9th of Tevet, 5785 | ט׳ בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التثنية » الدرس عشرين – سفر التثنية ستة عشر
الدرس عشرين – سفر التثنية ستة عشر

الدرس عشرين – سفر التثنية ستة عشر

Download Transcript


سِفْر التثنية

الدرس عشرينالإصْحاح السادس عشر

الإصْحاح السادس عشر من سِفْر التثنية هو جِزء مُوسّع الى حدٍّ ما من السِفْر الخامس من التَّوراة، يبدأ بِوَصف أعياد الحَج الثلاثة الكبرى، ثم يَنْتَقِل إلى مُناقَشَة مُتَطلِّبات وتَوقّعات القادة المَدنيَين والحُكوميين، وأخيرًا يُجَدِّد التَّعليمات المُتَعلِّقة بِمُمارسات العبادة السليمة ويُكرِّر المَحْظورات.

كما هو الحال دائمًا يَجِب أن نضع في اعْتِبارنا سياق هذا الكِتاب بِشكلٍ عام، والسِّياق هو أن موسى يلقي خطابه الأخير لَبَني إسرائيل قبل أيام فقط من مَوته. وبينما هو يَقف أمام بني إسرائيل في جبال موآب التي تَطُلّ على وادي الأردن ومَوطن شَعْب الله الدائم الذي طالما تَمَنّى أن يكون مَوطنًا دائمًا، إذا كان هناك مَوضوع واحد أساسي يُحاول موسى أن يَعرِضه فَلَعَلَّ أفضل ما يُلَخِّصه هو كَلِمات أحد أبْرَز ملوك بني إسرائيل: سليمان بن داوود.

في سِفْر الجامعة يَصِل المَلِك سليمان إلى هذه النَّتيجة في الإصْحاح الثاني عشر، الآية الثالثة عشرة، بعد مَقالته الطويلة عن معنى الحياة، ترجمة النسخة القياسية المنقحة سِفر الجامعة إثني عشر على ثلاثة عشر: "فَلْنَسْمَع خِتام الأَمْر كُلِّه: اتَّقِ اللهَ وَاحْفَظْ وَصاياه، لأَنَّ هذا هُوَ الإِنسان كُلُّه"ُ.

واجِب الإنسان كلّه هو طاعة وَصايا الله. الكَلِمة المُسْتَخْدَمة للإنسان في العِبريَّة هي "آدم" وتعني الإنسان بِشكلٍ عام؛ لذا فهي تعني في مَعنى هذه الآية، البَشريَّة ككُلّ. هذه الآية لا تَقْتَصِر بأي شكل من الأشكال على مُخاطبة بني إسرائيل فقط؛ إنها تُشير إلى كل (الوَثَنِيِّين أو العِبرانيِّين) الذين يَعبدون إله بني إسرائيل. أُشير إلى هذا لأنه كان من عادة المؤمِنين أن يَرْغَبوا في أن يَجعلوا بعض الشرائع والأوامِر لبني إسرائيل فقط، بينما البعض الآخر للأُمَم فقط، ونَميل إلى التَعَسُّف في تحديد أيّهما. لِنَتَذَكَّر دائمًا أن أوامِر الله المَكْتوبة مَوْجودة في شريعَته وأن يسوع يقول أن النّاموس لم يَنْقَطِع أبدًا ولن يَنْقَطِع حتى تزول السَّماوات والأرض. ما يَقوله موسى ينْطَبِق علينا، نحن، كنيسة المسيح، بِقَدَر ما ينْطَبِق على الشَعْب العِبراني بِشكلٍ عام.

لنَقرأ سِفْر التثنية السادِس عشر معًا.

اقرأ سِفْر التثنية الفصل السادِس عشر بأكمَله

إن أعياد بني إسرائيل مَركزِيَّة ليس فقط لمُمارسات بني إسرائيل في العبادة بل لتأسيس هَوِيّتهم كشَعْب الله. إن أعياد الكِتاب المُقَدَّس السَّبعة هي من بين ما يُسَمّيه الرَّب بـ "أوْقاته المُعَيَّنة"؛ إنها أحداث دَوْرية تَسْتَنِدُ إلى التَّقويم الذي وَضَعَه يَهْوَه لكي يكون لبني إسرائيل سَببًا للتَّوقُّف والتأمُّل في من هُم ومن هو إلَههم. من بين هذه الأعْياد السَّبْعة هناك ثلاثة أعياد مُهِمَّة بِشكلٍ خاص، ويتمّ التأكيد على أهَمِّيَتها من خلال الأمْر بأن يَحِجّ العبرانيّون (رحْلة) إلى مَوقع الحَرَم المَرْكَزي من أجل الحُضور أمام الرَّب في تلك المُناسبات. وبما أن حُضور الرَّب كان يُنظَر إليه على أنه يُقيم فوق تابوت العهد، فإن تَقديم النَّفْس للرَّب يعني أن يأتي المَرْء إلى مَوْقِع التابوت، الذي كان بالطَّبع خَيْمة الإجْتِماع ثم الهَيْكَل فيما بعد.

بِموجَب القانون كان الذُّكور البالِغين هم الّذين كانوا مُلْزَمين بالقِيام بِرحْلات الحَج هذه. إن بُعد بُيوتهم عن الحَرَم بِشكلٍ عام ليس عِذْرًا للتَّخَلّي عن هذه الأعياد السَّنَوية الثلاثة. لقد رأيْنا من قَبْل أن جميع أعياد الحَج هذه هي مُناسبات عائلية، ولِذا كان يتمّ حَثّ جميع أفراد العائلة على الحُضور، ولكن ذلك مَتْروك لتَفضيل كل أُسْرة. في الواقع، كانت العائلة تُرافِق الذُّكور بانْتِظام لأن هذه الإحْتِفالات كانت احْتِفالات خاصة ومُرْتَقبة لِدَرجة أن الجميع كانوا يَرْغبون في الحُضور.

وفي حين أن الكثير من طريقة عَيْش بني إسرائيل وتَصَرُّفاتهم كانت مُشابهة تمامًا لِطريقة حياة جيرانهم، إلا أن فِعل الحَج في عيد ديني لإله لم يَكُن مَعُروفًا. لقد ميَّزت رِحلات الحَج الثلاث هذه العِبرانيين كشَعْب مُخْتَلِف يَعبدون إلهًا مُخْتَلِفا بطريقة مُخْتَلِفة عن جميع الشُّعوب والأُمَم الأخرى. والكَلِمة العِبريَّة للحَجّ هي شاغ؛ وبعد حوالي ألفَي سنة من فَرض الرَّب رحلات الحَج الثلاث هذه سنوياً، تَشكَّلت دِيانة شرق أوسَطِيَّة جديدة ومُنافِسة تَتَضمَّن نفس الفِكرة: الإسلام. في الواقع اسْتَعار الإسلام الكَلِمة العِبريَّة للحَجّ فسُمِّيَ بالعربية الحَج.

على الرَّغم من أننا تَلَقَّيْنا عِدَّة دُروس عن أعياد الكِتاب المُقَدَّس، إلّا أننا سنُقْضي بعض الوقت مع أعياد الحَج الثلاثة في سِفْر التثنية لأن هناك بعض الجوانِب التي لا تَظْهر بِسُهولة (خاصةً للوَثَنيّين). بل أكثر من ذلك، بما أن كل حَدَث عظيم في حياة المسيح تقريبًا كان يَتَمَحْوَر حول واحد أو آخر من أعياد الحَج هذه، يَجِب أن نَشُكّ على الفَور أن التَّوْقيت لم يَكُن مُصادَفة.

العيد الأوَّل الذي نوقِش في الإصْحاح السادِس عشر هو عيد الفِصح، أو بالعِبريَّة بيساخ. في الآية الأولى يُطلب من بني إسرائيل أن يَحْتَفِلوا بعيد الفِصح وأن يُقَدِّموا ذبيحة الفِصح لله لأنها اللَّيْلَة التي خَلَّص فيها يَهْوَه بني إسرائيل؛ لقد حرَّر بني إسرائيل من قَبضة مصر. إذا كان لنا أن نُشير إلى شَيْء واحِد يُميِّز شَعْب إسرائيل على نحو أكثر وُضوحًا على أنه مُخصَّص لله، والذي يُحَرِّك أيضًا أعْماق نُفوس الشَعْب اليهودي، فلا بدّ أن يكون عيد الفِصح. لقد كان فِعل خلاص بني إسرائيل من مصر وتَمييزهم كجَماعة ناس مُمَيَّزة مع يَهْوَهْ كإلَهِهم ومَلَكهم هو الذي أسَّسهم كأمّة الله.

أفيف هو الإسم العِبْريّ للشّهر الذي سيُحتفَل فيه بِعيد الفِصح، ويعني حَرْفِيًّا "سنابِل الحبوب الجديدة". تُشير الإشارة إلى الحُبوب إلى الصِلة الزِّراعية لهذا الإحْتِفال الذي يسير بالتّوازي مع صِلة الخُروج من مصر. يَتوافَق أفيف مع أشْهُرنا الحديثة مارس-أبريل، لذلك نحن نَتَعامل مع فَصْل الرَّبيع. أفيف هو أيضًا الشَّهر الأوّل من السَّنة التَّقويميّة الدّينيّة العِبريَّة. لقد ذَكرْت الأسبوع الماضي أنه لا يَنْبَغي أن نَخْلُط بين السَّنة التَّقويميّة الدّينيّة العِبريَّة والسَّنة التَّقويميّة العِبريَّة المَدَنيّة التي تَجعل من شهر "تيشري" (تشرين) أول شُهورها. في السَّنة التَّقويميّة الدّينيّة، يُصادِف تيشري الشهر السّابع (وهو فَصل الخريف). لذلك بينما يبدأ أفيف من جديد دَوْرة السَّنة التَّقويميّة الدّينيّة، فإن اليَوم الأول من أفيف ليس يوم رأس السنة الميلاديّة، بل اليَوم الأول من شهر تشرين هو رأس السنة اليهوديّة.

إذًا لماذا أمَر الله بهذه السَّنة التَّقويميّة الدّينيّة المُنْفَصِلة التي يكون أفيف بِدايَتها؟ لأن شهر أفيف هو الذي يُمَثِّل البداية الرَّسْميَّة لبني إسرائيل كأُمّةٍ مُنْفَصِلة والرَّب كإلَه تلك الأُمَّة؛ أفيف يُمثِّل بداية بني إسرائيل.

لِنَتذكَّر أن السَّبب في تَسْمِية عيد الفِصح بِعيد الفِصح هو أنه في لَيلة مُرْعِبة ورائعة في آنٍ واحد مَرّ الرَّبَفْسه) في أرْض مصر كلّها وقتل أبكار الذُّكور (من الحيوانات والبَشَر) من كل بَيْت، ما عدا أولئك الذين وثقوا به واتَّبَعوا التَّعليمات بأن يَذْبَحوا حَمَلًا ويدهَنوا دَمه على عتبات أبواب بُيوتهم. تلك العائلات التي فَعَلَت ذلك كعَمَل طاعة وخُضوع ليَهْوَه (كانت هذه العائلات العِبْرانيّة في المقام الأول، ولكن ليس بِشكلٍ عام) لم يَمسّها المَوت في تلك الّليلة؛ وهذه الدَّيْنونة الإلَهيّة المُدَمِّرة جَعلَت فِرْعون يَفهم أخيرًا أنه لم يَعد بإمْكانه أن يُحافظ على قَبْضَته على شَعْب الله بعد الآن. في صباح اليَوم التالي احْتَشَد بنو إسرائيل معًا في أرض جوشِن (مِنْطَقة الدِّلتا الخَصْبة في مصر حيث أقام مُعْظم بني إسرائيل) وبِقيادة موسى ساروا بعيدًا عن قرون من العُبودية والاضْطِهاد.

على الرَّغم من أنني مُتأكِّدٌ من أن عيد الفِصح في الّلغة الإنجليزية سيَظلّ يُسَمّى دائمًا عيد الفِصح، إلا أن الكَلِمة العِبريَّة "بيساخ" (التي تُترجم إلى الفِصح) لا تعني في الواقع "الفِصح". إنها مُشتقّة من الفِعل "باساك"، الذي يعني "يَحمي". لذلك في الآية الثانية حيث نَقرأ، "تَذْبَحُونَ ذَبِيحَةَ الفِصح"، ما يَقوله بالعِبريَّة هو أنَّهم يذبحون ذبيحة الفِصح "زيفاه بيساخ" وتعني حَرْفِيّاً "الذَّبيحة الواقية"، في إشارة إلى حقيقة أن بني إسرائيل كانوا مَحْمِيّين من ضربات الله الأخيرة والمُميتة على مصر. لقد كانت نتيجة تلك الحِماية هي فقط ما يُمْكِن أن يُقال عنهم أنَّهم قد تجاوزهم؛ وقد اسْتَمرّ هذا الإسْم، الفِصح، منذ أن أعاد جيروم ترجمة النَّسْخة اللّاتينيّة من الكِتاب المُقَدَّس في القرن الخامس الميلادي واخْتار مُصْطَلَح "الفِصح" لترجمة بيساخ.

لقد أدْرَك الحاخامات منذ فترة طويلة أن هناك اخْتِلافات بين الطَّريقة التي كان يُحتفل بها بعيد الفِصح الأول في مصر والطَّريقة التي كان يُحتفل بها بعد ذلك. قبل أن أوضِح بعض هذه الاخْتِلافات دَعوني أُشير إلى شَيْء يُرْبِك المسيحيّين واليهود على حدٍّ سِواء حول الإحْتِفال بعيد الفِصح.

إن "بيساخ" (الفِصح) ما هو إلا عيد لِيَوم واحد فقط يُحتفَل به كل عام في الرابع عشر من أفيف (أو كما سُمي فيما بعد باللِّسان البابلي، الرابع عشر من نيسان). في اليَوم التالي، الخامس عشر من أفيف، يبدأ عيد تَوراتي آخر ومُخْتَلِف من سبعة أيام يُسَمّى عيد الفطير أو بالعِبريَّة عيد ماتزا. ثم في خِضَمّ الأيام السبعة لعيد ماتزا، يَحْدُث عيدٌ تَوراتي آخر مُتَداخل مع عيد الفطير التَّوراتي في وَسط الأيام السَّبعة لعيد ماتزا، وهو عيد البكور (البكور) الذي يَحدُث في السادِس عشر من أفيف. لذلك في تَعاُقب سريع لَدَينا عيد الفِصح في الرابع عشر من أفيف، ثم بِداية عيد ماتزا في الخامِس عشر، ثم عيد البكور في السادِس عشر. في حين أن عيد الفِصح وعيد البُكور ليسا سوى حَدَثَيْن ليوم واحد، بينما يَستمرّ عيد ماتزا لمدة سبعة أيام ويَحْدُث عيد البكور خلال عيد ماتزا.

إلَيْك الأمْر: نَظَرًا لأن هذه الأعياد التَّوراتية الثلاثة في فَصْل الرَّبيع مُتَشابِكة بإحْكام، ولأن العيد الذي يَقع في وَسَط الأعياد الثلاثة يُسَمّى عيد ماتزا، فقد أصْبَح من المُعْتاد الإشارة إلى مَجْموعة الأعياد الثلاثة بأكْمَلها على أنها بِبَساطة عيد ماتزا (الفطير). ولكن ما يَجعل الأمْر بِرِمَّته أكثر إشْكاليّة هو أنه أصْبَح من الشائِعِ أيضًا تَسْمِية الحِزمة الكامِلة للأعْياد الثلاثة نَفْسها بِعيد الفِصح، لأن عيد الفِصح يَرْمُز إلى خُروج بني إسرائيل من مصر. لا تَظُنّ أن الأمْر بِبَساطة يَتَعَلَّق بِمَيْلنا الحديث نحو اللاهوت السَّطْحي أو دِراسة الكِتاب المُقَدَّس غير الدّقيقة، ولا هو نتيجة أخْطاء الوَثَنِيِّين في فَهْم اللّغة العِبريَّة، بل على العكس من ذلك؛ فقَبْل عَصر المسيح بِوَقت طويل كان العِبْرانيّون يَسْتَخْدِمون هذين الإسْمَين (الفِصح والفِطير) بالتَّبادل. لذلك ليس من المُسْتَغْرَب أن تكون هذه هي بالضَّبْط الطَّريقة التي يَتعامَل بها العهد الجديد مع الأعياد التَّوراتية في زَمَن الرَّبيع. فَتارةً تُشير الأناجيل إلى اليَوم الواحد من عيد الفِصح على أنه عيد الفِصح، وتارةً أخرى تُشير إلى مَجموعة الأعياد الثلاثة بأكْمَلها على أنّها عيد الفِصح، وتارةً أخرى تٌشير إلى اليَوم الأول من عيد الفِصح بالإضافة إلى الأيام السِّتة التالية على أنه عيد الفِطير وتارةً أخرى تُشير إلى مَجموعة الأعياد الثلاثة بأكْمَلها على أنّها عيد الفِطير. أمْرٌ مُحيِّر؟ بالتأكيد هو كذلك، ولهذا السَّبب يَجِب على المَرْء أن يَنْظُر دائمًا إلى الكِتاب المُقَدَّس (أسفار العهد القديم والعهد الجديد) من مَنظورٍ عبري (موجود خاصة في العصر الذي كُتبت فيه تلك المَقاطع المُعَيَّنة) وإلا فإنَّنا سنَتوه أحيانًا في التَّفاصيل مُعْتَقِدين أن الأمْر بسيط ومُباشر بينما في الحقيقة المَعنى مَدفون في عِمقْ الثقافة والفِكْر والتَّقاليد العِبريَّة.

سأعْطيكم بعض الأَمْثِلة على ذلك بعد قليل، ولكن دَعونا أولاً نَعود إلى الاخْتِلافات في طريقة الإحْتِفال بأعياد الرَّبيع الثلاثة هذه عند افْتِتاحها في مصر مُقارنةً بكَيْفِيَّة الإحْتِفال بها في البَرِّية؛ ثم كيف سيَتَغَيَّر ذلك مرَّةً أخرى عندما اسْتَقَرّوا في كنعان؛ ثم كيف تطوَّرَت الإحْتِفالات على مرّ القُرون مع تَفَرُّق الشَعْب اليهودي في الأُمَم الوَثنيّة في العالم.

كان يُحتفَل بعيد الفِصح الأصْلي في مصر في البيت. وكان البِكر في كل أسْرة يتصرَّف بِشكلٍ أو بآخر ككاهِن العائلة (على الرَّغم من أن الإبْن البِكر لم يَكُن يَحْمُل لَقَب كاهِن ولم يَكُن يُعتبَر كاهِنًا)، ولذلك كان يقود عادةً الطُّقوس المُخْتَلِفة إذا كان كبيرًا بما فيه الكفاية. كان البِكر هو الذي يَذْبَح الحَمَل ويُطْلي بِدَمِه عتبات أبواب منزل عائلته لأن (أ) هذه كانت وَظيفته، و (ب) كانت حياته هي التي ستَتِمّ حِمايتها بهذا الفِعل. تَذكَّروا: كان البِكر هو الفرد الوحيد من العائلة الذي كان في خَطَر لأن الأبْكار فقط (أي، بِحِكْم التَّعريف، الابن البِكر للعائلة) هم الّذين كانوا مُهَدَّدين بالمَوت على يد الله.

بينما كان بنو إسرائيل في مصر لم يَكُن قد تأسَّس كَهْنوت رَسْمي بعد (سيَحْدُث هذا في جبل سيناء، بعد بِضْعة أشهر من خُروجِهم من مصر). ومع ذلك، كان لدى العديد من هؤلاء العِبرانيّين في مصر ذاكِرة بعيدة عن بعض الطُّقوس الدّينيّة التي تَوارَثوها من إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولذلك اتَّبَعوا عادات تلك الحَقَبة من خلال اعْتِراف كل عائلة بأول ذَكَر موجود في كل أُسْرة كمَسْؤول عن أي طقوس تقليديّة احْتَفَظوا بها.

إذن، بينما كان الفِصح الأصلي يتمّ داخل مَسْكَن كل عائلة، إلا أنه بِمُجَرَّد أن أُعْطِيَت الشَّريعة للاحْتِفال به كطَقْس سنَوي، تَغيَّرَت الحالة وأصْبَح الآن ذبيحة الفِصح وأكل الحَمَل المُضَحّى به يتم فقط في الحَرَم المَرْكَزي. هذا هو معنى الكَلِمات الوارِدة في الآية الثانية حيث تقول أن الذَّبيحة يَجِب أن تتمّ في المكان الذي "يُثَبِّتُ الرَّب اسْمَهُ". وبالإضافة إلى ذلك أصْبَح الكَهَنة اللاويّون هم المَسؤولون الوَحيدون المُخَوَّلون بإقامة طُقوس الذَّبائح، وبالتالي حَلّوا مَحلّ الأبناء الأبْكار كقادَة روحييَّن للعائلات.

الفَرق التالي بين الفِصح الأصلي وأعياد الفِصْح اللّاحقة له هو أن الذَّبيحة يُمْكِن أن تكون حَيوانًا من القَطيع أو القَطيع. وهذا يَعني الأغنام والماعِز وربَّما حتى القَطيع. تقول فَقَرات سِفْر الخُروج (عند الحديث عن الحيوان المَطْلوب) أنه يَجِب أن يكون من القطيع (أي خروف أو ماعِز). لقد واجَهَ الحاخامات صُعوبة في هذا الأمْر وقَرَّروا بِشكلٍ عام أنه من الأفْضَل اتْباع التَّعليمات الأصْليَّة، والتي كانت تَنُصّ على اسْتخدام خروف. بعض الأسْباب المَذْكورة لهذه التَّعليمات المُخْتَلِفة هي أن الخروف أو الماعز سيكون مُناسبًا لِكَمِّيّة اللَّحم اللّازمة لعائلةٍ نَموذَجِيَّة مُكَوَّنة من حوالي عشر أفراد أو نحو ذلك. ولكن بِمُجَرَّد اسْتِقرار بني إسرائيل في أرض كنعان كان من المُمْكِن لعَدَد من العائلات أن تَشْتَرِك في حيوان واحد أكْبَر مثل البقرة. علاوة على ذلك، فإن الدَّليل العام هو أنه نَظَرًا لأن المَصْريِّين كانوا يُفَضِّلون الأبقار على الأغنام بشكل كبير، وبما أن العِبرانيّين (على حدّ عِلْمِنا) كانوا يُرَبّون الأغنام والماعِز وليس الأبقار في ذلك الوقت، كان من الضَّروري أن يَشْتَري العِبْراني بقرة من مَصْري لتَقْديمها كذَبيحة (وهو أمْر لم يَكُن مُناسِبًا حقًا لما كان على وَشَك الحُدوث في لَيْلة الفِصح الأولى).

مَهْما كان الأمْر فقد أصْبَح اسْتِخْدام الخروف كحيوان ذبيحة هو المُمارَسة المَقْبولة بِشكلٍ عام واقْتَصَر اسْتِخْدام البَقَر على أنواع أخرى من الذَّبائح المَطْلوبة التي كانت تَحْدُث عادة في خَيْمة الإجْتِماع والهَيْكَل في نَفْس الوقت حيث كانت تَحْدُث فيه الأعياد التَّوراتية. تُوضِح الآيات من خمسة إلى سبعة ضَرورة إحْضار الخَروف إلى المَذْبح المَرْكَزي للذَّبْح في جميع الظُّروف، ولكنَّها تُحَدِّد أيضًا الوقت من يوم الرابع عشر من أفيف/ نيسان الذي يَجِب أن يتمّ فيه الذَّبح؛ إنه في المساء عند الغُروب. والآن لِنَكُن واضِحين فيما يَتَعَلَّق بما يَعنيه ذلك بالضَّبْط لأنه سيُضْفي الكثير على فَهْمِنا لما حَدَث عند مَوت يسوع وقِيامَته.

"في المساء، عند الغُروب" يعني قُرْب نِهاية اليَوم ولكن قبل حُلول الظَّلام. والسَّبب في هذا الشَّرط بسيط للغاية؛ أوّلاً، هكذا كان الأمْر في مصر. ثانيًا: يَحْسُب اليَوم العبري أربعة وعشرين ساعة بِشكلٍ مُخْتَلِف عما هو عليه في الثقافة الغربيّة. في الثقافة الغربيّة تَقيس الساعة اليَوم (نحن لا نَحْسُب اليَوم حَسَب مَوْقع الشَّمس في السَّماء أو ما إذا كانت الشَّمْس في السَّماء أو ما إذا كان الجَوّ مُظْلِمًا أو أكثر إضاءة في الخارِج). لقد وَضَعْنا منذ زمن بعيد وَقْتًا بشكل اعْتِباطي يُسَمّى مُنْتَصَف الليل (الساعة إثني عشر) كلَحْظة يَنْتَهي فيها يَوم ويبدأ اليَوم التالي. لكن هذا ليس يَومًا تَوْراتيًّا وليس وقت انْتِهاء اليَوم وبِداية اليَوم في الثَّقافة الإسْرائيلية أو الشرق أوسطيِّة بِشكلٍ عام. يَنْتَهي اليَوم العبري (وبالتالي التَّوراتي) عند غُروب الشَّمس، وهي بالطَّبع اللّحْظة التي يبدأ فيها يَوم جديد أيضًا. وبِصِفة عامة، تم تَعريفها بِشكلٍ عام على أنَّها تلك اللَّحْظة التي تَغْرُب فيها الشَّمس في الأفُق وتُصْبِح مَجْموعة مُعَيَّنة من ثلاث نجوم مَرْئيَّة في سماء المساء لأن ضوء الشَّمس قد تَضاءل بما يَكفي لرؤيَتها. لذا فإن مُشْكِلتنا دائمًا هي التَّوفيق بين اليَوم الغربي واليَوم العِبري عند قِراءة متى حَدَثَت أشياء مُعَيَّنة خلال اليَوم في الكِتاب المُقَدَّس.

لذا فإن المَغْزى من هذا المَقْطَع في سِفْر التثنية هو أن خِراف الفِصح يَجِب أن تُذبَح في نهاية يوم الرابع عشر من أفيف في خَيْمة الإجْتِماع، ولكن قبل أن يَحُلّ الظلام بما يكفي ليبدأ اليَوم الجديد. من الواضِح أنَّهم إذا انْتَظَروا وَقتًا طويلاً للبِدء في ذَبْح آلاف الخِراف التي كانت ستَدْخُل في تَغيير اليَوم من الرابع عشر إلى الخامس عشر فَتَنْقض الشَّريعة. لذلك عندما اسْتَقَرّ بنو إسرائيل في كنعان وبَدأوا يحْتَفلون بعيد الفِصح بانْتِظام، كان عَشرات الآلاف من الناس يأتون إلى خَيْمة الإجْتِماع/المَعْبَد ويَنْتَظِرون حتى نِهاية اليَوم ليَذْبَحوا خِرافهم بِمُساعدة كاهِن. وبِمُرور الوقت أصْبَحت لوجِسْتِيَّات ذَبح كل تلك الآلاف من الخِراف في مثل هذه الفترة الزَّمَنِيَّة القَصيرة في نِهاية اليَوم شِبْهُ مُسْتَحيلة، ولذلك تم إحْداث تَحَوُّل في تَعريف مَعْنى كَلِمة "غُروب الشَّمْس". بما أن العِبرانيّين كانوا يُحَدِّدون مُنْتَصَف النَّهار بِوُصول الشَّمس إلى أوَجِّها (أعلى نِقْطة في السَّماء التي نُسَمِّيها نحن الظَّهيرة)، فمِن تلك النِقْطة فَصاعِدًا تبدأ الشَّمس في الغُروب عندما تبدأ في الاتِّجاه إلى الأسْفل. في أيام يسوع كان يبدأ ذَبح الخراف في الرابع عشر من أفيف بعد حوالي ثلاث ساعات من ذروة الشمس (ما نسميه نحن ثلاثة مساءً) بِشكلٍ عام كانت تَنْتَهي حوالي السّاعة السّادِسة مَساءً، لأنه بما أنه كان في فَصْل الرَّبيع، كان اليَوم يَتَغَيَّر إلى اليَوم الجديد في وقت ما بين الساعة السادِسة والنِّصف والسابِعة مساءً بالطّريقة التي نُقيسها اليَوم على الساعة (على افْتِراض أنَّنا كنا في نَفس خط عرض أورَشليم تقريبًا).

أحد الاخْتِلافات المُهِمَّة الأخرى في الإحْتِفالات بين أوَّل عيد فِصْح في مصر وجميع الأعياد اللّاحقة هو أن عيد الفِصح الأول لم يَكُن له علاقة بالزِّراعة؛ كان كل ما يَتَعَلَّق بالخُروج من مصر. فيما بعد أُضيفَ عُنْصُر الزِّراعة.

دَعونا نتحدَّث عن ذلك لِلَحْظة واحدة فقط لأننا عندما نُناقش عيد الفِصح سأُضيف بعض المَعْلومات الإضافيّة التي ستُساعِد في جَمْع بعض الأجْزاء معًا. أُضيفَ عُنْصُر الزِّراعة إلى مَجْموعة أعياد الفِصح من خلال تحديد عيد يُسَمّى عيد البواكير الذي حدَثَ في اليَوم الثاني بعد عيد الفِصح. التَّفْسير المُعْتاد لذلك هو أن أوّل حَصاد الشَّعير (أول أنواع الحبوب التي تَنْضج في الحقول) كان يؤتى به في عيد الفِصح، ثم بعد عدَّة أسابيع كان هناك حَصاد آخر ولكن هذه المرّة كان القمح (الذي نَضَج مُتأخرًا عن الشَّعير) هو الذي تم حَصاده. من النّاحِية التِّقنية لم يَكُن أول الثمار يشير إلى بداية حَصاد الشَّعير. بل كان الإجراء المُتَّبع هو أنه كان يتم إحْضار حِزمة من الشَّعير غير النّاضِج (الشَّعير الأخضر) ليُلوِّح بها الكاهن في احْتفال خَيْمة الإجْتِماع. وبعد بِضْعة أيام عندما يَنْضج الشَّعير بالفِعْل ويتحوَّل لَونه إلى اللون البُنّي يبدأ الحَصاد. كان اليَوم المُحدَّد الذي يبدأ فيه الحَصاد الفِعْلي يَخْتَلِف من سنة إلى أخرى؛ فأي مُزارع يَعرف أنه لا يُمكن تحديد يوم الحَصاد بالتَّقويم، بل يَجِب الانْتِظار حتى يُلاحِظ أن الحبوب أو الفاكهة أو العِنَب أو أيًا كان قد وَصل بالفعل إلى نِقْطة النُّضْج المُثلى وبالطَّبع سيَخْتَلِف ذلك عشوائيًا من عام إلى آخر. لذلك كان الإحْتِفال بِعيد البواكير في يوم عيد الفاكِهة في السادس عشر من أفيف هو في الحقيقة عيد ما قبل الحَصاد؛ كان يومًا للتَّنَبّؤ بحَصاد الشَّعير القادِم قريبًا. لم يَكُن وقتًا يَحْدث فيه الحَصاد بِشكلٍ فِعلي، ولذلك كان أول الحَصاد الفِعلي القابِل للاسْتِخدام يُقَدَّم للرَّب. في الواقع، يُفَسِّر الحاخامات أنهم بإحْضارهم حِزَم الشَّعير الذي لم يَنضج بعد أمام الرَّب كانوا يَتَوَسَّلون إليه أن يُعْطيهم حَصادًا جيِّدًا. في هذه المَرْحلة لم يكونوا يَعرفون بعد ماذا ستكون نَتيجة الحَصاد.

بينما أُدْرِجَت بعض الاخْتِلافات في كَيْفِيَّة الإحْتِفال بعيد الفِصح من الأزْمِنة الأصْليَّة إلى الأزْمِنة اللّاحِقة، إلا أن الطُّقوس في مُعْظَمها ظلَّت كما هي (على الأقل طالما كان الهَيْكَل قائمًا). على سبيل المثال، يتم شِواء الخروف على النار ولا يُترَك أي جِزء منه نَيْئًا ولا يُكسَر أي جزء من عِظامه. ولكن ربَّما كان أكثر ما يَرْمُز إلى البروتوكول الذي لم يَتَغَيَّر أبدًا هو أن الخبز الفِطير فقط هو الذي يؤكَل مع أكْل الخروف وطوال فترة أيام العيد مُجْتَمِعة.

وهذا يُعطينا مَدْخلاً جيِّدًا لمُناقَشَة عيد آخر يبدأ في اليَوم التالي لعيد الفِصح، والذي يُسَمّى عيد الفطير أو ماتزا. لاحِظ كيف أننا في سِفْر التثنية ستّة عشر على ثمانية نَنْتَقِل بِبَساطة من عيد الفِصح إلى عيد الفطير (دون أن نُسَلِّط الضَّوء عليه)؛ أي أننا نَنْتَقِل من عيد الفِصح مُباشرة إلى عيد الفطير دون انقطاع في المقاطع، وهناك يَتحدَّث عن الاسْتِمرار في أكل الفطير طوال فترة العيد (نهاية أعياد الفِصح الثلاثة تتميَّز بتجمُّع خاص). هذا التَّجَمُّع لا يتم في خَيْمة الإجْتِماع، بل يتمّ في مَجْموعات صغيرة في أي قَرْية أو بلدة تعيش فيها كل عائلة.

اسْمَحوا لي أن أعود وأخْتَصِر قليلاً لنَسْتَعيد بعضاً من توازُننا. يتناول هذا الإصْحاح السادس عشر من سِفْر التثنية بِشكلٍ أساسي أعياد الحَج الثلاثة التي أمَرَ الله بها: عيد ماتزا، وعيد الأسابيع (شافوعوت) وعيد المظال (سوكوت). الأول هو عيد الرَّبيع والثاني هو عيد الصَّيْف والأخير هو عيد الخريف.

إلّا أنني كنت أتَحدّث إليكم حتى الآن عن عيد الرَّبيع فقط. الجِزء المُرْبِك في هذا الأمْر هو أن عيد الفطير الرَّبيعي هو في حدِّ ذاته جِزء من مَجموعة أعياد ثلاثة: عيد الفِصح وعيد الفطير وعيد البواكير. لذلك لا تَخْلُطوا بين الإسْم الذي أُطلِق على حِزْمة أعياد الرَّبيع الثلاثة التي تَحْدُث في تتابُع سريع وبين أعياد الفِصح الثلاثة المُتَفَرِّقة التي هي المِحْوَر الرَّئيسي لهذا الفصل. نحن نُناقِش حتى الآن أول أعياد الحَج الثلاثة فقط، وهو عيد الحَج الرَّبيعي "عيد ماتزا".

من بين هذه الحِزْمة من أعياد الرَّبيع الثلاثة، فإن عيد ماتزا هو في الواقِع عيد الحَج؛ فعيد الفِصح ليس عيد حَجٍّ من النّاحِية التِّقَنِيَّة ولا عيد الفِصح هو عيد حَجّ أيضًا، ولكن بما أنه مَطْلوب من المَرْء أن يُسافِر ليكون في خَيْمة الإجْتِماع في عيد الحَج، عيد الماتزا)، يَترتَّب على ذلك أن خروف الفِصح يُذبح هناك (في اليَوم السّابق لعيد الفِصح) أيضًا، وذلك من النّاحِية العَمَليّة أكثر من أي شَيْء آخر.

الآن دَعوني أُضيف عُنْصُرا آخر مُهِمًّا يُفَسِّر لماذا على الرَّغم من أن عيد الفِصح ليس عيدًا للحَجّ إلا أنه كان لا يزال شَرْطًا أن يُذبح خروف الفِصح في المَذْبَح المَرْكَزي. لقد أعْلَن الله في سِفْر اللّاويّين أن اليَوم الأول من عيد ماتزا واليَوم الأخير من عيد ماتزا كانا يَومَي سَبْت (ليس يوم السَّبْت، بل السَّبْت السابع، بل كانا يَومين خاصَّيْن لا يتم فيهما القيام بأي عمل عادي حتى يكون هناك اسْتِعداد للأعياد). بما أن اليَوم الأول من ماتزا كان يوم سبت، لم تَسْمَح الشَّريعة للحاجّ العبراني بالسَّفَر في ذلك اليَوم. لذلك كان على بني إسرائيل أن يقوموا بسَفَرهم إلى خَيْمة الإجْتِماع قبل اليَوم الأوَّل من ماتزا، الذي كان يوم الخامِس عشر من أفيف. هذا يعني أنهم كانوا تِلقائيًّا في خَيْمة الإجْتِماع أو الهَيْكَل في يوم الرابع عشر من أفيف (عيد الفِصح) أو قبل ذلك بأيام (لِتَجَنّب السَّفَر في يوم السَّبْت في الخامِس عشر من أفيف) مما جَعَل من الضَّروري أن يكون ذلك في خَيْمة الإجْتِماع حيث كان يَجِب ذبح الخِراف على أي حال. وبِعِبارة أخرى إذا كان من الضَّروري أن تُسافِر إلى مكان ما صَباح يوم الأربعاء، ولكن لِسَبَبٍ ما كان السَّفَر يوم الثلاثاء مُسْتحيلًا، فإنك ستَضْطَرّ إلى السَّفَر والوصول يوم الاثنين (أو حتى قبل ذلك). بالنِّسْبة لليهود، كان ذلك اليَوم السّابق هو عيد الفِصح، لذلك لم يَكُن هناك خِيار آخر سوى ذَبْح الخروف وطَهْيه في الهَيْكَل.

لقد أخْبَرْتُك أن هذا كان مُعَقَّدًا. ولكن انْتَظِروا معي لأنه إن كُنْتُم تأمَلون أن تَفْهَموا ما حَدَث مع يسوع المسيح والعَشاء الأخير ومَوته وقِيامَته، فعَلَيْكم أن تَفْهَموا ما نحن بِصَدَدِه.

لنتحَدَّث الآن عن مسألة السَّبْت هذه. بِصِفة عامة، كان هناك نَوعان من أيام السَّبْت: سَبْت اليَوم السابع الأسبوعي، ثم أيام السَّبْت الإضافية المُخْتَلِفة التي كانت مُخَصَّصة للأعياد المذكورة في الكِتاب المُقَدَّس. لم تَكُن هناك أنواع مُخْتَلِفة من أيام السَّبْت فَحَسْب، بل كان هناك أيضًا ما هو مَحْظور وما هو مَسْموح به في كل نَوع من أيام السَّبْت. كان يوم السَبْت السابع مُخْتَلِفا تمامًا عن أيام السَّبْت الإضافية الخاصّة التي كانت مُلْحَقة بالأعياد، وكانت هذه الأيام قد أُنْشِئت لأغْراض مُخْتَلِفة. كَلِمة سَبْت لا تَعني الرّاحة بِقَدَر ما تَعْني "التَّوَقُّف". إنها تَعْني أن تَتَوَقَّف عن القيام بالعَمَل الذي تقوم به عادةً لِكَسْب رِزْقك أو لإنْجاز أعْمالِك المَنْزِلِيَّة المُعْتادة. يَعني أن تَتوقَّف عن جُهودِك الإبْداعِيّة. إنه لا يعني أن تَسْتَلْقي على الأريكة طِوال اليَوم؛ لا يَعْني أن تَتوقَّف عن اللّعب مع أوْلادِك أو أحْفادِك. إن يَوم السَّبْت السابع الذي يَحْدُث كل أسبوع كان الأكثر صَرامةً من بين جميع مُتَطَلِّبات أبام السَّبْت التي تَتَضمَّن حتى عَدَم إعْداد أي وَجْبات طعام لأن هذه هي الطَّريقة التي كان يُحتفل بها في البَرِّية عندما أطْعَم الله بني إسرائيل عن طريق المَّنْ. تَذَكَّر أنه في اليَوم السادِس من الأسبوع، وهو اليَوم السّابِق للسَّبْت، كان على بني إسرائيل أن يَجْمَعوا ضُعف الكَمِّية المُعْتادة من المَنّ، وأن يَطْبِخوه ويُجَهِّزوه بالطَّريقة التي يَخْتارونها لكي يأْكُلوا تلك الكَمِّية الإضافيّة (دون أي إعْداد آخر) في يَوم السَّبت السّابع.

كانت لأيام السبت الإضافية هذه، المُرْتَبِطة بالأعياد المُخْتَلِفة، مُتَطَلِّبات مُخْتَلِفة؛ وكانت مُتَطَلِّبات بَعْضها أكثر صَرامة من البعض الآخر. كانت المُتَطَلِّبات الخاصة بأيام السبت الإضافية المُتعلِّقة بأعياد الرَّبيع هي أنه في هذه الأيام بالذّات يُمْكِن أن يَسْتَمِرّ إعْداد الطَّعام. كان من المُمْكن أن يَسْتمِرّ جَمْع الحيوانات التي قد يَجْلبها المَرْء في الرِّحلة والاسْتِعْدادات الأخرى للسَّفَر من أجل الوُصول إلى الهَيْكَل في الوقت المُناسب للتَّضْحِية. حتى أن بعض أيام السَّبْت الإحْتِفاليّة هذه لم تكن تبدأ وتَنْتَهي في أوقات البِدْء والتَّوَقُّف العاديّة لِيَوم من أرْبَعة وعشرين ساعة؛ فبَعْضها قد يَبْدأ في اللَّحْظة التي يَتَحوَّل فيها اليَوم إلى يوم سَبْت عيد، ولَكِنَّه يَنْتَهي بِحُلول الظّهر أو بعد ذلك بقليل في جِزء من اليَوم. وفي أحيان أخرى قد لا يَبْدأ سبت عيد مُعَيَّن حتى الظُّهر أو بعد ذلك بقليل، لذلك كان الاخْتِلاف كبيرًا.

اسْمَحوا لي أن أؤكِّد مرَّة أخرى أنني لا أتَحدَّث عن يوم السَّبت السابع، فقد كان جَدْوَله وطُقوسه محدَّدًا وثابتًا ولم يَتَغَيَّر أبَدًا. إن أيام سبت الأعياد هذه هي أيام إضافيّة تمّ فيها تَعديل جَدْوَل العمل وتَحْديده والاسْتِعْداد للعيد التَّوراتي القادِم الذي ارْتَبَطَت به وقد أذَن الرَّب باسْتِمْرارها بِدَرجات مُتَفاوتة. من المُهِمّ أن نُدْرِك ذلك عندما تُشير الكتب المُقَدَّسة إلى سبت الأعياد الخاصة بدلاً من السَّبت السابع المُعْتاد.

أرْجو أن تُلاحِظوا: بما أن عيد الفِصح، الذي هو حَدَث لِيَوم واحد، ثم عيد ماتزا، الذي هو حَدَث لسبعة أيام، يبدأ أحَدهما بعد الآخر مُباشرة، فإن لَدَينا فترة عيد الرَّبيع الشّاملة التي تَمْتد لثمانية أيام. هذا يعني أنه خلال فترة العيد هذه كان لا بدّ أن يَحْدث سبت واحد على الأقل في اليَوم السابع، وقد يقع سَبْتان في اليَوم السابع حسب السَّنة. لذلك فإن أيام سبت الأعياد (سبت خاص يُقام عادةً لِغَرَض الاسْتِعْداد) ستكون بالإضافة إلى سبت أو سَبْتَيْن من أيام السبت السابع التي كانت تَحدُث خلال فترة العيد التي تستمِرّ ثمانية أيام.

دَعونا نَخْتَتِم دَرْس اليَوم بِتَطْبيق ذلك على احْتِفال يسوع الأخير بعيد الفِصح. سأتعمَّق فقط في هذا الأمْر وسأقوم بِتَناول جوانِب أخرى من المَوضوع في درس آخر.

نَجِد في الأناجيل أن يسوع قُتِلَ ووُضِعَ في القبر الصخري وقام في أيام عيد الرَّبيع. قيل لنا بِشكلٍ لا لُبْسَ فيه أنه مات في يوم الفِصح وقام في اليَوم الأول من الأسبوع. ونَعْلَم أيضاً أنه كان هناك سَبْت واحد على الأقل بين هذين الوَقْتَين …… نوع السَّبْت الذي هو يوم السبت السابع العادي. التَّقْليد المسيحي هو أن عيد الفِصح في السَنَة التي مات فيها يسوع كان يوم الجمعة، اليَوم السادِس من الأسبوع. لذلك أنشأنا تقليدًا مسيحيًا نُسَمّيه الجُمْعة العظيمة ونقول إنه اليَوم الذي صُلب فيه المسيح.

هناك مُشْكِلة في هذا الجَدْوَل الزَّمَني المسيحي التَّقْليدي، وهي أن قِصَّة يونان في بطن السَّمكة لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ كان من المُفْتَرَض أن تكون نَمَط الفترة الزمنيَّة من موت المسيح حتى قِيامته. لقد حاول العُلماء والمُعَلِّمون المسيحيّون واليهود ….. وأنا منهم ….. بِشَتّى الطُّرُق مَعْرِفة كيف يُمكِننا تحويل ليلة الجمعة وليلة السَّبْت في القبر إلى ثلاث ليالٍ بدلاً من لَيْلَتَين فقط حتى تتحقَّق نَبوءة يونان بِشكلٍ صحيح. ولكن بِغَض النَّظَر عن الطريقة التي يُحاول بها المَرْء الالِتِفاف حول هذه المُشْكِلة، إذا كان لَدَينا يسوع مَصْلوبًا بعد ظُهر يوم الجمعة، ودَخل القَبْر قبل لَيلة الجمعة، وقام حوالي شُروق الشمس صباح يوم الأحد، فإننا لا نَسْتطيع أن نَتجاوز المُشْكِلة الواضِحة لَيلة الجمعة وليلة السَّبْت ثم صباح الأحد؛ لا يُمكِننا بِبَساطة أن نَحْشُر ثلاث ليالٍ في هذا السّيناريو …… على الرَّغم من وُجود بعض المُحاولات الإبْداعيّة في ذلك.

هذا هو المكان الذي يُساعِدنا فيه فَهْمِنا لكَيْفِيَّة عمل أيام الأعياد (وهذا وفقًا للكتاب المُقَدَّس، وليس تَخْمينًا) وكيف كانت تَعْمل أنواع السَّبْت المُخْتَلِفة التي تُساعدنا. ولكن هناك مَعْلومة أُخرى مُهِمَّة تم إغْفالها رُبَّما تكون مُفتاح الأمْر كلَّه؛ وهي أنه في عَهْد يسوع كانت هناك تقاليد مُخْتَلِفة بين اليهود حول مَوعد وكَيْفِيَّة عَمَل عيد الفِصح. في الواقِع، كان هناك بالضَّبط ثلاثة تقاليد مُخْتَلِفة تَعْمَل جَميعها في نفس الوقت؛ كان هناك التَّقْليد اليَهُوَّذي، أي التَّقْليد الذي كان يُمارِسه أولئك الذين كانوا يَعيشون في أورَشليم وحَولها في مَمْلَكة يَهُوَّذا (يهودا باليونانية)، ثم كان هناك التَّقْليد السّامري بالنِّسْبة لأولئك الّذين كانوا يَعيشون في السامرة، الجِزء الأوسط من الأراضي المُقَدَّسة؛ وأخيرًا كان هناك التَّقْليد الجَليلي بالنِّسْبة لأولئك الّذين كانوا يَعيشون في الجليل، المِنْطقة الشَّمالية من الأراضي المُقَدَّسة. تَمَحْوَر تقليد السّامِريّين حول اعْتِقادهم بأن جبل جَرْزيم هو المكان الذي يَنْتمي إليه هَيْكل الله، لذلك قَطَع السّامِريّون وَلاءهم مع سُكّان يهوذا وبنوا هَيْكلهم الخاص وأسَّسوا كَهْنوتًا مُنْفَصِلاً خاصًا بهم. وقد انْطوى هذا على القيام بأشياء مُخْتَلِفة قليلاً عمّا كان عليه البْروتوكول المَعْمول به في هيكل أورشليم الذي نَعْرفه أكثر بكثير.

كانت التَّقاليد الجَّليلية مُطابقة تقريبًا للتَّقاليد اليهوديّة. اعْتَرَفَ الجَّليليّون بِسِلطة الكَهْنوت في أورَشليم، ولذلك اعْتَرَفوا بِهَيْكل هيرودُس في أورشليم كمَكان مُناسِب للتَّضْحِية. ولكن ……. كان لدى الجليليّين مُشْكلة. فقد كانوا بَعيدين جدًا عن أورَشليم، لذلك كان السَّفَر إلى هناك أصْعَب بكثير، واسْتَغْرَقَ وقتًا أطْوَل بكثير من أولئك العِبْرانيين الذين كانوا يَعيشون في يَهُوَّذا. كان على الجليليّين أن يَبْدأوا الاسْتِعْدادات لأعياد الحَج (خاصّة) في وقتٍ أبْكَر من إخْوَتهم اليَهوذيّين.

لذلك كانوا يَتلاعَبون قليلاً في جَدْوَل الأعياد، بما في ذلك مواعيد بِدء سَبْت الأعياد وانْتِهائها، وما كان مَسْموحًا وما كان مَحْظورًا في سَبْت الأعياد الخاصّة هذه.

دَعْني أدْخُل في صِلْب المَوضوع: كان يسوع وتلاميذه جَليليّين. كان من الطَّبيعي أن يُراعوا تقاليد الأعياد الجَّليليّة (كان من غير المَعْقول أن يَفْعَلوا غير ذلك). كان اليهود مُتَفَهِّمين الى حدٍّ ما بشأن المسافات التي كان على الجَليليِّين أن يَقْطَعوها ولذلك سَمَحوا بِتَقاليدهم المُخْتَلِفة قليلاً لاسْتيعاب هذه الصُّعوبة؛ لكنَّهم لم يَهْتَمّوا بِبَعض الإضافات الأخرى التي أدْخَلَها كل من الجَليليّين والسّامريّين على طُقوس عيد الفِصح والتي لم تَكُن لها علاقة بِمَسافات وأَوْقات السَّفَر: لقد أضافوا احْتِفالاً طَقْسيًّا لم يعْتَرِف به اليهود. كان هذا الإحْتِفال يُسَمّى "سوداه مافسيكت" وقد حَدَث هذا الإحْتِفال في الوقت الذي كان يَتَغَيَّر فيه اليَوم من يوم الثالث عَشَر الى الرابع عَشَر من شهر آفيف.

تَذَكَّروا الآن أن عيد الفِصح كان في الرابع عشر من أفيف. تَذَكَّروا أيضًا أن اليَوم يَتَغَيَّر في حوالي الساعة السّابعة مساءً.

في هذا الإحْتِفال رَكّز الجَليليّون والسَّامِريّون على جانب البِكر في الخُروج، مُذَكِّرين بأن أبْكار بني إسرائيل هم الّذين نَجوا من المَوت، وأبْكار المِصريّين هم الذين قُتلوا. لذلك أعْلَن الجَليليّون أن يوم الرابع عشر من أفيف، يوم عيد الفِصح، يكون يَوم صَوْم للأبكار من كل عائلة إكْرامًا للرَّب الذي أنْقَذ حياتَهم. ومع ذلك، أضافوا أيضًا وَجْبة طَقسيَّة تَحْدُث في بداية عيد الفِصح (الرابع عشر من أفيف تُسَمّى "سوداه مافسيكت". بما أن اليَوم العِبري يَتَغَيَّر عند غُروب الشَّمس، فإن الوَجبة الأولى في اليَوم الجديد لأي إسرائيلي هي وَجْبَة العَشاء ….. وَجْبَتُهم الَّلْيلية، أليس كذلك؟ بالنِّسبة للغَرْبيّين، فإن الوَجْبَة الأولى في اليَوم هي وجْبَة الإفطار، لأنها تَحْدُث عند شُروق الشَّمس تقريبًا، وهي بِداية يَومنا. لذلك كان أبْناء الجَليليّين البِكر (والسّامِريّين) يَتَناولون وَجْبَة في بداية يَوم الفِصحَجْبة عشاء)، ثم يَصومون لِمدّة أربع وعشرين ساعة التالية حتى يَحين وقت الفِصح الرّسمي (وجبة الفِصح).

دعوني أُكَرِّر حتى نكون جميعًا معًا: ما أقولُه لكم ليس تَخْمينًا أو تَفْسيرًا حديثًا جديدًا. هذا مَوجود في المِشناه العِبريَّة القديمة المعترف بها تمامًا من قبل اليهود المُتَدَيِّنين. بالمناسبة، هذا الإحْتِفال الإضافي بِتَناوُل وَجْبَة عشاء في بداية يوم عيد الفِصح

كان يُطلق عليه إسم "سوداه مافسيكت" وترجمته الحَرْفيّة هي……العشاء الأخير! كان عنوان العشاء الأخير بالنسبة لهم يعني أن هذا العشاء هو العشاء الأخير للعبْراني البِكْر الذي كان يعيش في الجليل أو السّامِرة (كانوا يَصومون) حتى يَحْتَفل مع سائر العِبرانيين بِعيد الفِصح. آمل أن تكون الفِكْرة بدأت تتَّضِح في ذِهْنك.

من المُعْتَرَف به منذ فترة طويلة أنه في العُصور القديمة كان هناك عيدان لِعيد الفِصح؛ أَحَدهما في اللّيلة التي تَسْبق عيد الفِصح والآخر ليلة عيد الفِصح. إن الذي يَحْدُث في ليلة عيد الفِصح هو الذي يَحْتَفِل به اليهود اليَوم، والذي يَعْرِفه المسيحيّون إلى حدٍّ كبير. ولكن بما أن التفاصيل مَدْفونة في أعْماق الوثائق التاريخيَّة اليهودية فقد تمّ إغْفال حَقيقة هذا الفِصح المُزْدَوِج، وكيف اخْتَلَفَت الوَجْبَتان، ومن شارَك فيهِما ولماذا وما الذي كان يُقدَّم.

أعْتَقِد أن هذه مَعلومات كافِية لاسْتيعابِها ليَوم واحد. فَكِّروا في ذلك بِعِناية خلال الأيام القليلة القادِمة، وسأضَع لكم في الأسبوع القادِم جَدْوَلاً زَمَنِيًّا من شأنِه أن يَفِكّ الكثير من الغُموض حَول مَوت وقِيامة يسوع في عيد الفِصح.