَّر بعض الكنعانيّين في الواقع أن يُطيعوا بعض قوانين بني إسرائيل الغِذائية، وحتى القوانين الأخرى المُتَعلِّقة بالعِناية بالحُقول المُسْتَخْدَمة للمَحاصيل وصِيانتها لأنهم رأوا قيمةً وميزَةً مُعَيَّنة فيها؛ لكنَّهم لم يَثِقوا بيَهْوَهْ، لذلك كان ما هو مُقَدَّس بالنِّسْبة لبني إسرائيل مُجَرَّد مُحاكاة للمُقَدَّس وبالتالي كان مُجَرَّد أمْر شائع بالنِّسْبة لهم. والآن على سبيل المثال، رُبَّما يكون الكنعانيّون قد كَسِبوا بالتأكيد ميزة مادِّية من خلال تَرْك حُقولهم تَسْتَريح كل سبع سنوات، إذا لم يَكونوا قد فَعَلوا ذلك من قبل. لكنَّهم لم يَكْسَبوا بَرَكات القداسة من الله (أو الأشْياء التي تأتي معها) بمُجَرَّد طاعة بعض تلك الأوامِر بِطَريقة ميكانيكيَّة.

من خلال تقسيم الطَّعام وفَصْله إلى طاهِر ونَجِس، يُعْطينا الرَّب بُرْهانًا ماديًّا ومَرْئيًا آخر على مَبْدأ روحي سَماوي: إنه يُعْلِنُ ما هو مُقَدَّس (لأسْبابِه الخاصّة الغامِضة) وكل ما عَداه ليس مُقَدَّسا. ومع ذلك فإن الأشياء المُقَدَّسة مُخَصَّصة فقط للأشخاص المُقَدَّسين. ولذلك فإنه يَتَرَتَّب على ذلك أن الشَّعب المُقَدَّس يَجِب أن يأكُل فقط الطَّعام الذي فُصِلَ وأُعْلِن طاهِراً (أي مَقْبولاً لدى الرَّب). أعْلَمُ أن الكثيرين منكم قد قَبِلوا أخيرًا هذا المَبْدأ القائل بأن القداسة يُحَدِّدها الله وَحْدَه، ومع ذلك أسْتَطيع أن أقول لكم أن آخَرين قد جاؤوا إليّ وهم لا يَزالون لا يَفْهَمون تمامًا النِّقْطة التي أُثيرُها هنا (وهذا هو السَّبَب الذي يَجْعلني أَذْكُرها كثيرًا). لا شَيء ولا أحَد يَمْلُك قداسةً ذاتِيَّة سوى الرَّب. كل إجْراء أو طَقْس أو حيوان أو أداة أو شَيء أو قانون يَعْتَبِره الله مُقَدَّسًا هو مُقَدَّس فقط لأنه هو الذي اعْتَبَرَه مُقَدَّسا؛ ولا يُحافِظ على تلك القَداسة إلا عندما يُسْتَخْدَم في السِّياق المُناسِب. أنت، كتِلميذ ليسوع، مُقَدَّس فقط لأن الله قد قَرَّر أن يَمْنَحك وَضْعًا مُقَدَّسا وأنت قَبِلْتَه؛ وهذا القرار هو أنك إذا أظْهَرْت ثِقَتك به عن طريق الإيمان بابْنِه فإنه سَيَعْتَبِر خَطاياك قد غُفِرَت، وعِلاقاتك معه قد اسْتُعيدَت، وسيَمْنَحُك الحياة الأبَدِيَّة. هل يُمْكِن أن يكون الرَّب قد اخْتار طريقةً أخرى لتَحديد الحالة المُقَدَّسة؟ أتَصَوَّر أنه كان بإمكانه أن يَفعل ذلك؛ فرُبَّما كان بإمْكاننا جميعًا أن نُفَكِّر في عدد من الطُرُق المُثيرة للإهْتِمام التي يُمْكِن أن يَسْتَخْدِمها الرَّب كمَعايير لِخَلاص الإنْسان والطُرُق التي يُمْكِن أن يَتْبَعها بعد ذلك. لكنَّه لم يَفْعَل. لذلك هناك طَريقة مُقَدَّسة وأخرى غير مُقَدَّسة، ونحن لسنا مُخَيَّرين في اخْتيار طُرُق أخرى مهما بَدَت لنا مَنْطِقِيَّة أو مُتَسامِحة أو تَقليديَّة أو مُريحة.

دَعونا نُعيد قِراءة سِفر التثنية الإصْحاح الرابع عشر بدءًا من الآية الثالثة وحتى نهاية الإصْحاح.

اقرأ سِفر التثنية أربعة عشر على ثلاثة حتى النِّهاية

بما أننا قد غَطَّيْنا كل هذا بالتَّفْصيل في دِراسَتنا لسِفر اللاويّين، سَنَتَطرَّق هنا في سِفر التثنية بِشَكْلٍ خَفيف فقط إلى مَسْألة الطَّعام. إذا كنتَ بحاجة إلى تجديد المعلومات أقْتَرِحُ عليك الرُّجوع إلى بعض دُروس التَوراة المُسَجَّلة في فَصْل التَوراة.

تُحَدِّد الآية الثالثة سِياق ما يلي بالإضافة إلى إرْساء قاعِدة عامّة: لا يأكُل أي عبراني أي شَيء مُقْرِف، أو بالأحرى مَكْروه. الكَلِمَة بالعبرية هي تويِفاه؛ في اللغة الإنجليزية قد يكون اختيار آخر جَيِّد للكَلِمات هو بَغيض. والفِكْرة هي أن أَكِل الأشياء التي لم يَفْصِلها الرَّب كطعام شَرْعي هو من بين أكثر الأشياء التي يُمْكِن للمَرْء أن يَفْعَلها أمام الله. إن كَلِمَة "تويِفاه" هي مُصْطَلَح عبري قَوي مُخَصَّص للأشياء التي هي نَجِسة بِشَكْلٍ خاص وغير مُقَدَّسة وغير شرعيَّة، ولا مكان لها على الإطلاق في حياة من يدعو إلَه بني إسرائيل إلَهه. ولكن يجب ألّا تَخْتَلِط عليك الأمور؛ هذه القاعِدة العامة للتوراة ليست مُنْفَصِلة أو مُخْتَلِفة عن قائمة الحيوانات النَجِسة التي يُعْلِنُها الرَّب في الآيات القليلة التالية. بل إن هذه الحيوانات النَجِسة هي حيوانات نَجِسة ومَكْروهة للرَّب عندما يَسْتَخْدِمُها بنو إسرائيل كَطعام.

اسْمَحوا لي أن أُذَكِّركم بمَبْدأ آخر مُثير للاهْتِمام كان الحاخامات جَيِّدين جداً في مُراعاته: ما يُمْكِن أن يأكُلَه الإنسان ويَهْضِمْه تِقَنِيّاً لا يَجْعله طعاماً مَشْروعاً. لم يَكُن أحَد مِنّا ليَمْشي خارجًا ويَحْفُر في التُّراب ويأكُل ديدان الأرض لأنها ليست طَعامًا (على الرغم من أنها لن تَضُرُّنا على الأرْجَح). وبِعبارة أخرى، لن يكون لدى أي منا ديدان الأرض على قائمة تَسَوُّقنا عندما نذهب إلى السوبر ماركت. قد تكون الديدان صالِحَة للأكِل من النّاحية التِّقَنيّة ولكنها لا تُصَنَّف كطعام من ناحية الكِتاب المُقَدَّس. يَسير الأَمِر بِنَفس الطَّريقة لاحِقًا في الكِتاب المُقَدَّس؛ فالطَّعام النَجِس لا يتم التَّحَدُّث عنه أو تَصْنيفه على أنه "طعام". إذا كان غير طاهِر، على الرَّغم من أنه قد يكون من الناحية التِّقنية صالِحًا للأكِل، فهو ليس طَعامًا. لا يَنْطَبِق مُصْطَلَح "طعام" على تلك الأشياء التي أعْلَن الله أنها نَجِسة.

لاحظ في الآيتين الرابعة والخامسة أن عَدَدًا من الحيوانات المُخْتَلِفة مُدْرَجة على أنها صالِحة للطَّعام وبالتالي "طاهِرة". ثلاثة فقط من تلك الحيوانات هي حيوانات مُسْتأنسة والباقي حيوانات بَرِّية. كان في كنعان وَفْرة من الحيوانات البَّرِّية وكان بنو إسرائيل يأكُلون الكثير من الغِزْلان والظَّباء والماعِز الجَبَلِيَّة وما إلى ذلك؛ كلَّها مَقْبولة تماماً كطعام.

تُعطينا الآية السادِسة المعايير العامة لكَيْفِيَّة تحديد الحيوان الطاهِر غير المُدْرَج في قائمة الحيوانات العَشْرة المُحَدَّدة هذه؛ يجب عليه أن يَجْتَرَّ الطَّعَام وَيَكُون له حَافر مَشْقُوق إِلَى اثْنَيْن. كما توضِح الآية السابِعة على سبيل المثال، فإن الإبِل والأرانب البَرِّية والوبر (وهي حيوانات كثيرة وشائعة في كنعان) تجْتَرّ ولكن ليس لها حافِر مَشقوق ولا يجوز أكْلُها. ثم يَمضي ليَقول أن السَّبَب في أن الخنازير نَجِسة بالنِّسْبة لبني إسرائيل هو أنه بينما الخَنْزير له حافِر مشقوق إلا أنه لا يَجْتَرّ. هذا هو المِثال المِثالي لما تَحَدَّثْت عنه سابقًا: البقرة ليست بالضَّرورة أكثر نظافة أو أكثر صِحَّة للأكل من الخنْزير على الرَّغم من أن الله يُصَنِّف أحَدَهُما على أنه طاهِر والآخَر ليس كذلك. إن فِكْرة أن الخنازير تأكُل أشياء رَديئة وبالتالي فإن لَحْمَها غير صِحّي نِسْبِيًّا ليست مَنطقيّة لأن العديد من الحيوانات البَرِّية المَقْبولة لبني إسرائيل (حتى الحيوانات الأليفة مثل الماعِز) تأكُل أي شَيء. يا إلَهي، حتى الدَّجاج يَأكُل أي شَيء تقريبًا. لن أنْسى أبدًا تلك الأيام عندما كُنْت صَبِيًّا صغيرًا أَعيش في المجتمعات الزراعية ومراعي المزارع في وادي إمْبريال بولاية كاليفورنيا، حيث قَضَيْت عُطْلَة نهاية الأسبوع مع صديق لي في مَزْرعة عائلته. خَرَجْنا لنَجْمَع بعض البيض من قِنّ الدجاج في الوقت المُناسِب لنرى فأرًا صغيرًا يُحاوِل الانْطِلاق على الأرض التُّرابيّة لتَلْتَقِطه دجاجة على الفور وتَلْتَهِمه هي ودجاجات أُخْرى تُحاوِل الانْضِمام إلى الوليمة والدَّجاج هو طعام مُوافِق للشَّريعة اليهوديّة.

فيما يلي يتمُّ تَوضيح أنواع الكائنات البَحْريّة التي يُسمح باسْتِخدامِها كغِذاء، والقاعِدة العامَّة هي أنه يَجِب أن يكون لها زَعانف وقُشور؛ لذا فإن أشياء مثل الثَّعابين والمَحار والكَرَكَنْد وسَرَطان البحر والحَبّار والأخْطَبوط والحوت لم تَكُن طاهِرة كطَعام.

يُمْكِن أن تؤكَل بعض الطُّيور كطَعام كما ظَهَر في سِفر الخُروج في البَرِّيّة عندما أرْسَل الله السَّمّان كَلَحْم لبني إسرائيل المُتَذَمِّرين بِصَوت عالٍ. بما أنه لا توجَد في الحقيقة أي خاصِّيّة جَسديّة مَرئيّة للتَّمْييز بِسُهولة (وبالتالي تَصْنيف) طائر عن آخَر (كطاهِر أو غير طاهِر)، فإن الخَصائص العامّة لم تُعطى لنا. وبدلاً من ذلك يتم إعْطاؤنا قائمة مُحَدَّدة بالطُّيور غير الطّاهِرة؛ ومن المُفْتَرَض أن جميع الطُّيور الأخرى لا بأس بها للطّعام. لذلك فإن الدَّجاج المَشْهور دائمًا كان يُعْتَبَر دائمًا طعامًا جَيِّدا وطاهِرا عند العبرانيّين، وسَنَجِده اليوم في وَسَط العديد من الوَجبات خلال الأيام المُقَدَّسة اليهوديّة.

والآن من النّاحية العَمَليّة، ونَظَرًا لِوُجود مئات وآلاف الأنواع من الطُّيور، فقد قرَّر الحُكَماء العِبرانيّون الأوائل أنه يُمْكِن التأكُّد من بعض الخصائص السُّلوكيّة للطُيور المُدْرَجة هنا (الطُّيور النَجِسة) وتَطبْيقُها على الطُّيور الأخرى غير المُدْرَجة في القائمة والتي تُظْهِر سُلوكيّات مُماثلة لتحديد الطُّيور التي يَجِب تَجَنُّبها. على رأس قائمة سُلوكيّات الطُّيور النَجِسة تلك التي تأكُل اللّحوم المَيْتة أو الطُّيور الجارِحة. هناك في الواقع بعض الخصائص التِّقَنِيَّة الأخرى التي حَدَّدَها الحاخامات والتي تَجعل بعض الطُّيور نَجِسة، ولكننا لن نَخوض في ذلك اليوم لأن الأمْر يتطلَّب الكثير من الشَّرح. بِشَكْلٍ عام تُعتبَر الطُّيور التي تأكل الحُبوب في المقام الأوَّل (حتى وإن كانت قد تُكَمِّلها الحشرات أحيانًا) طاهِرة، على الرغم من أنه تمّ وضع قائمة بالطُّيور المُفَضَّلة. فَطُيور مثل الدَّجاج والسّمان واليمام والحَجَل والبَطّ والإوز والدّيك الرّومي ودجاج الكورنيش وغيرها من هذه الأنواع هي طعام شائع على الموائد اليهوديّة.

يبدو كأن الآية التاسعة عشرة (على الأقل في اللغة الإنجليزية) مُزْدَوِجة الكلام. يبدو أنها تقول أن جميع الطُّيور المُجَنَّحة نَجِسة، ثم تُغَيِّر وتقول أن بَعْضها طاهِر. المفتاح لفهم هذه الفقرة هو كَلِمَة "سَرْب" (بالعبرية شيريتس). تشير كَلِمَة " شيريتس " إلى المَخْلوقات الحَيَّة التي تَحْتَشِد أو تَزْحَف: الحَشَرات أو الفئران أو الضَّفادِع وبعض المخلوقات البَحْرِيَّة التي تمشي على قاع البحر (مثل الجراد البَحْري والسرطان وغيرها). والمخلوقات المُجَنَّحة الوحيدة التي عَرِفها العبرانيّون القُدَماء هي بعض الحَشَرات المُجَنَّحة مثل أنواعٍ مُعَيَّنة من الجراد البحري التي تنْتَقِل بِسُرعة وتَقْفز باسْتِخدام رِجْلَين خَلْفِيَّتين قَوِيَّتَين. لذلك يَنْدَرِج النَّمل والنَّمل الأبيض واليَرقات وغيرها من المخلوقات المُماثلة في فِئَة الحَشَرات المُجَنَّحَة وبالتالي فهي مَمْنوعة من التَّصنيف كطَعام.

في الآية واحد وعشرين نَحْصَل على بعض المَحْظورات حول متى يُمْكِن أَكْل الحيوانات الطّاهِرة، وهي تَتَمَحْوَر حول طريقة مَوت هذه المَخْلوقات الحيَّة. فإذا كانت قد ماتت مَوتًا طبيعيًا (كِبَر السِّن أو المَرَض أو الإصابة العَرَضية) فلا يجوز أكْلَها عُمومًا. ولكي أُثْبِت نَوعًا ما وِجْهة نَظَري حول مَفْهوم أن الأمْر ليس بالضَّرورة مَسألة نظافة أو تَغْذِية متأصِّلة تَجْعل حيوانًا طاهِرا وآخر نَجِسا، لدينا هنا تعليمات بأنه على الرغم من أن شعب الله المُخْتار، بني إسرائيل، مَمْنوعون من أكْل حيوان طاهِر مات لأسباب طبيعِيّة إلا أن الحيوان الذي مات لأسباب طبيعيّة يجوز أن يُعطى للجير أو يباع للنكري. هذه ليست حالة يأمُر فيها الله بني إسرائيل بتقديم طعام غير آمِن أو غير صِحّي أو سامّ لغير بني إسرائيل. إن النكر هو شخص غير عِبْري يعيش بين بني إسرائيل ووافَق على أن يكون جِزءًا من المُجْتمع العبري ويُكَرِّم (في مُعظَم الأحيان) إله العبرانيّين وشرائع موسى. ومع ذلك، فإن النكري هو أيضًا شخص لم يَصِل إلى حدّ الانْضِمام إلى إحدى القبائل الإسرائيلية بِصفة رسمية. والنكري هو الشَّخْص الذي لا يَسْكن بين العبرانيّين، بل يَسْكُن إلى جانب العبرانيّين وخارج مُخيَّمهم. وهو لا يُكَرِّم يَهْوَهْ بالضَّرورة. فإذا مات حيوان يعود لعبرانيّ، فإما أن يقدِّمه العبرانيّ هدية للنكري، وإما أن يَبيعه للنكريّ مقابل المال.

والآن، على الرغم من أنني رَسَمْت خطًا صارِمًا وسَهْل التحديد إلى حدّ ما بين ماهية الجير والنكري، إلا أن الفرق عمليًا كان يُمَثِّل أكثر من ذلك الوَضْع الاجْتِماعي والاقْتِصادي؛ وهو نوع من النِّظام الطَّبَقي السائد في جميع المُجْتَمعات في ذلك العَصْر تقريبًا.

وهذا القانون بِعَدَم أكل الحيوان الذي مات لأسباب طبيعيّة، بينما يُمْكِن أن يؤكَل غَيره، يُفسَّر في الجملة التي تلي ذلك مباشرة: "لأَنَّكُمْ شَعْبٌ مُقَدَّس (أو في بعض النُسَخ مُقَدَّس) لِلرَّبِ إِلَهِكُم". وبعبارة أخرى (كما أشرت إلى ذلك مِرارًا وتِكرارًا) يَجِبُ على بني إسرائيل أن يتبعوا قوانين طعام مُخْتلفة عن الشعوب الأخرى لأن الطَّعام هو جزء مما يُمَيِّزهم عن الثقافات الأخرى.

قبل أن نَنْتَقل إلى القسم التالي من سِفر التثنية أربعة عشر الذي يتناول أمورًا مُخْتلفة، أوَدُّ أن أُدلي بتَعليق موجَز جدًا عن الأكل الكوشير كما يتعلّق بالعهد الجديد والمسيحيّين المُعاصرين، من الواضح جدًا في الكتب المُقَدَّسة نفسها وفي الكتابات العبرية في ذلك العَصر، من وثائق الجَماعة في مَخْطوطات البحر المَيِّت ومُسْتَوْدع مليء بالوثائق اليهوديّة الأخرى من قَبْل وبعد زمن المسيح، أن الحاخامات قد توسَّعوا في قواعد الأكل الكوشير وضخَّموها لدرجة أن موسى نفسه رُبَّما لم يَكُن ليَعْرفها. إذا نَظَرْتَ إلى العديد من الأسْفار التَّلْموديّة التي تتناول النِّظام الغذائي، وقارَنْتَها بسِفر اللاويين وخاصة سِفر التثنية (الذي بَسَّط المُتَطلِّبات بمُجَرَّد دخول بني إسرائيل الى كنعان) عليك أن تتساءل من أين جاء هؤلاء الحُكَماء العبرانيّين بأفْكارِهم ليُطالبوا بمِثِل هذه الإجْراءات التَّفْصيليّة. لقد تَحدَّث المسيح بِصَوت عالٍ وواضح في هذا الموضوع وقال إن هذه التقاليد وغيرها من التقاليد قد حلَّت فِعْليًا محل كَلِمَة الله، وأنه في النهاية لم يَكُن الأمر أبدًا مسألة ما يَدْخُل في فم الشَّخْص (الطَّعام) هو ما يجعل هذا الشَّخْص طاهِرا أو نَجِسا في نَظَر الله، بل ما يَخْرُج منه (أي الكلام الذي يَكْشُف عن الأفكار الدّاخلية لهذا الشَّخْص). لم يَكُن هذا بالتأكيد تخلِّياً من يسوع عن النّاموس الغذائي في التوراة، لأنه قال بنفسه في إنجيل متىّ خمسة على سبعة عشر الى تسعة عشر أنه لن يُزال من النّاموس حرف واحد أو جَرَّة قَلَم حتى تَزول السماء والأرض. وعندما نَفْترض أننا نَبْتَدِع تعاليم تَفعل عكس ذلك تمامًا (بِزَعم ما قاله بولس) فاعْلَموا أنه بينما قد لا تَعرف مُعظَم جماعات الكنيسة أفضل من ذلك، فإنكم أنتم في صفّ التوراة تَعرفون!

أحد أقسام العهد الجديد التي وقع فيها الكثير من الأذى من قبل عُلماء مسيحيّين غير مُطَّلِعين هو في سِفر أعمال الرُسُل عندما أُنْزِلت الصحيفة من السماء وهي مليئة بالحيوانات النَجِسة الخاصة بالأكل. سوف أقْتَبِس فقط من دوان ل. كريستنسن، مُحَرِّر كتاب تَفسير الكِتاب المُقَدَّس العالَمي (كتاب مسيحي إنجيلي مُحافظ) حول هذا الموضوع ……. "إن رؤية بطرس لِصَحيفة عظيمة من أربعة أركان على الأرض تحتوي على كل أنواع الحيوانات النَجِسة، كانت في المقام الأول رِسالة رَمْزيّة حول مسألة ضَمّ الرَّجُل الأُمَمي كورنيليوس إلى شعب الله….."

اسْمَحوا لي أن أوضِح قليلاً: كانت رؤية بُطرس هذه اسْتِعارة. لقد أخَذْتُ ما كان رُبَّما الرَّمْز الرئيسي المَرئي والمعروف لليهوديّة في ذلك العصر، وهو أَكِل الكوشير، واسْتَخْدَمته كَكِناية عن العديد من الشعوب الوثنيّة في العالم التي أراد الله أن يَضُمّها إلى خِطّة الفِداء. إلا أن اليهودية كانت قد طَوَّرَت عَقيدتَين تجاوَزَتا قَصْد الكتاب المُقَدَّس بكثير، وقد أنشأَت هاتان العقيدتان جِدارًا لا يُمْكِن التَّغلُّب عليه بين اليهود والوثنيّين؛ الأولى هي أن اليهود قَرَّروا أن الوثنيين ليسوا مُجَرَّد "عادِيِّين" (في مقابل المُقَدَّسين)، بل هم نَجِسون بِطَبيعتهم. وأن أي يهودي يُخالط الوثني عن قُرْب، ينَجَّس اليهودي تلقائيًا. ثانيًا أن قوانين الطَّعام الكوشير جَعَلَت من المُسْتحيل عمليًا أن يأكل اليهودي طعامًا بمُجَرَّد أن يكون قد أعدَّه وثني. في الواقع، إن مُجَرَّد تناول الطَّعام على مائدة غير يهودي، أو بِحُضور غير يهودي (بِغَضّ النَّظَر عَمَّن أعَدَّ الطَّعام)، يجعل كل يهودي حاضِر نَجِسًا طَقْسِيًّا وِفقًا للتقاليد.

بالطَّبع لم يَكُن هذا فقط رأيًا شائعًا ولكنه كان غير مُتَوازِن وغير مذكور في الكتاب المُقَدَّس فحسب، بل كان أيضًا أكثر من مُجَرَّد إهانة للمؤمِنين الأُمَمِيّين. لذلك من خلال رؤيةٍ إلَهية، رأى بطرس أن الرَّب بالتأكيد لم يَكُن مُتَمسِّكًا بتلك المُعْتقدات التَّقليديّة البَشَريّة، ولذلك قال لبطرس أنه بالتأكيد يُمْكِنه أن يكون في صُحْبة الأُمَمِيّين لأن الأُمَمِيّين ليسوا نَجِسين بطبيعتهم. بِمُرور الوقت أخذ بولس هذا الفهم على أنه عندما كان في بَيت أحد الأُمَمِيّين، فإنه إذا قدَّم له ذلك الأُمَمي طعامًا ليس كوشيرًا تمامًا فيَجِب على بولس أن يأكُل هذا الطَّعام لأن الحاجة إلى التَّفاهُم والشَّراكة بين تلاميذ يسوع، اليهود والأُمَمِيّين تفوق قوانين الطَّعام في تلك الحالة. ومع ذلك لم يَكُن هذا يعني أن بولس كان يَعتقد أن تلك الشَّرائع قد أُلْغِيَت. بل كان هذا بالأحرى مُجَرَّد تَوضيح لمَبْدأ كال فومر (مَبْدأ الخفيف والثقيل) حيث عندما يكون هناك تَعارُض واضح بين مَبْدأين إلَهِيَّين لا يُمْكِن إطاعة كِلَيْهما في وقت واحد، فيَجِب اخْتِيار المَبْدأ الأكثر ثِقلًا.

يَنتهي الآن القسْم الخاص بالقانون الغِذائي وتبدأ القوانين المُتَعلِّقة بالعطاء والتَّعامل العادِل في الآية الثانية والعشرين. سَتَسْتمِرّ هذه المجموعة من الشَّرائع في سِفر التثنية خمسة عشر وسِتة عشر، وهي في الحقيقة مُجَرَّد جانِب آخر من جوانِب التَّرْكيز الإنْساني الذي يَشْرَحه موسى في خُطْبَته على جبال موآب. من المُثير للإهْتمام أنه إذا نَظَرنا عن كَثب إلى اليهوديّة التَّقْليديّة نرى اهتِمامًا كبيرًا بالعدالة الاجتماعيّة والإنْصاف، وسِفر التثنية هو الذي يقود هذا الاهْتِمام بالنِّسْبة لهم. للأسَف كما لاحظْنا نحن الذين انْتَمَيْنا إلى واحدة أو أكثر من الطوائف المسيحيّة الثلاثة آلاف أو أكثر، عندما نُرَكِّز بِشِدَّة على مجال واحد من الكِتاب المُقَدَّس على حِساب مجال آخر تُصبح عقائدنا وتقاليدنا وسُلوكنا غير مُتوازِنة. هذا هو السَّبَب في ظُهور عقائد الرَّخاء كمبادئ أساسيّة في بعض الكنائس، أو أن يكون لدينا آخرون يَعْتقدون أن التَّعامُل مع الثَّعابين السّامة هو دليل على الإيمان الحقيقي. مثال آخر أكثر حَداثة على هذه المسيحية العقائديّة غير المُتَوازِنة هو ما يُسَمّى بـ "الكنيسة الضاحكة" التي تَعْتَقِد أننا إذا أظْهَرنا المزيد من الفرح بالضّحك كثيرًا (خاصة أثناء قُدّاس العِبادة) فسوف نُشْفى من الأمراض. والأكثر دَهاءً هي تلك التي تجعل أحد الثالوث أكثر أهَمِّيّة من الآخرين (سواء كان الرّوح القُدُس عند البعض أو يسوع عند البعض الآخر) أو رُبَّما تجعل الله الآب هو إله العهد القديم فقط وبالتالي لا صِلَة له تقريبًا اليوم، وهكذا دَوالَيك (هناك الكثير من العقائد البعيدة جدًا عن الواقِع لا يُمْكِن تناوُلها في دَرْسنا اليوم).

لقد أصبح اليهود تاريخيًا يُرَكِّزون بِشَكْلٍ مُفْرِط على العدالة الاجتماعيَّة البَشَريّة لِدَرجة أنهم سَمحوا لهذا الاهتمام بِتَجاوُز وصايا الله الأخرى (في كثير من الأحيان) كما أن المَنْطِق السَّليم (في كثير من الأحيان) قد تراجَعَ أيضًا الى الخَلْف. عندما نَدْرس يشوع ثم القُضاة، سنَحْصل على العديد من الأمْثِلة على هذا المَيْل نحو عدم التَّوازُن الذي يَصِل في الواقع إلى عُصْيان شديد إلى حدٍّ ما. سنرى أن العديد من قادة بني إسرائيل في أرض الميعاد سيَسْمحون لرَغْبتهم البَشَريّة في الإنصاف والشَّفَقة على الأجانب أن تَدْفَعهم إلى القيام بالأُمور ذاتِها التي كان الرَّب يُحَظِّرها عليهم؛ أي عقد مُعاهدات مع الكنعانيّين والسَّماح باسْتِمرار العبادة الوثنية داخل حُدودهم، وحتى الانْضِمام إلى بعض الكنعانيّين في الزّواج لإظهار الاحْتِرام والتَّسامُح على أمل الحُصول على تعايُش سِلْمي.

نَجِد أُمور مُماثلة تَحْدُث في إسرائيل اليوم. يبدو أن الحُكومة الإسرائيليّة مَدْفوعة إلى تَدْمير نَفْسَها بِنَفْسِها (وبالمُناسَبة، يُهَلِّل لها غالِبيَّة السُّكّان اليهود الأمْريكييّن) من خلال القيام بكل ما في وِسْعِهم لمساعدة بل وحتى تعزيز أعْدائهم الَّذين يُعْلِنون بِعِبارات لا لُبْسَ فيها أن السَّلام مع إسرائيل أمْر مُسْتحيل. ومهما يَكُن من أمْر، فإن مُطالبة العالم الوثني إسرائيل بالتَّخَلّي عن الأرض والسِّيادة وحتى الأموال والأرواح من أجل القَضِيّة الفلسطينيّة شَيْء ولكن أن يطالِب الشَّعب اليهودي والحُكومة الإسرائيلية بالشَيء نفسه تقريبًا شَيء آخر تمامًا.

هذه هي بالضَّبْط العقليّة التي سيُعَزِّزُها تلميذ موسى يوشع وخُلَفائه. كل ذلك بإسْم مَثَلهم الأعلى الإنْساني للعَدالة الاجْتماعية والمَحبَّة والرَّحْمة، سيَفْعَلون نفس الأشياء التي قال لهم يَهْوَهْ ألا يَفْعلوها مع جيرانهم الأجانب.

اسْمَعوني يا أصدقائي المؤمِنين: هذا المَبْدأ لا يَنْطَبِق فقط على إخْوَتنا وأخواتنا اليهود وليس فقط على إسرائيل. نحن، عند قُبولنا للمسيح اليهودي الذي يَسْتَنِد سُلْطانه ذاته على العهود التَّوراتية بين الله وبني إسرائيل، لا يُمْكِننا أن نُنَحّي شرائع الله ومَبادئه جانبًا حَسَب ما يُناسِبنا وحَسَب أَهْوائنا. لا يُمْكِننا أن نَعْتَمِد على المَحَبَّة والرَّحْمة كمُذيب إنساني شامل يُلغي أوامِر الرَّب المُحَدَّدة بألا نَخْلُط عِبادتنا له بِمُمارسات العِبادة الوثنيّة؛ ولا أن نَحْتفل بالأعياد الوثنيّة المُقَدَّسة أو نَخْلُط تلك الاحْتِفالات بأعْيادنا؛ ولا أن نَتسامح مع وجود آلِهة وثنيّة بَيْننا. إن إعلان بعض الجماعات الآن بِشَكْلٍ أساسي أنه لا فَرْق بين يَهْوَهْ والله يُخالِف الوَصِيَّة بِعَدَم عِبادة آلِهة أخرى. من المؤكَّد أننا يَجِب أن نَسعى جاهِدين من أجل العدالة الاجتماعيّة، التي لا نُطَبِّق الكثير منها؛ ولكن لا يَجِب أن نَفْعل ذلك أبدًا في سِياق فلسفات البَشَر والنِّسْبِيّة البَشَريّة. إن القِيَم والمبادئ التي أعطانا إياها الرَّب هي أَفْضَل من قِيَم ومَبادئ العالم، حتى لو لم يَعْتَقِد العالَم ذلك.

كان يَجِب أن يُعطى العُشر السنوي من ثمار الأرض ليَهْوَهْ. لقد كان، في النهاية، مالِك الأرض، وبالتالي كان من حَقِّه أن يعود له جِزءًا من غَلَّة الأرض. ولكن أكثر من المِلْكِّية كان هو الذي أعْطى الأرض خُصوبتها ونُمُوّها. العُشر (أي واحد على عشرة) كان يَجِب أن يؤتى به إلى المَذْبح المَرْكزي. إلى أن بنى المَلِك سليمان مَعْبَدًا دائمًا لله في أورَشَليم في مُنْتَصف القرن التاسع قبل الميلاد، كان مَوْقع خَيْمة الإجْتِماع، خيمة البرية المُقَدَّسة، قد نُقل عِدَّة مَرّات. لذلك لا نرى مكانًا مُحَدَّدًا لمكان المَذْبَح (ومع ذلك، فإنه سَيَقضي مُعظَم وَقْته في شيلو).

كان الغَرَض من العُشْر كما فَرَضَه الله غير عادي بالنِّسْبة لذلك العَصْر. كان العُشر (أو شَيء من هذا القبيل) بِشَكْلٍ عام، بين الوثنيّين، مُجَرَّد ضَرائب تُدفع للمَلِك. ولكن هنا لم يَكُن الأمْر كذلك. كان العُشر يُستخدم لدعم صِيانة خَيْمة الإجْتِماع وجميع أولئك الذين كانوا مُكَلَّفين بِخِدْمتها: الكَهَنَة واللاويّين.

ولأن بني إسرائيل كانوا سيَعيشون مُنْتَشِرين على مساحة عِدَّة آلاف من الأميال المُرَبَّعة في أرض كنعان، فإن المسافة التي كانت تَفْصلهم عن المكان المُقَدَّس المَرْكَزي ليأتوا بتَقْدِمة كانت مُشْكلة. في بعض الحالات كان من المُمْكن أن تُفْسَد بِبَساطة خلال الرِّحلة الطّويلة. وفي حالات أخرى (إذا كانت حيوانات) من المُحْتَمل أن يُفْقَد القليل منها بِسبب الحيوانات البرِّية أو الحوادِث على طول الطريق. والأكثر من ذلك عَمَلِيّاً إذا كان المَرْء يَمْلُك حَقْلاً كبيراً، وبالتالي كان عليه عُشراً كبيراً، كان الأمْر سيتَطَلَّب كَمِّية كبيرة من العَرَبات والعَمَل لِنَقل كلّْ تلك المُنْتَجات إلى خَيْمة الإجْتِماع. لذلك في الآية الرابعة والعشرين نَحْصل على المَبْدأ القائل بأنه يُمْكِن مُبادَلة الإنتاج بالمال، أي أنه يُمْكِن تحديد قيمة من المال لذلك المُنْتَج ويُمْكِن بِبَساطة إعطاء المال بَدَلاً منه. وقد أدّى هذا حتى إلى التَّقليد اليهودي القائل بأنه يُمْكِن النَّظَر إلى المال على أنه عَمَل مُجَمَّد. وبِعبارة أخرى، نحن نَعْمَل مُقابل أَجْر والمال يُمَثِّل وقت عَمَلنا؛ ثم نُعْطي من أموالنا وهو في الأساس نفس الشَيء الذي يُمَثِّله تقديم عَمَلنا.

ثم في الآية السابعة والعشرين هناك تَوجيه بأن يتمّ الحرْص على عدم إهْمال اللاويّين الذين يَعيشون بَينكم. إليكم الأمر: لقد أُعْطِيَ اللاويون ثمانية وأربعين مدينة ليَعيشوا فيها في جميع أنحاء مناطق القبائل الإثْنَتَي عشرة. كان من واجب القبائل دَعْم هؤلاء اللاويّين ومُدُنِهم. لكن اللاويّين الذين يَجري الحديث عنهم هنا مُنْفَصِلون عن الكَهَنَة. تذكَّروا أن عائلات مُعَيَّنة فقط من سِبْط لاوي كانت تَستطيع أن تكون كاهِنة. أما الباقون (الأغْلَبيّة) فكانوا عُمّالاً من ذوي الياقات الزَّرْقاء حول خَيْمة الإجْتِماع، وكانوا يَعملون بِشَكْلٍ أساسي لدى الكَهَنَة. يقوم الكِتاب المُقَدَّس بِشَكْلٍ عام بهذا التَّمْييز بِتَسْمِية الكَهَنَة بالكَهَنَة، وبِتَسْمِية هؤلاء العُمّال من غير الكَهَنَة باللاوِيّين غير ذوي الياقات الزَّرقاء. كان الكَهَنَة يتلقّون مُعظَم مَعيشتهم من جِزء من الذبائح الطَّقْسيّة التي كانت مُسْتَحِقّة لهم. لم يَكُن اللاويّون عُمومًا يتلقّون جِزءًا من الذّبائح الطَّقسيّة، لذلك كانوا يَحْصَلون على دَعْمهم من العُشور والتَّقَدّمات.

والآن، هناك أمْر مُثير للاهْتمام، وهو أن العُشور السَّنَوية التي كانت مُسْتَحِقّة كل ثلاث سنوات لم تَكُن تؤخَذ إلى الحَرَم المَرْكَزي، أي خَيْمة الإجْتِماع، بل كانت تُحفَظ في أي مدينة أو قَرية يَنْتَمي إليها الشَّخْص. كان هذا هو جَوْهَر نِظام الرِّعاية الاجْتماعيّة العبراني. من هذه المَخازن الجَماعيّة كان الفُقَراء والمَرضى يَسْتَطيعون الحصول على الطَّعام للبَقاء على قَيْد الحياة. بالإضافة إلى ذلك، كان يُسمَح لللاويّين بالأخْذ من مَخْزَن الطَّعام هذا. وكان المَخْزَن يَضُمّ أيضًا نُقودًا حيث كان من المُمْكن مُبادلة المُنْتجات بالمال وبالمال الذي كان يُعطى مقابِل العُشور والتَّقدّمات. لاحِظوا أيضًا أن مَخْزَن الطَّعام كان يَجِب أن يكون مُتاحًا لجميع المَحْرومين؛ الأرامِل والأيْتام وحتى الأجانِب.

المَبْدأ الذي تمّ التَّعْبيرْ عنه هنا هو أن مَصالِح الفُقَراء والمُحْتاجين تَقِف في كل الأوْقات أمام الرَّبْ، وهو يَتَطَلَّع إلى شَعْبِه قبل كل شَيء لِسَدّ تلك الحاجة بين النّاس. وفي حين أن اِحْتِياجات أُسْرَة المَرْء، ومن ثم مُجْتَمَعه من المُؤمِنين قد يكون لها بعض الأوْلَوِيَّة، إلا أن ذلك لا يُمْكِن أن يكون ذَريعَة لتَجاهُل الصَّدَقة الفَعّالة حيثما كانت هناك حاجة إليها.

سنَبْدأ في الأسْبوع القادِم الإصْحاح الخامِس عشر الذي سَيَتَناوَل مَزيدًا من التَّوَسُّع في التَّدابير التي يأمُر بها يَهْوَهْ لحِماية الفُقَراء والمُعَوَّقين.